ﰡ
قد قدّمنا الآيات الموضحة لقوله :﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ ﴾، في أوّل سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ الم * ذالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ١-٢ ].
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكافر إذا تتلى عليه آيات اللَّه، وهي هذا القرآن العظيم :﴿ وَلَّى مُسْتَكْبِراً ﴾، أي : متكبّرًا عن قبولها، كأنه لم يسمعها ﴿ كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً ﴾، أي : صممًا وثقلاً مانعاً له من سماعها، ثم أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يبشّره بالعذاب الأليم.
وقد أوضح جلَّ وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى :﴿ وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الجاثية : ٧-١٠ ]، وقد قال تعالى هنا :﴿ كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً ﴾، على سبيل التشبيه، وصرّح في غير هذا الموضع أنه جعل في أذنيه الوقر بالفعل في قوله :﴿ إنّا جعلنا في قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ﴾ [ الكهف : ٥٧ ]. والظاهر أن الوقر المذكور على سبيل التشبيه الوقر الحسّي ؛ لأن الوقر المعنوي يشبه الوقر الحسّي والوقر المجعول على آذانهم بالفعل، هو الوقر المعنوي المانع من سماع الحقّ فقط، دون سماع غيره، والعلم عند اللَّه تعالى.
قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنيّة في أوّل سورة «الرعد »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [ الرعد : ٢ ] الآية.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الرعد »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الرعد : ١٦ ] الآية، وفي أوّل سورة «الفرقان ».
دلّت هذه الآية الكريمة على أن الشّرك ظلم عظيم.
وقد بيَّن تعالى ذلك في آيات أُخر ؛ كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ يونس : ١٠٦ ]، وقوله تعالى :﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ]، وقد ثبت في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه فسّر الظلم في قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ]، بأنه الشرك، وبيَّن ذلك بقوله هنا :﴿ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، وقد أوضحنا هذا سابقًا.
معناه : لا تتكبّر على الناس، ففي الآية نهي عن التكبّر على الناس، والصعر : الميل، والمتكبّر يميل وجهه عن الناس، متكبّرًا عليهم، معرضًا عنهم، والصعر : الميل، وأصله : داء يصيب البعير يلوي منه عنقه، ويطلق على المتكبّر يلوي عنقه ويميل خدّه عن الناس تكبّرًا عليهم، ومنه قول عمرو بن حني التغلبي :
وكنّا إذا الجبار صعّر خدّه | أقمنا له من ميله فتقوّما |
وكنّا قديمًا لا نقرّ ظلامة | إذا ما ثنوا صعر الرءُوس نقيمها |
إنا أتيناك وقد طال السفر | نقود خيلاً ضمّرًا فيها صعر |
فاعلم أنّا قدّمنا في سورة «الأعراف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٣ ]، الآيات القرآنية الدالَّة على التحذير من الكبر المبيّنة لكثرة عواقبه السيّئة، وأوضحنا ذلك مع بعض الآيات الدالَّة على حسن التواضع، وثناء اللَّه على المتواضعين.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً ﴾[ ١٨ ].
قد قدّمنا إيضاحه وتفسير الآية في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ﴾ [ الإسراء : ٣٧ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في مواضع ؛ كقوله :﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا ﴾ [ لقمان : ١٨ ].
قد قدّمنا إيضاحه في أوّل سورة «الحجّ ».
قدّمنا الآيات الموضحة له أيضًا في أوّل سورة «الحجّ »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [ الحج : ٤ ].
قوله تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِنَّ هَذَا القرآن يِهْدِى لِلَّتِي هي أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ].
قد قدّمنا إيضاحه في سورة «الكهف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَاتِ رَبّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبّى ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ] الآية.
قد قدّمنا إيضاحه في أوّل سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ كَذالِكَ يُحْىِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ [ البقرة : ٧٣ ] الآية.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ في الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ]الآية، وفي «الأنعام »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ ﴾ [ الأنعام : ٤٠-٤١ ] الآية، وفي غير ذلك.
قد قدّمنا في سورة «الأنعام »، أن هذه الخمسة المذكورة في خاتمة سورة «لقمان »، أنها هي مفاتح الغيب المذكورة في قوله تعالى :﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أوضح ذلك بالسنّة الصحيحة.