تفسير سورة الطلاق

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا النَّبِي﴾ وَأمته ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء﴾ يَقُول قل لقَوْمك إِذا أردتم أَن تطلقوا النِّسَاء ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ عِنْد طهورهن طواهر من غير جماع ﴿وَأَحْصُواْ الْعدة﴾ احْفَظُوا طهرهن من ثَلَاث حيض وَالْغسْل مِنْهَا بِانْقِضَاء الْعدة ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله ﴿رَبَّكُمْ﴾ وَلَا تطلقوهن غير طواهر بِغَيْر السّنة ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ الَّتِي طلقن فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة ﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ﴾ حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ إِلَّا أَن يجئن بِمَعْصِيَة بَيِّنَة وَهِي أَن تخرج فِي الْعدة بِغَيْر إِذن زَوجهَا فإخراجهن فِي الْعدة مَعْصِيّة وخروجهن فِي عدتهن مَعْصِيّة وَيُقَال إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة بِالزِّنَا مبينَة بأَرْبعَة شُهُود فَتخرج فترجم ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ الله﴾ هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي النِّسَاء للطَّلَاق من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله﴾ يتَجَاوَز أَحْكَام الله وفرائضه مَا أَمر بِهِ من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ ضرّ نَفسه ﴿لاَ تَدْرِى﴾ لَا تعلم يَعْنِي بِهِ الزَّوْج ﴿لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِك﴾ بعد التطليقة الْوَاحِدَة وَقبل الْخُرُوج من الْعدة ﴿أَمْراً﴾ حبا ومراجعة
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ فَإِذا انْقَضتْ عدتهن من ثَلَاث قبل أَن يغتسلن من الْحَيْضَة الثَّالِثَة ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ فراجعوهن ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بِإِحْسَان قبل الِاغْتِسَال وَأَن يحسن صحبتهَا ومعاشرتها ﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ﴾ أَو اتركوهن ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بِإِحْسَان لَا تطولوا عَلَيْهِنَّ الْعدة وتؤدوا حَقّهَا ﴿وَأَشْهِدُواْ﴾ على الطَّلَاق والمراجعة ﴿ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُم﴾ رجلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ مرضين ﴿وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَة لِلَّهِ﴾ وَقومُوا بِالشَّهَادَةِ لله عِنْد الْحُكَّام (ذَلِكُم) الَّذِي ذكرت من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى وَإِقَامَة الشَّهَادَة وَغَيرهَا ﴿يُوعَظُ بِهِ﴾ يُؤمر بِهِ ﴿مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَيُقَال نزلت من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فى شَأْن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين طلق حَفْصَة وَفِي سِتَّة نفر من أَصْحَابه ابْن عمر وَأَصْحَابه طلقوا نِسَاءَهُمْ غير طواهر فنهاهم الله عَن ذَلِك لِأَنَّهُ لغير السّنة وعلمهم طَلَاق السّنة إِذا طلقوا نِسَاءَهُمْ كَيفَ يطلقون ﴿وَمَن يَتَّقِ الله﴾ عِنْد الْمعْصِيَة فيصبر ﴿يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾ من الشدَّة وَيُقَال من الْمعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة وَيُقَال من النَّار إِلَى الْجنَّة
﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ لَا يأمل نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ الَّذِي اسر الْعَدو ابْنا لَهُ فجَاء بعد ذَلِك مَعَ إبل كَثِيرَة ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله﴾ وَمن يَثِق بِاللَّه فِي الرزق ﴿فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ كافيه ﴿إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ مَاض أمره وقضاؤه فِي الشدَّة والرخاء وَيُقَال نَافِذ أمره وتدبيره
475
﴿قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الشدَّة والرخاء ﴿قَدْراً﴾ أَََجَلًا يَنْتَهِي
476
فَلَمَّا بَين الله عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يحضن قَامَ معَاذ فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يئسن من الْمَحِيض فَنزل ﴿واللائي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيض﴾ من الْكبر ﴿مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم﴾ شَكَكْتُمْ فِي عدتهن ﴿فَعِدَّتُهُنَّ﴾ فِي الطَّلَاق ﴿ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ﴾ فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله فِي اللائي لم يحضن للصغر مَا عدتهن فَنزل ﴿واللائي لَمْ يَحِضْنَ﴾ من الصغر فعدتهن أَيْضا ثَلَاثَة أشهر فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة الْحَوَامِل فَنزل ﴿وَأُوْلاَتُ الْأَحْمَال﴾ يَعْنِي الحبالى ﴿أَجَلُهُنَّ﴾ عدتهن ﴿أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ ولدهن ﴿وَمَن يَتَّقِ الله﴾ فِيمَا أمره ﴿يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ يهون عَلَيْهِ أمره وَيُقَال يرزقه عبَادَة حَسَنَة فِي سريرة حَسَنَة
﴿ذَلِك أَمْرُ الله﴾ هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه ﴿أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ﴾ بَينه لكم فِي الْقُرْآن ﴿وَمَن يَتَّقِ الله﴾ فِيمَا أمره ﴿يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾ يغْفر لَهُ ذنُوبه ﴿وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ ثَوابًا فى الْجنَّة
ثمَّ رَجَعَ إِلَى المطلقات فَقَالَ ﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ أنزلوهن يَعْنِي المطلقات يَقُول للأزواج ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ من أَيْن سكنتم ﴿مِّن وُجْدِكُمْ﴾ من سعتكم على قدر ذَلِك من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى ﴿وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ﴾ يَعْنِي المطلقات فِي النَّفَقَة وَالسُّكْنَى ﴿لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ﴾ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فتظلموهن بذلك ﴿وَإِن كُنَّ﴾ المطلقات ﴿أُوْلاَتِ حَمْلٍ﴾ حبالى ﴿فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ﴾ يَعْنِي الزَّوْج ﴿حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ ولدهن ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ الْأُمَّهَات ولدا لكم ﴿فَآتُوهُنَّ﴾ أعطوهن يَعْنِي الْأُمَّهَات ﴿أُجُورَهُنَّ﴾ يَعْنِي النَّفَقَة على الرَّضَاع ﴿وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ﴾ وأنفقوا يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة فِيمَا بَيْنكُم ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ على أَمر مَعْرُوف من النَّفَقَة على الرَّضَاع بِغَيْر إِسْرَاف وتقتير ﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ﴾ فِي النَّفَقَة وأبت الْأُم ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ﴾ للْوَلَد ﴿أُخْرَى﴾ فتطلب لَهُ أُخْرَى غير الْأُم
﴿لِيُنفِقْ﴾ الْأَب ﴿ذُو سَعَةٍ﴾ ذُو غنى ﴿مِّن سَعَتِهِ﴾ على قدر غناهُ ﴿وَمَن قُدِرَ﴾ قتر ﴿عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ معيشته ﴿فَلْيُنفِقْ﴾ على الْمُرْضع ﴿مِمَّآ آتَاهُ الله﴾ على قدر مَا أعطَاهُ الله من المَال ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً﴾ من النَّفَقَة على الرَّضَاع ﴿إِلاَّ مَآ آتَاهَا﴾ إِلَّا على قدر مَا أعطَاهُ من المَال ﴿سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ﴾ فِي النَّفَقَة ﴿يُسْراً﴾ بعد الْفقر غنى فالمعسر ينْتَظر الرزق من الله
﴿وكأين من قَرْيَة﴾ وَكم من أهل قَرْيَة ﴿عَتَتْ﴾ عَصَتْ وأبت ﴿عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا﴾ عَن قبُول أَمر رَبهَا وَطَاعَة رَبهَا ﴿وَرُسُلِهِ﴾ عَن إِجَابَة الرُّسُل وَعَما جَاءَت بِهِ الرُّسُل ﴿فَحَاسَبْنَاهَا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿عَذَاباً نُّكْراً﴾ شَدِيدا مقدم ومؤخر
﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ عُقُوبَة أمرهَا فِي الدُّنْيَا بِالْهَلَاكِ ﴿وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿خُسْراً﴾ إِلَى خسران
﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿عَذَاباً شَدِيداً﴾ غليظاً لوناً بعد لون ﴿فَاتَّقُوا الله﴾ فاخشوا الله ﴿يَا أولي الْأَلْبَاب﴾ يَا ذَوي الْعُقُول من النَّاس ﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً﴾
﴿رَّسُولاً﴾ ذكرا مَعَ الرَّسُول ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿آيَاتِ الله﴾ الْقُرْآن ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ واضحات بَيِّنَات بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لِّيُخْرِجَ الَّذين آمَنُواْ﴾ قد أخرج الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿وَمن يُؤمن بِاللَّه﴾ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَيَعْمَلْ صَالِحاً﴾ خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿يُدْخِلْهُ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا وغرفها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً﴾ قد أعد الله لَهُ ثَوابًا فِي الْجنَّة
﴿الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة ﴿وَمِنَ الأَرْض مِثْلَهُنَّ﴾ سبعا وَلكنهَا منبسطة ﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمر بَيْنَهُنَّ﴾ يَقُول تتنزل الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة من السَّمَوَات من عِنْد الله ﴿لِتَعْلَمُوا﴾ لكَي تعلمُوا وتقروا ﴿أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أهل السَّمَوَات وَالْأَرضين ﴿قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً﴾ أَي قد أحَاط علمه بِكُل شىء
476
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التَّحْرِيم وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاث عشرَة وكلماتها مِائَتَان وتسع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسِتُّونَ حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
477
Icon