تفسير سورة الأنبياء

المختصر في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم المعروف بـالمختصر في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه مجموعة من المؤلفين .

سورة الأنبياء
مكية
zبيان وحدة الرسالات من خلال التذكير بحال الرسل ودعوتهم الواحدة لعبادة الله وحده.
y ١ - قَرُب للناس حسابهم على أعمالهم يوم القيامة، وهم في غفلة معرضون عن الآخرة؛ لانشغالهم بالدنيا عنها.
٢ - وما يأتيهم من قرآن من ربهم حديث النزول إلا استمعوه سماعًا غير نافع، بل سماع لعب غير مبالين بما فيه.
٣ - استمعوه وقلوبهم كافلة عنه، وأخفى الظالمون بالكفرِ الحديثَ الذي يتناجون به قائلين: هل هذا الذي يدعي أنه رسول الله بشر مثلكم، لا ميزة له عنكم؟! وما جاء به سحر، أفتتبعونه وأنتم تدركون أنه بشر مثلكم، وأن ما جاء به سحر؟!
٤ - قال الرسول - ﷺ -: ربي يعلم ما أخفيتم من الحديث، فهو يعلم كل قول صادر من قائله في السماوات وفي الأرض، وهو السميع لأقوال عباده، العلم بأعمالهم، وسيجازيهم عليها.
٥ - بل ترددوا بشأن ما جاء به محمد - ﷺ -، فتارة قالوا: أحلام مختلطة لا تأويل لها، وقالوا تارة: لا، بل اختلقه من غير أن يكون له أصل، وقالوا تارة: هو شاعر، وإن كان صادقًا في دعواه فليجئنا بمعجزة مثل الأولين من الرسل، فقد جاؤوا بالمعجزات، مثل عصا موسى، وناقة صالح.
٦ - ما آمنت قبل هؤلاء المقترحين قرية اقترحوا نزول الآيات فأعطُوها كما اقترحوها، بل كذبوا بها فأهلكناهم، أفيؤمن هؤلاء؟!
٧ - وما بعثنا قبلك -أيها الرسول- إلا رجالًا من البشر نوحي إليهم، ولم نبعثهم ملائكة، فاسألوا أهل الكتاب من قبلكم إن كنتم لا تعلمون ذلك.
٨ - وما جعلنا الرسل الذين نرسلهم ذوي جسد لا يأكلون الطعام، بل يأكلون كما يأكل غيرهم، وما كانوا باقين في الدنيا لا يموتون.
٩ - ثم حققنا لرسلنا ما وعدناهم به حيث أنقذناهم وأنقذنا من نشاء من المؤمنين من الهلاك، وأهلكنا المتجاوزين للحد بكفرهم بالله، وارتكابهم المعاصي.
١٠ - لقد أنزلنا إليكم القرآن فيه شرفكم وفخركم إن صدقتم به، وعملتم بما فيه، أفلا تعقلون ذلك، فتسارعوا إلى الإيمان به، والعمل بما تضمنه؟!
x• قُرْب القيامة مما يستوجب الاستعداد لها.
• انشغال القلوب باللهو يصرفها عن الحق.
• إحاطة علم الله بما يصدر من عباده من قول أو فعل.
• اختلاف المشركين في الموقف من النبي - ﷺ - يدل على تخبطهم واضطرابهم.
• أن الله مع رسله والمؤمنين بالتأييد والعون على الأعداء.
• القرآن شرف وعز لمن آمن به وعمل به.
١١ - وما أكثَرَ القرى التي أهلكناها بسبب ظلمها بالكفر، وخلقنا بعدها قومًا آخرين!
١٢ - فلما شاهد المهلَكون عذابنا المُسْتَأصِل، إذا هم من قريتهم يسرعون هربًا من الهلاك.
١٣ - فينادَون على وجه السخرية: لا تهربوا، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من التنعم بملذاتكم، وإلى مساكنكم؛ لعلكم تُسألون من دنياكم شيئًا.
١٤ - قال هؤلاء الظالمون معترفين بذنبهم: يا هلاكنا وخسراننا، إنا كنا ظالمين لكفرِنا بالله.
١٥ - فما زال اعترافهم بذنبهم ودعاؤهم على أنفسهم بالهلاك دعوتهم التي يكررونها حتى صيرناهم مثل الزرع المحصود، ميتين لا حَرَاكَ بهم.
١٦ - وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لعبًا وعبثًا، بل خلقناهما للدلالة على قدرتنا.
١٧ - لو أردنا اتخاذ صاحبة أو ولد لاتخذناه مما عندنا، وما كنا فاعلين ذلك لتنزهنا عنه.
١٨ - بل نرمي بالحق الذي نوحيه به إلى رسولنا على باطل أهل الكفر فَيَدْحَضُه، فإذا باطلهم ذاهب زائل، ولكم -أيها القائلون باتخاذه صاحبة وولدًا- الهلاك لوصفكم له بما لا يليق به.
ولما كان اتخاذ الصاحبة والولد منبئًا عن الافتقار؛ بيّن سبحانه وتعالى أنه مالك هذا الكون، فقال:
١٩ - وله سبحانه وحده ملك السماوات وملك الأرض، ومن عنده من الملائكة لا يتكبّرون عن عبادته، ولا يتعبون منها.
٢٠ - يواظبون على تسبيح الله دائمًا، لا يملون منه.
٢١ - بل اتخذ المشركون آلهة من دون الله، لا يحيون الموتى، فكيف يعبدون عاجزًا عن ذلك؟!
٢٢ - لو كان في السماوات والأرض معبودات متعددة لفسدتا بتنازع المعبودات في المُلْك، والواقع خلاف ذلك، فَتَنزَّه الله رب العرش عما يصفه به المشركون كذبًا من أن له شركاء.
٢٣ - والله هو المتفرد في ملكه وقضائه، لا يسأله أحد عما قدَّره وقضى به، وهو يسأل عباده عن أعمالهم، ويجازيهم عليها.
٢٤ - بل اتخذوا من دون الله معبودات، قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: هاتوا حجتكم على استحقاقها للعبادة، فهذا الكتاب المنزل علي، والكتب المنزلة على الرسل لا حجة لكم فيها، بل معظم المشركين لا يستندون إلا إلى الجهل والتقليد، فهم معرضون عن قبول الحق.
x• الظلم سبب في الهلاك على مستوى الأفراد والجماعات.
• ما خلق الله شيئًا عبثًا؛ لأنه سبحانه مُنَزَّه عن العبث.
• غلبة الحق، ودحر الباطل سُنَّة إلهية.
• إبطال عقيدة الشرك بدليل التَّمَانُع.
٢٥ - وما بعثنا من قبلك -أيها الرسول- رسولًا إلا نوحي إليه أنه لا معبود بحق إلا أنا فاعبدوني وحدي، ولا تشركوا بي شيئًا.
٢٦ - وقال المشركون: اتخذ الله الملائكة بنات، تَنَزَّه سبحانه وتَقَدَّس عما يقولونه من الكذب، بل الملائكة عباد لله، مكرمون منه، مقربون إليه.
٢٧ - لا يتقدّمون ربهم بقول، فلا ينطقون به حتى يأمرهم، وهم بأمره يعملون، فلا يخالفون له أمرًا.
٢٨ - يعلم سابق أعمالهم ولاحقها، ولا يسألون الشفاعة إلا بإذنه لمن ارتضى الشفاعة له، وهم من خوفه سبحانه حذرون، فلا يخالفونه في أمر ولا نهي.
٢٩ - ومن يقل من الملائكة من باب الافتراض: إني معبود من دون الله، فإننا نجزيه على قوله بعذاب جهنم يوم القيامة خالدًا فيها، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين بالكفر والشرك بالله.
٣٠ - أَوَ لم يعلم الذين كفروا بالله أن السماوات والأرض كانتا مُلْتصِقتين، لا فراغ بينهما فينزل منه المطر، ففصلنا بينهما، وجعلنا من الماء النازل من السماء إلى الأرض كل شيء من حيوان أو نبات، أفلا يعتبرون بذلك، ويؤمنون بالله وحده؟!
٣١ - وخلقنا في الأرض جبالًا ثابتة حتى لا تضطرب بمن عليها، وجعلنا فيها مسالك وطرقًا واسعة لعلّهم يهتدون في أسفارهم إلى مقاصدهم.
٣٢ - وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا من السقوط من غير عَمَد، ومحفوظِّا من اسْتِراق السمع، والمشركون عما في السماء من الآيات -كالشمس والقمر- معرضون لا يعتبرون.
٣٣ - والله وحده هو الذي خلق الليل للراحة، وخلق النهار لكسب المعاش، وخلق الشمس علامة على النهار، والقمر علامة على الليل، كل من الشمس والقمر يجري في مداره الخاص به، لا ينحرف عنه ولا يميل.
٣٤ - وما جعلنا لأحد من البشر قبلك -أيها الرسول- البقاء في هذه الحياة؟ أفإن انقضى أجلك في هذه الحياة ومتّ فهؤلاء باقون بعدك؟! كلا.
٣٥ - كل نفس مؤمنة أو كافرة ذائقة الموت في الدنيا، ونختبركم -أيها الناس- في الحياة الدنيا بالتكاليف والنعم والنقم، ثم بعد موتكم إلينا لا إلى غيرنا ترجعون، فنجازيكم على أعمالكم.
x• تنزيه الله عن الولد.
• منزلة الملائكة عند الله أنهم عباد خلقهم لطاعته، لا يوصفون بالذكورة ولا الأنوثة، بل عباد مكرمون.
• خُلِقت السماوات والأرض وفق سُنَّة التدرج، فقد خُلِقتا مُلْتزِقتين، ثم فُصِل بينهما.
• الابتلاء كما يكون بالشر يكون بالخير.
٣٦ - وإذا رآك -أيها الرسول- هؤلاء المشركون لا يتخذونك إلا سخرية منفّرين أتباعهم بقولهم: أهذا هو الذي يسبّ آلهتكم التي تعبدونها؟! وهم مع السخرية بك جاحدون بما أنزل الله عليهم من القرآن وبما أعطاهم من النعم كافرون؛ فهم أولى بالعيب لجمعهم كل سوء.
٣٧ - طُبع الإنسان على العجلة، فهو يستعجل الأشياء قبل وقوعها، ومن ذلك استعجال المشركين للعذاب، سأريكم -أيها المستعجلون لعذابي- ما استعجلتموه منه، فلا تطلبوا تعجيله.
٣٨ - ويقول الكفار المنكرون للبعث على وجه الاستعجال: متى يكون ما تَعِدُوننا به -أيها المسلمون- من البعث إن كنتم صادقين فيما تدّعونه من وقوعه؟!
٣٩ - لو يعلم هؤلاء الكفار المنكرون للبعث حين لا يردون النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم، وأن لا ناصر ينصرهم بدفع العذاب عنهم، لو تيقّنوا ذلك لما استعجلوا العذاب.
٤٠ - لا تأتيهم هذه النار التي يُعَذَّبون بها عن علم منهم، بل تأتيهم فجأة، فلا يقدرون على ردها عنهم، ولا هم يُؤَخَّرون حتى يتوبوا فتنالهم الرحمة.
ولما عانى رسول الله - ﷺ - من استهزاء قومه به وتكذيبهم له، سلاه الله بقوله:
٤١ - ولئن سخر بك قومك فلست بدْعًا في ذلك، فقد استهزئ برسل من قبلك -أيها الرسول- فأحاط بالكفار الذين كانوا يسخرون منهم العذابُ الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا عندما تخوفهم رسلهم به.
٤٢ - قل -أيها الرسول - لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: من يحفظكم بالليل والنهار مما يريد بكم الرحمن من إنزال العذاب والهلاك بكم؟ بل هم عن ذكر مواعظ ربهم وحججه معرضون، لا يتدبّرون شيئًا منها جهلًا وسفهًا.
٤٣ - أم هل لهم آلهة تمنعهم من عذابنا؟ لا يستطيعون نصر أنفسهم بدفع ضر عنها، ولا بجلب نفع لها، ومن لا ينصر نفسه فكيف ينصر غيره؟! ولا هم يُجَارون من عذابنا.
٤٤ - بل متعنا هؤلاء الكفار، ومتّعنا آباءهم بما بسطنا عليهم من نعمنا؛ استدراجًا لهم، حتى تَطَاوَل بهم الزمن فاغتروا بذلك، وأقاموا على كفرهم، أفلا يرى هؤلاء المغترّون بنعمنا المستعجلون بعذابنا أنا نأتي الأرض ننقصها من جوانبها بقهرنا لأهلها، وغلبتنا لهم، فيعتبروا بذلك حتى لا يقع بهم ما وقع بغيرهم؟! فليس هؤلاء غالبين، بل هم مغلوبون.
x• بيان كفر من يستهزئ بالرسول، سواء بالقول أو الفعل أو الإشارة.
• من طبع الإنسان الاستعجال، والأناة خلق فاضل.
• لا يحفظ من عذاب الله إلا الله.
• مآل الباطل الزوال، ومآل الحق البقاء.
٤٥ - قل -أيها الرسول-: إنما أخوفكم -أيها الناس- من عذاب الله بالوحي الذي يوحيه إلي ربي، ولا يسمع الصم عن الحق ما يدعون إليه سماع قبول إذا خُوِّفوا من عذاب الله.
٤٦ - ولئن من هؤلاء المستعجلين بالعذاب نصيب من عذاب ربك -أيها الرسول- ليقولُنّ عندئذ: يا هلاكنا وخسراننا، إنا كنا ظالمين بالشرك بالله والتكذيب بما جاء به محمد - ﷺ -.
٤٧ - ونَنْصِب الموازين العادلة لأهل القيامة لتوزن بها أعمالهم، فلا تُظْلَم في ذلك اليوم نفس بنقص حسناتها أو زيادة سيئاتها، وإن كان الموزون قليلا مثل ما تزنه حبة خردل جئنا به، وكفى بنا محصين نحصي أعمال عبادنا.
٤٨ - ولقد أعطينا موسى وهارون عليهما السلام التوراة فارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام، وهداية لمن آمنوا بها، وتذكيرًا للمتقين لربهم.
٤٩ - الذين يخافون عقاب ربهم الذي يؤمنون به مع أنهم لم يشاهدوه، وهم من الساعة خائفون.
٥٠ - وهذا القرآن المنزل على محمَّد - ﷺ - ذِكر لمن أراد أن يتذكر به وموعظة، كثير النفع والخير، أفأنتم له مع ذلك منكرون؟! غير مقرّين بما فيه، ولا عاملين به؟!
٥١ - ولقد أعطينا إبراهيم الحجة على قومه في صغره وكنا به عالمين، فأعطيناه ما يستحقّه في علمنا من الحجة على قومه.
٥٢ - إذ قال لأبيه آزر ولقومه: ما هذه الأصنام التي صنعتموها بأيديكم، والتي أنتم مقيمون على عبادتها؟
٥٣ - قال له قومه: وجدنا آباءنا يعبدونها، فعبدناها تأسِّيًا بهم.
٥٤ - قال لهم إبراهيم: لقد كنتم -أيها التابعون- أنتم وآباؤكم المتبوعون في ضلال عن طريق الحق واضح.
٥٥ - قال له قومه: أجئتنا بالجد حين قلت ما قلت، أم أنت من الهازلين؟
٥٦ - قال إبراهيم: بل جئتكم بالجد لا بالهزل، فربّكم هو ربّ السماوات والأرض الذي خلقهن على غير مثال سابق، وأنا على أنه ربكم ورب السماوات والأرض من الشاهدين، وليس لأصنامكم حظ من ذلك.
٥٦ - وقال إبراهيم بحيث لا يسمعه قومه: والله لأدبرنّ لأصنامكم ما تكرهون بعد أن تذهبوا عنها إلى عيدكم.
x• نَفْع الإقرار بالذنب مشروط بمصاحبة التوبة قبل فوات أوانها.
• إثبات العدل لله، ونفي الظلم عنه.
• أهمية قوة الحجة في الدعوة إلى الله.
• ضرر التقليد الأعمى.
• التدرج في تغيير المنكر، والبدء بالأسهل فالأسهل، فقد بدأ إبراهيم بتغيير منكر قومه بالقول والصاع بالحجة، ثم انتقل إلى التغيير بالفعل.
٥٨ - فحطّم إبراهيم أصنامهم حتى صارت قطعًا صغيرة، وأبقى كبيرها رجاء أن يرجعوا إليه ليسألوه عمن حظمها.
٥٩ - فلما رجعوا ووجدوا أصنامهم قد حُطِّمت سأل بعضهم بعضًا: من حَطَّم معبوداتنا؟ إن من حطّمها لمن الظالمين، حيث حقّر ما يستحق التعظيم والتقديس.
٦٠ - قال بعضهم: سمعنا فتى يذكرهم بسوء ويعيبهم يُدْعى إبراهيم، لعله هو الذي حطمهم.
٦١ - قال سادتهم: جيئوا بابراهيم على مشهد من الناس ومرأى؛ لعلهم يشهدون على إقراره بما صنع، فيكون إقراره حجة لكم عليه.
٦٢ - فجاؤوا بإبراهيم عليه السلام فسألوه: أأنت فعلت هذا الفعل الشنيع بأصنامنا يا إبراهيم؟!
٦٣ - قال إبراهيم -مُتَهكِّما بهم، مظهرا عجز أصنامهم على مرأى من الناس-: ما فعلت ذلك، بل فعله كبير الأصنام، فاسألوا أصنامكم إن كانوا يتكلمون.
٦٤ - فرجعوا إلى أنفسهم بالتفكر والتأمل، فتبيّن لهم أن أصنامهم لا تنفع ولا تضر، فهم ظالمون حين عبدوها من دون الله.
٦٥ - ثم عادوا للعناد والجحود، فقالوا: لقد أيقنت -يا إبراهيم- أن هذه الأصنام لا تنطق، فكيف تأمرنا أن نسألها؟ أرادوا ذلك حجة لهم، فكان حجة عليهم.
٦٦ - قال إبراهيم -منكرًا عليهم-: أفتعبدون من دون الله أصنامًا لا تنفعكم شيئًا ولا تضركم، فهي عاجزة عن دفع الضر عن نفسها، أو جلب النفع لها.
٦٧ - قُبْحًا لكم، وقُبْحًا لما تعبدونه من دون الله من هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، أفلا تعقلون ذلك، وتتركون عبادتها؟!
٦٨ - فلما عجزوا عن مواجهته بالحجة لجؤوا إلى القوة، فقالوا: حرقوا إبراهيم بالنار؛ انتصارًا لأصنامكم التي هدمها وكسرها إن كنتم فاعلين به عقابًا رادعًا.
٦٩ - فأوقدوا نارًا ورموه فيها، فقلنا: يا نار، كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، فكانت كذلك، فلم يُصَب بأذى.
٧٠ - وأراد قوم إبراهيم عليه السلام به كيدًا بأن يحرقوه، فأبطلنا كيدهم، وجعلناهم هم الهالكين المغلوبين.
٧١ - وأنقذناه وأنقذنا لوطًا، وأخرجناهما إلى أرض الشام التي باركنا فيها؛ بما بعثنا فيها من الأنبياء، وبما بثثناه فيها للمخلوقات من الخيرات.
٧٢ - ووهبنا له إسحاق حين دعا ربه أن يرزقه ولدًا، ووهبنا له يعقوب زيادة، وكلّ من إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب صَيرناهم صالحين مطيعين لله.
x• جواز استخدام الحيلة لإظهار الحق وإبطال الباطل.
• تعلّق أهل الباطل بحجج يحسبونها لهم، وهي عليهم.
• التعنيف في القول وسيلة من وسائل التغيير للمنكر إن لم يترتب عليه ضرر أكبر.
• اللجوء لاستخدام القوة برهان على العجز عن المواجهة بالحجة.
• نَصْر الله لعباده المؤمنين، وإنقاذه لهم من المحن من حيث لا يحتسبون.
٧٣ - وصيَّرناهم أئمة يهتدي بهم الناس في الخير، يدعون الناس إلى عبادة الله وحده بإذن منه تعالى، وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات، وائتوا بالصلاة على أكمل وجه، وأدّوا الزكاة، وكانوا لنا مُنْقادين.
٧٤ - ولوطًا أعطيناه فصل القضاء بين الخصوم، وأعطيناه علمًا بأمر دينه، وسلّمناه من العذاب الذي أنزلناه على قريته (سَدُوم) التي كان أهلها يأتون الفاحشة، إنهم كانوا قوم فساد خارجين عن طاعة ربهم.
٧٥ - وأدخلناه في رحمتنا إذ أنجيناه من العذاب الذي أصاب قومه، إنه من الصالحين الذين يأتمرون بأمرنا، وينتهون بنهينا.
٧٦ - واذكر -أيها الرسول- قصة نوح؛ إذ نادى الله من قبلِ إبراهيم ولوط، فاستجبنا له بإعطائه ما طلب، فأنقذناه وأنقذنا أهله المؤمنين من الغَمِّ العظيم.
٧٧ - ونجيناه من مكر القوم الذين كذبوا بما أيّدناه به من الآيات الدالة على صدقه، إنهم كانوا قوم فساد وشر، فأهلكناهم أجمعين بالغرق.
٧٨ - واذكر -أيها الرسول- قصة داود وابنه سليمان عليه السلام إذ يحكمان في قضية رُفِعَت إليهما بشأن خصمين؛ لأحدهما غنم انتشرت ليلًا في حَرْث الآخر فأفسدته، وكنّا الحاكم داود وسليمان شاهدين، لم يغب عنا من حكمهما شيء.
٧٩ - ففهّمنا القضية سليمان دون أبيه داود، وكلًّا من داود وسليمان أعطيناه النبوّة والعلم بأحكام الشرع، لم نخص به سليمان وحده، وطوّعنا مع داود الجبال تسبّح بتسبيحه، وطوّعنا له الطير، وكنا فاعلين لذلك التفهيم وإعطاء الحكم والعلم والتسخير.
٨٠ - وعلّمنا داود دون سليمان صناعة الدروع لتحميكم من فتك السلاح بأجسامكم، فهل أنتم -أيها الناس- شاكرون لهذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم؟!
٨١ - وطوّعنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تجري بأمره إذا أمرها إلى أرض الشام التي باركنا فيها بما بعثنا فيها من الأنبياء، وبما بسط فيها من الخيرات، وكنا بكل شيء عالمين، لا يخفى علينا منه شيء.
x• فعل الخير والصلاة والزكاة، مما اتفقت عليه الشرائع السماوية.
• ارتكاب الفواحش سبب في وقوع العذاب المُسْتَأصِل.
• الصلاح سبب في الدخول في رحمة الله.
• الدعاء سبب في النجاة من الكروب.
٨٢ - وسخّرنا من الشياطين من يغوصون له في البحار يستخرجون اللآلئ وغيرها، ويعملون غير ذلك من الأعمال كالبناء، وكنا لأعدادهم وأعمالهم حافظين، لا يفوتنا شيء من ذلك.
٨٣ - واذكر -أيها الرسول- قصة أيوب عليه السلام، إذ دعا ربه سبحانه حين أصابه البلاء قائلًا: يا رب، إني أُصِبْت بالمرض وفَقْدِ الأهل، وأنت أرحم الراحمين جميعًا، فاصرف عني ما أصابني من ذلك.
٨٤ - فأجبنا دعوته، وصرفنا عنه ما أصابه من ضر، وأعطيناه ما فقد من أهله وأولاده، وأعطيناه مثلهم معهم، كل ذلك فعلناه رحمة من عندنا، وتذكيرا لكل منقاد لله بالعبادة؛ ليصبر كما صبر أيوب.
٨٥ - واذكر -أيها الرسول- إسماعيل وإدريس وذا الكفل عليه السلام، كل واحد منهم من الصابرين على البلاء، وعلى القيام بما كلّفهم الله به.
٨٦ - وأدخلناهم في رحمتنا، فجعلناهم أنبياء، وأدخلناهم الجنة، إنهم من عباد الله الصالحين الذين عملوا بطاعة ربهم، وصلحت سرائرهم وعلانياتهم.
٨٧ - واذكر -أيها الرسول- قصة صاحب الحوت يونس عليه السلام، إذ ذهب دون إذن من ربه مغاضبًا قومه لتماديهم في العصيان، فظن أننا لن نُضَيِّق عليه؛ بعقابه على ذهابه، فابتُلِي بشدة الضيق والحبس حين التقمه الحوت، فدعا في ظلمات بطن الحوت والبحر والليل؛ مقرًّا بذنبه تائبًا إلى الله منه، فقال: لا معبود بحق غيرك، تنزهتَ وتقدستَ، إني كنت من الظالمين.
٨٨ - فأجبنا دعوته، ونجيناه من كرب الشدة بإخراجه من الظلمات، ومن بطن الحوت، ومثل إنجاء يونس من كربه هذا ننجي المؤمنين إذا وقعوا في كرب ودعوا الله.
٨٩ - واذكر -أيها الرسول- قصة زكريا عليه السلام إذ دعا ربه سبحانه قائلًا: رب لا تتركني منفردًا لا ولد لي، وأنت خير الباقين، فارزقني ولدًا يبقى بعدي.
٩٠ - فأجبنا له دعوته، وأعطيناه يحيى ولدًا، وأصلحنا زوجه، فصارت ولودًا بعد أن كانت لا تلد، إن زكريا وزوجه وابنه كانوا يسارعون إلى فعل الخيرات، وكانوا يدعوننا راغبين فيما عندنا من الثواب، خائفين مما عندنا من العقاب، وكانوا لنا مُتَضرعين.
x• الصلاح سبب للرحمة.
• الالتجاء إلى الله وسيلة لكشف الكروب.
• فضل طلب الولد ليبقى بعد الإنسان إذا مات.
• الإقرار بالذنب، والشعور بالاضطرار لله وشكوى الحال له، وطاعة الله في الرخاء من أسباب إجابة الدعاء وكشف الضر.
٩١ - واذكر -أيها الرسول- قصة مريم عليها السلام التي صانت فرجها من الزنى، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، فنفخ فيها فحملت بعيسى عليه السلام، وكانت هي وابنها عيسى علامة للناس على قدرة الله، وأنه لا يعجزه شيء حيث خلقه من غير أب.
٩٢ - إن هذه ملتكم -أيها الناس- ملة واحدة، وهي التوحيد الذي هو دين الإِسلام، وأنا ربكم، فأخلصوا العبادة لي وحدي.
٩٣ - وتفرّق الناس، فصار منهم الموحّد والمشرك والكافر والمؤمن، وكل هؤلاء المتفرقين إلينا وحدنا راجعون يوم القيامة، فنجازيهم على أعمالهم.
٩٤ - فمن عمل منهم الأعمال الصالحات وهو مؤمن بالله ورسله واليوم الآخر فلا جحود لعمله الصالح، بل يشكر الله له ثوابه فيضاعفه له، ويجده في كتاب عمله يوم يبعث، فيسرّ به.
٩٥ - ومستحيل على أهل قرية أهلكناها بسبب كفرها أن يرجعوا إلى الدنيا؛ ليتوبوا وتُقْبل توبتهم.
٩٦ - لا يرجعون أبدًا حتى إذا فُتِح سدّ يأجوج ومأجوج، وهم يومئذ من كل مرتفع من الأرض يخرجون مسرعين.
٩٧ - واقتربت القيامة بخروجهم، وظهرت أهوالها وشدائدها، فإذا أبصار الكفار مفتوحة من شدّة هولها يقولون: يا هلاكنا، قد كنا في الدنيا في لهو وانشغال عن الاستعداد لهذا اليوم العظيم، بل كنا ظالمين بالكفر وارتكاب المعاصي.
٩٨ - إنكم -أيها المشركون- وما تعبدونه من دون الله من الأصنام، وممن يرضى بعبادتكم له من الإنس والجن - وقود جهنم، أنتم ومعبوداتكم لها داخلون.
٩٩ - لو كانت هذه المعبودات آلهة تُعْبَد بحق ما دخلوا النار مع من عبدوهم، وكل من العابدين والمعبودين في النار، ماكثون فيها أبدًا لا يخرجون منها.
١٠٠ - لهم فيها -من شدة ما يلاقونه من الآلام- تنفس شديد، وهم في النار لا يسمعون الأصوات من شدة الهول المُفْزع الذي أصابهم.
١٠١ - ولما قال المشركون: (إنّ عيسى والملائكة الذين عُبدوا سيدخلون النار) قال الله: إن الذين سبق في علم الله أنهم من أهل السعادة مثل عيسى عليه السلام مبعدون عن النار.
x• التنويه بالعفاف وبيان فضله.
• اتفاق الرسالات السماوية في التوحيد وأسس العبادات.
• فَتْح سد يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى.
• الغفلة عن الاستعداد ليوم القيامة سبب لمعاناة أهوالها.
١٠٢ - لا يصل إلى سَمْعِهم صوتُ جهنم، وهم فيما اشتهته أنفسهم من النعيم والملذات ماكثون، لا ينقطع نعيمهم أبدًا.
١٠٣ - لا يخيفهم الهول العظيم حين تطبق النار على أهلها، وتستقبلهم الملائكة بالتهنئة قائلين: هذا يومكم الذي كنتم توعدون به في الدنيا، وتبشّرون بما تلاقون فيه من النعيم.
١٠٤ - يوم نطوي السماء مثل في الصحيفة على ما فيها، ونحشر الخلق على هيئتهم التي خلقوا بها أول مرة، وعدنا بذلك وعدًا لا خُلْف فيه، إنا كنا منجزين ما نعد به.
١٠٥ - ولقد كتبنا في الكتب التي أنزلناها على الرسل من بعد ما كتبناه في اللوح المحفوظ: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون العاملون بطاعته، وهم أمة محمَّد - ﷺ -.
١٠٦ - إن فيما أنزلناه من الوعظ لبلاغًا لقوم عابدين ربهم بما شرعه لهم، فهم الذين ينتفعون به.
١٠٧ - وما بعثناك -يا محمَّد- رسولا إلا رحمة لجميع الخلق؛ لما تتصف به من الحرص على هداية الناس وانقاذهم من عذاب الله.
١٠٨ - قل -أيها الرسول-: إنما يُوحَى إلى من ربي أنما معبودكم بحق معبود واحد، لا شريك له وهو الله، فانقادوا للإيمان به، والعمل بطاعته.
١٠٩ - فإن أعرض هؤلاء عما جئتهم به، فقل -أيها الرسول- لهم: أعلمتكم أنني وإياكم على أمر مستوٍ بيني وبينكم من المفاصلة، ولست أعلم متى ينزل بكم ما وعبد الله به من عذابه.
١١٠ - إن الله يعلم ما أعلنتم من القول، ويعلم ما تكتمونه منه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجزيكم عليه.
١١١ - ولست أدري لعل إمهالكم بالعذاب اختبار لكم، واستدراج، وتمتيع لكم إلى أمد مقدّر في علم الله؛ لتتمادوا في كفركم وضلالكم.
١١٢ - قال رسول الله - ﷺ - داعيًا ربه: رب، افصل بيننا وبين قومنا الذين أصرّوا على الكفر بالقضاء الحق، وبربنا الرحمن نستعين على ما تقولون من الكفر والتكذيب.
x• الصلاح سبب للتمكين في الأرض.
• بعثة النبي - ﷺ - وشرعه وسنته رحمة للعالمين.
• الرسول - ﷺ - لا يعلم الغيب.
• علم الله بما يصدر من عباده من قول.
Icon