تفسير سورة الهمزة

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكّيّة، وهي مائة وثلاثون حرفاً، وثلاث وثلاثون كلمة، وتسع آيات.
أخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا إسماعيل بن نحيل قال : حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي قال : سعيد بن حفص قال : قرأت على معقل بن عبد اللّه، عن عكرمة بن خالد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :" ( من قرأ سورة﴿ ويل لكل همزة ﴾أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه ).

سورة الهمزة
مكّيّة، وهي مائة وثلاثون حرفا، وثلاث وثلاثون كلمة، وتسع آيات
أخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا إسماعيل بن نحيل قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي قال سعيد بن حفص قال: قرأت على معقل بن عبد الله عن عكرمة ابن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) :«من قرأ سورة وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه» [٢٥٧].

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الهمزة (١٠٤) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال ابن عباس: هم المشّاءون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون، البراء: العنت. سعيد بن جبير وقتادة: الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم، واللمزة: الطعّان عليهم. مجاهد: الهمزة: الطعّان في الناس، واللمزة: الطعّان في أنساب الناس «١».
وقال أبو العالية والحسن وعطاء بن أبي رباح: الهمزة الذي يغيب ويطعن في وجه الرجل إذا أقبل، واللمزة الذي يغتابه من خلفه إذا أدبر وغاب. ضده مقاتل. مرّة: يعني كل طعّان عيّاب مغتاب للمرء إذا غاب، دليله قول زياد بن الأعجم:
إذا لقيتك عن شحط تكاشرني وإن تغيّبت كنت الهامز اللمزة «٢»
ابن زيد: الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويغيبهم.
(١) تفسير الطبري: ٣٠/ ٣٧٥.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٤٢٦، وتفسير القرطبي: ٢٠/ ١٨٢ مورد الآية.
285
سفيان الثوري: يهمز بلسانه ويلمز بعينه. ابن كيسان: الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير برأسه، ويومض بعينه، ويرمز بحاجبه، وهما لغتان للفاعل نحو سخرة وضحكة للذي يسخر ويضحك من الناس.
وروي عن أبي جعفر والأعرج بسكون الميم فيهما، فإن صحّت القراءة فهي في معنى المفعول، وهو الذي يتعرّض للناس حين يهمزوه ويضحكون منه، ويحملهم على الاغتياب.
وقرأ عبد الله والأعمش ويل للهمزة اللمزة، وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف، ومنه همز الحرف، ويحكى أنّ أعرابيّا قيل له: أتهمز الفارة؟ فقال: الهرّة تهمزها، وقال الحجاج:
ومن همزنا رأسه تهشما «١»
واختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية، فقال قوم: نزلت في جميل بن عامر الجمحي، وإليه ذهب ابن أبي الجمح، وقال الكلبي: نزلت في الأخنس بن شريق ووهب بن عمرو الثقفي وكان يقع في الناس ويغتابهم مقبلين ومدبرين.
وقال محمد بن إسحاق بن مسار: ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أميّة بن خلف الجمحي.
وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ويطعن في وجهه.
وقال مجاهد وغيره: ليست بخاصّة لأحد، بل كل من كانت هذه صفته «٢».
الَّذِي جَمَعَ مالًا قرأ شيبة ونافع وعاصم وابن كثير وأبو عمرو وأيّوب بتخفيف الميم، واختاره أبو حاتم، غيرهم بالتشديد واختاره أبو عبيد، واختلف فيه عن يعقوب.
وَعَدَّدَهُ أحصاه وقال مقاتل: استعدّه وذخره وجعله عتادا له، وقرأ الحسن وَعَدَدَهُ بالتخفيف وهو بعيد، وقد جاء مثل ذلك في الشعر لمّا أبرزوا التضعيف خفّفوه، قال الشاعر:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي إني أجود الأقوام وإن ضننوا «٣»
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ في الدنيا كَلَّا رد عليه.
أخبرني بن فتحويه قال: حدّثنا خنيس قال: حدّثنا أبو الهيثم بن الفضل قال: حدّثنا أبو زرعة قال: حدّثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدّثني حرملة بن عمر أنه سمع عمر
(١) لسان العرب: ٥/ ٤٢٥. [.....]
(٢) راجع تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٨٣.
(٣) الصحاح: ٦/ ٢١٥٦.
286
ابن عبد الله مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله سبحانه يقول: كَلَّا فإنما يقول: كذبت.
لَيُنْبَذَنَّ ليقذفنّ ويطرحنّ، وقرأ الحسن لينبذان بالألف على التثنية يريد هو وماله فِي الْحُطَمَةِ وهي النار سمّيت بذلك لأنّها تحطم أي تكسر وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ يعني يبلغ ألمها ووجعها القلوب، والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى، وحكي عن بعض العرب سماعا: متى طلعت أرضنا بمعنى بلغت، ومعنى الآية أنها تأكل شيئا منه حتى تنتهي إلى فؤاده.
قال القرظي والكلبي: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ مطبقة مغلقة فِي عَمَدٍ، قرأ أهل الكوفة بضمّتين، غيرهم بالنصب، واختاره أبو حاتم لقوله: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها «١» وهما جمعان للعمود مثل أديم وأدم، وأفيق وأفق، وقضيم وقضم، قال الفرّاء: وقال أبو عبيد: هو جمع عماد مثل أهاب وأهب وأهب.
مُمَدَّدَةٍ قراءة العامّة بالخفض على نعت العمد، وقرأ عاصم الجحدري مُمَدَّدَةٌ بالرفع جعلها نعتا للموصدة.
واختلفوا في معنى الآية، فقال ابن عباس: أدخلهم في عمد، فمدّت عليهم بعماد وفي أعناقهم السلاسل، فسدّت عليهم بها الأبواب.
وقال قتادة: بلغنا أنّها عمد يعذّبون بها في النار، وقيل: هي عمد موتّدة على أبوابها [ليتأكد أياسهم] منها، وقيل: معناه إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ بعمد، وكذلك هي في قراءة عبد الله:
بعمد، بالباء «٢».
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن كيّس فطن حذر وقاف ثبت، لا يعجل، عالم ورع، والمنافق همزة لمزة حطمة، [لا يقف عند شبهة ولا عند محرم] «٣» كحاطب الليل لا يبالي من أين كسب ولا فيما أنفق» [٢٥٨] «٤».
(١) سورة الرعد: ٢.
(٢) راجع لتفصيل ذلك تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٨٦.
(٣) في المصدر: لا يقف عند شبهة ولا عند محرم.
(٤) كنز العمال: ١/ ١٦٢.
287
Icon