ﰡ
﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ﴾ يقول: فليرين الله الذين ﴿ صَدَقُواْ ﴾ فى إيمانهم من هذه الأمة عند البلاء، فيصبروا لقضاء الله عز وجل.
﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ﴾ يقول: وليرين ﴿ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٣] فى إيمانهم فيشكوا عند البلاء. ثم وعظ كفار العرب، فقال سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ يعنى الشرك نزلت فى بنى عبد شمس ﴿ أَن يَسْبِقُونَا ﴾ يعنى أن يفوتونا بأعمالهم السيئة حتى يجزيهم بها فى الدنيا، فقتلهم الله عز وجل ببدر منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبى سفيان بن حرب، وعبيدة بن سعد بن العاص بن أمية، وعقبة بن أبى معيط، والعاص بن وائل، ثم قال عز وجل: ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [آية: ٤] يعنى ما يقضون، يعنى بنى عبد شمس بن عبد مناف. ثم قال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ ﴾ يقول: من خشى البعث فى الآخرة، فليعمل لذلك اليوم.
﴿ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ ﴾ يعنى يوم القيامة ﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٥] لقول بنى عبد شمس بن عبد مناف حين قالوا: إنا نعطى فى الآخرة ما يعطى المؤمنون، يعنى بالمؤمنين بنى هاشم، وبنى عبد المطلب بن عبد مناف، العليم به. نزلت ﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ ﴾ فى بنى هاشم، وبنى عبد المطلب ابنى عبد مناف، منهم على بن أبى طالب، وحمزة، وجعفر، عليهم السلام، وعبيدة بن الحارث، والحصين، والطفيل ابنا الحارث بن المطلب، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو هند، وأبو ليلى مولى النبى صلى الله عليه وسلم، وأيمن ابن أم أيمن قتيل يوم حنين، رضى الله عنه، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ يقول: من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه، يقول: إنما أعمالهم لأنفسهم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦] يعنى عن أعمال القبيلتين بنى هاشم، وبنى عبد المطلب، ابنى عبد مناف.
﴿ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨] يعنى سعداً، رضى الله عنه، وذلك أنه حين أسلم حلفت أمه لا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً، ولا تدخل [كنا]، حتى يرجع سعد عن الإسلام، فجعل سعد يترضاها، فأبت عليه، وكان بها باراً فأتى سعد، رضى الله عنه، النبى صلى الله عليه وسلم، فشكى إليه فنزلت فى سعد، رضى الله عنه، هذه الآية، فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يترضاها ويجهد بها على أن تأكل وتشرب، فأبت حتى يئس منها، وكان أحب ولدها إليها.﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٩] ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ ﴾ نزلت فى عياش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشى، وذلك أن عياشاً أسلم، فخاف أهل بيته، فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النبى صلى الله عليه وسلم إليها، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن أبى جندل بن نهشل التميمى ألا تأكل ولا تشرب، ولا تغسل رأسها، ولا تدخل كنا حتى يرجع إليها، فصبرت ثلاثة أيام، ثم أكلت وشربت، فركب أبو جهل عدو الله والحارث ابنا هشام، وهما أخواه لأمه، وهما بنو عم حتى أتيا المدينة، فلقياه، فقال أبو جهل لأخيه عياش: قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها، وآثر عندها، لأنه كان أصغرهم سناً، وكان بها باراً، وقد حلفت أمك ألا تأكل، ولا تشرب، ولا تغسل رأسها، ولا تدخل بيتاً، حتى ترجع إليها، وأنت تزعم أن فى دينك بر الوالدين، فارجع إليها، فإن ربك الذى بالمدينة هو بمكة فاعبدوه بها، فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا يحركاه، فاتبعهما، فأوثقاه، ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل فى عياش: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ ﴾ يعنى صدقنا بتوحيد الله.
﴿ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ ﴾ يعنى ضربهما إياه ﴿ جَعَلَ فِتْنَة النَّاسِ ﴾ يقول: جعل عذاب الناس فى الدنيا كعذاب الله فى الآخرة، كقوله عز وجل:﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾[الذاريات: ١٣]، يعنى يعذبون. ثم استأنف ﴿ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾ على عدوك بمكة وغيرها، إذا كان للمؤمنين دولة ﴿ لَيَقُولُنَّ ﴾ المنافقون للمؤمنين ﴿ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ على عدوكم، وإذا رأوا دولة للكافرين شكوا فى إيمانهم.
﴿ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ ﴾ يعنى عز وجل، أو ما الله ﴿ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠] من الإيمان والنفاق.﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ﴾ يعنى وليرين الله ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعنى صدقوا عند البلاء والتمحيص.
﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ﴾ يعنى وليرين ﴿ ٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ [آية: ١١] فى إيمانهم، فيشكوا عند البلاء والتمحيص.
﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ١٣]، من الكذب؛ لقولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله عز وجل.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ﴾، يدعوهم إلى الإيمان بالله عز وجل، فكذبوه.
﴿ فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آية: ١٤]، يعنى الماء طغى على كل شىء، فأغرقوا.﴿ فأَنْجَيْناهُ ﴾، يعنى نوحاً، عليه السلام.
﴿ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ ﴾ من الغرق.
﴿ وَجَعَلْنَاهَآ ﴾، يعنى السفينة ﴿ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٥]، يعنى لمن بعدهم من الناس.
﴿ وَٱتَّقُوهُ ﴾، يعنى واخشوه.
﴿ ذٰلِكُمْ ﴾، يعنى عبادة الله.
﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ من عبادة الأوثان.
﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٦]، ولكنكم لا تعلمون.﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً ﴾، يعنى أصناماً.
﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ﴾، يعنى تعملونها بأيديكم، ثم تزعمون أنها آلهة كذباً وأنتم تنحتونها، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾[الصافات: ٩٦] بأيديكم من الأصنام، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة.
﴿ لاَ يَمْلِكُونَ ﴾ ن يقول: لا يقدرون ﴿ لَكُمْ رِزْقاً ﴾، على رزق.
﴿ فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ ﴾، يعنى وحدوه.
﴿ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾، واشكروا الله فى النعم، فإن مصيركم إليه، فذلك قوله تعالى: ﴿ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ١٧]، أحياء بعد الموت.﴿ وَإِن تُكَذِّبُواْ ﴾، يعنى كفار مكة يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم بالعذاب وبالبعث.
﴿ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾، يعنى من قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب.
﴿ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ١٨]، يقول: وما على النبى صلى الله عليه وسلم إلا ان يبين لكم أمر العذاب.﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾، كما خلقهم، يقول: أولم يعلم كفار مكة كيف بدأ الله عز وجل خلق الإنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة ثم عظاماً، ثم لحماً، ولم يكونوا شيئاً، ثم هلكوا، ثم يعيدهم فى الآخرة ﴿ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [آية: ١٩]، يقول: إعادتهم فى الآخرة على الله عز وجل هين. ثم قال للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾؛ ليعتبروا فى أمر البعث ﴿ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ﴾، يعنى خلق السموات والأرض وما فيها من الخلق؛ لأننهم يعلمون أن الله عز وجل خلق الأشياء كلها.
﴿ ثُمَّ ﴾ إن ﴿ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ ﴾، يعنى بعيد الخلق الأول، يقول: هكذا يخلق الخلق الآخر، يعنى البعث بعد الموت كما بدأ الخلق الأول، إنما ذكر النشأة الآخرة؛ لأنها بعد الخلق الأول.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من البعث وغيره.
﴿ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٢٠].
﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [آية: ٢١]، يعنى وإليه ترجعون بعد الموت يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم.
﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾، يعنى كفار مكة بمعجزين، يعنى بسابقين الله عز وجل فتفوتوه.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ كنتم.
﴿ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾، كنتم أينما كنتم حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة.
﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ ﴾، يعنى من قريب لينفعكم.
﴿ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [آية: ٢٢]، يعنى ولا مانع يمنعكم من الله عز وجل.
﴿ وَلِقَآئِهِ ﴾، وكفروا بالبعث.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي ﴾، يعنى من جنتى.
﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢٣]، يعنى وجيعاً. ثم ذكر إبراهيم، عليه السلام، فى التقديم، قال: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾، يعنى قوم إبراهيم، عليه السلام، حين دعاهم إلى الله عز وجل ونهاهم عن عبادة الأصنام.
﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ﴾ بالنار، فقذفوه فى النار.
﴿ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ ﴾، يعنى عز وجل إن فى النار التى لم تحرق إبراهيم، عليه السلام، لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٢٤]، يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل.﴿ وَقَالَ ﴾ لهم إبراهيم، عليه السلام.
﴿ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ ﴾ الأوثان آلهة.
﴿ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ عز وجل.
﴿ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، يعنى بين الأتباع والقادة مودة على عبادة الأصنام.
﴿ ثُمَّ ﴾ إذا كان ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ﴾، يقول: تتبرأ القادة من الأتباع.
﴿ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾، يقول: ويلعن الأتباع القادة من الأمم الخالية وهذه الأمة، ثم قال لهم إبراهيم، عليه السلام: ﴿ وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ ﴾، يعنى مصيركم إلى النار.
﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [آية: ٢٥]، يعنى مانعين من العذاب يمنعونكم منه.﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾، يعنى فصدق بإبراهيم لوط، عليهما السلام، وهو أول من صدق بإبراهيم حين رأى إبراهيم لم تضره النار.
﴿ وَقَالَ ﴾ إبراهيم، عليه السلام: ﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ ﴾، يعنى هجر قومه المشركين من أرض كوثا هو ولوط، وسارة أخت لوط، عليهم السلام، إلى الأرض المقدسة.
﴿ إِلَىٰ رَبِّيۤ ﴾، يعنى إلى رضا ربى، وقال فى الصافات:﴿ إنَّىٰ ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ ﴾، يعنى إلى رضا ربى،﴿ سَيَهْدِينِ ﴾[الصافات: ٩٩]، فهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٢٦].
﴿ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ ابن إسحاق بالأرض المقدسة.
﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ﴾، يعنى ذرية إبراهيم.
﴿ ٱلنُّبُوَّةَ ﴾، يعنى إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، عليهم السلام.
﴿ وَٱلْكِتَابَ ﴾، يعنى صحف إبراهيم.
﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ ﴾، يعنى أعطيناه جزاءه.
﴿ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾، يعنى الثناء الحسن والمقالة الحسنة من أهل الأديان كلها؛ لمضيه على رضوان الله حين ألقى فى النار، وكسر الأصنام، ومضيه على ذبح ابنه، فجميع أهل الأديان يقولون: إبراهيم منا لا يتبرأ منه أحد.
﴿ وَإِنَّهُ ﴾، يعنى إبراهيم ﴿ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٢٧]، نظيرها فى النحل.﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ ﴾، يعنى المعصية، يعنى إتيان الرجال فى أدبارهم ليلاً ﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٨]، فيما مضى قبلكم، وكانوا لا يأتون إلا الغرباء. ثم قال عز وجل: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ ﴾، يعنى المسافر، وذلك أنهم إذا جلسوا فى ناديهم، يعنى فى مجالسهم رموا ابن السبيل بالحجارة والخذف فيقطعون سبيل المسافر، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ ﴾، يعنى فى مجالسكم المنكر، يعنى الحذف بالحجارة ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾، أى قوم لوط، عليه السلام، حين نهاهم عن الفاحشة والمنكر.
﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ للوط، عليه السلام: ﴿ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٢٩]، يعنى بأن العذاب نازل بهم فى الدنيا. فدعا لوط ربه عز وجل فـ ﴿ قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٣٠]، يعنى العاصين، يعنى بالفساد إتيان الرجال فى أدبارهم، يقول: رب انصرنى بتحقيق قولى فى العذاب عليهم بما كذبون، يعنى بتكذيبهم إياى حين قالوا: إن العذاب ليس بنازل بهم فى الدنيا، فأهلكهم الله عز وجل بالخسف والحصب، وكان لوط، عليه السلام، قد أنذرهم العذاب، فذلك قوله:﴿ وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا ﴾[القمر: ٣٦]، يعنى عذابنا.﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ ﴾، يعنى الملائكة ﴿ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ ﴾ بالولد.
﴿ قَالُوۤاْ ﴾ لإبراهيم: ﴿ إِنَّا مُهْلِكُوۤاْ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ﴾، يعنون قرية لوط.
﴿ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ٣١].
﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾، يعنى لوطاً، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ ﴾ [آية: ٣٢]، يعنى الباقين فى العذاب.
﴿ لُوطاً ﴾، وحسب أنهم من الإنس.
﴿ سِيءَ بِهِمْ ﴾، يعنى كرههم لوط لصنيع قومه بالرجال.
﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ﴾، يعنى بضيافة الملائكة ذرعاً، يعنى مخافة عليهم أن يفضحوهم.
﴿ وَقَالُواْ ﴾، وقالت الرسل للوط، عليه السلام: ﴿ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ ﴾؛ لأن قومه وعدوه، فقالوا: معك رجال سحروا أبصارنا، فستعلم ما تلقى عذابهم، فقالت الرسل.
﴿ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ﴾، ثم استثنى امرأته، فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ ﴾ [آية: ٣٣] يعنى من الباقين فى العذاب فهلك قوم لوط، ثم أهلكت بعد بحجر أصابها فقتلها.﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً ﴾، يعنى عذاباً.
﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ على قرى لوط، يعنى الخسف والحصب.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ [آية: ٣٤]، يعنى يعصون.
﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً ﴾، يعنى من قرية لوط آية.
﴿ بَيِّنَةً ﴾، يعنى علامة واضحة، يعنى هلاكهم.
﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٣٥]، بتوحيد الله عز وجل، كانت قرية لوط بين المدينة والشام، وولد للوط بعد هلاك قومه ابنتان، وكان له ابنتان قبل هلاكهم، ثم مات لوط، وكان أولاده مؤمنين من بعده.
﴿ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعنى وحدوا الله.
﴿ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ آلآخِرَ ﴾، يعنى واخشوا البعث الذى فيه جزاء الأعمال.
﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ ﴾، يعنى ولا تسعوا.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٣٦]، يعنى بالمعاصى فى نقصان الكيل والميزان، وهو الفساد فى الأرض.﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ بالعذاب حين أوعدهم أنه نازل بهم فى الدنيا.
﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ ﴾، يعنى عز وجل فى محلتهم وعسكرهم.
﴿ جَاثِمِينَ ﴾ [آية: ٣٧ }، أمواتاً خامدين مثل النار إذا أطفئت، بينما هى تقد إذا هى طفئت، فشبه أرواحهم فى أجسادهم وهم أحياء مثل النار إذا تقد، ثم شبه هلاكهم بالنار إذا طفئت، بينما هم أحياء إذا صاح بهم جبريل، عليه السلام، فصعقوا أمواتاً أجمعين.﴿ وَ ﴾ أهلكنا ﴿ وَعَاداً وَثَمُودَاْ ﴾، وهما ابنا عم.
﴿ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم ﴾ يا أهل مكة.
﴿ مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ﴾ يعنى منازلهم آية فى هلاكهم ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ السية.
﴿ فَصَدَّهُمْ ﴾ الشيطان ﴿ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾، أى طريق الهدى.
﴿ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ [آية: ٣٨] فى دينهم يحسبون أنهم على هدى.﴿ وَ ﴾ أهلكنا ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ ﴾، واسمه فيطوس.
﴿ وَهَامَانَ ﴾ قهرمان فرعون ودستوره.
﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، أخبرهم أن العذاب نازل بهم فى الدنيا، فكذبوه وادعوا أنه غير نازل بهم فى الدنيا.
﴿ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ ﴾ [آية: ٣٩]، يعنى فتكبروا بذنوبهم، يعنى بتكذيبهم الرسل، كقوله تعالى:﴿ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾[التوبة: ١٠٢]، يعنى بتكذيبهم الرسل، وكفروا به،﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ ﴾[الشمس: ١٤]، يعنى بتكذيبهم صالحاً. قال عز وجل: ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ﴾، يعنى من الحجارة، وهم هوم لوط.
﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ ﴾، يعنى صيحة جبريل، عليه السلام، وهم قوم صالح، وقوم شعيب، وقوم هود، وقوم إبراهيم.
﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ ﴾، يعنى قارون وأصحابه.
﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ﴾، يعنى قوم نوح، وقوم فرعون.
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾، فيعذبهم على غير ذنب.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آية: ٤٠]، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ﴾ وذلك أن الله عز وجل ضرب مثل الصنم فى الضعف، يعنى كشبه العنكبوت إذا ﴿ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ﴾ يعنى أضعف ﴿ ٱلْبُيُوتِ ﴾ كلها ﴿ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ ﴾ فكذلك ضعف الصنم هو أضعف من بيت العنكبوت ﴿ لَوْ ﴾ يعنى إن ﴿ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤١] ولكن لا يعلمون. ثم قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾ يعني الأصنام ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٤٢] يعنى العزيز فى ملكه الحكيم فى أمره. ثم قال عز وجل: ﴿ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ﴾ يقول: وتلك الأشباه نبينها لكفار مكة، فيما ذكر من أمر الصنم.
﴿ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ ﴾ [آية: ٤٣] يقول: الذين يعقلون عن الله عز وجل الأمثال.﴿ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ﴾ لم يخلقهما باطلاً لغير شىء خلقهما لأمر هو كائن ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٤٤] يقول: إن فى خلقهما لعبرة للمصدقين بتوحيد الله عز وجل.﴿ ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ يعنى اقرأ على أهل الكتاب ما أنزل إليك من القرآن، ثم قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ ﴾ يعنى وأتم ﴿ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ ﴾ يعنى عن المعاصى ﴿ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾ يعنى المنكر ما لا يعرف يقول: إن الإنسان ما دام يصلى لله عز وجل، فقد انتهى عن الفحشاء والمنكر لا يعمل بها ما دام يصلى حتى ينصرف، ثم قال عز وجل: ﴿ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ يعنى إذا صليت لله تعالى فذكرته فذكرك الله بخير، وذكر الله إياك أفضل من ذكرك إياه فى الصلاة.
﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [آية: ٤٥] فى صلاتكم.
﴿ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ فيها تقديم، يقول: جادلهم قل لهم بالقرآن وأخبرهم عن القرآن، نسختها آية السيف فى براءة فقال تعالى:﴿ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِر ﴾[التوبة: ٢٩] ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ ﴾ لهم يعنى ظلمة اليهود ﴿ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا ﴾ يعنى القرآن ﴿ وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ يعنى التوراة ﴿ وَ ﴾ قولوا لهم: ﴿ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ ﴾ ربنا وربكم واحد ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آية: ٤٦] يعنى مخلصين بالتوحيد.﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ يعنى وهكذا ﴿ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ ﴾ كما أنزلنا التوراة على أهل الكتاب، ليبين لهم عز وجل يعنى ليخبرهم، ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه، فقال سبحانه: ﴿ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ يعنى أعطيناهم التوراة، يعنى ابن سلام وأصحابه ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يصدقون بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم أنه من الله عز وجل، ثم ذكر مسلمى مكة، فقال: ﴿ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ﴾ يعنى يصدق بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم أنه من الله جاء، ثم قال: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾ يعنى آيات القرآن بعد المعرفة، لأنهم يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبى، وأن القرآن حق من الله عز وجل: ﴿ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ ﴾ [آية: ٤٧] من اليهود.﴿ وَمَا كُنتَ ﴾ يا محمد ﴿ تَتْلُو ﴾ يعنى تقرأ ﴿ مِن قَبْلِهِ ﴾ يعنى من قبل القرآن ﴿ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ فلو كنت يا محمد تتلوا القرآن أو تخطه، لقالت اليهود، إنما كتبه من تلقاء نفسه، و ﴿ إِذاً لاَّرْتَابَ ﴾ يقول: وإذَّا لشك ﴿ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴾ [آية: ٤٨] يعنى الكاذبين، يعنى كفار اليهود إذَّا لشكوا فيك يا محمد، إذا لقالوا: إن الذى نجد فى التوراة نعته، هو أمى لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده. ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة، فقال: ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ يا محمد ﴿ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ﴾ يعنى علامات واضحات بأنه أمى لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده.
﴿ فِي صُدُورِ ﴾ يعنى فى قلوب ﴿ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ بالتوراة، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه، ثم قال عز وجل: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾ يعنى ببعث محمد صلى الله عليه وسلم فى التوراة بأنه أمى لا يقرأ الكتاب، ولا يخطه بيده، وهو مكتوب فى التوراة، فكتموا أمره وجحدوا، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾ يعنى ببعث محمد صلى الله عليه وسلم فى التوراة ﴿ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٤٩] يعنى كفار اليهود.﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ قال كفار مكة: هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيات من ربه إلينا، كما كان تجئ إلىقومهم، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، قال: ﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ فإذا شاء أرسلها وليست بيدى.
﴿ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٥٠].
فلما سألوه الآية، قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ﴾ بالآية من القرآن ﴿ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ فيه خبر ما قبلهم، وما بعدهم.
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾ يعنى عز وجل فى القرآن ﴿ لَرَحْمَةً ﴾ لمن آمن به وعمل به.
﴿ وَذِكْرَىٰ ﴾ يعنى وتذكرة ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥١] يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل، فكذبوا بالقرآن فنزل:
﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ ﴾ استهزاء وتكذيباً به، ونزلت فى النضر بن الحارث، حيث قال:﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا ﴾فى الدنيا﴿ حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الأنفال: ٣٢] يقول: ذلك استهزاء وتكذيباً، فنزلت فيه: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ فى الآخرة ﴿ لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ ﴾ الذى استعجلوه فى الدنيا.
﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ ﴾ العذاب فى الآخرة ﴿ بَغْتَةً ﴾ يعنى فجأة ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٥٣] يعنى لا يعلمون به حتى ينزل بهم العذاب. ثم قال سبحانه: ﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ ﴾ يعنى النضر بن الحارث.
﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٥٤].
ثم أخبر بمنازلهم يوم القيامة، فقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ ﴾ وهم فى النار ﴿ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ يعنى بذلك لهم من فوقهم ظل من النار ومن تحتهم ظلل، يعنى بين طبقتين من نار.
﴿ وَيِقُولُ ﴾ لهم الخزنة: ﴿ ذُوقُواْ ﴾ جزاء ﴿ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٥٥] من الكفر والتكذيب.
﴿ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾ يفعل ذلك ﴿ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ بإقرارهم بذلك ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٣] بتوحيد ربهم، وهم مقرون بأن الله عز وجل خلق الأشياء كلها وحده.
﴿ وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾ إلى منتهى آجالهم ﴿ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٦] هذا وعيد.﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا ﴿ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ فيقتلون ويسبون فادفع عنهم، وهم يأكلون رزقى ويعبدون غيرى، فلست أسلط عليهم عدوهم إذا أسلموا نزلت فى الحارث بن نوفل القرشى، نظيرها فى " طسم " القصص، ثم بين لهم ما يعبدون، فقال سبحانه: ﴿ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ ﴾؟ يعنى أفبالشيطان يصدقون أن لله تعالى شريكاً.
﴿ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ الذى أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف ﴿ يَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٦٧] فلا يؤمنون برب هذه النعمة، فيوحدونه عز وجل. ثم قال تعالى ذكره: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ يقول: فلا أحد أظلم.
﴿ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى بالتوحيد ﴿ لَمَّا جَآءَهُ ﴾ يعنى حين جاءه، ثم قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ ﴾ يقول: أما لهذا المكذب بالتوحيد فى جهنم ﴿ مَثْوًى ﴾ يعني مأوى ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٦٨] بالتوحيد.﴿ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا ﴾ يعنى عملوا بالخير لله عز وجل، مثلها فى آخر الحج.
﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ يعنى ديننا ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٦٩] لهم فى العون لهم.