تفسير سورة النّور

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة النور من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٢٤ شرح إعراب سورة النور

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النور (٢٤) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١)
سُورَةٌ أَنْزَلْناها بمعنى هذه سورة، وقرأ عيسى بن عمر سُورَةٌ أَنْزَلْناها «١» بالنصب بمعنى أنزلنا سورة. ويجوز أن يكون المعنى: اتل سورة أنزلناها وَفَرَضْناها أي وفرضنا فيها من الحلال والحرام «وفرضناها» فيه ثلاثة أقوال: قال أبو عمرو فصلناها، وقيل: هو على التكثير لكثرة ما فيها من الفرائض، والقول الثالث قال الفراء «٢» : إنّه بمعنى فرضناها عليكم وعلى من بعدكم.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢]
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وقرأ عيسى بن عمر الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي «٣» بالنصب. وهو اختيار الخليل وسيبويه «٤» رحمهما الله لأن الأمر بالفعل أولى، وسائر النحويين على خلافهما، واستدلّ محمد بن يزيد على خلافهما بقول الله جلّ وعزّ:
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ [النساء: ١٦]، والحجة للرفع أنه ليس يقصد به اثنان- بأعيانهما- زنيا فينصب، فلما كان مبهما وجب الرفع فيه من ثلاثة أوجه: مذهب سيبويه أن المعنى: وفيما فرض عليكم الزانية والزاني، وقيل بما عاد عليه. وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ورأفة لأن فعالة في الخصال كثير، نحو القباحة، وفعلة على الأصل.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣]
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)
(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٩٢، ومختصر ابن خالويه ١٠٠، وهي قراءة ابن أبي عبلة وأبي حيوة ومحبوب عن أبي عمرو وأم الدرداء أيضا.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٤٤.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٠.
(٤) انظر الكتاب ١/ ١٩٦.
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً قد ذكرنا معناه وأن الوجه فيه أن يكون منسوخا وحرّم ذلك أن ينكح الرجل زانية والمرأة زانيا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤)
وقرأ أبو زرعة «١» بن عمرو بن جرير ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ «٢» وفيه ثلاثة أوجه: يكون «شهداء» في موضع جرّ على النعت لأربعة، ويكون في موضع نصب بمعنى ثم لم يحضروا أربعة شهداء. والوجه الثالث أن يكون حالا من النكرة. وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا في موضع نصب على الاستثناء، ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل. والمعنى: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٦]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ على البدل والنصب على الاستثناء وعلى خبر يكون فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ «٣» بالنصب قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وقراءة الكوفيين أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ «٤» بالرفع على الابتداء، والخبر: أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حدّ القاذف أربع شهادات، كما تقول: صلاة الظهر أربع ركعات، والنصب لأن معنى شهادة أن شهد، فالتقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات.
[سورة النور (٢٤) : آية ٧]
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧)
وَالْخامِسَةُ رفع بالابتداء، والخبر «أنّ» وصلتها ومعنى المخفّفة كمعنى الثقيلة لأن معناها أنه. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة (والخامسة أنّ) «٥» بالنصب بمعنى ويشهد الشهادة الخامسة.
(١) أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي، روى عن أبي هريرة، وهو من التابعين الثقات ترجمته في:
غاية النهاية ١/ ٦٠٢.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٠. [.....]
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٩٩، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٢.
(٤) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٩٩، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٢.
(٥) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٩٩، ومعاني الفراء ٢/ ٢٤٧.

[سورة النور (٢٤) : آية ١٠]

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر محذوف ولا يظهره العرب وَرَحْمَتُهُ عطف عليه. وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ عطف عليه أيضا. وحذف جواب لولا لأنه قد ذكر مثله بعد. قال الله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ
[سورة النور (٢٤) : آية ١١]
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١)
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ اسم إنّ. عُصْبَةٌ خبرها، ويجوز النصب في «عصبة» على الحال، ويكون الخبر لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وقرأ حميد الأعرج ويعقوب وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ «١» بضم الكاف. قال الفراء «٢» : وهو وجه جيد لأن العرب تقول:
فلان أولى عظم كذا وكذا أي أكثره. قال أبو جعفر: والذي جاء به لا حجّة فيه لأنه قد يكون الشيء بمعنى الشيء، والحركة فيها مختلفة. والأشهر في كلام العرب في مثل هذا الكبر والكبر في النسب ويقال: الولاء للكبر.
[سورة النور (٢٤) : آية ١٢]
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً أي بإخوانهم. وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ فأوجب الله جلّ وعزّ على المسلمين إذا سمعوا رجلا يقذف أحدا أو يذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه، ويكذّبوه، وتواعد من ترك ذلك ومن نقله.
[سورة النور (٢٤) : آية ١٥]
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ والأصل تتلقونه أي يأخذه بعضكم عن بعض، ويقبله بعضكم من بعض، ومثله فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة: ٣٧] وعن عائشة رضي الله عنها أنها قرأت إِذْ تَلَقَّوْنَهُ «٣» وإسناده صحيح، ولا يعرف له مخرج إلّا من حديث ابن عمر الجمحي والمعنيان صحيحان لأنهم قد تلقّوه وو لقوه. والأصل: تولقونه فحذفت الواو اتباعا ليلق، يقال: ولق يلق إذا أسرع في الكذب، واشتقاقه من الولق، وهو الخفّة والسرعة.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٤٧، والبحر المحيط ٦/ ٤٠٢.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٤٧.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٠.

[سورة النور (٢٤) : آية ١٧]

يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧)
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا في موضع نصب.
[سورة النور (٢٤) : آية ١٩]
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)
فتواعدهم الله جلّ وعزّ على إرادة الفسق أي إذاعة الفاحشة في الذين آمنوا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أي يعلم مقدار عظم هذا الذنب والمجازاة عليه، ويعلم كل شيء.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١)
هو من ذوات الواو وإن كان قد كتب بالياء. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رحمه الله في قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً قال: ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء ينفع به نفسه أو ينفي به ما يدفعه عن نفسه.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٢]
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ حذفت الياء للجزم، قرأ يزيد بن القعقاع وزيد بن أسلم. ولا يتألّ أولوا الفضل «١» حذفت الألف للجزم. والمعنى واحد، كما تقول:
فلان يتكسّب ويكتسب.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٣]
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣)
من أحسن ما قيل في هذا أنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى، والتقدير:
الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكّر والمؤنّث. وكذا: في الذين يرمون، إلّا أنه غلّب المذكّر على المؤنّث.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٥]
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)
وقرأ مجاهد يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ «٢» يرفع الحقّ على أنه نعت لله جلّ وعزّ. قال أبو عبيد: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع، ليكون نعتا لله جلّ
(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٠٤، ومختصر ابن خالويه ١٠١.
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٠٥.
وعزّ، ويكون موافقا لقراءة أبيّ، وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبيّ ليوفيهم الله الحقّ دينهم «١» وهذا الكلام من أبي عبيد غير مرضيّ لأنه احتجّ لما هو مخالف للسواد الأعظم، ولا حجة فيه أيضا لأنه لو صحّ هذا أنّ في مصحف أبيّ كذلك جاز أن تكون القراءة: يومئذ يوفّيهم الله الحقّ دينهم يكون دينهم بدلا من الحق على أن قراءة العامة دِينَهُمُ الْحَقَّ يكون «الحقّ» نعتا لدينهم والمعنى حسن لأنّ الله جل وعز قد ذكر المسيئين فاعلم أنه يجازيهم بالحق، كما قال جلّ وعزّ: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: ١٧] لأن مجازاة الله جلّ وعزّ للكافر والمسيء بالحقّ والعدل، ومجازاته للمحسنين بالفضل والإحسان.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٦]
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ قد ذكرنا فيه أقوالا: فمن أحسن ما قيل فيه:
أنّ المعنى الزناة للزناة على ما كان التعبّد مبرئا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧)
لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا قال عكرمة: أي حتى تستأذنوا وحقيقته في اللّغة تستعملوا مشتقّ من آنست الشيء أي استعملته. ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي من الدخول بغير استئذان لما فيه من التّهمة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي تنتبهون على ما لكم فيه الصّلاح.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ «من» هاهنا لبيان الجنس وكذا يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ
(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٠٥، ومختصر ابن خالويه ١٠١.
وظهر التضعيف في الثاني، لأن لام الفعل من الثاني ساكنة ومن الأول متحركة وهما في موضع جزم جوابا. والتقدير عند المازني: قل للمؤمنين غضّوا يغضّوا وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قال أبو العالية: أي حتى لا يراها أحد، وقال غيره: فحرّم الله على المسلمين أيضا أن يدخلوا حمّاما بغير مئزر، وأجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل، وأن المرأة كلّها عورة إلّا وجهها ويديها فإنّهم اختلفوا فيهما، وقال أكثر العلماء في الرجل: من سرته إلى ركبته عورة لا يجوز أن ترى. إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ
اسم إن وخبرها. وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ويجوز وليضربن بكسر اللام وهو الأصل وحذفت الكسرة لثقلها. ويضربن في موضع جزم بالأمر إلّا أنه مبنيّ على حال وحدة اتباعا للماضي عند سيبويه. والمعنى: وليلصقن خمرهنّ وهنّ المقانع على جيوبهنّ لئلا تبدو صدورهنّ أو أعناقهنّ. والصحيح من قراءة الكوفيين عَلى جُيُوبِهِنَّ «١» كما يقرءون بُيُوتاً والنحويون القدماء لا يجيزون هذه القراءة، ويقولون: بيت وبيوت كفلس وفلوس. وقال أبو إسحاق: هي تجوز على أن تبدل من الضمة كسرة. فأما ما روي عن حمزة من الجمع بين الضمّ والكسر فمحال لا يقدر أحد أن ينطق به إلّا على الإيماء إلى ما لا يجوز. أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وقرأ يزيد بن القعقاع وعاصم وابن عامر أو التابعين غير «٢» بنصب غير على الاستثناء. قال أبو حاتم: على الحال والخفض على النعت، وإن كان الأول معرفة لأنه ليس بمقصود قصده، وإن شئت قلت: هو بدل ونظيره غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: ٧] في الخفض والنصب جميعا أَوِ الطِّفْلِ بمعنى الأطفال، والدليل على ذلك نعته بالذين الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ وحكى الفراء أنّ لغة قيس «عورات» بفتح الواو، وهذا هو القياس لأنه ليس بنعت، كما تقول: جفنة وجفنات إلّا أن التسكين أجود في عورات وما أشبهه لأن الواو إذا تحرّكت وتحرّك ما قبلها قلبت ألفا، ولو فعل هذا لذهب المعنى وحكى الكسائي أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ «٣» بضم الهاء وهذه لغة شاذّة لا وجه لها لأن ها للتنبيه.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٢]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ جمع أيّم والأيّم عند أهل اللغة من لا زوج لها كانت بكرا أم ثيّبا. حكى ذلك أبو عمرو بن العلاء والكسائي وغيرهما. وذلك بيّن في قوله جلّ وعزّ: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ فلم يبح ثيّبا دون بكر. وحديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «الأيّم أحقّ
(١) انظر تيسير الداني ١٣١، والبحر المحيط ٦/ ٤١٣.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٥.
(٣) وهذه قراءة ابن عامر، انظر البحر المحيط ٦/ ٤١٤، وتيسير الداني ١٣١.
بنفسها» «١» من هذا بعينه. وجمع أيّم أيامى وأيايم وإيام مثل جيّد وجياد، وجمع أمة في التكسير إماء وآم، وفي النصب رأيت آميا وإموان مثل أخ وإخوان، لأن الأصل في أمة أموة وفي المسلّم أموات. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: حكى هشام أميات. قال: وهذا خطأ لأنها من ذوات الواو. وقرأ الحسن والصّالحين من عبيدكم «٢» و «عبيد» اسم للجمع، وليس بجمع مستتبّ، والجمع المستتبّ أعبد وعباد، ونظير عبيد في أنه اسم للجمع قولهم: معبوداء وعبدّى. قال الفراء «٣» : ويجوز والصالحين من عبادكم وإماءكم بالنصب يردّه على الصّالحين. إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ شرط وجوابه. قيل: يغنهم بالتزويج وهذا صحيح في اللغة لأن فقيرا إنما يعرف بالإضافة فيقال: فقير إلى الطّعام، وفقير إلى اللباس، وفقير إلى التزويج.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٣]
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣)
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ في موضع رفع بالابتداء وفي موضع نصب عند الخليل وسيبويه على إضمار فعلا لأن بعده أمرا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٥]
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبتدأ وخبره. وتقديره: الله ذو نور السّموات والأرض مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢]. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ مبتدأ وخبره أيضا.
وقد ذكرنا معناه، وقد روى شمر بن عطية»
عن كعب في قول الله جلّ وعزّ مَثَلُ نُورِهِ
(١) أخرجه الترمذي في سننه ٥/ ٢٥، وابن ماجة في سننه باب ١١ حديث ١٨٧٠، والدارمي في سننه ٢/ ١٣٨، ومالك في الموطّأ باب ٢ الحديث رقم ٤.
(٢) وهذه قراءة مجاهد أيضا، بالياء مكان الألف وفتح العين، انظر البحر المحيط ٦/ ٤١٥، ومختصر ابن خالويه ١٠٢. [.....]
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥١.
(٤) شمر بن عطية: روى عن أبي وائل وزرّ، وعنه الأعمش وقيس بن الربيع، وكان عثمانيا غاليا، ترجمته في ميزان الاعتدال ٢/ ٢٨٠.
94
قال: نوره محمد صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو جعفر: لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم في تبيانه للناس بمنزلة النور الذي يضيء لهم. قال كعب: كَمِشْكاةٍ، ككوّة فيها مصباح قال: الْمِصْباحُ قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم فِي زُجاجَةٍ قال: الزُّجاجَةُ صدره كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ لصدره ثم رجع إلى المصباح الذي هو في القلب فقال: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ قال لم تصبها شمس المشرق ولا شمس المغرب. شَرْقِيَّةٍ نعت لزيتونة. وَلا ليست تحول بين النعت والمنعوت وَلا غَرْبِيَّةٍ عطف. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال كعب:
يكاد محمد صلّى الله عليه وسلّم يستبين لمن يراه أنّه نبيّ وإن لم ينطق لما جعل عليه صلّى الله عليه وسلّم من الدلائل، كما يكاد هذا الزيت يضيء ولو لم تمسّه نار. وقد قرئ دري «١» على أربعة أوجه:
قرأ الحسن وأهل الحرمين كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بضم الدال وتشديد الياء إلّا أن سعيد ابن المسيّب قرأ هو وأبو رجاء العطارديّ ونصر بن عاصم وقتادة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بفتح الدال وتشديد الياء وقرأ أبو عمرو والكسائي كأنّها كوكب درء بكسر الدال والهمز، وقرأ حمزة كأنّها كوكب درّيء بضم الدال والهمز. فهذه أربع قراءات، وحكى الفراء «٢» أنّه يقال: درّي بكسر الدال وتشديد الياء بغير همز. قال أبو جعفر:
القراءة الأولى بيّنة نسب الكوكب إلى الدّرّ. فإن قال قائل: فالكوكب نورا من الدّرّ قيل له: إنما المعنى أنّ هذا الكوكب فضله على الكواكب كفضل الدّرّ على سائر الحبّ.
والقراءة الثانية بهذا المعنى فأبدل من الضمّة فتحة لأن النسب باب تغيير. والقراءة الثالثة أبي عمرو والكسائي ضعّفها أبو عبيد تضعيفا شديدا لأنه تأولها من درأت أي دفعت أي كوكب يجري من الأفق إلى الأفق فإن كان التأويل على ما تأوّله لم يكن في الكلام فائدة ولا كان لهذا الكوكب مزيّة على أكثر الكواكب. ألا ترى أنّه لا يقال: جاءني إنسان من بني آدم، ولا ينبغي أن يتأوّل لمثل أبي عمرو والكسائي رحمهما الله مع محلّهما وجلالهما هذا التأويل البعيد، ولكن التأويل لهما على ما روي عن محمد بن يزيد أن معناهما في ذلك كوكب مندفع بالنور كما يقال: اندرأ الحريق، أي اندفع، وهذا تأويل صحيح لهذه القراءة. وحكى الأخفش سعيد بن مسعدة أنه يقال: درأ الكوكب بضوئه إذا امتدّ ضوءه وعلا. فأما قراءة حمزة فأهل اللغة جميعا إلا أقلّهم يقولون: هي لحن لا يجوز لأنه ليس في كلام العرب اسم على فعّيل، وقد اعترض أبو عبيد في هذا فاحتج لحمزة فقال: ليس هو فعّل إنما هو فعّول مثل سبّوح أبدل من الواو ياء كما قالوا: عتيّ. قال أبو جعفر وهذا الاعتراض والاحتجاج من أعظم الغلط وأشدّه
(١) انظر القراءات جميعها في البحر المحيط ٦/ ٤١٩، ومعاني الفراء ٢/ ٢٥٢، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٥.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥٢.
95
لأن هذا لا يجوز البتّة، ولو جاز ما قال لقيل في سبّوح: سبّيح، وهذا لا يقوله أحد.
وليس عتيّ من هذا، والفرق بينهما واضح بيّن لأنه ليس يخلو عتيّ من إحدى جهتين:
إما أن يكون جمع عات فيكون البدل فيه لازما لأن الجمع باب تغيير والواو لا تكون ظرفا في الأسماء وقبلها ضمة، فلما كان قبل هذه ساكن وقبل الساكن ضمة والساكن ليس بحاجز حصين أبدل من الضم كسرة وقلبت الواو ياء، وإن كان عتى واحدا كان بالواو أولى وكان قبلها لأنها طرف والواو في فعول ليست طرفا ولا يجوز قلبها. ومن احتجّ لحمزة بشيء مشبه قال: قد جاء مرّيق وهو فعّيل، والحق في هذا أن مرّيقا عجميّ، والذي حكى الفراء- من كسر الدال جائز على أن تبدل من الضمة كسرة.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ قرئ على أربعة أوجه «١» : قرأ الحسن وأبو عبد الرحمن السلمي ومجاهد وأبو جعفر وأبو عمرو بن العلاء توقّد من شجرة بفتح الدال يجعله فعلا ماضيا، وقرأ شيبة ونافع يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ وهاتان القراءتان متقاربتان لأنهما جميعا للمصباح، وهو أشبه بهذا الوصف لأنه الذي يبين ويضيء، وإنما الزجاجة وعاء له، فتوقّد فعل ماض من توقّد يتوقّد ويوقد فعل مستقبل من أوقد يوقد، وقرأ نصر ابن عاصم توقّد والأصل على قراءته تتوقّد وحذف إحدى التاءين لأن الأخرى تدلّ عليها. وقرأ الكوفيون توقد «٢» وهاتان القراءتان على تأنيث الزجاجة وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ على تأنيث النار، وزعم أبو عبيد أنه لا يعرف إلّا هذه القراءة. وحكى أبو حاتم أنّ السّديّ روى عن أبي مالك عن ابن عباس أنه قرأ ولو لم يمسسه نار «٣» بالياء.
قال محمد بن يزيد: التذكير على أنه تأنيث غير حقيقي، وكذا سبيل الموات عنده.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٦]
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ قد ذكرناه «٤». وقيل المعنى صلّوا في بيوت. وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ «٥»، وكذا يروى عن الحسن، وقد ذكر سيبويه مثل هذا، وأنشد: [الطويل] ٣٠٦-
ليبك يزيد ضارع لخصومة «٦»
والتقدير: يسبّح له فيها رجال على إضمار هذا الفعل لأنه لما قال: يسبّح دلّ
(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٢٠، ومعاني الفراء ٢/ ٢٥٢، وكتاب السبعة لابن مجاهد.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٢٠، ومختصر ابن خالويه ١٠٢.
(٤) انظر إعراب الآية ٣٠ من هذه السورة.
(٥) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٢١، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٦.
(٦) مرّ الشاهد رقم (١٣٢).
على أن ثمّ مسبّحين وعلى هذا تقول: ضرب زيد عمرو. ولمّا أن قلت: ضرب زيد.
دلّ على أنّ له ضاربا فذكرته وأضمرت له فعلا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٧]
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧)
وَإِقامِ الصَّلاةِ ويقال: أقام الصلاة إقامة، والأصل إقوامة فقلبت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفا وبعدها ألف وهما ساكنتان فحذفت إحداهما وأثبت الهاء لئلّا تحذفها فيجحف فلما أضفت قام المضاف إليه مقام الهاء فجاز حذفها، فإن لم تضف لم يجز حذفها، ألا ترى أنك تقول: وعد عدة، فلا يجوز حذف الهاء لأنك قد حذفت واوا لأن الأصل وعدة فإن أضفت جاز حذف الهاء، وأنشد الفراء: [البسيط] ٣٠٧-
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا «١»
يريد عدة فحذف الهاء لمّا أضاف. يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ قد ذكرناه. وقيل: معناه تتقلّب قلوب الفجّار على النار، وقيل تتقلّب أي تنضج مرّة وتلفحها النار مرة.
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٩]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا ابتداء أَعْمالُهُمْ ابتداء ثان، ويجوز أن يكون بدلا من الذين ويكون الخبر كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً فإن خففت الهمزة قلت الظّمآن.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤٠]
أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)
ظُلُماتٌ على إضمار مبتدأ ومن قرأ ظلمات «٢» جعلها بدلا من ظلمات الأولى، ويقال: «ظلمات» لخفّة الفتحة و «ظلمات» لنقل الضمة.
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ. تأوّله أبو إسحاق على أنه في الدّنيا أي من لم يجعل الله له هداية إلى الإسلام لم يهتد، وتأوله غيره على أنه في الآخرة أي من لم يجعل الله له نورا في القيامة لم يهتد إلى الجنّة.
(١) الشاهد للفضل بن عباس في شرح التصريح ٢/ ٣٩٦، وشرح شواهد الشافية ٦٤، ولسان العرب (غلب)، و (خلط)، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٧٢، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥/ ٢٤١، وأوضح المسالك ٤/ ٤٠٧، والخصائص ٣/ ١٧١، وشرح الأشموني ٢/ ٣٠٤، وشرح عمدة الحافظ ٤٨٦، ولسان العرب (وعد) و (خلط).
(٢) انظر تيسير الداني ١٣٤، والبحر المحيط ٦/ ٤٢٤.

[سورة النور (٢٤) : آية ٤١]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١)
عطفا على «من». قال أبو إسحاق: ويجوز «والطير» بمعنى مع الطير، ولم يقرأ به. قال أبو جعفر: وسمعته يجيز قمت وزيدا، بمعنى مع زيد. قال: وهو أجود من الرفع. قال: فإن قلت: قمت أنا وزيد، كان الأجود الرفع، ويجوز النصب. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ يجوز أن يكون المعنى: كلّ قد علم الله صلاته وتسبيحه. ومن هذه الجهة يجوز نصب كلّ عند البصريين والكوفيين. قال أبو إسحاق: والصلاة للناس والتسبيح لغيرهم ولهم، ويجوز أن يكون المعنى: كلّ قد علم صلاة نفسه وتسبيحه.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤٣]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ يقال: «بين» لا يقع إلّا لاثنين فصاعدا فكيف جاء بينه؟ فالجواب أن بينه هاهنا لجماعة السحاب، كما تقول: الشجر حسن، وقد جلست بينه. وفيه قول آخر: وهو، أن يكون السحاب واحدا فجاز أن يقال: بينه لأنه مشتمل على قطع كثيرة كما قال الشاعر: [الطويل] ٣٠٨-
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل «١»
فأوقع بينا على الدخول وهو واحد لاشتماله على مواضع. هذا قول النحويين، إلا الأصمعي فإنه زعم أن هذا لا يجوز وكان يرويه «بين الدّخول وحومل»، قرأ ابن عباس والضحاك فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ «٢» وخلل: واحد خلال مثل جمل وجمال، وهو واحد يدلّ على جمع. وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ من قال: إنّ المعنى من جبال برد فيها، فبرد عنده في موضع خفض هكذا يقول الفراء «٣»، كما تقول: الإنسان من لحم ودم، والإنسان لحم ودم، ويجب أن يكون على قوله: المعنى من جبال برد فيها بتنوين الجبال، لأنه قال: الجبال هي البرد. فأما على قول البصريين
(١) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ٨، والأزهيّة ٢٤٤، وجمهرة اللغة ٥٦٧، والجنى الداني ٦٣، وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٢، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٦٣، ولسان العرب (آ)، ومجالس ثعلب ١٢٧، وهمع الهوامع ٢/ ١٢٩، وبلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٦٥٦، وأوضح المسالك ٣/ ٣٥٩، وجمهرة اللغة ٥٨٠، والدرر ٦/ ٨٢، ورصف المباني ٣٥٣، وشرح الأشموني ٢/ ٤١٧، وشرح شافية ابن الحاجب ٢/ ٣١٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٢٦. [.....]
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥٦.
فيكون من برد في موضع نصب، ويجوز الخفض كما تقول: مررت بخاتم حديدا وبخاتم حديد، الخفض على البدل والنصب عند سيبويه على الحال، وعند أبي العبّاس على البيان.
ومن قال: المعنى من مقدار جبال فمن برد عنده في موضع نصب لا غير. قال الفراء «١» :
كما تقول عندي بيتان تبنا، ومثله عنده أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [المائدة: ٩٥]. ومن قال:
إنّ «من» زائدة فيهما فهما عنده في موضع نصب لا غير. وقرأ أبو جعفر: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ «٢» بضم الياء، وزعم أبو حاتم أن هذا لحن، وهو قول أستاذه الأخفش يقول: دخل بالمدخل ولا يجيز هاهنا أدخل، ويزعم أن الباء تعاقب الألف، وهذا هو القول البين. فأما أن يكون خطأ لا يجوز ولا يحمل عليه فقد زعم جماعة أن الباء تزاد واحتجوا بقول الله جلّ وعزّ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ [الحجّ: ٢٥] وإن كان غير هذا القول أولى منه، وهو ما حكاه لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد. قال: تكون الباء متعلقة بالمصدر إذ كان الفعل دالا عليه ومأخوذا منه فعلى هذا يكون التقدير ذهابه بالأبصار أو إذهابه وكذا: أدخل بالمدخل السّجن الدار، جائز على هذا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤٤]
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ مجاز أي يقلب هذا إلى هذا وهذا إلى هذا فإذا زال أحدهما ودخل الآخر كان بمنزلة ما قلب إليه.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤٥]
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم وسائر الكوفيين يقرءون خالق كلّ دابّة «٣» والمعنيان صحيحان. أخبر الله جلّ وعزّ بخبرين ولا ينبغي أن يقال في هذا أحد القراءتين أصحّ من الأخرى لأنهما يدلّان على معنيين، ولكن إن قال قائل: «خلق» في هذا أكثر لأنه ليس بشيء مخصوص، وإنما يقال: خالق على العموم، كما قال جلّ وعزّ: الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر: ٢٤] وفي الخصوص الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: ١]، وكذا هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ [الأعراف: ١٨٩] فكذا يجب وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ. والدابّة كلّ ما دبّ على الأرض من الحيوان يقال: دبّ، وهو داب، والهاء للمبالغة. وقيل: يعني بالماء هاهنا المنيّ كما قال: مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٦] وقيل: لمّا كان خلق الأرض
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٧٠، يذهب بضمّ الياء.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٧.
من ماء جاء هذا هكذا. وقيل: أصل خلق النار والنور من الماء. فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ومن مشى على أكثر من أربع فهو يمشي على أربع، وغلب ما يعقل لمّا اجتمع مع ما لا يعقل لأنه المخاطب والمتعبّد.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤٩]
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩)
مُذْعِنِينَ في موضع الحال.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٠]
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠)
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا فأنكر الله عليهم ذلك لما أظهر من البراهين فقال: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥١]
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)
وقرأ الحسن إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ «١» جعله اسم كان والخبر أَنْ يَقُولُوا.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٣]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣)
قُلْ لا تُقْسِمُوا
نهاهم عن الحلف لأنّ عزمهم كان على غير ذلك فهم آثمون إذا حلفوا. طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
على إضمار لتكن طاعة، ويجوز أن يكون المعنى: طاعة أولى بكم.
قال أبو إسحاق: يجوز طاعة بالنصب يعني على المصدر.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٤]
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)
فَإِنْ تَوَلَّوْا في موضع جزم بالشرط، والأصل تتولّوا فحذفت إحدى التاءين لدلالة الأخرى، وحذفت النون للجزم، والجواب في الفاء وما بعدها.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٥]
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥)
فكان في هذه الآية دلالة عن نبوّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن الله أنجز ذلك الوعد، وكان
(١) قول: بالرفع، وهي قراءة عليّ وابن أبي إسحاق أيضا، انظر البحر المحيط ٦/ ٤٢٩.
فيها دلالة على خلافة أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لأنه لم يستخلف أحدا ممّن خوطب بهذه الآية غيرهم لأن هذه الآية نزلت قبل فتح مكة.
وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الخلافة بعدي ثلاثون» «١» هذا للآية وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً وعاصم يقرأ: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مخففا، وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال «٢» :
قرأ عاصم والأعمش: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مشددة، وهذا غلط على عاصم وقد ذكرنا بعده غلطا أشدّ منه، وهو أنه حكى عن سائر الناس التخفيف. قال أبو جعفر: زعم أحمد بن يحيى أن بين التخفيف والتثقيل فرقا وأنّه يقال: بدلته أي غيرته وأبدلته أنزلته، وجعلت غيره. قال أبو جعفر: وهذا القول صحيح، كما تقول: أبدل لي هذا الدرهم، أي أزله وأعطني غيره، وتقول: قد بدّلت بعدنا أي غيرت غير أنه قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر، والذي ذكر أكثر يَعْبُدُونَنِي في موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون مستأنفا في موضع رفع.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٧]
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ مفعولان، وقرأ حمزة لا يحسبنّ «٣» الذين كفروا معجزين في الأرض «٤» قال أبو جعفر: وما علمت أحدا من أهل العربيّة واللغة بصريا ولا كوفيّا وإلّا وهو يحظر أن تقرأ هذه القراءة. فمنهم من يقول هي لحن لأنه لم يأت إلّا بمفعول واحد ليحسبن، وممن قال هذا أبو حاتم. وقال الفراء «٥» : هو ضعيف وأجازه على ضعفه على أنه يحذف المفعول الأول. والمعنى عنده: لا يحسبنّ الذين كفروا إيّاهم معجزين في الأرض، ومعناه لا يحسبنّ أنفسهم معجزين في الأرض.
ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى هذا القول أعني قول الفراء وسمعت علي بن سليمان يقول في هذه القراءة: ويكون «الذي» في موضع نصب قال: ويكون المعنى: لا يحسبنّ الكافر الذين كفروا معجزين في الأرض.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨)
(١) أخرجه الترمذي في سننه ٩/ ٧٠، وأبو داود في سننه الحديث رقم (٦٤٦).
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٣١، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٩.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥٨.
(٤) انظر تيسير الداني ١٣٢، وهذه قراءة ابن عامر أيضا.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥٩.
وقرأ الحسن وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ «١» بإسكان اللام لثقل الضمة. وقرأ المدنيون وأبو عمرو ثَلاثُ عَوْراتٍ بالرفع، وقرأ الكوفيون (ثلاث عورات) «٢» بالنصب، والقول في هذا قريب من القول في يحسبنّ. قال أبو حاتم: النصب ضعيف مردود. قال الفراء «٣» : الرفع أحبّ إليّ. قال: وإنّما اخترت الرفع لأن المعنى هذه الخصال ثلاث عورات. والرفع عند الكسائي بالابتداء، والخبر عنده ما بعده. ولم يقل بالعائد، وقال نصا بالابتداء. قال: العورات الساعات التي تكون فيها العورة والخلوة إلا أنه قرأ بالنصب والنصب فيه قولان: أحدهما أنه مردود على قوله: ثَلاثَ مَرَّاتٍ ولهذا استبعده الفراء. قال أبو إسحاق: المعنى ليستأذنكم أوقات ثلاث عورات طَوَّافُونَ بمعنى هم طوافون. قال الفراء: كقولك في الكلام: إنّما هم خدمكم وطوافون عليكم. وأجاز الفراء «٤» نصب طوافون لأنه نكرة والمضمر في عليكم معرفة، ولا يجيز البصريون أن يكون حالا من المضمر من الذين في «عليكم» وفي «بعضكم» لاختلاف العاملين. لا يجوز مررت بزيد، ونزلت على عمرو العاقلين، على النعت لهما. بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ لله بإضمار فعل أي يطوف بعضكم على بعض كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الكاف في موضع نصب أي يبيّن الله لكم آياته الدالّة على وحدانيته. تبيانا مثل ما بيّن لكم هذه الأشياء.
[سورة النور (٢٤) : آية ٥٩]
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩)
وقرأ الحسن الحلم «٥» حذف الضمة لثقلها. فَلْيَسْتَأْذِنُوا أي فليستأذنوا في كلّ الأوقات، ولم يقل: فليستأذنوكم، وقال في الأول: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبّدين...
[سورة النور (٢٤) : آية ٦٠]
وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)
وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ جمع قاعد بحذف الهاء. وفيه ثلاثة أقوال: مذهب البصريين أنه على النسب، ومذهب الكوفيين أنه لمّا كان لا يقع إلّا للمؤنّث لم يحتج فيه إلى الهاء، والقول الثالث أنه جاء بغير هاء تفريقا بينه وبين القاعدة بمعنى الجالسة فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ على الحال، أي لا يردن أن يظهرن زينتهنّ للرجال.
(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٣٣، ومختصر ابن خالويه ١٠٣.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٩.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٦٠.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٦٠. [.....]
(٥) انظر البحر المحيط ٦/ ٤٣٣.

[سورة النور (٢٤) : آية ٦١]

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ اسم ليس وقد ذكرناه. ومن حسن ما قيل فيه أنه في الجهاد. فأما معنى وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ إلى آخر الآية. ففيه ثلاثة أقوال: منها أنه إنما يجوز ذلك بعد الإذن، ومنها أنه قد كان علم أنهم لا يبخلون عليهم بهذا. والقول الثالث أن الآية منسوخة وأنّ هذا كان أول، فلمّا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام إلّا بإذن، وحرمة مال المسلم كحرمة دمه» «١» فوجب من هذا أنّه لا يحلّ لأحد شيء من مال أحد إلّا بإذن أو ما أجمع عليه المسلمون عند خوفه على هلاك نفسه. وقد قيل: إنّ الآية منسوخة بقوله جلّ وعزّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النور: ٢٧] فإذا كان لا يدخل إلّا بإذن فهو من الطعام أبعد، وقال جلّ وعزّ:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب: ٥٣] ولو لم يكن في نسخ الآية إلّا الحديث الذي رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحتلبنّ أحدكم ماشية أخيه إلّا بإذنه أيحبّ أحدكم أن يؤتى إلى مشربته فتفتح خزانته فيوخذ طعامه لكان كافيا» «٢». وقرأ قتادة مفتاحه «٣» وهي لغة ومفتح أكثر في كلام العرب يدلّك على ذلك جمعه على مفاتح. أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً نصب على الحال. تَحِيَّةً مصدر. قال أبو إسحاق: لأن معنى فَسَلِّمُوا
فحيّوا، وأجاز الكسائي والفراء رفع تحيّة بمعنى هي تحيّة مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لأن الله أمر بها مُبارَكَةً طَيِّبَةً لأن سامعها يستطيب سمعها.
[سورة النور (٢٤) : آية ٦٢]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢)
(١) أخرجه أبو داود في سننه الحديث (٤٨٨٢)، وابن ماجة الحديث رقم (١٩٣١).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ- الاستئذان باب ٦، الحديث رقم (١٧)، والترمذي في سننه- البيوع ٥/ ٢٩٥، وابن ماجة في سننه باب ٦٨ الحديث (٢٣٠٢). والبخاري في صحيحه ٣/ ١٦٥، ومسلم في صحيحه كتاب اللقطة باب (٢) رقم (١٣).
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٣.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مبتدأ وخبره وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ أي ما يحتاج فيه إلا الاجتماع من الحرب وغيرها لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ لأنه قد يحتاج إلى حضورهم.
[سورة النور (٢٤) : آية ٦٣]
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣)
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ الكاف في موضع نصب مفعول ثان. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً مصدر، ويجوز أن يكون في موضع الحال أي ملاوذين. قال أبو إسحاق: أي مخالفين وحقيقته أنّ بعضهم يلوذ ببعض أي يستتر به لئلا يرى. يقال: لاوذ يلاوذ ملاوذة ولواذا، ولاذ يلوذ لوذا ولياذا تقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها اتباعا للاذ في الاعتلال، فإذا كان مصدر فاعل لم يعلّ لأن فاعل لا يجوز أن يعلّ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ «أن» في موضع نصب بيحذر، ولا يجوز عند أكثر النحويين: حذر زيدا، وهو في أن جائز لأن حروف الخفض تحذف معها عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ مبتدأ وخبره.
Icon