ﰡ
مدنية، وهي اثنتان وعشرون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) عن عائشة رضي اللَّه عنها: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، لقد جاءت المجادلة خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن [الصامت] الأنصاري إلى رسول اللَّه - ﷺ - تشتكي زوجها وأنا في ناحية البيت يخفى علي بعض كلامها، وكان أوس ولاج الخوالف، وكان به حدة، فدعاها إلى الفراش فأبت فظاهر عنها، فاستفت رسول اللَّه - ﷺ - فقال: حرمت عليه، فقالت: إن لي منه صبية إنوقرأ حمزة والكسائي. بفتح الياء والهاء والتشديد من " اظّاهر ". وعاصم بضم الياء وكسر الهاء والتخفيف من " ظاهر ". (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) حقيقة. بكسر التاء قراءة السبعة على أن " ما " عاملة. (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) والمرضعات وأزواج الرسول - ﷺ - ملحقات بهن احتراماً. قرأ الكوفيون وابن عامر: " اللائي " بالهمز والتاء، وأبو عمرو وابن كثير في رواإية قنبل: بالياء ساكنة. ونافع في رواية ورش: كالياء مكسوراً وفي رواية قالون وابن كثير في رواية البزي. بالهمز. (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) باطلاً منحرفاً عن الصواب،
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ... (٤) مالاً يعتق به رقبة، ومَن مالُه غائب واجد فلا يعدل عن العتق (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فإن أفطر يوماً لغير عذر أو نسي النية، أو مرض بطل تتابعه دون الحيض. والقربان بالليل يقطعه عند أبي حنيفة ومالك دون الشافعي رحمهم اللَّه. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) لفرط شبق، أو لهرم، أو مرض لا يرجى
وعنده الشافعي رحمه اللَّه مُدٌّ بمُدِّ رسول اللَّه - ﷺ - وهو رطل وثلث، وكل خمسة أرطال وثلث، ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهماً وثلث درهم. والدليل للشافعي حديث الأعرابي الذي جامع في رمضان. وإنَّما لم يعِد التماس؛ لتقدمه مكرراً، أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفة رحمه اللَّه. وأجراه بعضهم على الظاهر. (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: فرض ذلك لتصدقوا باللَّه ورسوله فيما شرعا من الأحكام، وتتركوا ما كنتم عليه في الجاهلية. (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أي. الأحكام المذكورة فلا تتجاوزوها. (وَلِلْكَافِرِينَ) الذين لم يصدقوا. (عَذَابٌ أَلِيمٌ) جزاء لكفرهم.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا... (٦) ظرف لـ (مُهِين)، لأن الخزي في الجمع الكثير أشق، أو منصوب بـ " اذكر ". (فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا) من التكذيب وسائر المعاصي على رؤوس الأشهاد؛ تكميلاً للخزي والإهانة (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ) (أَحْصَاهُ اللَّهُ) علمه مفصلاً (وَنَسُوهُ) لتهاونهم. (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) كل ما يطلق عليه اسم الشيء من الذرات (شَهِيدٌ) حاضر يعلمه عياناً. ثم أقام البرهان عليه بقوله:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ... (٧) من الأجزاء والجزئيات. والخطاب عام. (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ) اسم من النَّجْوِ: وهو القطع؛ لأن السر منقطع عن الغير، أو من النجوة: وهي الارتفاع؛ لعدم وصول العين إليه. والمعنى: ما يكون شيء من نجوى ثلاثة نفر. على أن نجوى مضاف إلى الثلاثة، أو موصوف بها، أي: من
(حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) كافيهم في العذاب. (يَصْلَوْنَهَا) يدخلونها. (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) جهنم. والفاء للسببية، مبالغة في استحقاقهم. وليس في القرآن شيء غيره.
(إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَيْطَانِ... (١٠) أي: نجوى المنافقين. (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) الشيطان أو النجوى. وقرأ نافع " يُحْزِنَ " بضم الياء على أنهما لغتان. وقال الخليل: أحزنه: أدخل فيه الحزن، فهو أبلغ. (وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) فعلى المؤمن إذا رأي شيئاً من ذلك أن لا يحزن. (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، لعلمهم بأن لا ضار ولا نافع غيره.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ... (١١) توسعوا وتباعدوا. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - نزلت في مواضع الحرب، كانوا يتنافسون فيها. وعن مقاتل: كان رسول اللَّه - ﷺ - في الصفة يوم الجمعة، فجاء البدريون والصفة غاصة بالناس فلم يجدوا موضع الجلوس فوقفوا. فأقام رسول اللَّه - ﷺ - طائفة حتى جلس البدريون. فنزلت. روى
(وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) عن الحسن: انهضوا إلى الحرب. وعن قتادة: إلى كل معروف. وعن أبي زيد: ارتفعوا عن مجلسه. وقرأ نافع وابن عامر وحفص بضم الشين، وأبو بكر بخلاف عنه. وهما لغتان. والكسر أخف. (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) جزم على الجواب أي: إن امتثلوا أمر اللَّه يرفع اللَّه لهم المنزلة لأجل تواضعهم. (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) خاصة (دَرَجَاتٍ)؛ للجمع بين العلم والعمل. وفي الحديث: " فَضلُ العَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكمْ " (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ) من الامتثال. (خَبِيرٌ) فليكن ذلك عن إخلاص وصفاء قلب.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أباح المناجاة من غير تقديم صدقة.
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ... (١٣) أي: أخفتم مما أمرتم به من الصدقة بين يدي النجوى؟. والجمع باعتبار كثرة المخاطبين. الهمزة للتقرير. ولم يرد نص على إظهارهم الخوف، ولكن اللَّه أخبر عما حدثت به أنفسهم. (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) بأن رخص لكم ترك الصدقة أمام النجوى. الجمهور على أَن هذا ناسخ لوجوب الصدقة. وقيل: نسخت بوجوب الزكاة. (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) مسبب عما قبله، كأنه قال: لا تقصروا في أدائهما كما قصرتم في الصدقة. وفيه نوع تعيير لهم. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ... (١٤) تعجيب من حال المنافقين يتولون اليهود الذين غضب اللَّه عليهم (مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ) أي: المنافقون ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود. (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) الذي هو ادِّعاء الإسلام. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون فيتعمدون الكذب وهي اليمين الغموس.
(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا... (١٥) نوعاً منه متفاقماً. (إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) في الأزمنة المتطاولة، أو هو حكاية ما يقال لهم يوم القيامة.
(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً... (١٦) يستترون بها ويدفعون اطلاع المؤمنين على حالهم.
(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) الذين يريدون الإسلام. يوهنون أمر الإسلام، وأنه لا بقاء له. عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كَانَ رَسولُ اللَّه - ﷺ - جَالِسَاً في نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ - رضي الله عنهم - في ظِل حجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهِ، فَقَالَ: سَيَأتيكمُ الآنَ رَجلٌ ينظرُ بِعَينِ شيطَان فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْد اللَّه بنُ نَبتل، فَقَالَ
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... (١٧) من عذاب اللَّه أو شيئاً من الإغناء. وذلك أنهم كانوا يقولون: لنا الأموال والأولاد، إن كان لقول محمد أصل، نفتدي بها يوم القيامة (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) الملازمون لها (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أبداً.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا... (١٨) مجتمعين (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) أنهم مؤمنون حقاًّ. (كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ) في الدنيا. (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) أن تلك الأيمان تروج عنهم كما راجت في الدنيا جاهلين بعلم علام الغيوب. (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) الغالون في الكذب. كأن من عداهم ليس بكاذب.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (٢٠) أعاده؛ ليفصل أحوالهم المجملة في " كُبتوا "، ويقرن بها أحوال أضدادهم المؤمنين حزب الرحمن. (أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) في زمرة هم أذل خلق اللَّه.
(كَتَبَ اللَّهُ... (٢١) في اللوح (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) بالسيف والبرهان. وذكر اللَّه؛ لبيان أن الرسل عنده بمكان، كأنه معهم في المناظرة والمحاربه، (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ) ذو قدرة كاملة. (عَزِيزٌ) غالب قاهر.
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (٢٢) لأنه جمع بين الضدين. قال:
تَوِدُّ عَدوّي ثُمَّ تَزعُمُ أنني... صَديقُكَ لَيس النَّوكُ عَنكَ بِعازِب
والمعنى: لا ينبغي الوجدان. وإنما عبر عنه به؛ مبالغة. فإن الواقع عدم الانبغاء لا الوجدان، فصوِّر بصورته؛ إبرازاً بما لا يمتنع ممتنعاً. (وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
* * *
تمت المجادلة، والحمد لمن آلاؤه شاملة، والصَّلاة على سيد الزمرة الكاملة، وآله وصحبه دائمة متواصلة.
* * *