ﰡ
مدنية، وحكى النقاش أن قوله: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ﴾ الآية، مكي (١)، آيها: اثنتان وعشرون آية (٢)، وحروفها: ألف وسبع مئة واثنان وتسعون حرفًا، وكلمها: أربع مئة وثلاث وسبعون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)﴾.[١] ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾ أي: علم (٣) ﴿قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ تحاورك.
﴿فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وقالون عن نافع، وعاصم، ويعقوب: (قَدْ سَمِعَ) بإظهار الدال عند السين، والباقون: بالإدغام.
نزلت في خولة بنت ثعلبة لما ظاهرَ منها زوجها أوسُ بن الصامت، وكانا من الأنصار، فأرادها، فأبت عليه، فقال: أنت علي كظهر أمي، فكان
(٢) في "ت": "عشرون وآيتان".
(٣) "أي: علم" زيادة من "ت".
﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ أي: مراجعتكما القول ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لما تناجيه ﴿بَصِيرٌ﴾ لمن يشكو إليه.
...
﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)﴾.
[٢] ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ قرأ عاصم: (يُظَاهِرُونَ) بضم الياء وتخفيف الظاء والهاء وكسرها وألف بينهما في الموضعين؛ من ظاهرَ يُظاهر، وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف: بفتح الياء وتشديد الظاء وألف بعدها، وتخفيف الهاء وفتحها، أصله: يَتَظاهرون، أدغمت التاء في الظاء، وقرأ الباقون: بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء بلا ألف قبلها، أصله: يتظَهَّرون، أدغمت التاء في الظاء (٢)،
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٨ - ٢٠٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٣٨)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٥)، و"معجم القراءات القرآنية) (٧/ ٩٧ - ٩٨).
﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ أي: ليس قول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أو كشيء من أعضائها، ويجعلها كأمه في الحرمة بصحيح.
﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ حقيقةً ﴿إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ والمرضعات، وزوجات النبي - ﷺ - ملحقات بالوالدات في الحرمة، وأما المظاهَرات، فأبعد شبهًا بالوالدات. واختلاف القراء في الهمز من (الَّلائِي) كاختلافهم فيه في حرف سورة الأحزاب [الآية: ٤].
﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي: المظاهرون ﴿لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ﴾ هو جعلُ الزوجةِ أمًا تنكره الحقيقة ﴿وَزُورًا﴾ باطلًا.
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ﴾ عما سلف من الظهار ﴿غَفُورٌ﴾ لمن تاب.
...
﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣)﴾.
[٣] ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ تقدم اختلاف القراء في (يُظَاهِروُنَ).
﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ أي: يريدودن العود إلى التَّماسِّ، وهو كناية عن الجماع، فعند الإمام أحمد: العود: هو الوطء، وعند أبي حنيفة ومالك: هو العزم على الوطء، وعند الشافعي: هو أن يمسكها عقب الظهار زمانًا
﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ والكفارة على الترتيب يجب عليه عتق رقبة سليمة من العيوب الفاحشة بالاتفاق، مؤمنة عند الأئمة الثلاثة، وقال أبو حنيفة: لا يشترط الإيمان.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ يتجامع المظاهِر والمظاهَر منها، فإن أقدم على الجماع قبل التكفير، استغفر الله تعالى، وليس عليه سوى الكفارة الأولى بالاتفاق.
﴿ذَلِكُمْ﴾ التغليظ بالكفارة ﴿تُوعَظُونَ بِهِ﴾ لتنزجروا عن الظهار.
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ لا يخفى عليه شيء.
...
﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤)﴾.
[٤] ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ الرقبة ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ ليس فيهما رمضان، ولا يوما العيدين وأيام التشريق عند الثلاثة، وعند أحمد: إن تخلل صومها صوم رمضان، أو فطر واجب كيوم العيد، لم ينقطع التتابع.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ فلو أصاب المظاهر منها ليلًا أو نهارًا عمدًا أو سهوًا، انقطع التتابع عند الثلاثة، وقال الشافعي وأبو يوسف: إن جامع ليلًا عامدًا، أو نهارًا، ناسيًا، لم يستأنف، وله وطء غيرها من نسائه بالاتفاق.
والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة، فقال أبو حنيفة: لكل مسكين نصف صاع من بر، أو صاع من تمر أو شعير، والصاع عنده ثمانية أرطال بالعراقي، وعند أبي يوسف: خمسة أرطال وثلث، وقال مالك: لكل مسكين مد من عيش أهل البلد، فإن كان الشعير والتمر، أعطي لكل مسكين منه عدل الحنطة بمد هشام، وقدره مد وثلثان بمد النبي - ﷺ -، وهشام هذا الذي أضيف إليه المد هو هشام بن إسماعيل المخزومي، كان أميرًا على المدينة من قبل هشام بن عبد الملك، وقال الشافعي: لكل مسكين مد مما يكون فطرة، وهو البر، والأرز، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط، وقدر المد رطل وثلث بالبغدادي، وهو مد رسول الله - ﷺ -، وقال أحمد: المخرج في الكفارة ما يخرج في الفطرة، وهو البر، والشعير، ودقيقهما، أو سويقهما، وهو بر أو شعير يحمص، ثم يطحن، والتمر، والزبيب، والأقط، وهو شيء يعمل من اللبن المخيض، ولا يجزئ من البر أقل من مد، وهو رطل وثلث بالبغدادي، ولا من غيره أقل من مدين لكل مسكين، وتقدم ذكر الصاع والمد والكلام عليها مستوفىً بأتم من هذا في سورة المائدة عند ذكر كفارة اليمين، وفي سورة التوبة عند ذكر زكاة الفطر.
فإن دفع الكفارة إلى مسكين واحد في ستين يومًا، جاز عند أبي حنيفة، ولم يجز عند الشافعي ومالك، وقال أحمد: إن لم يجد غيره، أجزأه، وإلا فلا، ولو غداهم وعشاهم، جاز عند أبي حنيفة بشرط شبعهم (١) في الأكلتين، وعند الثلاثة: لا يجوز.
ومن كفر بالإطعام، جاز له الوطء في خلاله عند أبي حنيفة والشافعي؛ خلافًا لمالك وأحمد، ونقل بعض المفسرين عن مالك أن من كفر بالإطعام، جاز له الوطء قبله؛ لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس، ولم يقل في الطعام: قبل أن يتماسا، ومنقول مذهب مالك خلاف ذلك، فقد جزم علماء مذهبه في كتبهم أنه لا يجوز الوطء في خلال الإطعام كالصيام، فإن وطئ، بطل ما مضى من إطعامه، ولزمه ابتداؤها، وصرح ابن عطية المالكي في "تفسيره" عن مالك أنه قال: إطعام المساكين أيضًا هو قبل التماس حملًا على العتق والصوم (١).
﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحرير إلى الصوم والإطعام ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ لتصدقوا ما أتى به الرسول من الله عز وجل، ثم شدد بقوله:
﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ فالتزموها، وقفوا عندها.
﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: الذين لا يقبلونها.
واختلفوا فيمن ظاهر من أمته، فقال مالك: يصح، وقال الثلاثة: لا يصح، وعليه عند أحمد كفارة يمين.
واتفقوا على صحة الظهار من العبد، ويكفر بالصيام، وقال مالك: إن عجز عنه، فبالإطعام إن أذن له سيده، فإن منعه، انتظر القدرة على الصيام.
ومن كرر الظهار قبل التكفير، فكفارة واحدة عند مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة بكل ظهار كفارة، ومذهب الشافعي إن كرره في امرأة متصلًا، وقصد تأكيدًا، فظهار واحد، أو استئنافًا، فالأظهر التعدد، وإنه بالمرة الثانية عائد في الأولى، والله أعلم.
...
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥)﴾.
[٥] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: يحاربونهما، ويخالفون أمرهما.
﴿كُبِتُوا﴾ أُهلكوا ﴿كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من كفار الأمم الماضية.
﴿وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ تدل على صدق ما جاء به الرسول.
﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ نزلت هذه الآيات في المنافقين، وقومٍ من اليهود كانوا في المدينة يتمنون المكروه في رسول الله - ﷺ - والمؤمنين، ويتربصون بهم الدوائر، ويدبرون عليهم، ويتناجون بذلك، فنزلت هذه الآيات إلى آخر أمر النجوى فيهم (١).
...
[٦] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ العامل فيه قوله: (مُهِينٌ).
﴿فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا﴾ توبيخًا لهم.
﴿أَحْصَاهُ﴾ حفظه ﴿اللَّهُ﴾ عليهم ﴿وَنَسُوهُ﴾ لتهاونهم به.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ شهيد، لا يغيب عنه شيء.
...
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧)﴾.
[٧] ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ كليًّا وجزئيًّا.
﴿مَا يَكُونُ﴾ قرأ أبو جعفر: (تَكُونُ) بالتاء على التأنيث؛ لتأنيث النجوى، وقرأ الباقون: بالياء على التذكير (١)؛ لأن تأنيث نجوى غير حقيقي، وللفصل بـ (من)، المعنى: ما يقع.
﴿مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ﴾ وجر (ثَلاثَةٍ) بإضافة النجوى إليها، وهي التناجي سرًّا.
﴿وَلَا أَدْنَى﴾ أقل ﴿مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ﴾ قرأ يعقوب: (أَكْثَرُ) بالرفع عطفًا على موضع (مِنْ نَجْوَى)؛ لأن التقدير: ما يكون نجوى، وقرأ الباقون: بالنصب عطفًا على العدد المخفوض ﴿إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ﴾ عالمًا بهم.
﴿أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ لأن علمه تعالى لا يتفاوت باختلاف الأمكنة.
﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تفضيحًا لهم ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
...
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨)﴾.
[٨] كان بين النبي - ﷺ - واليهود موادعة، فكانوا هم والمنافقون إذا رأوا بعض المسلمين تناجوا، فيظن المسلم أنهم يريدون قتله، فيترك الطريق خوفًا منهم، فنهاهم - ﷺ - عن التناجي، فلم ينتهوا فنزل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ (١) أي: يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها.
﴿وَيَتَنَاجَوْنَ﴾ قرأ حمزة، ورويس عن يعقوب: (وَيَنْتَجُونَ) بنون ساكنة بعد الياء وبعدها تاء مفتوحة وضم الجيم على وزن ينتهون مستقبل انتجوا، وقرأ الباقون: بتاء ونون مفتوحتين وبعدها ألف وفتح
﴿بِالْإِثْمِ﴾ أي: بما هو إثم ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ للمؤمنين ﴿وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾ لأنه - ﷺ - نهاهم فلم ينتهوا. وقف ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب: (وَمَعْصِيَهْ) بالهاء.
﴿وَإِذَا جَاءُوكَ﴾ أي: اليهود ﴿حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ وهو قولهم: السام عليك يا محمد، والسام: الموت، وتقدم حكم سلام الذمي، والرد عليه، ومذاهب الأئمة في ذلك في سورة النساء.
﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ إذا خرجوا: ﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ كانوا يقولون: لو كان نبيًّا، لدعا علينا حتى يعذبنا الله بما نقول له.
﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ عذابًا ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ يدخلونها ﴿فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ جهنمُ.
...
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩)﴾.
[٩] ثم نهى الله المؤمنين أن يفعلوا كفعل المنافقين واليهود، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا﴾ قرأ رويس: (تَنْتَجُوا) على وزن تنتهوا (٢).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٠٣).
﴿وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ﴾ وهو ما يتضمن خيرًا للمؤمنين ﴿وَالتَّقْوَى﴾ أي: اتقاء معصية الرسول.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ تذكير بالحشر الذي معه الحساب.
...
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ المحرمة ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ بتزيينه ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بتوهمهم. قرأ نافع: (لِيُحْزِنَ) بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ الباقون: بفتح الياء وضم الزاي (١).
﴿وَلَيْسَ﴾ التناجي ﴿بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بمشيئة الله.
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
قال - ﷺ -: "إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دونَ الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنُه" (٢).
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ١٤٦)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بهذا اللفظ. ورواه البخاري (٥٩٣٢)، كتاب: الاستئذان، باب: إذا كانوا أكثر من ثلاث فلا بأس بالمسارَّة والمناجاة، ومسلم (٢١٨٤)، كتاب: السلام، باب: تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ نحوه.
[١١] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ مجلس النبي - ﷺ -. قرأ عاصم: (الْمَجَالِسِ) بألف على الجمع؛ لأن لكل جالس مجلسًا، معناه: ليفسح كل رجل في مجلسه، وقرأ الباقون: بغير ألف على التوحيد إرادة الجنس (١).
﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ في الجنة.
﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا﴾ ارتفعوا وانهضوا حتى توسِّعوا لإخوانكم ﴿فَانْشُزُوا﴾ قرأ الكسائي، وهشام، ورويس: (قِيلَ) بإشمام الضم حيث وقع، والباقون: بإخلاص الكسر (٢)، وقرأ نافع، وأبو جعفر، وابن عامر، وعاصم، (انْشُزُوا) (فَانْشُزُوا) بضم الشين في الحرفين؛ بخلاف عن أبي بكر راوي عاصم، وقرأ الباقون: بالكسر فيهما (٣).
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ بإيمانهم وطاعتهم النبيَّ - ﷺ -.
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤١٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٠٣).
(٣) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٤٥)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٠٤).
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ تهديد لمن لم يمتثل الأمر.
...
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)﴾.
[١٢] ولما أكثر الناس على النبي - ﷺ - السؤال حتى أسأموه، نزل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ﴾ أي: قبل ﴿نَجْوَاكُمْ﴾ إذا أردتم مناجاته ﴿صَدَقَةً﴾ على مستحقيها.
﴿ذَلِكَ﴾ التقديمُ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لطاعتكم ﴿وَأَطْهَرُ﴾ لذنوبكم فلما نزلت هذه الآية، ارتدع الأغنياء عن السؤال شُحًّا، والفقراء عدمًا، فنزل رخصة:
﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا﴾ ما تتصدقون به ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لمناجاتكم النبي - ﷺ - بلا صدقة ﴿رَحِيمٌ﴾ حيث أباح لكم السؤال، وكان ذلك المنع عشرَ ليال.
...
﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾ أَخفتم الفاقةَ ﴿أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ واختلاف القراء في الهمزتين من (أَأَشْفَقْتُمْ) كاختلافهم فيهما من {ءَأَنتَ
﴿فَإِذْ لَمْ﴾ أي: فإن لم ﴿تَفْعَلُوا﴾ ما أُمرتم به.
﴿وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ تجاوز عنكم، ولم يعاقبكم بترك الصدقة، وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنبٌ تجاوزَ الله عنه.
﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ الواجبةَ.
﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ المفروضةَ، ولا تفرطوا فيهما ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في جميع الحالات، فهو كفارة ذلك ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ظاهرًا وباطنًا.
...
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤)﴾.
[١٤] ونزل في قوم من المنافقين تولَّوا قومًا من اليهود، وهم المغضوب عليهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ﴾ (١) أي: المنافقون ﴿مِنْكُمْ﴾ أيها المسلمون.
﴿وَلَا مِنْهُمْ﴾ من اليهود، كما قال تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النساء: ١٤٣].
﴿وَيَحْلِفُونَ﴾ أي: المنافقون ﴿عَلَى الْكَذِبِ﴾ وهو قولهم: والله إنا مسلمون.
...
﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا﴾ نوعًا من العذاب ﴿شَدِيدًا﴾ في غاية الشدة.
﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من المعاصي.
...
﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ الكاذبةَ ﴿جُنَّةً﴾ ترسًا يقيهم السيف ﴿فَصَدُّوا﴾ المسلمين بحلفهم ﴿عَنْ﴾ قتلهم ونهبهم؛ فإنه جهاد في ﴿سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم.
...
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ مقيمون؛ لأن الصحبة تدل على الملازمة.
...
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ العامل فيه (أَصْحَابُ) ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ أي: لله تعالى ثَمَّ إنهم مسلمون.
﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ البالغون الغاية في الكذب؛ حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة، ويحلفون عليه.
...
﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿اسْتَحْوَذَ﴾ غلبَ واستولى ﴿عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ بطاعتهم إياه.
﴿فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ معناه: تملَّكَهم من كل جهة، وغلب على نفوسهم، وهذا الفعل مما استُعمل على الأصل؛ فإن قياس التعليل يقتضي أن يقال: استحاذ، وحكي أن عمر -رضي الله عنه- قرأ: (اسْتَحَاذَ) (٢).
﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ جنودُه.
﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لتفويتهم على نفسهم النعيمَ، وعرضها للعذاب.
(٢) انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان (٨/ ٢٣٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٠٦).
[٢٠] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ معناه: يكونون في حد غير الحد الذي شرع الله ﴿أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ المغلوبين.
...
﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿كَتَبَ اللَّهُ﴾ أي: قضى ﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ بالحجة كُلَّ مَنْ حادَّ الله ورسوله. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن عامر: (وَرُسُلِيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (١).
﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ﴾ على نصر رسله ﴿عَزِيزٌ﴾ غالب في مراده.
...
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ونزل في قتل أبي عبيدة بن الجراح أباه عبدَ الله بنَ الجراح يومَ أحد، وأبي بكر حيث أراد مبارزة ابنه يومَ بدر، ومصعبِ بنِ عمير وقتلِه
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (١) عاداهما وخالفهما. تلخيصه: من صح إيمانه، لم يواد المشركين، بل يقتلهم، ويقصدهم بالسوء ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ كأبي عبيدة بن الجراح ﴿أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ كأبي بكر ﴿أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾ كمصعب بن عمير.
﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ كعمر وعلي وحمزة.
﴿أُولَئِكَ﴾ المذكورون.
﴿كَتَبَ﴾ ثبَّتَ ﴿فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ﴾ قواهم.
﴿بِرُوحٍ﴾ أي: بنصر ﴿مِنْهُ﴾ هو جبريل عليه السلام.
﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ بطاعتهم.
﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ بقضائه.
﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ أنصارُ دينه، والحزب: الفريق الذي يجمعهم مذهب واحد.
﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون ببغيتهم، والله أعلم.
...
تَأليف
الإِمَامِ القَاضِي مُجِير الدِّينِ بْنِ مُحمَّد العُليِميِّ المَقدِسِيِّ الحَنبليِّ
المولود سنة (٨٦٠ هـ) - والمتوفى سنة (٩٢٧ هـ) رَحِمَهُ الله تعَالى
المُجَلَّد السابع
اعتَنَى بِهِ
تَحقِيقًا وضَبْطًا وتَخْريجًا
نُوْرُ الدِّيْن طَالب
إصدَارات
وزَارة الأوقاف والشُؤُوْن الإِسلامِيّة
إدَارَةُ الشُؤُوْنِ الإِسلاَمِيّةِ
دولة قطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
إدارة الشؤون الإسلامية
دولة قطر
الطَبعَة الأولى، ١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
قامت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج والطباعة
دارُ النَّوادر لصاحبها ومديرها العام نور الدين طالب
سوريا - دمَشق - ص. ب: ٣٤٣٠٦
لبنان - بَيروت - ص. ب: ٥١٨/ ١٤
هَاتف: ٠٠٩٦٣١١٢٢٢٧٠٠١ - فاكس: ٠٠٩٦٣١١٢٢٢٧٠١١
www.daralnawader.com
مدنية باتفاق أهل العلم، وآيها: أربع وعشرون آية، وحروفها: ألف وتسع مئة وثلاثة عشر حرفًا، وكلمها: أربع مئة وخمس وأربعون كلمة، وهي سورة بني النضير، [وذلك أن رسول الله - ﷺ - كان عاهد بني النضير] (١) على سِلْم ألَّا يقاتلوه، ولا يقاتلوا معه، وهم يرون أنه لا ترد له راية، فلما جرت هزيمة أحد، ارتابوا ودخلوا قريشًا وغدروا، فلما رجع النبي - ﷺ - من أحد، تبين له معتقد بني النضير وغدرهم بعهده، وموالاتهم للكفار، فخرج إليهم بالكتائب على حمار مخطوم بليف، وقال: "اخرجوا من المدينة"، فقالوا: الموتُ أقرب إلينا من ذلك، فدسَّ إليهم عبد الله بن أبي وأصحابُه ألا تخرجوا من حصنكم، وإن قتلتم فنحن معكم ننصركم، وإن خرجتم خرجنا معكم، فدربوا الأزقة، وحصنوها، فحاصرهم - ﷺ - إحدى وعشرين ليلة، فرعبت قلوبهم، وطلبوا الصلح، فأبى عليهم - ﷺ - إلا الجلاء، ويحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم، ولنبي الله - ﷺ - ما بقي، فجلوا عن المدينة إلى أريحاء وأذرعات من أرض الشام، إلا أهل بيتين من