بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الفيل، وهي مكية.ﰡ
غزوا الْكَعْبَة، وقصدوا تخريبها وهدمها، وَأَصَح مَا حكى فِي سَببه أَن أَبْرَهَة كَانَ نَصْرَانِيّا بني بيعَة بِصَنْعَاء الْيمن، وزينها بالفاخر من الثِّيَاب والجواهر، وَقَالَ: بنيت هَذَا، يحجه الْعَرَب وأكفهم عَن حج الْكَعْبَة، وَأمر النَّاس بذلك وأجبرهم عَلَيْهِ، فجَاء رجل من الْعَرَب - وَقيل: إِنَّه كَانَ من بني كنَانَة - وَدخل الْبيعَة، وأحدث فِيهَا وهرب، فَذكر ذَلِك لأبرهة فَغَضب غَضبا شَدِيدا وَحلف بالنصرانية والمسيح ليغزون الْكَعْبَة، وليهدمنها حجرا حجرا، ثمَّ إِنَّه غزا الْكَعْبَة مَعَ جَيش عَظِيم.
وَفِيه قصَّة طَوِيلَة، وسَاق مَعَ نَفسه فيلا يُقَال لَهُ: مَحْمُود، وَقيل: كَانَت ثَمَانِيَة من الفيلة أكبرها هَذَا الْفِيل، وَلَقي فِي الطَّرِيق جندا من الْعَرَب وَهَزَمَهُمْ، وَقتل مِنْهُم حَتَّى أَتَى الطَّائِف، ثمَّ إِنَّه توجه من الطَّائِف إِلَى مَكَّة، وَدَلِيله أَبُو رِغَال، فَمَاتَ أَبُو رِغَال فِي الطَّرِيق فقبره هُوَ الْقَبْر الَّذِي تَرْجمهُ الْعَرَب، وَهُوَ بَين مَكَّة والطائف، وَنزل أَبْرَهَة والجند بالمغمس، وَسمع أهل مَكَّة بذلك، وسيدهم يَوْمئِذٍ عبد الْمطلب بن هَاشم، وأغار الْجند على مَا وجدوا من أَمْوَال أهل مَكَّة وإبلهم، وَأخذُوا مِائَتي بعير لعبد الْمطلب ثمَّ إِنَّه جَاءَ عبد الْمطلب، إِلَى أَبْرَهَة فِي طلب بعيره - وَكَانَ رجلا جسيما وسيما - فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَة أعجبه حسنه وجماله فَقَالَ: مَا حَاجَتك؟ فَقَالَ: أَن ترد على إبلي.
فَقَالَ لِترْجُمَانِهِ: قل
ثمَّ أَخذ عبد الْمطلب بِحَلقَة الْكَعْبَة وَقَالَ:
(يَا رب: لَا أَرْجُو لَهُم سواكا... يَا رب، فامنع مِنْهُم حماكا)
(إِن عَدو الْبَيْت من عاداك... )
وَمن الْمَعْرُوف أَيْضا أَنه قَالَ:
(يَا رب إِن الْمَرْء يمْنَع... حلّه فامنع حلالك)
(لَا يغلبن صليبهم... ومحالهم أبدا محالك)
والمحال: الْعقُوبَة.
(إِن كنت تاركهم وكعبتنا... فامر مَا بدالك)
ثمَّ خرج مَعَ الْقَوْم وخلوا مَكَّة، فروى أَن الْفِيل كَانَ إِذا أحس التَّوَجُّه قبل مَكَّة امْتنع، فَإِذا وَجه نَحْو الْيمن أسْرع وهرول، وَحبس الله الْفِيل عَن الْبَيْت، وَهُوَ معنى مَا ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة حِين بَركت نَاقَته - وَهِي الْقَصْوَاء - وَقَالَ النَّاس: خلأت الْقَصْوَاء فَقَالَ النَّبِي: " لَا، لَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل " ثمَّ إِن الله تَعَالَى بعث عَلَيْهِم طيرا خرجت من قبل الْبَحْر، قَالَ ابْن عَبَّاس: لَهَا خراطيم الطير وأنف الْكلاب، وَقيل: كَانَت سَوْدَاء، وَقيل: حَمْرَاء، وَمَعَ كل طير ثَلَاثَة أَحْجَار: حجران فِي كفيه، وَحجر فِي منقاره، وَفِي الْقِصَّة: أَن الْحجر كَانَ دون الحمص وَفَوق
وَقيل: إِن الْحجر إِذا أصَاب الْوَاحِد مِنْهُم نفط مَوْضِعه وأصابه الجدري، فَهُوَ أول مَا رئى الجدري فِي ديار الْعَرَب، وَالله أعلم.
وَأما أَبْرَهَة فتساقط فِي الطَّرِيق أُنْمُلَة أُنْمُلَة، ثمَّ إِنَّه انصدع صَدره عَن قلبه وَمَات.
وعام الْفِيل هُوَ الْعَام الَّذِي ولد فِيهِ النَّبِي، وَقد قيل: إِنَّه ولد بعد ذَلِك بِسنتَيْنِ، وَالصَّحِيح هُوَ الأول، وَقَالَ أهل الْعلم: كَانَ ذَلِك إرهاصا لنبوة النَّبِي وتأسيسا بهَا.
وَيُقَال: طيرا أبابيل أَي: كَثِيرَة، وَيُقَال: أقاطيع يتبع بَعْضهَا بَعْضًا.
وَالْمعْنَى: أَن الله تَعَالَى شبههم بالزرع الَّذِي أَكلته الدَّوَابّ وراثته وَتَفَرَّقَتْ، وَلم يبْق من ذَلِك شَيْء فَشبه هلاكهم بذلك، وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
{لِإِيلَافِ قُرَيْش (١)تَفْسِير سُورَة لِإِيلَافِ
وَهِي مَكِّيَّة