وتسمى سورة أذا جاء وعن ابن مسعود انها تسمى سورة التوديع لما فيها من الايماء الى وفاته عليه الصلاة والسلام وتوديعه الدنيا وما فيها وجاء في عدة روايات عن ابن عباس وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال حين نزلت نعيت الى نفسى وفي رواية البيهقى عنه أنه لما نزلت دعا عليه الصلاة والسلام فاطمة رضى الله تعالى عنها وقال انه قد نعيت الى نفسى فبكت ثم ضحكت فقيل لها فقالت أخبرني انه نعيت اليه بنفسه فبكيت ثم أخبرني بأنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت وقد فهم ذلك منها عمر رضي الله تعالى عنه وكان يفعل عليه الصلاة والسلام بعدها فعل مودع وهى مدنية على القول الاصح في تعريف المنى فقد أخرج الترمذي في مسنده والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة وعبد الله بن دينار وصدقة بن بشار عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسام أوسط أيام التشريق بمعنى وهو في حجة الوداع اذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها الخبر وأخرجه أيضا ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وغيرهما لكن قال الحافظ بن رجب بعد أن أخرجه عن الاولين أن اسناده ضعيف جدا وموسى بن عبيدة قال احمد لا تحل الرواية عنه وعليه ان صح يكون نزولها قريبا جدا من زمان وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم فان مابين حجة الوداع وإجابته عليه الصلاة والسلام داع الحق ثلاثة أشهر ونيف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال والله ما عاش صلى الله تعالى عليه وسلم بعد نزول اذا جاء نصر الله والفتح قليلا سنتين ثم توفي عليه الصلاة والسلام وفي البحر ان نزولها عند منصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم من خيبر وأنت تعلم أن غزوة خيبر كانت في سنة سبع أواخر المحرم فيكون ما في البين أكثر من سنتين ويدل على مدنيتها أيضا ما أخرجه مسلم وابن شيبة وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال خر سورة نزلت من القرآن جميعا اذا جاء نصر الله وآيها ثلاث بالاتفاق وفيها اشارة الى اضمحلال ملة الاصنام وظهور دين الله عز وجل على اتم وجه وهو وجه مناسبتها لما قبلها ويحتمل غير ذلك وهى على ما أخرج الترمذى وغيره من حديث أنس اذا جاء نصر الله والفتح ربع القرآن ولم اظفر بوجه ذلك وسيأتى ان شاء الله تعالى ما يتعلق به.
ﰡ
وتسمى سورة إذا جاء. وعن ابن مسعود أنها تسمى سورة التوديع لما فيها من الإيماء إلى وفاته عليه الصلاة والسلام وتوديعه الدنيا وما فيها.
وجاء في عدة روايات عن ابن عباس وغيره أنه صلّى الله عليه وسلم قال حين نزلت:
«نعيت إليّ نفسي»
وفي رواية للبيهقي عنه أنه لما نزلت دعا عليه الصلاة والسلام فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال: «إنه قد نعيت إليّ نفسي» فبكت ثم ضحكت، فقيل لها فقالت: أخبرني أنه نعيت إليه بنفسه فبكيت، ثم أخبرني بأنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت
. وقد فهم ذلك منها عمر رضي الله تعالى عنه وكان يفعل عليه الصلاة والسلام بعدها فعل مودع. وهي مدنية على القول الأصح في تعريف المدني، فقد أخرج الترمذي في مسنده والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة وعبد الله بن دينار وصدقة بن بشار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هذه السورة نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر: ١] حتى ختمها الخبر، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهما، لكن قال الحافظ ابن رجب بعد أن أخرجه عن الأولين إن إسناده ضعيف جدا، وموسى بن عبيدة قال أحمد لا تحل الرواية عنه وعليه إن صح يكون نزولها قريبا جدا من زمان وفاته صلّى الله عليه وسلم، فإن ما بين حجة الوداع وإجابته عليه الصلاة والسلام داع الحق ثلاثة أشهر ونيف. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال:
والله ما عاش صلّى الله عليه وسلم بعد نزول إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قليلا سنتين ثم توفي عليه الصلاة والسلام. وفي البحر إن نزولها عند منصرفه صلّى الله عليه وسلم من خيبر، وأنت تعلم أن غزوة خيبر كانت في سنة سبع أواخر المحرم فيكون ما في البين أكثر من سنتين ويدل على مدنيتها أيضا ما أخرجه مسلم وابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: آخر سورة نزلت في القرآن جميعا إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وآيها ثلاث بالاتفاق، وفيها إشارة إلى اضمحلال ملة الأصنام وظهور دين الله عز وجل على أتم وجه وهو وجه مناسبتها لما قبلها. ويحتمل غير ذلك وهي على ما
أخرج الترمذي وغيره من حديث أنس إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ربع القرآن
ولم أظفر بوجه ذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق به.
كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة فيقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي.
أخرجه ابن جرير من طريق الحصين بن عيسى عن معمر عن الزهري عن أبي حازم عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: «الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن» قيل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال «قوم رقيقة قلوبهم لينة طاعتهم الإيمان والفقه يمان والحكمة يمانية»
وأخرج أيضا من طريق عبد الأعلى عن معمر عن عكرمة مرسلا.
وقوله عليه الصلاة والسلام «الايمان يمان»
جاء في حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية» فقيل: قال صلّى الله عليه وسلم ذلك
لأن مكة يمانية ومنها بعث صلّى الله عليه وسلم وفشا الإيمان. وقيل أراد عليه الصلاة والسلام مدح الأنصار لأنهم يمانون وقد تبوءوا الدار والإيمان. وقول ابن عباس في الخبر في المدينة يعارض قول من قال إن ذلك إنما قاله صلّى الله عليه وسلم بتبوك وكان بينه وبين اليمن مكة والمدينة وهما دارا الإيمان ومظهراه ويحتمل تكرار القول، والظاهر أنه ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وقبولهم له بلا سيف، ويشمل الأنصار من أهل اليمن وغيرهم، فكأن الإيمان كان في سنخ قلوبهم فقبلوه كما أنهى إليهم كمن يجد ضالته ومثله في الثناء عليهم
قوله عليه الصلاة والسلام: «أجد نفس ربكم من قبل اليمن»
. وقال عصام الدين: يحتمل أن يكون الخطاب في رَأَيْتَ النَّاسَ عاما لكل مؤمن ثم قال: وما يختلج في القلب أن المناسب بقوله تعالى يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أن يحمل قوله سبحانه وَالْفَتْحُ على فتح باب الدين عليهم انتهى. وكلا الأمرين كما ترى. وقرأ ابن عباس كما أخرج أبو عبيدة وابن المنذر عنه «إذا جاء فتح الله والنصر» وقرأ ابن كثير في رواية يَدْخُلُونَ بالبناء للمفعول.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي فنزهه تعالى بكل ذكر يدل على التنزيه حامدا له جل وعلا زيادة في عبادته والثناء عليه سبحانه لزيادة إنعامه سبحانه عليك، فالتسبيح التنزيه لا التلفظ بكلمة سبحان الله، والباء للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال والحمد مضاف إلى المفعول. والمعنى على الجمع بين تسبيحه تعالى وهو تنزيهه سبحانه عما لا يليق به عز وجل من النقائص وتحميده وهو إثبات ما يليق به تعالى من المحامد له لعظم ما أنعم سبحانه به عليه عليه الصلاة والسلام. وقيل: أي نزهه تعالى عن العجز في تأخير ظهور الفتح وأحمده على التأخير، وصفه تعالى بأن توقيت الأمور من عنده ليس إلا لحمكة لا يعرفها إلّا هو عز وجل وهو كما ترى، وأيّد ذلك بما
في الصحيحين عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»
يتأول القرآن تعني هذا مع قوله تعالى وَاسْتَغْفِرْهُ أي اطلب منه أن يغفر لك وكذا بما
في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم عن عائشة أيضا قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي أخبرني أن سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره»
إلخ.
وروى ابن جرير من طريق حفص بن عاصم عن الشعبي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلّا قال: «سبحان الله وبحمده» قال: «إني أمرت بها» وقرأ السورة
وهو غريب.
وفي المسند عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ كان
. وجوز أن تكون الباء للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبحانه بما حمد سبحانه به نفسه. قال ابن رجب: إذ ليس كل تسبيح بمحمود، فتسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات وقد كان بشر المريسي يقول: سبحان ربي الأسفل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والظاهر الملابسة وجوز أن يكون التسبيح مجازا عن التعجب بعلاقة السببية فإن من رأى أمرا عجيبا قال: سبحان الله، أي فتعجب لتيسير الله تعالى ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم، وأحمده تعالى على صنعه وهذا التعجب تعجب متأمل شاكر يصح أن يؤمر به وليس الأمر بمعنى الخبر بأن هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما زعم ابن المنير. والتعليل بأن الأمر في صيغة التعجب ليس أمرا بين السقوط. نعم هذا الوجه ليس بشيء والأخبار دالة على أن ذلك أمر له صلّى الله عليه وسلم بالاستعداد للتوجه إلى ربه تعالى والاستعداد للقائه بعد ما أكمل دينه وأدى ما عليه من البلاغ. وأيضا ما ذكرناه من الآثار آنفا لا يساعد عليه. وقيل:
المراد بالتسبيح الصلاة لاشتمالها عليه ونقله ابن الجوزي عن ابن عباس أي فصل له تعالى حامدا على نعمه. وقد روى صلّى الله عليه وسلم لما دخل مكة صلى في بيت أم هانىء ثمان ركعات، وزعم بعضهم أنه صلاها داخل الكعبة وليس بالصحيح.
وأيّا ما كان فهي صلاة الفتح وهي سنّة وقد صلاها سعد يوم فتح المدائن وقيل: الضحى، وقيل أربع منها للفتح وأربع للضحى وعلى كل ليس فيها دليل على أن المراد بالتسبيح الصلاة والأخبار أيضا تساعد على خلافه واستغفاره صلّى الله عليه وسلم قيل لأنه كان دائما في الترقي فإذا ترقى إلى مرتبة استغفر لما قبلها. وقيل مما هو في نظره الشريف خلاف الأولى بمنصبه المنيف. وقيل: عما كان من سهو ولو قيل النبوة وقيل لتعليم أمته صلّى الله عليه وسلم، وقيل هو استغفار لأمته عليه الصلاة والسلام أي واستغفره لأمتك وجوز بعضهم كون الخطاب في رَأَيْتَ عاما وقال: هاهنا يجوز حينئذ أن يكون الأمر بالاستغفار لمن سواه عليه الصلاة والسلام وإدخاله صلّى الله عليه وسلم في الأمر تغليب وهذا خلاف الظاهر جدا، وأنت تعلم أن كل أحد مقصر عن القيام بحقوق الله تعالى كما ينبغي وأدائها على الوجه اللائق بجلاله جل جلاله وعظمته سبحانه وإنما يؤديها على قدر ما يعرف، والعارف يعرف أن قدر الله عز وجل أعلى وأجلّ من ذلك فهو يستحي من عمله ويرى أنه مقصر، وكلما كان الشخص بالله تعالى أعرف كان له سبحانه أخوف وبرؤية تقصيره أبصر وقد كان كهمس يصلي كل يوم ألف ركعة، فإذا صلى أخذ بلحيته ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء فو الله ما رضيتك لله عز وجل طرفة عين. وعن مالك بن دينار: لقد هممت أن أوصي إذا متّ أن ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده فإذا سألني قلت: يا رب إني لم أرض لك نفسي طرفة عين فيمكن أن يكون استغفاره عليه الصلاة والسلام لما يعرف من عظيم جلال الله تعالى وعظمته سبحانه فيرى أن عبادته وإن كانت أجل من عبادة جميع العابدين دون ما يليق بذلك الجلال وتلك العظمة التي هي وراء ما يخطر بالبال فيستحيي ويهرع إلى الاستغفار. وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، وللإشارة إلى قصور العابد عن الإتيان بما يليق بجلال المعبود وأن بذل المجهود شرع الاستغفار بعد كثير من الطاعات فذكروا أنه يشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثا وللمتهجد في الأسحار أن يستغفر ما شاء الله تعالى، وللحاج أن يستغفر بعد الحج فقد قال تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: ١٩٩]
وروي أنه يشرع لختم الوضوء، وقالوا: يشرع لختم كل مجلس
وقد كان صلّى الله عليه وسلم يقول إذا قام من المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك»
ففي الأمر بالاستغفار رمز من هذا الوجه على ما قيل إلى ما فهم من النعي، والمشهور أن ذلك للدلالة على مشارفة تمام أمر الدعوة وتكامل أمر الدين والكلام وإن كان مشتملا على التعليق وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار قيل على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق كما قيل: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله تعالى قبله
إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً أي منذ خلق المكلفين أي مبالغا في قبول توبتهم فليكن المستغفر التائب متوقعا للقبول فالجملة في موضع التعليل لما قبلها، واختيار تَوَّاباً على غفارا مع أنه الذي يستدعيه استغفره ظاهرا للتنبيه كما قال بعض الأجلّة على أن الاستغفار إنما ينفع إذا كان مع التوبة. وذكر ابن رجب أن الاستغفار المجرد هو التوبة مع طلب المغفرة بالدعاء والمقرون بالتوبة فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه سبحانه هو طلب المغفرة بالدعاء فقط. وقال أيضا: إن المجرد طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه وهذا الذي يمنع الإصرار كما
جاء: «ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة، ولا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار»
. والمقرون بالتوبة مختص بالنوع الأول فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي فهو دعاء محض، وإن صحبه ندم فهو توبة انتهى. والظاهر أن ذلك الدعاء المحض غير مقبول وفيه من سوء الأدب مع الله تعالى ما فيه. وقال بعض الأفاضل إن في الآية احتباكا والأصل واستغفره إنه كان غفارا وتب إليه إنه كان توابا وأيّد بما قدمناه من حديث الإمام أحمد ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها وحمل الزمان الماضي على زمان خلق المكلفين هو ما ارتضاه غير واحد. وقال الماتريدي في التأويلات: أي لم يزل توابا لا أنه سبحانه تواب بأمر اكتسبه وأحدثه على ما يقوله المعتزلة من أنه سبحانه صار توابا إذ أنشأ الخلق فتابوا فقبل توبتهم، فأما قبل ذلك فلم يكن توابا. وردّ عليه بأن قبول التوبة من الصفات الإضافية ولا نزاع في حدوثها. واختار بعضهم ما ذهب إليه الماتريدي على أن المراد أنه تعالى لم يزل بحيث يقبل التوبة ومآله قدم منشأ قبولها من الصفات اللائقة به جل شأنه وفي ذلك مما يقوي الرجاء به عز وجل ما فيه.
وصح «لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم. وفي الاستغفار خير الدنيا والآخرة»
أخرج الإمام أحمد من حديث عطية عن أبي سعيد مرفوعا: «من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت مثل رمل عالج، وإن كانت عدد ورق الشجر»
وأخرج أيضا من حديث ابن عباس: «من أكثر من الاستغفار جعل الله تعالى له من كل هم فرجا»
. وأنا أقول سبحان الله وبحمده أستغفر الله تعالى وأتوب إليه وأسأله أن يجعل لي من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا بحرمة كتابه وسيد أحبابه صلّى الله عليه وسلم.