تفسير سورة النّور

تفسير ابن خويز منداد
تفسير سورة سورة النور من كتاب تفسير ابن خويز منداد .
لمؤلفه ابن خويزمنداد . المتوفي سنة 390 هـ

٧٧- قوله تعالى :﴿ اَلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً اَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ اَوْ مُشْرِكْ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى اَلْمُومِنِينَ ﴾ ( ٣ ).
٨٥- قوله تعالى :﴿ اَلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً اَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ اَوْ مُشْرِكْ ﴾ :( قال ابن خويز منداد : من كان معروفا بالزنى أو بغيره من الفسوق معلناً به فتزوج إلى أهل بيت ستر وغرهم من نفسه فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه ؛ وذلك كعيب من العيوب، واحتج بقوله عليه السلام : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " ١. قال ابن خويز منداد : وإنما ذكر المجلود لاشتهاره بالفسق، وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره ؛ فأما من لم يشتهر بالفسق فلا )٢.
١ - أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب في قوله تعالى: ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية﴾ ٢/٢٢١، وأحمد في مسنده ٢/٣٢٤. والحاكم في مستدركه في كتاب النكاح، وقال فيه "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ٢/١٦٦. وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٢/٤١٠. وأورده ابن كثير في تفسيره ٣/٣٢١..
٢ - الجماع لأحكام القرآن: ١٢/١٧١. وقد اختلف في تزوج الزاني العفيفة، والعفيف الزانية على ثلاثة أقوال أوردها للاستفادة منها:
أ- المنع، وهو مروي عن الزهري، وهو الذي يأتي على مذهب الحسن في تفسير الآية، وروي عن علي أنه فرق بين رجل وامرأة زنى قبل أن يدخل بها. وربما قال من يقول بها إن الآية منسوخة في المشركة خاصة دون الزانية. وهؤلاء يرون عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي ابن كعب، وابن عمر مثل قولهم. ومن حجة هؤلاء حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين المتلاعنين.
ب- والكراهة، وهو المشهور في المذهب، فإن وقع جاز، وسبب الكراهة إشكال ظاهر الآية.
ج- والجواز، وهذا أيضا في المذهب، وروي عن الزهري. وعليه يأتي قول من رأى النسخ في الآية، ورأى النكاح فيها بمعنى الوطء، ومن حجة أهل هذا القول أيضا عموم قوله تعالى: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]..

٧٨- قوله تعالى :﴿ وَقُل لِّلْمُومِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنَ اَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُورِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوَ ابَائِهِنَّ أَوَ ابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوَ اَبْنَا ئِهِنَّ أَوَ اَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوِ اِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَنُهُنَّ أَوِ اِلتَّبِعِينَ غَيْرِ أُولِي اِلاِرْبَةِ مِنَ اَلرِّجَالِ أَوِ اِلطِّفْلِ اِلذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ اِلنِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اَللَّهِ جَمِيعًا اَيُّهَ اَلْمُومِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ( ٣١ ).
٨٦- قوله تعالى :﴿ وَقُل لِّلْمُومِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنَ اَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ :( قال ابن خويز منداد من علمائنا : إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزا أو مُقَبَّحة جاز أن تكشف وجهها وكفّيها )١.
٨٧- قوله تعالى :﴿ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ :( قال ابن خويز منداد : أما الزوج والسيد فيجوز له أن ينظر إلى سائر الجسد وظاهر الفرج دون باطنه. وكذلك المرأة يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها والأمة إلى عورة سيدها )٢.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ١٢/٢٢٩..
٢ - المصدر السابق: ١٢/٢٣٢. وقد أورده القرطبي بعد قوله: (اختلف الناس في جواز نظر الرجل إلى فرج المرأة؛ على قولين: أحدهما يجوز؛ لأنه إذا جاز له التلذذ به فالنظر أولى. وقيل: لا يجوز؛ لقول عائشة رضي الله عنها في ذكر حالها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت ذلك منه ولا رأى ذلك مني. والأول أصح، وهو محمول على الأدب؛ قال ابن العربي: وقد قال أصبغ من علمائنا: يجوز له أن يلحسه بلسانه. وقال ابن خويز منداد : أما الزوج والسيد.. ) وإثر كل ذلك قال القرطبي معقبا: (قلت: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النظر إلى الفرج يورث الطمس" أي العمى، أي في الناظر. وقيل إن الولد بينهما يولد أعمى والله أعلم).
.

٧٩- قوله تعالى :﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ اِلذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالذِينَ يَبْتَغُونَ اِلْكِتَبَ مِمَّا مَلَكَتَ اَيْمَنُكُمْ فَكَاتِبُوهُمُ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اِللَّهِ اِلذِي ءَاتَيكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَتِكُمْ عَلَى اَلْبِغَاءِ انَ اَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُواْ عَرَضَ اَلْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُّكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اَللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ( ٣٣ ).
٨٨- قوله تعالى :﴿ وَالذِينَ يَبْتَغُونَ اِلْكِتَبَ مِمَّا مَلَكَتَ اَيْمَنُكُمْ فَكَاتِبُوهُمُ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ :( قال ابن خويز منداد : إذا كاتبه١ على مال معجّل كان عتقا على مال ولم تكن كتابة... قال ابن خويز منداد : صفتها أن يقول السيد لعبده كاتبتك على كذا وكذا من المال، في كذا وكذا نجما، إذا أديته فأنت حر. أو يقول له إليّ ألفا في عشرة أنجم وأنت حر. فيقول العبد قد قبلت ونحو ذلك في الألفاظ ؛ فمتى أداها عتق وكذلك لو قال العبد كاتبني، فقال السيد : قد فعلت، أوقد كاتبتك )٢.
١ - أي كاتب السيد عبده..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ١٢/٢٤٧-٢٥٣..
٨٠- قوله تعالى :﴿ وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اَللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَاتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ ( ٤٨، ٤٩ ).
٨٩- ( قال ابن خويز منداد : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو عداوة بين المدعي والمدّعى عليه )١.
١ - المصدر السابق: ١٢/٢٩٤ وفيه بعد هذا الكلام، وأسند الزهراوي عن الحسن ابن أبي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يُجب فهو ظالم ولا حق له". ذكره الماوردي أيضا«. ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام القرطبي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:٨٠- قوله تعالى :﴿ وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اَللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَاتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ ( ٤٨، ٤٩ ).

٨٩-
( قال ابن خويز منداد : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو عداوة بين المدعي والمدّعى عليه )١.
١ - المصدر السابق: ١٢/٢٩٤ وفيه بعد هذا الكلام، وأسند الزهراوي عن الحسن ابن أبي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يُجب فهو ظالم ولا حق له". ذكره الماوردي أيضا«. ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام القرطبي..

٨١-قوله تعالى :} لَيْسَ عَلَى اَلاَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى اَلاَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى اَلمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمُ أَن تَاكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمُ أَوْ بُيُوتِ ءَابَائِكُمُ أَوْ بُيُوتِ اُمَّهَتِكُمُ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمُ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمُ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَمِكُمُ أَوْ بُيُوتِ عَمَّتِكُمُ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمُ أَوْ بُيُوتِ خَلَتِكُمُ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَاكُلُواْ جَمِيعًا أوَ اَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اِللَّهِ مُبَرَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الاَيَتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ { ( ٦١ ).
٩٠- قوله تعالى :} فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ... { :( ذكر ابن خويز منداد قال : كتب إلي أبو العباس الأصم١ قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم٢ قال : حدثنا ابن وهب٣ قال : حدثنا جعفر بن ميسرة٤عن زيد بن أسلم٥ أن رسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال : " إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها واذكروا اسم الله فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه يقول الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم هاهنا ولا عشاء وإذا لم يسلم أحدكم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال الشيطان لأصحابه أدركتم المبيت والعشاء " ٦ )٧.
١ - انظر ترجمته في ص: ٧١..
٢ - هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، الفقيه المشافعي، سمع من ابن وهب وأشهب من أصحاب الإمام مالك، تفقه بالشافعي لما قدم مصر. روى عنه أبو عبد الرحمن النسائي في سننه. انتهت إليه الرياسة بمصر (ت ٢٦٨هـ) انظر: وفيات الأعيان: ٤/١٩٣، ميزات الاعتدال: ٣/٦١١، سير أعلام النبلاء: ١٢/٤٩٧ وما بعدها، شذرات الذهب: ٢/١٥٤..
٣ - هو أبو محمد عبد الله بن وهب بن القرشي، الفقيه المالكي المصري، أحد أئمة عصره، صحب الإمام مالك٢٧ بن أنس، رضي الله عنه عشرين سنة، صنف "الموطأ الكبير" و"الموطأ الصغير". قال مالك في حقه: عبد الله بن وهب: إمام. انظر: طبقات الفقهاء ص: ١٥٥، وفيات الأعيان: ٣/٣٦-٣٧، سير أعلام النبلاء: ١٤/٤٠٠..
٤ - لم أقف على ترجمته..
٥ - هو أبو عبد الله العدوي العُمري المدني زيد بن أسلم الإمام الحجة، الفقيه. حدث عن والده أسلم مولى عمر، وعن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعن عطاء بن يسار، والمسيب وآخرون. حدث عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وخلق كثير. كان من العلماء العاملين، وكان أبو حازم، يقول: لا أراني الله يوم زيد بن أسلم، إنه لم يبق أحد أرضى لديني ونفسي منه. له تفسير رواه ابنه عبد الرحمن، (ت ١٣٦هـ). انظر عنه: حلية الأولياء: ٣/٣٢١، سير أعلام النبلاء: ٥/٣١٦، تهذيب التهذيب: ٣/٣٩٥-٣٩٧..
٦ - أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما: ٣/١٥٩٨، بنحوه. وأبو داود في كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام حديث رقم: ٣٧٦٥، وابن ماجة في كتاب الدعاء، باب ما يدعو به إذا دخل بيته: ٢/١٢٧٩. كلاهما بلفظ قريب منه..
٧ - الجامع لأحكام القرآن: ١٢/٣١٩..
Icon