تفسير سورة النّمل

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة النمل من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة النمل
وآيها ثلاث وتسعون
مكية نزلت بعد الشعراء.
ومناسبتها ما قبلها من وجوه :
١-إنها كالتتمة لها، إذ جاء فيها زيادة على ما تقدم من قصص الأنبياء قصص داود وسليمان.
٢-إن فيها تفصيلا وبسطا لبعض القصص السالفة كقصص لوط وموسى عليهما السلام.
٣-إن كلتيهما قد اشتمل على نعت القرآن وأنه منزل من عند الله.
٤-تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من أذى قومه وعنتهم، وإصرارهم على الكفر به، والإعراض عنه.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين( ١ ) هدى وبشرى للمؤمنين( ٢ ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ﴾( النمل : ١-٣ ).
الإيضاح :﴿ طس ﴾تقدم القول في المراد من فواتح السور، وأن الأصح أنها حروف مقطعة جاءت للتنبيه نحو ألا ويا التي للنداء، وينطق بأسمائها فيقال( طا-سين ).
﴿ تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾أي إن هذه الآيات التي أنزلتها إليك أيها الرسول لآيات القرآن، وآيات كتاب بيّن لمن تدبره وفكر فيه أنه من عند الله أنزله إليك، لم تتقوّله أنت ولا أحد من خلقه، إذ لا يستطيع ذلك مخلوق ولو تظاهر معه الجن والإنس.
والمراد ب﴿ الكتاب المبين ﴾القرآن، وعطفه عليه كعطف إحدى الصفتين على الأخرى كما يقال هذا فعل السخي والجواد الكريم.
الإيضاح :﴿ وبشرى للمؤمنين ﴾أي هي تزيد المؤمنين هدى على هداهم كما قال :﴿ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ﴾( التوبة : ١٢٤ ) وهي تبشرهم برحمة من الله ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم.
الإيضاح : ولما كان وصف الإيمان خفيا ذكر ما يلزمه من الأمور الظاهرة فقال :
﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ﴾أي إن المؤمنين حق الإيمان هم الذين يعملون الصالحات، فيقيمون الصلاة المفروضة على أكمل وجوهها، ويؤدون الزكاة التي تطهّر أموالهم وأنفسهم من الأرجاس، ويوقنون بالمعاد إلى ربهم، وأن هناك يوما يحاسبون فيه على أعمالهم خيرها وشرها، فيذلون أنفسهم في طاعته، رجاء ثوابه وخوف عقابه.
وليسوا كأولئك المكذبين به الذين لا يبالون. أحسنوا أم أساؤوا، وأطاعوا أم عصوا، لأنهم إن أحسنوا لا يرجون ثوابا، وإن أساؤوا لم يخافوا عقابا.
﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون( ٤ ) أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾( النمل : ٤-٥ ).
تفسير المفردات : يعمهون : أي يتحيرون ويترددون في أودية الضلال.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن المؤمنين يزيدهم القرآن هدى وبشرى، إذ هم به يستمسكون ويؤدون ما شرع من الأحكام على أتم الوجوه - أردف هذا ببيان أن من لا يؤمن بالآخرة يركب رأسه، ويتمادى في غيه، ويعرض عن القرآن أشد الإعراض، ومن ثم تراه حائرا مترددا في ضلاله، فهو في عذاب شديد في دنياه لتبلبله، وقلقه واضطراب نفسه، وفي الآخرة له أشد الخسران، لما يلحقه من النكال والوبال والحرمان من الثواب والنعيم الذي يتمتع به المؤمنون.
الإيضاح :﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون ﴾أي إن الذين لا يصدقون بالآخرة وقيام الساعة والمعاد إلى الله بعد الموت، وبالثواب والعقاب - حبّبنا إليهم قبيح أعمالهم، ومددنا لهم في غيهم، فهم في ضلالهم حيارى تائهون، يحسبون أنهم يحسنون صنعا، لا يفكرون في عقبى أمرهم، ولا ينظرون إلى ما يؤول إليه سلوكهم.
قال الزجاج : أي جعلنا جزاءهم على كفرهم أن زينا لهم ما هم فيه بأن جعلناه مشتهى بالطبع، محبوبا إلى النفس.
تفسير المفردات : الأخسرون : أي أشد الناس خسرانا، لحرمانهم الثواب، واستمرارهم في العذاب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن المؤمنين يزيدهم القرآن هدى وبشرى، إذ هم به يستمسكون ويؤدون ما شرع من الأحكام على أتم الوجوه - أردف هذا ببيان أن من لا يؤمن بالآخرة يركب رأسه، ويتمادى في غيه، ويعرض عن القرآن أشد الإعراض، ومن ثم تراه حائرا مترددا في ضلاله، فهو في عذاب شديد في دنياه لتبلبله، وقلقه واضطراب نفسه، وفي الآخرة له أشد الخسران، لما يلحقه من النكال والوبال والحرمان من الثواب والنعيم الذي يتمتع به المؤمنون.
الإيضاح :﴿ أولئك الذين لهم سوء العذاب ﴾في الدنيا بقتلهم وأسرهم حين قتال المؤمنين كما حدث يوم بدر.
﴿ وهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾أي وهم في الآخرة أعظم خسرانا مما هم فيه في الدنيا، لأن عذابهم فيها مستمر لا ينقطع، وعذابهم في الدنيا ليس بدائم بل هو زائل لا بقاء له.
قصص موسى عليه السلام :
﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم( ٦ ) إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون( ٧ ) فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين( ٨ ) يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم( ٩ ) وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون( ١٠ ) إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم( ١١ ) وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين( ١٢ ) فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين( ١٣ ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾( النمل : ٦-١٤ ).
تفسير المفردات : لتلقى : أي لتلقن وتعطى.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾أي وإنك أيها الرسول لتحفظ القرآن وتعلّمه من عند حكيم بتدبير خلقه، عليم بأخبارهم وما فيه الخير لهم، فخبره هو الصدق، وحكمه هو العدل كما قال :﴿ وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ﴾( الأنعام : ١١٥ ).
ثم خوطب صلى الله عليه وسلم وأمر بتلاوة ما تلقاه من لدنه عز اسمه تقريرا لما قبله وتحقيقا له بقوله :﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾.
ثم خوطب صلى الله عليه وسلم وأمر بتلاوة ما تلقاه من لدنه عز اسمه تقريرا لما قبله وتحقيقا له بقوله :﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾.
تفسير المفردات : آنست : أي أبصرت إبصارا حصل لي به أنس، بخبر : أي عن الطريق وحاله، بشهاب : أي بشعلة نار، قبس : أي قطعة من النار مقبوسة ومأخوذة من أصلها، تصطلون : أي تستدفئون بها، قال الشاعر :
النار فاكهة الشتاء فمن يرد أكل الفواكه شاتيا فليصطل
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح :﴿ إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ﴾أي واذكر أيها الرسول لقومك حين قول موسى لأهله وقد سار بهم فضلّ الطريق في ليل دامس وظلام حالك، فرأى نارا تأجج وتضطرب، إني أبصرت نارا سآتيكم منها إما بخبر عن الطريق أو آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها، وكان كما قال : فإنه رجع منها بخبر عظيم، واقتبس نورا جليلا.
وقد كان هذا حين مسيره من مدين إلى مصر ولم يكن معه سوى امرأته، وكانا يسيران ليلا فاشتبه عليهما الطريق والبرد شديد.
وفي مثل هذه الحال يستبشر الناس بمشاهدة النار من بعد لما يرجى فيها من زوال الحيرة وأمن الطريق ومن الانتفاع بها للاصطلاء، ومن ثم قال لها هذه المقالة.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح :﴿ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ﴾أي فلما وصل إلى النار نودي بأن بورك من في مكان النار ومن حول مكانها، ومكانها هي البقعة المباركة المذكورة في قوله :﴿ نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة ﴾( القصص : ٣٠ ) ومن حولها من في ذلك الوادي وحواليه من أرض الشام الموسومة بالبركات ومهبط الخيرات، لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتا.
وقوله :﴿ سبحان الله ﴾تنزيه لنفسه عما لا يليق به في ذاته وحكمته وإيذان بأن مدبر ذلك الأمر هو رب العالمين.
أخرج عبد بن حميد وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات( أنوار ) وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة :﴿ أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ﴾ ".
وفي التوراة : جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعير، واستعلى من جبل فاران، فمجيئه من سيناء بعثه موسى منها، وإشرافه من ساعير بعثه المسيح منها، واستعلاؤه من فاران بعثه محمدا صلى الله عليه وسلم( وفاران مكة ).
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح : ولما تشوقت النفس إلى تحقيق ما يراد بالتصريح قال تعالى تمهيدا لما أراد إظهاره على يد موسى من المعجزات الباهرة :
﴿ يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ﴾أي يا موسى إن الذي يخاطبك ويناجيك هو ربك الذي عز كل شيء وقهره، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله.
تفسير المفردات : جان : أي حية صغيرة سريعة الحركة، ولى مدبرا : أي التفت هاربا، ولم يعقب : أي لم يرجع على عقبه ولم يلتفت إلى ما وراءه من قولهم : عقب المقاتل إذا كرّ بعد الفرّ.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح : ثم أرى موسى آية تدل على قدرته، ليعلم ذلك علم شهود فقال :
﴿ وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ﴾أي وألق عصاك، فلما ألقاها انقلبت حية سريعة الحركة، فلما رآها كذلك ولى هاربا خوفا منها ولم يلتفت وراءه من شدة فرقه.
وحينئذ تاقت النفس إلى معرفة ما قيل إذ ذاك فقال :
﴿ يا موسى لا تخف إني لا يخاف لديّ المرسلون ﴾أي لا تخف مما ترى، فإني لا يخاف عندي رسلي وأنبيائي الذين أختصهم وأصطفيهم بالنبوة.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح :﴿ إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ﴾أي لكن من ظلم من سائر العباد، فإنه يخاف إلا إذا تاب، فبدل بتوبته حسنا بعد سوء فإني أغفر له وأمحو ذنوبه وجميع آثارها كما فعل السحرة الذين آمنوا بموسى، وفي هذا بشارة عظيمة لسائر البشر، فإن من عمل ذنبا ثم أقلع عنه وتاب وأناب، فإن الله يتوب عليه كما قال :﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾( طه : ٨٢ ) وقال :﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ﴾( النساء : ١١٠ ).
تفسير المفردات : من غير سوء : أي من غير برص ولا نحوه من الآفات، آيات : أي معجزات دالة على صدقك، مبصرة : أي بينة واضحة.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح : ثم أراه جلت قدرته آية أخرى ذكرها بقوله :
﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ﴾أي وأدخل يدك في جيب " مدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر " قميصك تخرج بيضاء بياضا عظيما، ولها شعاع كشعاع الشمس بلا آفة بها من برص أو غيره.
والآية الأولى كانت بتغيير ما في يده وقلبها من جماد إلى حيوان، والثانية بتغيير يده نفسها وقلب أوصافها إلى أوصاف أخرى نورانية.
﴿ في تسع آيات إلى فرعون وقومه ﴾أي هاتان آيتان من تسع آيات أؤيدك بهن، وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه كما قال :﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ﴾( الإسراء : ١٠١ ).
ثم علل إرساله إليهم بالخوارق بقوله :
﴿ إنهم كانوا قوما فاسقين ﴾أي لأنهم قوم خرجوا عما تقتضيه الفطرة ويوجبه العقل بادعاء فرعون الألوهية وتصديقهم له في ذلك.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
الإيضاح : وبعدئذ ذكر ما حدث لهم حين أتاهم بالبراهين من ربه فقال :
﴿ فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين ﴾أي فلما جاءت فرعون وقومه أدلتنا الواضحة المنيرة الدالة على صدق الداعي - أنكروها وقالوا هذا سحر بين لائح على مهارة فاعله وحذق صانعه.
المعنى الجملي : بعد أن وصف عز اسمه القرآن بأنه هدى وبشرى للمؤمنين، وأن من أعرض عنه كان له الخسران المبين - أردفه بذكر حال المنزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا له.
تفسير المفردات : جحدوا بها : أي كذبوا، واستيقنتها أنفسهم : أي علمت علما يقينيا أنها من عند الله، وعلوا : أي ترفعا واستكبارا.
ثم بين أن هذا التكذيب إنما كان باللسان فحسب لا بالقلب فقال :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾.
الإيضاح :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾أي وكذبوا بها بألسنتهم وأنكروا دلالتها على صدقه وأنه رسول من ربه، لكنهم علموا في قرارة نفوسهم أنها حق من عنده، فخالفت ألسنتهم قلوبهم، ظلما للآيات، إذ حطوها عن مرتبتها العالية وسموها سحرا، ترفعا عن الإيمان بها كما قال في آية أخرى :﴿ فاستكبروا وكانوا قوما عالين ﴾( المؤمنون : ٤٦ ).
والخلاصة : إنهم تكبروا عن أن يؤمنوا بها وهم يعلمون أنها من عند الله.
﴿ فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾أي فانظر أيها الرسول ما آل إليه أمر فرعون وقومه من الإغراق على الوجه الذي فيه العبرة للظالمين، ومن إخراجهم من الجنات والعيون والزروع والمقام الكريم.
وفي هذا تحذير للمكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم الجاحدين لما جاء من عند ربه، أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك، لعلهم يقلعون عن عنادهم واستكبارهم حتى لا تنزل بهم القوارع وبأخذهم العذاب من حيث لا يشعرون.
قصص داود وسليمان عليهما السلام :
﴿ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين( ١٥ ) وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين( ١٦ ) وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون( ١٧ ) حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون( ١٨ ) فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ﴾( النمل : ١٥-١٩ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر قصص موسى صلى الله عليه وسلم تقريرا لما قبله ببيان أنه تلقاه من لدن حكيم عليم - أردفه قصص داود وسليمان، وذكر أنه آتى كلا منهما طائفة من علوم الدين والدنيا، فعلّم داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلّم سليمان منطق الطير، ثم بين أن سليمان طلب من ربه أن يوفقه إلى شكر نعمه عليه وعلى والديه، وأن يمكنه من العمل الصالح وأن يدخله جنات النعيم.
الإيضاح :﴿ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ﴾أي ولقد أعطينا داود وسليمان ابنه عليهما السلام طائفة عظيمة من العلم، فعلمنا داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلمنا سليمان منطق الطير والدواب وتسبيح الجبال ونحو ذلك مما لم نؤته أحدا ممن قبلهما، فشكرا لله على ما أولاهما من مننه، وقالا الحمد لله الذي فضلنا بما آتانا من النبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن، على كثير من المؤمنين من عباده الذين لم يؤتهم مثل ما آتانا.
وفي الآية إيماء إلى فضل العلم وشرف أهله من حيث شكرا عليه وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا شيئا دونه مما أوتياه من الملك العظيم :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾( المجادلة : ١١ ) وفيها تحريض للعلماء على أن يحمدوا الله على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن عباد الله من يفضلهم فيه.
تفسير المفردات : تفسير المفردات : ورث سليمان داود : أي قام مقامه في النبوة والملك، منطق الطير : أي فهم ما يريده كل طائر إذا صوت.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر قصص موسى صلى الله عليه وسلم تقريرا لما قبله ببيان أنه تلقاه من لدن حكيم عليم - أردفه قصص داود وسليمان، وذكر أنه آتى كلا منهما طائفة من علوم الدين والدنيا، فعلّم داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلّم سليمان منطق الطير، ثم بين أن سليمان طلب من ربه أن يوفقه إلى شكر نعمه عليه وعلى والديه، وأن يمكنه من العمل الصالح وأن يدخله جنات النعيم.
الإيضاح :﴿ وورث سليمان داود ﴾أي قام مقامه في النبوة والملك بعد موته، وسخرت له الريح والشياطين.
قال قتادة في الآية : ورث نبوته وملكه وعلمه، وأعطي ما أعطى داود، وزيد له تسخير الريح والشياطين، وكان أعظم ملكا منه وأقضى منه، وكان داود أشد تعبدا من سليمان شاكرا لنعم الله تعالى. ا ه.
ثم ذكر بعض نعم الله عليه :
﴿ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير ﴾أي وقال متحدثا بنعمة ربه، ومنبها إلى ما شرفه به، ليكون أجدر بالقول : يا أيها الناس إن ربي يسر لي فهم ما يريده الطائر إذا صوّت، فأعطاني قوة أستطيع بها أن أتبين مقاصده التي يومئ إليها فضلا منه ونعمة.
وقد اجتهد كثير من الباحثين في العصر الحاضر فعرفوا كثيرا من لغات الطيور أي تنوع أصواتها لأداء أغراضها المختلفة من حزن وفرح وحاجة إلى طعام وشراب واستغاثة من عدو، إلى نحو ذلك من الأغراض القليلة التي جعلها الله للطير.
وفي هذا معجزة لكتابه الكريم لقوله في آخر السورة﴿ وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ﴾( النمل : ٩٣ ).
وإنك لتعجب إذ ترى اليوم أن كثيرا من الأمم تبحث في لغات الطيور والحيوان والحشرات كالنمل والنحل، وتبحث في تنوع أصواتها لتنوع أغراضها، فكأنه تعالى يقول : إنكم لا تعرفون لغات الطيور الآن وعلمتها سليمان، وسيأتي يوم ينتشر فيه علم أحوال مخلوقاتي، ويطلع الناس على عجائب صنعي فيها.
﴿ وأوتينا من كل شيء ﴾مما نحتاج إليه في تدبير الملك، ويعيننا في ديننا ودنيانا.
وهذا أسلوب يراد به الكثرة من أي شيء، كما يقال فلان يقصده كل أحد، ويعلم كل شيء، وسيأتي في مقال الهدهد عن بلقيس :﴿ وأوتيت من كل شيء ﴾( النمل : ٢٣ ).
﴿ إن هذا لهو الفضل المبين ﴾أي إن هذا الذي أوتيناه من الخيرات لهو الفضل المبين الذي لا يخفى على أحد.
تفسير المفردات : حشر : أي جمع، يوزعون : أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيكونون مجتمعين لا يتخلف منهم أحد.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر قصص موسى صلى الله عليه وسلم تقريرا لما قبله ببيان أنه تلقاه من لدن حكيم عليم - أردفه قصص داود وسليمان، وذكر أنه آتى كلا منهما طائفة من علوم الدين والدنيا، فعلّم داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلّم سليمان منطق الطير، ثم بين أن سليمان طلب من ربه أن يوفقه إلى شكر نعمه عليه وعلى والديه، وأن يمكنه من العمل الصالح وأن يدخله جنات النعيم.
الإيضاح : ثم ذكر بعض ما أوتيه سليمان بقوله :
﴿ وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ﴾أي وجمع له عساكره من مختلف النواحي ليحارب بهم من لم يدخل في طاعته فهو يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا، وقال ابن عباس لكل صنف وزعة ترد أولاها على أخراها، لئلا تتقدمها في السير كما يصنع الملوك. وقال الحسن : لابد للناس من وازع : أي سلطان يكفلهم. وقال عثمان بن عفان : ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن.
تفسير المفردات : وادي النمل : واد بأرض الشام، لا يحطمنكم : أي لا يكسرنكم ويهشمنكم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر قصص موسى صلى الله عليه وسلم تقريرا لما قبله ببيان أنه تلقاه من لدن حكيم عليم - أردفه قصص داود وسليمان، وذكر أنه آتى كلا منهما طائفة من علوم الدين والدنيا، فعلّم داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلّم سليمان منطق الطير، ثم بين أن سليمان طلب من ربه أن يوفقه إلى شكر نعمه عليه وعلى والديه، وأن يمكنه من العمل الصالح وأن يدخله جنات النعيم.
الإيضاح :﴿ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾أي حتى إذا أشرفوا على وادي النمل صاحت نملة بما فهم منه سليمان أنها تأمرهم بأن يدخلوا مساكنهم خوفا من تحطيم سليمان وجنوده لهم وهم لا يشعرون بذلك.
تفسير المفردات : أوزعني : أي يسر لي.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر قصص موسى صلى الله عليه وسلم تقريرا لما قبله ببيان أنه تلقاه من لدن حكيم عليم - أردفه قصص داود وسليمان، وذكر أنه آتى كلا منهما طائفة من علوم الدين والدنيا، فعلّم داود صنعة الدروع ولبوس الحرب، وعلّم سليمان منطق الطير، ثم بين أن سليمان طلب من ربه أن يوفقه إلى شكر نعمه عليه وعلى والديه، وأن يمكنه من العمل الصالح وأن يدخله جنات النعيم.
الإيضاح :﴿ فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ﴾أي فضحك متعجبا من حذرها وتحذيرها والهداية التي غرسها الله فيها، مسرورا بما خصه الله من فهم مقاصدها، وقال رب ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وعلى والديّ، وأن أعمل عملا تحبه وترضاه، وتوفني مسلما وألحقني بالصالحين من عبادك.
وخلاصة ذلك كأنه قال : العلم غاية مطلبي وقد حصلت عليه، ولم يبق بعد ذلك إلا أن أطلب التوفيق للشكر عليه بالعمل الصالح الذي ترضاه، وأن أدخل في عداد الصالحين من آبائي الأنبياء وغيرهم.
تذكرة وعبرة بالآية :
قد دل بحث الباحثين في معيشة النمل على ما لها من عجائب في معيشتها وتدبير شؤونها، فإنها لتتخذ القرى في باطن الأرض، وتبني بيوتها أروقة ودهاليز وغرفات ذوات طبقات، وتملؤها حبوبا وقوتا للشتاء، وتخفي ذلك في بيوت من مساكنها منعطفات إلى فوق، حذرا من ماء المطر.
وفي هذه الآية تنبيه إلى هذا لإيقاظ العقول إلى ما أعطيته من الدقة وحسن النظم والسياسة فإن نداءها لمن تحت أمرها وجمعها لهم ليشير إلى كيفية سياستها، وحكمتها وتدبيرها لأمورها، وأنها تفعل ما يفعل الملوك، وتدبر وتوسوس كما يسوس الحكام.
ولم يذكره الكتاب الكريم إلا ليكون أمثالا تضرب للعقلاء، فيفهموا حال هذه الكائنات، وكيف أن النمل أجمعت أمرها على الفرار خوفا من الهلاك كما تجتمع على طلب المنافع، وإن أمة لا تصل في تدبيرها إلى مثل ما يفعل هذا الحيوان الأعجم تكون أمة حمقاء تائهة في أودية الضلال، وهي أدنى حالا من الحشرات والديدان :﴿ ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ﴾( النور : ٣٥ ).
﴿ وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين( ٢٠ ) لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين( ٢١ ) فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين( ٢٢ ) إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم( ٢٣ ) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون( ٢٤ ) ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون( ٢٥ ) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾( النمل : ٢٠-٢٦ ).
تفسير المفردات : التفقد : طلب ما فقد، بسلطان مبين، أي بحجة واضحة، والإحاطة بالشيء علما علمه من جميع جهاته.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح :﴿ وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ﴾أي وطلب ما فقد من الطير بحسب ما تقتضيه العناية بأمر الملك من الاهتمام بالرعايا ولاسيما الجند فقال : الهدهد حاضر ومنع مانع من رؤيته كساتر ونحوه ؟ ثم لاح له أنه غائب فقال أم كان قد غاب قبل ذلك ولم أشعر به ؟
وخلاصة ذلك : أغاب عني الهدهد الآن فلم أره حين تفقده، أم كان قد غاب من قبل ولم أشعر بغيبته.
ثم توعده بالعذاب إذا لم يجد سببا يبرر به غيبته فقال :﴿ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح :﴿ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾أي لأعذبنه بحبسه مع ضده في قفص، ومن ثم قيل : أضيق السجون معاشرة الأضداد، أو بإبعاده من خدمتي، أو بإلزامه بخدمة أقرانه أو نحو ذلك، أو لأذبحنه ليعتبر به سواه أو ليأتيني بحجة تبين عذره.
والخلاصة : إنه ليعذبنه بأحد الأمرين الأولين إن لم يكن الأمر الثالث. ثم ذكر أنه جاء بعد قليل وبين أن غيابه كان لأمر هامّ لدى سليمان.
تفسير المفردات : وسبأ : هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة باليمن، ونبأ : أي خبر عظيم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح :﴿ فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ﴾أي فغاب مدة قصيرة بعد سؤال سليمان عنه ثم جاء فسأله : ما الذي أبطأ بك عني ؟ فقال : اطلعت على ما لم تطلع أنت ولا جنودك عليه، على سعة علمك واتساع أطراف مملكتك.
وقد بدأ كلامه بهذا التمهيد، لترغيبه في الإصغاء إلى العذر، واستمالة قلبه إلى قبوله ولبيان خطر ما شغله، وأنه أمر جليل الشأن يجب أن يتدبر فيه، ليكون فيه الخير له ولمملكته، فهو ما كان إلا لكشف مملكة سبأ، ومعرفة أحوالها، ومعرفة من يسوس أمورها، ويدبر شؤونها.
قال صاحب الكشاف : ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاء له في علمه، وتنبيها على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفا في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء، وأعظم بها فتنة. ا ه.
ثم فصل هذا النبأ وبينه بقوله :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾.
تفسير المفردات : العرش : سرير الملك.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾بين في هذا الكلام شؤونهم الدنيوية وذكر منها ثلاثة أمور :
١-إن ملكتهم امرأة وهي بلقيس بنت شراحيل، وكان أبوها من قبلها ملكا جليل القدر واسع الملك.
٢-إنها أوتيت من الثراء وأبهة الملك وما يلزم ذلك من عتاد الحرب والسلاح وآلات القتال، الشيء الكثير الذي لا يوجد مثله إلا في الممالك العظمى.
٣-إن لها سريرا عظيما تجلس عليه، مرصعا بالذهب وأنواع اللآلئ والجواهر في قصر كبير رفيع الشأن، وفي هذا أكبر الأدلة على عظمة الملك وسعة رقعته ورفعة شأنه بين الممالك.
تفسير المفردات : عن السبيل : عن سبيل الحق والصواب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح : وبعد أن بين شؤونهم الدنيوية ذكر معتقداتهم الدينية فقال :
﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ﴾أي وجدتها وقومها في ضلال مبين، فهم يعبدون الشمس لا رب الشمس وخالق الكون المحيط بكل شيء علما، وزين لهم الشيطان قبيح أعمالهم، فظنوا حسنا ما ليس بالحسن، وصدهم عن الطريق القويم الذي بعث به الأنبياء والرسل وهو إخلاص السجود والعبادة لله وحده.
تفسير المفردات : الخبء : هو المخبوء من كل شيء كالمطر وغيره من شؤون الغيب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح :﴿ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ﴾ أي فصدهم عن السبيل حتى لا يهتدوا ويسجدوا لله الذي يظهر المخبوء في السماوات والأرض كالمطر والنبات والمعادن المخبوءة في الأرض، ويعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال كما قال :﴿ سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ﴾( الرعد : ١٠ ).
ولما بين أن كل العوالم مفتقرة إليه ومحتاجة إلى تدبيره، ذكر ما هو كالدليل على ذلك، فأبان أن أعظمها قدرا، وهو العرش الذي هو مركز تدبير شؤون العالم هو الخالق له وهو محتاج إليه فقال :﴿ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في سابق الآيات أنه سخر لسليمان الجن والإنس والطير وجعلهم جنودا له - ذكر هنا أنه احتاج إلى جندي من جنوده وهو الهدهد، فبحث عنه فلم يجده فتوعده بالعذاب أو القتل إلا إذا أبدى له عذرا يبرئه، فحضر بعد قليل وقص عليه خبر مملكة باليمن من أغنى الممالك وأقواها تحكمها امرأة هي بلقيس ملكة سبأ، ووصف له ما لها من جلال الملك وأبّهته وأنها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس العليم بكل شيء في السماوات والأرض، والعليم بما نخفي وما نعلن، والعليم بالسر والنجوى، وهو رب العرش العظيم.
الإيضاح :﴿ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾أي هو الله الذي لا تصلح العبادة إلا له وهو رب العرش العظيم، فكل عرش وإن عظم فهو دونه، فأفردوه بالطاعة ولا تشركوا به شيئا.
﴿ قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين( ٢٧ ) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون( ٢٨ ) قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم( ٢٩ ) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم( ٣٠ ) ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين ﴾( النمل : ٢٧-٣١ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الهدهد أبدى المعاذير لتبرئه نفسه - أردف ذلك إجابة سليمان عن مقالة الهدهد، ثم أمره بتبليغ كتاب منه إلى ملكة سبأ، والتنحي جانبا ليستمع ما يدور من الحديث بينها وبين خاصتها بشأنه.
الإيضاح :﴿ قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ﴾أي قال سنختبر مقالك، ونتعرف حقيقته بالامتحان، أصادق أنت فيما تقول، أم كاذب فيه لتتخلص من الوعيد ؟
وفي التعبير بقوله :﴿ كنت من الكاذبين ﴾، دون أن يقول أم كذبت، إيذان بأن تلفيق الأقوال المنمقة، واختيار الأسلوب الذي يستهوي السامع إلى قبولها من غير أن يكون لها حقيقة تعبر عنها - لا يصدر إلا ممّن مرن على الكذب وصار سجيّة له حتى لا يجد وسيلة للبعد عنه، وهذا يفيد أنه كاذب على أتم وجه، ومن كان كذلك لا يوثق به.
تفسير المفردات : تفسير المفردات : تول عنهم : أي تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه، ليكون ما يقولونه بمسمع منك، فانظر : أي تأمل وفكر، يرجعون : أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول ويدور بينهم بشأنه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الهدهد أبدى المعاذير لتبرئه نفسه - أردف ذلك إجابة سليمان عن مقالة الهدهد، ثم أمره بتبليغ كتاب منه إلى ملكة سبأ، والتنحي جانبا ليستمع ما يدور من الحديث بينها وبين خاصتها بشأنه.
الإيضاح : ثم شرع يفعل ما يختبره به فكتب له كتابا موجزا وأمره بتبليغه إلى ملكة سبأ فقال :
﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون ﴾أي اذهب بهذا الكتاب فألقه إليهم، ثم تنح عنهم وكن قريبا منهم، واستمع مراجعة الملكة أهل مملكتها، وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضا ونقاشهم فيه.
تفسير المفردات : والملأ : أشراف القوم وخاصة الملك.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الهدهد أبدى المعاذير لتبرئه نفسه - أردف ذلك إجابة سليمان عن مقالة الهدهد، ثم أمره بتبليغ كتاب منه إلى ملكة سبأ، والتنحي جانبا ليستمع ما يدور من الحديث بينها وبين خاصتها بشأنه.
الإيضاح : ثم فصل ما دار بينهم بشأنه فقال :
﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾أي وبعد أن ذهب الهدهد بالكتاب ألقاه إلى الملكة ففضّت خاتمه وقرأته، وجمعت أشراف قومها ومستشاريها وقالت تلك المقالة للمشورة، وطلبت أخذ الرأي في ذلك الخطب الذي نزل بها كما هو دأب الدول الديمقراطية.
وفي الآية إيماء إلى أمور :
١-سرعة الهدهد في إيصال الكتاب إليهم.
٢-إنه أوتي قوة المعرفة فاستطاع أن يفهم بالسمع كلامهم.
٣-إنها ترجمت ذلك الكتاب فورا بواسطة تراجمتها.
٤-إن من آداب رسل الملوك أن يتنحوا قليلا عن المرسل إليهم بعد أداء الرسالة، ليتشاور المرسل إليهم فيها.
ثم بينت مصدر الكتاب وما فيه لخاصتها وذوي الرأي في مملكتها فقالت.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الهدهد أبدى المعاذير لتبرئه نفسه - أردف ذلك إجابة سليمان عن مقالة الهدهد، ثم أمره بتبليغ كتاب منه إلى ملكة سبأ، والتنحي جانبا ليستمع ما يدور من الحديث بينها وبين خاصتها بشأنه.
الإيضاح :﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم* ألا تعلوا وائتوني مسلمين ﴾ونص هذا الكتاب على وجازته يدل على أمور :
١-إنه مشتمل على إثبات الإله ووحدانيته وقدرته وكونه رحمانا رحيما.
٢-نهيهم عن إتباع أهوائهم، ووجوب اتباعهم للحق.
٣-أمرهم بالمجيء إليه منقادين خاضعين.
وبهذا يكون الكتاب قد جمع كل ما لا بد منه في الدين والدنيا.
تفسير المفردات : ألا تعلوا عليّ : أي ألا تتكبروا ولا تنقادوا للنفس والهوى، مسلمين : أي منقادين خاضعين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الهدهد أبدى المعاذير لتبرئه نفسه - أردف ذلك إجابة سليمان عن مقالة الهدهد، ثم أمره بتبليغ كتاب منه إلى ملكة سبأ، والتنحي جانبا ليستمع ما يدور من الحديث بينها وبين خاصتها بشأنه.
الإيضاح :﴿ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم* ألا تعلوا وائتوني مسلمين ﴾ونص هذا الكتاب على وجازته يدل على أمور :

١-
إنه مشتمل على إثبات الإله ووحدانيته وقدرته وكونه رحمانا رحيما.

٢-
نهيهم عن إتباع أهوائهم، ووجوب اتباعهم للحق.

٣-
أمرهم بالمجيء إليه منقادين خاضعين.
وبهذا يكون الكتاب قد جمع كل ما لا بد منه في الدين والدنيا.

﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون( ٣٢ ) قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين( ٣٣ ) قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون( ٣٤ ) وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾( النمل٣٢-٣٥ ).
تفسير المفردات : أفتوني : أي أشيروا عليّ بما عندكم من الرأي والتدبير فيما حدث، قاطعة أمرا : أي باتّة فيه منفذته، تشهدون : أي تحضروني، والمراد بالقوة : القوة الحسية وكثرة الآلات.
المعنى الجملي : ذكر فيما سلف أن الهدهد حينما ألقى الكتاب أحضرت بطانتها وأولي الرأي لديها وقرأت عليهم نص الكتاب، وهنا بين أنها طلبت إليهم إبداء آرائهم فيما عرض عليهم من هذا الخطب المدْلهم والحادث الجلل حتى ينجلي لهم صواب الرأي فيما تعمل ويعملون، لأنها لا تريد أن تستبد بالأمر وحدها، فقلّبوا وجوه الرأي واشتد الحوار بينهم وكانت خاتمة المطاف أن قالوا : الرأي لدينا القتال، فإنا قوم أولو بأس ونجدة، والأمر مفوض إليك فافعلي ما بدا لك، وإن قالت : إني أرى عاقبة الحرب والدمار والخراب وصيرورة العزيز ذليلا، وإني أرى أن نهادنه ونرسل إليه بهدية ثم ننظر ماذا يكون رده، علّه يقبل ذلك منا، ويكف عنا، أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه كل عام ونلتزم ذلك له، وبذا يترك قتالنا وحربنا.
الإيضاح :﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدوني ﴾أي قالت بلقيس لأشراف قومها : أيها الملأ أشيروا عليّ في أمر هذا الكتاب الذي ألقى إليّ فإني لا أقضي فيه برأي حتى تشهدوني فأشاوركم فيه.
وفي قولها هذا دلالة على إجلالهم وتكريمهم ليمحضوها النصح، ويشيروا عليها بالصواب، ولتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم، وحزمهم فيما يقيم أمرهم، وإمضاءهم على الطاعة لها، علما منها أنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها، وإن لم يجتمع أمرهم وحزمهم وجدهم كان ذلك عونا لعدوهم عليهم، وإن لم تختبر ما عندهم وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، وتعمية في تقدير أمرهم، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريد من قوة شوكتهم وشدة مدافعتهم، ألا ترى إلى قولهم في جوابهم :﴿ نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ﴾ على ما لها من عقل راجح وأدب جم في التخاطب.
وعلى هذا النهج سار الإسلام، فقد قال سبحانه لنبيه :﴿ وشاورهم في الأمر ﴾( آل عمران : ١٥٩ ) وقد مدح سبحانه صحابة رسوله بقوله :﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾( الشورى : ٣٨ ).
فأجابوا عن مقالها :﴿ قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ﴾.
تفسير المفردات : المراد بالبأس : النجدة والثبات في الحرب.
المعنى الجملي : ذكر فيما سلف أن الهدهد حينما ألقى الكتاب أحضرت بطانتها وأولي الرأي لديها وقرأت عليهم نص الكتاب، وهنا بين أنها طلبت إليهم إبداء آرائهم فيما عرض عليهم من هذا الخطب المدْلهم والحادث الجلل حتى ينجلي لهم صواب الرأي فيما تعمل ويعملون، لأنها لا تريد أن تستبد بالأمر وحدها، فقلّبوا وجوه الرأي واشتد الحوار بينهم وكانت خاتمة المطاف أن قالوا : الرأي لدينا القتال، فإنا قوم أولو بأس ونجدة، والأمر مفوض إليك فافعلي ما بدا لك، وإن قالت : إني أرى عاقبة الحرب والدمار والخراب وصيرورة العزيز ذليلا، وإني أرى أن نهادنه ونرسل إليه بهدية ثم ننظر ماذا يكون رده، علّه يقبل ذلك منا، ويكف عنا، أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه كل عام ونلتزم ذلك له، وبذا يترك قتالنا وحربنا.
الإيضاح :﴿ قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ﴾أي قال الملأ من قومها حين شاورتهم في أمرها وأمر سليمان : نحن ذوو بأس ونجدة في القتال، إلى ما لنا من وافر العدة وعظيم العتاد وكثير الكراع والسلاح، وإن أمر القتال والسلم مفوض إليك، فانظري وقلّبي الرأي على وجوهه، ثم مرينا نأتمر بذلك.
ولما أحست منهم الميل إلى القتال شرعت تبين لهم وجه الصواب، وأنهم في غفلة عن قدرة سليمان وعظيم شأنه، إذ من سخر له الطير على الوجه الذي يريده ليس من السهل مجادلته والتغلب عليه.
المعنى الجملي : ذكر فيما سلف أن الهدهد حينما ألقى الكتاب أحضرت بطانتها وأولي الرأي لديها وقرأت عليهم نص الكتاب، وهنا بين أنها طلبت إليهم إبداء آرائهم فيما عرض عليهم من هذا الخطب المدْلهم والحادث الجلل حتى ينجلي لهم صواب الرأي فيما تعمل ويعملون، لأنها لا تريد أن تستبد بالأمر وحدها، فقلّبوا وجوه الرأي واشتد الحوار بينهم وكانت خاتمة المطاف أن قالوا : الرأي لدينا القتال، فإنا قوم أولو بأس ونجدة، والأمر مفوض إليك فافعلي ما بدا لك، وإن قالت : إني أرى عاقبة الحرب والدمار والخراب وصيرورة العزيز ذليلا، وإني أرى أن نهادنه ونرسل إليه بهدية ثم ننظر ماذا يكون رده، علّه يقبل ذلك منا، ويكف عنا، أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه كل عام ونلتزم ذلك له، وبذا يترك قتالنا وحربنا.
الإيضاح :﴿ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ﴾أي قالت لهم حين عرضوا عليها أنفسهم لقتال سليمان : إن الملوك إذا دخلوا قرية فاتحين أفسدوها بتخريب عمائرها وإتلاف أموالها، وأذلوا أهلها بالأسر والإجلاء عن موطنهم أو قتلوهم تقتيلا، ليتم لهم الملك والغلبة، وتتقرر لهم في النفوس المهابة، وهكذا يفعلون معنا.
وفي هذا تحذير شديد لقومها من مسير سليمان إليهم، ودخوله بلادهم.
وبعد أن أبانت ما في الحرب والمجالدة من الخطر أتبعته بما عزمت عليه من المسالمة بقولها :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾.
المعنى الجملي : ذكر فيما سلف أن الهدهد حينما ألقى الكتاب أحضرت بطانتها وأولي الرأي لديها وقرأت عليهم نص الكتاب، وهنا بين أنها طلبت إليهم إبداء آرائهم فيما عرض عليهم من هذا الخطب المدْلهم والحادث الجلل حتى ينجلي لهم صواب الرأي فيما تعمل ويعملون، لأنها لا تريد أن تستبد بالأمر وحدها، فقلّبوا وجوه الرأي واشتد الحوار بينهم وكانت خاتمة المطاف أن قالوا : الرأي لدينا القتال، فإنا قوم أولو بأس ونجدة، والأمر مفوض إليك فافعلي ما بدا لك، وإن قالت : إني أرى عاقبة الحرب والدمار والخراب وصيرورة العزيز ذليلا، وإني أرى أن نهادنه ونرسل إليه بهدية ثم ننظر ماذا يكون رده، علّه يقبل ذلك منا، ويكف عنا، أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه كل عام ونلتزم ذلك له، وبذا يترك قتالنا وحربنا.
الإيضاح :﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾أي وإني سأرسل إليه هدية من نفائس الأموال لأتعرف حاله وأختبر أمره، أنبي هو أم ملك ؟ فإن كان نبيا لم يقبلها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه، وإن كان ملكا قبل الهدية وانصرف إلى حين، فإن الهدايا مما تورث المودة، وتذهب العداوة، وفي الحديث :" تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء " ولقد أحسن من قال :
هدايا الناس بعضهم لبعض تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هوى وودا وتكسبهم إذا حضروا جمالا
﴿ فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون( ٣٦ ) ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ﴾( النمل : ٣٦-٣٧ ).
الإيضاح : لما وصلت الهدية مع الرسول إلى سليمان وكانت من ذهب وجواهر ولآلئ وغيرها مما تقدمه الملوك العظام، قال سليمان للرسول : أتصانعونني بالمال لأترككم على شرككم وكفركم ؟ لن يكون أبدا، إن الذي أعطانيه الله من النبوة والملك الواسع الأرجاء والمال الوفير خير مما أنتم فيه، فلا حاجة لي بهديتكم، وليس رأيي في المال كما ترون، فأنتم تفرحون به دوني، فارجع بما جئت به إلى من أرسلك، ولنأتينكم بجنود لا طاقة لكم بدفعها ولا الانتصار عليها، ولنخرجنكم من أرضكم أذلة مأسورين مستعبدين إن لم تأتوني مستسلمين منقادين.
تفسير المفردات : لا قبل لهم بها : أي لا طاقة لهم بمقاومتها، صاغرون : أي مهانون محتقرون.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:﴿ فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون( ٣٦ ) ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ﴾( النمل : ٣٦-٣٧ ).
الإيضاح : لما وصلت الهدية مع الرسول إلى سليمان وكانت من ذهب وجواهر ولآلئ وغيرها مما تقدمه الملوك العظام، قال سليمان للرسول : أتصانعونني بالمال لأترككم على شرككم وكفركم ؟ لن يكون أبدا، إن الذي أعطانيه الله من النبوة والملك الواسع الأرجاء والمال الوفير خير مما أنتم فيه، فلا حاجة لي بهديتكم، وليس رأيي في المال كما ترون، فأنتم تفرحون به دوني، فارجع بما جئت به إلى من أرسلك، ولنأتينكم بجنود لا طاقة لكم بدفعها ولا الانتصار عليها، ولنخرجنكم من أرضكم أذلة مأسورين مستعبدين إن لم تأتوني مستسلمين منقادين.

﴿ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين( ٣٨ ) قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين( ٣٩ ) قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴾( النمل : ٣٨-٤٠ ).
تفسير المفردات : العرش : سرير الملك، مسلمين أي خاضعين منقادين.
المعنى الجملي : استبان مما سلف أن سليمان رفض قبول الهدايا وتهدد الرسول بأن قومه وملكتهم إن لم يأتوا إليه طائعين خاضعين فسيوجه إليهم جيشا جرارا ينكل بهم أشد التنكيل، يقتل من يقتل ويأتي بالباقين أسارى وهم صاغرون، ويجليهم جميعا عن الديار والأوطان، ويأخذ أموالهم غنائم له - وهنا ذكر أنهم خافوا تهديده، واستجابوا لدعوته، فتوجهت الملكة وأشراف قومها إليه، لكن سليمان رأى حين قربت من الوصول إليه أن يحضر سرير ملكها قبل مقدمها، ليكون في ذلك دلالة على قدرة الله وإثبات نبوته وتتظاهر عليها الأدلة من كل أوب، فسأل أعوانه : أيكم يستطيع أن يحضره قبل وصولها إلينا، فأجابه عفريت من الجن بأن في استطاعته أن يحضره قبل قيامه من مجلس الحكم والقضاء، فقال هو : بل أنا آتيكم به كلمح البصر، وقد كان كما قال : فرأى العرش حاضرا أمامه فشكر ربه على ما آتاه من النعم العظام الذي لا يستطيع إيفاء حقها من الشكر.
وعلينا أن نؤمن بما جاء في الكتاب الكريم على أنه معجزة لسليمان، إذ هو لا ينطبق على السنن العادية التي وضعها ربنا لخلقه، فعلم البشر إلى الآن لم يصل إلى تحقيق ذلك عمليا مع تقدم سبل الانتقال، فالطائرات على سرعتها التي أدهشت العقول لا تستطيع أن تسافر من جنوب اليمن إلى أطراف الشام في مثل تلك اللحظات الوجيزة.
الإيضاح : لما رجعت الرسل إلى بلقيس وأخبرتها بما قال سليمان قالت : قد والله عرفت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة، وما نصنع بمكاثرته شيئا، وبعثت إليه إني قادمة إليك بأشراف قومي، لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه، من دينك، ثم شخصت إليه، فجعل يبعث الجن يأتونه بأخبارها ويعلمونه غاية سيرها كل يوم إذا دنت منه جمع جنده من الجن والإنس وتكلم فيهم.
﴿ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ﴾أي قال : أيها الأعوان من منكم في مكنته أن يأتيني بسرير ملكها قبل قدومها علينا، لنطلعها على بعض ما أنعم الله به علينا من العجائب النبوية، والآيات الإلهية، لتعرف صدق نبوتنا، ولتعلم أن ملكها في جانب عجائب الله وبدائع قدرته يسير، وحينئذ تقدم إليه بعض جنده بمقترحات.
تفسير المفردات : العفريت من البشر : الخبيث الماكر الذي يعفر أقرانه، ومن الشياطين : المارد، مقامك : أي مجلسك الذي تجلس فيه للحكم، قوي : أي قادر على حمله لا أعجز عنه، أمين : أي على ما فيه من لآلئ وجواهر وغيرها.
المعنى الجملي : استبان مما سلف أن سليمان رفض قبول الهدايا وتهدد الرسول بأن قومه وملكتهم إن لم يأتوا إليه طائعين خاضعين فسيوجه إليهم جيشا جرارا ينكل بهم أشد التنكيل، يقتل من يقتل ويأتي بالباقين أسارى وهم صاغرون، ويجليهم جميعا عن الديار والأوطان، ويأخذ أموالهم غنائم له - وهنا ذكر أنهم خافوا تهديده، واستجابوا لدعوته، فتوجهت الملكة وأشراف قومها إليه، لكن سليمان رأى حين قربت من الوصول إليه أن يحضر سرير ملكها قبل مقدمها، ليكون في ذلك دلالة على قدرة الله وإثبات نبوته وتتظاهر عليها الأدلة من كل أوب، فسأل أعوانه : أيكم يستطيع أن يحضره قبل وصولها إلينا، فأجابه عفريت من الجن بأن في استطاعته أن يحضره قبل قيامه من مجلس الحكم والقضاء، فقال هو : بل أنا آتيكم به كلمح البصر، وقد كان كما قال : فرأى العرش حاضرا أمامه فشكر ربه على ما آتاه من النعم العظام الذي لا يستطيع إيفاء حقها من الشكر.
وعلينا أن نؤمن بما جاء في الكتاب الكريم على أنه معجزة لسليمان، إذ هو لا ينطبق على السنن العادية التي وضعها ربنا لخلقه، فعلم البشر إلى الآن لم يصل إلى تحقيق ذلك عمليا مع تقدم سبل الانتقال، فالطائرات على سرعتها التي أدهشت العقول لا تستطيع أن تسافر من جنوب اليمن إلى أطراف الشام في مثل تلك اللحظات الوجيزة.
الإيضاح :﴿ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ﴾أي قال شيطان قوي أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس قضائك وكان إلى منتصف النهار، ثم زاد الأمر توكيدا فقال : وإني على الإتيان به لقادر لا أعجز عنه، وإني لأمين لا أمسه بسوء، ولا أقتطع منه شيئا لنفسي - حينئذ.
تفسير المفردات : الكتاب : هو علم الوحي والشرائع، والذي عنده علم هو سليمان عليه السلام كما اختاره الرازي وقال إنه أقرب الآراء، يرتد : أي يرجع، والطرف : تحريك الأجفان والمراد بذلك السرعة العظيمة، مستقرا : أي ساكنا قارا على حاله التي كان عليها، الفضل : التفضل والإحسان، ليبلوني : أي ليعاملني معاملة المختبر، أم أكفر أي أقصر في أداء واجب الشكر، كفر أي لم يشكر. أ
المعنى الجملي : استبان مما سلف أن سليمان رفض قبول الهدايا وتهدد الرسول بأن قومه وملكتهم إن لم يأتوا إليه طائعين خاضعين فسيوجه إليهم جيشا جرارا ينكل بهم أشد التنكيل، يقتل من يقتل ويأتي بالباقين أسارى وهم صاغرون، ويجليهم جميعا عن الديار والأوطان، ويأخذ أموالهم غنائم له - وهنا ذكر أنهم خافوا تهديده، واستجابوا لدعوته، فتوجهت الملكة وأشراف قومها إليه، لكن سليمان رأى حين قربت من الوصول إليه أن يحضر سرير ملكها قبل مقدمها، ليكون في ذلك دلالة على قدرة الله وإثبات نبوته وتتظاهر عليها الأدلة من كل أوب، فسأل أعوانه : أيكم يستطيع أن يحضره قبل وصولها إلينا، فأجابه عفريت من الجن بأن في استطاعته أن يحضره قبل قيامه من مجلس الحكم والقضاء، فقال هو : بل أنا آتيكم به كلمح البصر، وقد كان كما قال : فرأى العرش حاضرا أمامه فشكر ربه على ما آتاه من النعم العظام الذي لا يستطيع إيفاء حقها من الشكر.
وعلينا أن نؤمن بما جاء في الكتاب الكريم على أنه معجزة لسليمان، إذ هو لا ينطبق على السنن العادية التي وضعها ربنا لخلقه، فعلم البشر إلى الآن لم يصل إلى تحقيق ذلك عمليا مع تقدم سبل الانتقال، فالطائرات على سرعتها التي أدهشت العقول لا تستطيع أن تسافر من جنوب اليمن إلى أطراف الشام في مثل تلك اللحظات الوجيزة.
الإيضاح :﴿ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾أي قال سليمان للعفريت متحدثا بنعمة الله وعظيم فضله عليه : أنا أفعل ما لا تستطيع أنت، أنا أحضره في أقصر ما يكون مدة، أنا أحضره قبل ارتداد طرفك إليك، وقد كان كما قال :
﴿ فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ﴾أي فلما رآه سليمان ساكنا ثابتا على حاله لم يتبدل منه شيء ولم يتغير وضعه الذي كان عليه قال هذا تفضل من الله ومنة ليختبرني : أأشكر بأن أراه فضلا منه بلا قوة مني أم أجحد فلا أشكر بل أنسب العمل إلى نفسي ؟
وإن النعم الجسمية والروحية والعقلية كلها مواهب يمتحن الله بها عباده، فمن ضل بها هوى، ومن شكرها ارتقى، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
﴿ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴾أي ومن شكر ففائدة الشكر إليه، لأنه يجلب دوام النعمة، ومن جحد ولم يشكر فإن الله غني عن العباد وعبادتهم، كريم بالإنعام عليهم وإن لم يعبدوه، كما قال :﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾( فصلت : ٤٦ ) وقال :﴿ وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ﴾( إبراهيم : ٨ ) وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه :" يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه ".
﴿ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون( ٤١ ) فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين( ٤٢ ) وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين( ٤٣ ) قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾( النمل : ٤١-٤٤ ).
تفسير المفردات : نكروا لها عرشها : أي غيروا هيئته وشكله بحيث لا يعرف بسهولة.
المعنى الجملي : علمنا مما سلف أن بلقيس تجهزت للسفر إلى سليمان، وأن الجن كانت تترسم خطاها من يوم إلى آخر حتى إذا دنت منه سأل سليمان جنده : من يستطيع إحضار عرشها ؟ فقال عفريت من الجن : أنا أفعل ذلك قبل أن تقوم من مجلس القضاء، فقال سليمان : بل أستطيع أن أحضره في لمح البصر وكان كما قال : فلما رآه أمامه شكر ربه على جزيل نعمه.
وهنا ذكر ما فعل سليمان من تغيير معالم العرش وتبديل أوضاعه، ثم سؤالها عنه ليختبر مقدار عقلها ولتعلم صدق سليمان في دعواه النبوة، وتتظاهر لديها الأدلة على قدرة المولى سبحانه.
وقد كان مما أعده لنزولها قصر عظيم مبني من الزجاج الشفاف، فرشت أرضه بالزجاج أيضا، وفي أسفله ماء جار فيه صنوف السمك، فلما دخلت في بهوه خالته لجة من الماء فكشفت عن ساقيها لتخوض فيه، فأنبأها سليمان بأن هذا زجاج يجري تحته الماء، حينئذ أيقنت بأن دين سليمان هو الحق وأنها قد ظلمت نفسها بكفرها بالله ربها خالق السماوات والأرض وصاحت تقول : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
الإيضاح :﴿ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ﴾أي قال سليمان لما جاء عرش بلقيس : غيروا لها معالم السرير وبدلوا أوضاعه، لنختبر حالها.
إذا نظرت إليه ونرى : أتهتدي إليه وتعلم أنه هو أم لا تستبين لها حقيقة حاله ؟.
ثم أشار إلى سرعة مجيئها وخضوعها بقوله :﴿ فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ﴾.
تفسير المفردات : مسلمين : أي خاضعين منقادين،
المعنى الجملي : علمنا مما سلف أن بلقيس تجهزت للسفر إلى سليمان، وأن الجن كانت تترسم خطاها من يوم إلى آخر حتى إذا دنت منه سأل سليمان جنده : من يستطيع إحضار عرشها ؟ فقال عفريت من الجن : أنا أفعل ذلك قبل أن تقوم من مجلس القضاء، فقال سليمان : بل أستطيع أن أحضره في لمح البصر وكان كما قال : فلما رآه أمامه شكر ربه على جزيل نعمه.
وهنا ذكر ما فعل سليمان من تغيير معالم العرش وتبديل أوضاعه، ثم سؤالها عنه ليختبر مقدار عقلها ولتعلم صدق سليمان في دعواه النبوة، وتتظاهر لديها الأدلة على قدرة المولى سبحانه.
وقد كان مما أعده لنزولها قصر عظيم مبني من الزجاج الشفاف، فرشت أرضه بالزجاج أيضا، وفي أسفله ماء جار فيه صنوف السمك، فلما دخلت في بهوه خالته لجة من الماء فكشفت عن ساقيها لتخوض فيه، فأنبأها سليمان بأن هذا زجاج يجري تحته الماء، حينئذ أيقنت بأن دين سليمان هو الحق وأنها قد ظلمت نفسها بكفرها بالله ربها خالق السماوات والأرض وصاحت تقول : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
الإيضاح :﴿ فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ﴾أي فحين قدمت واطلعت على عرشها سئلت عنه، أعرشك مثل هذا ؟ أجابت بما دل على رجاحة عقلها إذ قالت كأنه هو، ولم تجزم بأنه هو، إذ ربما كان مثله.
قال مجاهد : جعلت تعرف وتنكر، وتعجب من حضوره عند سليمان فقالت : كأنه هو، وقال مقاتل : عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها أهذا عرشك لقالت نعم.
ولما ظنت أن سليمان أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار المعجزة لها قالت :
﴿ وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ﴾أي وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصدق نبوتك من قبل هذه المعجزة بما شاهدناه من أمر الهدهد، وبما سمعناه من رسلنا إليك من الآيات الدالة على ذلك، وكنا منقادين لك من ذلك الحين، فلا حاجة بي إلى إظهار معجزات أخرى.
ثم ذكر سبحانه ما منعها عن إظهار ما ادعت من الإسلام إلى ذلك الحين فقال :﴿ وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ﴾.
صدها أي منعها.
المعنى الجملي : علمنا مما سلف أن بلقيس تجهزت للسفر إلى سليمان، وأن الجن كانت تترسم خطاها من يوم إلى آخر حتى إذا دنت منه سأل سليمان جنده : من يستطيع إحضار عرشها ؟ فقال عفريت من الجن : أنا أفعل ذلك قبل أن تقوم من مجلس القضاء، فقال سليمان : بل أستطيع أن أحضره في لمح البصر وكان كما قال : فلما رآه أمامه شكر ربه على جزيل نعمه.
وهنا ذكر ما فعل سليمان من تغيير معالم العرش وتبديل أوضاعه، ثم سؤالها عنه ليختبر مقدار عقلها ولتعلم صدق سليمان في دعواه النبوة، وتتظاهر لديها الأدلة على قدرة المولى سبحانه.
وقد كان مما أعده لنزولها قصر عظيم مبني من الزجاج الشفاف، فرشت أرضه بالزجاج أيضا، وفي أسفله ماء جار فيه صنوف السمك، فلما دخلت في بهوه خالته لجة من الماء فكشفت عن ساقيها لتخوض فيه، فأنبأها سليمان بأن هذا زجاج يجري تحته الماء، حينئذ أيقنت بأن دين سليمان هو الحق وأنها قد ظلمت نفسها بكفرها بالله ربها خالق السماوات والأرض وصاحت تقول : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
الإيضاح :﴿ وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ﴾أي ومنعها ما كانت تعبده من دون الله وهو الشمس عن إظهار الإسلام والاعتراف بوحدانيته تعالى، من قبل أنها من قوم كانوا يعبدونها ونشأت بين أظهرهم ولم تكن قادرة على إظهار إسلامها إلى أن مثلت بين يدي سليمان فاستطاعت أن تنطق بما كانت تعتقده في قرارة نفسها ويجول في خاطرها.
روي أن سليمان أمر قبل مقدمها ببناء قصر عظيم جعل صحنه من زجاج أبيض شفاف يجري من تحته الماء وألقى فيه دواب البحر من سمك وغيره، فلما قدمت إليه استقبلها فيه وجلس في صدره، فحين أرادت الوصول إليه حسبته ماء فكشفت عن ساقيها، لئلا تبتل أذيالها كما هي عادة من يخوض الماء، فقال لها سليمان : إن ما تظنينه ماء ليس بالماء، بل هو صرح قد صنع من الزجاج فسترت ساقيها وعجبت من ذلك، وعلمت أن هذا ملك أعزّ من ملكها وسلطان أعز من سلطانها، ودعاها سليمان إلى عبادة الله وعابها على عبادة الشمس دون الله، فأجابته إلى ما طلب وقالت : رب إني ظلمت نفسي بالثبات على ما كنت عليه من الكفر، وأسلمت مع سليمان لله رب كل شيء وأخلصت له العبادة وإلى ما تقدم أشار سبحانه بقوله :﴿ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾.
تفسير المفردات : الصرح : القصر وكل بناء عال، واللجة الماء الكثير، ممرد : أي ذو سطح أملس ومنه الأمرد للشاب الذي لا شعر في وجهه، القوارير : الزجاج : واحدها قارورة، أسلمت : أي خضعت.
المعنى الجملي : علمنا مما سلف أن بلقيس تجهزت للسفر إلى سليمان، وأن الجن كانت تترسم خطاها من يوم إلى آخر حتى إذا دنت منه سأل سليمان جنده : من يستطيع إحضار عرشها ؟ فقال عفريت من الجن : أنا أفعل ذلك قبل أن تقوم من مجلس القضاء، فقال سليمان : بل أستطيع أن أحضره في لمح البصر وكان كما قال : فلما رآه أمامه شكر ربه على جزيل نعمه.
وهنا ذكر ما فعل سليمان من تغيير معالم العرش وتبديل أوضاعه، ثم سؤالها عنه ليختبر مقدار عقلها ولتعلم صدق سليمان في دعواه النبوة، وتتظاهر لديها الأدلة على قدرة المولى سبحانه.
وقد كان مما أعده لنزولها قصر عظيم مبني من الزجاج الشفاف، فرشت أرضه بالزجاج أيضا، وفي أسفله ماء جار فيه صنوف السمك، فلما دخلت في بهوه خالته لجة من الماء فكشفت عن ساقيها لتخوض فيه، فأنبأها سليمان بأن هذا زجاج يجري تحته الماء، حينئذ أيقنت بأن دين سليمان هو الحق وأنها قد ظلمت نفسها بكفرها بالله ربها خالق السماوات والأرض وصاحت تقول : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
الإيضاح :﴿ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾.
أخرج البخاري في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أول من صنعت له الحمامات سليمان ".
قصص صالح :
﴿ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون( ٤٥ ) قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون( ٤٦ ) قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون( ٤٧ ) وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون( ٤٨ ) قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون( ٤٩ ) ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون( ٥٠ ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين( ٥١ ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون( ٥٢ ) وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾( النمل : ٤٥-٥٣ ).
تفسير المفردات : فريقان : أي طائفتان طائفة مؤمنة وأخرى كافرة، يختصمون : أي يجادل بعضهم بعضا ويحاجه.
الإيضاح :﴿ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون ﴾.
أي ولقد بعثنا إلى ثمود أخاهم صالحا وقلنا لهم : اعبدوا الله وحده لا شريك له، ولا تجعلوا معه إلها غيره.
وحين دعاهم إلى ذلك افترقوا فرقتين :
١-فريق صدق صالحا وآمن بما جاء به من عند ربه.
٢-فريق كذبه وكفر بما جاء به.
وصارا يتجادلان ويتخاصمان، وكل منهما يقول أنا على الحق وخصمي على الباطل.
ثم ذكر أن صالحا استعطف المكذبين وكانوا أكثر عددا وأشد عتوا وعنادا حتى قالوا :﴿ يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾( الأعراف : ٧٧ ).
تفسير المفردات : السيئة : العقوبة التي تسوء صاحبها، الحسنة : التوبة، لولا : أي هلا، وهي كلمة تفيد الحث على حصول ما بعدها.
الإيضاح :﴿ قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ﴾أي لم تستعجلون بالعقوبة التي يسوءكم نزولها بكم قبل حصول الخيرات التي بشرتكم بها في الدنيا والآخرة إن أنتم آمنتم بي.
ثم نصحهم وطلب إليهم أن يستغفروا ربهم لعلهم يرحمون فقال :
﴿ لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ﴾أي هلا تتوبون إلى الله من كفركم، فيغفر لكم عظيم جرمكم ويصفح عن عقوبتكم على ما أتيتم به من الخطايا، لعلكم ترحمون بقبولها، إذ قد جرت سنته ألا تقبل التوبة بعد نزول العقوبة.
ولما قال لهم صالح ما قال، وأبان لهم سبيل الرشاد أجابوه بفظاظة وغلظة.
تفسير المفردات : اطيرنا : أي تطايرنا وتشاءمنا بك، طائركم : أي ما يصيبكم من الخير والشر، وسمي طائرا لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم، تفتنون : أي تختبرون بتعاقب السراء والضراء.
الإيضاح :﴿ قالوا اطيرنا بك وبمن معك ﴾أي قالوا : إنا تشاءمنا بك وبمن آمن معك، إذ زجرنا الطير فعلمنا أن سيصيبنا بك وبهم من المكاره ما لا قبل لنا به، ولم تزل في اختلاف وافتراق منذ اخترعتم دينكم وأصابنا القحط والجدب بسببكم.
وسمي التشاؤم تطيرا من قبل أنه كان من أدبهم أنهم إذا خرجوا مسافرين فمروا بطائر زجروه : أي رموه بحجر ونحوه، فإن مر سانحا بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره تيمنوا به، وإن مر بارحا بأن مر من المياسر إلى الميامن تشاءموا منه.
فأجابهم صالح عليه السلام :
﴿ قال طائركم عند الله ﴾أي قال : إن ما يصيبكم من خير أو شر مكتوب عند الله وهو بقضائه وقدره، وليس شيء منه بيد غيره، فهو إن شاء رزقكم، وإن شاء حرمكم : وسمى ذلك القضاء طائرا لسرعة نزوله بالإنسان، فلا شيء أسرع منه نزولا.
ثم أبان سبب نزول ما ينزل من الشر بقوله :
﴿ بل أنتم قوم تفتنون ﴾أي بل أنتم قوم يختبركم ربكم حين أرسلني إليكم أتطيعونه فتعملوا بما أمركم به فيجزيكم الجزيل من ثوابه، أم تعصونه فتعملوا بخلافه فيحل بكم عقابه ؟
ثم ذكر أن قريته كانت كثيرة الفساد فقال :﴿ وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾.
تفسير المفردات : المراد بالمدينة الحجر، والرهط والنفر : من الثلاثة إلى التسعة.
الإيضاح :﴿ وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ﴾أي وكان في مدينة صالح وهي الحجر تسعة أنفس يعيثون في الأرض فسادا لا يعملون فيها صلاحا.
تفسير المفردات : تقاسموا : أي احلفوا، والبيات : مباغتة العدو ومفاجأته بالإيقاع به ليلا، وليه : أي من له حق القصاص من ذوي قرابته إذا قتل، والمهلك : الهلاك.
الإيضاح : ثم بين بعض ما عملوا من الفساد :
﴿ قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ﴾أي قال بعضهم لبعض في أثناء المشاورة في أمر صالح عليه السلام بعد أن عقروا الناقة وتوعدهم بقوله :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ﴾( هود : ٦٥ ) احلفوا لنباغتنّه وأهله بالهلاك ليلا ثم لنقولن لأولياء الدم، ما حضرنا هلاكهم، ولا ندري من قتله ولا قتل أهله. ونحلف إنا لصادقون في قولنا.
وإذا كانوا لم يشهدوا هلاكهم فهم لم يقتلوهم بالأولى، وأيضا فهم إذا لم يقتلوا الأتباع فأحربهم ألا يقتلوا صالحا.
قال الزجاج : كان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيّتوا صالحا وأهله ثم ينكروا عند أوليائه أنهم ما فعلوا ذلك ولا رأوه، وكان هذا مكرا منهم، ومن ثم قال سبحانه محذرا لهم ولأمثالهم :﴿ ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ﴾.
تفسير المفردات : والمكر : التدبير الخفي لعمل الشر.
الإيضاح :﴿ ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ﴾أي وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح، إذ صاروا إليه ليلا ليقتلوه وأهله وهو لا يشعر بذلك، فأخذناهم بعقوبتنا، عجلنا لهم العذاب من حيث لا يشعرون بمكر الله بهم.
ثم بين ما ترتب على ما باشروه من المكر بقوله :﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴾.
تفسير المفردات : التدمير : الإهلاك.
الإيضاح :﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ﴾أي ففكر كيف آل أمرهم، وكيف كانت عاقبة مكرهم، فقد أهلكناهم وقومهم الذين لم يؤمنوا على وجه يقتضي النظر، ويسترعي الاعتبار، ويكون عظة لمن غدر كغدرهم في جميع الأزمان.
روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه، فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث، فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث، فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه، فوقعت عليهم صخرة من جبالهم طبّقت عليهم الشعب فهلكوا وهلك الباقون في أماكنهم بالصيحة، ونجّى الله صالحا ومن آمن معه.
ثم أكد ما تقدم وقرره بقوله :﴿ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ﴾.
تفسير المفردات : خاوية : أي خالية لآية : أي لعبرة وموعظة.
الإيضاح :﴿ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ﴾أي فتلك مساكنهم أصبحت خالية منهم، إذ قد أهلكهم الله بظلمهم أنفسهم بشركهم به وتكذيبهم برسوله.
﴿ إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ﴾أي إن في فعلنا بثمود ما قصصناه عليك لعظة لمن كان من أولي المعرفة والعلم، فيعلم ارتباط الأسباب بمسبباتها، والنتائج بمقدماتها، بحسب السنن التي وضعت في الكون.
وبعد أن ذكر من هلكوا أردفهم بمن أنجاهم فقال :﴿ وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾.
الإيضاح :﴿ وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾أي وأنجينا من نقمتنا وعذابنا الذي أحللنا بثمود رسولنا صالحا ومن آمن به، لأنهم كانوا يتقون سخط الله ويخافون شديد عقابه، بتصديقهم رسوله الذي أرسله إليهم.
وفي هذا إيماء إلى أن الله ينجي محمدا وأتباعه عند حلول العذاب بمشركي قريش حين يخرج من بين ظهرانيْهم كما أحل بقوم صالح ما أحل حين خرج هو والمؤمنون إلى أطراف الشام ونزل رمْلة وفلسطين.
قصص لوط :
﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون( ٥٤ ) أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ﴾( النمل : ٥٤-٥٥ ).
الإيضاح :﴿ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ﴾أي واذكر لقومك حديث لوط لقومه إذ قال لهم منذرا ومحذرا : إنكم لتفعلون فاحشة لم يسبقكم بها أحد من بني آدم، مع علمكم بقبحها لدى العقول والشرائع( واقتراف القبيح ممن يعلم قبحه أشنع ).
ثم بين ما يأتون من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام ليكون أوقع في النفس فقال :
﴿ أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ﴾أي أينبغي أن تأتوا الرجال وتقودكم الشهوة إلى ذلك وتذروا النساء اللاتي فيهن محاسن الجمال، وفيهن مباهج الرجال، إنكم لقوم جاهلون سفهاء حمقى ماجنون.
ونحو الآية قوله :﴿ أتأتون الذكران من العالمين( ١٦٥ ) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ﴾( الشعراء : ١٦٥-١٦٦ ).
وقد أشار سبحانه إلى قبيح فعلهم وعظيم شناعته من وجوه :
١-قوله :﴿ الرجال ﴾ وفيه الإشارة إلى أن الحيوان الأعجم لا يرضى بمثل هذا.
٢-قوله :﴿ من دون النساء ﴾وفي ذلك إيماء إلى أن تركهن واستبدال الرجال بهن خطأ شنيع وفعل قبيح.
٣-قوله :﴿ بل أنتم قوم تجهلون ﴾وفي هذا إيماء إلى أنهم يفعلون فعل الجهلاء الذين لا عقول لهم، ولا يدرون عظيم قبح ما يفعلون.
هذا آخر ما سطرناه تفسيرا لهذا الجزء من كلام ربنا العليم القدير، فله الحمد والمنة.
وكان ذلك بمدينة حلوان من أرباض القاهرة في الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجزء العشرون
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون( ٥٦ ) فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين( ٥٧ ) وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ﴾( النمل : ٥٦-٥٨ ).
تفسير المفردات : يتطهرون : أي ينزهون أنفسهم، ويتباعدون عما نفعله، ويزعمون أنه من القاذورات.
المعنى الجملي : سبق أن بيّنا أن الذين قسموا القرآن إلى أجزائه الثلاثين لاحظوا العد اللفظي للحروف والكلمات والآيات، ولم ينظروا إلى ارتباط المعاني بعضها ببعض، ومن ثم نرى هنا أن الجزء قد انتهى قبل تمام قصة لوط وبدئ الجزء العشرون بتمام هذه القصة، وقد بين فيها أن النصح لم يجدهم شيئا وعقدوا العزم على استعمال القوة في إخراجه من بين ظهرانيّهم، ولم يكن لهم حجة على المعارضة إلا أن لوطا وقومه لا يريدون أن يشاركوهم فيما يفعلون تباعدا من الأرجاس، وتلك مقالة قالوها على سبيل الاستهزاء بهم، وقد نسوا أن هناك قوة أشد من قوتهم هي لهم بالمرصاد، وأنها تمهلهم ولا تهملهم، فلما حان حينهم جاءهم العذاب من حيث لا يشعرون، وأهلك الله القوم الظالمين، ونصر الحق وأزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
الإيضاح :﴿ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ﴾أي فلم يكن جوابهم للوط إذ نهاهم عما أمره الله بنهيهم عنه من إتيان الذكور إلا قيل بعضهم لبعض : أخرجوا لوطا وأهله من قريتنا، وقد عدّوا سكناه بينهم منّة ومكرمة عليه إذ قالوا : من قريتكم.
ثم عللوا هذا الإخراج بقولهم استهزاء بهم :
﴿ إنهم أناس يتطهرون ﴾أي إنهم يتحرّجون من فعل ما تفعلون، ومن إقراركم على صنيعكم، فأخرجوهم من بين أظهركم، فإنهم لا يصلحون لجواركم في بلدكم.
ولما وصلوا إلى هذا الحد من قبح الأفعال والأقوال دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها، وإلى هذا أشار بقوله :﴿ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ﴾.
تفسير المفردات : قدرنا : أي قضينا وحكمنا. الغابرين : أي الباقين في العذاب.
الإيضاح :﴿ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ﴾أي فأهلكناهم وأنجينا لوطا وأهله إلا امرأته جعلناها بتقديرنا وحكمتنا من الباقين في العذاب، لأنها كانت على طريقتهم راضية بقبيح أفعالهم وكانت ترشد قومها إلى ضيفان لوط ليأتوا إليهم، لا أنها كانت تفعل الفواحش تكرمة لنبي الله صلى الله عليه وسلم، لا كرامة لها.
الإيضاح : ثم بين ما أهلكوا به فقال :
﴿ وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ﴾أي وأمطرنا عليهم مطرا غير ما عهد من نوعه، فقد كان حجارة من سجيل، فبئس ذلك المطر مطر الذين أنذرهم الله عقابا لهم على معصيتهم إياه، وخوّفهم بأسه بإرسال الرسول إليهم.
﴿ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أألله خير أما يشركون( ٥٩ ) أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون( ٦٠ ) أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون( ٦١ ) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون( ٦٢ ) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون( ٦٣ ) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾( النمل : ٥٩-٦٤ ).
تفسير المفردات : العباد المصطفون : هم الأنبياء عليهم السلام.
المعنى الجملي : بعد أن قص سبحانه على رسوله قصص أولئك الأنبياء السالفين وذكر أخبارهم الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه، وعلى ما خصهم به من المعجزات الباهرة الناطقة بجلال أقدارهم، وصدق أخبارهم، وفيها بيان صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الشرك والكفر، وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى، ومن أعرض عنهم فقد تردّى في مهاوي الردى، ثم شرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك القصص من العلوم الإلهية، والمعارف الربانية، الفائضة من عالم القدس مقررا بذلك قوله :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾( النمل : ٦ ) أردف هذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على تلك النعم، ويسلم على الأنبياء كافة عرفانا لفضلهم، وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، وتبليغ رسالات ربهم على أكمل الوجوه وأمثل السبل، ثم ذكر الأدلة على تفرده بالخلق والتقدير ووجوب عبادته وحده، وأنه لا ينبغي عبادة شيء سواه من الأصنام والأوثان.
الإيضاح :﴿ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ﴾أمر الله رسوله أن يحمده شكرا له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يسلم على عباده الذين اصطفاهم لرسالته، وهم أنبياؤه الكرام ورسله الأخيار.
ومن تلك النعم النجاة والنصر والتأييد لأوليائه، وحلول الخزي والنكال بأعدائه.
ونحو الآية قوله :﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون( ١٨٠ ) وسلام على المرسلين( ١٨١ ) والحمد لله رب العالمين ﴾( الصافات١٨٠-١٨٢ ).
وفي هذا تعليم حسن، وأدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما، على قبول ما يلقى إلى السامعين والإصغاء إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر : هذا الأدب، فحمدوا الله وصلّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن.
ثم شرع يوبخ المشركين ويتهكم بهم وينبههم إلى ضلالهم وجهلهم، إذا آثروا عبادة الأصنام على عبادة الواحد القهار فقال :
﴿ الله خير أما يشركون ﴾أي آلله الذي ذكرت لكم شؤونه العظيمة خير أم الذي تشركون به من الأصنام ؟ وفي ذلك ما لا يخفى في تسفيه آرائهم، وتقبيح معتقداتهم وإلزامهم الحجة، إذ من البين أنه ليس فيما أشركوه به سبحانه شائبة خير حتى يوازن بينها وبين ما هو محض الخير، فهو من وادي ما حكاه سيبويه : تقول العرب : السعادة أحب إليك أم الشقاء ؟ وكما قال حسان يهجو أبا سفيان بن حرب ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم.
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
وجاء في بعض الآثار " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال :" بل الله خير وأبقى، وأجل وأكرم ".
تفسير المفردات : الحدائق : البساتين واحدها حديقة، والبهجة : الحسن والرونق، يعدلون : من العدول وهو الانحراف.
المعنى الجملي : بعد أن قص سبحانه على رسوله قصص أولئك الأنبياء السالفين وذكر أخبارهم الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه، وعلى ما خصهم به من المعجزات الباهرة الناطقة بجلال أقدارهم، وصدق أخبارهم، وفيها بيان صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الشرك والكفر، وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى، ومن أعرض عنهم فقد تردّى في مهاوي الردى، ثم شرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك القصص من العلوم الإلهية، والمعارف الربانية، الفائضة من عالم القدس مقررا بذلك قوله :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾( النمل : ٦ ) أردف هذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على تلك النعم، ويسلم على الأنبياء كافة عرفانا لفضلهم، وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، وتبليغ رسالات ربهم على أكمل الوجوه وأمثل السبل، ثم ذكر الأدلة على تفرده بالخلق والتقدير ووجوب عبادته وحده، وأنه لا ينبغي عبادة شيء سواه من الأصنام والأوثان.
الإيضاح : ثم انتقل من التوبيخ تعريضا إلى التبكيت تصريحا فقال :
﴿ أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ﴾أي أعبادة ما تعبدون أيها المشركون من أوثانكم التي لا تضر ولا تنفع خير، أم عبادة من خلق السماوات على ارتفاعها وصفائها وجعل فيها كواكب نيرة ونجوما زاهرة، وأفلاكا دائرة ؛ وخلق الأرض وجعل فيها جبالا وأنهارا وسهولا وأوعارا، وفيافي وقفارا، وزروعا وأشجارا، وحيوانات مختلفة الأصناف والأشكال والألوان، وأنزل لكم من السماء مطرا جعله رزقا للعباد، فأنبت به بساتين مونقة تسر الناظرين ؟ ولولاه ما نبت الشجر، ولا ظهر الثمر.
ونحو الآية قوله :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ﴾( الزخرف : ٨٧ ) وقوله :﴿ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ﴾( العنكبوت : ٦٣ ).
ثم زاد في التوبيخ فنفي الألوهية عما يشركون بعد تبكيتهم على نفي الخيرية عنها فقال :
﴿ أإله مع الله ﴾أي أإله غيره يقرون به، ويجعلونه شريكا له في العبادة، مع تفرده جل شأنه بالخلق والتكوين ؟ ونحو الآية قوله :﴿ وما كان معه من إله ﴾( المؤمنون : ٩١ ).
ثم انتقل من تبكيتهم إلى بيان سوء حالهم فقال :
﴿ بل هو قوم يعدلون ﴾أي بل هؤلاء المشركون قوم دأبهم العدول عن طريق الحق، والانحراف عن جادة الاستقامة في جميع شؤونهم، ومن ثم يفعلون ما يفعلون من العدول عن الحق الواضح وهو التوحيد، ويعكفون على الضلال المبين وهو الإشراك.
وفي معنى الآية :﴿ أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه ﴾( الزمر : ٩ ) وقوله :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ﴾( الزمر : ٢٢ ) وقوله :﴿ وجعلوا لله شركاء قل سموهم ﴾( الرعد : ٣٣ ).
تفسير المفردات : قرارا : أي مستقرا، الخلال : واحدها خلل وهو الوسط، رواسي : أي ثوابت أي جبالا ثوابت، الحاجز : الفاصل بين الشيئين.
المعنى الجملي : بعد أن قص سبحانه على رسوله قصص أولئك الأنبياء السالفين وذكر أخبارهم الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه، وعلى ما خصهم به من المعجزات الباهرة الناطقة بجلال أقدارهم، وصدق أخبارهم، وفيها بيان صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الشرك والكفر، وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى، ومن أعرض عنهم فقد تردّى في مهاوي الردى، ثم شرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك القصص من العلوم الإلهية، والمعارف الربانية، الفائضة من عالم القدس مقررا بذلك قوله :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾( النمل : ٦ ) أردف هذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على تلك النعم، ويسلم على الأنبياء كافة عرفانا لفضلهم، وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، وتبليغ رسالات ربهم على أكمل الوجوه وأمثل السبل، ثم ذكر الأدلة على تفرده بالخلق والتقدير ووجوب عبادته وحده، وأنه لا ينبغي عبادة شيء سواه من الأصنام والأوثان.
الإيضاح : ثم أعاد التوبيخ بوجه آخر فقال :
﴿ أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ﴾أي أعبادة ما تشركون أيها الناس بربكم مع أنه لا يضر ولا ينفع خير، أم عبادة الذي جعل الأرض مستقرا للإنسان والدواب، وجعل في أوسطها أنهارا تنتفعون بها في شربكم وسقي أنعامكم ومزارعكم، وجعل فيها ثوابت الجبال حتى لا تميد بكم، وحتى تنتفعوا بما فيها من المعادن المختلفة، وقد أنزل الماء على شواهقها وجعل بين المياه العذبة والملحة حاجزا يمنعهما من الاختلاط حتى لا يفسد هذا بذاك، والحكمة تقضي ببقاء كل منهما على حاله، فالعذبة : لسقي الناس والحيوان والنبات والثمار، والملحة : تكون مصادر للأمطار التي تجري منها، وكذلك هي وسيلة لإصلاح الهواء.
﴿ أإله مع الله ﴾في إبداع هذه الكائنات وإيجاد هذه الموجودات.
﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾أي بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قدر عظمة الله وما عليهم من ضر في إشراكهم غيره به، وما لهم من نفع في إفرادهم إياه بالألوهة، وإخلاصهم العبادة له، وبراءتهم من كل معبود سواه.
تفسير المفردات : والمضطر : الذي أحوجته الشدة وألجأته الضراعة إلى الله، ويكشف : أي يرفع، خلفاء : من الخلافة وهي الملك والتسلط.
المعنى الجملي : بعد أن قص سبحانه على رسوله قصص أولئك الأنبياء السالفين وذكر أخبارهم الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه، وعلى ما خصهم به من المعجزات الباهرة الناطقة بجلال أقدارهم، وصدق أخبارهم، وفيها بيان صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الشرك والكفر، وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى، ومن أعرض عنهم فقد تردّى في مهاوي الردى، ثم شرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك القصص من العلوم الإلهية، والمعارف الربانية، الفائضة من عالم القدس مقررا بذلك قوله :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾( النمل : ٦ ) أردف هذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على تلك النعم، ويسلم على الأنبياء كافة عرفانا لفضلهم، وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، وتبليغ رسالات ربهم على أكمل الوجوه وأمثل السبل، ثم ذكر الأدلة على تفرده بالخلق والتقدير ووجوب عبادته وحده، وأنه لا ينبغي عبادة شيء سواه من الأصنام والأوثان.
الإيضاح : ثم زادهم توبيخا من وجه ثالث فقال :
﴿ أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ﴾أي أمن تشركون بالله خير أم من يجيب المكروب الذي يحوجه المرض أو الفقر أو النازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إليه إذا دعاه وقت اضطراره، ويرفع عن الإنسان ما يسوءه من فقر أو مرض، ويجعلكم خلفاء من قبلكم من الأمم في الأرض فيورثكم إياها بالسكنى والتصرف فيها ؟
وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال : أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر قال : إذا فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، وقال الشاعر :
وإني لأدعو الله والأمر ضيق علي فما ينفعك أن يتفرجا
ورب أخ سدت عليه وجوهه أصاب لها لما دعا الله مخرجا
وعن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء المضطر :" اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت ".
وجاء في الخبر : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده ".
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ لما وجهه إلى أرض اليمن :" واتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب ".
﴿ أإله مع الله ﴾الذي هذه شؤونه، وتلك نعمه ؟
ثم بين أن من طبيعة الإنسان ألا يتذكر نعم الله عليه إلا قليلا، وإلى ذلك أشار بقوله :
﴿ قليلا ما تذكرون ﴾أي قليلا ما تتذكرون نعم الله عليكم، وأياديه عندكم، ومن ثم أشركتم به غيره في العبادة.
تفسير المفردات : يهديكم : أي يرشدكم، بين يدي رحمته : أي أمام المطر.
المعنى الجملي : بعد أن قص سبحانه على رسوله قصص أولئك الأنبياء السالفين وذكر أخبارهم الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه، وعلى ما خصهم به من المعجزات الباهرة الناطقة بجلال أقدارهم، وصدق أخبارهم، وفيها بيان صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الشرك والكفر، وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى، ومن أعرض عنهم فقد تردّى في مهاوي الردى، ثم شرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك القصص من العلوم الإلهية، والمعارف الربانية، الفائضة من عالم القدس مقررا بذلك قوله :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾( النمل : ٦ ) أردف هذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على تلك النعم، ويسلم على الأنبياء كافة عرفانا لفضلهم، وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، وتبليغ رسالات ربهم على أكمل الوجوه وأمثل السبل، ثم ذكر الأدلة على تفرده بالخلق والتقدير ووجوب عبادته وحده، وأنه لا ينبغي عبادة شيء سواه من الأصنام والأوثان.
الإيضاح : ثم زادهم تأنيبا وتهكما من ناحية أخرى فقال :
﴿ أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ﴾أي أمن تشركون بالله خير، أم من يرشدكم في ظلمات البر والبحر إذا أظلمت عليكم السبل فضللتم الطريق - بما خلق من الدلائل السماوية كما قال :﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾( النحل : ١٦ ) وقال :﴿ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر البحر ﴾( الأنعام : ٩٧ ) ومن يرسل الرياح أمام الغيث الذي يحيي موات الأرض. ولما اتضحت الأدلة ولم يبق لأحد في ذلك عذر ولا علة قال :
﴿ أإله مع الله ﴾فعل هذا ؟
ثم أكد هذا النفي وقرره بقوله :
﴿ تعالى الله عما يشركون ﴾أي تنزه ربنا المنفرد بالألوهية، ومن له صفات الكمال والجلال، ومن تخضع له جميع المخلوقات، وتذل لقهره وجبروته - عن شرككم الذي تشركونه به وعبادتكم معه ما تعبدون.
ثم أضاف إلى ذلك برهانا آخر لعلهم يرتدعون عن غيهم فقال :﴿ أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن قص سبحانه على رسوله قصص أولئك الأنبياء السالفين وذكر أخبارهم الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه، وعلى ما خصهم به من المعجزات الباهرة الناطقة بجلال أقدارهم، وصدق أخبارهم، وفيها بيان صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الشرك والكفر، وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى، ومن أعرض عنهم فقد تردّى في مهاوي الردى، ثم شرح صدره عليه الصلاة والسلام بما في تضاعيف تلك القصص من العلوم الإلهية، والمعارف الربانية، الفائضة من عالم القدس مقررا بذلك قوله :﴿ وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ﴾( النمل : ٦ ) أردف هذا أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على تلك النعم، ويسلم على الأنبياء كافة عرفانا لفضلهم، وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، وتبليغ رسالات ربهم على أكمل الوجوه وأمثل السبل، ثم ذكر الأدلة على تفرده بالخلق والتقدير ووجوب عبادته وحده، وأنه لا ينبغي عبادة شيء سواه من الأصنام والأوثان.
الإيضاح :﴿ أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ﴾أي أما تشركون به خير أم الذي ينشئ الخلق بادئ بدء ويبتدعه من غير أصل سلف، ثم يفنيه إذا شاء ثم يعيده إذا أراد كهيئته قبل أن يفنيه، وهو الذي يرزقكم من السماء والأرض فينزل من الأولى غيثا وينبت من الثانية نباتا لأقواتكم وأقوات أنعامكم.
وهم وإن كانوا ينكرون الإعادة والبعث لم يلتفت إلى ذلك الإنكار لظهور أدلته فلم يبق لهم عذر فيه.
وبعد أن وضح الدليل على نفي الشريك بكّتهم وقال :
﴿ أإله مع الله ﴾يفعل هذا حتى يجعل شريكا له ؟
وبعد أن ذكر البرهان تلو البرهان، وأوضح الحق حتى صار كفلق الصبح زاد في التهكم بهم والإنكار عليهم والتسفيه لعقولهم، فأمر رسول أن يطلب منهم البرهان على صدق ما يدّعون.
فقال :
﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾أي قل لهم أيها الرسول : هاتوا الدليل على وجود ما تزعمون من الشركاء إن كان ما تقولونه حقا وصدقا.
﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون( ٦٥ ) بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ﴾( النمل : ٦٥-٦٦ ).
تفسير المفردات : أيان : أي متى، يبعثون : أي يقومون من القبور للحساب والجزاء.
المعنى الجملي : بعد أن أثبت تفرده بالألوهية، لاختصاصه بالقدرة التامة، والرحمة العامة - أعقب هذا بذكر لوازمها وهو اختصاصه بعلم الغيب، تكميلا لما قبله وتمهيدا لما بعده من أمر البعث.
﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ﴾يقول سبحانه آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلم جميع خلقه أنه لا يعلم الغيب أحد من أهل السماوات والأرض، بل الله وحده هو الذي يعلم ذلك كما قال :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾( الأنعام : ٥٩ ) وقال :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ﴾( لقمان : ٣٤ ).
والمراد : بالغيب الشؤون التي تتعلق بأمور الآخرة وأحوالها، وشؤون الدنيا التي لا تقع تحت حسنا وليست في مقدورنا.
وعن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يكون في غد فقد أعظم الفرية على الله، لأن الله يقول :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ﴾.
ثم ذكر بعض ذلك الغيب فقال :
﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾أي وما يدري من في السماوات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة كما قال :﴿ ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ﴾( الأعراف : ١٨٧ ) أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض فلا يشعرون بها، بل تأتيهم فجأة.
تفسير المفردات : ادّارك : أي تدارك وتتابع والمراد التتابع في الاضمحلال والفناء، في شك : أي في حيرة عظيمة، عمون : واحدهم عم وهو أعمى القلب والبصيرة.
الإيضاح : ثم أكد جهلهم بهذا اليوم بقوله :
﴿ بل ادارك علمهم في الآخرة ﴾أي بل انتهى علمهم وعجزهم عن معرفة وقتها فلم يكن لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا مع توافر أسباب العلم، وليس المراد أنه كان لهم علم بوقتها على الحقيقة فانتفى شيئا فشيئا، بل المراد أن أسباب العلم ومبادئه من الدلائل العقلية والنقلية ضعفت في اعتبارهم شيئا فشيئا كلما تأملوا فيها حتى لم يعد لها قيمة وكأن لم تكن.
ثم انتقل من وصفهم بالجهل بميقاتها إلى الحيرة في الآخرة نفسها، أتكون أو لا تكون ؟ فقال :
﴿ بل هم في شك منها ﴾أي بل هم في حيرة عظيمة من تحققها ووجودها، أكائنة هي أم غير كائنة ؟ كمن يحار في الأمر لا يجد عليه دليلا، فضلا عن تصديق ما سيحدث فيها من شؤون أخبرت عنها الكتب السماوية كالثواب والعقاب، والنعيم والعذاب والأهوال التي لا يدرك كنهها العقل.
ثم ارتقى من وصفهم بالشك في أمرها إلى وصفهم بالعمى واختلال البصيرة بحيث لا يدركون الدلائل التي تدل على أنها كائنة لا محالة فقال :
﴿ بل هم منها عمون ﴾أي بل هم في عماية وجهل عظيم من أمرها، وعن كل ما يوصلهم إلى الحق في شأنها، والنظر في دلائلها.
﴿ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون( ٦٧ ) لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين( ٦٨ ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين( ٦٩ ) ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون( ٧٠ ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٧١ ) قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون( ٧٢ ) وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون( ٧٣ ) وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون( ٧٤ ) وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ﴾( النمل : ٦٧-٧٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون ﴾أي وقال الكافرون بالله المكذبون لرسله، أئنا لمخرجون من قبورنا أحياء كهيئتنا من بعد مماتنا وبعد أن بلينا وكنا فيها ترابا ؟
وهذا منهم استبعاد لإعادة الأجسام بعد صيرورتها عظاما ورفاتا.
ثم ذكروا شبهتهم على استبعاده في زعمهم فقال :﴿ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ﴾أي إنا ما زلنا نسمع بهذا نحن وآباؤنا ولا نرى تحقق ذلك ولا وقوعه.
ثم أكدوا هذا الاستبعاد بقولهم :
﴿ إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾أي ما هذا الوعد إلا أسطورة مما سطّره الأولون من الأكاذيب في كتبهم من غير أن يكون لهم بينة على إمكان تحققه ووجوده.
ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرشدهم إلى وجه الصواب مع التهديد والوعيد فقال :﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ﴾أي قل لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به من الأنباء من عند ربك : سيروا في الأرض فانظروا إلى ديار من كان قبلكم من المكذبين، كيف هي ؟ ألم يخربّها الله ويهلك أهلها بتكذيبهم رسلهم، وردهم عليهم نصائحهم، فخلت منهم الديار، وعفت منها الرسوم والآثار، وكان ذلك عاقبة إجرامهم، وتلك سنة الله في كل من سلك سبيلهم في تكذيب رسله، وسيفعل ذلك بكم إن أنتم لم تبادروا إلى الإنابة من كفركم وتكذيبكم رسوله.
ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يناله من عماهم عن السبيل، الذي هدى إليه الدليل فقال :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾أي ولا تحزن على إدبار هؤلاء المشركين عنك وتكذيبهم لك، ولا يضق صدرك من مكرهم، فإن الله ناصرك عليهم، ومظهر دينك على من خالفه في المشارق والمغارب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح : ثم أشار إلى أنهم لم يقصروا إنكارهم على الساعة، بل كان إنكارهم لغيرها من عذاب الله أشد بقوله :
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾أي ويقول مشركو قريش المكذبون بما أتيتهم به من عند ربك : متى يكون هذا العذاب الذي تعدنا به ؟ إن كنتم صادقين فيما تدّعون ؟
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم فقال :﴿ قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون ﴾أي قل لهم : عسى أن يلحقكم ويصل إليكم بعض ما تستعجلون حلوله من العذاب، والمراد به ما حل بهم يوم بدر من النكال والوبال.
قال صاحب الكشاف : عسى ولعل وسوف، في وعد الملوك ووعيدهم تدل على صدق الأمر وجده، وما لا مجال للشك بعده، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم، وأنهم لا يعجّلون بالانتقام لإدلالهم بقهرهم وغلبتهم وتوقعهم أن عدوهم لا يفوتهم وأن الرمزة إلى الأغراض كافية من جهتهم، وعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده. ا ه.
ثم بين سبحانه السبب في ترك تعجيل العذاب فقال :﴿ وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾أي وإن ربك لهو المنعم المتفضل على الناس جميعا بتركه المعاجلة بالعقوبة على المعصية والكفر، ولكن أكثرهم لا يعرفون حق فضله عليهم. فلا يشكره إلا القليل منهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح : ثم أبان سبحانه أنه مطّلع على ما في قلوبهم فقال :
﴿ وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ﴾يقال كننت الشيء وأكننته : إذا سترته وأخفيته، أي إن ربك يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر كما قال :﴿ سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ﴾( الرعد : ١٠ ) وقال :﴿ يعلم السر وأخفى ﴾( طه : ٧ ).
وقصارى ذلك : إنه يعلم ما يخفون من عداوة الرسول ومكايدهم له ما يعلنون، وهو محصيها عليهم ومجازيهم بذلك.
ثم ذكر أن كل ما يحصل في الوجود فهو محفوظ في اللوح المحفوظ فقال :﴿ وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف جهلهم بالآخرة وعماهم عنها - أردف بيان ذلك وإيضاحه بأنهم ينكرون الإخراج من القبور بعد أن صاروا ترابا، وأنهم قالوا تلك مقالة سمعناها من قبل، وما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين وخرافاتهم، ثم أمر الله رسوله أن يرشدهم إلى صدق هذا بالسير في الأرض حتى يروا عاقبة المجرمين، بسبب تكذيبهم للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر، ثم صبر سبحانه رسوله على ما يناله من أذى المشركين، ووعده بالنصر عليهم، ثم ذكر أنهم مكذبون بالساعة وغيرها من العذاب والجزاء الموعود، وأنهم يسألون عن ذلك سخرية واستهزاء، وأجابهم بأن العذاب سينزل بهم قريبا، ثم ذكر فضله على عباده بأنه لا يعجّل لهم العذاب مع استحقاقهم له، إذ هم لا يشكرونه على ذلك، ثم بين أنه تعالى عليم بالسر والنجوى، وأنه مطلع على ما تكنه القلوب، وأنه ما من شيء مهما خفي فالله عليم به وهو مثبت عنده في كتاب مبين.
الإيضاح :﴿ وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ﴾أي وما من أمر مكتوم وسر خفي يغيب عن الناظرين في السماء أو في الأرض إلا وهو في أم الكتاب الذي أثبت ربنا فيه كل ما هو كائن من ابتداء الخلق إلى يوم القيامة، وهو بيّن لمن نظر إليه وقرأ ما فيه، مما أثبته ربنا جلت قدرته.
ونحوه :﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ﴾( الحج : ٧٠ ).
﴿ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون( ٧٦ ) وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين( ٧٧ ) إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم( ٧٨ ) فتوكل على الله إنك على الحق المبين( ٧٩ ) إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين( ٨٠ ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ﴾( النمل : ٧٦-٨١ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يتعلق بالنشأة الأولى وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد - أردف ذلك الكلام في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأقام الأدلة على صحتها وصدق دعواه فيما يدعي، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه :
إن ما فيه من القصص موافق لما في التوراة والإنجيل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا ولم يخالط أحدا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
إن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم - لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله.
إنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملإ الأعلى ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكما على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا كاختلافهم في أمر المسيح، فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا إن النبي المبشر به في التوراة هو يوشع عليه السلام أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر. إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضاؤه الفصل.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فإنه حافظه وناصره، وأن يعرض عن أولئك الذين لا يستمعون لدعوته، لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
الإيضاح :﴿ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ﴾أي إن هذا القرآن الذي أنزلته إليك أيها الرسول يقص على بني إسرائيل الحق في كثير مما اختلفوا فيه، وكان عليهم لو أنصفوا أن يتبعوه، لكنهم لم يفعلوا وكابروا مع وضوح الحق وظهور دليله كما تفعلون أنتم أيها المشركون.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يتعلق بالنشأة الأولى وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد - أردف ذلك الكلام في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأقام الأدلة على صحتها وصدق دعواه فيما يدعي، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه :
إن ما فيه من القصص موافق لما في التوراة والإنجيل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا ولم يخالط أحدا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
إن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم - لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله.
إنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملإ الأعلى ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكما على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا كاختلافهم في أمر المسيح، فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا إن النبي المبشر به في التوراة هو يوشع عليه السلام أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر. إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضاؤه الفصل.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فإنه حافظه وناصره، وأن يعرض عن أولئك الذين لا يستمعون لدعوته، لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
الإيضاح : ثم وصف القرآن بقوله :
﴿ وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ﴾أي وإنه لهاد للمؤمنين إلى سبيل الرشاد، ورحمة لمن صدق به وعمل بما فيه.
وبعد أن ذكر فضله وشرفه أتبعه دليل عدله فقال :﴿ إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يتعلق بالنشأة الأولى وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد - أردف ذلك الكلام في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأقام الأدلة على صحتها وصدق دعواه فيما يدعي، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه :
إن ما فيه من القصص موافق لما في التوراة والإنجيل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا ولم يخالط أحدا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
إن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم - لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله.
إنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملإ الأعلى ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكما على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا كاختلافهم في أمر المسيح، فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا إن النبي المبشر به في التوراة هو يوشع عليه السلام أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر. إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضاؤه الفصل.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فإنه حافظه وناصره، وأن يعرض عن أولئك الذين لا يستمعون لدعوته، لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
الإيضاح :﴿ إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم ﴾أي إن ربك يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بحكمه العادل، فينتقم من المبطل منهم، ويجازي المحسن بما يستحق من الجزاء، وهو العزيز الذي لا يرد حكمه وقضاؤه، العليم بأفعال العباد وأقوالهم، فقضاؤه موافق لواسع علمه.
وبعد أن أثبت لنفسه العلم والحكمة والجبروت والقدرة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه وحده فقال :﴿ فتوكل على الله ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يتعلق بالنشأة الأولى وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد - أردف ذلك الكلام في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأقام الأدلة على صحتها وصدق دعواه فيما يدعي، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه :
إن ما فيه من القصص موافق لما في التوراة والإنجيل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا ولم يخالط أحدا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
إن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم - لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله.
إنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملإ الأعلى ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكما على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا كاختلافهم في أمر المسيح، فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا إن النبي المبشر به في التوراة هو يوشع عليه السلام أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر. إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضاؤه الفصل.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فإنه حافظه وناصره، وأن يعرض عن أولئك الذين لا يستمعون لدعوته، لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
الإيضاح :﴿ فتوكل على الله ﴾أي ففوض إلى الله جميع أمورك وثق به فيها، فإنه كافيك كل ما أهمك، وناصرك على أعدائك، حتى يبلغ الكتاب أجله.
ثم علل هذا بقوله :
﴿ إنك على الحق المبين ﴾أي أنت على الحق المبين، وإن خالفك فيه من خالفك ممن كتب عليه الشقاء :﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون( ٩٦ ) ولو جاءتهم كل آية ﴾( يونس٩٦-٩٧ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يتعلق بالنشأة الأولى وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد - أردف ذلك الكلام في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأقام الأدلة على صحتها وصدق دعواه فيما يدعي، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه :
إن ما فيه من القصص موافق لما في التوراة والإنجيل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا ولم يخالط أحدا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
إن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم - لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله.
إنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملإ الأعلى ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكما على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا كاختلافهم في أمر المسيح، فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا إن النبي المبشر به في التوراة هو يوشع عليه السلام أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر. إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضاؤه الفصل.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فإنه حافظه وناصره، وأن يعرض عن أولئك الذين لا يستمعون لدعوته، لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
الإيضاح : ثم أيأسه من إيمان قومه وأنه لا أمل في استجابتهم لدعوته فقال :
﴿ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ﴾أي إنك لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلوبهم فأماتها، ولا أن تسمعه من أصمهم عن سماعه، ولاسيما أنهم مع ذلك معرضون عن الداعي، مولّون على أدبارهم، وإنما شبههم بالموتى لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم، وشبههم بالصم البكم ليبين أنه لا أمل في استجابتهم للدعوة، لأن الأصم الأبكم لا يسمع الداعي بحال.
وظاهر نفي سماع الموتى العموم، فلا يخص منه إلا ما ورد بدليل.
كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى في قليب( بئر ) بدر فقيل له : يا رسول الله إنما تكلم أجسادا لا أرواح لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " أخرجه مسلم.
وكما ثبت أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه.
وقصارى ما سلف : إنه تعالى أمره بالتوكل عليه والإعراض عما سواه، لأنه على الحق المبين ومن سواه على الباطل، ولأنه تعالى مؤيده وناصره، ولأنه لا مطمع في مشايعة المشركين ومعاضدتهم، لأنهم كالموتى وكالصم البكم، فلا أمل في استجابتهم للدعوة، ولا في قبولهم للحق.
ثم أكد ما سلف وقطع أطماعه في إيمانهم على أتم وجه فقال :﴿ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ﴾.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يتعلق بالنشأة الأولى وأنه خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وما يتصل بالبعث والنشور وأقام على ذلك الدليل يتلو الدليل بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد - أردف ذلك الكلام في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأقام الأدلة على صحتها وصدق دعواه فيما يدعي، وكان من أعظم ذلك القرآن الكريم، لا جرم بين الله تعالى إعجازه من وجوه :
إن ما فيه من القصص موافق لما في التوراة والإنجيل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا ولم يخالط أحدا من العلماء للاستفادة والتعلم، فلا يكون ذلك إلا من وحي إلهي من لدن حكيم خبير.
إن ما فيه من دلائل عقلية على التوحيد والبعث والنبوة والتشريع العادل المطابق لحاجة البشر في دنياهم وآخرتهم - لا يوجد له نظير في كتاب آخر، فلا بد أن يكون ذلك من عند الله.
إنه قد بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة حتى لم يستطع أحد أن يتصدى لمعارضته مع حرصهم عليها أشد الحرص، فدل ذلك على أنه خارج عن قوى البشر، وأنه من الملإ الأعلى ومن لدن خالق القوى والقدر.
ثم ذكر بعد ذلك أنه جاء حكما على بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، فأبان لهم الحق في هذا كاختلافهم في أمر المسيح، فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله، ومن قائل إنه ثالث ثلاثة، وقوم يقولون إنه كاذب في دعواه النبوة، كما نسبوا مريم إلى ما هي منزهة عنه، وقالوا إن النبي المبشر به في التوراة هو يوشع عليه السلام أو هو نبي آخر يأتي آخر الدهر. إلى نحو ذلك مما اختلفوا فيه، وأنه لا يحكم إلا بالعدل، فقوله الحق وقضاؤه الفصل.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه فإنه حافظه وناصره، وأن يعرض عن أولئك الذين لا يستمعون لدعوته، لأنهم صم بكم لا يعقلون، والذكرى لا تنفع إلا من له قلب يعي، وآذان تسمع دعوة الداعي إلى الحق فتستجيب لها.
الإيضاح :﴿ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ﴾أي أنت أيها الرسول لا تستطيع أن تصرف العمي عن ضلالتهم وتهديدهم إلى الطريق السوي، والمراد أنك لا تهدي من أعماهم الله عن الهدى والرشاد، فجعل على أبصارهم غشاوة تمنعهم عن النظر فيما جئت به نظرا يوصلهم إلى معرفة الحق وسلوك سبيله.
ثم زاد ذلك توكيدا فقال :
﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ﴾أي إنما يستجيب لك من هو نافذ البصيرة، خاضع لربه، متبتل إليه، مجيب لدعوة رسله.
والخلاصة : إنك لا تقدر أن تفهم الحق وتسمعه إلا من يصدقون بآياتنا وحججنا، فإنهم هم الذين يسمعون منك ما تقول، ويتدبرونه ويعملون به، إذ هم ينقادون للحق في كل حين.
﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون( ٨٢ ) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهو يوزعون( ٨٣ ) حتى إذا جاءو قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون( ٨٤ ) ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون( ٨٥ ) ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون( ٨٦ ) ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين( ٨٧ ) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون( ٨٨ ) من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون( ٨٩ ) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾( النمل : ٨٢-٩٠ ).
تفسير المفردات : وقع : حدث وحصل، والمراد من القول : ما دل من الآيات على مجيء الساعة، تكلمهم : أي تنبئهم وتخبرهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح :﴿ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ﴾يخبر سبحانه بأنه حين فساد الناس وتركهم أوامره وتبديلهم الدين الحق قرب مجيء الساعة - تخرج دابة من الأرض تحدث الناس بأنهم كانوا لا يوقنون بآياته الدالة على مجيء الساعة ومقدّماتها.
والمقصود من هذا التحديث : التشنيع عليهم بهذه المقالة، وفي التعبير بكلمة﴿ الناس ﴾الإشارة إلى كثرتهم وأنهم جم غفير منهم.
وما جاء في وصف الدابة والمبالغة في طولها وعرضها، وزمان خروجها ومكانه - مما لا يركن إليه، فإن أمور الغيب لا يجب التصديق بها إلا إذا ثبتت بالدليل القاطع عن الرسول المعصوم.
تفسير المفردات : نحشر : أي نجمع، فوجا : أي جماعة من الرؤساء، يوزعون : أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا في موقف التوبيخ والمناقشة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح : ثم بين سبحانه حال المكذبين حين مجيء الساعة بعد بيان بعض مباديها وأشراطها فقال :
﴿ ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون * حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ﴾أي ويوم نجمع من كل أهل قرن جماعة كثيرة ممن كذبوا بآياتنا ودلائلنا، ونحبس أولهم على آخرهم، ليجتمعوا في موقف التوبيخ والإهانة، حتى إذا جاؤوا ووقفوا بين يدي الله في مقام السؤال والجواب، ومناقشة الحساب، قال لهم ربهم مؤنبا وموبخا لهم على تكذيبهم : أكذبتم بآياتي الناطقة بلقاء يومكم هذا بادي الرأي غير ناظرين فيها نظرا يوصلكم إلى العلم بحقيقتها، أم ماذا كنتم تعملون فيها من تصديق وتكذيب ؟.

تفسير المفردات : ولم تحيطوا بها علما : أي ولم تدركوا حقيقة كنهها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح : ثم بين سبحانه حال المكذبين حين مجيء الساعة بعد بيان بعض مباديها وأشراطها فقال :
﴿ ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون * حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ﴾أي ويوم نجمع من كل أهل قرن جماعة كثيرة ممن كذبوا بآياتنا ودلائلنا، ونحبس أولهم على آخرهم، ليجتمعوا في موقف التوبيخ والإهانة، حتى إذا جاؤوا ووقفوا بين يدي الله في مقام السؤال والجواب، ومناقشة الحساب، قال لهم ربهم مؤنبا وموبخا لهم على تكذيبهم : أكذبتم بآياتي الناطقة بلقاء يومكم هذا بادي الرأي غير ناظرين فيها نظرا يوصلكم إلى العلم بحقيقتها، أم ماذا كنتم تعملون فيها من تصديق وتكذيب ؟.

المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح :﴿ ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ﴾أي وحل بأولئك المكذبين بآيات الله السخط والغضب بتكذيبهم بها، فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حل بهم من العذاب الأليم.
ونحو الآية قوله :﴿ هذا يوم لا ينطقون( ٣٥ ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾( المرسلات : ٣٥-٣٦ ).
وبعد أن خوفهم من أهوال يوم القيامة ذكر الدليل على التوحيد والحشر والنبوة فقال :﴿ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ﴾.
تفسير المفردات : ألم يروا : أي ألم يعلموا، ليسكنوا فيه : أي ليستريحوا فيه ويهدؤوا، مبصرا : أي ليبصروا بما فيه من الإضاءة طرق التقلب في أمور معاشهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح :﴿ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ﴾أي ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار ومخالفتنا بينهما بجعل ذاك سكنا لهم يسكنون فيه، ويهدؤون راحة لأبدانهم من تعب التصرف والتقلب نهارا، وجعل هذا مضيئا يبصرون فيه الأشياء ويعاينونها، فيتقلبون فيه لمعايشهم فيتفكرون في ذلك ويتدبرون ويعلمون أن مصرف ذلك كذلك، هو الإله الذي لا يعجزه شيء، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء، وإحياء الأموات بعد الممات.
وفي ذلك أيضا دليل على النبوة، لأنه كما يقلب الليل والنهار لمنافع المكلفين ففي بعثة الأنبياء منافع عظيمة للناس في دنياهم ودينهم، فما المانع إذا من بعثهم إليهم ؟ بل الحاجة إلى ذلك ملحّة.
﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾أي إن فيما ذكر لدلالة على قدرته على البعث بعد الموت، وعلى توحيده لمن آمن به وصدق برسله، فإن من تأمل في تعاقبهما واختلافهما على وجوه بديعة مبنية على حكم تحار في فهمها العقول، ولا يحيط بعلمها إلا الله وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل الحالكة المشابهة للموت، بضياء النهار المضاهي للحياة، وعاين في نفسه تبدل النوم الذي هو أخو الموت بالانتباه الذي هو مثل الحياة - قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وجزم بأن الله جعل هذا دليلا على تحققه، وأن الآيات الناطقة به حق، وأنها من عند الله.
وبعد أن ذكر الحشر الخاص وأقام الدليل عليه - ذكر الحشر العام فقال :﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾.
تفسير المفردات : الصور : البوق، داخرين : أي أذلاء صاغرين.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح :﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾أي واذكر أيها الرسول لهم هول يوم النفخ في الصور، إذ يفزع من في السماوات ومن في الأرض، لما يعتريهم من الرعب حين البعث والنشور، بمشاهدة الأهوال الخارقة لعادة في الأنفس والآفاق، إلا من ثبّت الله قلبه.
ويرى أكثر أهل العلم أن هناك نفختين، نفخة الفزع المذكورة في هذه الآية وهي نفخة الصعق المذكورة في قوله تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ﴾( الزمر : ٦٨ )لأن كلا الأمرين الفزع والخوف، والصعق وهو الموت يحصلان بها، ونفخة البعث المذكورة في قوله تعالى :﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾( يس : ٥١ ).
﴿ وكل أتوه داخرين ﴾أي وكل هؤلاء الفزعين المبعوثين، حين النفخة يحضرون الموقف بين يدي رب العزة للسؤال والجواب، والمناوشة والحساب، أذلاء صاغرين، لا يتخلف أحد عن أمره كما قال :﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ﴾( الإسراء : ٥٢ ).
وقال :﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾( الروم : ٢٥ )وقال :﴿ يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ﴾( المعارج : ٤٣ ).
ولما ذكر دخورهم أتبعه بدخور ما هو أعظم منهم فقال :﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾.
تفسير المفردات : جامدة : أي ثابتة في أماكنها، أتقن : أي أحكم، يقال رجل تقن( بكسر التاء وسكون القاف ) أي حاذق بالأشياء.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح :﴿ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ﴾أي وترى الجبال كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه وهي تزول عن أماكنها وتسير حثيثا كمر السحاب، لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها.
ونحو الآية قوله :﴿ يوم تمور السماء مورا( ٩ ) وتسير الجبال سيرا ﴾( الطور : ٩-١٠ )وقوله :﴿ ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ﴾( الكهف : ٤٧ ) وقوله :﴿ وسيرت الجبال فكانت سرابا ﴾( النبأ : ٢٠ ) وهذا يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، فيبدل الله الأرض غير الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال عن مقارها ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن دكت عند النفخة الأولى، فتسييرها إنما يكون لدى النفخة الثانية كما نطق به قوله :﴿ فقل ينسفها ربي نسفا ﴾( طه : ١٠٥ ) وقوله﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض ﴾( إبراهيم : ٤٨ ).
ثم علل إمكان ذلك وسرعة حصوله بقوله :
﴿ صنع الله الذي أتقن كل شيء ﴾أي ذلك الصنع العظيم صنع الله الذي أحكم كل شيء وأودع فيه من الحكمة ما أودع.
ثم علل ما تقدم من النفخ في الصور والقيام للحساب ومجازاة العباد على أعمالهم بقوله :
﴿ إنه خبير بما تفعلون ﴾أي إنه تعالى ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشر، وطاعة ومعصية، وهو مجازيهم على ذلك أتم الجزاء.
تفسير المفردات : الحسنة : الإيمان وعمل الصالحات.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح : ثم بين حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال :
﴿ من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ﴾أي من آمن بالله وعمل صالحا فله على ذلك جزيل الثواب من عند ربه في جنات النعيم، يأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة كما جاء في الآية :﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾( الأنبياء : ١٠٣ ) وقال :﴿ أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ﴾( فصلت : ٤٠ ) وقال :﴿ وهم في الغرفات آمنون ﴾( سبأ : ٣٧ ) وقد صح تفسير الحسنة هنا بشهادة أن لا إله إلا الله، على ما رواه ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن.
تفسير المفردات : السيئة : الإشراك بالله والمعاصي، كبت : أي ألقيت منكوسة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه ما يدل على كمال علمه وقدرته، وأبان بعدئذ إمكان البعث والحشر والنشر، ثم فصل القول في إعجاز القرآن، ونبه بذلك إلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - أردف ذلك ذكر مقدمات القيامة وما يحدث من الأهوال حين قيامها، فذكر خروج دابة من الأرض تكلم الناس أنهم كانوا لا يؤمنون بآيات ربهم، وأنه حينئذ ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وأن الجبال تجري وتمر مر السحاب ؛ ثم بين أحوال المكلفين بعد ذلك وجعلهم قسمين : مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون في النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح :﴿ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ﴾أي ومن أشركوا بالله وعملوا السيئات يكبّون على وجوههم في جهنم ويطرحون فيها.
ونحو الآية قوله :﴿ فكبكبوا فيها هم والغابون ﴾ ( الشعراء : ٩٤ ).
ثم ذكر ما يقال لهم حينئذ فقال :
﴿ هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾أي ويقال لهم : هل هذا إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا، مما يسخط ربكم ويغضبه منكم من شرك به ومعصية له.
الإيضاح :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين( ٩١ ) وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين( ٩٢ ) وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ﴾( النمل : ٩١-٩٣ ).
تفسير المفردات : البلد : هي مكة.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه أحوال المبدإ والمعاد، وفصّل أحوال القيامة - أمر رسوله أن يقول لهؤلاء المشركين هذه المقالة تنبيها لهم إلى أنه قد تم أمر الدعوة بما لا مزيد عليه، ولم يبق له بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله والاستغراق في مراقبته، غير مبال بهم ضلوا أو رشدوا، صلحوا أو فسدوا، إثارة لهممهم بألطف وجه إلى تدارك أحوالهم وتحصيل ما ينفعهم، والتدبر فيما يقرع أسماعهم من باهر الآيات التي تكفي في إرشادهم وتشفي عللهم وأمراضهم.
الإيضاح :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ﴾أي قل لهم أيها الرسول إنما أمرت أن أعبد رب مكة التي حرم على خلقه أن يسفكوا فيها دما حراما أو يظلموا فيها أحدا. وخصها بالذكر لأن أول بيت للعبادة كان فيها - دون الأوثان التي تعبدونها كما قال :﴿ فليعبدوا رب هذا البيت( ٣ ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ﴾( قريش : ٣-٤ ).
وفي هذا تأنيب لهم على ما يفعلون من أنواع الفجور وفظيع المنكرات، فإنهم قد تركوا عبادة رب مكة، ونصبوا الأوثان فيها، وعكفوا على عبادتها.
﴿ وله كل شيء ﴾خلقا وملكا وتصرفا دون أن يشركه في ذلك أحد.
﴿ وأمرت أن أكون من المسلمين ﴾أي وأمرني ربي أن أسلم وجهي له، فأكون من الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المخبتين له في الطاعة.
ونحو الآية قوله :﴿ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ﴾( الأنعام : ١٦١ ).
تفسير المفردات : أتلو القرآن : أي أواظب على تلاوته، ومن المنذرين : أي المخوفين قومهم من عذاب الله.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه أحوال المبدإ والمعاد، وفصّل أحوال القيامة - أمر رسوله أن يقول لهؤلاء المشركين هذه المقالة تنبيها لهم إلى أنه قد تم أمر الدعوة بما لا مزيد عليه، ولم يبق له بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله والاستغراق في مراقبته، غير مبال بهم ضلوا أو رشدوا، صلحوا أو فسدوا، إثارة لهممهم بألطف وجه إلى تدارك أحوالهم وتحصيل ما ينفعهم، والتدبر فيما يقرع أسماعهم من باهر الآيات التي تكفي في إرشادهم وتشفي عللهم وأمراضهم.
الإيضاح :﴿ وأن أتلو القرآن ﴾ آناء الليل وأطراف النهار، لتنكشف لي أسراره المخزونة في تضاعيفه، وأستطلع أدلة الكون المتفرقة في آيه، فأعرف حقائق الحياة، وسر الوجود ويفاض عليّ من فيوضاته الإلهية، وأسراره القدسية ما شاء الله أن يفيض.
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة يصلي فقرأ قوله تعالى :﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك ﴾( المائدة : ١١٨ ).
فما زال يكررها ويظهر له من أسرارها ما يظهر، ويتجلى له من مقاصدها ما تسمو به نفسه إلى الملإ الأعلى حتى طلع الفجر.
ونحو الآية :﴿ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ﴾( آل عمران : ٥٨ ).
﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ﴾أي فمن اتبعني واهتدى بهديي وآمن بي وبما جئت به فقد سلك سبيل الرشاد، وأمن نقمة ربه في الدنيا وعذابه في الآخرة.
﴿ ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ﴾أي ومن جار عن قصد السبيل بتكذيبه بي وبما جئت به من عند الله، فقل إنما أنا من المنذرين فحسب، وقد خرجت من عهدة الإنذار، وليس علي من وبال ضلالكم من شيء، فإن قبلتم وانتهيتم عما يكرهه ربكم من الشرك، فحظوظ أنفسكم تصيبون، وإن كذبتم وأعرضتم عما أدعوكم إليه فعلى أنفسكم تجنون، وقد بلّغتكم ما أمرت بإبلاغه إياكم.
ونحو الآية قوله :﴿ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾( الرعد : ٤٠ ).
وقوله :﴿ إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ﴾( هود : ١٢ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه أحوال المبدإ والمعاد، وفصّل أحوال القيامة - أمر رسوله أن يقول لهؤلاء المشركين هذه المقالة تنبيها لهم إلى أنه قد تم أمر الدعوة بما لا مزيد عليه، ولم يبق له بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله والاستغراق في مراقبته، غير مبال بهم ضلوا أو رشدوا، صلحوا أو فسدوا، إثارة لهممهم بألطف وجه إلى تدارك أحوالهم وتحصيل ما ينفعهم، والتدبر فيما يقرع أسماعهم من باهر الآيات التي تكفي في إرشادهم وتشفي عللهم وأمراضهم.
الإيضاح : ثم أمره سبحانه بترغيب قومه وترهيبهم فقال :
﴿ وقل الحمد لله ﴾أي وقل الحمد لله على ما أفاض عليّ من نعمائه التي من أجلها نعمة النبوة المستتبعة لضروب من النعم الدينية والدنيوية، ووفقني لتحمل أعبائها وتبليغ أحكامها، بالآيات البينة، والبراهين الساطعة، ووفقني لاتباع الحق الذي أنتم عنه عمون.
﴿ سيريكم آياته فتعرفونها ﴾أي سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه فتعرفون بها حقيقة نصحي، ويستبين لكم صدق ما دعوتكم إليه من الرشاد حين لا تجدي المعرفة، ولا تفيد التبصرة شيئا.
ونحو الآية قوله :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ﴾( فصلت : ٥٣ ).
ثم ذيل هذا بتقرير ما قبله من الوعد والوعيد بقوله :
﴿ وما ربك بغافل عما تعملون ﴾أي وما ربك بغافل عما يعمله هؤلاء المشركون ولكنه مؤخر عذابهم إلى أجل هم بالغوه، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فلا يحزنك تكذيبهم فإني لهم بالمرصاد، وأيقن بأني ناصرك وخاذل عدوك، ومذيقهم الذل والهوان.
روي أن عمر بن عبد العزيز قال : فلو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم وكان الإمام أحمد كثيرا ما ينشد هذين البيتين :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
والحمد لله وصلاته على النبي وعلى آله وصحبه أجمعين.
Icon