تفسير سورة الإخلاص

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب التفسير الحديث المعروف بـالتفسير الحديث .
لمؤلفه محمد عزة دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ

المتبادرة ما انطوت فيه من إعلان الإيمان بوحدة الله التامة المنزّهة عن كل شائبة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
(١) الصمد: أوجه الأقوال في معنى الكلمة أنه السيد المصمود إليه في الحوائج الغني عن غيره.
(٢) كفو: مماثل وندّ.
في الآيات أمر رباني للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يعلن صفات الله عز وجل وهي أنه واحد أحد، المصمود إليه في الحاجات، المستغنى عن غيره. لم يلد ولم يولد وليس له مماثل ولا ندّ.
وقد روي أن بعض العرب سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ينسب لهم ربّه فأوحى الله بهذه السورة كما روي أن السؤال من اليهود «١».
وهناك حديثان صحيحان في صدد السورة ومعناها ونزولها واحد رواه الترمذي عن أبيّ بن كعب قال: «إن المشركين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم انسب لنا ربّك؟
فأنزل الله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فالصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأنه ليس شيء يولد إلّا سيموت ولا شيء يموت إلّا سيورث والله عز وجل لا يموت ولا يورث وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ قال لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء»
«٢». وثان رواه البخاري عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله تعالى كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي
(١) انظر تفسير السورة في تفسير الطبري.
(٢) التاج ج ٤ ص ٢٦٩.
70
أن يقول إني لن أعيده كما بدأته وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ الله ولدا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد» «١».
تعليق على مدى تقرير وحدة الله في سورة الإخلاص
ومهما يكن من أمر الرواية فالسورة قد استهدفت تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ونفي كل ما يتناقض معها من العقائد الموجودة في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم وما تنطوي عليه هذه العقائد من المشابهة والمماثلة والتعدد والشركة والوالدية والولدية بأسلوب حاسم وجيز.
ففي إعلان الوحدة الإلهية ردّ على من يجعل الله أكثر من واحد، سواء أكان هذا التعدد مؤولا مرده إلى الوحدة كما هو في العقيدة النصرانية أم غير مؤول كما هو في عقيدة المشركين.
وفي إعلان أن الله هو المتّجه المفرد والغني المطلق ردّ على ما كان من اتجاه بعض الفئات إلى غيره أو إليه وإلى غيره معا إشراكا أو استشفاعا، ورد على ما كان من اعتقاد بعض الفئات من حاجة الله إلى المساعدين في تدبير ملكوت السموات والأرض، ومن أثر هؤلاء المساعدين في الكون إيجابا وسلبا ونفعا وضرّا.
وفي إعلان نفي الولد عن الله رد على من كان يعتقد أن لله ولدا، سواء أكان ذلك من مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله أم النصارى الذين كانوا يعتقدون أن المسيح ابن الله أم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن العزير ابن الله كما جاء في آية سورة التوبة [٣٠].
وفي إعلان نفي تولد الله من والد ردّ على من كان يتخذ الملائكة أو المسيح آلهة ويعتقدون أنهم أولاد الله.
(١) التاج ج ٤ ص ٢٦٩. [.....]
71
وفي إعلان نفي المماثلة ردّ على من كان يتخذ لله أندادا ويجعل له شركاء في الخلق والاتجاه والعبادة وارتجاء الخير واتقاء الشر، كما حكت ذلك آيات عديدة مثل آية سورة البقرة هذه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [١٦٥] وآية سورة الرعد هذه: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦).
والسورة في حسمها وإيجازها قطعية المعنى التقريري، سهلة الحفظ والإيراد على لسان كل مؤمن، وعنوان الإخلاص في عقيدة الله ووحدته وتفرده بالربوبية وشمول قدرته وتصرفه واستغنائه عن كل معين، واحتياج جميع الكائنات إليه.
وهي من هذا الاعتبار الصورة الواضحة القطعية المحكمة المجردة من كل الملابسات والشبهات للعقيدة الإسلامية بذات الله بحيث تكون مردّ كل ما يمكن أن يكون من الألفاظ والآيات المتشابهة التي قد تكون وردت في القرآن على سبيل التقريب والتمثيل في نطاق اللغة البشرية ومفاهيمها.
وليس من ريب في أن من شأن الإخلاص في هذه العقيدة على هذا الوجه الحاسم المحكم أن يحرر النفس الإنسانية من الشبهات والارتكاسات والتأويلات والحيرة والخضوع لغير الله من القوى والمظاهر وأن يجعل اتجاهها لله الواحد الأحد الشامل القدرة المنزّه عن كل ما يتناقض مع هذا الشمول والتفرد، كما أن من شأنه أن يبعث فيها الطمأنينة والقوة والمناعة من التأثر بأي مؤثر ومن ارتجاء الخير واتقاء الشر من أي مصدر، ومن الخضوع لأي قوة والرهبة من أحد غيره والأمل في سواه.
ويلحظ أن السورة قد اقتصرت كما قلنا على تقرير عقيدة الوحدة الإلهية
72
ونفي كلّ ما يتناقض معها حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك في هذه السورة إزاء ما كان سائدا في العالم من نقائض متنوعة المدى لهذه الوحدة المستغنية عن كل شيء والتي هي مرجع ومصدر كل شيء. ولقد وصف الله عز وجل في السور السابقة واللاحقة برب العالمين الرحمن الرحيم المالك لكل شيء والعالم بكل شيء والمحيط بكل شيء والقادر على كل شيء والمتصرف في كل شيء الذي لا تدركه الأبصار والذي ليس كمثله شيء المتصف بجميع صفات الكمال والمنزّه عن كل شائبة ونقص. وبذلك تكتمل الصورة القرآنية لله عز وجل في العقيدة الإسلامية كمالا لا يماثله بل ولا يدانيه شيء من الصور الإلهية في مختلف الديانات الأخرى.
ومعظم روايات النزول وتراتيب السور تجعل هذه السورة بعد سورتي الناس والفلق مما يسوغ القول أن السور الثلاث نزلت في ظرف واحد وأوقات متقاربة أو متعاقبة. ولهذا دلالة مهمة من حيث توكيد السور الثلاث عدم وجود غير قوة الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد قادرة على النفع والضرر والمنع والإعطاء. ومن حيث إيجاب الاستعاذة به وحده وعدم خشية أحد غيره وعدم الاتجاه إلى غيره في أي مطلب وحاجة.
73
Icon