تفسير سورة سورة النور من كتاب روائع البيان في تفسير آيات الأحكام
المعروف بـتفسير آيات الأحكام
.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
ﰡ
التحليل اللفظي
﴿ سُورَةٌ ﴾ : السورة في اللغة معناها المنزلة السامية والمكانة الرفيعة، قال النابغة :
« ألم تر أن الله أعطاك سورةً... تَرى كلَّ مَلْك دونها يتذبذب »
وهي في الاصطلاح : مجموعة من الآيات الكريمة لها بدء ونهاية كسورة الكوثر. وسميت ( سورة ) لشرفها وارتفاعها، كما يسمّي السور للمرتفع من الجدار.
﴿ أنزلناها ﴾ : المراد : أوحينا بها إليك يا محمد، ولعل السر في التعبير بالإنزال الذي يشعر بالنزول مع العلو هو الإشارة إلى أن هذا القرآن هو من عند الله تعالى لا من تأليف محمد كما زعم المشركون.
﴿ وفرضناها ﴾ : أي أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً. وأصلُ الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه والمراد به هنا الإيجاب على أتم وجه، وفي ذكر ذلك براعة استهلال على ما قيل، وقرئ بالتشديد ﴿ فرضناها ﴾ للمبالغة، ولتأكيد الإيجاب، ولتعدد الفرائض وكثرتها.
﴿ آيات بينات ﴾ : الآيات جمع ( آية ) وهي قد ترد بمعنى الآية القرآنية، وقد ترد بمعنى العلامة، أو الشاهد على القدرة الإلهية، مثل قوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار ﴾ [ يس : ٣٧ ] وقوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام ﴾ [ الشورى : ٣٢ ] وقول الشاعر :
وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ... تدل على أنه واحد
ومعنى ( بينات ) أي واضحات، فإن أريد بالآيات ( الآيات القرآنية ) كان المعنى أنها واضحات الدلالة على أحكامها، مثل الآيات التي فيها أحكام الزنى، والقذف، واللعان وغيرها، وإن أريد بالآيات ( الآيات الكونيّة ) كان المعنى أنها واضحات الدلالة على وحدانية الله، وكمال قدرته مثل التأليف بين السحاب، ووميض البرق ولمعانه، وتقليب الليل والنهار، واختلاف المخلوقات في أشكالها، وهيئاتها، وطبائعها، مع اتحاد المادة التي خلقت منها. إلى غير ما هنالك من أدلة التوحيد، وشواهد القدرة.
﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ : مضارع حذف منه إحدى التائين وأصلها تتذكرون. ومعنى التذكر أن يعاد إلى الذاكرة الشيء الذي غاب عنها، والمراد به هنا الاتعاظ والاعتبار أي ( لعلكم تعتبرون وتتعظون ).
﴿ الزانية والزاني ﴾ : الزنى في اللغة : الوطء المحرّم، وفي الشرع :( وطءَ الرجل المرأةَ في الفرج من غير نكاحٍ ولا شبهة نكاح ) ويسمى الفاحشة قال تعالى :﴿ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ... ﴾ [ النساء : ١٥ ] الآية وقال تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ].
وهو في اللغة الفصحى - لغة أهل الحجاز - مقصورٌ، وقد يمد في لغة - أهل نجد -٠ فيقال الزناء وعليه قول الفرزدق :
أبا طاهرٍ من يزنِ يعرف زناؤه... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكراً
قال القرطبي : كان الزنى في اللغة معروفاً قبل الشرع مثل اسم ( السرقة ) و ( القتل ) وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح، وإن شئت قلت : هو إدخال فرجٍ في فرجٍ مشتهى طبعاً محرّمٍ شرعاً.
﴿ فاجلدوا ﴾ : الجَلد بفتح الجيم ضرب الجِلد بكسرها، قال الألوسي : وقد اطرد صوغ ( فَعَل ) الثلاثي المفتوح العين من أسماء الأعيان فيقال : رأسَه، وظَهرَه، وبَطنَه، إذا ضرب رأسه وظهره وبطنه.
﴿ سُورَةٌ ﴾ : السورة في اللغة معناها المنزلة السامية والمكانة الرفيعة، قال النابغة :
« ألم تر أن الله أعطاك سورةً... تَرى كلَّ مَلْك دونها يتذبذب »
وهي في الاصطلاح : مجموعة من الآيات الكريمة لها بدء ونهاية كسورة الكوثر. وسميت ( سورة ) لشرفها وارتفاعها، كما يسمّي السور للمرتفع من الجدار.
﴿ أنزلناها ﴾ : المراد : أوحينا بها إليك يا محمد، ولعل السر في التعبير بالإنزال الذي يشعر بالنزول مع العلو هو الإشارة إلى أن هذا القرآن هو من عند الله تعالى لا من تأليف محمد كما زعم المشركون.
﴿ وفرضناها ﴾ : أي أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً. وأصلُ الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه والمراد به هنا الإيجاب على أتم وجه، وفي ذكر ذلك براعة استهلال على ما قيل، وقرئ بالتشديد ﴿ فرضناها ﴾ للمبالغة، ولتأكيد الإيجاب، ولتعدد الفرائض وكثرتها.
﴿ آيات بينات ﴾ : الآيات جمع ( آية ) وهي قد ترد بمعنى الآية القرآنية، وقد ترد بمعنى العلامة، أو الشاهد على القدرة الإلهية، مثل قوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار ﴾ [ يس : ٣٧ ] وقوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام ﴾ [ الشورى : ٣٢ ] وقول الشاعر :
وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ... تدل على أنه واحد
ومعنى ( بينات ) أي واضحات، فإن أريد بالآيات ( الآيات القرآنية ) كان المعنى أنها واضحات الدلالة على أحكامها، مثل الآيات التي فيها أحكام الزنى، والقذف، واللعان وغيرها، وإن أريد بالآيات ( الآيات الكونيّة ) كان المعنى أنها واضحات الدلالة على وحدانية الله، وكمال قدرته مثل التأليف بين السحاب، ووميض البرق ولمعانه، وتقليب الليل والنهار، واختلاف المخلوقات في أشكالها، وهيئاتها، وطبائعها، مع اتحاد المادة التي خلقت منها. إلى غير ما هنالك من أدلة التوحيد، وشواهد القدرة.
﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ : مضارع حذف منه إحدى التائين وأصلها تتذكرون. ومعنى التذكر أن يعاد إلى الذاكرة الشيء الذي غاب عنها، والمراد به هنا الاتعاظ والاعتبار أي ( لعلكم تعتبرون وتتعظون ).
﴿ الزانية والزاني ﴾ : الزنى في اللغة : الوطء المحرّم، وفي الشرع :( وطءَ الرجل المرأةَ في الفرج من غير نكاحٍ ولا شبهة نكاح ) ويسمى الفاحشة قال تعالى :﴿ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ... ﴾ [ النساء : ١٥ ] الآية وقال تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ].
وهو في اللغة الفصحى - لغة أهل الحجاز - مقصورٌ، وقد يمد في لغة - أهل نجد -٠ فيقال الزناء وعليه قول الفرزدق :
أبا طاهرٍ من يزنِ يعرف زناؤه... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكراً
قال القرطبي : كان الزنى في اللغة معروفاً قبل الشرع مثل اسم ( السرقة ) و ( القتل ) وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح، وإن شئت قلت : هو إدخال فرجٍ في فرجٍ مشتهى طبعاً محرّمٍ شرعاً.
﴿ فاجلدوا ﴾ : الجَلد بفتح الجيم ضرب الجِلد بكسرها، قال الألوسي : وقد اطرد صوغ ( فَعَل ) الثلاثي المفتوح العين من أسماء الأعيان فيقال : رأسَه، وظَهرَه، وبَطنَه، إذا ضرب رأسه وظهره وبطنه.
290
وجوّز ( الراغب ) أن يكون معنى جَلَده : أي ضربه بالجِلّد، نحو عَصَاه ضربه بالعصا، ورَمَحه طعنه بالرمح.
والمراد هنا المعنى الأول : فإنّ الأخبار قد دلت على أنّ الزانية والزاني يضربان بسوط ( عصا ) لا عقدة عليه ولا فرع له. ويرى بعضهم : أن الجَلد في العرف الضربُ مطلقاً، وليس خاصاً بضرب الجِلد بلا واسطة.
﴿ رَأْفَةٌ ﴾ : شفقة وعطف، مأخوذ من رؤف إذا رق ورحم، والرؤوف من أسماء الله تعالى : العطوفُ الرحيم، وقيل الرأفة تكون في دفع المكروه، والرحمة أعم، والمراد : النهي عن التخفيف في الجلد، أو إسقاط الحد بالكلية كما نبذه عليه الألوسي.
﴿ دِينِ الله ﴾ : أي في شرع الله وحكمه، أو في طاعته وإقامة حده، وروى عن عطاء أنّ المراد النهي عن إسقاط الحد بشفاعة ونحوها.
﴿ طَآئِفَةٌ ﴾ : الطائفة في الأصل اسم فاعل مؤنث من الطواف، وهو الدَّوران والإحاطة وقد تطلق في اللغة ويراد بها الواحد، أو الجماعة، قال الألوسي : والمراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الماكن والأشخاص.
﴿ لاَ يَنكِحُ ﴾ : المراد بالنكاح هنا ( العقد ) بمعنى لا يتزوج الزاني إلا زانية مثله، ويوافقه سبب النزول كما سيأتي والنفي في الآية بمعنى النهي للمبالغة ويؤيده قراءة ﴿ لا يَنْكِحْ ﴾ بالجزم، ويشبه هذا قوله ﷺ :« لا تُنْكِحُ البِكرُ حتى تُستَأذن » فهو خبر بمعنى النهي أي لا تزوِّجوا البكر حتى تستأذنوها. وقيل المراد بالنكاح في الآية : الوطء وأنكر ذلك الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزوج.
﴿ مُشْرِكَةً ﴾ : هي التي ليس لها دين سماوي والتي لا تؤمن بالله كالمجوسية، والوثنية، وهي تختلف عن الكتابية في الحكم، فالكتابية يجوز الزواج بها، والمشركةُ لا يجوز قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ... ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] الآية.
﴿ وَحُرِّمَ ذلك ﴾ : أي حرَّم الله تعالى الزنى على المؤمنين لما فيه من أضرار جسيمة، ومفاسد عظيمة، أو المراد حرم الله نكاح الزانيات والمشركات.
المعنى الإجمالي
يخبر الله جل وعلا بما أنزل على عباده المؤمنين في هذه السورة الكريمة، من تشريع وأحكام ومواعظ وآداب وإرشادات حكيمة، وأخلاق كريمة، ونُظم وتشريعات، بها صلاح دينهم ودنياهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة فيقول سبحانه ما معناه : هذه سورة من جوامع سور القرآن أنزلتها عليكم أيها المؤمنون لتطبقوا أحكامها وتتأدبوا بما فيها من آداب. ولم أنزلها عليكم لمجرد التلاوة وإنما فرضتها عليكم وألزمتكم أن تعملوا بما فيها لتكون لكم قبساً ونبراساً، ولتعتبروا بما فيها من الآيات البيذنات، والدلائل المحكمات والشواهد الكثيرة على رحمة الله تعالى العادلة في تشريع هذه الأحكام التي بها سعادة المجتمع، وحياة الإنسانية
والمراد هنا المعنى الأول : فإنّ الأخبار قد دلت على أنّ الزانية والزاني يضربان بسوط ( عصا ) لا عقدة عليه ولا فرع له. ويرى بعضهم : أن الجَلد في العرف الضربُ مطلقاً، وليس خاصاً بضرب الجِلد بلا واسطة.
﴿ رَأْفَةٌ ﴾ : شفقة وعطف، مأخوذ من رؤف إذا رق ورحم، والرؤوف من أسماء الله تعالى : العطوفُ الرحيم، وقيل الرأفة تكون في دفع المكروه، والرحمة أعم، والمراد : النهي عن التخفيف في الجلد، أو إسقاط الحد بالكلية كما نبذه عليه الألوسي.
﴿ دِينِ الله ﴾ : أي في شرع الله وحكمه، أو في طاعته وإقامة حده، وروى عن عطاء أنّ المراد النهي عن إسقاط الحد بشفاعة ونحوها.
﴿ طَآئِفَةٌ ﴾ : الطائفة في الأصل اسم فاعل مؤنث من الطواف، وهو الدَّوران والإحاطة وقد تطلق في اللغة ويراد بها الواحد، أو الجماعة، قال الألوسي : والمراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الماكن والأشخاص.
﴿ لاَ يَنكِحُ ﴾ : المراد بالنكاح هنا ( العقد ) بمعنى لا يتزوج الزاني إلا زانية مثله، ويوافقه سبب النزول كما سيأتي والنفي في الآية بمعنى النهي للمبالغة ويؤيده قراءة ﴿ لا يَنْكِحْ ﴾ بالجزم، ويشبه هذا قوله ﷺ :« لا تُنْكِحُ البِكرُ حتى تُستَأذن » فهو خبر بمعنى النهي أي لا تزوِّجوا البكر حتى تستأذنوها. وقيل المراد بالنكاح في الآية : الوطء وأنكر ذلك الزجاج وقال : لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزوج.
﴿ مُشْرِكَةً ﴾ : هي التي ليس لها دين سماوي والتي لا تؤمن بالله كالمجوسية، والوثنية، وهي تختلف عن الكتابية في الحكم، فالكتابية يجوز الزواج بها، والمشركةُ لا يجوز قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ... ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] الآية.
﴿ وَحُرِّمَ ذلك ﴾ : أي حرَّم الله تعالى الزنى على المؤمنين لما فيه من أضرار جسيمة، ومفاسد عظيمة، أو المراد حرم الله نكاح الزانيات والمشركات.
المعنى الإجمالي
يخبر الله جل وعلا بما أنزل على عباده المؤمنين في هذه السورة الكريمة، من تشريع وأحكام ومواعظ وآداب وإرشادات حكيمة، وأخلاق كريمة، ونُظم وتشريعات، بها صلاح دينهم ودنياهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة فيقول سبحانه ما معناه : هذه سورة من جوامع سور القرآن أنزلتها عليكم أيها المؤمنون لتطبقوا أحكامها وتتأدبوا بما فيها من آداب. ولم أنزلها عليكم لمجرد التلاوة وإنما فرضتها عليكم وألزمتكم أن تعملوا بما فيها لتكون لكم قبساً ونبراساً، ولتعتبروا بما فيها من الآيات البيذنات، والدلائل المحكمات والشواهد الكثيرة على رحمة الله تعالى العادلة في تشريع هذه الأحكام التي بها سعادة المجتمع، وحياة الإنسانية
291
﴿ وَلَكُمْ فِي القصاص حياوة ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : ١٧٩ ].
ومن هذه الأحكام والحدود التي شرعتها لكم، أن تجلدوا كلاً من الزانيين مائة جلدة، تستوفونها منهما كاملة دون رحمة أو شفقة، ودون تخفيف من العقاب، أو إنقاصٍ من الحد، فإن ( جريمة الزنى ) أخطر وأعظم من أن تستدر العطف أو تدفع إلى العفو عن مرتكب هذه الجريمة النكراء، فإن من عرف آثارها وأضرارها من تدنيسٍ للعرض والشرف، وضياع للأنساب، واعتداء على كرامة الناس، وتلطيخ لهم بالعار والشنار وتعريض للأولاد للتشرد والضياع، حيث يولد ( اللقيط ) وهو لا يدري أباه، ولا يعرف حسبه ونسبه - إلى غير ما هنالك من أضرار - من عرف ذلك أدرك حكة الله تعالى في تشريع هذا العقاب الزاجر الصارم. وليس هذا فحسب بل لا بد أن تشهدوا على هذه العقوبة لتكون زجراً له ولأفراد المجتمع من اقتراف مثل هذا المنكر الشنيع، فتحصل العظة والعبرة... ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾.
ثم بين تعالى أن الزاني لا يليق به أن ينكح المؤمنة العفيفة الشريفة إنما ينكح مثله أو أخسّ منه، ينكح الزانية الفاجرة أو المشركة الوثنية، ولا عجب فإن الفاسق الخبيث لا يرغب غالباً إلا في فاسقة من شكله أو مشركة، والزانيةُ الخبيثة كذلك لا يرغب فيها إلا خبيث مثلها أو مشرك. فالنفوس الطاهرة تأبى مثل هذا الزواج بالفواجر الفاسقات وصدق الله :﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون لِلْخَبِيثَاتِ والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ ﴾ [ النور : ٢٦ ].
وقد حرم الله الزنى لما فيه من أضرار عظيمة، ومخاطر جسيمة تودي بحياة الأفراد والجماعات، وتقوّض بنيان المجتمعات، وتعرِّض الأولاد للتشرد والضياع.
سبب النزول
رُويَ في سبب نزول الآية الكريمة ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ عدة أسباب ذكرها المفسرون ونحن ننقل أجمعها وأصحها وهي كالآتي :
أولاً - روى أن رجلاً يقال له ( مرثد الغنوي ) كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغّي بمكة يقال لها ( عَنَاق ) وكانت صديقة له، وأنه وعد رجلاً من أسارى مكة أن يحمله، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت ( عَنَاق ) فأبصرتْ سوادَ ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إليّ عرفتني فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد، فقالت : مرحباً وأهلاً هلمّ فبت عندنا الليلة، فقلتُ يا عناق : قد حرَّم الله تعالى الزنى، فنادت يا أهل الخيام : هذا الرجل يحمل أسراكم، قال : فتبعني منهم ثمانية، فانتهيت إلى غار فجاءوا حتى قاموا على رأسي وبالوا، حتى ظلّ بولهم على رأسي، وأعماهم الله تعالى عني، ثم رجعوا ورجعتُ إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله ﷺ فقلت يا رسول الله : أأنكح عناقاً؟ فأمسك فلم يردّ عليَّ شيئاً فأنزل الله ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾ الآية فقرأها عليَّ الرسول، ثم قال يا مرثد : لا تَنكحها.
ومن هذه الأحكام والحدود التي شرعتها لكم، أن تجلدوا كلاً من الزانيين مائة جلدة، تستوفونها منهما كاملة دون رحمة أو شفقة، ودون تخفيف من العقاب، أو إنقاصٍ من الحد، فإن ( جريمة الزنى ) أخطر وأعظم من أن تستدر العطف أو تدفع إلى العفو عن مرتكب هذه الجريمة النكراء، فإن من عرف آثارها وأضرارها من تدنيسٍ للعرض والشرف، وضياع للأنساب، واعتداء على كرامة الناس، وتلطيخ لهم بالعار والشنار وتعريض للأولاد للتشرد والضياع، حيث يولد ( اللقيط ) وهو لا يدري أباه، ولا يعرف حسبه ونسبه - إلى غير ما هنالك من أضرار - من عرف ذلك أدرك حكة الله تعالى في تشريع هذا العقاب الزاجر الصارم. وليس هذا فحسب بل لا بد أن تشهدوا على هذه العقوبة لتكون زجراً له ولأفراد المجتمع من اقتراف مثل هذا المنكر الشنيع، فتحصل العظة والعبرة... ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾.
ثم بين تعالى أن الزاني لا يليق به أن ينكح المؤمنة العفيفة الشريفة إنما ينكح مثله أو أخسّ منه، ينكح الزانية الفاجرة أو المشركة الوثنية، ولا عجب فإن الفاسق الخبيث لا يرغب غالباً إلا في فاسقة من شكله أو مشركة، والزانيةُ الخبيثة كذلك لا يرغب فيها إلا خبيث مثلها أو مشرك. فالنفوس الطاهرة تأبى مثل هذا الزواج بالفواجر الفاسقات وصدق الله :﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون لِلْخَبِيثَاتِ والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ ﴾ [ النور : ٢٦ ].
وقد حرم الله الزنى لما فيه من أضرار عظيمة، ومخاطر جسيمة تودي بحياة الأفراد والجماعات، وتقوّض بنيان المجتمعات، وتعرِّض الأولاد للتشرد والضياع.
سبب النزول
رُويَ في سبب نزول الآية الكريمة ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ عدة أسباب ذكرها المفسرون ونحن ننقل أجمعها وأصحها وهي كالآتي :
أولاً - روى أن رجلاً يقال له ( مرثد الغنوي ) كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغّي بمكة يقال لها ( عَنَاق ) وكانت صديقة له، وأنه وعد رجلاً من أسارى مكة أن يحمله، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت ( عَنَاق ) فأبصرتْ سوادَ ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إليّ عرفتني فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد، فقالت : مرحباً وأهلاً هلمّ فبت عندنا الليلة، فقلتُ يا عناق : قد حرَّم الله تعالى الزنى، فنادت يا أهل الخيام : هذا الرجل يحمل أسراكم، قال : فتبعني منهم ثمانية، فانتهيت إلى غار فجاءوا حتى قاموا على رأسي وبالوا، حتى ظلّ بولهم على رأسي، وأعماهم الله تعالى عني، ثم رجعوا ورجعتُ إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله ﷺ فقلت يا رسول الله : أأنكح عناقاً؟ فأمسك فلم يردّ عليَّ شيئاً فأنزل الله ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾ الآية فقرأها عليَّ الرسول، ثم قال يا مرثد : لا تَنكحها.
292
ثانياًً - وروي أن امرأة تُدعى ( أم مهزول ) كانت من البغايا، فكانت تسافح الرجل وتشرط أن تنفق عليه، فأراد رجل من أصحاب النبي ﷺ أن يتزوجها فأنزل الله تعالى :﴿ الزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾.
ثالثاً - وروي أنها نزلت في أهل الصفّة وكانوا قوماً من المهاجرين، ولم يكن لهم مساكن ولا عشائر، فنزلوا صفة المسجد وكانوا أربعمأة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة بالليل وكان بالمدينة ( بغايا ) متعالنات بالفجور مخاصيب بالكسوة والطعام، فهمّ بعضهم أن يتزوجوا بهنّ. ليأووا إلى مساكنهنّ، ويأكلوا من طعامهن فنزلت هذه الآية.
لطائف التفسير
١- اللطيفة الأولى : التنكير في قوله ( سورة ) للتفخيم فكأن الله تعالى يقول : هذه سورة عظيمة الشأن جليلة القدر، لما فيها من الآداب السامية والأحكام الجليلة، قال الألوسي : وهي ( خبر ) لمبتدأ محذوف أي هذه سورة، وأشير إليها بهذه تنزيلاً لها منزلة ( الحاضر ) المشاهد وقوله تعالى :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ وما بعده صفات لها مؤكدة، لما أفاد التنكير من ( الفخامة ) من حيث الذات، بالفخامة من حيث الصفات.
٢- اللطيفة الثانية : تكرير لفظ ﴿ أَنزَلْنَا ﴾ في قوله :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ و ﴿ أَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ ﴾ لإبراز كمال العناية بشأنها، وهو يشبه ذكر الخاص بعد العام للعناية والاهتمام.
٣- اللطيفة الثالثة : قال الفخر الرازي : أنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود وذكر في آخرها دلائل التوحيد فقوله تعالى :﴿ فَرَضْنَاهَا ﴾ إشارة إلى الأحكام، وقوله :﴿ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ إشارة إلى دلائل التوحيد ويؤيده قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكروا بها. قال الألوسي : وهذا الوجه عندي حسن.
٤- اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أصل ( لعل ) للترجي والترجي لا يليق من الله تعالى ولذلك تكون لعل هنا بمعنى ( لام التعليل ) أي لتتذكروا وتتدبروا بما فيها واستشهدوا بقول الشاعر :
أي كفوا الحروب لنكف، وذكر القرطبي وجهاً آخر وهو أن تبقى ( لعل ) للترجي ولكن يكون الترجي من المخلوق لا من الخالق أي رجاء منكم أن تتذكروا.
٥- اللطيفة الخامسة : فإن قيل : ما الحكمة في أن يبدأ الله في الزنى بالمأة وفي السرقة بالرجل؟ فالجواب أنَّ الزنى من المرأة أقبح، وجرمه أشنع، لما يترتب عليه من تلطيخ فراش الرجل وفساد الأنساب وإلحاق العار بالعشيرة ثم الفضيحة بالنسبة للمرأة ( بالحمل ) تكون أظهر وأدوم فلهذا كان تقديمها على الرجل.
وأما السرقة فالغالب وقوعها من الرجل لأنه أجرأ عليها وأجلد وأخطر فقدم عليها لذلك. قال القرطبي : قدمت ﴿ الزانية ﴾ في هذه الآية، من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات وكن مجاهرات بذلك، وذرك وجوهاً أخرى تؤيد ما سبق.
ثالثاً - وروي أنها نزلت في أهل الصفّة وكانوا قوماً من المهاجرين، ولم يكن لهم مساكن ولا عشائر، فنزلوا صفة المسجد وكانوا أربعمأة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة بالليل وكان بالمدينة ( بغايا ) متعالنات بالفجور مخاصيب بالكسوة والطعام، فهمّ بعضهم أن يتزوجوا بهنّ. ليأووا إلى مساكنهنّ، ويأكلوا من طعامهن فنزلت هذه الآية.
لطائف التفسير
١- اللطيفة الأولى : التنكير في قوله ( سورة ) للتفخيم فكأن الله تعالى يقول : هذه سورة عظيمة الشأن جليلة القدر، لما فيها من الآداب السامية والأحكام الجليلة، قال الألوسي : وهي ( خبر ) لمبتدأ محذوف أي هذه سورة، وأشير إليها بهذه تنزيلاً لها منزلة ( الحاضر ) المشاهد وقوله تعالى :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ وما بعده صفات لها مؤكدة، لما أفاد التنكير من ( الفخامة ) من حيث الذات، بالفخامة من حيث الصفات.
٢- اللطيفة الثانية : تكرير لفظ ﴿ أَنزَلْنَا ﴾ في قوله :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ و ﴿ أَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ ﴾ لإبراز كمال العناية بشأنها، وهو يشبه ذكر الخاص بعد العام للعناية والاهتمام.
٣- اللطيفة الثالثة : قال الفخر الرازي : أنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود وذكر في آخرها دلائل التوحيد فقوله تعالى :﴿ فَرَضْنَاهَا ﴾ إشارة إلى الأحكام، وقوله :﴿ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ إشارة إلى دلائل التوحيد ويؤيده قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكروا بها. قال الألوسي : وهذا الوجه عندي حسن.
٤- اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أصل ( لعل ) للترجي والترجي لا يليق من الله تعالى ولذلك تكون لعل هنا بمعنى ( لام التعليل ) أي لتتذكروا وتتدبروا بما فيها واستشهدوا بقول الشاعر :
فقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا | نكفّ ووثّقثتم لنا كل مَوثِقِ |
٥- اللطيفة الخامسة : فإن قيل : ما الحكمة في أن يبدأ الله في الزنى بالمأة وفي السرقة بالرجل؟ فالجواب أنَّ الزنى من المرأة أقبح، وجرمه أشنع، لما يترتب عليه من تلطيخ فراش الرجل وفساد الأنساب وإلحاق العار بالعشيرة ثم الفضيحة بالنسبة للمرأة ( بالحمل ) تكون أظهر وأدوم فلهذا كان تقديمها على الرجل.
وأما السرقة فالغالب وقوعها من الرجل لأنه أجرأ عليها وأجلد وأخطر فقدم عليها لذلك. قال القرطبي : قدمت ﴿ الزانية ﴾ في هذه الآية، من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات وكن مجاهرات بذلك، وذرك وجوهاً أخرى تؤيد ما سبق.
293
٦- اللطيفة السادسة : عبّر بقوله :( فاجلدوا ) ولم يقل ( فاضربوا ) للإشارة إلى أن الغرض من الحد الإيلام بحيث يصل ألمه إلى الجِلد، لعظم الجُرم ردعاً له وزجراً.
قال العلماء : ينزع عن الزاني عند الجلد ثيابه إلا الإزار فإنه لا ينزع لستر عورته به، وأما بقية الحدود فالأمر فيها أخف.
٧- اللطيفة السابعة : قال القرطبي : ذكر الله سبحانه وتعالى :( الذكر والأنثى ) وكان يكفي منهما لفظ ( الزاني ) فقيل : ذكرهما للتأكيد، ويحتمل أن يكون ذكرهما لئلا يظن ظانّ أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها حد فذكرها رفعاً لهذا الإشكال الذي أوقع جماعة من العلماء منهم الشافعي - رحمه الله - فقالوا : لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان.
٨- اللطيفة الثامنة : قوله تعالى :﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله ﴾ هذا من باب التهييج والإلهاب كما يقال إن كنت رجلاً فافعل كذا، ولاشك في رجوليته وكذا المخاطبون هنا مقطوع بإيمانهم، ولكن قصد تهييج وتحريك حميتهم ليجتهدوا في نتفيذ الأحكام على الوجه الأكمل.
٩- اللطيفة التاسعة : قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ الآية قال الألوسي : فيه تقبيح لأمر الزاني أشد تقبيح ببيان أنه بعد أن رضي بالزنى لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة، والزانية بعتد أن رضيت بالزنى لا يليق أن ينكحها إلاّ مَنْ هو مثلها وهو الزاني، أو هو أشد حالاً منها وهو المشرك وأما المسلم العفيف فأسَدُ غيرته يأبى ورود جَفْرتها :
والسر في تقديم ( الزانية ) في الآية الأولى، ( والزاني ) في الآية الثانية، أو الأولى في بيان عقوبة الزنى والأصل فيه المرأة لموافقتها ورضاها، وأما الثانية فهي في حكم نكاح الزناة، والأصلُ في النكاح الذكور. قال في « التفسير الواضح » : إن الزنى ينشأ غالباً وللمرأة فيه الضلع الأكبر، فخروجها سافرة متبرجة متزينة داعية لنفسها بشتى الوسائل المغرية من أصباغ وعطور وملابس ضيقة، ونظرات كلها إغراء للشباب وفتنة فهذه كلها حبائل الشيطان.
وليس معنى هذا أن الرجال بريئون بل عليهم قسط كبير في الجرم وقسطُ المرأة أكبر، ولهذا قدمها على الزاني وفي الآية الثانية يعالج النكاح بمعنى ( العقد ) وللمرأة فيه الخطوة الثانية، أما الرجل فله الخطوة الأولى ولهذا قدمه على المرأة والله أعلم بأسرار كتابه.
١٠ اللطيفة العاشرة : قرن الله تعالى الزاني بالمشرك وذلك ليشير إلى عظيم خطر الزنى وكبير ضرره وذلك جرم من أعظم الجرائم الاجتماعية يهدم بنيان الأسرة ويحطم كيان المجتمع ولهذا قرنه الله تعالى :﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ... ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] الآية.
قال العلماء : ينزع عن الزاني عند الجلد ثيابه إلا الإزار فإنه لا ينزع لستر عورته به، وأما بقية الحدود فالأمر فيها أخف.
٧- اللطيفة السابعة : قال القرطبي : ذكر الله سبحانه وتعالى :( الذكر والأنثى ) وكان يكفي منهما لفظ ( الزاني ) فقيل : ذكرهما للتأكيد، ويحتمل أن يكون ذكرهما لئلا يظن ظانّ أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها حد فذكرها رفعاً لهذا الإشكال الذي أوقع جماعة من العلماء منهم الشافعي - رحمه الله - فقالوا : لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان.
٨- اللطيفة الثامنة : قوله تعالى :﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله ﴾ هذا من باب التهييج والإلهاب كما يقال إن كنت رجلاً فافعل كذا، ولاشك في رجوليته وكذا المخاطبون هنا مقطوع بإيمانهم، ولكن قصد تهييج وتحريك حميتهم ليجتهدوا في نتفيذ الأحكام على الوجه الأكمل.
٩- اللطيفة التاسعة : قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ الآية قال الألوسي : فيه تقبيح لأمر الزاني أشد تقبيح ببيان أنه بعد أن رضي بالزنى لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة، والزانية بعتد أن رضيت بالزنى لا يليق أن ينكحها إلاّ مَنْ هو مثلها وهو الزاني، أو هو أشد حالاً منها وهو المشرك وأما المسلم العفيف فأسَدُ غيرته يأبى ورود جَفْرتها :
وتجتنبُ الأسودُ ورودَ ماء | إذا كان الكلاب ولَغْن فيه |
وليس معنى هذا أن الرجال بريئون بل عليهم قسط كبير في الجرم وقسطُ المرأة أكبر، ولهذا قدمها على الزاني وفي الآية الثانية يعالج النكاح بمعنى ( العقد ) وللمرأة فيه الخطوة الثانية، أما الرجل فله الخطوة الأولى ولهذا قدمه على المرأة والله أعلم بأسرار كتابه.
١٠ اللطيفة العاشرة : قرن الله تعالى الزاني بالمشرك وذلك ليشير إلى عظيم خطر الزنى وكبير ضرره وذلك جرم من أعظم الجرائم الاجتماعية يهدم بنيان الأسرة ويحطم كيان المجتمع ولهذا قرنه الله تعالى :﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ... ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] الآية.
294
جنبنا الله السوء والفاحشة. بمنّه وكرمه آمين.
وجوه القراءات
١- قوله تعالى :﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ قرئ بالتخفيف والتشديد، فقراء التخفيف ﴿ فَرَضْناها ﴾ بمعنى أوجبنا وألزمنا العمل بما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً وقراءة التشديد ﴿ فرّضْناها ﴾ لتأكيد الايجاب أو المبالغة في لزومه وقيل : هو على التكثير، أي لكثرة ما فيها من الفرائض كأحكام الزنى، والقذف، واللعان، والأمر بالحجاب، والاستئذان وغضّ البصر، وغير ذلك.
٢- قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني ﴾ قرأ الجمهور بالرفع وقرئ بالنصب ( الزانية ) واختار الخليل وسيبوية الرفع اختيار الأكثرين. قال الزجاج : والرفع أقوى في العربية لأن معناه : من زنى فاجلدوه فتأويله الابتداء ويجوز النصب على معنى : اجلدوا الزانية.
٣- قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ ﴾ قرأ الضحاك والأعمش ﴿ ولا يأخذكم ﴾ بالياء بدل التاء وقوله تعالى :﴿ رَأْفَةٌ ﴾ بإسكان الهمزة هي القراءة المشهور وقرئ ﴿ رَأَفة ﴾ بفتح الهمزة قال القرطبي : وفيه ثلاث لغات :( رَأَفة، ورأْفة، ورآفة ) بالمد وهي كلها مصادر أشهرها الأولى.
٤- قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ ﴾ بضم الحاء وقرئ بإسكانها ﴿ لا ينكحْ ﴾ فالأولى ( نفيٌ )، والثانية ( نهيٌ )، وقوله تعالى :﴿ وَحُرِّمَ ذلك ﴾ قرئ بالتشديد أي بضم الحاء وتشديد الراء، وقرئ بالتخفيف ﴿ وحَرُم ﴾ بفتح الحاء وضم الراء - قال ابن الجوزي : وقرأ أُبيَّ بن كعب ﴿ وحَرَم اللَّهُ ﴾ بزيادة اسم الله تعالى مع فتح حروف ( حَرّم ).
وجوه الإعراب
١- قوله تعالى :﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾ سورة خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذه سورة، وإنما قدرنا ذلك لأنها نكرة، والمشهورُ عند علماء النحو أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة كما قال ابن مالك :
وجوَّز بعضهم أن تكون مبتدأ لأنها موصوفة بجملة ( أنزلناها ) وهو رأي ( الأخفش ) قال القرطبي : ويحتمل أن يكون قوله ( سورة ) ابتداء وما بعدها صفة لها أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن الابتداء لذلك.
ويرى ( الزمخشري ) أنه يجوز أن تكون مبتدأ موصوفاً والخبر محذوف تقديره فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها، وقد رد العلامة ( أبو السعود ) هذا الرأي وقال : وأما كونها متبدأ محذوف الخبر على أن يكون التقدير :( فيما أوحينا إليك سورةٌ أنزلناها ) الخ فيأباه أنّ مقتضى المقام بيان شأن هذه السورة الكريمة لا أن في جملة ما أوحي إلى النبي ﷺ سورة شأنها كذا وكذا. وحملها على السورة الكريمة بمعونة المقام يوهم أن غيرها من السور الكريمة ليست على تلك الصفات.
٢- قوله :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع ( صفة ) لأن الجمل من بعد النكرات صفات. كما يقول علماء النحو.
٣- قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ لعل للترجي وهي من أخوات ( إنَّ ) والكاف في محل نصب اسم لعل، وجملة ( تَذكَّرون ) من الفعل والفاعل في محل رفع خبرها.
٤- قوله :﴿ الزانية والزاني ﴾ الزانية مبتدأ والزاني معطوف عليها والخبر هو جملة ( فاجلدوا ) والتقدير الزانية والزاني مجدلودان في حكم الله أو ينبغي أن يُجْلدا، وإنما دخلت الفاء على الخبر لأن في الجملة معنى الشرط أي من زنى أو من زنت فاجلدوهما مائة جلدة، وأما قراءة النصب ( الزَّانيةَ والزاني ) فهو منصوب بفعل محذوف يفسِّره المذكور أي اجلدوا الزانيةَ واجلدوا الزاني.
وجوه القراءات
١- قوله تعالى :﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ قرئ بالتخفيف والتشديد، فقراء التخفيف ﴿ فَرَضْناها ﴾ بمعنى أوجبنا وألزمنا العمل بما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً وقراءة التشديد ﴿ فرّضْناها ﴾ لتأكيد الايجاب أو المبالغة في لزومه وقيل : هو على التكثير، أي لكثرة ما فيها من الفرائض كأحكام الزنى، والقذف، واللعان، والأمر بالحجاب، والاستئذان وغضّ البصر، وغير ذلك.
٢- قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني ﴾ قرأ الجمهور بالرفع وقرئ بالنصب ( الزانية ) واختار الخليل وسيبوية الرفع اختيار الأكثرين. قال الزجاج : والرفع أقوى في العربية لأن معناه : من زنى فاجلدوه فتأويله الابتداء ويجوز النصب على معنى : اجلدوا الزانية.
٣- قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ ﴾ قرأ الضحاك والأعمش ﴿ ولا يأخذكم ﴾ بالياء بدل التاء وقوله تعالى :﴿ رَأْفَةٌ ﴾ بإسكان الهمزة هي القراءة المشهور وقرئ ﴿ رَأَفة ﴾ بفتح الهمزة قال القرطبي : وفيه ثلاث لغات :( رَأَفة، ورأْفة، ورآفة ) بالمد وهي كلها مصادر أشهرها الأولى.
٤- قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ ﴾ بضم الحاء وقرئ بإسكانها ﴿ لا ينكحْ ﴾ فالأولى ( نفيٌ )، والثانية ( نهيٌ )، وقوله تعالى :﴿ وَحُرِّمَ ذلك ﴾ قرئ بالتشديد أي بضم الحاء وتشديد الراء، وقرئ بالتخفيف ﴿ وحَرُم ﴾ بفتح الحاء وضم الراء - قال ابن الجوزي : وقرأ أُبيَّ بن كعب ﴿ وحَرَم اللَّهُ ﴾ بزيادة اسم الله تعالى مع فتح حروف ( حَرّم ).
وجوه الإعراب
١- قوله تعالى :﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾ سورة خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذه سورة، وإنما قدرنا ذلك لأنها نكرة، والمشهورُ عند علماء النحو أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة كما قال ابن مالك :
ولا يجوز الابتدا بالنكرة | مال لم تفد كعند زيد نمرة |
ويرى ( الزمخشري ) أنه يجوز أن تكون مبتدأ موصوفاً والخبر محذوف تقديره فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها، وقد رد العلامة ( أبو السعود ) هذا الرأي وقال : وأما كونها متبدأ محذوف الخبر على أن يكون التقدير :( فيما أوحينا إليك سورةٌ أنزلناها ) الخ فيأباه أنّ مقتضى المقام بيان شأن هذه السورة الكريمة لا أن في جملة ما أوحي إلى النبي ﷺ سورة شأنها كذا وكذا. وحملها على السورة الكريمة بمعونة المقام يوهم أن غيرها من السور الكريمة ليست على تلك الصفات.
٢- قوله :﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع ( صفة ) لأن الجمل من بعد النكرات صفات. كما يقول علماء النحو.
٣- قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ لعل للترجي وهي من أخوات ( إنَّ ) والكاف في محل نصب اسم لعل، وجملة ( تَذكَّرون ) من الفعل والفاعل في محل رفع خبرها.
٤- قوله :﴿ الزانية والزاني ﴾ الزانية مبتدأ والزاني معطوف عليها والخبر هو جملة ( فاجلدوا ) والتقدير الزانية والزاني مجدلودان في حكم الله أو ينبغي أن يُجْلدا، وإنما دخلت الفاء على الخبر لأن في الجملة معنى الشرط أي من زنى أو من زنت فاجلدوهما مائة جلدة، وأما قراءة النصب ( الزَّانيةَ والزاني ) فهو منصوب بفعل محذوف يفسِّره المذكور أي اجلدوا الزانيةَ واجلدوا الزاني.
295
٥- قوله :﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ ﴾ أن الشرطية جازمة ( وكنتم ) فعل الشرط متصرفة من ( كان ) الناقصة والضمير اسمها وجملة ( تؤمنون ) من الفعل والفاعل خبرها وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي إن كنتم مؤمنين حقاً فلا تأخذكم بهما رأفة والله أعلم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : كيف كانت عقوبة الزنى في صدر الإسلام؟
كان عقوبة الزنى في صدر الإسلام. عقوبة حفيفة موقَّتة، لأن الناس كانوا حديثي عهد بحياة الجاهلية. ومن سنة الله جل وعلا في تشريع الأحكام، أن يسير بالأمة في طريق ( التدرج ) ليكون أنجح في العلاج. وأحكم في التطبيق، وأسهل على النفوس لتتتقبل شريعة الله عن - رضى واطمئنان - كما رأينا ذلك في تحريم الخمر والربا وغيرهما من الأحكام الشرعية.
وقد كانت العقوبة في صدر الإسلام هي ما قصه الله علينا في سورة النساء في قوله جل شأنه ﴿ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً * واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ [ النساء : ١٥ - ١٦ ] فكانت عقوبة المرأة ( الحبس ) في البيت وعدم الإذن لها بالخروج منه، وعقوبة الرجل ( التأنيث والتوبيخ ) بالقول والكلام ثم نسخ ذلك بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... ﴾ الآية. ويظهر أن هذه العقوبة كانت أو الإسلام من قبيل ( التعزير ) لا من قبيل ( الحدّ ) بدليل التوقيت الذي أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ [ النساء : ١٥ ] وقد استبدلت هذه العقوبة بعقوبة أشد هي ( الجلد ) للبكر و ( الرجم ) للزاني المحصن، وانتهى ذلك الحكم الموقت إلى تلك العقوبة الرادعة الزاجرة.
روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :( كان نبي الله ﷺ إذا أُنزل عليه الوحي كُرِبَ لذلك وتربّد وجهه، فأنزل الله عليه ذات يوم فلقي كذلك فلما سُرِّي عنه قال خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهنَّ سبيلاً : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيبُ بالثيب جلد مائة والرجم ).
الحكم الثاني : ما هو حدُّ البكر، وحدُّ المحصن؟
فرقت الشريعة الإسلامية بين حد البكر ( غير المتزوج ) فخففّفت العقوبة في الأول فجعلتها مائة جلدة، وغلّظت العقوبة في الثاني فجعلتها الرجم بالحجارة حتى الموت، وذلك لأن جريمة الزنى بعد الإحصان ( التَّزوج ) أشد وأغلظ من الزنى المحض في نظر الإسلام فالجريمة التي يرتكبها رجل محصن من ( امرأة محصنة ) عن طريق الفاحشة أشنع وأقبح من الجريمة التي يرتكبها مع البكر لأنه قد أفسد نسب غيره ودنّس فراشه وسلك لقضاء شهوته طريقاً غير مشروع مع أنه كان متمكناً من قضائها بطريق مشروع فكانت العقوبة أشد وأغلظ.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : كيف كانت عقوبة الزنى في صدر الإسلام؟
كان عقوبة الزنى في صدر الإسلام. عقوبة حفيفة موقَّتة، لأن الناس كانوا حديثي عهد بحياة الجاهلية. ومن سنة الله جل وعلا في تشريع الأحكام، أن يسير بالأمة في طريق ( التدرج ) ليكون أنجح في العلاج. وأحكم في التطبيق، وأسهل على النفوس لتتتقبل شريعة الله عن - رضى واطمئنان - كما رأينا ذلك في تحريم الخمر والربا وغيرهما من الأحكام الشرعية.
وقد كانت العقوبة في صدر الإسلام هي ما قصه الله علينا في سورة النساء في قوله جل شأنه ﴿ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً * واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ [ النساء : ١٥ - ١٦ ] فكانت عقوبة المرأة ( الحبس ) في البيت وعدم الإذن لها بالخروج منه، وعقوبة الرجل ( التأنيث والتوبيخ ) بالقول والكلام ثم نسخ ذلك بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... ﴾ الآية. ويظهر أن هذه العقوبة كانت أو الإسلام من قبيل ( التعزير ) لا من قبيل ( الحدّ ) بدليل التوقيت الذي أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ [ النساء : ١٥ ] وقد استبدلت هذه العقوبة بعقوبة أشد هي ( الجلد ) للبكر و ( الرجم ) للزاني المحصن، وانتهى ذلك الحكم الموقت إلى تلك العقوبة الرادعة الزاجرة.
روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :( كان نبي الله ﷺ إذا أُنزل عليه الوحي كُرِبَ لذلك وتربّد وجهه، فأنزل الله عليه ذات يوم فلقي كذلك فلما سُرِّي عنه قال خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهنَّ سبيلاً : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيبُ بالثيب جلد مائة والرجم ).
الحكم الثاني : ما هو حدُّ البكر، وحدُّ المحصن؟
فرقت الشريعة الإسلامية بين حد البكر ( غير المتزوج ) فخففّفت العقوبة في الأول فجعلتها مائة جلدة، وغلّظت العقوبة في الثاني فجعلتها الرجم بالحجارة حتى الموت، وذلك لأن جريمة الزنى بعد الإحصان ( التَّزوج ) أشد وأغلظ من الزنى المحض في نظر الإسلام فالجريمة التي يرتكبها رجل محصن من ( امرأة محصنة ) عن طريق الفاحشة أشنع وأقبح من الجريمة التي يرتكبها مع البكر لأنه قد أفسد نسب غيره ودنّس فراشه وسلك لقضاء شهوته طريقاً غير مشروع مع أنه كان متمكناً من قضائها بطريق مشروع فكانت العقوبة أشد وأغلظ.
296
« الجلد ثابت بالنص القرآني القاطع »
أم الجلد : فقد ثبت بالنص القرآني القاطع ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ والآية الكريمة إنما هي في حد الزاني ( غير المحصن ) والآية وإن كانت عامة في كل ( زان ) إلا أن السنة النبوية قد بينت ذلك ووضحته كما في حديث ( عبادة بن الصامت ) المتقدم ومهمة الرسول البيان كما قال تعالى :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [ النحل : ٤٤ ] وكفى بتوضيح الرسول وبيانه وتفصيلاً وبياناً لمجمل القرآن!!
« الرجم ثابت بالسنة النبوية المتواترة »
وأمّا الرجم : فقد ثبت بفعل النبي ﷺ وقوله، وعمله، وكذلك بإجماع الصحابة والتابعين فقد ثبت بالروايات الصحيحة التي لا يتطرأ إليها الشك، وبطريق التواتر أن النبي ﷺ أقام ( حد الرجم ) على بعض الصحابة كماعز، والغامدية، وأن الخلفاء الراشدين من بعده قد أقاموا هذا الحد في عهودهم وأعلنوا مراراً أن الرجم هو الحد للزنى بعد الإحصان.
ثم ظلّ فقهاء الإسلام في كل عصر وفي كل مصر مجمعين على كونه حكماً ثابتاً وسنة متبعة وشريعة إلهية قاطعة، بأدلة متضافرة لا مجال للشك فيها أو الارتياب، وبقي هذا الحكم إلى عصرنا هذا لم يخالف فيه أحد إلا فئة شاذة من المنحرفين عن الإسلام هم ( الخوارج ) حيث قالوا : إن الرجم غير مشروع وسنبين فساد مذهبهم فيما يأتي :
أدلة الخوارج والرد عليها :
استدل الخوارج على أنّ الرجم غير مشروع بأدلة ثلاثة هي أوهَى من بيت العنكبوت نلخصها فيما يلي :
أولاً : قالوا الرجمُ أشدُّ العقوبات فلو كان مشروعاً لذكِر في القرآن ولمّا يذكر دل على أنه غير مشروع.
ثانياً : إن حدّ الأمة نصف حد الحرة ﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] والرجم لا ينتصف فلا يصح أن يكون حداً للحرة.
ثالثاً : إن الحكم عام في جميع الزناة وتخصيص ( الزاني المحصن ) من هذا الحكم مخالف للقرآن.
هذه هي خلاصة أدلتهم وهي في الواقع تدل على جهلهم الفاضح وعدم فهمهم لمهمة الرسول ﷺ أو سوء إدراكهم لأسرار القرآن ومقاصده، وذلك منتهى الجهل والغباء.
الرد على أدلة الخوارج :
وقد ردّ أهنل السنة والجماعة على الخوارج بأدلة دامغة تقصم ظهر الباطل، وتخرس كلّ أفّاك أثيم نلخصها فيما يلي :
أولاً : إن عدم ذكر الرجم في القرآن لا يدل على عدم المشروعية فكثير من الأحكام الشرعية لم تذكر في القرآن وإنما بينتها السنة النبوية والله تعالى قد أمرنا باتباع الرسول والعمل بأوامره
أم الجلد : فقد ثبت بالنص القرآني القاطع ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ والآية الكريمة إنما هي في حد الزاني ( غير المحصن ) والآية وإن كانت عامة في كل ( زان ) إلا أن السنة النبوية قد بينت ذلك ووضحته كما في حديث ( عبادة بن الصامت ) المتقدم ومهمة الرسول البيان كما قال تعالى :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [ النحل : ٤٤ ] وكفى بتوضيح الرسول وبيانه وتفصيلاً وبياناً لمجمل القرآن!!
« الرجم ثابت بالسنة النبوية المتواترة »
وأمّا الرجم : فقد ثبت بفعل النبي ﷺ وقوله، وعمله، وكذلك بإجماع الصحابة والتابعين فقد ثبت بالروايات الصحيحة التي لا يتطرأ إليها الشك، وبطريق التواتر أن النبي ﷺ أقام ( حد الرجم ) على بعض الصحابة كماعز، والغامدية، وأن الخلفاء الراشدين من بعده قد أقاموا هذا الحد في عهودهم وأعلنوا مراراً أن الرجم هو الحد للزنى بعد الإحصان.
ثم ظلّ فقهاء الإسلام في كل عصر وفي كل مصر مجمعين على كونه حكماً ثابتاً وسنة متبعة وشريعة إلهية قاطعة، بأدلة متضافرة لا مجال للشك فيها أو الارتياب، وبقي هذا الحكم إلى عصرنا هذا لم يخالف فيه أحد إلا فئة شاذة من المنحرفين عن الإسلام هم ( الخوارج ) حيث قالوا : إن الرجم غير مشروع وسنبين فساد مذهبهم فيما يأتي :
أدلة الخوارج والرد عليها :
استدل الخوارج على أنّ الرجم غير مشروع بأدلة ثلاثة هي أوهَى من بيت العنكبوت نلخصها فيما يلي :
أولاً : قالوا الرجمُ أشدُّ العقوبات فلو كان مشروعاً لذكِر في القرآن ولمّا يذكر دل على أنه غير مشروع.
ثانياً : إن حدّ الأمة نصف حد الحرة ﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] والرجم لا ينتصف فلا يصح أن يكون حداً للحرة.
ثالثاً : إن الحكم عام في جميع الزناة وتخصيص ( الزاني المحصن ) من هذا الحكم مخالف للقرآن.
هذه هي خلاصة أدلتهم وهي في الواقع تدل على جهلهم الفاضح وعدم فهمهم لمهمة الرسول ﷺ أو سوء إدراكهم لأسرار القرآن ومقاصده، وذلك منتهى الجهل والغباء.
الرد على أدلة الخوارج :
وقد ردّ أهنل السنة والجماعة على الخوارج بأدلة دامغة تقصم ظهر الباطل، وتخرس كلّ أفّاك أثيم نلخصها فيما يلي :
أولاً : إن عدم ذكر الرجم في القرآن لا يدل على عدم المشروعية فكثير من الأحكام الشرعية لم تذكر في القرآن وإنما بينتها السنة النبوية والله تعالى قد أمرنا باتباع الرسول والعمل بأوامره
297
﴿ وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا ﴾ [ الحشر : ٧ ] والرسولُ مبلغ عن الله عزَّ وجلَّ، وكلُّ ما جاء به إنما هو بوحي سماوي من العليم الحكيم ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى ﴾ [ النجم : ٣ - ٤ ]. وكيف يكون الرجم غير مشروع وقد رجم ﷺ ورجم معه أصحابه وبيّن ذلك بهدية وفعله!!.
ثم إن مهمة الرسول ﷺ قد بينها القرآن بقوله تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ النحل : ٤٤ ] وليس قول الرسول « خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً.. وفيه : والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » ليس هذا القول إلا من البيان الذي أشار إليه القرآن وهو نص قاطع على حكم الزاني المحصن وقد أشار ﷺ في الحديث الشريف بقوله :« ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه » إلى أن سنته المطهرة بوحي من الله فثبت أن كل ما جاء به الرسول هو تشريع من الله، وأنه واجب الاتّباع.
ثانياً : إن قوله تعالى :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] ليس فيها دليل على ما قاله الخوارج من عدم مشروعية الرجم، فإن الآية الكريمة قد أشارت إلى أن المراد بالعذاب هنا ( الجلد ) لا ( الرجم ) بدليل التنصيف في العقوبة والله تعالى يعلم أن الرجم لا ينصف ولا يمكن للناس أن يميتوا إنساناً نصف موتة فدل ( العقل ) و ( الفهم السليم ) على أن المراد بهذه العقوبة الجلد لا الرجم.
فتجلد الأمة المتزوجة خمسين جلدة، وتجلد الحرة البكر مائة جلدة. والسر في هذا التخفيف على ( الأمة ) دون الحرة أن الجريمة من الحرة أفظع وأشنع لكون الحرة في مأمن من الفتنة، وهي أبعد عن داعية الفاحشة والأمة ضعيفة عن مقاومتها، فرحم الله ضعفها وخفف العقاب عنها.
ثالثاً : وأما دعواهم أن الحكم عام، وتخصيصه مخالف للقرآن فجهلٌ مطبق ألا ترى أن كثيراً من الأحكام جاءت عامة وخصصتها السنة النبوية!! مثل : قوله تعالى ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] فإن هذا اللفظ عام يشمل كل سارق حتى ولو كانت سرقته لشيء حقير ( وتافه ) وعلى دعواهم ينبغي أن نقطع يد من سرق فلساً أو يإبرة، مع أن السنة النبوية قد خصصت هذا الحكم وقيدته بربع دينار أو ما قيمته عشرة دراهم، وكذلك قوله تعالى :﴿ وأمهاتكم الاتي أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مِّنَ الرضاعة ﴾ [ النساء : ٢٣ ] لم تنص الآية إلا على حرمة الأم والأخت من الرضاعة، مع أن الرسول ﷺ بيّن أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فيجب أن تكون حرمة ( البنت من الرضاعة ) مخالفة للقرآن بموجب دعواهم. والقرآن نهى عن ( الجمع بين الأختين ) فمن قال بحرمة الجمع بين العمة وبنت أخيها، أو الخالة وبنت أختها يجب أن نحكم عليه بمخالفة القرآن.
ثم إن مهمة الرسول ﷺ قد بينها القرآن بقوله تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ النحل : ٤٤ ] وليس قول الرسول « خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً.. وفيه : والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » ليس هذا القول إلا من البيان الذي أشار إليه القرآن وهو نص قاطع على حكم الزاني المحصن وقد أشار ﷺ في الحديث الشريف بقوله :« ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه » إلى أن سنته المطهرة بوحي من الله فثبت أن كل ما جاء به الرسول هو تشريع من الله، وأنه واجب الاتّباع.
ثانياً : إن قوله تعالى :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] ليس فيها دليل على ما قاله الخوارج من عدم مشروعية الرجم، فإن الآية الكريمة قد أشارت إلى أن المراد بالعذاب هنا ( الجلد ) لا ( الرجم ) بدليل التنصيف في العقوبة والله تعالى يعلم أن الرجم لا ينصف ولا يمكن للناس أن يميتوا إنساناً نصف موتة فدل ( العقل ) و ( الفهم السليم ) على أن المراد بهذه العقوبة الجلد لا الرجم.
فتجلد الأمة المتزوجة خمسين جلدة، وتجلد الحرة البكر مائة جلدة. والسر في هذا التخفيف على ( الأمة ) دون الحرة أن الجريمة من الحرة أفظع وأشنع لكون الحرة في مأمن من الفتنة، وهي أبعد عن داعية الفاحشة والأمة ضعيفة عن مقاومتها، فرحم الله ضعفها وخفف العقاب عنها.
ثالثاً : وأما دعواهم أن الحكم عام، وتخصيصه مخالف للقرآن فجهلٌ مطبق ألا ترى أن كثيراً من الأحكام جاءت عامة وخصصتها السنة النبوية!! مثل : قوله تعالى ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] فإن هذا اللفظ عام يشمل كل سارق حتى ولو كانت سرقته لشيء حقير ( وتافه ) وعلى دعواهم ينبغي أن نقطع يد من سرق فلساً أو يإبرة، مع أن السنة النبوية قد خصصت هذا الحكم وقيدته بربع دينار أو ما قيمته عشرة دراهم، وكذلك قوله تعالى :﴿ وأمهاتكم الاتي أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مِّنَ الرضاعة ﴾ [ النساء : ٢٣ ] لم تنص الآية إلا على حرمة الأم والأخت من الرضاعة، مع أن الرسول ﷺ بيّن أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فيجب أن تكون حرمة ( البنت من الرضاعة ) مخالفة للقرآن بموجب دعواهم. والقرآن نهى عن ( الجمع بين الأختين ) فمن قال بحرمة الجمع بين العمة وبنت أخيها، أو الخالة وبنت أختها يجب أن نحكم عليه بمخالفة القرآن.
298
.. وهذا جهل واضح لا يصدر من مسلم عاقل.
قال العلامة الألوسي في تفسيره « روح المعاني » :
وقد أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومن تقدم من السلف وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت، وإنكار الخوارج ذلك باطل، لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة فجهل مركب، وإن أنكروا وقوعه من رسول الله ﷺ لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس مما نحن فيه لأن ثبوت الرجم منه عليه السلام ( متواتر ) المعنى، وهم كسائر المسلمين أوقعهم في جهالات كثيرة، ولهذا حين عابوا على عمر بن عبد العزيز القول بالرجم من كونه ليس في كتاب الله تعالى ألزمهم بأعداد الركعات ومقادير الزكوات، فقالوا : ذلك من فعله ﷺ والمسلمين فقال لهم : وهذا أيضاً كذلك.
ومراده أنهم لما احتجوا عليه بعدم وجود الرجم في القرآن، سألهم عن عدد ركعات الصلاة، هل هي مذكورة في القرآن؟ مقدار نصاب الزكاة وشروط وجوبها، هل هو موجود في القرآن؟ فلما أقروا بأن هذا ثبت من النبي ﷺ ومن فعل المسلمين أقام عليهم الحجة بذلك.
شهادة صادقة وبصيرة نافذة :
وكأني بالفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وقد ألهم أمر هؤلاء الخوارج فكشف نواياهم وأطلع الناس على خبث عقيدتهم فخطب على المنبر وكان فيما قال : إن الله بعث محمداً ﷺ بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم يعني بها قوله تعالى :( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده وأخشى أن يطول الناس زمان فيقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى في كتابه. ألا وإنّ الرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال أو النساء وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف، والله لولا أن يقول الناس زاد في كتاب الله لكتبتها.
الحكم الثالث : هل يجمع بين الرجم والجلد؟
ذهب أهل الظاهر إلى وجوب ( الجلد والرجم ) في حق الزاني المحصن وهي إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله. وذهب الجمهور إلى أن حده ( الرجم ) فقط وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار والرواية الأخرى عن أحمد.
أدلة الظاهرية :
استدل أهل الظاهر على الجمع بين الجلد والرجم بما يلي :
أ- العموم الوارد في الآية الكريمة ﴿ الزانية والزاني ﴾ فإنّ ( أل ) للجنس والعموم، فيشمل جميع الزناة وجاءت السنة بزيادة حكم في حق المحصن وهو ( الرجم ) فيزاد على الجلد.
قال العلامة الألوسي في تفسيره « روح المعاني » :
وقد أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومن تقدم من السلف وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت، وإنكار الخوارج ذلك باطل، لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة فجهل مركب، وإن أنكروا وقوعه من رسول الله ﷺ لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس مما نحن فيه لأن ثبوت الرجم منه عليه السلام ( متواتر ) المعنى، وهم كسائر المسلمين أوقعهم في جهالات كثيرة، ولهذا حين عابوا على عمر بن عبد العزيز القول بالرجم من كونه ليس في كتاب الله تعالى ألزمهم بأعداد الركعات ومقادير الزكوات، فقالوا : ذلك من فعله ﷺ والمسلمين فقال لهم : وهذا أيضاً كذلك.
ومراده أنهم لما احتجوا عليه بعدم وجود الرجم في القرآن، سألهم عن عدد ركعات الصلاة، هل هي مذكورة في القرآن؟ مقدار نصاب الزكاة وشروط وجوبها، هل هو موجود في القرآن؟ فلما أقروا بأن هذا ثبت من النبي ﷺ ومن فعل المسلمين أقام عليهم الحجة بذلك.
شهادة صادقة وبصيرة نافذة :
وكأني بالفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وقد ألهم أمر هؤلاء الخوارج فكشف نواياهم وأطلع الناس على خبث عقيدتهم فخطب على المنبر وكان فيما قال : إن الله بعث محمداً ﷺ بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم يعني بها قوله تعالى :( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده وأخشى أن يطول الناس زمان فيقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى في كتابه. ألا وإنّ الرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال أو النساء وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف، والله لولا أن يقول الناس زاد في كتاب الله لكتبتها.
الحكم الثالث : هل يجمع بين الرجم والجلد؟
ذهب أهل الظاهر إلى وجوب ( الجلد والرجم ) في حق الزاني المحصن وهي إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله. وذهب الجمهور إلى أن حده ( الرجم ) فقط وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار والرواية الأخرى عن أحمد.
أدلة الظاهرية :
استدل أهل الظاهر على الجمع بين الجلد والرجم بما يلي :
أ- العموم الوارد في الآية الكريمة ﴿ الزانية والزاني ﴾ فإنّ ( أل ) للجنس والعموم، فيشمل جميع الزناة وجاءت السنة بزيادة حكم في حق المحصن وهو ( الرجم ) فيزاد على الجلد.
299
ب- حديث عبادة بن الصامت ( الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ) وقد تقدم.
ج- ما روي عن ( علي ) كرم الله وجهه حين جلد ( شراحة ) ثم رجمها من قوله : جلدتها بكتاب الله تعالى ورجمتها بسنة رسول الله ﷺ.
أدلة الجمهور :
واستدل الجمهور على عدم الجمع بين الجلد والرجم ببضعة أدلة نلخصها فيما يلي :
أولاً : ما روي في « الصحيحين » : أن أعرابياً أتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله : أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله تعالى، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه - نعم فاقض بيننا بكتاب الله تعالى وائذن لي، فقال رسول الله ﷺ قل : فقال : إنّ ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة، ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني ( جلد مائة وتغريب عام ) وأن على امرأة هذا الرجم..
فقال ﷺ :« والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، الوليدةُ والغنمُ ردٌّ عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ».
فغدا عليها فاعترفت فأمر بها النبي ﷺ فرجمت.
قالوا فأمره برجمها ولم يقل له اجلدها ثم ارجمها.
ثانياً : واستدلوا بفعل النبي ﷺ فقد تكرر الرجم في زمانه، فرجم ( ماعزاً ) و ( الغامدية ) ورجم أصحابه معه ولم يَروِ أحدٌ أنه جمع بينه وبين الجلد، فقطعنا بأنّ حد المحصن لم يكن إلا ( الرجم ) لا غير.
ثالثاً : واستدلوا بالمعقول أيضاً فقالوا : إن الغرض من الجلد الزجرُ والتأديبُ، فإذا حكمنا عليه بالرجم فلا يبقى ثمة داع إلى الجلد، لأن الجلد يَعرى عن المقصود الذي شرع الحد له وهو الانزجار، لأن هذا الشخص سيرجم حتى الموت فلا ينفع الجلد مع وجود الرجم. ومثله إذا وجب الغسل على إنسان يدخل معه الوضوء.
وأجابوا عن أدلة الظاهرية بأن حديث ( عبادة بن الصامت ) منسوخ بقول النبي ﷺ وفعله حيث رجم ولم يجلد، فوجب أن يكون الخبر السابق منسوخاً... وأما استدلالهم بالعموم في الآية الكريمة فغير مسلّم لأن الآية كما يقول الجمهور خاصة ب ( البكرين ) وليست عامة بدليل خروج العبيد والإماء منها حيث أن حد العبد خمسون جلدة لا مائة جلدة وهذا يدفع العموم.
وأجابوا عن فعل علي كرم الله وجهه بشراحة حيث جلدها ثم رجمها بن هذا رأيٌ له لا يقاوم الثابت الصحيح عن رسول الله ﷺ من قوله وفعله، وكذلك لا يقاوم إجماع غيره من الصحابة، ويمكن حمله على أنه لم يثبت عنده الإحصان إلا بعد الجلد فأخبِرَ أولاً بأنها بكر فجلدها، ثم أُخبِرَ بأنها محصنة أي ( متزوجة ) فرجمها ويشبه هذا ما رواه جابر رضي الله عنه أن رجلاً زنى بامرأة، فأمر به النبي ﷺ فجلد الحَدّ ثم أُخبر أنه محصن فأمر به فرجم.
ج- ما روي عن ( علي ) كرم الله وجهه حين جلد ( شراحة ) ثم رجمها من قوله : جلدتها بكتاب الله تعالى ورجمتها بسنة رسول الله ﷺ.
أدلة الجمهور :
واستدل الجمهور على عدم الجمع بين الجلد والرجم ببضعة أدلة نلخصها فيما يلي :
أولاً : ما روي في « الصحيحين » : أن أعرابياً أتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله : أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله تعالى، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه - نعم فاقض بيننا بكتاب الله تعالى وائذن لي، فقال رسول الله ﷺ قل : فقال : إنّ ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة، ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني ( جلد مائة وتغريب عام ) وأن على امرأة هذا الرجم..
فقال ﷺ :« والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، الوليدةُ والغنمُ ردٌّ عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ».
فغدا عليها فاعترفت فأمر بها النبي ﷺ فرجمت.
قالوا فأمره برجمها ولم يقل له اجلدها ثم ارجمها.
ثانياً : واستدلوا بفعل النبي ﷺ فقد تكرر الرجم في زمانه، فرجم ( ماعزاً ) و ( الغامدية ) ورجم أصحابه معه ولم يَروِ أحدٌ أنه جمع بينه وبين الجلد، فقطعنا بأنّ حد المحصن لم يكن إلا ( الرجم ) لا غير.
ثالثاً : واستدلوا بالمعقول أيضاً فقالوا : إن الغرض من الجلد الزجرُ والتأديبُ، فإذا حكمنا عليه بالرجم فلا يبقى ثمة داع إلى الجلد، لأن الجلد يَعرى عن المقصود الذي شرع الحد له وهو الانزجار، لأن هذا الشخص سيرجم حتى الموت فلا ينفع الجلد مع وجود الرجم. ومثله إذا وجب الغسل على إنسان يدخل معه الوضوء.
وأجابوا عن أدلة الظاهرية بأن حديث ( عبادة بن الصامت ) منسوخ بقول النبي ﷺ وفعله حيث رجم ولم يجلد، فوجب أن يكون الخبر السابق منسوخاً... وأما استدلالهم بالعموم في الآية الكريمة فغير مسلّم لأن الآية كما يقول الجمهور خاصة ب ( البكرين ) وليست عامة بدليل خروج العبيد والإماء منها حيث أن حد العبد خمسون جلدة لا مائة جلدة وهذا يدفع العموم.
وأجابوا عن فعل علي كرم الله وجهه بشراحة حيث جلدها ثم رجمها بن هذا رأيٌ له لا يقاوم الثابت الصحيح عن رسول الله ﷺ من قوله وفعله، وكذلك لا يقاوم إجماع غيره من الصحابة، ويمكن حمله على أنه لم يثبت عنده الإحصان إلا بعد الجلد فأخبِرَ أولاً بأنها بكر فجلدها، ثم أُخبِرَ بأنها محصنة أي ( متزوجة ) فرجمها ويشبه هذا ما رواه جابر رضي الله عنه أن رجلاً زنى بامرأة، فأمر به النبي ﷺ فجلد الحَدّ ثم أُخبر أنه محصن فأمر به فرجم.
300
الترجيح : وبهذا يتبين لنا قوة أدلة الجمهور وضعف أدلة الظاهرية والله أعلم.
الحكم الرابع : هل يُنْقى الزاني ويغرّبُ من بلده؟
يرى الإمام ( أبو حنيفة ) أن حدّ الزاني البكر هو الجلد مائة جلدة أو النفي ليس من الحد في شيء وأنه مفوض إلى رأي الإمام إن شاء غرّب وإن شاء ترك.
ويرى الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) أن حده الجلد مائة جلدة وتغريب عام.
أدلة الأحناف :
أولاً : استدل أبو حنيفة بظاهر الآية الكريمة، فإنها اقتصرت في مقام البيان على مائة جلدة، فلو كان النفي مشروعاً لكان ذلك نسخاص للكتاب، وخبرُ الآحاد لا يقوى على نسخ الكتاب، ولو كان النفي حداً مع الجلد لبيَّنه ﷺ للصحابة لئلا يعتقدوا عند سماع التلاوة أن الجلد هو جميع الحد، ولكان وروده فيوزن ورود نقل الآية وشُهرتها، ولمّا لم يكن ذلك كذلك ثبت أ نه ليس بحد، وأن حد الزنى ليس إلا ( الجلدُ ).
ثانياً : استدل بحديث إذا زنتْ الأمةُ فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ ولا يُثرِّبْ عليها، صم غن زنت فلْيَبعها ولو بحبل من شعر فدل الحديث على أن الجلد هو تمام الحد، ولو كان النفي من الحد لذكره.
ثالثاً : واستدل أيضاً بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إذا زنى البكران فإنهما يجلدان ولا ينفيان لأن نفيهما فتنة لهما وقال :« وكفى بالنفي فتنة ».
أدلة الجمهور :
١- واستدل الجمهور بحديث عبادة بن الصامت المتقدم وفيه ( البكرُ بالبكرِ جلدُ مائةٍ وتغريبُ عام، والثيَّبِ جلدُ مائةٍ والرجمُ ).
٢- قصة العسيف الذي زنى بامرأة الأعرابي وقد تقدم وفيه قوله :( إن على ابنك جلد مائة وتغريب عام ) والحديث مروي في « الصحيحين ».
٣- قالوا وقد تكرر ذكر النفي في قصة العسيف على أنه من الحد، ولا مانع من الزياة عل حكم الآية بخبر الآحاد، فقد أنزل الله الجلد ( قرآناً ) وبقي التغريب في البكر ( سنة ).
هل التغريب يشمل المرأة؟
ثم إن القائلين بالنفي - وهم الجمهور - اختلفوا هل التغريب خاص بالرجل أم يشمل المرأة أيضاً، فذهب مالك والأوزاعي إلى أن النفي خاص بالرجل ولا تُنفى المرأة لقوله عليه السلام :( البكر بالبكر ) الحديث.
وقال الشافعي وأحمد : إن النفي عام للرجال والنساء فتغرب المرأة مع محرم وأجرته عليها ودليلهما عموم الأحاديث وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :« إنّ الزاني لا يخلو : إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج، أو محصناً وهو الذي قد وَطِيءَ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكراً لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يُغرّب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرَّب، وإن شاء لم يغرِّب.
الحكم الرابع : هل يُنْقى الزاني ويغرّبُ من بلده؟
يرى الإمام ( أبو حنيفة ) أن حدّ الزاني البكر هو الجلد مائة جلدة أو النفي ليس من الحد في شيء وأنه مفوض إلى رأي الإمام إن شاء غرّب وإن شاء ترك.
ويرى الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) أن حده الجلد مائة جلدة وتغريب عام.
أدلة الأحناف :
أولاً : استدل أبو حنيفة بظاهر الآية الكريمة، فإنها اقتصرت في مقام البيان على مائة جلدة، فلو كان النفي مشروعاً لكان ذلك نسخاص للكتاب، وخبرُ الآحاد لا يقوى على نسخ الكتاب، ولو كان النفي حداً مع الجلد لبيَّنه ﷺ للصحابة لئلا يعتقدوا عند سماع التلاوة أن الجلد هو جميع الحد، ولكان وروده فيوزن ورود نقل الآية وشُهرتها، ولمّا لم يكن ذلك كذلك ثبت أ نه ليس بحد، وأن حد الزنى ليس إلا ( الجلدُ ).
ثانياً : استدل بحديث إذا زنتْ الأمةُ فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ ولا يُثرِّبْ عليها، صم غن زنت فلْيَبعها ولو بحبل من شعر فدل الحديث على أن الجلد هو تمام الحد، ولو كان النفي من الحد لذكره.
ثالثاً : واستدل أيضاً بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إذا زنى البكران فإنهما يجلدان ولا ينفيان لأن نفيهما فتنة لهما وقال :« وكفى بالنفي فتنة ».
أدلة الجمهور :
١- واستدل الجمهور بحديث عبادة بن الصامت المتقدم وفيه ( البكرُ بالبكرِ جلدُ مائةٍ وتغريبُ عام، والثيَّبِ جلدُ مائةٍ والرجمُ ).
٢- قصة العسيف الذي زنى بامرأة الأعرابي وقد تقدم وفيه قوله :( إن على ابنك جلد مائة وتغريب عام ) والحديث مروي في « الصحيحين ».
٣- قالوا وقد تكرر ذكر النفي في قصة العسيف على أنه من الحد، ولا مانع من الزياة عل حكم الآية بخبر الآحاد، فقد أنزل الله الجلد ( قرآناً ) وبقي التغريب في البكر ( سنة ).
هل التغريب يشمل المرأة؟
ثم إن القائلين بالنفي - وهم الجمهور - اختلفوا هل التغريب خاص بالرجل أم يشمل المرأة أيضاً، فذهب مالك والأوزاعي إلى أن النفي خاص بالرجل ولا تُنفى المرأة لقوله عليه السلام :( البكر بالبكر ) الحديث.
وقال الشافعي وأحمد : إن النفي عام للرجال والنساء فتغرب المرأة مع محرم وأجرته عليها ودليلهما عموم الأحاديث وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :« إنّ الزاني لا يخلو : إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج، أو محصناً وهو الذي قد وَطِيءَ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكراً لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يُغرّب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرَّب، وإن شاء لم يغرِّب.
301
وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في « الصحيحين ». وذكر قصة العسيف التي مرّ ذكرها «.
يقول الشيخ السايس في كتابه » تفسير آيات الأحكام « :
» ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بإبقاء الآية على حكمها، وأن الجلد هو تمام الحد، وجعل النفي على وجه التعزير، ويكون النبي ﷺ قد رأى في ذلك الوقت نفي البكر لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، فرأى ردعهم بالنفي بعد الجلد كما أمر بشق روايا الخمر، وكسر الأواني، لأنه أبلغ في الزجر وأحرى بقطع العادة «.
الحكم الخامس : ما هو حد الذمي المحصن؟
اختلف العلماء في حد الذمي المحصن فذهب الحنفية إلى أن حدَّه ( الجلد ) وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن حده الرجم.
دليل الأحناف :
١- حديث ابن عمر ( من اشرك بالله فليس بمحصن ) قالوا : والمراد به إحصان الرجم، وأما رجم الرسول ﷺ لليهودِيّيْنِ فإنما كان بحكم التوراة.
٢- قالوا : إن النعمة في حق المسلم أعظم فكانت جنايته أغلظ ولهذا تُشدّد العقوبة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في حق أمهات المؤمنين ﴿ يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ].
٣- واستدلوا أيضاً بأن إحصان القذف يعتبر فيه ( الإسلام ) بالإجماع، فكذلك إحصان الرجم، والجامعُ هو كمال النعمة.
دليل الشافعية :
١- استدلوا بعموم قوله ﷺ :» إذا قبلوا الجزية فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين «.
٢- واستدلوا بما ثبت في » الصحيحين « عن ابن عمر رضي الله عنهما :» أن اليهود أتوا النبي ﷺ برجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال : ما تجدون في كتابكم؟ قالوا : نسخِّم وجوههما ويخزيان، قال : كذبتم إنَّ فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاءوا بقارئ لهم، فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له ارفع يدك، فرفع يده فإذا هي تلوح، فقالوا يا محمد : إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما... قال : فلقد رأيته يُحنى على المرأة يقيها الحجارة بنفسه « رواه البخاري ومسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه :» مُرّ على النبي ﷺ بيهودي محمّم مجلود، فدعاهم فقال : أهكذا تجدون حد الزنى في كتابكم؟ قالوا : نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال : لا.. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر في أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا : تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال النبي ﷺ :« اللهم إني أول من أحيا أمرك إذْ أماتوه » «
يقول الشيخ السايس في كتابه » تفسير آيات الأحكام « :
» ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بإبقاء الآية على حكمها، وأن الجلد هو تمام الحد، وجعل النفي على وجه التعزير، ويكون النبي ﷺ قد رأى في ذلك الوقت نفي البكر لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، فرأى ردعهم بالنفي بعد الجلد كما أمر بشق روايا الخمر، وكسر الأواني، لأنه أبلغ في الزجر وأحرى بقطع العادة «.
الحكم الخامس : ما هو حد الذمي المحصن؟
اختلف العلماء في حد الذمي المحصن فذهب الحنفية إلى أن حدَّه ( الجلد ) وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن حده الرجم.
دليل الأحناف :
١- حديث ابن عمر ( من اشرك بالله فليس بمحصن ) قالوا : والمراد به إحصان الرجم، وأما رجم الرسول ﷺ لليهودِيّيْنِ فإنما كان بحكم التوراة.
٢- قالوا : إن النعمة في حق المسلم أعظم فكانت جنايته أغلظ ولهذا تُشدّد العقوبة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في حق أمهات المؤمنين ﴿ يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ].
٣- واستدلوا أيضاً بأن إحصان القذف يعتبر فيه ( الإسلام ) بالإجماع، فكذلك إحصان الرجم، والجامعُ هو كمال النعمة.
دليل الشافعية :
١- استدلوا بعموم قوله ﷺ :» إذا قبلوا الجزية فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين «.
٢- واستدلوا بما ثبت في » الصحيحين « عن ابن عمر رضي الله عنهما :» أن اليهود أتوا النبي ﷺ برجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال : ما تجدون في كتابكم؟ قالوا : نسخِّم وجوههما ويخزيان، قال : كذبتم إنَّ فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاءوا بقارئ لهم، فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له ارفع يدك، فرفع يده فإذا هي تلوح، فقالوا يا محمد : إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما... قال : فلقد رأيته يُحنى على المرأة يقيها الحجارة بنفسه « رواه البخاري ومسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه :» مُرّ على النبي ﷺ بيهودي محمّم مجلود، فدعاهم فقال : أهكذا تجدون حد الزنى في كتابكم؟ قالوا : نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال : لا.. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر في أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا : تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال النبي ﷺ :« اللهم إني أول من أحيا أمرك إذْ أماتوه » «
302
فأمر به فرجم، فأنزل الله تعالى ﴿ ياأيها الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر ﴾ إلى قوله ﴿ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ ﴾ [ المائدة : ٤١ ] يقولون : ائتوا محمداً، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا... « فقد رجم رسول الله ﷺ اليهوديين فإن كان ذلك حكماً بشرعِهِ فالأمرُ ظاهر، وإن كان حكماً بشرع من قبله فقد صار شرعاً له.
٣- وقالوا : إنّ زنى الكافر مثل زنى المسلم في الحاجة إلى الزَّاجر فلذا يرجم.
٤- وتأولوا حيدث ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) بأن المراد به ليس على قاذف المشرك عقوبة كما تجب على قاذف المسلم العفيف.
٥- وأجابوا على القياس على حد القذف، بأن حد القذف ثبت لرفع العار كرامةً للمقذوف، والكافرُ لا يكون محلاً للكرامة...
الترجيح : ولعلَّ ما ذهب إلأيه الشافعية أرجح لقوة أدلتهم حيث أن النبي ﷺ رجم الزانيين من اليهود فكان ذلك حجَّةً واضحة.
الحكم السادس : من الذي يتولى إقامة الحدود؟
الظاهر من قوله تعالى :﴿ فاجلدوا ﴾ أنه خطاب موجه ( لأولي الأمر ) من الحكام لأن فيه مصلحة للمجتمع وذلك بدرء الفساد، واستصلاح العباد وكلُّ ما كان من قبيل المصلحة العامة، فإنما يكون تنفيذه على الإمام أو من ينيبه من القضاء أو الولاة أو غيرهم. وقد اتفق العلماء على أن الذي يقيم الحدود على الأحرار إنما هو الإمام أو نائبه أما الأرقاء ( العبيد ) فقد اختلفوا فيهم على مذهبين :
أ- مذهب ( مالك والشافعي وأحمد ) قالوا : يجوز للسيد أن يقيم الحد على بعده وأمته في الزنى والخمر والقذف وأما السرقة فإنه من حقّ الإمام.
ب- مذهب ( الأحناف ) : قالوا : إقامة الحدود كلها من حق الإمام، ولا يملك السيد أن يقيم حدّاً ما إلى بإذن الإمام.
تحجة الجمهور : احتج الجمهور بنصوص من السنة النبوية وبآثار عن الصحابة نلخصها فيما يلي : ١- حديث أبي هريرة ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يُثَرّبْ ثمَّ إن زنت فليبعها ولو بحبل من شعر ).
قالوا : فقد أذن الرسول ﷺ للسيد بإقامة الحد على العبد، ومعنى لا يثرّب : أي لا يجاوز الحدّ في الجلد ولا يبالغ فيه.
٣- وقالوا : إنّ زنى الكافر مثل زنى المسلم في الحاجة إلى الزَّاجر فلذا يرجم.
٤- وتأولوا حيدث ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) بأن المراد به ليس على قاذف المشرك عقوبة كما تجب على قاذف المسلم العفيف.
٥- وأجابوا على القياس على حد القذف، بأن حد القذف ثبت لرفع العار كرامةً للمقذوف، والكافرُ لا يكون محلاً للكرامة...
الترجيح : ولعلَّ ما ذهب إلأيه الشافعية أرجح لقوة أدلتهم حيث أن النبي ﷺ رجم الزانيين من اليهود فكان ذلك حجَّةً واضحة.
الحكم السادس : من الذي يتولى إقامة الحدود؟
الظاهر من قوله تعالى :﴿ فاجلدوا ﴾ أنه خطاب موجه ( لأولي الأمر ) من الحكام لأن فيه مصلحة للمجتمع وذلك بدرء الفساد، واستصلاح العباد وكلُّ ما كان من قبيل المصلحة العامة، فإنما يكون تنفيذه على الإمام أو من ينيبه من القضاء أو الولاة أو غيرهم. وقد اتفق العلماء على أن الذي يقيم الحدود على الأحرار إنما هو الإمام أو نائبه أما الأرقاء ( العبيد ) فقد اختلفوا فيهم على مذهبين :
أ- مذهب ( مالك والشافعي وأحمد ) قالوا : يجوز للسيد أن يقيم الحد على بعده وأمته في الزنى والخمر والقذف وأما السرقة فإنه من حقّ الإمام.
ب- مذهب ( الأحناف ) : قالوا : إقامة الحدود كلها من حق الإمام، ولا يملك السيد أن يقيم حدّاً ما إلى بإذن الإمام.
تحجة الجمهور : احتج الجمهور بنصوص من السنة النبوية وبآثار عن الصحابة نلخصها فيما يلي : ١- حديث أبي هريرة ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يُثَرّبْ ثمَّ إن زنت فليبعها ولو بحبل من شعر ).
قالوا : فقد أذن الرسول ﷺ للسيد بإقامة الحد على العبد، ومعنى لا يثرّب : أي لا يجاوز الحدّ في الجلد ولا يبالغ فيه.
303
٢- حديث علي كرم الله وجهه ( أقيموا الحدودَ على ما ملكتْ أيمانُكم مَنْ أُحْصِن أوْ لم يحْصن ).
٣- ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقام حداً على بعض إمائه فجعل يضرب رجليها وساقيها، فقال له ولده ( سالم ) فأين قول الله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ ؟ فقال يا بنيّ : أتراني أشفقت عليها إن الله تعالى لم يأمرني أن أقتلها.
قالوا : ولم يكن ابن عمر والياً ولا نائباً عن الوالي فدل على جواز إقامة الحد من جهة السيِّد.
حجة الأحناف :
١- واحتج الأحناف بظاهر الآية الكريمة ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا ﴾ وقالوا : إن الآية عامة في كل زان وزانية وهو خطاب مع الأئمة دون سائر الناس، والآية لم نفرق بين الأحرار والعبيد، فوجب أن تكون إقامة الحد على الأحرار وعلى العبيد للأئمة دون الناس.
٢- وتأولوا الأحاديث التي استدل بها الجمهور بأن المراد بها أن يرفع الموالي أمر عبيدهم إلى الحكام ليجلدوهم ويقيموا عليهم الحد، ولا يسكتوا عنهم فيكون المراد من الحديث الشريف ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) إي بلغوا أمرهم للحكام ولا تخفوا عنهم ذلك ليقيموا عليهم حدود الله.
٣- وقالوا : إن جلد ابن عمر بعض إمائه - إن صح - كان رأياً له لا يعارض العموم في الآية.
الترجيح : ولعل ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح سيما بعد أن وضَّحته السنة النبوية وتعزّز بفعل بعض الصحابة الأخيار، والله أعلم.
الحكم السابع : ما هي صفة الجلد وكيفيته؟
استدل العلماء من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾ على أنه لا يجوز تخفيف العقوبة على الزاني بإسقاطها وإنقاص العدد، أو تخفيف الضرب، فإن العقوبة ما شعرت إلا للزجر والتأديب.
قال القرطبي : والضرب الذي يجب تنفيذه، هو أن يكون مؤلماً لا يجرح، ولا يبضع، ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه، وقد أتى عمر رضي الله عنه برجل في حد فقال : للضارب اضرب ولا يرى إبطك وأعط كل عضو حقه، وأتي بشارب فقال : لأبعثنك إلى رجلا لا تأخذه فيك هوادة، فبعثه إلى ( مطيع بن الأسود ) فقال : إذا أصبحت الغد فاضربه الحد، فجاء عمر رضي الله عنه وهو يضربه ضرباً شديداً فقال : قتلتَ الرجل كم ضربته؟ فقال : ستين فقال : اقصَّ عنه بعشرين. يريد بذلك أن يجعل شدة الضرب الذي ضربه قصاصاً بالعشرين التي بقيت ولا يضربه العشرين.
فينبغي أن يكون الضرب معتدلاً، لأن الغرض ( الإيلام ) لا سلخ الجلود وإزهاق الأرواح، وهذا كما مر في حديث ابن عمر حين جلد جاريته، واعترض عليه ولده فقال أين قول الله :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ فقال يا بين ( ورأيتني أخذتني بها رأفة ) إن الله تعالى لم يأمرني أن اقتلها ولا أن أجعل جَلْدها في رأسها وقد أوجعت حيث ضربت.
٣- ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقام حداً على بعض إمائه فجعل يضرب رجليها وساقيها، فقال له ولده ( سالم ) فأين قول الله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ ؟ فقال يا بنيّ : أتراني أشفقت عليها إن الله تعالى لم يأمرني أن أقتلها.
قالوا : ولم يكن ابن عمر والياً ولا نائباً عن الوالي فدل على جواز إقامة الحد من جهة السيِّد.
حجة الأحناف :
١- واحتج الأحناف بظاهر الآية الكريمة ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا ﴾ وقالوا : إن الآية عامة في كل زان وزانية وهو خطاب مع الأئمة دون سائر الناس، والآية لم نفرق بين الأحرار والعبيد، فوجب أن تكون إقامة الحد على الأحرار وعلى العبيد للأئمة دون الناس.
٢- وتأولوا الأحاديث التي استدل بها الجمهور بأن المراد بها أن يرفع الموالي أمر عبيدهم إلى الحكام ليجلدوهم ويقيموا عليهم الحد، ولا يسكتوا عنهم فيكون المراد من الحديث الشريف ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) إي بلغوا أمرهم للحكام ولا تخفوا عنهم ذلك ليقيموا عليهم حدود الله.
٣- وقالوا : إن جلد ابن عمر بعض إمائه - إن صح - كان رأياً له لا يعارض العموم في الآية.
الترجيح : ولعل ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح سيما بعد أن وضَّحته السنة النبوية وتعزّز بفعل بعض الصحابة الأخيار، والله أعلم.
الحكم السابع : ما هي صفة الجلد وكيفيته؟
استدل العلماء من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾ على أنه لا يجوز تخفيف العقوبة على الزاني بإسقاطها وإنقاص العدد، أو تخفيف الضرب، فإن العقوبة ما شعرت إلا للزجر والتأديب.
قال القرطبي : والضرب الذي يجب تنفيذه، هو أن يكون مؤلماً لا يجرح، ولا يبضع، ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه، وقد أتى عمر رضي الله عنه برجل في حد فقال : للضارب اضرب ولا يرى إبطك وأعط كل عضو حقه، وأتي بشارب فقال : لأبعثنك إلى رجلا لا تأخذه فيك هوادة، فبعثه إلى ( مطيع بن الأسود ) فقال : إذا أصبحت الغد فاضربه الحد، فجاء عمر رضي الله عنه وهو يضربه ضرباً شديداً فقال : قتلتَ الرجل كم ضربته؟ فقال : ستين فقال : اقصَّ عنه بعشرين. يريد بذلك أن يجعل شدة الضرب الذي ضربه قصاصاً بالعشرين التي بقيت ولا يضربه العشرين.
فينبغي أن يكون الضرب معتدلاً، لأن الغرض ( الإيلام ) لا سلخ الجلود وإزهاق الأرواح، وهذا كما مر في حديث ابن عمر حين جلد جاريته، واعترض عليه ولده فقال أين قول الله :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ فقال يا بين ( ورأيتني أخذتني بها رأفة ) إن الله تعالى لم يأمرني أن اقتلها ولا أن أجعل جَلْدها في رأسها وقد أوجعت حيث ضربت.
304
هل الضرب في الحدود على السواء؟
وقد اختلف الفقهاء في الحدود أيها أشد؟
فقال الأحناف : ضربُ الزِّنى أشد من ضرب الخمر، وضربُ الشُرْب أشدُ من ضرب القذف، وأشدُّ الضربِ إنما هو في التعزير.
وقال المالكية والشافعية : الضرب في الحدود كلها سواء. ضربٌ غيرُ مبرّح، ضربٌ بين ضربين.
وقال الثوري : ضربُ الزنى أشدُّ من ضرب القذف، وضرب القذف أشد من ضرب الخمر.
احتج ( أبو حنيفة ) بفعل عمر، حيث ضرب في التعزير ضرباً أشد منه في الزنى.
واحتج ( مالك والشافعي ) بأن الحدود موقوفة على الشاعر وليس فيها مجال للاجتهاد، ولم يرد عن المعصوم ﷺ شيء في التخفيف أو التثقيل فتكون الحدود سواء.
واحتج ( الثوري ) بأن الزنى لمّا كان أكثر في العدد، فلا بد أن يكون الجُرم فيه أعظم، والعقوبة أبلغ، بخلاف القذف والخمر.
ومذهب الثوري على ما عرفت قريب من مذهب الأحناف.
وقد انتصر ( الجصاص ) رحمه الله للمذهب الأول فقال ما نصه :
قد دلَّ قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ على شدة ضرب الزاني، وأنه أشد من ضرب الشارب والقاذف لدلالة الآية على شدة الضرب فيه ولأن ضرب الشارب كان من النبي ﷺ بالجريد والنعال، وضربُ الزاني إنما يكون بالسوط وهذا يوجب أن يكون ضرب الزاني أشد من ضرب الشارب. وإنما جعلوا ضرب ( القاذف ) أخف الضرب لأن القاذف جائزٌ أن يكون صادقاً في قذفه وأنّ له شهوداً على ذلك، والشهودُ مندوبون إلى الستر على الزاني وإنما وجب عليه الحد لقعود الشهود عن الشهادة وذلك يوجب تخفيف الضرب.
ومن جهة أخرى : فإنَّ القاذف قد غلظت عليه العقوبة في إبطال شهادته فغير جائز التغليظ عليه من جهة شدة الضرب.
وينبغي أن نعلم ان الحدود موقوفة على تقدير الشارع، فلا تجوز الزيادة فهيا ولا النقصان إلا إذا كان على وجه التعزير، فللحاكم أن يشدِّد في العقوبة.
قال العلامة القرطبي :
نصَّ الله تعالى على عدد الجلد في الزنى والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ( ثمانين ) جلدة من فعل عمر رضي الله عنه في جمعٍ من الصحابة فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله، قال ابن العربي : وهذا لم يتتابع الناس في الشرّ، ولا احلَوْلَت لهم المعاصي حتى يتخذوها ضَراوة ويعطف الناس عليهم بالهَوادة فلا يتناهوا عن منكرٍ فعلوه فحيئذ تتعين الشدة ويزيد الحد لأجل زيادة الذنب، وقد أتي عمر بسكران في رمضان، فضربه مائةً، ( ثمانين ) حد الخمر، و ( عشرين ) لهتك حرمة الشهر، فهكذا يجب أن تتركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات، وقد لعبق رجلٌ بصبيٍّ، فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغيّر ذلك ( مالك ) رحمه الله حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات، والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر، وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة لمات كمداً ولم يجالس أحداً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد اختلف الفقهاء في الحدود أيها أشد؟
فقال الأحناف : ضربُ الزِّنى أشد من ضرب الخمر، وضربُ الشُرْب أشدُ من ضرب القذف، وأشدُّ الضربِ إنما هو في التعزير.
وقال المالكية والشافعية : الضرب في الحدود كلها سواء. ضربٌ غيرُ مبرّح، ضربٌ بين ضربين.
وقال الثوري : ضربُ الزنى أشدُّ من ضرب القذف، وضرب القذف أشد من ضرب الخمر.
احتج ( أبو حنيفة ) بفعل عمر، حيث ضرب في التعزير ضرباً أشد منه في الزنى.
واحتج ( مالك والشافعي ) بأن الحدود موقوفة على الشاعر وليس فيها مجال للاجتهاد، ولم يرد عن المعصوم ﷺ شيء في التخفيف أو التثقيل فتكون الحدود سواء.
واحتج ( الثوري ) بأن الزنى لمّا كان أكثر في العدد، فلا بد أن يكون الجُرم فيه أعظم، والعقوبة أبلغ، بخلاف القذف والخمر.
ومذهب الثوري على ما عرفت قريب من مذهب الأحناف.
وقد انتصر ( الجصاص ) رحمه الله للمذهب الأول فقال ما نصه :
قد دلَّ قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ على شدة ضرب الزاني، وأنه أشد من ضرب الشارب والقاذف لدلالة الآية على شدة الضرب فيه ولأن ضرب الشارب كان من النبي ﷺ بالجريد والنعال، وضربُ الزاني إنما يكون بالسوط وهذا يوجب أن يكون ضرب الزاني أشد من ضرب الشارب. وإنما جعلوا ضرب ( القاذف ) أخف الضرب لأن القاذف جائزٌ أن يكون صادقاً في قذفه وأنّ له شهوداً على ذلك، والشهودُ مندوبون إلى الستر على الزاني وإنما وجب عليه الحد لقعود الشهود عن الشهادة وذلك يوجب تخفيف الضرب.
ومن جهة أخرى : فإنَّ القاذف قد غلظت عليه العقوبة في إبطال شهادته فغير جائز التغليظ عليه من جهة شدة الضرب.
وينبغي أن نعلم ان الحدود موقوفة على تقدير الشارع، فلا تجوز الزيادة فهيا ولا النقصان إلا إذا كان على وجه التعزير، فللحاكم أن يشدِّد في العقوبة.
قال العلامة القرطبي :
نصَّ الله تعالى على عدد الجلد في الزنى والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ( ثمانين ) جلدة من فعل عمر رضي الله عنه في جمعٍ من الصحابة فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله، قال ابن العربي : وهذا لم يتتابع الناس في الشرّ، ولا احلَوْلَت لهم المعاصي حتى يتخذوها ضَراوة ويعطف الناس عليهم بالهَوادة فلا يتناهوا عن منكرٍ فعلوه فحيئذ تتعين الشدة ويزيد الحد لأجل زيادة الذنب، وقد أتي عمر بسكران في رمضان، فضربه مائةً، ( ثمانين ) حد الخمر، و ( عشرين ) لهتك حرمة الشهر، فهكذا يجب أن تتركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات، وقد لعبق رجلٌ بصبيٍّ، فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغيّر ذلك ( مالك ) رحمه الله حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات، والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر، وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة لمات كمداً ولم يجالس أحداً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
305
الحكم الثامن : ما هي الأعضاء التي تضرب في الحد؟
اتفق العلماء على أن الضرب في الحدود ينبغي أن يتقي به ( الوجه، والعورة، والمقاتل ) حتى حكى ابن عطية الإجماع على ذلك ولكن اختلفوا فيما عداها من الأعضاء.
قال ابن الجوزي في « زاد المسير » :( فأما ما يضرب من الأعضاء فنقل عن الإمام أحمد في حد الزاني أنه قال يجرّد من الثياب ويعطي كل عضو حقه، ولا يضرب وجهه ورأسه وروي عنه أيضاً : لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا المذاكير وهو قول أبي حنيفة وقال مالك : لا يضرب إلا في الظهر. وقال الشافعي : يتقي الفرج والوجه ).
قال القرطبي : واختلفوا في ضرب الرأس، فقال الجمهور : يتقي الرأس وقال ( أبو يوسف ) يضرب الرأس وضرب عمر رضي الله عنه ( صبيغاً ) في رأسه وكان تعزيزاً لا حداً.
أما الوجه والعورة فمتفق على حرمة الضرب فيهما لقوله ﷺ :« إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ».
وروي عن علي رضي الله عنه أنه أتى برجل سكران أو في حد، فقال : اضرب وأعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير... وإنما يتقي الفرج لأنه مقتل - وجاء في بعض الروايات - أنه قال :( إجْتَنِبْ رأسه ومذكيره وأعطِ كل عضو حقه ). وقد استدل الجمهور على حرمة ضرب الرأس بما روي عن علي في الحديث السابق، وفيه النص على اجتناب الرأس، وقالوا : إن الرأس بما روي عن علي في الحديث السابق، وفيه النص على اجتناب الرأس، وقالوا : إن الرأس كالوجه سمنع من ضربه وربما أثر الضربُ فيه على السمع والبصر وربما حدث بسبب الضرب خلل في العقل، واستدل الشافعي وأبو يوسف على جواز ضرب الرأس بما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أتي برجدل انتفى من ابنه، فقال أبو بكر : اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس. وبما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب ( صبيغ بن عسيل ) على رأسه حين سأل عن ( الذاريات ذروا ) على وجه التعنت.
وأما مالك رحمه الله فمذهبه أن الحدود كلها يجب أن تكون في الظهر وحجته في ذلك عمل السلف الصالح وقوله عليه السلام : لهلال بن أمية حين قذف امرأته ( البينة أو حدّ في ظهرك ).
وينبغي أن يجرّد المجلود من الثياب ويضرب قائماً غير ممدود، إلا ( حد القذف ) فإنه يضرب وعليه ثيابه وينزع عنه الحشو والفرو، وأما المرأة فتترك عليها ثيابها وتضرب قاعدة ستراً عليها، والدلي ما روي في حديث رجم النبي ﷺ لليهوديين، وفيه يقول الراوي ( ورأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة ).
اتفق العلماء على أن الضرب في الحدود ينبغي أن يتقي به ( الوجه، والعورة، والمقاتل ) حتى حكى ابن عطية الإجماع على ذلك ولكن اختلفوا فيما عداها من الأعضاء.
قال ابن الجوزي في « زاد المسير » :( فأما ما يضرب من الأعضاء فنقل عن الإمام أحمد في حد الزاني أنه قال يجرّد من الثياب ويعطي كل عضو حقه، ولا يضرب وجهه ورأسه وروي عنه أيضاً : لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا المذاكير وهو قول أبي حنيفة وقال مالك : لا يضرب إلا في الظهر. وقال الشافعي : يتقي الفرج والوجه ).
قال القرطبي : واختلفوا في ضرب الرأس، فقال الجمهور : يتقي الرأس وقال ( أبو يوسف ) يضرب الرأس وضرب عمر رضي الله عنه ( صبيغاً ) في رأسه وكان تعزيزاً لا حداً.
أما الوجه والعورة فمتفق على حرمة الضرب فيهما لقوله ﷺ :« إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ».
وروي عن علي رضي الله عنه أنه أتى برجل سكران أو في حد، فقال : اضرب وأعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير... وإنما يتقي الفرج لأنه مقتل - وجاء في بعض الروايات - أنه قال :( إجْتَنِبْ رأسه ومذكيره وأعطِ كل عضو حقه ). وقد استدل الجمهور على حرمة ضرب الرأس بما روي عن علي في الحديث السابق، وفيه النص على اجتناب الرأس، وقالوا : إن الرأس بما روي عن علي في الحديث السابق، وفيه النص على اجتناب الرأس، وقالوا : إن الرأس كالوجه سمنع من ضربه وربما أثر الضربُ فيه على السمع والبصر وربما حدث بسبب الضرب خلل في العقل، واستدل الشافعي وأبو يوسف على جواز ضرب الرأس بما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أتي برجدل انتفى من ابنه، فقال أبو بكر : اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس. وبما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب ( صبيغ بن عسيل ) على رأسه حين سأل عن ( الذاريات ذروا ) على وجه التعنت.
وأما مالك رحمه الله فمذهبه أن الحدود كلها يجب أن تكون في الظهر وحجته في ذلك عمل السلف الصالح وقوله عليه السلام : لهلال بن أمية حين قذف امرأته ( البينة أو حدّ في ظهرك ).
وينبغي أن يجرّد المجلود من الثياب ويضرب قائماً غير ممدود، إلا ( حد القذف ) فإنه يضرب وعليه ثيابه وينزع عنه الحشو والفرو، وأما المرأة فتترك عليها ثيابها وتضرب قاعدة ستراً عليها، والدلي ما روي في حديث رجم النبي ﷺ لليهوديين، وفيه يقول الراوي ( ورأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة ).
306
. وهذا يدل على أن الرجل كان قائماً والمرأة قاعدة والله أعلم.
الحكم التاسع : تحريم الشفاعة في الحدود.
لا تجوز الشفاعة في الحدود لقوله ﷺ :« من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضادّ الله تعالى » ولأن الحدود إنما شرعت للزجر والتأنيب، والشفاعةُ تدفع هذا المعنى ولا تحققه وقد دلت الآية الكريمة على تحريم الشفاعة وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ وقد تأولها السلف على أحد وجهين :
١- المراد منها تخفيف الحد، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري.
٢- المراد إسقاطُ الحد، وهو قول مجاهد والشعبي.
قال ابن العربي : وهو عندي محمول عليهما جميعاً، فلا يجوز أن يحمل أحداً رأفة على زان بأن يُسْقط الحد أو يخفَّفه عنه.
ولما كانت الشفاعة تحول دون تنفيذ الحد كانت محرمة.
ومما يدل على تحريم الشفاعة في ( الحدود ) ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا : مَنْ يكلِّم فيها رسول الله ﷺ ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبُّ رسول الله ﷺ ؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله ﷺ : أتشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام فاختطب ثم قال :« إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ».
وكما تحرم الشفاعة في الحدود يحرم على الإمام قبولها فقد روي أن ( الزبير بن العوام ) لقي رجلاً قد أخذ سارقاً يريد أن يهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال : ل، حتى أبلغ به إلى السلطان فقال الزبير : إنما الشفاعة قبل أن تبلغ إلى السلطان فإذا بلغ السلطان لُعِنَ الشافعُ والمشفَّع ) رواه البخاري.
الحكم العاشر : حضور الحد وشهوده.
ظاهر الأمر في قوله تعالى :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾ يقتضي وجوب حضور جمع من المؤمنين عند إقامة الحد والمقصود من حضورهم ( حدَّ الزانيين ) التنكيلُ، والعبرةُ، والعظة. وقد أختلف العلماء في هذه الطائفة على أقوال :
أ- الطائفة : رجل واحد فما فوقه وهو قول مجاهد.
ب- الطائفة : اثنان فأكثر وهو قول عكرمة وعطاء وبه أخذ المالكية.
ج- الطائفة : ثلاثة فأكثر لأنه أقل الجمع وهو قول الزهري.
د- الطائفة : أربعة فأكثر بعدد شهود الزنى وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وبه أخذ الشافعية وهو الصحيح.
قال الزمخشري في « الكشاف » بعد سرده الأقوال :
( والصحيح أن هذه الكبيرة من أمهات الكبائر ولهذا قرنها الله بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى :
الحكم التاسع : تحريم الشفاعة في الحدود.
لا تجوز الشفاعة في الحدود لقوله ﷺ :« من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضادّ الله تعالى » ولأن الحدود إنما شرعت للزجر والتأنيب، والشفاعةُ تدفع هذا المعنى ولا تحققه وقد دلت الآية الكريمة على تحريم الشفاعة وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله ﴾ وقد تأولها السلف على أحد وجهين :
١- المراد منها تخفيف الحد، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري.
٢- المراد إسقاطُ الحد، وهو قول مجاهد والشعبي.
قال ابن العربي : وهو عندي محمول عليهما جميعاً، فلا يجوز أن يحمل أحداً رأفة على زان بأن يُسْقط الحد أو يخفَّفه عنه.
ولما كانت الشفاعة تحول دون تنفيذ الحد كانت محرمة.
ومما يدل على تحريم الشفاعة في ( الحدود ) ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا : مَنْ يكلِّم فيها رسول الله ﷺ ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبُّ رسول الله ﷺ ؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله ﷺ : أتشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام فاختطب ثم قال :« إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ».
وكما تحرم الشفاعة في الحدود يحرم على الإمام قبولها فقد روي أن ( الزبير بن العوام ) لقي رجلاً قد أخذ سارقاً يريد أن يهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال : ل، حتى أبلغ به إلى السلطان فقال الزبير : إنما الشفاعة قبل أن تبلغ إلى السلطان فإذا بلغ السلطان لُعِنَ الشافعُ والمشفَّع ) رواه البخاري.
الحكم العاشر : حضور الحد وشهوده.
ظاهر الأمر في قوله تعالى :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾ يقتضي وجوب حضور جمع من المؤمنين عند إقامة الحد والمقصود من حضورهم ( حدَّ الزانيين ) التنكيلُ، والعبرةُ، والعظة. وقد أختلف العلماء في هذه الطائفة على أقوال :
أ- الطائفة : رجل واحد فما فوقه وهو قول مجاهد.
ب- الطائفة : اثنان فأكثر وهو قول عكرمة وعطاء وبه أخذ المالكية.
ج- الطائفة : ثلاثة فأكثر لأنه أقل الجمع وهو قول الزهري.
د- الطائفة : أربعة فأكثر بعدد شهود الزنى وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وبه أخذ الشافعية وهو الصحيح.
قال الزمخشري في « الكشاف » بعد سرده الأقوال :
( والصحيح أن هذه الكبيرة من أمهات الكبائر ولهذا قرنها الله بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى :
307
﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] وفي قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ] ولذلك وفّى الله في عقد المائة بكماله، وشرع فيه القَتْلَة الهُوْلة وهي الرجم ونهى المؤمنين عن الرأفة بالمجلود وأمر بشهادة الطائفة للتشهير فوجب أن يكون طائفة يحصل بها التشهير، والواحد والاثنان ليسوا بتلك المثابة، واختصاصه المؤمنين لأن ذلك أفضح والفاسق بين صلحاء قومه أخجل ويسهد له قول ابن عباس رضي الله عنهما : أربعة إلىأربعين رجلاً من المصدِّقين بالله ).
الحكم الحادي عشر : ما هو حكم اللواط، والسحاق، وإتيان البهائم؟!
جريمة اللواط من أشنع الجرائم وأقبحها، وهي تدل على انحراف في الفطرة، وفساد في العقل، وشذوذ في النفس ومعنى ( اللواط ) أن ينكح الرجلُ الرجلَ، ويأتيَ الذكرُ الذكرَ، كما قال تعالى عن قوم لوط ﴿ أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [ الشعراء : ١٦٥ - ١٦٦ ] ؟ - وسميت باللواط نسبة إلى قوم ( لوط ) الذين ظهرت فيهم هذه الفعلة الشنيعة، وقد عاقبهم الله تعالى عليها بأقسى عقوبة، فخسب الأرض بهم، وأمطر عليهم حجار من سجيل جزاء فَعْلتهم القذرة... وجعل ذلك قرآناً يتلى، ليقي عبرةً للأمم والأجيال ﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ ﴾ [ هود : ٨٢ - ٨٣ ].
قال الشوكاني رحمه الله :( وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارف هذه الرذيلة الذميمة، بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيباً يكسِرُ شهوة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يَصْلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشبهاً لعقوبتهم وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بِكْرَهُم وثيبّهم ).
رأي الفقهاء في حكم اللواط :
وهذه الجريمة النكراء غاية في القبح والشناعة، تعافها حتى الحيوانات فلا نكاد نجد حيواناً من الذكور ينزو على ذكر، وإنما يظهر هذا الشذوذ بين البشر، ومن أجل ذلك نستطيع أن نقول إنَّ هذا النوع من الشذوذ ( لوثة أخلاقية )، ومرض نفسي خطير وهو انحراف بالفطرة تستوجب أخذ مقترفها بالشدة، وقد اختلف الفقهاء في تقدير العقوبة اللازمة لها على ثلاثة مذاهب :
أولاً : مذهب القائلين بالقتل مطلقاً.
ثانياً : مذهب القائلين بأن حده كحد الزنى.
ثالثاً : مذهب القائلين بالتعزير.
المذهب الأول :
أما المذهب الأول فهو مذهب ( مالك وأحمد ) وقول ( للشافعي ) وقد ذهبوا إلى أنّ حدّه القتل، سواء كان بكراً أم ثيباً، فاعلاً أو مفعولاً به، وهذا القول مروي عن أبي بكر وعمر وابن عباس رضوان الله عليهم أجمعين وإليه ذهبت طائفة من العلماء، ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أن الحد في اللواط القتل.
الحكم الحادي عشر : ما هو حكم اللواط، والسحاق، وإتيان البهائم؟!
جريمة اللواط من أشنع الجرائم وأقبحها، وهي تدل على انحراف في الفطرة، وفساد في العقل، وشذوذ في النفس ومعنى ( اللواط ) أن ينكح الرجلُ الرجلَ، ويأتيَ الذكرُ الذكرَ، كما قال تعالى عن قوم لوط ﴿ أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [ الشعراء : ١٦٥ - ١٦٦ ] ؟ - وسميت باللواط نسبة إلى قوم ( لوط ) الذين ظهرت فيهم هذه الفعلة الشنيعة، وقد عاقبهم الله تعالى عليها بأقسى عقوبة، فخسب الأرض بهم، وأمطر عليهم حجار من سجيل جزاء فَعْلتهم القذرة... وجعل ذلك قرآناً يتلى، ليقي عبرةً للأمم والأجيال ﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ ﴾ [ هود : ٨٢ - ٨٣ ].
قال الشوكاني رحمه الله :( وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارف هذه الرذيلة الذميمة، بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيباً يكسِرُ شهوة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يَصْلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشبهاً لعقوبتهم وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بِكْرَهُم وثيبّهم ).
رأي الفقهاء في حكم اللواط :
وهذه الجريمة النكراء غاية في القبح والشناعة، تعافها حتى الحيوانات فلا نكاد نجد حيواناً من الذكور ينزو على ذكر، وإنما يظهر هذا الشذوذ بين البشر، ومن أجل ذلك نستطيع أن نقول إنَّ هذا النوع من الشذوذ ( لوثة أخلاقية )، ومرض نفسي خطير وهو انحراف بالفطرة تستوجب أخذ مقترفها بالشدة، وقد اختلف الفقهاء في تقدير العقوبة اللازمة لها على ثلاثة مذاهب :
أولاً : مذهب القائلين بالقتل مطلقاً.
ثانياً : مذهب القائلين بأن حده كحد الزنى.
ثالثاً : مذهب القائلين بالتعزير.
المذهب الأول :
أما المذهب الأول فهو مذهب ( مالك وأحمد ) وقول ( للشافعي ) وقد ذهبوا إلى أنّ حدّه القتل، سواء كان بكراً أم ثيباً، فاعلاً أو مفعولاً به، وهذا القول مروي عن أبي بكر وعمر وابن عباس رضوان الله عليهم أجمعين وإليه ذهبت طائفة من العلماء، ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أن الحد في اللواط القتل.
308
واستدلوا بما يأتي :
أ- حديث ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ).
ب- ما روي عن علي كرم الله وجهه أنه رجم من عمل هذا العمل - أي ارتكب اللواطة - قال الشافعي : وبهذا نأخذ برجم من يعمل هذا العمل محصناً كان أو غير محصن.
ج- واستدلوا أيضاً بما روي عن أبي بكر أنه جمع أصحاب رسول الله ﷺ فسألهم عن رجل يُنْكح كما تنكح النساء فكان أشدهم يومئذ قولاً ( علي بن أبي طالب ) قال :( هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم، إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن تحرقه بالنار ) فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار.
كيفية القتل :
ثم إن هؤلاء القائلين بالقتل قد اختلفوا في كيفية القتل على أقوال :
أحدها : تحزّ رقبته كالمرتد، وهو مروي عن ( أبي بكر وعلي ).
ثانيها : يرجم بالحجارة، وهو مروي عن ابن عباس وبه قال ( مالك وأحمد ).
ثالثها : يلقى من أعلى شاهق، وهو مشهور مذهب مالك.
رابعها : يهدم عليه جدار، وهو مروي عن أبي بكر الصديق. وإنما ذكروا هذه الوجوه لأن الله تعالى عذَّب قوم لوط بكل ذلك فقال تعالى :﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾ [ هود : ٨٢ ] ولك العقاب إنما استحقوه بسبب عظم الجريمة.
المذهب الثاني :
وذهب ( الشافعية ) إلى أن اللواط حده كحد الزنى، يجلد البكر، ويرجم المحصن، وهذا المذهب مروي عن بعض التابعين كعطاء، وقتادة والنخعي وسعيد بن المسيب وغيرهم.
وقد استدلوا على مذهبهم بالنص، والمعقول، والقياس.
أ- أما النص فما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان ».
فقد دل الحديث على أن حكمه كحكم الزنى.
ب- وأما المعقول فقد قالوا : إن الزنى عبارة عن إيلاج فرج في فرج، مشتهى طبعاً محرم شرعاً. والدبر أيضاً فرج لأن القبل إنما سمي فرجاً لما فيه من الانفراج وهذا المعنى حاصل في الدّبر فيكون مثله في الحكم.
ج- وأما القياس فقد قالوا : إن الأدلة الواردة في ( الزانيْين ) وإن لم تشملهما أيضاً لكنهما لاحقان بالزنى بطريق القياس، فقضاءُ الشهوة كما يكون في القبل يكون في الدبر بجامع الاشتهاء فيهما، وهو قبيح فيناسبه الزجر والحد يصلح زاجراً له.
المذهب الثالث :
وذهب الأئمة الأحناف إلى أن ( اللواط ) جريمة عظيمة وشنيعة ولكنه ليس كالزنى، فلا يكون حدُّه حدّ الزنى، وإنما فيه التعزير، واستدلوا بما يأتي :
أ- قالوا : الزنى غير اللواط من حيث اللغة فإن الزنى اسم لوطء الرجل المرأة في القبل، واللواطُ : اسم لوطء الرجل الرجل، ألا ترى أن القرآن فرَّق بينهما حيث قال عن قوم لوط
أ- حديث ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ).
ب- ما روي عن علي كرم الله وجهه أنه رجم من عمل هذا العمل - أي ارتكب اللواطة - قال الشافعي : وبهذا نأخذ برجم من يعمل هذا العمل محصناً كان أو غير محصن.
ج- واستدلوا أيضاً بما روي عن أبي بكر أنه جمع أصحاب رسول الله ﷺ فسألهم عن رجل يُنْكح كما تنكح النساء فكان أشدهم يومئذ قولاً ( علي بن أبي طالب ) قال :( هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم، إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن تحرقه بالنار ) فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار.
كيفية القتل :
ثم إن هؤلاء القائلين بالقتل قد اختلفوا في كيفية القتل على أقوال :
أحدها : تحزّ رقبته كالمرتد، وهو مروي عن ( أبي بكر وعلي ).
ثانيها : يرجم بالحجارة، وهو مروي عن ابن عباس وبه قال ( مالك وأحمد ).
ثالثها : يلقى من أعلى شاهق، وهو مشهور مذهب مالك.
رابعها : يهدم عليه جدار، وهو مروي عن أبي بكر الصديق. وإنما ذكروا هذه الوجوه لأن الله تعالى عذَّب قوم لوط بكل ذلك فقال تعالى :﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾ [ هود : ٨٢ ] ولك العقاب إنما استحقوه بسبب عظم الجريمة.
المذهب الثاني :
وذهب ( الشافعية ) إلى أن اللواط حده كحد الزنى، يجلد البكر، ويرجم المحصن، وهذا المذهب مروي عن بعض التابعين كعطاء، وقتادة والنخعي وسعيد بن المسيب وغيرهم.
وقد استدلوا على مذهبهم بالنص، والمعقول، والقياس.
أ- أما النص فما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان ».
فقد دل الحديث على أن حكمه كحكم الزنى.
ب- وأما المعقول فقد قالوا : إن الزنى عبارة عن إيلاج فرج في فرج، مشتهى طبعاً محرم شرعاً. والدبر أيضاً فرج لأن القبل إنما سمي فرجاً لما فيه من الانفراج وهذا المعنى حاصل في الدّبر فيكون مثله في الحكم.
ج- وأما القياس فقد قالوا : إن الأدلة الواردة في ( الزانيْين ) وإن لم تشملهما أيضاً لكنهما لاحقان بالزنى بطريق القياس، فقضاءُ الشهوة كما يكون في القبل يكون في الدبر بجامع الاشتهاء فيهما، وهو قبيح فيناسبه الزجر والحد يصلح زاجراً له.
المذهب الثالث :
وذهب الأئمة الأحناف إلى أن ( اللواط ) جريمة عظيمة وشنيعة ولكنه ليس كالزنى، فلا يكون حدُّه حدّ الزنى، وإنما فيه التعزير، واستدلوا بما يأتي :
أ- قالوا : الزنى غير اللواط من حيث اللغة فإن الزنى اسم لوطء الرجل المرأة في القبل، واللواطُ : اسم لوطء الرجل الرجل، ألا ترى أن القرآن فرَّق بينهما حيث قال عن قوم لوط
309
﴿ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [ النمل : ٥٥ ] وقال تعالى :﴿ أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [ الشعراء : ١٦٥ - ١٦٦ ] فنسبهم إلى الجهل والعدوان ولم ينسبهم إلى الزنى.
ب- قالوا والعرف أيضاً يعارض هذا وينقضه فالذي يأتي الفاحشة بالنساء يسمى ( زانياً ) والذي يأتي الفاحشة بالذكور يسمى ( لوطياً ) وقد تعارف الناس هذا منذ القديم، ألا ترى لو حلف لا يزني فلاط وبالعكس لم يحنث.
ج- وقالوا أيضاً - كيف يكون ( اللواط ) زنى وقد اختلف الصحابة في حكمه وهم أعلم باللغة وموارد اللسان ولو كان زنى لأغناهم نص الكتاب عن الاختلاف والاجتهاد.
د- وقالوا أيضاً : إن قياسه على الزنى ليس بسديد، لأن الزنى يدعو إليه الطبع وتشتهيه النفس، بخلاف اللواط فإنه تأباه الطباع حتى الحيوانات تعافه فكيف يكون مشتهى مع أنه تقذره النفوس ولا تميل إليه الطباع السليمة. ولو سلمنا أن الطبع يدعو إلى اللواط، فإن الزنى أعظم ضرراً وأسوء خطراً لما يترتب عليه من ( فساد الأنساب ) فكان الاحتياج فيه إلى الزاجر أشد وأقوى.
ه - واستدلوا بما ورد عن النبي ﷺ من قوله « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان، وكفر بعد إيمان، وقتل نفس بغير نفس » وقالوا : لقد حظر ﷺ قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث وفاعل ذلك خارج عنها لنه لا يسمى زنى ثم لو كان بمنزلة الزنى لفرّق ﷺ في حكمه بين المحصن، وغير المحصن : عندما قال :( فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) فلما لم يفرّق دلّ على أنه لم يوجبه على وجه ( الحد ) وإنما أوجبه على وجه ( التعزير ) وللحاكم في باب التعزير سعة في الأمر.
هذه هي خلاصة أدلة الأحناف وأدلة الآخرين.
وقد رجَّح العلامة الشوكاني المذهب الأول القاضي بالقتل وضعّف ما سواه من مذهب الشافعية والأحناف ولعله في صواب فيما رجح، فإن عظم هذه الجريمة ( جريمة اللواط ) تستدعي عقاباً شديداً صارماً يستأصل الجريمة من جذورها، ويكسر شهوة الفسقة المتمردين ويقضي على الفساد والمفسدين، وليس هناك من طريق أجدى ولا أنفع من تنفيذ الإعدام حرقاً أو هدماً أو رجماً أو إلقاء من شاهق جبل ليكون عبرة للمعتبرين وفي ذلك تطبيق لهدي النبوة :« من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ».
حكم السحاق وإيتان البهائم :
وأما السحاق ( وهو ما يكون بين المرأة والمرأة ) فقد اتفق الفقهاء على أنه ليس فيه إلا ( التعزير ) وأما إتيان البهائم فالجمهور على أنَّ حده التعزير إلاّ ما ورد في بعض الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله أن عقوبته كاللواط يقتل الفاعل وتقتل الدابة.
ب- قالوا والعرف أيضاً يعارض هذا وينقضه فالذي يأتي الفاحشة بالنساء يسمى ( زانياً ) والذي يأتي الفاحشة بالذكور يسمى ( لوطياً ) وقد تعارف الناس هذا منذ القديم، ألا ترى لو حلف لا يزني فلاط وبالعكس لم يحنث.
ج- وقالوا أيضاً - كيف يكون ( اللواط ) زنى وقد اختلف الصحابة في حكمه وهم أعلم باللغة وموارد اللسان ولو كان زنى لأغناهم نص الكتاب عن الاختلاف والاجتهاد.
د- وقالوا أيضاً : إن قياسه على الزنى ليس بسديد، لأن الزنى يدعو إليه الطبع وتشتهيه النفس، بخلاف اللواط فإنه تأباه الطباع حتى الحيوانات تعافه فكيف يكون مشتهى مع أنه تقذره النفوس ولا تميل إليه الطباع السليمة. ولو سلمنا أن الطبع يدعو إلى اللواط، فإن الزنى أعظم ضرراً وأسوء خطراً لما يترتب عليه من ( فساد الأنساب ) فكان الاحتياج فيه إلى الزاجر أشد وأقوى.
ه - واستدلوا بما ورد عن النبي ﷺ من قوله « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان، وكفر بعد إيمان، وقتل نفس بغير نفس » وقالوا : لقد حظر ﷺ قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث وفاعل ذلك خارج عنها لنه لا يسمى زنى ثم لو كان بمنزلة الزنى لفرّق ﷺ في حكمه بين المحصن، وغير المحصن : عندما قال :( فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) فلما لم يفرّق دلّ على أنه لم يوجبه على وجه ( الحد ) وإنما أوجبه على وجه ( التعزير ) وللحاكم في باب التعزير سعة في الأمر.
هذه هي خلاصة أدلة الأحناف وأدلة الآخرين.
وقد رجَّح العلامة الشوكاني المذهب الأول القاضي بالقتل وضعّف ما سواه من مذهب الشافعية والأحناف ولعله في صواب فيما رجح، فإن عظم هذه الجريمة ( جريمة اللواط ) تستدعي عقاباً شديداً صارماً يستأصل الجريمة من جذورها، ويكسر شهوة الفسقة المتمردين ويقضي على الفساد والمفسدين، وليس هناك من طريق أجدى ولا أنفع من تنفيذ الإعدام حرقاً أو هدماً أو رجماً أو إلقاء من شاهق جبل ليكون عبرة للمعتبرين وفي ذلك تطبيق لهدي النبوة :« من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ».
حكم السحاق وإيتان البهائم :
وأما السحاق ( وهو ما يكون بين المرأة والمرأة ) فقد اتفق الفقهاء على أنه ليس فيه إلا ( التعزير ) وأما إتيان البهائم فالجمهور على أنَّ حده التعزير إلاّ ما ورد في بعض الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله أن عقوبته كاللواط يقتل الفاعل وتقتل الدابة.
310
ولا شك في أن من يأتي مثل هذه القبيحة النكراء يكون أخس من الحيوان ولكن الرأي الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور والله تعالى أعلم.
الحكم الثاني عشر : كيف تثبت جريمة الزنى؟
لما كان الزنى جريمة منكرة وكانت عقوبته عقوبة صارمة وهي ( الجلد أو الرجم ) لذلك فقد شرطت الشريعة الإسلامية شروطاً شديدة من أجل إقامة الحد، فلم تقبل شهادة النساء أبداً، وفرضت أن يكون الشهود من الرجال العدول الذين هم أهل لأداء الشهادة، وأن يكونوا قد رأوا بأم عينهم هذه الفاحشة ( كالميل في المكحلة ) وهذا بلا شك لا يمكن أن يتحقق بسهولة ولا يتصور إلا إذا كان - والعياذ بالله - يرتكبها الفرد على قارعة الطريق كما يفعل الحيوان.
شروط الشهادة في الزنى :
وكان غرض الشارع من هذا التشديد أن يسد السبيل على الذين يتهمون الأبرياء ظلماً أو لأدنى حزازة بعار الدهر وفضيحة الأبد، فاشترط في الشهادة على الزنى الشروط الآتية :
أولاً : أن يكون الشهود أربعة لقوله تعالى :﴿ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ] الآية بخلاف سائر الحقوق فإنه يقبل فيها شهادة اثنين فقط.
ثانياً : أن يكون الشهود ذكوراً، فلا تقبل شهادة النساء في هذا الباب لقوله تعالى :﴿ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ] أي من الرجال وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] الآية. والمراد بالشهداء الرجال بدليل تأنيث العدد.
ثالثاً : أن يكون الشهود من اهل العدالة لقوله تعالى :﴿ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [ الطلاق : ٢ ] الآية وقوله ﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾ [ الحجرات : ٦ ] الآية.
رابعاً : أن يكون الشهود ( مسلمين عاقلين بالغين ) وهذه شروط التكليف.
خامساً : أن يعاينوا الجريمة برؤية فرجه في فرجها كالميل في المكحلة، والرشاء في البئر، لأن النبي ﷺ قال :« ادرءوا الحدود بالشبهات » فربما كان في فراش واحد ولم تحصل منهما جريمة الزنى.
سادساً : اتحاد المجلس بأن يشهدوا مجتمعين، فإن جاؤوا متفرقين لا تقبل شهادتهم وهو مذهب الجمهور.
هذه هي الشروط التي تشترط لإثبات الزنى، وهي الطريقة الأولى.
وهناك طريقة ثانية لإثبات الزنى وهي طريقة ( الإقرار ) بأن يشهد الشخص على نفسه ويعترف صريحاً بالزنى. والإقرار - كما يقولون - سيّدُ الأدلة ﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ [ القيامة : ١٤ ] وقد أخذ الرسول ﷺ باعتراف ماعز والغامدية، وأقام عليهما الحد بمجرد الاعتراف ولم يكلفهما البينة، ولكن يطلب التثبت في أمر الإقرار. واعتبر بعض الفقهاء ( الحبل ) كقرينة على اقتراف فاحشة الزنى. ولم يحصل في عصره ﷺ إقامة حد الزنى إلا عن طريق الإقرار وذلك في حادثتين اثنتثن هما : حادثة ماعز، وحادثة الغامدية وإليك بيانهما.
١- قصة ماعز الأسلمي :
وري أن ( ماعز بن مالك الأسلمي ) كان غلاماً يتيماً في حجر ( هزال بن نعيم ) فزنى بجارية من الحي فأمره هزال أن يأتي النبي ﷺ ويخبره بما صنع لعله يستغفر له، فجاء النبي ﷺ وهو في المسجد فناداه : يا رسول الله ( إني زنيت فأعرض عنه النبي ﷺ وقال له : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال ( إني زنيت ) فأعرض عنه النبي ﷺ فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال ( طهرني يا رسول الله فقد زنيت ) فقال له أبو بكر الصديق : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله ﷺ ولكنه أبى فقال يا رسول الله ( زنيت فطهرني ).
الحكم الثاني عشر : كيف تثبت جريمة الزنى؟
لما كان الزنى جريمة منكرة وكانت عقوبته عقوبة صارمة وهي ( الجلد أو الرجم ) لذلك فقد شرطت الشريعة الإسلامية شروطاً شديدة من أجل إقامة الحد، فلم تقبل شهادة النساء أبداً، وفرضت أن يكون الشهود من الرجال العدول الذين هم أهل لأداء الشهادة، وأن يكونوا قد رأوا بأم عينهم هذه الفاحشة ( كالميل في المكحلة ) وهذا بلا شك لا يمكن أن يتحقق بسهولة ولا يتصور إلا إذا كان - والعياذ بالله - يرتكبها الفرد على قارعة الطريق كما يفعل الحيوان.
شروط الشهادة في الزنى :
وكان غرض الشارع من هذا التشديد أن يسد السبيل على الذين يتهمون الأبرياء ظلماً أو لأدنى حزازة بعار الدهر وفضيحة الأبد، فاشترط في الشهادة على الزنى الشروط الآتية :
أولاً : أن يكون الشهود أربعة لقوله تعالى :﴿ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ] الآية بخلاف سائر الحقوق فإنه يقبل فيها شهادة اثنين فقط.
ثانياً : أن يكون الشهود ذكوراً، فلا تقبل شهادة النساء في هذا الباب لقوله تعالى :﴿ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ] أي من الرجال وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] الآية. والمراد بالشهداء الرجال بدليل تأنيث العدد.
ثالثاً : أن يكون الشهود من اهل العدالة لقوله تعالى :﴿ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [ الطلاق : ٢ ] الآية وقوله ﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا ﴾ [ الحجرات : ٦ ] الآية.
رابعاً : أن يكون الشهود ( مسلمين عاقلين بالغين ) وهذه شروط التكليف.
خامساً : أن يعاينوا الجريمة برؤية فرجه في فرجها كالميل في المكحلة، والرشاء في البئر، لأن النبي ﷺ قال :« ادرءوا الحدود بالشبهات » فربما كان في فراش واحد ولم تحصل منهما جريمة الزنى.
سادساً : اتحاد المجلس بأن يشهدوا مجتمعين، فإن جاؤوا متفرقين لا تقبل شهادتهم وهو مذهب الجمهور.
هذه هي الشروط التي تشترط لإثبات الزنى، وهي الطريقة الأولى.
وهناك طريقة ثانية لإثبات الزنى وهي طريقة ( الإقرار ) بأن يشهد الشخص على نفسه ويعترف صريحاً بالزنى. والإقرار - كما يقولون - سيّدُ الأدلة ﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ [ القيامة : ١٤ ] وقد أخذ الرسول ﷺ باعتراف ماعز والغامدية، وأقام عليهما الحد بمجرد الاعتراف ولم يكلفهما البينة، ولكن يطلب التثبت في أمر الإقرار. واعتبر بعض الفقهاء ( الحبل ) كقرينة على اقتراف فاحشة الزنى. ولم يحصل في عصره ﷺ إقامة حد الزنى إلا عن طريق الإقرار وذلك في حادثتين اثنتثن هما : حادثة ماعز، وحادثة الغامدية وإليك بيانهما.
١- قصة ماعز الأسلمي :
وري أن ( ماعز بن مالك الأسلمي ) كان غلاماً يتيماً في حجر ( هزال بن نعيم ) فزنى بجارية من الحي فأمره هزال أن يأتي النبي ﷺ ويخبره بما صنع لعله يستغفر له، فجاء النبي ﷺ وهو في المسجد فناداه : يا رسول الله ( إني زنيت فأعرض عنه النبي ﷺ وقال له : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال ( إني زنيت ) فأعرض عنه النبي ﷺ فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال ( طهرني يا رسول الله فقد زنيت ) فقال له أبو بكر الصديق : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله ﷺ ولكنه أبى فقال يا رسول الله ( زنيت فطهرني ).
311
فقال له رسول الله ﷺ :« لعلك قبّلتَ أو غمزتَ أو نظرتَ » قال لا، فسأله رسول الله باللفظ الصريح الذي معناه ( الجماع ) فقال نعم، قال : حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال : نعم، قال كما يغيب الميل في المكحلة والرشاة في البئر؟ قال : نعم فسأله النبي هل تدري ما الزنى؟ قال : نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل أهله حلالاً، قال : فما تريد بهذا القول : قال إني أريد أن تطهرني فأمر ﷺ به فرجم، فلما أحسّ مسّ الحجارة صرخ بالناس : يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغرُّوني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي، ولكن ضربوه حتى مات فذكروا فراره لرسول الله ﷺ فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه وسمع الرسول بعض الصحابة يتكلم عنه ويقول : لقد رجم رجم الكلاب فغضب وقال « لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم » وفي رواية أخرى :« والذي نفسي بيده أنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ».
٢- قصة الغامدية :
وروى مسلم في « صحيحه » أن امرأة تسمى ( الغامدية ) جاءت إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله ( إني زنيت فطهرني ) فردها ﷺ فلما كان من الغد قالت : يا رسول الله لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ماعزاً؟ فوالله إني حبلى، فقال : أما الآن فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت هذا قد ولدته، قال : فاذهبي فارضعيه حتى تفطيمه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبيّ إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فنضح الدم على وجه ( خالد بن الوليد ) فسبها، فسمعه ﷺ فقال :« مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفِر له، ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت ».
٢- قصة الغامدية :
وروى مسلم في « صحيحه » أن امرأة تسمى ( الغامدية ) جاءت إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله ( إني زنيت فطهرني ) فردها ﷺ فلما كان من الغد قالت : يا رسول الله لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ماعزاً؟ فوالله إني حبلى، فقال : أما الآن فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت هذا قد ولدته، قال : فاذهبي فارضعيه حتى تفطيمه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبيّ إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فنضح الدم على وجه ( خالد بن الوليد ) فسبها، فسمعه ﷺ فقال :« مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفِر له، ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت ».
312
أقول : إن مثل هذه الحوادث قد وقعت في ( عصر النبوة ) أفضل العصور وحصلت مع بعض الأفاضل من أصحاب الرسول، وذلك لحكمة سامية حتى يكتمل التشريع ويتم الدين بتنفيذ الحدود من الرسول ﷺ في عصره وزمانه وليظل تشريعاً عاماً خالداً مدى الأزمان وعبر الأجيال، فلو لم تحصل أمثال هذه الحوادث لأصبحت هذه ( الحدود الشرعية ) التي فرضها الله وأوجبها على عبادة أخباراً تروى، وحكايات تذكر، ولما أمكن أن تنفذ في عصر من العصور بعد، وقد أراد الله تعالى أن تبقى شريعة خاتم المرسلين شريعة كاملة خالدة مطبقة في جميع العصور، وقانوناً نافذاً على جميع الأمم، فحصل ما حصل من وقوع بعض الصحابة في بعض المخالفات - مع أنهم أكمل الناس - ليتم التشريع ويكمل الدين بتنفيذ الرسول الحدود عليهم. فانظر إلى هذه النفوس الكريمة التي لم تتحمل عِظَم هذا الذنب فجاءت تريد الطهارة منه ( إني زنيت فطهرني ) لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فيا لها من نفوس كريمة ربَّاها الإسلام ودرّبها على الطهر والعفة والاستقامة؟
الحكم الثالث عشر : هل يصح الزواج بالزانية؟
اختلف علماء السَّلف في هذه المسألة على قولين :
الأول : حرمة الزواج بالزانية، وهو منقول عن علي والبراء وعائشة وابن مسعود.
الثاني : جواز الزواج بالزانية وهو منقول عن أبي بكر وعمر وابن عباس وهو مذهب الجمهور. وبه قال الفقهاء الأربعة من الأئمة المجتهدين.
دليل القول الأول :
وقد استدل القائلون بتحريم الزواج من الزانية بظاهر الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً... ﴾ الآية فقالوا : إن هذه الآية ظاهرها الخبر وحقيقتها النهي والتحريم بدليل آخر الآية ﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾ وقد قال ( علي ) كرَّم الله وجهه : إذا زنى الرجل فرّق بينه وبين امرأته، وكذلك إذا زنت المرأة فُرِّق بينها وبين بعلها.
واستدلوا بما ورد أن ( مرثد بن أبي مرثد ) جاء يستأذن النبي ﷺ في الزواج من ( عناق ) وكانت من بغايا الجاهلية، فلم يرد عليه حتى نزلت الآية الكريمة فقال :( يا مرثد لا تنكحها ) وقد تقدمت قصته في بيان سبب النزول.
أدلة الجمهور :
واستدل الجمهور على جواز النكاح بغير العفيفة من النساء بما يلي :
أ- حديث عائشة أن الرسول ﷺ سئل عن رجل زنى بامرأة وأراد أن يتزوجها فقال « أولُه سفاح وآخره نكاح، والحرامُ لا يحرِّم الحلال ».
ب- ما روي عن ابن عمر أنه قال ( بينما أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث عليه لوثاً من كلام وهو دَهِشٌ فقال لعمر : قم فانظر في شأنه فإنّ له شأناً، فقام إليه عمر فقال : إنّ ضيفاً ضافه فزنى بابنته، فضرب عمر في صدره وقال ( قبَّحك الله ألا سترت على ابنتك؟ فأمر بهما أبو بكر فضربا الحد، ثم زوَّج أحدهَما الآخر وغرّبهما حولا ).
الحكم الثالث عشر : هل يصح الزواج بالزانية؟
اختلف علماء السَّلف في هذه المسألة على قولين :
الأول : حرمة الزواج بالزانية، وهو منقول عن علي والبراء وعائشة وابن مسعود.
الثاني : جواز الزواج بالزانية وهو منقول عن أبي بكر وعمر وابن عباس وهو مذهب الجمهور. وبه قال الفقهاء الأربعة من الأئمة المجتهدين.
دليل القول الأول :
وقد استدل القائلون بتحريم الزواج من الزانية بظاهر الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً... ﴾ الآية فقالوا : إن هذه الآية ظاهرها الخبر وحقيقتها النهي والتحريم بدليل آخر الآية ﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾ وقد قال ( علي ) كرَّم الله وجهه : إذا زنى الرجل فرّق بينه وبين امرأته، وكذلك إذا زنت المرأة فُرِّق بينها وبين بعلها.
واستدلوا بما ورد أن ( مرثد بن أبي مرثد ) جاء يستأذن النبي ﷺ في الزواج من ( عناق ) وكانت من بغايا الجاهلية، فلم يرد عليه حتى نزلت الآية الكريمة فقال :( يا مرثد لا تنكحها ) وقد تقدمت قصته في بيان سبب النزول.
أدلة الجمهور :
واستدل الجمهور على جواز النكاح بغير العفيفة من النساء بما يلي :
أ- حديث عائشة أن الرسول ﷺ سئل عن رجل زنى بامرأة وأراد أن يتزوجها فقال « أولُه سفاح وآخره نكاح، والحرامُ لا يحرِّم الحلال ».
ب- ما روي عن ابن عمر أنه قال ( بينما أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث عليه لوثاً من كلام وهو دَهِشٌ فقال لعمر : قم فانظر في شأنه فإنّ له شأناً، فقام إليه عمر فقال : إنّ ضيفاً ضافه فزنى بابنته، فضرب عمر في صدره وقال ( قبَّحك الله ألا سترت على ابنتك؟ فأمر بهما أبو بكر فضربا الحد، ثم زوَّج أحدهَما الآخر وغرّبهما حولا ).
313
ج- وروى عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال : أوله سفاح وآخره نكاح، ومَثَلُ ذلك كمثل رجل سرق من حائطٍ ثمره، ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمرهُ، فما سرق حرام، وما اشترى حلالا.
د- وتأولوا الآية الكريمة ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ بأنها محمولةٌ على الأعم والأغلب ومعناها أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنى والفسق لا يرغب في نكاح المؤمنة الصالحة من النساء إنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصالح المؤمن من الرجال وإنما يرغب فيها الذي هو من جنسها من الفسقة والمشركين فهذا على الأعم الأغلب.
وقال بعضهم إن الآية منسوخة نسختها الآية في سورة النور ﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ [ النور : ٣٢ ] والزانية من الأيامى وسيأتي معنى ( الأيامى ) مفصلاً إن شاء الله فارجع إليه هناك والله يتولاك.
ما يرشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - القرآن دستور الأمة الإسلامية وعلى المسلمين أن يتمسكوا بتعاليمه الرشيدة.
ثانياً - التشريع لله وحده الذي شرع الأحكام لمصالح عبادة المؤمنين.
ثالثاً - الأحكام الشرعية يجب تنفيذها بدقة، وتطبيقها على الوجه الأكمل.
رابعاً - الحدودُ شرعت لحفظ الأعراض، وصيانة الأنساب، والحِفاظ على الكرامة الإنسانية.
خامساً - يجب أن تنفَّذ الحدودُ بمشهد من الناس ليرتدع أهل الفسق والفجور.
سادساً - استيفاء الحدود من واجب الحاكم المسلم لتطهير المجتمع من أدران الفاحشة.
سابعاً - الرجل والمرأة في اقتراف الفاحشة سواء فيجب أن تسوّى بينهما العقوبة.
ثامناً - الزنى جريمة دينية، وخلقية، واجتماعية، ولذلك حرَّمه الله تعالى.
تاسعاً - لايجوز تعطيل الحدود، ولا الشفاعة فيها لئلا تكثر الجرائم في المجتمع، ويختلَّ الأمن.
عاشراً - لا يليق بالمؤمن العفيف أن يتزوج بالفاسقة أو الفاجرة، كما لا يليقُ بالعفيفة أن تتزَّوج بالفاسق أو الفاجر من الرجال.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
يعتبر الزنى في نظر الإسلام جريمة من أشنع الجرائم، ومنكراً من أخبث المنكرات، ولذلك كانت عقوبته شديدة صارمة، لأن في هذه الجريمة هدراً للكرامة الإنسانية، وتصديعاً لبنيان المجتمع، وفيه أيضاً تعريض النسل للخطر، حيث يكثر ( اللقطاء ) وأولاد البغاء، ولا يكون هناك من يتعهدهم ويربيهم وينشِّئُهم النشأة الصالحة!!
ومن أهداف الشريعة الإسلامية الغراء، وأغراضها الأساسية، حفظُ الضروريات الخمس وهي ( العقل - والنسل - والنفس - والدين - والمال ) وسميت بالضروريات : أو الكليات الخمس لأن جميع الأديان والشرائع قررت حفظها، وشرعت ما يكفل حمايتها لأنها ضرورية لحياة الإنسان. ولما كان ( النسل ) هو أحد هذه الضروريات لذلك شرع الإسلام من العقوبات الصارمة الزاجرة ما يقطع دابر هذه الجريمة ويحقق الأمن والاستقرار للمجتمع.
د- وتأولوا الآية الكريمة ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ بأنها محمولةٌ على الأعم والأغلب ومعناها أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنى والفسق لا يرغب في نكاح المؤمنة الصالحة من النساء إنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصالح المؤمن من الرجال وإنما يرغب فيها الذي هو من جنسها من الفسقة والمشركين فهذا على الأعم الأغلب.
وقال بعضهم إن الآية منسوخة نسختها الآية في سورة النور ﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ [ النور : ٣٢ ] والزانية من الأيامى وسيأتي معنى ( الأيامى ) مفصلاً إن شاء الله فارجع إليه هناك والله يتولاك.
ما يرشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - القرآن دستور الأمة الإسلامية وعلى المسلمين أن يتمسكوا بتعاليمه الرشيدة.
ثانياً - التشريع لله وحده الذي شرع الأحكام لمصالح عبادة المؤمنين.
ثالثاً - الأحكام الشرعية يجب تنفيذها بدقة، وتطبيقها على الوجه الأكمل.
رابعاً - الحدودُ شرعت لحفظ الأعراض، وصيانة الأنساب، والحِفاظ على الكرامة الإنسانية.
خامساً - يجب أن تنفَّذ الحدودُ بمشهد من الناس ليرتدع أهل الفسق والفجور.
سادساً - استيفاء الحدود من واجب الحاكم المسلم لتطهير المجتمع من أدران الفاحشة.
سابعاً - الرجل والمرأة في اقتراف الفاحشة سواء فيجب أن تسوّى بينهما العقوبة.
ثامناً - الزنى جريمة دينية، وخلقية، واجتماعية، ولذلك حرَّمه الله تعالى.
تاسعاً - لايجوز تعطيل الحدود، ولا الشفاعة فيها لئلا تكثر الجرائم في المجتمع، ويختلَّ الأمن.
عاشراً - لا يليق بالمؤمن العفيف أن يتزوج بالفاسقة أو الفاجرة، كما لا يليقُ بالعفيفة أن تتزَّوج بالفاسق أو الفاجر من الرجال.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
يعتبر الزنى في نظر الإسلام جريمة من أشنع الجرائم، ومنكراً من أخبث المنكرات، ولذلك كانت عقوبته شديدة صارمة، لأن في هذه الجريمة هدراً للكرامة الإنسانية، وتصديعاً لبنيان المجتمع، وفيه أيضاً تعريض النسل للخطر، حيث يكثر ( اللقطاء ) وأولاد البغاء، ولا يكون هناك من يتعهدهم ويربيهم وينشِّئُهم النشأة الصالحة!!
ومن أهداف الشريعة الإسلامية الغراء، وأغراضها الأساسية، حفظُ الضروريات الخمس وهي ( العقل - والنسل - والنفس - والدين - والمال ) وسميت بالضروريات : أو الكليات الخمس لأن جميع الأديان والشرائع قررت حفظها، وشرعت ما يكفل حمايتها لأنها ضرورية لحياة الإنسان. ولما كان ( النسل ) هو أحد هذه الضروريات لذلك شرع الإسلام من العقوبات الصارمة الزاجرة ما يقطع دابر هذه الجريمة ويحقق الأمن والاستقرار للمجتمع.
314
ولعل بعض الذين تأثروا بالثقافة الغربية، يرون في هذه الحدود والعقوبات شيئاً من الشدة والقسوة لا تتفق مع روح العصر، وتعارض الحرية الشخصية وخاصة ( حرية المرأة ) التي أطلقها لها الغرب باسم التحرر والمساواة، وتحت شعار ( الديمقراطية ) التي قررها لها القانون.
والواقع أن العقوبة التي شرعها الإسلام صارمة، ولكنها في الوقت نفسه عادلة فمن الذي يعاقب بهذا العقاب؟ أليس هو الشخص المستهتر الذي يسعى في طريق شهوته كالحيوان لا يبالي بأي طريق نال الشهوة ولا ما يترتب عليها من أخطار وأضرار؟
إن الذي يرتكب هذه الجريمة لمجرد الاستمتاع والشهوة ليس إنساناً بل هو حيوان، وذلك لأن الحيوان تسيطر عليه شهوته فهو يسير تبعاً لها، والإنسانُ يحكمه عقله ولهذا يسير مع منطق العقل، وليست هذه الغريزة التي أودعها الله في الإنسان لمجرد نيل الشهوة أو قضاء الوطر، بل هي من أجل غاية نبيلة سامية هي ( بقاء النسل ).
والله - جل وعلا - بحكمته العلية، جعل هذا الارتباط بين الذكر والأنثى، ولكنه لم يسمح به بطريق الفوضى كما تفعل الحيوانات، حيث ينزو بعضها على بعض، وإنما سمح به في دائرة ( الطهر والعفة ) وبطريق الزواج الشرعي، الذي يحقِّق الهدف النبيل والغاية الإنسانية المُثْلى في بقاء النوع الإنساني كما قال تعالى :﴿ والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [ النحل : ٧٢ ].
والإسلام يعتبر الزنى لوثه أخلاقية وجريمة اجتماعية خطيرة، ينبغي أن تكافح بدون هوادة، ولكنه لا يفرض هذه العقوبة الصارمة ( الجلد أو الرجم ) لمجرد التهمة أو الظن بل على العكس يودب التحقق والتثبت، ويدرأ الحد بالشبهات ويشرط شروطاً شديدة تكاد لا تتوفر هي شهادة ( أربعة رجال ) مؤمنين عدول يشهدون بوقوعها، ويشهدون على مثل ضوء الشمس، أو اعترافاً صريحاً لا شبهة فيه من الشخص الذي قارف الجريمة.
والغربيون لا يعتبرون الزنى جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا كان بالإكراه أو كان اعتداء على حرية الغير، أما إذا كان بالرضى فليس فيه ما يدعو إلى العقوبة لأنه يخلو حينئذ عن فكرة ( العدوان ).
فالزنى - في نظرهم - وإن كان عيباً إلا أنه ليس بجريمة على كل حال، فإذا زنى الرجل البكر بامرأة بكر فإن فعلهما ليس بفاحشة مستلزمة للعقوبة إلا إذا كان ذلك بالإكراه فإنه يعاقب للإكراه بعقوبة خفيفة، وأما إذا زنى بامرأة متزوجة فللزوج أن يطالبه بتعويضٍ ( غرامة مالية ) من الرجل الذي أفسد زوجته فنظرتهم إذن هي نظرة مادية، ومن أجل ذلك تهدَّم المجتمع وتخربت الأسر، وانتشرت تلك الأوباء والجرائم الخلقية فيهم.
فأين هذا من تشريع العليم الحكيم الذي صان الأعراض، وحفظ الأنساب، وطهَّر المجتمع من لوثه تلك الجريمة الشنيعة؟
والواقع أن العقوبة التي شرعها الإسلام صارمة، ولكنها في الوقت نفسه عادلة فمن الذي يعاقب بهذا العقاب؟ أليس هو الشخص المستهتر الذي يسعى في طريق شهوته كالحيوان لا يبالي بأي طريق نال الشهوة ولا ما يترتب عليها من أخطار وأضرار؟
إن الذي يرتكب هذه الجريمة لمجرد الاستمتاع والشهوة ليس إنساناً بل هو حيوان، وذلك لأن الحيوان تسيطر عليه شهوته فهو يسير تبعاً لها، والإنسانُ يحكمه عقله ولهذا يسير مع منطق العقل، وليست هذه الغريزة التي أودعها الله في الإنسان لمجرد نيل الشهوة أو قضاء الوطر، بل هي من أجل غاية نبيلة سامية هي ( بقاء النسل ).
والله - جل وعلا - بحكمته العلية، جعل هذا الارتباط بين الذكر والأنثى، ولكنه لم يسمح به بطريق الفوضى كما تفعل الحيوانات، حيث ينزو بعضها على بعض، وإنما سمح به في دائرة ( الطهر والعفة ) وبطريق الزواج الشرعي، الذي يحقِّق الهدف النبيل والغاية الإنسانية المُثْلى في بقاء النوع الإنساني كما قال تعالى :﴿ والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [ النحل : ٧٢ ].
والإسلام يعتبر الزنى لوثه أخلاقية وجريمة اجتماعية خطيرة، ينبغي أن تكافح بدون هوادة، ولكنه لا يفرض هذه العقوبة الصارمة ( الجلد أو الرجم ) لمجرد التهمة أو الظن بل على العكس يودب التحقق والتثبت، ويدرأ الحد بالشبهات ويشرط شروطاً شديدة تكاد لا تتوفر هي شهادة ( أربعة رجال ) مؤمنين عدول يشهدون بوقوعها، ويشهدون على مثل ضوء الشمس، أو اعترافاً صريحاً لا شبهة فيه من الشخص الذي قارف الجريمة.
والغربيون لا يعتبرون الزنى جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا كان بالإكراه أو كان اعتداء على حرية الغير، أما إذا كان بالرضى فليس فيه ما يدعو إلى العقوبة لأنه يخلو حينئذ عن فكرة ( العدوان ).
فالزنى - في نظرهم - وإن كان عيباً إلا أنه ليس بجريمة على كل حال، فإذا زنى الرجل البكر بامرأة بكر فإن فعلهما ليس بفاحشة مستلزمة للعقوبة إلا إذا كان ذلك بالإكراه فإنه يعاقب للإكراه بعقوبة خفيفة، وأما إذا زنى بامرأة متزوجة فللزوج أن يطالبه بتعويضٍ ( غرامة مالية ) من الرجل الذي أفسد زوجته فنظرتهم إذن هي نظرة مادية، ومن أجل ذلك تهدَّم المجتمع وتخربت الأسر، وانتشرت تلك الأوباء والجرائم الخلقية فيهم.
فأين هذا من تشريع العليم الحكيم الذي صان الأعراض، وحفظ الأنساب، وطهَّر المجتمع من لوثه تلك الجريمة الشنيعة؟
315
[ ٢ ] قذف المحصنات من الكبائر
التحليل اللفظي
﴿ يَرْمُونَ ﴾ : أي يقذفون بالزنى، وأصل الرمي القذف بالحجارة أو بشيء صلب، ثم استعير للقذف باللسان، لأنه يشبه الأذى الحسي كما قال النابغة :( وجرحُ اللسان كجرح اليد ) وقال الشاعر :
أي اتهمني بشيء أنا منه برئ.
﴿ المحصنات ﴾ : العفيفات جمع محصنة بمعنى العفيفة قال تعالى :﴿ والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ [ الأنبياء : ٩١ ] أي عفّت، وأصل الإحصان المنع ومنه يسمى ( الحصن ) قال في « لسان العرب » : يقال امرأة حَصَان وحَاصِن وكلّ امرأة عفيفة مُحصَنَة ومُحْصنة ( بالفتح والكسر ) وكل امرأة متزوجة مَحصَنة ( بالفتح ) لا غير، وفي شعر حسان يثني على عائشة رضي الله عنها :
والمرأة تكون محصنة بالإسلام، والعفاف، والحرية، والتزوج كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
﴿ شُهَدَآءَ ﴾ : جمع شاهد، أي يشهدون عليهن بوقوع الزنى، والمراد بالشهداء الرجال لأن الآية ذكرت العدد مؤنثاً ( بأربعة ) ومن المعلوم أن العدد يؤنث إذا كان المعدود مذكراً، ويُذكَّر إذا كان المعدود مؤنثاً فتقول ( أربع نسوة، وأربعة رجال ) فلا تقبل شهادة النساء في حد القذف كما لا تقبل في حد الزنى ستراً على العباد.
﴿ فاجلدوهم ﴾ : قال القرطبي : الجلد الضرب، والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود، ثم استعير الجلد لغير ذلك من سيف أو غيره، ومه قول ( قيس بن الخطيم ) :
وقد تقدم معنى الجلد في آيات الزنى مفصلاً فارجع إليه.
﴿ الفاسقون ﴾ جمع فاسق وهو العاصي، والفسقُ الخروجُ عن الطاعة، ومجاوزة الحد في ارتكاب المعاصي قال تعالى :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وكل خارج عن طاعة الله يسمى فاسقاً، وكل منكر أو مكذب لآيات الله يسمى كافراً.
المعنى الإجمالي
يخبر الله جل ثناؤه بأن الذين ينتهكون حرمات المؤمنين، فيرمون العفائف الشريفات الطاهرات بالفاحشة، ويتهمونهن بأقدس وأثمن شيء لدى الإنسان ألا وهو ( العرض والشرف ) فينسُبونهن إلى الزنى، ثم لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهداء عدول، يشهدون عليهن بما نسبوا إليهن من الفاحشة فاجلدوا الذين رموهن بذلك ( ثمانين ) جلدة، لأنهم فسقة كذبة يتهمون الأبرياء ويحبون إشاعة الفاحشة، وزيدوا لهم في العقوبة بإهدار كرامتهم الإنسانية، فلا تقبلوا شهادة أي واحد منهم ما دام مصراً على بهتانه وأولئك عند الله من أسوأ الناس منزلة وأشدهم عذاباً، لأنهم فساق خارجون عن طاعة الله عزّ وجلّ، لا يحفظون كرامة مؤمن، ويقعون في أعراض الناس شأن أهل الضلال والنفاق، الذين يسعون لتهديم المجتمع الإسلامي وتقويض بينانه، وأما إذا تابوا وأنابوا وغيّروا سيرتهم وأصلحوا أحوالهم، ورجعوا عن سلوك طريق الغي والضلال فاعفوا عنهم واصفحوا، واقبلوا اعتذارهم، وردوا إليهم اعتبارهم، فإن الله غفور رحيم يقبل توبة عبده إذا تاب وأناب وأصلح حاله.
التحليل اللفظي
﴿ يَرْمُونَ ﴾ : أي يقذفون بالزنى، وأصل الرمي القذف بالحجارة أو بشيء صلب، ثم استعير للقذف باللسان، لأنه يشبه الأذى الحسي كما قال النابغة :( وجرحُ اللسان كجرح اليد ) وقال الشاعر :
رماني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي | بريئاً ومن أجل الطَوّي رماني |
﴿ المحصنات ﴾ : العفيفات جمع محصنة بمعنى العفيفة قال تعالى :﴿ والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ [ الأنبياء : ٩١ ] أي عفّت، وأصل الإحصان المنع ومنه يسمى ( الحصن ) قال في « لسان العرب » : يقال امرأة حَصَان وحَاصِن وكلّ امرأة عفيفة مُحصَنَة ومُحْصنة ( بالفتح والكسر ) وكل امرأة متزوجة مَحصَنة ( بالفتح ) لا غير، وفي شعر حسان يثني على عائشة رضي الله عنها :
حَصَان رزان ما تُزَنّ بريبة | وتصبح غَرْثى من لحوم الغوافل |
﴿ شُهَدَآءَ ﴾ : جمع شاهد، أي يشهدون عليهن بوقوع الزنى، والمراد بالشهداء الرجال لأن الآية ذكرت العدد مؤنثاً ( بأربعة ) ومن المعلوم أن العدد يؤنث إذا كان المعدود مذكراً، ويُذكَّر إذا كان المعدود مؤنثاً فتقول ( أربع نسوة، وأربعة رجال ) فلا تقبل شهادة النساء في حد القذف كما لا تقبل في حد الزنى ستراً على العباد.
﴿ فاجلدوهم ﴾ : قال القرطبي : الجلد الضرب، والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود، ثم استعير الجلد لغير ذلك من سيف أو غيره، ومه قول ( قيس بن الخطيم ) :
أجالدهم يومَ الحديقة حاسراً | كأنَّ يدي بالسيف محْرَاق لاعب |
﴿ الفاسقون ﴾ جمع فاسق وهو العاصي، والفسقُ الخروجُ عن الطاعة، ومجاوزة الحد في ارتكاب المعاصي قال تعالى :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وكل خارج عن طاعة الله يسمى فاسقاً، وكل منكر أو مكذب لآيات الله يسمى كافراً.
المعنى الإجمالي
يخبر الله جل ثناؤه بأن الذين ينتهكون حرمات المؤمنين، فيرمون العفائف الشريفات الطاهرات بالفاحشة، ويتهمونهن بأقدس وأثمن شيء لدى الإنسان ألا وهو ( العرض والشرف ) فينسُبونهن إلى الزنى، ثم لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهداء عدول، يشهدون عليهن بما نسبوا إليهن من الفاحشة فاجلدوا الذين رموهن بذلك ( ثمانين ) جلدة، لأنهم فسقة كذبة يتهمون الأبرياء ويحبون إشاعة الفاحشة، وزيدوا لهم في العقوبة بإهدار كرامتهم الإنسانية، فلا تقبلوا شهادة أي واحد منهم ما دام مصراً على بهتانه وأولئك عند الله من أسوأ الناس منزلة وأشدهم عذاباً، لأنهم فساق خارجون عن طاعة الله عزّ وجلّ، لا يحفظون كرامة مؤمن، ويقعون في أعراض الناس شأن أهل الضلال والنفاق، الذين يسعون لتهديم المجتمع الإسلامي وتقويض بينانه، وأما إذا تابوا وأنابوا وغيّروا سيرتهم وأصلحوا أحوالهم، ورجعوا عن سلوك طريق الغي والضلال فاعفوا عنهم واصفحوا، واقبلوا اعتذارهم، وردوا إليهم اعتبارهم، فإن الله غفور رحيم يقبل توبة عبده إذا تاب وأناب وأصلح حاله.
316
سبب النزول
يرى بعض المفسرين أن هذه الآيات نزلت بسبب ( حادثة الإفك ) التي اتهمت فيها أم المؤمنين العفيفة البريئة الطاهرة الصدِّيقة ( عائشة بنت أبي بكر الصديق ) رضي الله عنها زوج رسول الله ﷺ والتي نزلت براءتها من السماء فكان ذلك درساً بليغاً للأمة، وعبرة للأجيال في جميع العصور والأزمان.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : وذُكِر أن هذه الآية نزلت في الذين رموا عائشة زوج النبي ﷺ بما رموها به من الإفك : ثم روى عن سعيد بن جبير أنه سئل ( هل الزنى أشد أو قذف المحصنة ) ؟ قال : لا بل الزنى، قلت : إن الله يقول :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ قال : إنما هذا في حديث عائشة خاصة.
والصحيح ما ذكره القرطبي واختاره الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب القذفة عامة لا في تلك النازلة بعينها فهي حكم من الله عام لكل قاذف، ومن المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ يَرْمُونَ المحصنات ﴾ أجمع العلماء أن المراد به ( الرمي بالزنى ) واستدلوا على ذلك بوجوه :
أحدها : تقدم ذكر الزنى في الآيات السابقة.
ثانيها : أنه تعالى ذكر ( المحصنات ) وهن العفائف فدل على أن المراد رميها بضد العفاف وهو الزنى.
ثالثها : انعقاد الإجماع على أنه لا يجب ( الجلد ) بالرمي بغير الزنى.
رابعها : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ ومعلوم أن هذا العدد غير مشروط إلا في الزنى. أفاده الفخر الرازي.
اللطيفة الثانية : تخصيص النساء في قوله ﴿ المحصنات ﴾ لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع، وفيه إيذاء لهن ولأقربائهن، وإلا فلا فرق بين الذكر والأنثى في الحكم، وقيل في الآية حذف تقديره ( الأنفس المحصنات ) فيكون اللفظ شاملاً للنساء والرجال وقد حُكي هذا عن ابن حزم، والراجح أنه من باب التغليب.
اللطيفة الثالثة : في التعبير بالإحصان إشارة دقيقة إلى أن من قذف غير العفيف ( من الرجال أو النساء ) لا يحد حد القذف، وذلك فيما إذا كان الشخص معروفاً فجوره، أو اشتهر بالعبث والمجون، فإن حد القذف إنما شرع لحفظ كرامة الإنسان الفاضل، ولا كرامة للفاسق الماجن، فتدبر السر الدقيق.
اللطيفة الرابعة : حكم الله تعالى على قاذف المحصنة ( العفيفة ) بثلاث عقوبات.
١- الجلد ثمانين جلدة عقوبة له.
٢- إهدار الكرامة الإنسانية برد الشهادة.
٣- تفسيق القاذف بجعله في زمرة ( الفسقة ).
ولم يحكم في الزنى إلا بالجلد مائة جلدة للبكر، وفي ذلك دليل على خطورة هذه التهمة، وعلى أن القذف من الكبائر، وأن جريمته عند الله عظيمة.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ وفيه دليل على أن التوبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من ظهور أمارات الصلاح عليه، فإن هذا الذنب مما يتعلق بحقوق العباد ولذلك شدد فيه.
يرى بعض المفسرين أن هذه الآيات نزلت بسبب ( حادثة الإفك ) التي اتهمت فيها أم المؤمنين العفيفة البريئة الطاهرة الصدِّيقة ( عائشة بنت أبي بكر الصديق ) رضي الله عنها زوج رسول الله ﷺ والتي نزلت براءتها من السماء فكان ذلك درساً بليغاً للأمة، وعبرة للأجيال في جميع العصور والأزمان.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : وذُكِر أن هذه الآية نزلت في الذين رموا عائشة زوج النبي ﷺ بما رموها به من الإفك : ثم روى عن سعيد بن جبير أنه سئل ( هل الزنى أشد أو قذف المحصنة ) ؟ قال : لا بل الزنى، قلت : إن الله يقول :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ قال : إنما هذا في حديث عائشة خاصة.
والصحيح ما ذكره القرطبي واختاره الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب القذفة عامة لا في تلك النازلة بعينها فهي حكم من الله عام لكل قاذف، ومن المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ يَرْمُونَ المحصنات ﴾ أجمع العلماء أن المراد به ( الرمي بالزنى ) واستدلوا على ذلك بوجوه :
أحدها : تقدم ذكر الزنى في الآيات السابقة.
ثانيها : أنه تعالى ذكر ( المحصنات ) وهن العفائف فدل على أن المراد رميها بضد العفاف وهو الزنى.
ثالثها : انعقاد الإجماع على أنه لا يجب ( الجلد ) بالرمي بغير الزنى.
رابعها : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ ومعلوم أن هذا العدد غير مشروط إلا في الزنى. أفاده الفخر الرازي.
اللطيفة الثانية : تخصيص النساء في قوله ﴿ المحصنات ﴾ لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع، وفيه إيذاء لهن ولأقربائهن، وإلا فلا فرق بين الذكر والأنثى في الحكم، وقيل في الآية حذف تقديره ( الأنفس المحصنات ) فيكون اللفظ شاملاً للنساء والرجال وقد حُكي هذا عن ابن حزم، والراجح أنه من باب التغليب.
اللطيفة الثالثة : في التعبير بالإحصان إشارة دقيقة إلى أن من قذف غير العفيف ( من الرجال أو النساء ) لا يحد حد القذف، وذلك فيما إذا كان الشخص معروفاً فجوره، أو اشتهر بالعبث والمجون، فإن حد القذف إنما شرع لحفظ كرامة الإنسان الفاضل، ولا كرامة للفاسق الماجن، فتدبر السر الدقيق.
اللطيفة الرابعة : حكم الله تعالى على قاذف المحصنة ( العفيفة ) بثلاث عقوبات.
١- الجلد ثمانين جلدة عقوبة له.
٢- إهدار الكرامة الإنسانية برد الشهادة.
٣- تفسيق القاذف بجعله في زمرة ( الفسقة ).
ولم يحكم في الزنى إلا بالجلد مائة جلدة للبكر، وفي ذلك دليل على خطورة هذه التهمة، وعلى أن القذف من الكبائر، وأن جريمته عند الله عظيمة.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ وفيه دليل على أن التوبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من ظهور أمارات الصلاح عليه، فإن هذا الذنب مما يتعلق بحقوق العباد ولذلك شدد فيه.
317
قال الرازي : قال أصحابنا إنه بعد التوبة لا بد من مضيِّ مدة عليه لظهور حسن الحال حتى تقبل شهادته وتعود ولايته، ثم قدَّروا تلك المدة بسنة كما يضرب للعنيّن أجل سنة.
اللطيفة السادسة : قال ابن تيمية : ذكَرَ تعالى عدد الشهداء، وأطلق صفتهم، ولم يقيدهم ( ممن نرضى ) ولا ( من ذوي العدل ) لكن يقال : لم يقيدهم بالعدالة وقد أمرنا الله أن نحمل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضى لقوله ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] وقوله :﴿ كُونُواْ قوامين بالقسط ﴾ [ النساء : ١٣٥ ] وقوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ ﴾ [ المعارج : ٣٣ ] فهم يقومون بها بالقسط لله فيشترط هنا ما اشتُرط هناك.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما هي الإحصان؟
ورد معنى ( الإحصان ) في الشريعة الإسلامية لأربعة أمور وهي :
أ- العفة : قال تعالى :﴿ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ [ المائدة : ٥ ] بمعنى العفيفات من المؤمنات والعفيفات من الكتابيات.
ب- الحرية : قال تعالى :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] أي أن عقوبة الأمة المملوكة نصف عقوبة الحرة.
ج- التزوج : قال تعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم... ﴾ إلى قوله ﴿ والمحصنات مِنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٢٣ - ٢٤ ] أي المتزوجات من النساء.
د- الإسلام : قال ﷺ « من أشرك بالله فليس بمحصن » فالإنسان يكون محصناً بالعفاف وبالحرية وبالإسلام وبالتزوج وأشهر معاني إطلاق لفظ الإحصان ( العفة ) وهو المراد بالآية الكريمة فمن قذف شخصاً غير عفيف لا يحد باتفاق الفقهاء.
الحكم الثاني : ما هي شروط القذف؟
للقذف شروط لا بد من توفرها حتى يكون جريمة تستحق عقوبة الجلد، وهذه الشروط عديدة.. منها ما يجب توفره في ( القاذف ) ومنها ما يجب توفره في ( المقذوف ) ومنها ما يجب توفره في الشيء ( المقذوف به ).
أما شروط القاذف فهي ثلاثة ( ١- العقل، ٢- البلوغ، ٣- الاختيار ) فإن هذه أصل التكليف، ولا تكليف بدون هذه الأشياء والآية الكريمة وإن لم تشرط إلا عجز القاذف عن الإيتان بأربعة شهداء ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ ولم تشرط العقل والبلوغ وعدم الإكراه، إلا أن ذلك من قواعد الشريعة التي عُلِمت من النصوص الأخرى فإذا قذف المجنون او الصبي أو المكره، فلا حد على واحد منهم لقوله ﷺ :« رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق » وقال ﷺ :« رُفعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ، وما استكرهوا عليه » أي ما أكرهوا عليه من الأقوال والأعمال. ولأن العقل مدار التكليف، والمجنونُ لا يعتد بكلامه فلا يؤثر قذفه... أما إذا كان الصبي مراهقاً بحيث يؤذي قذفه فإنه يعزَّر تعزيراً مناسباً لكن لا يحد حد القذف.
اللطيفة السادسة : قال ابن تيمية : ذكَرَ تعالى عدد الشهداء، وأطلق صفتهم، ولم يقيدهم ( ممن نرضى ) ولا ( من ذوي العدل ) لكن يقال : لم يقيدهم بالعدالة وقد أمرنا الله أن نحمل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضى لقوله ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] وقوله :﴿ كُونُواْ قوامين بالقسط ﴾ [ النساء : ١٣٥ ] وقوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ ﴾ [ المعارج : ٣٣ ] فهم يقومون بها بالقسط لله فيشترط هنا ما اشتُرط هناك.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما هي الإحصان؟
ورد معنى ( الإحصان ) في الشريعة الإسلامية لأربعة أمور وهي :
أ- العفة : قال تعالى :﴿ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾ [ المائدة : ٥ ] بمعنى العفيفات من المؤمنات والعفيفات من الكتابيات.
ب- الحرية : قال تعالى :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] أي أن عقوبة الأمة المملوكة نصف عقوبة الحرة.
ج- التزوج : قال تعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم... ﴾ إلى قوله ﴿ والمحصنات مِنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٢٣ - ٢٤ ] أي المتزوجات من النساء.
د- الإسلام : قال ﷺ « من أشرك بالله فليس بمحصن » فالإنسان يكون محصناً بالعفاف وبالحرية وبالإسلام وبالتزوج وأشهر معاني إطلاق لفظ الإحصان ( العفة ) وهو المراد بالآية الكريمة فمن قذف شخصاً غير عفيف لا يحد باتفاق الفقهاء.
الحكم الثاني : ما هي شروط القذف؟
للقذف شروط لا بد من توفرها حتى يكون جريمة تستحق عقوبة الجلد، وهذه الشروط عديدة.. منها ما يجب توفره في ( القاذف ) ومنها ما يجب توفره في ( المقذوف ) ومنها ما يجب توفره في الشيء ( المقذوف به ).
أما شروط القاذف فهي ثلاثة ( ١- العقل، ٢- البلوغ، ٣- الاختيار ) فإن هذه أصل التكليف، ولا تكليف بدون هذه الأشياء والآية الكريمة وإن لم تشرط إلا عجز القاذف عن الإيتان بأربعة شهداء ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ ولم تشرط العقل والبلوغ وعدم الإكراه، إلا أن ذلك من قواعد الشريعة التي عُلِمت من النصوص الأخرى فإذا قذف المجنون او الصبي أو المكره، فلا حد على واحد منهم لقوله ﷺ :« رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق » وقال ﷺ :« رُفعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ، وما استكرهوا عليه » أي ما أكرهوا عليه من الأقوال والأعمال. ولأن العقل مدار التكليف، والمجنونُ لا يعتد بكلامه فلا يؤثر قذفه... أما إذا كان الصبي مراهقاً بحيث يؤذي قذفه فإنه يعزَّر تعزيراً مناسباً لكن لا يحد حد القذف.
318
لأن من شروط حد القذف البلوغ.
الحكم الثالث : ما هي الشروط اللازم توفرها في المقذوف؟
ظاهر الآية الكريمة ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ يتناول جميع العفائف سواء أكانت مسلمة أو كافرة، حرة أو رقيقة إلاَّ أن الفقهاء شرطوا في المقذوف خمسة شروط وهي :( ١- الإسلام، ٢- العقل ٣- البلوغ ٤- الحرية ٥- العفة عن الزنى ) وهذه الشروط يجب أن تتوفر في المقذوف حتىيقام الحد على القاذف وسنفصلها بعض التفصيل :
أولاً : أما الإسلام : فهو شرط لقوله ﷺ :« من أشرك بالله فليس بمحصن » وقد تقدم الحديث ومعناه على رأي جمهور العلماء : من أشرك بالله فلا حد على قاذفه، لأن غير المسلم ( المشرك ) لا يتورع عن الزنى فليس هناك ما يردعه عن ارتكاب الفاحشة إذ أنه ليس بعد الكفر ذنب، وكل جريمة تتصور من الكافر.
قال ابن العربي : ولأن عِرض الكافر لا حرمة له، كالفاسق المعلن لا حرمة لعرضه، بل هو أولى لزيادة الكفر على المعلن بالفسق.
ثانياً : وأما العقل : فلأنَّ الحد إنما شرع للزجر عن الأذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل، فلا يحد قاذفه.
ثالثاً : وأما البلوغ : فالأصل فيه أن الطفل لا يتصور منه الزنى كما لا يتصور النظر من الأعمى، فلا يحد قاذف الصغير أو الصغيرة عند الجمهور. وقال مالك رحمه الله : إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفاً : وقال أحمد رحمه الله : في الصبيَّة بنت تسع يحد قاذفها.
قال ابن العربي : والمسألة محتملة مشكلة، لكن مالك غلْب عرض المقذوف، وغيره راعي حماية ظهر القاذف، وحمايةُ عرض المقذوف أولى لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. وصحح ابن المنذر الرأي الأول فقال : لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب ويعزر على الأذى.
رابعاً : وأما الحرية : فالجمهور على اشتراطها، لأن مرتبة العبد تختلف عن مرتبة الحر، فقذف العبد - وإنْ كان حراماً - إلا أنه لا يحد القاذف وإنما يعزر لقوله ﷺ :« من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال » ولأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعبير بالزنى. قال العلماء :( وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس، وإنما لم يتكافئوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين، وتفسد العلاقة بين السادة والعبيد، فلا تصل لهم حرمة، ولا فضلٌ في منزلة وتبطل فائدة التسخير، حكمة من الحكيم العليم لا إله إلا هو... ).
وأما ابن حزم فقد خالف جمهور الفقهاء، فرأى أن قذف العبد يوجب الحد، وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية وقال :« وأما قولهم لا حرمة للعبد، ولا للأَمَةِ، فكلام سخيف، والمؤمن له حرمة عظيمة، وربَّ عبد جلفٍ خيرٌ من خليفة قرشي عند الله تعالى » أقول : رأيُ ابن حزم هذا رأي وجيه لو لم يصادم النص المتقدم الذي استدل به الجمهور والأحكامُ لا تؤخذ بالآراء، وإنما بما ثبت عن المعصوم ﷺ من قوله وفعله.
الحكم الثالث : ما هي الشروط اللازم توفرها في المقذوف؟
ظاهر الآية الكريمة ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ يتناول جميع العفائف سواء أكانت مسلمة أو كافرة، حرة أو رقيقة إلاَّ أن الفقهاء شرطوا في المقذوف خمسة شروط وهي :( ١- الإسلام، ٢- العقل ٣- البلوغ ٤- الحرية ٥- العفة عن الزنى ) وهذه الشروط يجب أن تتوفر في المقذوف حتىيقام الحد على القاذف وسنفصلها بعض التفصيل :
أولاً : أما الإسلام : فهو شرط لقوله ﷺ :« من أشرك بالله فليس بمحصن » وقد تقدم الحديث ومعناه على رأي جمهور العلماء : من أشرك بالله فلا حد على قاذفه، لأن غير المسلم ( المشرك ) لا يتورع عن الزنى فليس هناك ما يردعه عن ارتكاب الفاحشة إذ أنه ليس بعد الكفر ذنب، وكل جريمة تتصور من الكافر.
قال ابن العربي : ولأن عِرض الكافر لا حرمة له، كالفاسق المعلن لا حرمة لعرضه، بل هو أولى لزيادة الكفر على المعلن بالفسق.
ثانياً : وأما العقل : فلأنَّ الحد إنما شرع للزجر عن الأذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل، فلا يحد قاذفه.
ثالثاً : وأما البلوغ : فالأصل فيه أن الطفل لا يتصور منه الزنى كما لا يتصور النظر من الأعمى، فلا يحد قاذف الصغير أو الصغيرة عند الجمهور. وقال مالك رحمه الله : إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفاً : وقال أحمد رحمه الله : في الصبيَّة بنت تسع يحد قاذفها.
قال ابن العربي : والمسألة محتملة مشكلة، لكن مالك غلْب عرض المقذوف، وغيره راعي حماية ظهر القاذف، وحمايةُ عرض المقذوف أولى لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. وصحح ابن المنذر الرأي الأول فقال : لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب ويعزر على الأذى.
رابعاً : وأما الحرية : فالجمهور على اشتراطها، لأن مرتبة العبد تختلف عن مرتبة الحر، فقذف العبد - وإنْ كان حراماً - إلا أنه لا يحد القاذف وإنما يعزر لقوله ﷺ :« من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال » ولأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعبير بالزنى. قال العلماء :( وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس، وإنما لم يتكافئوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين، وتفسد العلاقة بين السادة والعبيد، فلا تصل لهم حرمة، ولا فضلٌ في منزلة وتبطل فائدة التسخير، حكمة من الحكيم العليم لا إله إلا هو... ).
وأما ابن حزم فقد خالف جمهور الفقهاء، فرأى أن قذف العبد يوجب الحد، وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية وقال :« وأما قولهم لا حرمة للعبد، ولا للأَمَةِ، فكلام سخيف، والمؤمن له حرمة عظيمة، وربَّ عبد جلفٍ خيرٌ من خليفة قرشي عند الله تعالى » أقول : رأيُ ابن حزم هذا رأي وجيه لو لم يصادم النص المتقدم الذي استدل به الجمهور والأحكامُ لا تؤخذ بالآراء، وإنما بما ثبت عن المعصوم ﷺ من قوله وفعله.
319
.. والحديث ثابت في الصحيحين « فلا عبرة بخلافه.
خامساً : وأما العفة : فهي شرط عند جميع الفقهاء لم يخالف في ذلك أحد وإنما اعتبرناها للنص القرآني الكريم ( يرمون المحصنات ) فشرطت الآية أن يكون المقذوف ( محصناً ) أي عفيفاً، إذ غير العفيف قد يتباهى بالفسق والفجور، ويعتبر ذلك ( تقدمية ) والتمسك بالفضيلة والدين ( رجعية ) كما نسمع في زماننا هذا عن بعض الفاسقين الخارجين على الدين والأخلاق والآداب. ولأن الحد مشروع لتكذيب القاذف فإذا كان المقذوف زانياً فعلاً فالقاذف صادق في قذفه، وإذا كان المقذوف مشهوراً بالمجون والدعارة فقد أوجد شبهة لقاذفه ( والحدودُ تدرأ بالشبهات ) فلا يحد القاذف. ولو زنى شاب في عنفوان شبابه، ثم تاب وحسن حاله ثم شاخ في الصلاح لا يحد قاذفه، لأن القاذف لم يكذب، وإنما يعزّر لأنه أشاع ما يجب ستره وإخفاؤه فكذلك لو قذف شخصاً مشهوراً بالفسق والفجور. ولكن ليس معنى عدم إقامة الحد في هذه الصور الخمس أن قاذف ( المجنون أو الصبي أو الكافر أو العبد أو غير العفيف ) لا يستحق عقوبة بل إنه يستحق التعزير ويبلغ به غايته لأنه أشاع الفاحشة، وقد حذّر الله تعالى منها بقوله :﴿ إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة ﴾ [ النور : ١٩ ] الآية.
الحكم الرابع : ما هي ألفاظ القذف الموجبة للحد؟
تنقسم ألفاظ القذف إلى ثلاثة أقسام :( صريح، وكناية، وتعريض ) :
أما الصريح : فهو أن يصرح القاذف في كلامه بلفظ الزنى مثل قوله :( يا زاني، أو يا زانية، أو يا ابن الزنى ) أو ينفي نسبه عنه كقوله : لست ابن أبيك فهذا النوع قد اتفق العلماء على أنه يجب فيه الحد.
أما الكناية : فمثل أن يقول :( يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة ) أو هي لا تردُّ يدَ لامس، فهذه لا تكون قذفاً إلا أن يريده، وتحتاج إلى توضيح وبيان.
أما التعريض : فمثل أن يقول :( لست بزانٍ.. وليست هي بزانية )، وقد اختلف العلماء في التعريض هل هو من القذف الموجب للحد أم لا؟ فذهب ( مالك ) رحمه الله إلى أنه قذف، وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يكون قذفاً إلا إذا قال أردت به القذف.
دليل مالك :
استدل مالك بما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن : أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر : واللَّهِ ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار عمر في ذلك فقال قائل : مدح أباه وأمه وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد، فجلده ثمانين.
خامساً : وأما العفة : فهي شرط عند جميع الفقهاء لم يخالف في ذلك أحد وإنما اعتبرناها للنص القرآني الكريم ( يرمون المحصنات ) فشرطت الآية أن يكون المقذوف ( محصناً ) أي عفيفاً، إذ غير العفيف قد يتباهى بالفسق والفجور، ويعتبر ذلك ( تقدمية ) والتمسك بالفضيلة والدين ( رجعية ) كما نسمع في زماننا هذا عن بعض الفاسقين الخارجين على الدين والأخلاق والآداب. ولأن الحد مشروع لتكذيب القاذف فإذا كان المقذوف زانياً فعلاً فالقاذف صادق في قذفه، وإذا كان المقذوف مشهوراً بالمجون والدعارة فقد أوجد شبهة لقاذفه ( والحدودُ تدرأ بالشبهات ) فلا يحد القاذف. ولو زنى شاب في عنفوان شبابه، ثم تاب وحسن حاله ثم شاخ في الصلاح لا يحد قاذفه، لأن القاذف لم يكذب، وإنما يعزّر لأنه أشاع ما يجب ستره وإخفاؤه فكذلك لو قذف شخصاً مشهوراً بالفسق والفجور. ولكن ليس معنى عدم إقامة الحد في هذه الصور الخمس أن قاذف ( المجنون أو الصبي أو الكافر أو العبد أو غير العفيف ) لا يستحق عقوبة بل إنه يستحق التعزير ويبلغ به غايته لأنه أشاع الفاحشة، وقد حذّر الله تعالى منها بقوله :﴿ إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة ﴾ [ النور : ١٩ ] الآية.
الحكم الرابع : ما هي ألفاظ القذف الموجبة للحد؟
تنقسم ألفاظ القذف إلى ثلاثة أقسام :( صريح، وكناية، وتعريض ) :
أما الصريح : فهو أن يصرح القاذف في كلامه بلفظ الزنى مثل قوله :( يا زاني، أو يا زانية، أو يا ابن الزنى ) أو ينفي نسبه عنه كقوله : لست ابن أبيك فهذا النوع قد اتفق العلماء على أنه يجب فيه الحد.
أما الكناية : فمثل أن يقول :( يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة ) أو هي لا تردُّ يدَ لامس، فهذه لا تكون قذفاً إلا أن يريده، وتحتاج إلى توضيح وبيان.
أما التعريض : فمثل أن يقول :( لست بزانٍ.. وليست هي بزانية )، وقد اختلف العلماء في التعريض هل هو من القذف الموجب للحد أم لا؟ فذهب ( مالك ) رحمه الله إلى أنه قذف، وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يكون قذفاً إلا إذا قال أردت به القذف.
دليل مالك :
استدل مالك بما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن : أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر : واللَّهِ ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار عمر في ذلك فقال قائل : مدح أباه وأمه وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد، فجلده ثمانين.
320
وقد حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة لما قال :
لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون.
قال القرطبي : والدليل لما قاله ( مالك ) هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرّة التي أوقعها القاذف بالمقذوف فإذا حصلت المعرة بالتعريض وجب أن يكون قذفاً وقد قال تعالى حكاية عن مريم ﴿ ياأخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٨ ] فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء. وعرّضوا لمريم بذلك ولذلك قال تعالى :﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ١٥٦ ] وكفرُهم معروف، والبهتانُ العظيم هو التعريض لها أي ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيا، أي وأنت بخلافهما وقد أتيت بهذا الولد.
دليل الشافعية والأحناف :
استدل الشافعي وأبو حنيفة بأن التعريض بالقذف محتمل للقذف ولغيره، والاحتمال شبهة والحدود تدرأ بالشبهات كما ورد في الحديث :( ادرءوا الحدود بالشبهات ).
وقالوا : إن الله تعالى قد فرّق بين ( التصريح ) و ( التعريض ) في عدة المتوفى عنها زوجها، فحرم التصريح بالخطبة، وأباح التعريض بقوله تعالى :﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء ﴾ [ البقرة : ٢٣٥ ] الآية.
فدل على أنهما ليسا في الحكم سواء... وروي عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان : إحادهما أن التعريض ليس بقذف ولا حد فيه. والثانية : أنه قذف في حال الغضب دون حال الرضا.
ومما يدل على ما ذهب إليه ( الشافعية والأحناف ) ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي ﷺ إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال : هل لك من إبل؟ قال : نعم، قال : ما ألوانها قال حمر، قال : فهل فيها أورق؟ قال : نعم، قال : فكيف ذاك؟ قال لعله نزعه عرق؟ قال : فلعل هذا نزعه عرق فلم يعتبر هذا قذفاً مع أنه تعريض بزنى الزوجة.
الحكم الخامس : ما هو حكم قاذف الجماعة؟
اختلف الفقهاء في حكم من قذف جماعة على ثلاثة مذاهب :
أ- المذهب الأول : مذهب القائلين بأن يحد حداً واحداً وهم الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد ).
ب- المذهب الثاني : مذهب القائلين بأن عليه لكل واحد حداً وهم ( الشافعي والليث ).
ج- المذهب الثالث : مذهب الذين فرقوا بين أن يجمعهم في كلمة واحدة مثل أن يقول لهم : يا زناة أو يقول لكل واحد يا زاني. ففي الصورة الأولى يحد حداً واحداً، وفي الثانية عليه لك واحد منهم حد، وهو مذهب ( ابن أبي ليلى، والشعبي ).
دليل الجمهور : احتج أبو بكر الرازي على قول الجمهور بالكتاب والسنة، والقياس.
أما الكتاب : فقوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ والمعنى أن كل من رمى المحصنات وجب عليه الجلد وذلك يقتضي أن قاذف الجماعة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية.
دع المكارمَ لا تَرْحل لبغيتها | واقعد فإنك أنتَ الطّاعمُ الكاسي |
قال القرطبي : والدليل لما قاله ( مالك ) هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرّة التي أوقعها القاذف بالمقذوف فإذا حصلت المعرة بالتعريض وجب أن يكون قذفاً وقد قال تعالى حكاية عن مريم ﴿ ياأخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٨ ] فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء. وعرّضوا لمريم بذلك ولذلك قال تعالى :﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ١٥٦ ] وكفرُهم معروف، والبهتانُ العظيم هو التعريض لها أي ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيا، أي وأنت بخلافهما وقد أتيت بهذا الولد.
دليل الشافعية والأحناف :
استدل الشافعي وأبو حنيفة بأن التعريض بالقذف محتمل للقذف ولغيره، والاحتمال شبهة والحدود تدرأ بالشبهات كما ورد في الحديث :( ادرءوا الحدود بالشبهات ).
وقالوا : إن الله تعالى قد فرّق بين ( التصريح ) و ( التعريض ) في عدة المتوفى عنها زوجها، فحرم التصريح بالخطبة، وأباح التعريض بقوله تعالى :﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء ﴾ [ البقرة : ٢٣٥ ] الآية.
فدل على أنهما ليسا في الحكم سواء... وروي عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان : إحادهما أن التعريض ليس بقذف ولا حد فيه. والثانية : أنه قذف في حال الغضب دون حال الرضا.
ومما يدل على ما ذهب إليه ( الشافعية والأحناف ) ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي ﷺ إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال : هل لك من إبل؟ قال : نعم، قال : ما ألوانها قال حمر، قال : فهل فيها أورق؟ قال : نعم، قال : فكيف ذاك؟ قال لعله نزعه عرق؟ قال : فلعل هذا نزعه عرق فلم يعتبر هذا قذفاً مع أنه تعريض بزنى الزوجة.
الحكم الخامس : ما هو حكم قاذف الجماعة؟
اختلف الفقهاء في حكم من قذف جماعة على ثلاثة مذاهب :
أ- المذهب الأول : مذهب القائلين بأن يحد حداً واحداً وهم الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد ).
ب- المذهب الثاني : مذهب القائلين بأن عليه لكل واحد حداً وهم ( الشافعي والليث ).
ج- المذهب الثالث : مذهب الذين فرقوا بين أن يجمعهم في كلمة واحدة مثل أن يقول لهم : يا زناة أو يقول لكل واحد يا زاني. ففي الصورة الأولى يحد حداً واحداً، وفي الثانية عليه لك واحد منهم حد، وهو مذهب ( ابن أبي ليلى، والشعبي ).
دليل الجمهور : احتج أبو بكر الرازي على قول الجمهور بالكتاب والسنة، والقياس.
أما الكتاب : فقوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ والمعنى أن كل من رمى المحصنات وجب عليه الجلد وذلك يقتضي أن قاذف الجماعة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية.
321
وأما السنة : فما روي عن ابن عباس أن ( هلال بن أمية ) قذف امرأته عند النبي ﷺ بشريك بن سحماء فقال النبي ﷺ :« البينة أو حد في ظهرك » فلم يوجب النبي على هلال إلا حداً مع أنه قذف زوجته وقذف معها ( شريك ين سحماء ).
وأما القياس : فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا تكرر منه مراراً لم يجب إلا حد واحد، كمن سرق مراراً، أو شرب الخمر مراراً، لم يحد إلا حداً واحداً فكذا هاهنا.
أدلة الشافعية :
وأجاب الشافعية عن الأول بان قوله ( والذين ) صيغة جمع، وإذا قوبل الجمع بالجمع اقتضى القسمة على الآحاد، فيصير المعنى : كل من رمى محصناً واحداً وجب عليه الحد.
وأجابوا عن الثاني بأنه قذفهما بلفظ واحد وقد قال الشافعي - في القديم - لا يجب إلا حدٌ واحدٌ اعتبارا ً باللفظ.
وأجابوا عن القياس بأنه قياس مع الفارق فإن حد القذف حق الآدمي، بخلاف حد الزنى والشرب فإنه حق الله تعالى وحقوق الآدمي لا تتداخل.
الترجيح : والصحيح الراجح هنا هو رأي الجمهور لقوة أدلتهم لأنه لو قذف قبيلة فأقمنا عليه لكل واحدٍ حداً هلك، والله أعلم.
الحكم السادس : هل تشترط في الشهود العدالة؟
لم تذكر الآية الكريمة في صفة الشهداء أكثر من أنهم ( أربعة ) رجال من أهل الشهادة وللعلماء خلاف في أهل الشهادة من هم؟ فالشافعية يقولون : لا بد للشاهد أن يكون عدلاً، والحنفية يقولون : الفاسق من أهل الشهادة وعلى هذا تظهر ثمرة الخلاف؛ فإذا شهد أربعة فساق على المقذوف بالزنى فهم قذفةٌ عند الشافعية يحدون كما يحد القاذف الأول، والحنفية يقولون : لا حد على القاذف لأنه أتى بأربعة من أهل الشهادة، إلا أن الشرع لم يعتبر شهادتهم لقصور في ( الفاسق ) فثبت بشهادتهم شبهة الزنى فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه، فكذلك وجب اعتبارها في نفي الحد عنه وعن الشهود.
وجه قول الشافعي رحمه الله : أنهم غير موصوفين بالشرائط في قبول الشهادة فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين وبقوا محض قاذفين فيحدون حد القذف.
وقد ارجح ابن تيمية رحمه الله رأي الأحناف ودفع الحد عن الشهود. لوجود الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، كما وضَّحت ذلك السنَّة المطهرة.
الحكم السابع : هل يشترط في الشهود أداؤهم للشهادة مجتمعين؟
ظاهر الآية الكريمة أنه لا فرق بين أن يؤدي الشهود شهادتهم مجتمعين أو متفرقين، وهذا مذهب ( مالك والشافعي ) رحمهما الله أخذاً بظاهر الآية.
وأما القياس : فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا تكرر منه مراراً لم يجب إلا حد واحد، كمن سرق مراراً، أو شرب الخمر مراراً، لم يحد إلا حداً واحداً فكذا هاهنا.
أدلة الشافعية :
وأجاب الشافعية عن الأول بان قوله ( والذين ) صيغة جمع، وإذا قوبل الجمع بالجمع اقتضى القسمة على الآحاد، فيصير المعنى : كل من رمى محصناً واحداً وجب عليه الحد.
وأجابوا عن الثاني بأنه قذفهما بلفظ واحد وقد قال الشافعي - في القديم - لا يجب إلا حدٌ واحدٌ اعتبارا ً باللفظ.
وأجابوا عن القياس بأنه قياس مع الفارق فإن حد القذف حق الآدمي، بخلاف حد الزنى والشرب فإنه حق الله تعالى وحقوق الآدمي لا تتداخل.
الترجيح : والصحيح الراجح هنا هو رأي الجمهور لقوة أدلتهم لأنه لو قذف قبيلة فأقمنا عليه لكل واحدٍ حداً هلك، والله أعلم.
الحكم السادس : هل تشترط في الشهود العدالة؟
لم تذكر الآية الكريمة في صفة الشهداء أكثر من أنهم ( أربعة ) رجال من أهل الشهادة وللعلماء خلاف في أهل الشهادة من هم؟ فالشافعية يقولون : لا بد للشاهد أن يكون عدلاً، والحنفية يقولون : الفاسق من أهل الشهادة وعلى هذا تظهر ثمرة الخلاف؛ فإذا شهد أربعة فساق على المقذوف بالزنى فهم قذفةٌ عند الشافعية يحدون كما يحد القاذف الأول، والحنفية يقولون : لا حد على القاذف لأنه أتى بأربعة من أهل الشهادة، إلا أن الشرع لم يعتبر شهادتهم لقصور في ( الفاسق ) فثبت بشهادتهم شبهة الزنى فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه، فكذلك وجب اعتبارها في نفي الحد عنه وعن الشهود.
وجه قول الشافعي رحمه الله : أنهم غير موصوفين بالشرائط في قبول الشهادة فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين وبقوا محض قاذفين فيحدون حد القذف.
وقد ارجح ابن تيمية رحمه الله رأي الأحناف ودفع الحد عن الشهود. لوجود الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، كما وضَّحت ذلك السنَّة المطهرة.
الحكم السابع : هل يشترط في الشهود أداؤهم للشهادة مجتمعين؟
ظاهر الآية الكريمة أنه لا فرق بين أن يؤدي الشهود شهادتهم مجتمعين أو متفرقين، وهذا مذهب ( مالك والشافعي ) رحمهما الله أخذاً بظاهر الآية.
322
وقال أبو حنيفة رحمه الله : إذا جاءوا متفرقين فعليهم حد القذف، ولا يسقط الحد عن القاذف.
حجة مالك والشافعي : أن الآية لم تشترط إلا أن يكونوا أربعة، ولم تَشْرط أداؤهم للشهادة مجتمعين، فيكفي في الشهادة كيفما اتفق مجتمعين، أو متفرقين، بل إن شهادتهم متفرقين أبعدُ عن التهمة، وعلى القاضي أن يفرقهم إذا ارتاب من أمرهم ليظهر له وجه الحق في أدائهم للشهادة هل هم صادقون أم كاذبون؟
حجة أبي حنيفة : أما حجة أبي حنيفة فهي أن الشاهد الواحد لما شهد بمفرده صار قاذفاً فيجب عليه الحد وكذلك الثاني والثالث، ولا خلاص من هذا الإشكال إلا باشتراط الإجتماع.. واستدل بحادثة ( المغيرة بن شعبة ) لما شهد عليه أربعة وخالف أحدهم في الشهادة جلدهم عمر وستأتي قصتهم قريباً إن شاء الله تعالى.
الحكم الثامن : هل عقوبة العبد مثل عقوبة الحر؟
اتفق الفقهاء على أن العبد إذا قذف الحر المحصن وجب عليه الحد، ولكن هل حده مثل حد الحر، أو على النصف منه؟ لم يثبت حكم ذلك في السنة المطهرة ولهذا اختلف الفقهاء فيه فالجمهور ( وهو مذهب الأئمة الأربعة ) على أن العبد إذا ثبت عليه القذف، فعقوبته ( ٤٠ ) أربعون جلدة، لأنه حد يتنصف بالرق مثل حد الزنى، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] وذهب الأوزاعي وابن حزم وهو مذهب الشيعة إلى أنه يجلد ( ٨٠ ) ثمانين جلدة، لأنه حد وجب صيانة لحق الآدميين إذ أن الجناية وقعت على عرض المقذوف، والجناية لا تختلف بالرق والحرية.
ومن أدلة الجمهور ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال « أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بَعدهَم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين جلدة ».. وعن علي كرم الله وجهه أنه قال ( يجلد العبد في القذف أربعين ).
قال ابن المنذر : والذي عليه الأمصار القول الأول ( أي قول الجمهور ) وبه أقول.
وردّ الجمهور بأن آية القذف خاصة بالأحرار، فالحر إذا قذف محصناً حد ثمانين جلدة، وأما العبد فحده أربعون، فقاسوا القذف على حد الزنى، والله تعالى أعلم.
الحكم التاسع : هل الحد حق من حقوق الله أو من حقوق الآدميين؟
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الحد حق من حقوق ( الله ) ويترتب على كونه حقاً من حقوق الله تعالى ما يلي :
أ- أنه إذا بلغ الحاكم وجب عليه إقامة الحد وإن لم يطلب المقذوف.
ب- لا يسقط بعفو المقذوف عن القاذف، وتنفع القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى.
ج- يتنصف فيه الحد بالرق مثل الزنى.
وذهب ( الشافعي ومالك ) إلى أنه حق من حقوق ( الآدميين ) ويترتب عليه ما يلي :
أ- أن الإمام لا يقيمه إلا بطلب المقذوف.
حجة مالك والشافعي : أن الآية لم تشترط إلا أن يكونوا أربعة، ولم تَشْرط أداؤهم للشهادة مجتمعين، فيكفي في الشهادة كيفما اتفق مجتمعين، أو متفرقين، بل إن شهادتهم متفرقين أبعدُ عن التهمة، وعلى القاضي أن يفرقهم إذا ارتاب من أمرهم ليظهر له وجه الحق في أدائهم للشهادة هل هم صادقون أم كاذبون؟
حجة أبي حنيفة : أما حجة أبي حنيفة فهي أن الشاهد الواحد لما شهد بمفرده صار قاذفاً فيجب عليه الحد وكذلك الثاني والثالث، ولا خلاص من هذا الإشكال إلا باشتراط الإجتماع.. واستدل بحادثة ( المغيرة بن شعبة ) لما شهد عليه أربعة وخالف أحدهم في الشهادة جلدهم عمر وستأتي قصتهم قريباً إن شاء الله تعالى.
الحكم الثامن : هل عقوبة العبد مثل عقوبة الحر؟
اتفق الفقهاء على أن العبد إذا قذف الحر المحصن وجب عليه الحد، ولكن هل حده مثل حد الحر، أو على النصف منه؟ لم يثبت حكم ذلك في السنة المطهرة ولهذا اختلف الفقهاء فيه فالجمهور ( وهو مذهب الأئمة الأربعة ) على أن العبد إذا ثبت عليه القذف، فعقوبته ( ٤٠ ) أربعون جلدة، لأنه حد يتنصف بالرق مثل حد الزنى، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ [ النساء : ٢٥ ] وذهب الأوزاعي وابن حزم وهو مذهب الشيعة إلى أنه يجلد ( ٨٠ ) ثمانين جلدة، لأنه حد وجب صيانة لحق الآدميين إذ أن الجناية وقعت على عرض المقذوف، والجناية لا تختلف بالرق والحرية.
ومن أدلة الجمهور ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال « أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بَعدهَم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين جلدة ».. وعن علي كرم الله وجهه أنه قال ( يجلد العبد في القذف أربعين ).
قال ابن المنذر : والذي عليه الأمصار القول الأول ( أي قول الجمهور ) وبه أقول.
وردّ الجمهور بأن آية القذف خاصة بالأحرار، فالحر إذا قذف محصناً حد ثمانين جلدة، وأما العبد فحده أربعون، فقاسوا القذف على حد الزنى، والله تعالى أعلم.
الحكم التاسع : هل الحد حق من حقوق الله أو من حقوق الآدميين؟
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الحد حق من حقوق ( الله ) ويترتب على كونه حقاً من حقوق الله تعالى ما يلي :
أ- أنه إذا بلغ الحاكم وجب عليه إقامة الحد وإن لم يطلب المقذوف.
ب- لا يسقط بعفو المقذوف عن القاذف، وتنفع القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى.
ج- يتنصف فيه الحد بالرق مثل الزنى.
وذهب ( الشافعي ومالك ) إلى أنه حق من حقوق ( الآدميين ) ويترتب عليه ما يلي :
أ- أن الإمام لا يقيمه إلا بطلب المقذوف.
323
ب- يسقط بعفو المقذوف عن القاذف.
ج- إذا مات المقذوف قبل إقامة الحد فإنه يورث عنه، ويسقط بعفو الوارث.
ويرى بعض الفقهاء أن ( حد القذف ) فيه شائبة من حق الله. وشائبة من حق العبد، ومما لا شك فيه أن في القذف تعديّا على حقوق الله تعالى، وانتهاكاً لحرمة المقذوف، فكان في شرع الحد صيانةً لحق الله، ولحق العبد فيكون الحد مزيجاً منهما... ولعلَّ هذا الأرجح والله تعالى أعلم.
الحكم العاشر : هل تقبل شهادة القاذف إذا تاب؟
حكم القرآن على القاذف بثلاثة أحكام :
الأول : أن يجلد ثمانين جلدة.
والثاني : أن لا تقبل له شهادة أبداً.
والثالث : وصفة بالفسق والخروج عن طاعة الله تعالى.
ثم عقّب الباري جل وعلا بعد هذه الأحكام الثلاثة بما يدل على ( الاستثناء ) فقال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قد اختلف الفقهاء في هذا ( الاستثناء ) هل يعود إلى الجملة الأخيرة فيرفع عنه وصف الفسق ويظل مردود الشهادة؟ أم أن شهادته تقبل كذلك بالتوبة؟ على مذهبين :
أ- مذهب أبي حنيفة : أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فيرفع عنه وصف الفسق إذا تاب ولكن لا تقبل شهادته. ولو أصبح أصلح الصالحين، وهذا المذهب مروي عن ( الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ) وغيرهم من فقهاء التابعين.
ب- مذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) أن الاستثناء راجع إلى الجملتين الأخيرتين ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فإذا تاب قبلت شهادته ورفع عنه وصف الفسق وهذا المذهب مروي عن ( عطاء وطاووس ومجاهد والشعبي وعكرمة ) وغيرهم من علماء التابعين وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري رحمهم الله أجمعين.
وهذا الاختلاف بين الفقهاء مردّه إلى قاعدة أصولية : وهي :( هل الاستثناء الوارد بعد الجمل المتعاطفة بالواو يرجع إلى الكل أو إلى الأخير ) ؟ فالشافعية والمالكية يرجعونه إلى الجميع، والأحناف يرجعونه إلى الأخير فقط والمسألة تطلب من كتب الأصول وليس هذا محل تفصيلها.
أدلة الأحناف :
استدل الأحناف على عدم قبول شهادة القاذف مطلقاً بما يلي :
أولاً : إن الاستثناء لو رجع إلى جميع الجمل المتقدمة لوجب أن يسقط عنه ( الحد ) وهو الجلد ( ثمانين جلدة )، وهذا باطل بالإجماع، فتعَيّن أن يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط.
ثانياً : إن الله تعالى قد حكم بعدم قبول شهادته على التأبيد ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ فلفظ ( الأبد ) يدل على الدوام والاستمرار حتى ولو تاب وأناب وأصبح من الصالحين، وقبول شهادته يناقض هذه الأبدية التي حكم بها القرآن.
ثالثاً : ما ورد عنه ﷺ أنه قال :« المسلمون عدول بعضهم على بعض إلاّ محدوداً في قذف » فإنه يدلّ على أن القاذف لا تقبل شهادته إذا حُدّ في القذف.
ج- إذا مات المقذوف قبل إقامة الحد فإنه يورث عنه، ويسقط بعفو الوارث.
ويرى بعض الفقهاء أن ( حد القذف ) فيه شائبة من حق الله. وشائبة من حق العبد، ومما لا شك فيه أن في القذف تعديّا على حقوق الله تعالى، وانتهاكاً لحرمة المقذوف، فكان في شرع الحد صيانةً لحق الله، ولحق العبد فيكون الحد مزيجاً منهما... ولعلَّ هذا الأرجح والله تعالى أعلم.
الحكم العاشر : هل تقبل شهادة القاذف إذا تاب؟
حكم القرآن على القاذف بثلاثة أحكام :
الأول : أن يجلد ثمانين جلدة.
والثاني : أن لا تقبل له شهادة أبداً.
والثالث : وصفة بالفسق والخروج عن طاعة الله تعالى.
ثم عقّب الباري جل وعلا بعد هذه الأحكام الثلاثة بما يدل على ( الاستثناء ) فقال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قد اختلف الفقهاء في هذا ( الاستثناء ) هل يعود إلى الجملة الأخيرة فيرفع عنه وصف الفسق ويظل مردود الشهادة؟ أم أن شهادته تقبل كذلك بالتوبة؟ على مذهبين :
أ- مذهب أبي حنيفة : أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فيرفع عنه وصف الفسق إذا تاب ولكن لا تقبل شهادته. ولو أصبح أصلح الصالحين، وهذا المذهب مروي عن ( الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ) وغيرهم من فقهاء التابعين.
ب- مذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) أن الاستثناء راجع إلى الجملتين الأخيرتين ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فإذا تاب قبلت شهادته ورفع عنه وصف الفسق وهذا المذهب مروي عن ( عطاء وطاووس ومجاهد والشعبي وعكرمة ) وغيرهم من علماء التابعين وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري رحمهم الله أجمعين.
وهذا الاختلاف بين الفقهاء مردّه إلى قاعدة أصولية : وهي :( هل الاستثناء الوارد بعد الجمل المتعاطفة بالواو يرجع إلى الكل أو إلى الأخير ) ؟ فالشافعية والمالكية يرجعونه إلى الجميع، والأحناف يرجعونه إلى الأخير فقط والمسألة تطلب من كتب الأصول وليس هذا محل تفصيلها.
أدلة الأحناف :
استدل الأحناف على عدم قبول شهادة القاذف مطلقاً بما يلي :
أولاً : إن الاستثناء لو رجع إلى جميع الجمل المتقدمة لوجب أن يسقط عنه ( الحد ) وهو الجلد ( ثمانين جلدة )، وهذا باطل بالإجماع، فتعَيّن أن يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط.
ثانياً : إن الله تعالى قد حكم بعدم قبول شهادته على التأبيد ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ فلفظ ( الأبد ) يدل على الدوام والاستمرار حتى ولو تاب وأناب وأصبح من الصالحين، وقبول شهادته يناقض هذه الأبدية التي حكم بها القرآن.
ثالثاً : ما ورد عنه ﷺ أنه قال :« المسلمون عدول بعضهم على بعض إلاّ محدوداً في قذف » فإنه يدلّ على أن القاذف لا تقبل شهادته إذا حُدّ في القذف.
324
أدلة الجمهور :
وأما الجمهور فقد استدلوا على قبول شهادته بما يلي : أولاً : قالوا : إنّ التوبة تمحو الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فوجب أن يكون القاذف بعد التوبة مقبول الشهادة.
ثانياً : إنّ الكفر أعظم جرماً من القذف، والكافر إذا تاب تقبل شهادته فكيف لا تقبل شهادة المسلم إذا قذف ثم تاب؟ وقد قال الشافعي رحمه الله : عجباً يقبل الله من القاذف توبته وتردُّون شهادته.
ثالثاً : ما روي في حادثة ( المغيرة بن شعبة ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الحد الذين شهدوا على المغيرة وهم ( أبو بكر، ونافع، ونفيع ) حين قذفوه ثم قال لهم من أكذب نفسه قبلتُ شهادته ومن لم يفعل لم أجز شهادته، فأكذب ( نافع ونفيع ) أنفسهما وكان عمر يقبل شهادتهما، وأما ( أبو بكرة ) فكان لا يقبل شهادته ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
رابعاً : وقالوا : إن الاستثناء في الآية الكريمة كان ينبغي أن يرجع إلى الكل ولكن لما كان ( الجلد ثمانين ) من أجل حق المقذوف وكان هذا الحق من حقوق العباد لم يسقط بالتوبة، فبقي رد الشهادة والحكم بالفسق وهما من حق الله فيسقطان بالتوبة.
يقول العلامة المودودي في « تفسير سورة النور » بعد أن ساق أدلة الفريقين :
فرأيُ الطائفة الأولى هو الأرجح عندي في هذه القضية فإن حقيقة توبة المرء لا يعلمها إلا الله. ومن تاب عندنا فإن غاية ما لنا أن نجامله به هو أن لا نسميه ( الفاسق ) ولا نذكره بالفسق وليس من الصحيح أن نبالغ في مجاملته، حتى نعود إلى الثقة بقوله لمجرد أنه قد تاب عندنا في ظاهر الأمر.
وزد على ذلك أن أسلوب عبارة القرآن بنفسه يدل دلالة واضحة على أن العفو المذكور في جملة ﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ... وَأَصْلَحُواْ ﴾ إنما يرجع إلى جملة ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ لأن جلد القاذف ثمانين جلدة وعدم قبول شهادته جاء ذكرهما في العبارة بصيغة الأمر ﴿ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ وجاء الحكم عليه بالفسق بصيغة الخبر ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فإذا جاء قوله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ بعد هذا الحكم الثالث مقترناً به فهو يدل بنفسه على أن هذا الاستثناء إنما يرجع إلى الجملة الخبرية الأخيرة ولا يرجع إلى جملتي الأمر الأوليين.. وليست التوبة عبارة عن تلفظ الإنسان بها باللسان بل هي عبارة عن شعوره بالندامة واعتزامه على إصلاح نفسه، ورجوعه إلى الخير، وكلّ ذلك مما لا يعلم حقيقة إلا الله، ولأجل هذا فإنه لا تغتفر بالتوبة ( العقوبة الدنيوية ) وإنما تغتفر بها ( العقوبة الأخروية ) فحسبُ... ومن ثمة فإن الله تعالى لم يقل : إلا الذين تابوا وأصلحوا فاتركوهم أو خلوا سبيلهم أو لا تعذبهم بل قال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ فإنه لو كانت العقوبات الدنيوية أيضاً تغتفر بالتوبة فمن ذا الذي ترونه من الجناة لا يتوب اتقاء لعقوبته.
وأما الجمهور فقد استدلوا على قبول شهادته بما يلي : أولاً : قالوا : إنّ التوبة تمحو الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فوجب أن يكون القاذف بعد التوبة مقبول الشهادة.
ثانياً : إنّ الكفر أعظم جرماً من القذف، والكافر إذا تاب تقبل شهادته فكيف لا تقبل شهادة المسلم إذا قذف ثم تاب؟ وقد قال الشافعي رحمه الله : عجباً يقبل الله من القاذف توبته وتردُّون شهادته.
ثالثاً : ما روي في حادثة ( المغيرة بن شعبة ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الحد الذين شهدوا على المغيرة وهم ( أبو بكر، ونافع، ونفيع ) حين قذفوه ثم قال لهم من أكذب نفسه قبلتُ شهادته ومن لم يفعل لم أجز شهادته، فأكذب ( نافع ونفيع ) أنفسهما وكان عمر يقبل شهادتهما، وأما ( أبو بكرة ) فكان لا يقبل شهادته ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
رابعاً : وقالوا : إن الاستثناء في الآية الكريمة كان ينبغي أن يرجع إلى الكل ولكن لما كان ( الجلد ثمانين ) من أجل حق المقذوف وكان هذا الحق من حقوق العباد لم يسقط بالتوبة، فبقي رد الشهادة والحكم بالفسق وهما من حق الله فيسقطان بالتوبة.
يقول العلامة المودودي في « تفسير سورة النور » بعد أن ساق أدلة الفريقين :
فرأيُ الطائفة الأولى هو الأرجح عندي في هذه القضية فإن حقيقة توبة المرء لا يعلمها إلا الله. ومن تاب عندنا فإن غاية ما لنا أن نجامله به هو أن لا نسميه ( الفاسق ) ولا نذكره بالفسق وليس من الصحيح أن نبالغ في مجاملته، حتى نعود إلى الثقة بقوله لمجرد أنه قد تاب عندنا في ظاهر الأمر.
وزد على ذلك أن أسلوب عبارة القرآن بنفسه يدل دلالة واضحة على أن العفو المذكور في جملة ﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ... وَأَصْلَحُواْ ﴾ إنما يرجع إلى جملة ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ لأن جلد القاذف ثمانين جلدة وعدم قبول شهادته جاء ذكرهما في العبارة بصيغة الأمر ﴿ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ وجاء الحكم عليه بالفسق بصيغة الخبر ﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ فإذا جاء قوله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ بعد هذا الحكم الثالث مقترناً به فهو يدل بنفسه على أن هذا الاستثناء إنما يرجع إلى الجملة الخبرية الأخيرة ولا يرجع إلى جملتي الأمر الأوليين.. وليست التوبة عبارة عن تلفظ الإنسان بها باللسان بل هي عبارة عن شعوره بالندامة واعتزامه على إصلاح نفسه، ورجوعه إلى الخير، وكلّ ذلك مما لا يعلم حقيقة إلا الله، ولأجل هذا فإنه لا تغتفر بالتوبة ( العقوبة الدنيوية ) وإنما تغتفر بها ( العقوبة الأخروية ) فحسبُ... ومن ثمة فإن الله تعالى لم يقل : إلا الذين تابوا وأصلحوا فاتركوهم أو خلوا سبيلهم أو لا تعذبهم بل قال :﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ فإنه لو كانت العقوبات الدنيوية أيضاً تغتفر بالتوبة فمن ذا الذي ترونه من الجناة لا يتوب اتقاء لعقوبته.
325
مذهب الشعبي والضحاك : وهناك مذهب وسط بين المذهبين هو مذهب ( الشعبي والضحاك ) فقد قالا : لا تقبل شهادة القاذف وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه أنه قال البهتان فيما قذف فحينئذ تقبل شهادته، قال شهيد الإسلام ( سيد قطب ) عليه الرحمة والرضوان : وأنا اختار هذا المذهب الأخير لأنه يزيد على التوبة إعلان براءة المقذوف باعترافٍ مباشر من القاذف وبذلك يُمْحَى آخرُ أثرٍ للقذف.
أقول : وهذا المذهب الذي اختاره سيد قطب تبدو عليه مخايل الجودة والإنصاف ويحقق العدل بين جميع الأطراف ( القاذف والمقذوف ) فلا يَظْلم أحداً منهما ولا يضيع حق الله، ولا حق العبد... فلعله يكون الأرجح والله تعالى أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - قذف المحصنات من الكبائر التي تهدد المجتمع وتقوّض بنيانه.
ثانياً - اتهام المؤمنين بطريق ( القذف ) إشاعة للفاحشة في المجتمع.
ثالثاً - على المسلم أن يصون كرامة إخوانه بالستر عليهم إذا أخطأوا.
رابعاً - لا بد لحماية ظهر القاذف من إحضار أربعة شهود، ذكور، عدول.
خامساً - العقوبات الثلاث ( البدنية والأدبية والدينية ) تدل على عظم جريمة القذف.
سادساً - لا يجوز الولوغ في أعراض الناس لمجرد السماع أو الظن بحصول التهمة.
سابعاً - الحدود كفارات للذنوب وعلى الحكام أن يقيموها تنفيذاً لأمر الله.
ثامناً - التوبة والندم على ما فرط من الإنسان تدفع عنه سمة الفسق فلا يسمى فاسقاً.
تاسعاً - إذا أصلح القاذف سيرته وأكذب نفسه فيرد له اعتباره وتقبل شهادته.
عاشراً - الله واسع الرحمة عظيم الفضل لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، ينتقم للمظلوم من الظالم.
حكمة التشريع
يعتبر القذف جريمة من الجرائم الشنيعة التي حاربها الإسلام حرباً لا هوادة فيه، فإن اتهام البريئين والوقوع في أعراض الناس، والخوض في ( المحصنات الحرائر ) العفيفات، يجعل المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئاً بتلك التهمة النكراء، فتصبح أعراض الأمَّة مجرحة وسمعتها ملوثة وإذا كل فرد منها متهم أو مهدد بالاتهام، وإذا كلُّ زوج فيها شاك في زوجه وأهله وولده.
وجريمة القذف والاتهام للمحصنات تولِّد أخطاراً جسيمة في المجتمع، فكم من فتاة عفيفة شريفة لاقت حتفها لكلمة قالها قائل، فصدقها فاجر، فوصل خبرها إلى الناس ولاكتها الألسن فكان أن أقدم أقرباؤها وذووها على قتلها لغسل العار، ثم ظهرت حصانتها وعفتها عن طريق ( الكشف الطبي ) ولكن بعد أن حصل ما حصل وفات الأوان.
لذلك وصيانةً للأعراض من التهجم، وحمايةً لأصحابها من إهدار الكرامة، قطع الإسلام ألسنة السوء، وسدَّ الباب على الذين يلتمسون للبرآء العيب، فمنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس، ويلغوا في أعراضهم.
أقول : وهذا المذهب الذي اختاره سيد قطب تبدو عليه مخايل الجودة والإنصاف ويحقق العدل بين جميع الأطراف ( القاذف والمقذوف ) فلا يَظْلم أحداً منهما ولا يضيع حق الله، ولا حق العبد... فلعله يكون الأرجح والله تعالى أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - قذف المحصنات من الكبائر التي تهدد المجتمع وتقوّض بنيانه.
ثانياً - اتهام المؤمنين بطريق ( القذف ) إشاعة للفاحشة في المجتمع.
ثالثاً - على المسلم أن يصون كرامة إخوانه بالستر عليهم إذا أخطأوا.
رابعاً - لا بد لحماية ظهر القاذف من إحضار أربعة شهود، ذكور، عدول.
خامساً - العقوبات الثلاث ( البدنية والأدبية والدينية ) تدل على عظم جريمة القذف.
سادساً - لا يجوز الولوغ في أعراض الناس لمجرد السماع أو الظن بحصول التهمة.
سابعاً - الحدود كفارات للذنوب وعلى الحكام أن يقيموها تنفيذاً لأمر الله.
ثامناً - التوبة والندم على ما فرط من الإنسان تدفع عنه سمة الفسق فلا يسمى فاسقاً.
تاسعاً - إذا أصلح القاذف سيرته وأكذب نفسه فيرد له اعتباره وتقبل شهادته.
عاشراً - الله واسع الرحمة عظيم الفضل لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، ينتقم للمظلوم من الظالم.
حكمة التشريع
يعتبر القذف جريمة من الجرائم الشنيعة التي حاربها الإسلام حرباً لا هوادة فيه، فإن اتهام البريئين والوقوع في أعراض الناس، والخوض في ( المحصنات الحرائر ) العفيفات، يجعل المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئاً بتلك التهمة النكراء، فتصبح أعراض الأمَّة مجرحة وسمعتها ملوثة وإذا كل فرد منها متهم أو مهدد بالاتهام، وإذا كلُّ زوج فيها شاك في زوجه وأهله وولده.
وجريمة القذف والاتهام للمحصنات تولِّد أخطاراً جسيمة في المجتمع، فكم من فتاة عفيفة شريفة لاقت حتفها لكلمة قالها قائل، فصدقها فاجر، فوصل خبرها إلى الناس ولاكتها الألسن فكان أن أقدم أقرباؤها وذووها على قتلها لغسل العار، ثم ظهرت حصانتها وعفتها عن طريق ( الكشف الطبي ) ولكن بعد أن حصل ما حصل وفات الأوان.
لذلك وصيانةً للأعراض من التهجم، وحمايةً لأصحابها من إهدار الكرامة، قطع الإسلام ألسنة السوء، وسدَّ الباب على الذين يلتمسون للبرآء العيب، فمنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس، ويلغوا في أعراضهم.
326
وشدَّد في عقوبة القذف فجعلها قريبة من عقوبة الزنى ( ثمانين جلدة ) مع إسقاط الشهادة، والوصف بالفسق.
والعقوبة الأولى ( جسدية ) تنال البدن والجسد، والثانية ( أدبية ) تتعلق بالناحية المعنوية بإهدار كرامته وإسقاط اعتباره، فكأنه ليس بإنسان لأنه لا يوثق بكلامه ولا يقبل قوله عند الناس، والثالثة ( دينية ) حيث أنه فاسق خارج عن طاعة الله، وكفى بذلك عقوبة لذوي النفوس المريضة، والضمائر الميِّتة.
وقد اعتبر الإسلام ( قذف المحصنات ) من الكبائر الموجبة لسخط الله وعذابه، وأوعد المرتكبين لهذا المنكر بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة فقال جل ثناؤه :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ النور : ٢٣ ] وجعل الولوغ في أعراض الناس ضرباً من ( إشاعة الفاحشةِ ) يستحق فاعلة العذاب الشديد كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة ﴾ [ النور : ١٩ ] وقد عدّها ﷺ من الكبائر المهلكات فقال صلوات الله عليه : اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هنَّ يا رسول الله؟ قال :« الشِّركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولي يومَ الزَّحف، وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافلات ».
وغرضُ الإسلام من هذه العقوبة صيانة الأعراض، وحفظ كرامة الأمة، وتطهير المجتمع من مقالة السوء لتظل ( الأسرة المسلمة ) موفورة الكرامة، مصونة الجناب، بعيدة عن ألسنة السفهاء، وبهتان المغرضين.
والعقوبة الأولى ( جسدية ) تنال البدن والجسد، والثانية ( أدبية ) تتعلق بالناحية المعنوية بإهدار كرامته وإسقاط اعتباره، فكأنه ليس بإنسان لأنه لا يوثق بكلامه ولا يقبل قوله عند الناس، والثالثة ( دينية ) حيث أنه فاسق خارج عن طاعة الله، وكفى بذلك عقوبة لذوي النفوس المريضة، والضمائر الميِّتة.
وقد اعتبر الإسلام ( قذف المحصنات ) من الكبائر الموجبة لسخط الله وعذابه، وأوعد المرتكبين لهذا المنكر بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة فقال جل ثناؤه :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ النور : ٢٣ ] وجعل الولوغ في أعراض الناس ضرباً من ( إشاعة الفاحشةِ ) يستحق فاعلة العذاب الشديد كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة ﴾ [ النور : ١٩ ] وقد عدّها ﷺ من الكبائر المهلكات فقال صلوات الله عليه : اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هنَّ يا رسول الله؟ قال :« الشِّركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولي يومَ الزَّحف، وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافلات ».
وغرضُ الإسلام من هذه العقوبة صيانة الأعراض، وحفظ كرامة الأمة، وتطهير المجتمع من مقالة السوء لتظل ( الأسرة المسلمة ) موفورة الكرامة، مصونة الجناب، بعيدة عن ألسنة السفهاء، وبهتان المغرضين.
327
[ ٣ ] اللعان بين الزوجين
﴿ يَرْمُونَ ﴾ : أي يتهمون أزواجهم بالفاحشة، ويقذفونهن بالزنى، وقد تقدم معنى الرمي في الآية السابقة وأن المراد به القذف بالزنى بقرينة اشتراط الأربعة من الشهداء وهنا اشترط أربع شهادات أيضاً.
﴿ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ : جمع زوج بمعنى ( الزوجة ) فإنّ حذف التاء منها أفصح من إثباتها، إلا في الفرائض، قال تعالى :﴿ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة ﴾ [ الأعراف : ١٩ ] وأنكر بعضهم اطلاق لفظ زوجة في العربية وقال هي خطأ والصحيح أنها خلاف الأفصح.
﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ﴾ : أي الشهادة التي ترفع عنه حدّ القذف أن يحلف أربع مرات بالله أنه صادق فيما رماها به من الزنى والشهادة في اللغة معناها الخبر القاطع، وقد شاع في لسان الشرع استعمال الشهادة بمعنى الإخبار بحق لإنسانٍ على آخر، وتسمى أيضاً بينة.
﴿ لَعْنَتَ الله ﴾ : أي غضبه ونقمته، وأصل اللعن : الطردُ من رحمة الله تعالى كما قال تعالى لإبليس ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لعنتي إلى يَوْمِ الدين ﴾ [ ص : ٧٨ ] وسمي اللعان لعاناً لأن فيه ذكر اللعنة.
﴿ وَيَدْرَؤُاْ ﴾ : أي يدفع والدرء معناه في اللغة : الدفعُ قال تعالى :﴿ فادارأتم فِيهَا ﴾ [ البقرة : ٧٢ ] أي تخاصمتم في شأنها وأصبح بعضكم يدفع على بعض.
﴿ العذاب ﴾ : المراد به العذاب الدنيوي وهو الحد ( الجلد أو الرجم ) الذي شرع عقوبةً للزاني أو الزانية في الآيات المتقدمة.
﴿ تَوَّابٌ ﴾ : أي كثير التوبة يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة والمغفرة وهي من صِيغِ المبالغة.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ : أي يضع الأشياء في مواضعها ويشرع من الأحكام ما فيه مصلحة العباد. ومعنى الآية : لولا فضله ورحمته لعاجلكم بالعقوبة وفضح الكاذب منكم ولكنه تعالى تواب رحيم.
المعنى الإجمالي
يخبر المولى جل وعلا أن من قذف زوجته بالفاحشة واتهمهما بالزنى ولم يكن لديه بينة تثبت صدقة فيما ادعى ولا شهود يشهدون على صحة ما قال فالواجب عليه أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، تقوم مقام الشهداء الأربعة ليدفع عنه ( حد القذف ) وعليه أيضاً أن يحلف في المرة الخامسة بأن لعنة الله عليه إن كان منالكاذبين في رميه لها بالزنى.
وأما المرأة المقذوفة إذا لم تعترف بالذنب، وأرادت التخلص من إقامة ( حد الزنى ) فعليها أن تحلف أربعة أيمان بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنى تقوم مقام الشهداء الأربعة في إثبات عفتها، وفي المرة الخامسة عليها أن تحلف بغضب الله وسخطه عليها إن كان زوجها صادقاً في اتهامه لها بالزنى. ثم بين الباري جل وعلا أن هذا التشريع الذي شرعه لعباده وهو تشريع ( اللعان بين الزوجين ) إنما هو من رحمته بالناس ولطفه بالمذنبين من عباده ولولا ذلك لهتك الستر عنهم ففضحهم وعجّل لهم العقوبة في الدنيا وعذبهم في الآخرة، ولكنه سبحانه رحيم ودود، غفار للذنوب، يقبل توبة العبد إذا أناب
﴿ يَرْمُونَ ﴾ : أي يتهمون أزواجهم بالفاحشة، ويقذفونهن بالزنى، وقد تقدم معنى الرمي في الآية السابقة وأن المراد به القذف بالزنى بقرينة اشتراط الأربعة من الشهداء وهنا اشترط أربع شهادات أيضاً.
﴿ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ : جمع زوج بمعنى ( الزوجة ) فإنّ حذف التاء منها أفصح من إثباتها، إلا في الفرائض، قال تعالى :﴿ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة ﴾ [ الأعراف : ١٩ ] وأنكر بعضهم اطلاق لفظ زوجة في العربية وقال هي خطأ والصحيح أنها خلاف الأفصح.
﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ﴾ : أي الشهادة التي ترفع عنه حدّ القذف أن يحلف أربع مرات بالله أنه صادق فيما رماها به من الزنى والشهادة في اللغة معناها الخبر القاطع، وقد شاع في لسان الشرع استعمال الشهادة بمعنى الإخبار بحق لإنسانٍ على آخر، وتسمى أيضاً بينة.
﴿ لَعْنَتَ الله ﴾ : أي غضبه ونقمته، وأصل اللعن : الطردُ من رحمة الله تعالى كما قال تعالى لإبليس ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لعنتي إلى يَوْمِ الدين ﴾ [ ص : ٧٨ ] وسمي اللعان لعاناً لأن فيه ذكر اللعنة.
﴿ وَيَدْرَؤُاْ ﴾ : أي يدفع والدرء معناه في اللغة : الدفعُ قال تعالى :﴿ فادارأتم فِيهَا ﴾ [ البقرة : ٧٢ ] أي تخاصمتم في شأنها وأصبح بعضكم يدفع على بعض.
﴿ العذاب ﴾ : المراد به العذاب الدنيوي وهو الحد ( الجلد أو الرجم ) الذي شرع عقوبةً للزاني أو الزانية في الآيات المتقدمة.
﴿ تَوَّابٌ ﴾ : أي كثير التوبة يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة والمغفرة وهي من صِيغِ المبالغة.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ : أي يضع الأشياء في مواضعها ويشرع من الأحكام ما فيه مصلحة العباد. ومعنى الآية : لولا فضله ورحمته لعاجلكم بالعقوبة وفضح الكاذب منكم ولكنه تعالى تواب رحيم.
المعنى الإجمالي
يخبر المولى جل وعلا أن من قذف زوجته بالفاحشة واتهمهما بالزنى ولم يكن لديه بينة تثبت صدقة فيما ادعى ولا شهود يشهدون على صحة ما قال فالواجب عليه أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، تقوم مقام الشهداء الأربعة ليدفع عنه ( حد القذف ) وعليه أيضاً أن يحلف في المرة الخامسة بأن لعنة الله عليه إن كان منالكاذبين في رميه لها بالزنى.
وأما المرأة المقذوفة إذا لم تعترف بالذنب، وأرادت التخلص من إقامة ( حد الزنى ) فعليها أن تحلف أربعة أيمان بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنى تقوم مقام الشهداء الأربعة في إثبات عفتها، وفي المرة الخامسة عليها أن تحلف بغضب الله وسخطه عليها إن كان زوجها صادقاً في اتهامه لها بالزنى. ثم بين الباري جل وعلا أن هذا التشريع الذي شرعه لعباده وهو تشريع ( اللعان بين الزوجين ) إنما هو من رحمته بالناس ولطفه بالمذنبين من عباده ولولا ذلك لهتك الستر عنهم ففضحهم وعجّل لهم العقوبة في الدنيا وعذبهم في الآخرة، ولكنه سبحانه رحيم ودود، غفار للذنوب، يقبل توبة العبد إذا أناب
328
﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى ﴾ [ طه : ٨٢ ].
سبب النزول
أ- أخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ( هلال بن أمية ) قذف امرأته عند النبي ﷺ ( بشريك بن سحماء ) فقال النبي ﷺ :« البينة وإلا حد في ظهرك » فقال يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي ﷺ يقول : البينة وإلاّ حد في ظهرك، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إنّي لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فأنزل الله ﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ حتى بلغ ﴿ إِن كَانَ مِنَ الصادقين ﴾ فانصرف النبي ﷺ فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد، والنبي ﷺ يقول :« الله يعلم إن أحدكما لكاذب فهل منكما تائب » ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت.. فقال النبي ﷺ أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابع الأليتين، خدلَّجَ الساقين فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك فقال النبي ﷺ : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.
ب- وروى ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] قال سعد بن عبادة : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ لو أتيت لكاع قد تفخّدها رجل، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء؟ فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته... فقال رسول الله ﷺ : يا معشر الأنصار أما تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ قالوا : لا تلمه يا رسول الله فإنه رجل غيور ما تزوج فينا قط إلا عذراء ولا طلّق امرأة له فاجترأ رجلٌ منا أن يتزوجها؟... قال سعد يا رسول الله : بأبي وأمي، والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق، ولكن عجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخدها رجل لم يكي لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، والله لا آتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته فوالله ما لبثوا يسيراً حتى جاء ( هلال بن أمية ) من حديقة له، فرأى بعينيه وسمع بأذنية... ثم ذكر قصة هلال السابقة وطريقة اللعان.
ج- وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن ( عاصم بن عدي ) الأنصاري قال لأصحابه :« إن دخل رجل منا بيته فوجد رجلاً على بطن امرأته، فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج وإن قتله قُتِلَ به وإن قال وجدت فلاناً مع تلك المرأة ضُرب، وإن سكت سكت على غيظ اللهم افتح.
سبب النزول
أ- أخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ( هلال بن أمية ) قذف امرأته عند النبي ﷺ ( بشريك بن سحماء ) فقال النبي ﷺ :« البينة وإلا حد في ظهرك » فقال يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي ﷺ يقول : البينة وإلاّ حد في ظهرك، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إنّي لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فأنزل الله ﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ حتى بلغ ﴿ إِن كَانَ مِنَ الصادقين ﴾ فانصرف النبي ﷺ فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد، والنبي ﷺ يقول :« الله يعلم إن أحدكما لكاذب فهل منكما تائب » ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت.. فقال النبي ﷺ أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابع الأليتين، خدلَّجَ الساقين فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك فقال النبي ﷺ : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.
ب- وروى ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] قال سعد بن عبادة : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ لو أتيت لكاع قد تفخّدها رجل، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء؟ فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته... فقال رسول الله ﷺ : يا معشر الأنصار أما تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ قالوا : لا تلمه يا رسول الله فإنه رجل غيور ما تزوج فينا قط إلا عذراء ولا طلّق امرأة له فاجترأ رجلٌ منا أن يتزوجها؟... قال سعد يا رسول الله : بأبي وأمي، والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق، ولكن عجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخدها رجل لم يكي لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، والله لا آتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته فوالله ما لبثوا يسيراً حتى جاء ( هلال بن أمية ) من حديقة له، فرأى بعينيه وسمع بأذنية... ثم ذكر قصة هلال السابقة وطريقة اللعان.
ج- وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن ( عاصم بن عدي ) الأنصاري قال لأصحابه :« إن دخل رجل منا بيته فوجد رجلاً على بطن امرأته، فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج وإن قتله قُتِلَ به وإن قال وجدت فلاناً مع تلك المرأة ضُرب، وإن سكت سكت على غيظ اللهم افتح.
329
.. وكان لعاصمٍ هذا ابن عم يقال له ( عويمر ) فأتى عويمر عاصماً فقال : لقد رأيت رجلاً على بطن امرأتي... « وساق الحديث.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال الإمام ( الفخر الرازي ) : إنما اعتبر الشرع اللعان في الزوجات دون الأجنبيات لوجهين :
أ- أنه لا معرّة على الرجل في زنى الأجنبية والأولى له سترهُ، أما زنى الزوجة فيلحقه العار والنسب الفاسد فلا يمكنه الصبر عليه.
ب- إن الغالب المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة فإذا رماها فنفس الرمي يشهد بكونه صادقاً إلاأن شهادة الحال ليست بكاملة فضم إليها ما يقويها من الأيمان.
اللطيفة الثانية : تخصيص ( اللعنة ) بجانب الرجل، وتخصيص ( الغضب ) بجانب المرأة، لأن الغضب أشد في العقوبة من اللعنة، والمرأة في اقتارفها جريمة الزنى أسوأ من الرجل في ارتكابه جريمة القذف، لذلك أضيف الغضب إلى المرأة. ومن جهة أخرى فإن النساء كثيراً ما يستعملن اللعن فربما يجترئن على التفوه به لاعتيادهن عليه وسقوط وقعه من قلوبهن بخلاف غضب الله فتدبره.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ فيه التفات، وهذا ( الالتفات ) من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطبين ( عليكم )، وسر هذا الالتفات أنيستوفي مقام الامتنان حقه لأن حال الحضور أتم وأكمل من حال الغيبة، أفاده أبو السعود.
اللطيفة الرابعة : جواب ( لولا ) في قوله تعالى :﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله ﴾ موف لتهويل الأمر حتى يذهب الوهم في تقديره كل مذهب فيكون أبلغ في البيان وأبعد في التهويل والإرهاب، مثل قوله تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ] حذف جوابه كذلك للتهويل. أي لرأيت أمراً فظيعاً هائلاً يشيب له الوليد ولا يستطيع أن يعبر عن هوله لسان لأنه فوق الوصف والبيان، وربّ مسكوت عنه أبلغ من منطوق به، ومثل هذا قول عمر :( لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ) أي لنكلت به وشددت له العقوبة، وتقديره في الآية : لولا فضل الله عليكم لهلكتم، أو لفضحكم، أو لعاجلكم بعقابه.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ الرحمة تناسب التوبة فلماذا عدل عنها إلى قوله :( تواب حكيم ) بدل ( تواب رحيم ) ؟
والجواب : أن الله تعالى حكم باللعان وأراد بذلك ستر هذه الفاحشة على عباده، فلو لم يكن اللعان مشروعاً لوجب على الزوج ( حد القذف )، مع أن الظاهر صدقه وأنه لا يفتري عليها لاشتراكهما في الخزي والعار، ولو اكتفى بشهاداته لوجب عليها ( حد الزنى ) فكان من الحكمة وحسن النظر لهما جميعاً أن شرع هذا الحكم ودرأ العذاب عنهما بتلك الأيمان فسبحانه ما أوسع رحمته وأجل حكمته؟
وجوه القراءات
١- قوله تعالى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ ﴾.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال الإمام ( الفخر الرازي ) : إنما اعتبر الشرع اللعان في الزوجات دون الأجنبيات لوجهين :
أ- أنه لا معرّة على الرجل في زنى الأجنبية والأولى له سترهُ، أما زنى الزوجة فيلحقه العار والنسب الفاسد فلا يمكنه الصبر عليه.
ب- إن الغالب المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة فإذا رماها فنفس الرمي يشهد بكونه صادقاً إلاأن شهادة الحال ليست بكاملة فضم إليها ما يقويها من الأيمان.
اللطيفة الثانية : تخصيص ( اللعنة ) بجانب الرجل، وتخصيص ( الغضب ) بجانب المرأة، لأن الغضب أشد في العقوبة من اللعنة، والمرأة في اقتارفها جريمة الزنى أسوأ من الرجل في ارتكابه جريمة القذف، لذلك أضيف الغضب إلى المرأة. ومن جهة أخرى فإن النساء كثيراً ما يستعملن اللعن فربما يجترئن على التفوه به لاعتيادهن عليه وسقوط وقعه من قلوبهن بخلاف غضب الله فتدبره.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ فيه التفات، وهذا ( الالتفات ) من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطبين ( عليكم )، وسر هذا الالتفات أنيستوفي مقام الامتنان حقه لأن حال الحضور أتم وأكمل من حال الغيبة، أفاده أبو السعود.
اللطيفة الرابعة : جواب ( لولا ) في قوله تعالى :﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله ﴾ موف لتهويل الأمر حتى يذهب الوهم في تقديره كل مذهب فيكون أبلغ في البيان وأبعد في التهويل والإرهاب، مثل قوله تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ] حذف جوابه كذلك للتهويل. أي لرأيت أمراً فظيعاً هائلاً يشيب له الوليد ولا يستطيع أن يعبر عن هوله لسان لأنه فوق الوصف والبيان، وربّ مسكوت عنه أبلغ من منطوق به، ومثل هذا قول عمر :( لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ) أي لنكلت به وشددت له العقوبة، وتقديره في الآية : لولا فضل الله عليكم لهلكتم، أو لفضحكم، أو لعاجلكم بعقابه.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ الرحمة تناسب التوبة فلماذا عدل عنها إلى قوله :( تواب حكيم ) بدل ( تواب رحيم ) ؟
والجواب : أن الله تعالى حكم باللعان وأراد بذلك ستر هذه الفاحشة على عباده، فلو لم يكن اللعان مشروعاً لوجب على الزوج ( حد القذف )، مع أن الظاهر صدقه وأنه لا يفتري عليها لاشتراكهما في الخزي والعار، ولو اكتفى بشهاداته لوجب عليها ( حد الزنى ) فكان من الحكمة وحسن النظر لهما جميعاً أن شرع هذا الحكم ودرأ العذاب عنهما بتلك الأيمان فسبحانه ما أوسع رحمته وأجل حكمته؟
وجوه القراءات
١- قوله تعالى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ ﴾.
330
.. قرئ :﴿ ولم تكن ﴾ بالتاء لأن الشهداء جماعة والجمهور بالياء ﴿ ولم يكن ﴾ قال أبو حيان وهو الفصيح.
٢- قوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ ﴾ قرأ حفص والحسن ﴿ أربع ﴾ بالضم - وقرأ الجمهور ﴿ أربعَ ﴾ بالفتح نصباً على المصدر.
٣- قوله تعالى :﴿ لَعْنَتَ الله ﴾ و ﴿ أَنَّ غَضَبَ الله ﴾ بالتشديد وهي قراءة الجمهور وقرأ نافع ﴿ أنْ لعنةُ ﴾ و ﴿ غَضَبُ ﴾ بالتخفيف فتكون ﴿ أن ﴾ مخففة من أن الثقلة واسمها ضمير الشأن، ولكل وجه من وجوه القراءات سند من جهة الإعراب والله أعلم.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ﴾. ( شهداء ) : اسم كان و ( لهم ) خبرها، و ( إلاّ ) أداة حصر، و ( أنفسُهم ) بدل من شهداء مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف.
ويصح أن تكون كان تامة والمعنى : ولم يوجد شهداء إلا أنفُسهم، فيكون ( شهداء ) فاعل، و ( أنفسُهم ) بدل من شهداء، ومثلها ( وإن كان ذو عسرة ) أي إن وجد ذو عسرة.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ ﴾.
( شهادة ) مبتدأ، و ( أربع ) خبره، كما تقول : صلاة العصر أربعُ ركعات. ويجوز أن يكون ( شهادة ) خبر لمبتدأ محذوف وتقديره : فالحكم شهادة أحدهم.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ والخامسة أَنَّ لَعْنَتَ الله عَلَيْهِ ﴾.
( الخامسةُ ) مبتدأ، وجملة ( أنّ لعنتَ الله ) هي الخبر، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما تقدّم.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله ﴾.
( أن تشهد ) أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ل ( يدرأ ) وتقديره : ويدرأ عنها العذاب شهادتها، وجملة ( إنه لمن الكاذبين ) في محل نصب ب ( تشهد ) إلاّ أنه كسرت الهمزة من ( أنّه ) لدخول اللام في الخبر.
خامساً : قوله تعالى :﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾.
قال أبو البركات ابن الأنباري : لم يذكر جواب ( لولا ) إيجازاً واختصاراً لدلالة الكلام عليه، وتقديره : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لعاجلكم بالعقوبة، أو لفضحكم بما ترتكبون من الفاحشة.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : متى يجب اللعان؟
إذا رمى الرجل امرأته بالزنى ولم تعترف بذلك ولم يرجع عن ريمه فقد شرع لهما اللعان ويجب اللعان في حالتين :
أ- الحالة الأولى : إذا رمى امرأته بالزنى كأن يقول لها : زنيتِ أو رأيتك تزنين وليس عنده أربعة شهود يشهدون بما رماها به، وإذا قال لها : يا زانية، فالجمهور أنه يلاعن خلافاً لمالك.
ب- الحالة الثانية : أن ينفي حملها منه فيقول : هذا الحمل ليس مني أو ينفي ولداً له منها.
الحكم الثاني : هل اللعان يمين أم شهادة؟
اختلف الفقهاء في اللعان هل هو يمين أم شهادة على مذهبين :
أ- المذهب الأول : أنه شهادة فيأخذ أحكام الشهادة وهو مذهب الإمام أبي حنيفة.
ب- المذهب الثاني : أنه يمين وليس بشهادة فيأخذ أحكام اليمين وهو مذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ).
أدلة الأحناف :
١- استدل الأحناف على أن اللعان شهادة بقوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله ﴾ وقالوا الملاعن يقول في لعانه : أشهد بالله فدل على أنه شهادة.
٢- قوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ ﴾ قرأ حفص والحسن ﴿ أربع ﴾ بالضم - وقرأ الجمهور ﴿ أربعَ ﴾ بالفتح نصباً على المصدر.
٣- قوله تعالى :﴿ لَعْنَتَ الله ﴾ و ﴿ أَنَّ غَضَبَ الله ﴾ بالتشديد وهي قراءة الجمهور وقرأ نافع ﴿ أنْ لعنةُ ﴾ و ﴿ غَضَبُ ﴾ بالتخفيف فتكون ﴿ أن ﴾ مخففة من أن الثقلة واسمها ضمير الشأن، ولكل وجه من وجوه القراءات سند من جهة الإعراب والله أعلم.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ﴾. ( شهداء ) : اسم كان و ( لهم ) خبرها، و ( إلاّ ) أداة حصر، و ( أنفسُهم ) بدل من شهداء مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف.
ويصح أن تكون كان تامة والمعنى : ولم يوجد شهداء إلا أنفُسهم، فيكون ( شهداء ) فاعل، و ( أنفسُهم ) بدل من شهداء، ومثلها ( وإن كان ذو عسرة ) أي إن وجد ذو عسرة.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ ﴾.
( شهادة ) مبتدأ، و ( أربع ) خبره، كما تقول : صلاة العصر أربعُ ركعات. ويجوز أن يكون ( شهادة ) خبر لمبتدأ محذوف وتقديره : فالحكم شهادة أحدهم.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ والخامسة أَنَّ لَعْنَتَ الله عَلَيْهِ ﴾.
( الخامسةُ ) مبتدأ، وجملة ( أنّ لعنتَ الله ) هي الخبر، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما تقدّم.
رابعاً : قوله تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله ﴾.
( أن تشهد ) أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ل ( يدرأ ) وتقديره : ويدرأ عنها العذاب شهادتها، وجملة ( إنه لمن الكاذبين ) في محل نصب ب ( تشهد ) إلاّ أنه كسرت الهمزة من ( أنّه ) لدخول اللام في الخبر.
خامساً : قوله تعالى :﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾.
قال أبو البركات ابن الأنباري : لم يذكر جواب ( لولا ) إيجازاً واختصاراً لدلالة الكلام عليه، وتقديره : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لعاجلكم بالعقوبة، أو لفضحكم بما ترتكبون من الفاحشة.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : متى يجب اللعان؟
إذا رمى الرجل امرأته بالزنى ولم تعترف بذلك ولم يرجع عن ريمه فقد شرع لهما اللعان ويجب اللعان في حالتين :
أ- الحالة الأولى : إذا رمى امرأته بالزنى كأن يقول لها : زنيتِ أو رأيتك تزنين وليس عنده أربعة شهود يشهدون بما رماها به، وإذا قال لها : يا زانية، فالجمهور أنه يلاعن خلافاً لمالك.
ب- الحالة الثانية : أن ينفي حملها منه فيقول : هذا الحمل ليس مني أو ينفي ولداً له منها.
الحكم الثاني : هل اللعان يمين أم شهادة؟
اختلف الفقهاء في اللعان هل هو يمين أم شهادة على مذهبين :
أ- المذهب الأول : أنه شهادة فيأخذ أحكام الشهادة وهو مذهب الإمام أبي حنيفة.
ب- المذهب الثاني : أنه يمين وليس بشهادة فيأخذ أحكام اليمين وهو مذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ).
أدلة الأحناف :
١- استدل الأحناف على أن اللعان شهادة بقوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله ﴾ وقالوا الملاعن يقول في لعانه : أشهد بالله فدل على أنه شهادة.
331
٢- واستدلوا بحديث ابن عباس المتقدم في قصة ( هلال بن أمية ) وفيه :( فجاء هلال فشهد والنبي ﷺ يقول : الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت )... الحديث وفيه لفظ الشهادة صراحة.
٣- وقالوا : إن كلمات الزوج في اللعان قائمة مقام الشهود، فتكون هذه الألفاظ شهادة.
أدلة الجمهور :
١- واستدل الجمهور بأن لفظ الشهادة قد يراد به ( اليمين ) بقوله تعالى :﴿ إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴾ [ المنافقون : ١ ] ثم قال تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ [ المنافقون : ٢ ] فسمى الشهادة يميناً.
٢- واستدلوا بقوله سبحانه ( أربع شهادات بالله ) فقد قرن لفظ الجلالة ( الله ) بالشهادة فدل على أنه أراد بها اليمين، وشهادة الإنسان لنفسه لا تقبل بخلاف يمينه.
٣- واستدلوا بما ورد في بعض روايات حديث ابن عباس من قوله ﷺ :« لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ».
والخلاصة : فإن الأحناف يقولون : ألفاظ اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان... والجمهور يقولون : إنها أيمان مؤكدة بالشهادة وردت بهذه الصيغة للتغليظ. فالأولون غلّبوا جانب الشهادة والآخرون غلبوا جانب اليمين.
الحكم الثالث : هل يجوز اللعان من الكافر والعبد والمحدود في القذف؟
وبناء على اختلاف الفقهاء في ( اللعان ) هو هو شهادة أم يمين ترتب عليه اختلافهم فيمن يجوز لعانه، فشرط الأحناف : في الزوج الذي يصح لعانه أن يكون أهلاً لأداء الشهادة على المسلم وكذلك الزوجة أن تكون أهلاً لأداء الشهادة على المسلم ( فلا لعان بين رقيقين، ولا بين كافرين، ولابين المختلفين ديناً، ولا بين محدودين في قذف ) واستدلوا على مذهبهم بما ورد عنه ﷺ أنه قال :« أربعة ليس بينهم لعان : ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان ».
واحتجوا بأن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله :( ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) وجب ألاّ يلاعن إلا من تجوز شهادته فلا يصح اللعان إلا من ( زوجين، حرين، مسلمين ).
وذهب الشافعي ومالك وهو رواية عن أحمد : إلى أن كل من يصح يمينه يصح قذفه ولعانه فيجوز اللعان من كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين. وحجتهم أن قوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ عام يتناول جميع الأزواج، والآية لم تخصص زوجاً دون زوج فوجب أن يكون اللعان بين كل الأزواج... وقالوا إن المقصود من اللعان دع العار عن النفس، ودفع ولد الزنى عن النفس، فكما يحتاج إليه المسلم يحتاج إليه غير المسلم، وكما يدفع الحر العار عن نفسه يدفع العبد العار عن نفسه والخلاصة : فإنَّ كلَّ من يجوز يمينه يجوز لعانه عند الجمهور.
٣- وقالوا : إن كلمات الزوج في اللعان قائمة مقام الشهود، فتكون هذه الألفاظ شهادة.
أدلة الجمهور :
١- واستدل الجمهور بأن لفظ الشهادة قد يراد به ( اليمين ) بقوله تعالى :﴿ إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴾ [ المنافقون : ١ ] ثم قال تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ [ المنافقون : ٢ ] فسمى الشهادة يميناً.
٢- واستدلوا بقوله سبحانه ( أربع شهادات بالله ) فقد قرن لفظ الجلالة ( الله ) بالشهادة فدل على أنه أراد بها اليمين، وشهادة الإنسان لنفسه لا تقبل بخلاف يمينه.
٣- واستدلوا بما ورد في بعض روايات حديث ابن عباس من قوله ﷺ :« لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ».
والخلاصة : فإن الأحناف يقولون : ألفاظ اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان... والجمهور يقولون : إنها أيمان مؤكدة بالشهادة وردت بهذه الصيغة للتغليظ. فالأولون غلّبوا جانب الشهادة والآخرون غلبوا جانب اليمين.
الحكم الثالث : هل يجوز اللعان من الكافر والعبد والمحدود في القذف؟
وبناء على اختلاف الفقهاء في ( اللعان ) هو هو شهادة أم يمين ترتب عليه اختلافهم فيمن يجوز لعانه، فشرط الأحناف : في الزوج الذي يصح لعانه أن يكون أهلاً لأداء الشهادة على المسلم وكذلك الزوجة أن تكون أهلاً لأداء الشهادة على المسلم ( فلا لعان بين رقيقين، ولا بين كافرين، ولابين المختلفين ديناً، ولا بين محدودين في قذف ) واستدلوا على مذهبهم بما ورد عنه ﷺ أنه قال :« أربعة ليس بينهم لعان : ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان ».
واحتجوا بأن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله :( ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) وجب ألاّ يلاعن إلا من تجوز شهادته فلا يصح اللعان إلا من ( زوجين، حرين، مسلمين ).
وذهب الشافعي ومالك وهو رواية عن أحمد : إلى أن كل من يصح يمينه يصح قذفه ولعانه فيجوز اللعان من كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين. وحجتهم أن قوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ عام يتناول جميع الأزواج، والآية لم تخصص زوجاً دون زوج فوجب أن يكون اللعان بين كل الأزواج... وقالوا إن المقصود من اللعان دع العار عن النفس، ودفع ولد الزنى عن النفس، فكما يحتاج إليه المسلم يحتاج إليه غير المسلم، وكما يدفع الحر العار عن نفسه يدفع العبد العار عن نفسه والخلاصة : فإنَّ كلَّ من يجوز يمينه يجوز لعانه عند الجمهور.
332
قال ابن العربي :( والفصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب وكيف يجوز لأحد أن يدعيَ في الشريعة أن شاهداً يشهد لنفسه بما يوجب حكماً على غيره، هذا بعيد في الأصل معدوم في النظر ).
وقال ابن القيم رحمه الله :( والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين : اليمين والشهادة فهو شهادة مؤكدة بالقسم. والتكرار لاقتضاء الحال تأكيد الأمر، ولهذا اعتبر فيه من التأكيد عشرة أنواع... ثم سرد تلك الأنواع ).
الحكم الرابع : هل يجوز اللعان بدون حضور الحاكم؟
اتفق الفقهاء على أن اللعان لا يجوز إلا بحضرة الحاكم أو من ينيبه الحاكم لأنه إذا نكل أحدهما أو ثبت عليه الأمر وجب الحد. وإقامة الحد من خصائص الحكام.. وينبغي أن يعظ الإمام الزوجين ويذكرهما بعذاب الله ويقول لكل واحد منهما : عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ويخوفهما بمثل قوله ﷺ :« أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة... وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين ».
الحكم الخامس : كيفية اللعان وطريقته.
وضحت الآيات الكريمة طريقة اللعان وكيفيته بشكل جلي واضح وهي : أن يبدأ الزوج فيقول أربع مرات الصيغة التالية :« اشهد بالله إني لصادق فيما رميتها به من الزنى » ثم يختم في المرة الخامسة بقوله :« لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما زماني به من الزنى » ثم تختم في المرة الخامسة بقولها :« غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى ».
وظاهر الآية الكريمة أنه لا يقبل من الرجل أقل من خمس مرات ولا يقبل منه إبدال اللعنة بالغضب، وكذلك لا يقبل من المرأة أقل من خمس مرات ولا أن تبدل الغضب باللعنة، والبداءة تكون بالرجل في اللعان وهو مذهب الجمهور من فقهاء الأمصار.
وقال أبو حنيفة رحمه الله : يُعْتد بلعانها إذا بدئ به. ومرجع الخلاف أن الفقهاء يرون لعان الزوج موجباً للحد على الزوجة ولعانها يسقط ذلك الحد، فكان من الطبيعي أن يكون لعانها متأخراً عن لعانه. وأبو حنيفة لا يرى لعان الزوج موجباً للحد على الزوجة لأن حد الزنى لا يثبت إلا بأربعة شهود، أو بالإقرار، فليس من الضروري أن يتأخر لعانها عن لعانه.
هذه كيفية اللعان المأخوذة من القرآن ويزاد عليها من السنة أنه إذا كانت المرأة حاملاً وأراد الزوج أن ينفي ذلك الحمل وجب أن يذكره في لعانه فيقول :( وإن هذا الحمل ليس مني ) وكذلك إذا كان هناك ولد يريد الزوج نفيه وجب التعرض لذلك في اللعان، ويندب أن يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة وتقام المرأة والرجل قاعد حتى تشهد ويستحب التغليظ بالزمان والمكان وبحضور جمع من عدول المسلمين، وكل ذلك إنما ثبت بالسنة المطهرة، فيجري اللعان في مسجد جامع وأمام جمع غفير للتغليظ والله أعلم.
وقال ابن القيم رحمه الله :( والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين : اليمين والشهادة فهو شهادة مؤكدة بالقسم. والتكرار لاقتضاء الحال تأكيد الأمر، ولهذا اعتبر فيه من التأكيد عشرة أنواع... ثم سرد تلك الأنواع ).
الحكم الرابع : هل يجوز اللعان بدون حضور الحاكم؟
اتفق الفقهاء على أن اللعان لا يجوز إلا بحضرة الحاكم أو من ينيبه الحاكم لأنه إذا نكل أحدهما أو ثبت عليه الأمر وجب الحد. وإقامة الحد من خصائص الحكام.. وينبغي أن يعظ الإمام الزوجين ويذكرهما بعذاب الله ويقول لكل واحد منهما : عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ويخوفهما بمثل قوله ﷺ :« أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة... وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين ».
الحكم الخامس : كيفية اللعان وطريقته.
وضحت الآيات الكريمة طريقة اللعان وكيفيته بشكل جلي واضح وهي : أن يبدأ الزوج فيقول أربع مرات الصيغة التالية :« اشهد بالله إني لصادق فيما رميتها به من الزنى » ثم يختم في المرة الخامسة بقوله :« لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما زماني به من الزنى » ثم تختم في المرة الخامسة بقولها :« غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى ».
وظاهر الآية الكريمة أنه لا يقبل من الرجل أقل من خمس مرات ولا يقبل منه إبدال اللعنة بالغضب، وكذلك لا يقبل من المرأة أقل من خمس مرات ولا أن تبدل الغضب باللعنة، والبداءة تكون بالرجل في اللعان وهو مذهب الجمهور من فقهاء الأمصار.
وقال أبو حنيفة رحمه الله : يُعْتد بلعانها إذا بدئ به. ومرجع الخلاف أن الفقهاء يرون لعان الزوج موجباً للحد على الزوجة ولعانها يسقط ذلك الحد، فكان من الطبيعي أن يكون لعانها متأخراً عن لعانه. وأبو حنيفة لا يرى لعان الزوج موجباً للحد على الزوجة لأن حد الزنى لا يثبت إلا بأربعة شهود، أو بالإقرار، فليس من الضروري أن يتأخر لعانها عن لعانه.
هذه كيفية اللعان المأخوذة من القرآن ويزاد عليها من السنة أنه إذا كانت المرأة حاملاً وأراد الزوج أن ينفي ذلك الحمل وجب أن يذكره في لعانه فيقول :( وإن هذا الحمل ليس مني ) وكذلك إذا كان هناك ولد يريد الزوج نفيه وجب التعرض لذلك في اللعان، ويندب أن يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة وتقام المرأة والرجل قاعد حتى تشهد ويستحب التغليظ بالزمان والمكان وبحضور جمع من عدول المسلمين، وكل ذلك إنما ثبت بالسنة المطهرة، فيجري اللعان في مسجد جامع وأمام جمع غفير للتغليظ والله أعلم.
333
الحكم السادس : النكول عن اللعان هل يوجب الحد؟
اختلف الفقهاء فيما إذ نكل أحد الزوجين عن اللعان هل يجب عليه الحد؟ على مذهبين :
أ- مذهب الجمهور :( مالك والشافعي وأحمد ) أن الزوج إذا نكل عن اللعان فعليه ( حد القذف ) وإذا نكلت الزوجة عن اللعان فعليها ( حد الزنى ).
ب- وقال أبو حنيفة : إذا نكل الزوج عن اللعان حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه... وإذ نكلت المرأة حبست حتى تلاعن أو تقر بالزنى فيقام عليه حينئذ الحد.
أدلة الجمهور :
استدل الجمهور على وجوب الحد بأدلة نلخصها فيما يأتي :
أولاً : إن الله تعالى قال في أول السورة ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ [ النور : ٤ ] ثم عطف عليه حكم الأزواج فقال :﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ فكما أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب ﴾ لا يصح أن يراد منه عذاب الآخرة، لنه الزوجة إن كات كاذبة في لعانها لم يزدها اللعان إلا عذاباً في الآخرة، وإن كانت صادقة فلا عذاب عليها في الآخرة، فتعين أن يراد به عذاب الدنيا وهو المذكور في الآية السابقة وهي قوله تعالى :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾ [ النور : ٢ ] وهو حد الزنى.
ثالثاً : قالوا : ويؤيد هذا قول النبي ﷺ لخولة زوج هلال « الرجم أهون عليك من غضب الله » وهو نص في الباب. وقوله لهلال بن أمية :« البينة أو حد في ظهرك ».
أدلة أبي حنيفة :
واستدل أبو حنيفة رحمه الله بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ يُفهم منه أ ن الواجب في قذف الزوجات ( اللعان ) لا الحد وهذه الآية إمّا ناسخة لآية القذف، وإمَّا مخصّصة فلا يجب على كلا الحالين سوى ( اللعان ) فإذا امتنع الزوج حبس حتى يلاعن وإذا امتنعت الزوجة حبست حتى تلاعن.
ثانياً : إن المرأة إذا امتنعت لم تفعل شيئاً سوى أنها تركت اللعان وهذا الترك ليس ببينة على الزنى فلا يجوز رجمها لقوله عليه السلام :« لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس ».
ثالثاً : النكول عن اللعان ليس بصريح في الإقرار فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنى وغيره لا يجوز إثبات الحد به.
قال العلامة الألوسي : في الانتصار لمذهب أبي حنيفة :( والعَجَبُ من الشافعي عليه الرحمة لا يقبل شهادة الزوج عليها بالزنى مع ثلاثة عدول ثم يوجب الحد عليها بقوله وحده وإن كان عبداً فاسقاً.
اختلف الفقهاء فيما إذ نكل أحد الزوجين عن اللعان هل يجب عليه الحد؟ على مذهبين :
أ- مذهب الجمهور :( مالك والشافعي وأحمد ) أن الزوج إذا نكل عن اللعان فعليه ( حد القذف ) وإذا نكلت الزوجة عن اللعان فعليها ( حد الزنى ).
ب- وقال أبو حنيفة : إذا نكل الزوج عن اللعان حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه... وإذ نكلت المرأة حبست حتى تلاعن أو تقر بالزنى فيقام عليه حينئذ الحد.
أدلة الجمهور :
استدل الجمهور على وجوب الحد بأدلة نلخصها فيما يأتي :
أولاً : إن الله تعالى قال في أول السورة ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ [ النور : ٤ ] ثم عطف عليه حكم الأزواج فقال :﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ فكما أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب ﴾ لا يصح أن يراد منه عذاب الآخرة، لنه الزوجة إن كات كاذبة في لعانها لم يزدها اللعان إلا عذاباً في الآخرة، وإن كانت صادقة فلا عذاب عليها في الآخرة، فتعين أن يراد به عذاب الدنيا وهو المذكور في الآية السابقة وهي قوله تعالى :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾ [ النور : ٢ ] وهو حد الزنى.
ثالثاً : قالوا : ويؤيد هذا قول النبي ﷺ لخولة زوج هلال « الرجم أهون عليك من غضب الله » وهو نص في الباب. وقوله لهلال بن أمية :« البينة أو حد في ظهرك ».
أدلة أبي حنيفة :
واستدل أبو حنيفة رحمه الله بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ يُفهم منه أ ن الواجب في قذف الزوجات ( اللعان ) لا الحد وهذه الآية إمّا ناسخة لآية القذف، وإمَّا مخصّصة فلا يجب على كلا الحالين سوى ( اللعان ) فإذا امتنع الزوج حبس حتى يلاعن وإذا امتنعت الزوجة حبست حتى تلاعن.
ثانياً : إن المرأة إذا امتنعت لم تفعل شيئاً سوى أنها تركت اللعان وهذا الترك ليس ببينة على الزنى فلا يجوز رجمها لقوله عليه السلام :« لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس ».
ثالثاً : النكول عن اللعان ليس بصريح في الإقرار فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنى وغيره لا يجوز إثبات الحد به.
قال العلامة الألوسي : في الانتصار لمذهب أبي حنيفة :( والعَجَبُ من الشافعي عليه الرحمة لا يقبل شهادة الزوج عليها بالزنى مع ثلاثة عدول ثم يوجب الحد عليها بقوله وحده وإن كان عبداً فاسقاً.
334
.. وأعجب منه أن ( اللعان ) يمين عنده وهولا يصلح لإيجاب المال ولا لإسقاطه بعد الوجوب، وأسقط به كلٌ من الرجل والمرأة الحد عن نفسه وأوجب به ( الرجم ) الذي هو أغلظ الحدود على المرأة!! وكون النكول إقراراً به شبهة، ( والحدود تدرأ بالشبهات ).
ووافق الإمام ( أحمد ) رحمه الله الأحناف في حكم الزوجة الممتنعة في إحدى الروايتين عنه بأنها تحبس ولا ترجم وفي رواية أخرى عنه : لا تحبس ويخلى سبيلها كما لو لم تكمل البينة.
وجاء في كتاب « فقه السنة » للسيد سابق ما نصه :
قال ابن رشد :( وبالجملة فقاعدة الدماء مبناها في الشرع على أنها لا تراق إلا بالبينة العادلة أو الاعتراف، ومن الواجب ألاّ تخصص هذه القاعدة بالاسم المشترك ).. فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى بالصواب إن شاء الله وقد اعترف أبو المعالي في كتابه « البرهان » بقوة الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة وهو شافعي ) انتهى.
أقول : رأي أبي حنيفة وإن كان وجيهاً إلا أنه ليس بقوة رأي الجمهور لظهور أدلتهم النقلية، وهو ما نختاره كما اختاره شيخ المفسرين الطبري وغيره من الجهابذة الأعلام.
الحكم السابع : هل آية اللعان ناسخة لآية القذف؟
إنّ الروايات التي ذكرت في سبب النزول متفقة كلها على ثلاثة أمور : أولها : أن آيات اللعان نزلت بعد آية القذف أن حكم من رمى زوجة كحكم من رمى الأجنبية.
ثالثها : أن آية ( اللعان ) نزلت تخفيفاً على الزوج وبياناً للمخرج مما وقع فيه من القذف.
وبناء على ذلك فإن قواعد أصول الحنيفية تقضي بأن آيات اللعان ناسخة لعموم آية القذف ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ [ النور : ٤ ] لتراخي نزولها عنها.
وعلى مذهب الأحناف : يكون ثبوت ( حد القذف ) على من قذف زوجته منسوخاً بآيات اللعان وليس على الزوج سوى الملاعنة لا غير... وعلىمذهب الأئمة الثلاثة : تتكون آيات اللعان مخصّصة للعموم في آية القذف لا ناسخة لها.
ويصبح معنى الآيتين : كل من قذف محصنة ولم يأتي بأربعة شهداء فعليه ( حد القذف ) إلا من قذف زوجته فعليه ( الحد أو اللعان )، والخلاف في الحقيقة شكلي لا جوهري.
الحكم الثامن : هل يُفَرّقُ بين المتلاعنَيْن؟
قضت السنة النبوية أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً، فإذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل ( التأبيد ) لما روي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :« المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً ». وعن علي وابن مسعود قالا :( مضت السنة ألاّ يجتمع المتلاعنان ).. والحكمة في ذلك ( التحريم المؤبد ) أنه قد وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطيعة بينهما بصفة دائمة. فإن الرجل إنْ كان صادقاً فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام الخزي والغضب، وإن كان كاذباً فقد أضاف إلى ذلك أنه بهتها وزاد في إيلامها وحسرتها وغيظها.
ووافق الإمام ( أحمد ) رحمه الله الأحناف في حكم الزوجة الممتنعة في إحدى الروايتين عنه بأنها تحبس ولا ترجم وفي رواية أخرى عنه : لا تحبس ويخلى سبيلها كما لو لم تكمل البينة.
وجاء في كتاب « فقه السنة » للسيد سابق ما نصه :
قال ابن رشد :( وبالجملة فقاعدة الدماء مبناها في الشرع على أنها لا تراق إلا بالبينة العادلة أو الاعتراف، ومن الواجب ألاّ تخصص هذه القاعدة بالاسم المشترك ).. فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى بالصواب إن شاء الله وقد اعترف أبو المعالي في كتابه « البرهان » بقوة الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة وهو شافعي ) انتهى.
أقول : رأي أبي حنيفة وإن كان وجيهاً إلا أنه ليس بقوة رأي الجمهور لظهور أدلتهم النقلية، وهو ما نختاره كما اختاره شيخ المفسرين الطبري وغيره من الجهابذة الأعلام.
الحكم السابع : هل آية اللعان ناسخة لآية القذف؟
إنّ الروايات التي ذكرت في سبب النزول متفقة كلها على ثلاثة أمور : أولها : أن آيات اللعان نزلت بعد آية القذف أن حكم من رمى زوجة كحكم من رمى الأجنبية.
ثالثها : أن آية ( اللعان ) نزلت تخفيفاً على الزوج وبياناً للمخرج مما وقع فيه من القذف.
وبناء على ذلك فإن قواعد أصول الحنيفية تقضي بأن آيات اللعان ناسخة لعموم آية القذف ﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ [ النور : ٤ ] لتراخي نزولها عنها.
وعلى مذهب الأحناف : يكون ثبوت ( حد القذف ) على من قذف زوجته منسوخاً بآيات اللعان وليس على الزوج سوى الملاعنة لا غير... وعلىمذهب الأئمة الثلاثة : تتكون آيات اللعان مخصّصة للعموم في آية القذف لا ناسخة لها.
ويصبح معنى الآيتين : كل من قذف محصنة ولم يأتي بأربعة شهداء فعليه ( حد القذف ) إلا من قذف زوجته فعليه ( الحد أو اللعان )، والخلاف في الحقيقة شكلي لا جوهري.
الحكم الثامن : هل يُفَرّقُ بين المتلاعنَيْن؟
قضت السنة النبوية أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً، فإذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل ( التأبيد ) لما روي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :« المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً ». وعن علي وابن مسعود قالا :( مضت السنة ألاّ يجتمع المتلاعنان ).. والحكمة في ذلك ( التحريم المؤبد ) أنه قد وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطيعة بينهما بصفة دائمة. فإن الرجل إنْ كان صادقاً فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام الخزي والغضب، وإن كان كاذباً فقد أضاف إلى ذلك أنه بهتها وزاد في إيلامها وحسرتها وغيظها.
335
وكذلك المرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على رؤوس الأشهاد وأوجبت عليه لعنة الله وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها، وألزمته العار والفضيحة. فقد حصل بينهما النفرة الدائمة والوحشة البالغة. ومن المعلوم أنَّ أساس الحياة الزوجية السكنُ والمودة، والرحمة، وقد زالت هذه باللعان فكانت عقوبتهما الفرقة المؤبدة.
وقد اتفق الفقهاء على وجوب التفريق بين المتلاعنين وعلى أن الحرمة بينهما. تكون ( مؤبدة ) لم يخالف في ذلك أحد إلاّ ما روي عن ( عثمان البتي ) أنه قال : لا يقع باللعان فرقة إلا أن يطلقها وهو قول مردود للنصوص المتقدمة.
ولكنّ الفقهاء اختلفوا متى تقع الفرقة بين المتلاعنين؟
فذهب ( الشافعي ) رحمه الله إلى أن الفرقة تقع بمجرد لعان الزوج وحده ولو لم تلاعن الزوجة.
وذهب ( مالك وأحمد ) في إحدى الروايتين عنه إلى أن الفرقة لا تقع إلا بلعانهما جميعاً.
وذهب ( أبو حنيفة وأحمد ) في روايته الأخرى إلى أن الفرقة لا تقع إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما.
أما حجة الشافعي : فهي أن الفرقة حاصلة بالقول، فيستقل بها قول الزوج وحده كالطلاق ولا تأثير للعان الزوجة إلا في دفع العذاب عن نفسها كما قال تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب ﴾ فدل على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها.
أما حجة مالك : فهي أن الشارع قد أمر بالتفريق بين المتلاعنين ولا يكونان متلاعنين بلعان الزوج وحده.. وأيضاً لو وقعت الفرقة بلعان الزوج لأصبحت المرأة أجنبية عنه فتكون الملاعِنَةُ أجنبية وقد أوجب الله اللعان بين الزوجين.
أما حجة أبي حنيفة وأحمد : فهي أن الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما عملاً بالسنة المطهرة ففي حديث ابن عباس السابق ( ففرّق رسول الله ﷺ بينهما ) وهذا يتقضي أن الفرقة لم تحصل قبله، ولأن اللعان نوع من الحدود، والحدودُ إنما يجريها الحاكم فلا بد إذاً من تفريق الحاكم... ولعلّ هذا الرأي هو الأصح والأرجح.
الحكم التاسع : إذا أكذب الرجل نفسه فهل تعود إليه زوجته؟
وإذا تلاعن الزوجان ثم أكذب الرجل نفسه فحُدَّ حد القذف فهل تحل له زوجته؟
قال ( مالك والشافعي ) لا تحل له زوجته لأن الفرقة مؤبدة وقد قضت السنة بأنهما لا يجتمعان أبداً فلا طريق إلى العودة عملاً بالنصوص المتقدمة كما في المطلقة ثلاثاً وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين.
وقال ( أبو حنيفة ) إذا أكذب الرجل نفسه فهو خاطب من الخطاب لأنه إذا اعترف بكذبه وحُدَّ حدَّ القذف لم يبق ملاعنا وإنما أصبح كاذباً فيحل له العودة إلى زوجته. قال ابن الجوزي : وروي عن أحمد روياتان أصحهما أنه لا تحل له زوجته، والثانية يجتمعان بعد التكذيب وهو قول أبي حنيفة.
وقد اتفق الفقهاء على وجوب التفريق بين المتلاعنين وعلى أن الحرمة بينهما. تكون ( مؤبدة ) لم يخالف في ذلك أحد إلاّ ما روي عن ( عثمان البتي ) أنه قال : لا يقع باللعان فرقة إلا أن يطلقها وهو قول مردود للنصوص المتقدمة.
ولكنّ الفقهاء اختلفوا متى تقع الفرقة بين المتلاعنين؟
فذهب ( الشافعي ) رحمه الله إلى أن الفرقة تقع بمجرد لعان الزوج وحده ولو لم تلاعن الزوجة.
وذهب ( مالك وأحمد ) في إحدى الروايتين عنه إلى أن الفرقة لا تقع إلا بلعانهما جميعاً.
وذهب ( أبو حنيفة وأحمد ) في روايته الأخرى إلى أن الفرقة لا تقع إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما.
أما حجة الشافعي : فهي أن الفرقة حاصلة بالقول، فيستقل بها قول الزوج وحده كالطلاق ولا تأثير للعان الزوجة إلا في دفع العذاب عن نفسها كما قال تعالى :﴿ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب ﴾ فدل على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها.
أما حجة مالك : فهي أن الشارع قد أمر بالتفريق بين المتلاعنين ولا يكونان متلاعنين بلعان الزوج وحده.. وأيضاً لو وقعت الفرقة بلعان الزوج لأصبحت المرأة أجنبية عنه فتكون الملاعِنَةُ أجنبية وقد أوجب الله اللعان بين الزوجين.
أما حجة أبي حنيفة وأحمد : فهي أن الفرقة لا تحصل إلا بتمام لعانهما وتفريق الحاكم بينهما عملاً بالسنة المطهرة ففي حديث ابن عباس السابق ( ففرّق رسول الله ﷺ بينهما ) وهذا يتقضي أن الفرقة لم تحصل قبله، ولأن اللعان نوع من الحدود، والحدودُ إنما يجريها الحاكم فلا بد إذاً من تفريق الحاكم... ولعلّ هذا الرأي هو الأصح والأرجح.
الحكم التاسع : إذا أكذب الرجل نفسه فهل تعود إليه زوجته؟
وإذا تلاعن الزوجان ثم أكذب الرجل نفسه فحُدَّ حد القذف فهل تحل له زوجته؟
قال ( مالك والشافعي ) لا تحل له زوجته لأن الفرقة مؤبدة وقد قضت السنة بأنهما لا يجتمعان أبداً فلا طريق إلى العودة عملاً بالنصوص المتقدمة كما في المطلقة ثلاثاً وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين.
وقال ( أبو حنيفة ) إذا أكذب الرجل نفسه فهو خاطب من الخطاب لأنه إذا اعترف بكذبه وحُدَّ حدَّ القذف لم يبق ملاعنا وإنما أصبح كاذباً فيحل له العودة إلى زوجته. قال ابن الجوزي : وروي عن أحمد روياتان أصحهما أنه لا تحل له زوجته، والثانية يجتمعان بعد التكذيب وهو قول أبي حنيفة.
336
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لأن اللعان يوجب الحرمة المؤبدة كما دلت بذلك الآثار سواء أكذب نفسه أم لا والله أعلم.
الحكم العاشر : هل يلحق ولد اللعان بأمه؟
إذا نفى الرجل ابنه وتم اللعان بنفيه له انتقى نسبه من أبيه وسقطت نفقته عنه، وانتفى التوارث بينهما ولحق بأمه فهي ترثه وهو يرثها لحديث ( عمرو بن شعيب ) :« وقضى رسول الله ﷺ وفي ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه، ومن رماها به جلد ثمانين » ويؤيد هذا الحديث الأدلة الدالة على أن الولد للقراش ولا فراش هنا لنفي الزوج إياه.. وأما من رماها به اعتبر قاذفاً وجلد ثمانين جلدة لأن ( الملاعِنة ) داخلة في المحصنات ولم يثبت عليها ما يخالف ذلك فيجب على من رماها بابنها حد القذف ومن قذف ولدها يجب حده كمن قذف أمه سواء بسواء...
أما بالنسبة للأحكام الشرعية فإنه يعامل كأنه أبوه من باب الاحتياط فلا يعطيه زكاة المال، ولو قتله لا قصاص عليه، ولا تجوز شهادة كل منهما للآخر، ولا يعد مجهول النسب فلا يصح أن يدعيه غيره، وإذا أكذب نفسه ثبت نسب الولد منه ويزول كل أثر اللعان بالنسبة للولد.
وروى الإمام الفخر عن الشافعي رحمه الله أنه قال : يتعلق باللعان خمسة أحكام :( درء الحدّ، ونفي الولد، والفرقة، والتحريم المؤبّد، ووجوب الحدّ عليها )، وكلها تثبت بمجرد لعانه، ولا تفتقر إلى حكم الحاكم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- إذا قذف الرجل زوجته ولم تكن لديه بينة فإمّا أن يُحدّ أو يلاعن.
٢- لا يجري اللعان في اتهام غير الزوجة من المحصنات لأنه خاص بالزوجين.
٣- تشريعُ اللعان لمصلحة الزوجين يبرئ الزوج من ( حد القذف ) والزوجة من ( حدّ الزنى ).
٤- لا بدّ في المُلاَعَنَة أن تكون خمس مرات بالصيغة المذكورة في القرآن الكريم.
٥- ينبغي تغليظ أمر « اللّعان » بالزمان والمكان وحضور جمع من المسلمين.
٦- اللّعانُ يوجب ( الحُرْمة المؤبّدة ) بين الزوجين، فلا ترجع للزوج بحالٍ من الأحوال.
٧- تخصيص الرجل باللعنة، وتخصيص المرأة بالغضب، للتفريق بين نفسيّة الزوجين.
٨- الله واسع المغفرة، عظيم الفضل والمِنّة، لولا ستره على العباد لعذّبهم وأهلكهم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شرع الحكيم العليم ( اللعان ) لحكمة جليلة سامية، هي من أدق الحكم وأسماها في صيانة المجتمع، وتطهير الأسرة، ومعالجة المخاطر والمشاكل التي تعترض طريق ( الحياة الزوجية ) وما يهددها من متاعب وعقبات.
وعالج القرآن بهذا التشريع الدقيق ناحية من اخطر النواحي التي يمكن أن يجابهها الإنسان في حياته الواقعية الأليمة، حين يبصر بعينه ( جريمة الزنى ) ترتكب في أهل بيته فلا يستطيع أن يتكلم، ولا أن يجهر، لأنه ليس لديه بينة تثبت ذلك، ولا يستطيع أن يقدم على القتل ( لغسل العار ) لأن هناك القصاص ويبقى ذاهلاً، مشتتاً، محتاراً، كيف يصنع!! أيترك عرضه ينتهك وشرفه يُلوّث، وفراشه يدنّس، ثم يغمض عينيه خشية الفضيحة أو خوف العار؟ أم يقدم على الانتقام من زوجة الخائن، وذلك اللص الماكر، شريكها في الخيانة والإجرام فيكون سبيله العقاب والقصاص؟!
إنها حالات من الضيق النفسي والقلق والاضطراب لا يملك المرء لها دفعاً ولا يدري ماذا يصنع تجاهها وهو يعاني هذه الأزمة النفسية الخائفة؟! وتشاء حكمة الله أن تقع مثل هذه الحوادث في أفضل العصور ( عصر النبوة ) وبين أطهر الأقوام ( صحابة الرسول ) والقرآن ينزل والوحي يتلى، ليكون درساً عملياً تربوياً يتلقاه المسلمون بكل قولة، وصلابة عزم.
الحكم العاشر : هل يلحق ولد اللعان بأمه؟
إذا نفى الرجل ابنه وتم اللعان بنفيه له انتقى نسبه من أبيه وسقطت نفقته عنه، وانتفى التوارث بينهما ولحق بأمه فهي ترثه وهو يرثها لحديث ( عمرو بن شعيب ) :« وقضى رسول الله ﷺ وفي ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه، ومن رماها به جلد ثمانين » ويؤيد هذا الحديث الأدلة الدالة على أن الولد للقراش ولا فراش هنا لنفي الزوج إياه.. وأما من رماها به اعتبر قاذفاً وجلد ثمانين جلدة لأن ( الملاعِنة ) داخلة في المحصنات ولم يثبت عليها ما يخالف ذلك فيجب على من رماها بابنها حد القذف ومن قذف ولدها يجب حده كمن قذف أمه سواء بسواء...
أما بالنسبة للأحكام الشرعية فإنه يعامل كأنه أبوه من باب الاحتياط فلا يعطيه زكاة المال، ولو قتله لا قصاص عليه، ولا تجوز شهادة كل منهما للآخر، ولا يعد مجهول النسب فلا يصح أن يدعيه غيره، وإذا أكذب نفسه ثبت نسب الولد منه ويزول كل أثر اللعان بالنسبة للولد.
وروى الإمام الفخر عن الشافعي رحمه الله أنه قال : يتعلق باللعان خمسة أحكام :( درء الحدّ، ونفي الولد، والفرقة، والتحريم المؤبّد، ووجوب الحدّ عليها )، وكلها تثبت بمجرد لعانه، ولا تفتقر إلى حكم الحاكم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- إذا قذف الرجل زوجته ولم تكن لديه بينة فإمّا أن يُحدّ أو يلاعن.
٢- لا يجري اللعان في اتهام غير الزوجة من المحصنات لأنه خاص بالزوجين.
٣- تشريعُ اللعان لمصلحة الزوجين يبرئ الزوج من ( حد القذف ) والزوجة من ( حدّ الزنى ).
٤- لا بدّ في المُلاَعَنَة أن تكون خمس مرات بالصيغة المذكورة في القرآن الكريم.
٥- ينبغي تغليظ أمر « اللّعان » بالزمان والمكان وحضور جمع من المسلمين.
٦- اللّعانُ يوجب ( الحُرْمة المؤبّدة ) بين الزوجين، فلا ترجع للزوج بحالٍ من الأحوال.
٧- تخصيص الرجل باللعنة، وتخصيص المرأة بالغضب، للتفريق بين نفسيّة الزوجين.
٨- الله واسع المغفرة، عظيم الفضل والمِنّة، لولا ستره على العباد لعذّبهم وأهلكهم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شرع الحكيم العليم ( اللعان ) لحكمة جليلة سامية، هي من أدق الحكم وأسماها في صيانة المجتمع، وتطهير الأسرة، ومعالجة المخاطر والمشاكل التي تعترض طريق ( الحياة الزوجية ) وما يهددها من متاعب وعقبات.
وعالج القرآن بهذا التشريع الدقيق ناحية من اخطر النواحي التي يمكن أن يجابهها الإنسان في حياته الواقعية الأليمة، حين يبصر بعينه ( جريمة الزنى ) ترتكب في أهل بيته فلا يستطيع أن يتكلم، ولا أن يجهر، لأنه ليس لديه بينة تثبت ذلك، ولا يستطيع أن يقدم على القتل ( لغسل العار ) لأن هناك القصاص ويبقى ذاهلاً، مشتتاً، محتاراً، كيف يصنع!! أيترك عرضه ينتهك وشرفه يُلوّث، وفراشه يدنّس، ثم يغمض عينيه خشية الفضيحة أو خوف العار؟ أم يقدم على الانتقام من زوجة الخائن، وذلك اللص الماكر، شريكها في الخيانة والإجرام فيكون سبيله العقاب والقصاص؟!
إنها حالات من الضيق النفسي والقلق والاضطراب لا يملك المرء لها دفعاً ولا يدري ماذا يصنع تجاهها وهو يعاني هذه الأزمة النفسية الخائفة؟! وتشاء حكمة الله أن تقع مثل هذه الحوادث في أفضل العصور ( عصر النبوة ) وبين أطهر الأقوام ( صحابة الرسول ) والقرآن ينزل والوحي يتلى، ليكون درساً عملياً تربوياً يتلقاه المسلمون بكل قولة، وصلابة عزم.
337
فهذا ( هلال بن أمية ) يأتي بيته مساء فيرى بعينه وسيمع بأذنية صوت الخيانة واضحاً فيكبح جماح نفسه، ويغالب غضبه وثورته، ويأتي رسول الله ﷺ يخبره الخبر، وهو واثق من نفسه لأنها رؤيا العين ويطلب منه الرسول البينة ولكن من أين يأتي بها؟ وكيف له أن يأتي بأربعة شهود يشهدون معه لإثبات دعواه، والرسول ﷺ يقول له : البينة أو حد في ظهرك!! ويسمع ( سعد بن عبادة ) وهو سيد الأنصار ذلك فيقول يا رسول الله : إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلاً لم يكن له أن يحركه أو يُهيجَه حتى يأتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه ويلتفت الرسول إلى أصحابه قائلاً : أتعجبون من غيره سعد والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، يطلب الرسول البينة من هلال وليس معه بينة ويشتد الأمر على الرسول وعلى أصحابه ويتحدث الناس : الآن يضرب الرسول هلالاً، ويبطل بين الناس شهادته، فيقول ( هلال ) يا رسول الله والله إني لصادق وإني لأرجو أن يجعل الله لي منها فرجاً ومخرجاً وينزل الوحي على الرسول بهذه الآيات الكريمة التي أصبحت قرآناً يتلى ودرساً يحفظ ونظاماً يطبقه المسلمون في حياتهم ويقول الرسول الكريم :« أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً » فيقول هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي تعالى.
هذه ناحية دقيقة، عالجها الإسلام بحكمته الرفيعة وجعل لها فرجاً ومخرجاً فشرع ( اللعان ) بين الزوجين، ليستر المولى على عباده زلاتهم ويفسح أمامهم المجال للتوبة والإنابة. ولولا هذا التشريع الحكيم لأريقت الدماء. وأزهقت الأرواح في سبيل الدفاع عن ( العرض والشرف ) وقد يكون هناك عدوان من أحد الزوجين على الآخر فلو سمح للزوج أن ينتقم بنفسه فيقتل زوجه لكان هناك ضحايا بريئات يذهبن ضحية المكر والخبث إذ ليس كل زوج يكون صادقاً؛ ولو أقيم عليه ( حد القذف ) لأنه قذف امرأة محصنة لكان في ذلك أبلغ الألم والضرر إذ قد يكون صادقاً في دعواه فيجتمع عليه ( عقوبة الجلد ) و ( تدنيس الفراش ) فإذا تكلم جلد، وإذا سكت سكت على غيظ.
هذه ناحية دقيقة، عالجها الإسلام بحكمته الرفيعة وجعل لها فرجاً ومخرجاً فشرع ( اللعان ) بين الزوجين، ليستر المولى على عباده زلاتهم ويفسح أمامهم المجال للتوبة والإنابة. ولولا هذا التشريع الحكيم لأريقت الدماء. وأزهقت الأرواح في سبيل الدفاع عن ( العرض والشرف ) وقد يكون هناك عدوان من أحد الزوجين على الآخر فلو سمح للزوج أن ينتقم بنفسه فيقتل زوجه لكان هناك ضحايا بريئات يذهبن ضحية المكر والخبث إذ ليس كل زوج يكون صادقاً؛ ولو أقيم عليه ( حد القذف ) لأنه قذف امرأة محصنة لكان في ذلك أبلغ الألم والضرر إذ قد يكون صادقاً في دعواه فيجتمع عليه ( عقوبة الجلد ) و ( تدنيس الفراش ) فإذا تكلم جلد، وإذا سكت سكت على غيظ.
338
فكان في هذا التشريع الإلهي الحكيم أسمى ما يتصوره المرء من العدالة والحماية وصيانة الأعراض وقبر الجريمة في مهدها فهو ( بطريق اللعان ) إذ يترك الأمر معلقاً لا يستطيع أحد أن يجزم بوقوع الجريمة أو بخيانة الزوجة، ولا يقطع بكذب الزوج إذ يحتمل أن يكون صادقاً ثم يفرق بينهما فرقة مؤبدة تخلِّص الإنسان من الشقاء، وتقطع ألسنة السوء، وتصون كرامة الأسرة.
فللَّه ما أسمى تشريع الإسلام وما أدق نظره وأحكامه!! وصدق الله ﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [ المائدة : ٥٠ ].
فللَّه ما أسمى تشريع الإسلام وما أدق نظره وأحكامه!! وصدق الله ﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [ المائدة : ٥٠ ].
339
[ ٤ ] في أعقاب حادثة الإفك
التحليل اللفظي
﴿ يَأْتَلِ ﴾ : أي يحلف من ( الأليّة ) بمعنى الحلف، ووزنها ( يَفْتَعِلْ ) ومنه قوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٦ ] وقال بعضهم : معناه يقصّر من قولك : ألَوْتُ في كذا إذا قصّرت فيه ومنه قوله تعالى :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ].
قال الزمخشري :( يأتل ) من ائتلى إذا حلف : افتعال من الأليّة، وقيل : من قولهم : ما ألوت جهداً، إذا لم تدّخر منه شيئاً، ويشهد للأول قراءة الحسن : ولا يتألَّ والمعنى : لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان.
﴿ أُوْلُواْ الفضل ﴾ : أصحاب الصلاح والدين، ومعنى الفضل الزيادة والمراد هنا أهل البر والدين والصلاح.
﴿ والسعة ﴾ : المراد بها السعة في الرزق والمال، الذين وسّع الله عليهم وأغناهم من فضله، قال الشاعر :
﴿ أَن يؤتوا ﴾ قال ابن قتيبة معناه : أن لا يؤتوا، وقال القرطبي قوله تعالى :﴿ أَن يؤتوا ﴾ أي ألاّ يؤتوا فحذف ( لا ) كقول القائل :
أقول : هذا الحذف وارد في كلام العرب ومثله قوله تعالى :﴿ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] أي لئلا تضلّوا أو خشية أن تضلوا.
﴿ وَلْيَعْفُواْ ﴾ : أي يغفروا الزلات، من عفا الربع إذا محي أثره ودرس، فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع.
﴿ المحصنات ﴾ : العفائف الشريفات الطاهرات، وقد تقدم معنى الإحصان فيما سبق.
﴿ الغافلات ﴾ : جمع غافلة وهي التي غفلت عن الفاحشة، بحيث لا تخطر ببالها، وقيل : هي السليمة الصدر، النقية القلب، التي ليس فيها دهاء ولا مكر، لأنها لم تجرب الأمور، ولم تزن الأحوال، فلا تفطن لما تفطن له المجرِّبة العارفة.
﴿ لُعِنُواْ ﴾ : اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى ﴿ وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ﴾ [ النساء : ٥٢ ] وقد يراد به الذكر السَّيِّئ أو الحد ( الجلد ) كما في هذه الآية حيث أقيم عليهم حد القذف.
﴿ تَشْهَدُ ﴾ : تقر وتعترف، وشهادة الألسنة إقرارها بما تكلموا به من الفرية، وهؤلاء غير الذين يختم على أفواههم. وقال ابن جرير : المعنى أنّ ألسنة بعضهم تشهد على بعض بما كانوا يعملون من القذف والبهتان.
﴿ يُوَفِّيهِمُ ﴾ : التوفية إعطاء الشيء وافياً، يقال : تَوفّى حقه إذا أخذه كاملاً غير منقوص.
﴿ دِينَهُمُ الحق ﴾ : أي حسابهم العدل، أو جزاءهم الواجب، والدين في اللغة بمعنى الجزاء، ومنه قوله ﷺ « إعمل ما شئت كما تدين تدان » أي كما تفعل تجزى.
﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ ﴾ : المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، وهو جمع خبيثة وخبيث، والخبيثُ الذي يعمل الفواحش والمنكرات سمّى خبيثاً لخبث باطنه وسوء عمله قال تعالى :
التحليل اللفظي
﴿ يَأْتَلِ ﴾ : أي يحلف من ( الأليّة ) بمعنى الحلف، ووزنها ( يَفْتَعِلْ ) ومنه قوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٦ ] وقال بعضهم : معناه يقصّر من قولك : ألَوْتُ في كذا إذا قصّرت فيه ومنه قوله تعالى :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ].
قال الزمخشري :( يأتل ) من ائتلى إذا حلف : افتعال من الأليّة، وقيل : من قولهم : ما ألوت جهداً، إذا لم تدّخر منه شيئاً، ويشهد للأول قراءة الحسن : ولا يتألَّ والمعنى : لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان.
﴿ أُوْلُواْ الفضل ﴾ : أصحاب الصلاح والدين، ومعنى الفضل الزيادة والمراد هنا أهل البر والدين والصلاح.
﴿ والسعة ﴾ : المراد بها السعة في الرزق والمال، الذين وسّع الله عليهم وأغناهم من فضله، قال الشاعر :
ومن يك ذا مال فيبخل بفضله | على غيره يستغنى عنه ويذمم |
فقلتُ يمينُ اللَّه أبرحُ قاعداً | ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي |
﴿ وَلْيَعْفُواْ ﴾ : أي يغفروا الزلات، من عفا الربع إذا محي أثره ودرس، فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع.
﴿ المحصنات ﴾ : العفائف الشريفات الطاهرات، وقد تقدم معنى الإحصان فيما سبق.
﴿ الغافلات ﴾ : جمع غافلة وهي التي غفلت عن الفاحشة، بحيث لا تخطر ببالها، وقيل : هي السليمة الصدر، النقية القلب، التي ليس فيها دهاء ولا مكر، لأنها لم تجرب الأمور، ولم تزن الأحوال، فلا تفطن لما تفطن له المجرِّبة العارفة.
﴿ لُعِنُواْ ﴾ : اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى ﴿ وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ﴾ [ النساء : ٥٢ ] وقد يراد به الذكر السَّيِّئ أو الحد ( الجلد ) كما في هذه الآية حيث أقيم عليهم حد القذف.
﴿ تَشْهَدُ ﴾ : تقر وتعترف، وشهادة الألسنة إقرارها بما تكلموا به من الفرية، وهؤلاء غير الذين يختم على أفواههم. وقال ابن جرير : المعنى أنّ ألسنة بعضهم تشهد على بعض بما كانوا يعملون من القذف والبهتان.
﴿ يُوَفِّيهِمُ ﴾ : التوفية إعطاء الشيء وافياً، يقال : تَوفّى حقه إذا أخذه كاملاً غير منقوص.
﴿ دِينَهُمُ الحق ﴾ : أي حسابهم العدل، أو جزاءهم الواجب، والدين في اللغة بمعنى الجزاء، ومنه قوله ﷺ « إعمل ما شئت كما تدين تدان » أي كما تفعل تجزى.
﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ ﴾ : المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، وهو جمع خبيثة وخبيث، والخبيثُ الذي يعمل الفواحش والمنكرات سمّى خبيثاً لخبث باطنه وسوء عمله قال تعالى :
340
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القرية التي كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث ﴾ [ الأنبياء : ٧٤ ] وذهب جمهور المفسّرين إلى أن معنى الآية : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الناس للخبيثات من القول، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.. قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية واختاره ابن جرير الطبري.
﴿ مُبَرَّءُونَ ﴾ : أي منزّهون مما رُمُوا به، والمراد بالآية براءة الصدّيقة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أهل الإفك والبهتان، وجاء بصيغة الجمع للتعظيم.
﴿ مَّغْفِرَةٌ ﴾ : أي محو وغفران للذنب، والبشر جميعاً معرضون للخطأ وقيل في الآية إنه من باب :( حسناتُ الأبرار سيئات المقربين ).
﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ : قال الألوسي : هو الجنة كما قال أكثر المفسرين. ويشهد له قوله تعالى في سورة الأحزاب في أمهات المؤمنين ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣١ ] فإن المراد به الجنة.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا يحلف أهل الفضل والصلاح والدين. الذين وسّع الله عليهم في الرزق وأغناهم من فضله، على ألا يؤتوا أقاربهم من الفقراء والمهاجرين ما كان يعطونهم إياه من الإحسان لجرم ارتكبوه، أو ذنب فعلوه. وليعفوا عما كان منهم من جرم، وليصفحوا عما بدر منهم من إساءة. وليعودوا إلى مثل ما كانوا عليه من الإفضال والإحسان، ألا تحبون أيها المؤمنون أن يكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم الجنة مع الأبرار!!
ثم أخبر تعالى بأن الذين يرمون المؤمنات العفيفات الطاهرات بالزنى، ويقذفونهن بالفاحشة، وهنّ الغافلات عن مثل هذا الافتراء والبهتان... هؤلاء الذين يتهمون الحرائر العفيفات الشريفات، قد لعنهم الله بسبب هذا البهتان. فطردهم من رحمته، وأوجب لهم العذاب الأليم، الجلد في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة، بسبب ما ارتكبوا من إثم وجريمة في حق أولئك المؤمنات... وليس هذا فحسب بل سوف تنطق عليهم جوارحهم، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، في ذلك اليوم الرهيب. بما كانوا يفعلونه من الإفك والبهتان، وستكون فضيحتهم عظيمة، عندما ينكشف أمرهم على رؤوس الأشهاد، وينالون جزاءهم العادل من أحكم الحاكمين، الذي لا يضيع عنده مثقال ذرة ويعلمون في ذلك اليوم أن الله عادل، لا يظلم أحداً من خلقه؛ لأنه هو الحق المبين، الذي يكشف لكل إنسان كتاب أعماله، ويجازيه عليها الجزاء العادل.
ثم أخبر تعالى ببراءة السيدة عائشة الصدّيقة أم المؤمنين رضوان الله عليها، مما رماها به أهل الضلال والنفاق، وتقوّلوا له عليها من الفاحشة، وأتى بالبرهان الساطع، والدليل القاطع، على عصمتها ونزاهتها وبراءتها، فهي زوج رسول الله الطاهرة الشريفة، ورسول الله طيّب طاهر. وقد جرت سنة الله أن يسوق الجنس إلى جنسه، فالخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء. والطيبات من النساء للطّيبين من الرجال، والطّيبون من الرجال للطيبات من النساء، أولئك المتهمات في أعراضهن، بريئات من تلك التهمة الشنيعة، كيف لا وهنَّ أزواج أشرف رسول، وأكرم مخلوق على الله، وما كان الله ليقسمهنَّ لأحب عباده إليه إن لم يكنَّ طاهرات النفس ﴿ أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ !!
سبب النزول
١- روى ابن جرير الطبري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل قوله تعالى :
﴿ مُبَرَّءُونَ ﴾ : أي منزّهون مما رُمُوا به، والمراد بالآية براءة الصدّيقة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أهل الإفك والبهتان، وجاء بصيغة الجمع للتعظيم.
﴿ مَّغْفِرَةٌ ﴾ : أي محو وغفران للذنب، والبشر جميعاً معرضون للخطأ وقيل في الآية إنه من باب :( حسناتُ الأبرار سيئات المقربين ).
﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ : قال الألوسي : هو الجنة كما قال أكثر المفسرين. ويشهد له قوله تعالى في سورة الأحزاب في أمهات المؤمنين ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣١ ] فإن المراد به الجنة.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا يحلف أهل الفضل والصلاح والدين. الذين وسّع الله عليهم في الرزق وأغناهم من فضله، على ألا يؤتوا أقاربهم من الفقراء والمهاجرين ما كان يعطونهم إياه من الإحسان لجرم ارتكبوه، أو ذنب فعلوه. وليعفوا عما كان منهم من جرم، وليصفحوا عما بدر منهم من إساءة. وليعودوا إلى مثل ما كانوا عليه من الإفضال والإحسان، ألا تحبون أيها المؤمنون أن يكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم الجنة مع الأبرار!!
ثم أخبر تعالى بأن الذين يرمون المؤمنات العفيفات الطاهرات بالزنى، ويقذفونهن بالفاحشة، وهنّ الغافلات عن مثل هذا الافتراء والبهتان... هؤلاء الذين يتهمون الحرائر العفيفات الشريفات، قد لعنهم الله بسبب هذا البهتان. فطردهم من رحمته، وأوجب لهم العذاب الأليم، الجلد في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة، بسبب ما ارتكبوا من إثم وجريمة في حق أولئك المؤمنات... وليس هذا فحسب بل سوف تنطق عليهم جوارحهم، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، في ذلك اليوم الرهيب. بما كانوا يفعلونه من الإفك والبهتان، وستكون فضيحتهم عظيمة، عندما ينكشف أمرهم على رؤوس الأشهاد، وينالون جزاءهم العادل من أحكم الحاكمين، الذي لا يضيع عنده مثقال ذرة ويعلمون في ذلك اليوم أن الله عادل، لا يظلم أحداً من خلقه؛ لأنه هو الحق المبين، الذي يكشف لكل إنسان كتاب أعماله، ويجازيه عليها الجزاء العادل.
ثم أخبر تعالى ببراءة السيدة عائشة الصدّيقة أم المؤمنين رضوان الله عليها، مما رماها به أهل الضلال والنفاق، وتقوّلوا له عليها من الفاحشة، وأتى بالبرهان الساطع، والدليل القاطع، على عصمتها ونزاهتها وبراءتها، فهي زوج رسول الله الطاهرة الشريفة، ورسول الله طيّب طاهر. وقد جرت سنة الله أن يسوق الجنس إلى جنسه، فالخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء. والطيبات من النساء للطّيبين من الرجال، والطّيبون من الرجال للطيبات من النساء، أولئك المتهمات في أعراضهن، بريئات من تلك التهمة الشنيعة، كيف لا وهنَّ أزواج أشرف رسول، وأكرم مخلوق على الله، وما كان الله ليقسمهنَّ لأحب عباده إليه إن لم يكنَّ طاهرات النفس ﴿ أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ !!
سبب النزول
١- روى ابن جرير الطبري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل قوله تعالى :
341
﴿ إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ [ النور : ١١ ] الآية في عائشة وفيمن قال لها ما قال، قال أبو بكر :- وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، ولا أنفعه بنفع أبداً، بعد الذي قال لعائشة ما قال، وأدخل عليها ما أدخل، قالت فأنزل الله في ذلك :﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى... ﴾ الآية قالت : فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجّع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه، وقال :« والله لا أنزعها منه أبداً »
٢- وأخرج ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان مسطح بن أثاثة ) ممن تولى كِبْرَه أهل الإفك، وكان قريباً لأبي بكر، وكان في عياله، فحلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينيله خيراً أبداً فأنزل الله ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة ﴾ الآية قالت : فأعاده أبو بكر إلى عياله، وقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلاّ تحلّلتها وأتيت الذي هو خير.
وفي رواية أخرى أن نبيّ الله ﷺ دعا أبا بكر فتلاها عليه، فقال : ألا تحب أن يغفر الله لك؟ قال : بلى، قال : فاعف عنه وتجاوز، فقال أبو بكر : لا جرم والله لا أمنعه معروفاً كنت أوليه قبل اليوم، وضعّف له بعد ذلك فكان يعطيه ضِعْفي ما كان يعطيه.
وجوه القراءات
١- قرأ الجمهور ﴿ ولا يأتل ﴾ على وزن ( يفتعِل ) وقرأ الحسن وأبو العالية ﴿ ولا يتألّ ﴾ بهمزة مفتوحة مع تشديد اللام على وزن ( يتعَلَّ ) وهو مضارع تألى بمعنى حلف قال الشاعر :
وهذه القراءة تؤيد المعنى الأول ليأتل. وليس كما قال أبو عبيدة إنه من ( الألْو ) بوزن الدلو بمعنى لا يقصّر، واستشهد بقوله تعالى :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] فإنّ سبب النزول يؤيد الرأي الأول.
٢- قرأ الجمهور ﴿ أن يؤتوا ﴾ وقرأ أبو حيوة ﴿ أن تُؤتوا ﴾ بتاء الخطاب على طريق الالتفات.
٣- قوله :﴿ وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا ﴾ قراءة الجمهور بالياء، وقرأ الحسن، وسفيان بن الحسين ﴿ ولتَعْفوا ولتَصْفحوا ﴾ بتاء الخطاب على وفق قوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾.
٤- قرأ الجمهور ﴿ يوم تشهد ﴾ بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي ﴿ يوم يشهد ﴾ بالياء بدل التاء، قال الألوسي : ووجهه ظاهر.
٢- وأخرج ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان مسطح بن أثاثة ) ممن تولى كِبْرَه أهل الإفك، وكان قريباً لأبي بكر، وكان في عياله، فحلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينيله خيراً أبداً فأنزل الله ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة ﴾ الآية قالت : فأعاده أبو بكر إلى عياله، وقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلاّ تحلّلتها وأتيت الذي هو خير.
وفي رواية أخرى أن نبيّ الله ﷺ دعا أبا بكر فتلاها عليه، فقال : ألا تحب أن يغفر الله لك؟ قال : بلى، قال : فاعف عنه وتجاوز، فقال أبو بكر : لا جرم والله لا أمنعه معروفاً كنت أوليه قبل اليوم، وضعّف له بعد ذلك فكان يعطيه ضِعْفي ما كان يعطيه.
وجوه القراءات
١- قرأ الجمهور ﴿ ولا يأتل ﴾ على وزن ( يفتعِل ) وقرأ الحسن وأبو العالية ﴿ ولا يتألّ ﴾ بهمزة مفتوحة مع تشديد اللام على وزن ( يتعَلَّ ) وهو مضارع تألى بمعنى حلف قال الشاعر :
تألّى ابن أوس حِلفةً ليردّني | إلى نسوة لي كأنهن مقائد |
٢- قرأ الجمهور ﴿ أن يؤتوا ﴾ وقرأ أبو حيوة ﴿ أن تُؤتوا ﴾ بتاء الخطاب على طريق الالتفات.
٣- قوله :﴿ وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا ﴾ قراءة الجمهور بالياء، وقرأ الحسن، وسفيان بن الحسين ﴿ ولتَعْفوا ولتَصْفحوا ﴾ بتاء الخطاب على وفق قوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾.
٤- قرأ الجمهور ﴿ يوم تشهد ﴾ بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي ﴿ يوم يشهد ﴾ بالياء بدل التاء، قال الألوسي : ووجهه ظاهر.
342
٥- قرأ الجمهور ﴿ دينَهم الحقّ ﴾ بالفتح على أنه صفة للدّين بمعنى حسابهم العدل، وقرأ مجاهد والأعمش ﴿ دينَهم الحقُّ ﴾ برفع القاف على أنه صفة للإسم الجليل. ( ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصوف وصفته ) ويصبح المعنى : يومئذ يوفيهم اللَّهُ الحقّ دينهم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة... ﴾ الآية هذه شهادة عظيمة من الله سبحانه بفضل أبي بكر، وأنه أفضل الصحابة.
قال الفخر الرازي : أجمع المفسّرون على أن المراد من قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل ﴾ أبو بكر رضي الله عنه، وهذه الآية تدل على أنه كان أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح له، والمدح من الله تعالى بالدنيا غير جائز. فتعيّن أن يكون المراد منه الفضل في الدين. ولأنه لو أريد به الفضل في الدنيا لكان قوله ( والسعة ) تكريراً. فلما أثبت الله له الفضل المطلق وجب أن يكون أفضل الصحابة بعد رسول الله ﷺ.
وقال أبو السعود : قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ ﴾ أي في الدين، وكفى به دليلاً على فضل الصدّيق رضي الله تعالى عنه.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ أَن يؤتوا ﴾ فيه حذف بالإيجاز، فقد حذفت منه ( لا ) لدلالة المعنى على ذلك، أي على أن لا يؤتوا. قال الزجّاج، إنّ ( لا ) تحذف في اليمين كثيراً قال تعالى :﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٤ ] يعني أن لا تبروا. وقال امرؤ القيس :« فقلت يمين الله أبرح قاعداً » أي لا أبرح.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾ هذا خطاب بصيغة الجمع، والمراد به أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وورد الخطاب بهذه الصيغة للتعظيم كقوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ [ الحجر : ٩ ].
قال الإمام الفخر رحمه الله :« فانظر إلى الشخص الذي كناه الله سبحانه مع جلاله بصيغة الجمع كيف يكون علو شأنه » وحين سمعها أبو بكر قال : بلى أحب أن يغفر الله لي. وأعاد النفقة إلى مسطح.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ قال العلامة ابن الجوزي : فإن قيل : لم أقتصر على ذكر المحصنات دون الرجال؟
فالجواب أنّ من رمى مؤمنة فلا بدّ أن يرمي معها مؤمناً، فاستغني عن ذكر المؤمنين. ومثله قوله تعالى :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] أراد : والبرد، قاله الزجاج.
اللطيفة الخامسة : ذكر الله تعالى في أول السورة المحصنات بقوله :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] ولم يقيّد المحصنات هناك بوصفٍ وأما هنا فقد قيّده بأوصاف عديدة بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات ﴾ والسرُّ في هذا أن هذه الآيات خاصة بأمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن أجمعين، وتدخل السيدة عائشة فيهن دخولاً أولياً، فاتهام هؤلاء الأزواج الطاهرات إتهام ل ( بيت النبوّة )، وإيذاء لرسول الله ﷺ ؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، حين قرأ سورة النور ففسّرها فلما أتى على هذه الآية ﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات ﴾ قال : هذه في ( عائشة ) وأزواج النبي ﷺ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات، من غير أزواج النبي ﷺ التوبة، ثم تلا هذه الآية ﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فهمّ بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبّل رأسه لحسن ما فسّره.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة... ﴾ الآية هذه شهادة عظيمة من الله سبحانه بفضل أبي بكر، وأنه أفضل الصحابة.
قال الفخر الرازي : أجمع المفسّرون على أن المراد من قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل ﴾ أبو بكر رضي الله عنه، وهذه الآية تدل على أنه كان أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح له، والمدح من الله تعالى بالدنيا غير جائز. فتعيّن أن يكون المراد منه الفضل في الدين. ولأنه لو أريد به الفضل في الدنيا لكان قوله ( والسعة ) تكريراً. فلما أثبت الله له الفضل المطلق وجب أن يكون أفضل الصحابة بعد رسول الله ﷺ.
وقال أبو السعود : قوله تعالى :﴿ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ ﴾ أي في الدين، وكفى به دليلاً على فضل الصدّيق رضي الله تعالى عنه.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ أَن يؤتوا ﴾ فيه حذف بالإيجاز، فقد حذفت منه ( لا ) لدلالة المعنى على ذلك، أي على أن لا يؤتوا. قال الزجّاج، إنّ ( لا ) تحذف في اليمين كثيراً قال تعالى :﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٤ ] يعني أن لا تبروا. وقال امرؤ القيس :« فقلت يمين الله أبرح قاعداً » أي لا أبرح.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾ هذا خطاب بصيغة الجمع، والمراد به أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وورد الخطاب بهذه الصيغة للتعظيم كقوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ [ الحجر : ٩ ].
قال الإمام الفخر رحمه الله :« فانظر إلى الشخص الذي كناه الله سبحانه مع جلاله بصيغة الجمع كيف يكون علو شأنه » وحين سمعها أبو بكر قال : بلى أحب أن يغفر الله لي. وأعاد النفقة إلى مسطح.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات ﴾ قال العلامة ابن الجوزي : فإن قيل : لم أقتصر على ذكر المحصنات دون الرجال؟
فالجواب أنّ من رمى مؤمنة فلا بدّ أن يرمي معها مؤمناً، فاستغني عن ذكر المؤمنين. ومثله قوله تعالى :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] أراد : والبرد، قاله الزجاج.
اللطيفة الخامسة : ذكر الله تعالى في أول السورة المحصنات بقوله :﴿ والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [ النور : ٤ ] ولم يقيّد المحصنات هناك بوصفٍ وأما هنا فقد قيّده بأوصاف عديدة بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات ﴾ والسرُّ في هذا أن هذه الآيات خاصة بأمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن أجمعين، وتدخل السيدة عائشة فيهن دخولاً أولياً، فاتهام هؤلاء الأزواج الطاهرات إتهام ل ( بيت النبوّة )، وإيذاء لرسول الله ﷺ ؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، حين قرأ سورة النور ففسّرها فلما أتى على هذه الآية ﴿ إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات ﴾ قال : هذه في ( عائشة ) وأزواج النبي ﷺ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات، من غير أزواج النبي ﷺ التوبة، ثم تلا هذه الآية ﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فهمّ بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس فيقبّل رأسه لحسن ما فسّره.
343
اللطيفة السادسة : أشارت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون للخبيثات ﴾ إلى مبدأ هام من مبادئ الحياة الاجتماعية، وهو أن النفوس الخبيثة لا تلتئم إلا مع النفوس الخبيثة من مثلها، والنفوس الطيبة لا تمتزج إلا بالنفوس الطيبة من مثلها، وحيث كان رسول الله ﷺ أطيب الأطيبين، وأفضل الأولين والآخرين، تبيّن أنّ الصدّيقة رضي الله عنها من أطيب النساء بالضرورة، وأنّ ما قيل في حقها كذب وبهتان كما نطق بذلك القرآن ﴿ أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ ويا لها من شهادة قاطعة!!
قال أبو السعود :« هذا مسوق على قاعدة السنّة الإلهية، الجارية فيما بين الخلق، على موجب أنّ لله ملكاً يسوق الأهل إلى الأهل، لأن المجانسة من دواعي الانضمام... وما في الإشارة من معنى البعد ( أولئك ) للإيذان بعلو رتبة المشار إليهم، وبعد منزلتهم في الفضل، أي أولئك الموصوفون بعلو الشأن، مبرءون مما تقوّله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة ».
اللطيفة السابعة : قال الزمخشري في تفسيره « الكشاف » :« لقد برَأ الله تعالى أربعة بأربعة : برّأ يوسف بلسان الشاهد ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ [ يوسف : ٢٦ ]. وبرّأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه.. وبرّأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها ﴿ إِنِّي عَبْدُ الله ﴾ [ مريم : ٣٠ ]. وبرّأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز، المتلوّ على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك؟ وما ذاك إلاّ لإظهار علو منزلة رسول الله ﷺ، والتنبيه على إنافة محل سيد آدم، وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقّق عظمة شأنه ﷺ، وتقدّم قدمه، وإحرازه قَصَب السبق دون كل سابق، فليتلقّ ذلك من آيات الإفك، وليتأمل كيف غضب الله في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه ».
خصائص السيدة عائشة رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :« لقد أُعطِيتُ تسعاً ما أعطيتهنّ امرأة : لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله ﷺ أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوّج بكراً غيري.
قال أبو السعود :« هذا مسوق على قاعدة السنّة الإلهية، الجارية فيما بين الخلق، على موجب أنّ لله ملكاً يسوق الأهل إلى الأهل، لأن المجانسة من دواعي الانضمام... وما في الإشارة من معنى البعد ( أولئك ) للإيذان بعلو رتبة المشار إليهم، وبعد منزلتهم في الفضل، أي أولئك الموصوفون بعلو الشأن، مبرءون مما تقوّله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة ».
اللطيفة السابعة : قال الزمخشري في تفسيره « الكشاف » :« لقد برَأ الله تعالى أربعة بأربعة : برّأ يوسف بلسان الشاهد ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ [ يوسف : ٢٦ ]. وبرّأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه.. وبرّأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها ﴿ إِنِّي عَبْدُ الله ﴾ [ مريم : ٣٠ ]. وبرّأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز، المتلوّ على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك؟ وما ذاك إلاّ لإظهار علو منزلة رسول الله ﷺ، والتنبيه على إنافة محل سيد آدم، وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقّق عظمة شأنه ﷺ، وتقدّم قدمه، وإحرازه قَصَب السبق دون كل سابق، فليتلقّ ذلك من آيات الإفك، وليتأمل كيف غضب الله في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه ».
خصائص السيدة عائشة رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :« لقد أُعطِيتُ تسعاً ما أعطيتهنّ امرأة : لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله ﷺ أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوّج بكراً غيري.
344
ولقد توفي رسول الله ﷺ وإن رأسه لفي حجري، ولقد قبر في بيتي. ولقد حفّته الملائكة في بيتي. وإن الوحي لينزل عليه في أهله فيفرقون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه، وإني لابنه خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خُلقت طيّبة عند طيّب. ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً «.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يحبط العمل الصالح بارتكاب المعاصي؟
أجمع المفسّرون على أن المراد من قوله تعالى :﴿ أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله ﴾ مِسْطَح، لأنه كان قريباً لأبي بكر، وكان من المساكين، والمهاجرين البدريّين، وكان قد وقع في حديث الإفك، وقذف عائشة ثم تاب بعد ذلك، ولا شك أن القذف من الذنوب والكبائر، وقد احتج أهل السنة والجماعة بهذه الآية الكريمة على عدم بطلان العمل بارتكاب الذنوب والمعاصي، ووجه الاستدلال أن الله سبحانه وصف ( مسطحاً ) بكونه من المهاجرين في سبيل الله بعد أن أتى بالقذف، وهذه صفة مدح، فدلّ على أنّ ثواب كونه مهاجراً لم يحبط بإقدامه على القذف. وقالوا : لا يحبط العمل إلا بالإشراك، والردة عن الإسلام والعياذ بالله، أما سائر المعاصي فلا تُحبِط العمل إلا إذا استحل الإنسان المحرّم فحينئذٍ يرتد وبالردة يحبط العمل قال تعالى :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين ﴾ [ المائدة : ٥ ] وقال تعالى :﴿ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة... ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] الآية.
الحكم الثاني : هل العفو عن المسيء واجب على الإنسان؟
اتفق الفقهاء على أنّ العفو والصفح عن المسيء حسن ومندوب إليه، لقوله تعالى :﴿ وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا ﴾ والأمر هنا للندب والإرشاد، وليس للوجوب، لأن الإنسان يجوز له أن يقتص ممّن أساء إليه، فلو كان العفو واجباً لما جاز طلب القصاص، ومما يدل لرأي الفقهاء قوله تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] وقال ﷺ :» لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه « فيندب العفو عن المسيء لقوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾ ؟ فعلّق الغفران بالعفو والصفح، قال الإمام الفخر : ولو لم يدل عليه إلا هذه الآية لكفى.
الحكم الثالث : هل تجب الكفارة على من حنث في يمينه؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير، ثمّ يكفّر عن يمينه لقوله عليه السلام :» من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه «.
فتجب الكفارة بالحنث في اليمين، سواء كان الحانث في أمر فيه خير أو غير ذلك.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يحبط العمل الصالح بارتكاب المعاصي؟
أجمع المفسّرون على أن المراد من قوله تعالى :﴿ أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله ﴾ مِسْطَح، لأنه كان قريباً لأبي بكر، وكان من المساكين، والمهاجرين البدريّين، وكان قد وقع في حديث الإفك، وقذف عائشة ثم تاب بعد ذلك، ولا شك أن القذف من الذنوب والكبائر، وقد احتج أهل السنة والجماعة بهذه الآية الكريمة على عدم بطلان العمل بارتكاب الذنوب والمعاصي، ووجه الاستدلال أن الله سبحانه وصف ( مسطحاً ) بكونه من المهاجرين في سبيل الله بعد أن أتى بالقذف، وهذه صفة مدح، فدلّ على أنّ ثواب كونه مهاجراً لم يحبط بإقدامه على القذف. وقالوا : لا يحبط العمل إلا بالإشراك، والردة عن الإسلام والعياذ بالله، أما سائر المعاصي فلا تُحبِط العمل إلا إذا استحل الإنسان المحرّم فحينئذٍ يرتد وبالردة يحبط العمل قال تعالى :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين ﴾ [ المائدة : ٥ ] وقال تعالى :﴿ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة... ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] الآية.
الحكم الثاني : هل العفو عن المسيء واجب على الإنسان؟
اتفق الفقهاء على أنّ العفو والصفح عن المسيء حسن ومندوب إليه، لقوله تعالى :﴿ وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا ﴾ والأمر هنا للندب والإرشاد، وليس للوجوب، لأن الإنسان يجوز له أن يقتص ممّن أساء إليه، فلو كان العفو واجباً لما جاز طلب القصاص، ومما يدل لرأي الفقهاء قوله تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] وقال ﷺ :» لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه « فيندب العفو عن المسيء لقوله تعالى :﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ﴾ ؟ فعلّق الغفران بالعفو والصفح، قال الإمام الفخر : ولو لم يدل عليه إلا هذه الآية لكفى.
الحكم الثالث : هل تجب الكفارة على من حنث في يمينه؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير، ثمّ يكفّر عن يمينه لقوله عليه السلام :» من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه «.
فتجب الكفارة بالحنث في اليمين، سواء كان الحانث في أمر فيه خير أو غير ذلك.
345
وقال بعضهم : إنه يأتي بالذي هو خير وليس عليه كفارة ليمينه، واستدلوا بظاهر هذه الآية ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ ﴾ ووجه استدلالهم أن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة.
واستدلوا كذلك بقول الرسول ﷺ :« من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته ».
أدلة الجمهور :
استدل الجمهور على وجوب الكفارة على الحانث بما يلي :
أ- قوله تعالى :﴿ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] الآية.
ب- وقوله تعالى :﴿ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] وذلك عام في الحانث في الخير وغيره.
ح - وقوله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أن يضربها ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ [ ص : ٤٤ ] والحنث كان خيراً من تركه، وأمره الله بضرب لا يبلغ منها، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها، بل كان يحنث بلا كفارة.
د- وبحديث « فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه » وقد تقدم.
قال الجصاص :« أم استدلالهم بالآية فليس فيما ذكروا دلالة على سقوط الكفارة، لأن الله قد بيّن إيجاب الكفارة في قوله :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ وقوله :﴿ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] وذلك عام فيمن حنث فيما هو خير وفي غيره، وأما استدلالهم بالحديث » فليأت الذي هو خير وذلك كفارته « فإن معناه تكفير الذنب. لا الكفارة المذكورة في الكتاب، وذلك لأنه منهي عن أن يحلف على ترك طاعة الله. فأمر النبي ﷺ بالحنث والتوبة، وأخبر أن ذلك يكفّر ذنبه الذي اقترفه بالحلف ».
وقال ابن العربي : عجبت لقوم يتكلفون فيتكلمون بما لا يعلمون، هذا أبو بكر حلف ألا ينفق على مسطح، ثم رجَّع إليه نفقته، فمن للمتكلف لنا تكلّف بأن أبا بكر لم يكفّر حتى يتكلم بهذا الهزء.
الترجيح : ومن استعراض الأدلة يتبيّن لنا قوة رأي الجمهور في وجوب الكفارة على الحانث مطلقاً وضعف رأي غيرهم والله أعلم.
الحكم الرابع : هل تنعقد اليمين في الامتناع عن فعل الخير؟
تنعقد اليمين إذا حلف الإنسان أن يمتنع عن فعل الخير وتجب عليه الكفارة عند الجمهور كما أسلفنا، ولكنّ هذا النوع من الحلف غير جائز لما فيه من ترك الطاعة لله تعالى في قوله :﴿ وافعلوا الخير ﴾ [ الحج : ٧٧ ]. قال الفخر الرازي :« في هذه الآية دلالة على أن اليمين على الامتناع من الخير غير جائزة، وإنما تجوز إذا جعلت داعية للخير، لا صارفة عنه ».
وقال الألوسي :« وظاهر هذا حمل النهي على التحريم، وقيل : هو للكراهة، وقيل : إن الحلف على ترك الطاعة قد يكون حراماً، وقد يكون مكروهاً، فالنهي هنا لطلب الترك مطلقاً ».
واستدلوا كذلك بقول الرسول ﷺ :« من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته ».
أدلة الجمهور :
استدل الجمهور على وجوب الكفارة على الحانث بما يلي :
أ- قوله تعالى :﴿ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] الآية.
ب- وقوله تعالى :﴿ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] وذلك عام في الحانث في الخير وغيره.
ح - وقوله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أن يضربها ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ [ ص : ٤٤ ] والحنث كان خيراً من تركه، وأمره الله بضرب لا يبلغ منها، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها، بل كان يحنث بلا كفارة.
د- وبحديث « فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه » وقد تقدم.
قال الجصاص :« أم استدلالهم بالآية فليس فيما ذكروا دلالة على سقوط الكفارة، لأن الله قد بيّن إيجاب الكفارة في قوله :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ وقوله :﴿ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] وذلك عام فيمن حنث فيما هو خير وفي غيره، وأما استدلالهم بالحديث » فليأت الذي هو خير وذلك كفارته « فإن معناه تكفير الذنب. لا الكفارة المذكورة في الكتاب، وذلك لأنه منهي عن أن يحلف على ترك طاعة الله. فأمر النبي ﷺ بالحنث والتوبة، وأخبر أن ذلك يكفّر ذنبه الذي اقترفه بالحلف ».
وقال ابن العربي : عجبت لقوم يتكلفون فيتكلمون بما لا يعلمون، هذا أبو بكر حلف ألا ينفق على مسطح، ثم رجَّع إليه نفقته، فمن للمتكلف لنا تكلّف بأن أبا بكر لم يكفّر حتى يتكلم بهذا الهزء.
الترجيح : ومن استعراض الأدلة يتبيّن لنا قوة رأي الجمهور في وجوب الكفارة على الحانث مطلقاً وضعف رأي غيرهم والله أعلم.
الحكم الرابع : هل تنعقد اليمين في الامتناع عن فعل الخير؟
تنعقد اليمين إذا حلف الإنسان أن يمتنع عن فعل الخير وتجب عليه الكفارة عند الجمهور كما أسلفنا، ولكنّ هذا النوع من الحلف غير جائز لما فيه من ترك الطاعة لله تعالى في قوله :﴿ وافعلوا الخير ﴾ [ الحج : ٧٧ ]. قال الفخر الرازي :« في هذه الآية دلالة على أن اليمين على الامتناع من الخير غير جائزة، وإنما تجوز إذا جعلت داعية للخير، لا صارفة عنه ».
وقال الألوسي :« وظاهر هذا حمل النهي على التحريم، وقيل : هو للكراهة، وقيل : إن الحلف على ترك الطاعة قد يكون حراماً، وقد يكون مكروهاً، فالنهي هنا لطلب الترك مطلقاً ».
346
الحكم الخامس : هل يكفر من قذف إحدى أمهات المؤمنين؟
ذهب بعض العلماء إلى كفر من قذف إحدى نساء الرسول ( أمهات المؤمنين ) رضوان الله عليهن، وذلك لما ورد من الوعيد الشديد في حق قاذفهن كما قال تعالى :﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ حتى ذهب ابن عباس إلى عدم قبول توبته.
وحجة هؤلاء أن قذف أمهات المؤمنين، طعن في رسول الله ﷺ، وجرح لكرامته ومن استباح الطعن في عرض الرسول فهو كافر مرتد عن الإسلام.
قال العلامة الألوسي رحمه الله :« وظاهر هذه الآية كفر قاذف أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن لأن الله تعالىّ رتّب على رميهن عقوبات مختصة بالكفار والمنافقين، والذي ينبغي أن يعوِّلَ الحكم عليه بكفر من رمى إحدى أمهات المؤمنين، بعد نزول الآيات، وتبيّن أنهن طيبات، سواء استباح الرمي أم قصد الطعن برسول الله ﷺ أم لم يستبح ولم يقصد، وأمّا من رمى قبل فالحكم بكفره مطلقاً غير ظاهر.
والظاهر أن يحكم بكفره إن كان مستبيحاً، أو قاصداً الطعن به ﷺ كابن أُبيّ لعنه الله تعالى، فإن ذلك مما يقتضيه إمعانه في عداوة رسول الله ﷺ ولا يحكم بكفره إن لم يكن كذلك كحسّان. ومِسطَح، وحمنة، فإنّ الظاهر أنهم لم يكونوا مستحلين، ولا قاصدين الطعن بسيّد المرسلين، وإنما قالوا ما قالوا تقليداً، فوبخوا على ذلك توبيخاً شديداً ».
أقول : إنّ من استحلّ قذف إحدى المؤمنات كافر، فكيف بمن يستحل قف أمهات المؤمنين الطاهرات وعلى رأسهن الصدّيقة عائشة التي برأها القرآن الكريم، ونزلت براءتها من السماء؟ ولا شك أن الخوض في أمهات المؤمنين بعد نزول القرآن الكريم، تكذيب لله تعالى في إخباره، وطعن لرسول الله وإيذاء له في نسائه وهنّ العفيفات، الطاهرات، الشريفات، فيكون قاذفهن كافراً بلا تردد. والله تعالى يقول :﴿ إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ].
الحكم السادس : هل يجوز لعن الفاسق أو الكافر؟
دلّ قوله تعالى :﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة ﴾ على جواز لعن الفاسق أو الكافر، وقد اتفق الفقهاء على جواز لعن من مات على الكفر كأبي جهل وأبي لهب، وعلى جواز التعميم باللعنة على الكفرة والفسقة والظالمين كقوله : لعنة الله على الظالمين، أو لعنة الله على الفاسقين، أو الكافرين... أما إذا خصّص باللعنة إنساناً معيّناً فلا يجوز حتى ولو كان كافراً، لأن معنى اللعنة : الطرد من رحمة الله. والدعاء عليه بأن يموت على الكفر، ولا يجوز لمسلم أن يتمنى موت غيره على الكفر، لأن الرضى بكفر الكافر كفر، والمسلم يريد الخير للناس، ويتمنى أن يموتوا على الإيمان جميعاً.
ذهب بعض العلماء إلى كفر من قذف إحدى نساء الرسول ( أمهات المؤمنين ) رضوان الله عليهن، وذلك لما ورد من الوعيد الشديد في حق قاذفهن كما قال تعالى :﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ حتى ذهب ابن عباس إلى عدم قبول توبته.
وحجة هؤلاء أن قذف أمهات المؤمنين، طعن في رسول الله ﷺ، وجرح لكرامته ومن استباح الطعن في عرض الرسول فهو كافر مرتد عن الإسلام.
قال العلامة الألوسي رحمه الله :« وظاهر هذه الآية كفر قاذف أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن لأن الله تعالىّ رتّب على رميهن عقوبات مختصة بالكفار والمنافقين، والذي ينبغي أن يعوِّلَ الحكم عليه بكفر من رمى إحدى أمهات المؤمنين، بعد نزول الآيات، وتبيّن أنهن طيبات، سواء استباح الرمي أم قصد الطعن برسول الله ﷺ أم لم يستبح ولم يقصد، وأمّا من رمى قبل فالحكم بكفره مطلقاً غير ظاهر.
والظاهر أن يحكم بكفره إن كان مستبيحاً، أو قاصداً الطعن به ﷺ كابن أُبيّ لعنه الله تعالى، فإن ذلك مما يقتضيه إمعانه في عداوة رسول الله ﷺ ولا يحكم بكفره إن لم يكن كذلك كحسّان. ومِسطَح، وحمنة، فإنّ الظاهر أنهم لم يكونوا مستحلين، ولا قاصدين الطعن بسيّد المرسلين، وإنما قالوا ما قالوا تقليداً، فوبخوا على ذلك توبيخاً شديداً ».
أقول : إنّ من استحلّ قذف إحدى المؤمنات كافر، فكيف بمن يستحل قف أمهات المؤمنين الطاهرات وعلى رأسهن الصدّيقة عائشة التي برأها القرآن الكريم، ونزلت براءتها من السماء؟ ولا شك أن الخوض في أمهات المؤمنين بعد نزول القرآن الكريم، تكذيب لله تعالى في إخباره، وطعن لرسول الله وإيذاء له في نسائه وهنّ العفيفات، الطاهرات، الشريفات، فيكون قاذفهن كافراً بلا تردد. والله تعالى يقول :﴿ إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [ الأحزاب : ٥٧ ].
الحكم السادس : هل يجوز لعن الفاسق أو الكافر؟
دلّ قوله تعالى :﴿ لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة ﴾ على جواز لعن الفاسق أو الكافر، وقد اتفق الفقهاء على جواز لعن من مات على الكفر كأبي جهل وأبي لهب، وعلى جواز التعميم باللعنة على الكفرة والفسقة والظالمين كقوله : لعنة الله على الظالمين، أو لعنة الله على الفاسقين، أو الكافرين... أما إذا خصّص باللعنة إنساناً معيّناً فلا يجوز حتى ولو كان كافراً، لأن معنى اللعنة : الطرد من رحمة الله. والدعاء عليه بأن يموت على الكفر، ولا يجوز لمسلم أن يتمنى موت غيره على الكفر، لأن الرضى بكفر الكافر كفر، والمسلم يريد الخير للناس، ويتمنى أن يموتوا على الإيمان جميعاً.
347
قال الألوسي :« واعلم أنه لا خلاف في جواز لعن كافر معين، تحقّق موته على الكفر، إن لم يتضمن إيذاء مسلم، أما إن تضمّن ذلك حرم، ومن الحرام لعن ( أبي طالب ) على القول بموته كافراً، بل هو من أعظم ما يتضمن ما فيه إيذاء من يحرم إيذاؤه، ثمّ أن لعن من يجوز لعنه لا أرى أنه يعد عبادة إلا إذا تضمّن مصلحةً شرعية، وأما لعن كافر معيّن حي، فالمشهور أنه حرام، ومقتضى كلام حجة الإسلام الغزالي أنه كفر، لما فيه من سؤال تثبيته على الكفر الذي هو سبب اللعنة، وسؤالُ ذلك كفر ».
وقال العلامة ابن حجر :« ينبغي أن يقال : إن أراد بلعنة الدعاء عليه بتشديد الأمر، أو أطلق لم يكفر، وإن أراد سؤال بقائه على الكفر، أو الرضى ببقائه عليه كفر، فتدبر ذلك حق التدبر ».
أقول : وردت نصوص في السنة المطهّرة تدل على جواز لعن الفاسق المعين، أو العاصي المشتهر الذي كثر ضرره، منها ما روي أن النبي ﷺ مرّ بحمارٍ وُسِمَ في وجهه فقال :« لعن الله من فعل هذا ».
ومنها ما صح أنه ﷺ لعن قبائل من العرب بأعيانهم فقال :« اللهم العن رَعْلاً، وذَكوان، وعُصيّة، عصَوا الله تعالى ورسوله ».
ومنها حديث « إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ».
فيجوز لعن من اشتهر بالفسق والمعصية، وخاصة إذا كان ضرره بيناً أو أذاه واضحاً يتعدى إلى الناس، أو كان سيفاً للحجاج مسلطاً بالظلم والطغيان، كزبانية هذا الزمان، الذين يعتدون على عباد الله بدون حق، وقد أصبحنا في زمان لا يأمن فيه الإنسان على نفسه أو ماله وإنا لله وإنّا إليه راجعون، وقد حدّث المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى عن مثل هذا الصنف من الظلمة، وذلك من معجزات النبوة ففي الحديث الصحيح عنه ﷺ :« صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ». الحديث.
فيجوز لعن مثل هؤلاء الظلمة، المستبيحين للحرمات.. والدعاء لهم بالصلاح أفضل من اللّعن ولكن هيهات أن ينفع الدعاء بالصلاح لأمثال ( أبي جهل ) و ( أبي لهب ) !!
وقد قال ( السراج البلقيني ) بجواز لعن العاصي المعيّن، أو الفاسق المستهتر، وذلك ما دلت عليه النصوص النبوية الكريمة والله أعلم.
الحكم السابع : هل يقطع لأمهات المؤمنين بدخول الجنة؟
اتفق العلماء على أن العشرة المبشرين بالجنة، الذين أخبر عنهم الرسول ﷺ في الأحاديث الصحيحة، يقطع لهم بدخول الجنة، لأنّ خبر الرسول حق وهو بوحي من الله تعالى، وقد ألحق بعض العلماء أمهات المؤمنين بالعشرة المبشرين، بأن يقطع لهن بدخول الجنة، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ بناءً على أن الآيات الكريمة نزلت في أزواج النبي ﷺ عامة وفي شأن عائشة خاصة، والرزق الكريم الذي أشارت إليه الآية يراد منه الجنة بدليل قوله تعالى في مكان آخر
وقال العلامة ابن حجر :« ينبغي أن يقال : إن أراد بلعنة الدعاء عليه بتشديد الأمر، أو أطلق لم يكفر، وإن أراد سؤال بقائه على الكفر، أو الرضى ببقائه عليه كفر، فتدبر ذلك حق التدبر ».
أقول : وردت نصوص في السنة المطهّرة تدل على جواز لعن الفاسق المعين، أو العاصي المشتهر الذي كثر ضرره، منها ما روي أن النبي ﷺ مرّ بحمارٍ وُسِمَ في وجهه فقال :« لعن الله من فعل هذا ».
ومنها ما صح أنه ﷺ لعن قبائل من العرب بأعيانهم فقال :« اللهم العن رَعْلاً، وذَكوان، وعُصيّة، عصَوا الله تعالى ورسوله ».
ومنها حديث « إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ».
فيجوز لعن من اشتهر بالفسق والمعصية، وخاصة إذا كان ضرره بيناً أو أذاه واضحاً يتعدى إلى الناس، أو كان سيفاً للحجاج مسلطاً بالظلم والطغيان، كزبانية هذا الزمان، الذين يعتدون على عباد الله بدون حق، وقد أصبحنا في زمان لا يأمن فيه الإنسان على نفسه أو ماله وإنا لله وإنّا إليه راجعون، وقد حدّث المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى عن مثل هذا الصنف من الظلمة، وذلك من معجزات النبوة ففي الحديث الصحيح عنه ﷺ :« صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ». الحديث.
فيجوز لعن مثل هؤلاء الظلمة، المستبيحين للحرمات.. والدعاء لهم بالصلاح أفضل من اللّعن ولكن هيهات أن ينفع الدعاء بالصلاح لأمثال ( أبي جهل ) و ( أبي لهب ) !!
وقد قال ( السراج البلقيني ) بجواز لعن العاصي المعيّن، أو الفاسق المستهتر، وذلك ما دلت عليه النصوص النبوية الكريمة والله أعلم.
الحكم السابع : هل يقطع لأمهات المؤمنين بدخول الجنة؟
اتفق العلماء على أن العشرة المبشرين بالجنة، الذين أخبر عنهم الرسول ﷺ في الأحاديث الصحيحة، يقطع لهم بدخول الجنة، لأنّ خبر الرسول حق وهو بوحي من الله تعالى، وقد ألحق بعض العلماء أمهات المؤمنين بالعشرة المبشرين، بأن يقطع لهن بدخول الجنة، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ بناءً على أن الآيات الكريمة نزلت في أزواج النبي ﷺ عامة وفي شأن عائشة خاصة، والرزق الكريم الذي أشارت إليه الآية يراد منه الجنة بدليل قوله تعالى في مكان آخر
348
﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣١ ] وهو استدلال حسن.
قال الإمام الفخر :« بيّن الله تعالى أن الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، ولا أحد أطيب ولا أطهر من الرسول ﷺ فأزواجه إذن لا يجوز أن يكنّ الاّ طيبات. ثمّ بيّن تعالى أنّ ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ويحتمل أن يكون ذلك خبراً مقطوعاً به. فيعلم بذلك أن أزواج الرسول ﷺ هنّ معه في الجنة، وهذا يدل على أن عائشة رضي الله عنها تصير إلى الجنّة، بخلاف مذهب الرافضة الذين يكفّرونها بسبب حرب يوم الجمل، فإنهم يردّون بذلك نصّ القرآن الكريم ».
وقال العلامة الألوسي :« وممّا يرد زعم الرافضة، القائلين بكفرها وموتها على ذلك وحاشاها لقصة وقعة الجمل، قول عمار بن ياسر في خطبته حين بعثه الأمير كرّم الله وجهه مع الحسن يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة : والله إني لأعلم أنها زوجة نبيّكم ﷺ في الدنيا والآخرة. ولكن الله تعالى ابتلاكم بها ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها »؟ ثم قال :« ومما يقضي منه العجب ما رأيته في كتب بعض الشيعة. من أنها خرجت من أمهات المؤمنين بعد تلك الوقعة. لأن النبي ﷺ قال للأمير كرّم الله وجهه :» قد أذنت لك أن تُخْرج بعد وفاتي من الزوجيّة من شئت من أزواجي «، فأخرجها من ذلك لما صدر منها معه ما صدر. ولعمري إنّ هذا مما يكاد يضحك الثكلى، وفي حسن معاملة الأمير إياها رضي الله تعالى عنها بعد استيلائه على العسكر ما يكذب ذلك. ولو لم يكن في فضلها إلا ما رواه البخاري ومسلم وأحمد عن رسول الله ﷺ أنه قال :» إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام « لكفى ذلك، لكني مع هذا لا أقول بأنها أفضل من بضعته الكريمة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها ».
قصة الإفك
لم تسترح نفوس المنافقين من الكيد للإسلام، على المسلمين، حتى استهدفوا صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فرموه في أقدس شيء وأعزه، في عرضه المصون، وأهله الطاهرة البريئة، السيدة عائشة بن الصدّيق الأكبر رضي الله عنهما، وقد حاولوا بذلك أن يوجهوا ضربة للإسلام في الصميم، في شخص نبيه الكريم، عن طريق الطعن في عرضه واتهام أهله بارتكابها فاحشة الزنى التي هي من أقبح الجرائم وأشنعها على الإطلاق، وكان الذي تولى كقر هذه التهمة النكراء، وأشاع ذلك الإفك المفتري المزعوم.
قال الإمام الفخر :« بيّن الله تعالى أن الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، ولا أحد أطيب ولا أطهر من الرسول ﷺ فأزواجه إذن لا يجوز أن يكنّ الاّ طيبات. ثمّ بيّن تعالى أنّ ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ويحتمل أن يكون ذلك خبراً مقطوعاً به. فيعلم بذلك أن أزواج الرسول ﷺ هنّ معه في الجنة، وهذا يدل على أن عائشة رضي الله عنها تصير إلى الجنّة، بخلاف مذهب الرافضة الذين يكفّرونها بسبب حرب يوم الجمل، فإنهم يردّون بذلك نصّ القرآن الكريم ».
وقال العلامة الألوسي :« وممّا يرد زعم الرافضة، القائلين بكفرها وموتها على ذلك وحاشاها لقصة وقعة الجمل، قول عمار بن ياسر في خطبته حين بعثه الأمير كرّم الله وجهه مع الحسن يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة : والله إني لأعلم أنها زوجة نبيّكم ﷺ في الدنيا والآخرة. ولكن الله تعالى ابتلاكم بها ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها »؟ ثم قال :« ومما يقضي منه العجب ما رأيته في كتب بعض الشيعة. من أنها خرجت من أمهات المؤمنين بعد تلك الوقعة. لأن النبي ﷺ قال للأمير كرّم الله وجهه :» قد أذنت لك أن تُخْرج بعد وفاتي من الزوجيّة من شئت من أزواجي «، فأخرجها من ذلك لما صدر منها معه ما صدر. ولعمري إنّ هذا مما يكاد يضحك الثكلى، وفي حسن معاملة الأمير إياها رضي الله تعالى عنها بعد استيلائه على العسكر ما يكذب ذلك. ولو لم يكن في فضلها إلا ما رواه البخاري ومسلم وأحمد عن رسول الله ﷺ أنه قال :» إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام « لكفى ذلك، لكني مع هذا لا أقول بأنها أفضل من بضعته الكريمة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها ».
قصة الإفك
لم تسترح نفوس المنافقين من الكيد للإسلام، على المسلمين، حتى استهدفوا صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فرموه في أقدس شيء وأعزه، في عرضه المصون، وأهله الطاهرة البريئة، السيدة عائشة بن الصدّيق الأكبر رضي الله عنهما، وقد حاولوا بذلك أن يوجهوا ضربة للإسلام في الصميم، في شخص نبيه الكريم، عن طريق الطعن في عرضه واتهام أهله بارتكابها فاحشة الزنى التي هي من أقبح الجرائم وأشنعها على الإطلاق، وكان الذي تولى كقر هذه التهمة النكراء، وأشاع ذلك الإفك المفتري المزعوم.
349
رأس المنافقين ( عبد الله بن أُبيّ بن سلول ) لعنه الله، الذي ما فتئ يكيد للإسلام ولرسوله الكريم حتى أهلكه الله تعالى، وخلّص المسلمين من شره وبلائه.
وقد أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذا المنافق قرآناً يُتلى، وآيات تسطّر، ليكون ذلك درساً وعبرة للأمة، لتعرف فيه خطر ( النفاق والمنافقين ) وضررهم على الأمة الإسلامية، فيأخذوا الحيطة والحذر. والقرآن الكريم يكشف لنا عن شناعة الجرم وبشاعته، وهو يتناول بيت النبوّة الطاهر، وعرض رسول الله ﷺ أكرم إنسان على الله، وعرض صديقه الأول ( أبي بكر ) رضي الله عنه أكرم إنسان على رسول الله ﷺ وعرض رجل من خيرة الصحابة ( صفوان بن المعطل ) رضي الله عنه، يشهد له رسول الله ﷺ بأنه لم يعرف عليه إلا خيراً... ذلك هو حديث الإفك الذي نزل فيه عشر آيات في كتاب الله تعالى، تبتدئ من قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم والذي تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ النور : ١١ ] وتنتهي بالبراءة التامة لبيت النبوة في قوله تعالى :﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون للخبيثات والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون للطيبات أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
هذا الحادث - حادث الإفك - قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق. وكلّف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وزرع في بعض النفوس الشك والريبة والقلق، وعلّق قلب رسول الله ﷺ وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق، وقلب صفوان بن المعطل شهراً كاملاً. وجعلها في حالة من الألم الذي لا يطاق، حتى نزل القرآن ببراءة زوج الرسول، الطاهرة العفيفة الشريفة، وببراءة ذلك المؤمن المجاهد المناضل ( صفوان ) وإدانة أهل النفاق، وحزب الضلال وعلى رأسهم ( عبد الله بن أبي بن سلول ) بالتآمر على بيت النبوة، وترويج الدعايات المغرضة ضد صاحب الرسالة عليه السلام، واختلاق الإفك والبهتان ضد المحصنات الغافلات المؤمنات، في تلك الحادثة المفجعة الأليمة.
ومن المؤسف أن يغترّ بهذه التهمة النكراء بعض المسلمين، وأن يتناقلها السذّج البسطاء منهم، وهم في غفلة عن مكائد المنافقين، ومؤامراتهم ومخططاتهم، الي يستهدفون بها الإسلام. وأن تروج أمثال هذه الفرية المكذوبة، فيقع في حبائل هذا الإفك والبهتان، أناس مؤمنون مشهورون بالتقى والصلاح. كأمثال ( مسطح بن أثاثة ) و ( حسّان بن ثابت ) و ( حمنة بنت جحش ) أخت السيدة زينب زوج الرسول الكريم، فلنترك المجال لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، تروي لنا قصة هذا الألم، وتكشف عن سرّ هذه الآيات الكريمة التي نزلت بشأنها، وما افتراه عليها أهل الإفك والبهتان.
وقد أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذا المنافق قرآناً يُتلى، وآيات تسطّر، ليكون ذلك درساً وعبرة للأمة، لتعرف فيه خطر ( النفاق والمنافقين ) وضررهم على الأمة الإسلامية، فيأخذوا الحيطة والحذر. والقرآن الكريم يكشف لنا عن شناعة الجرم وبشاعته، وهو يتناول بيت النبوّة الطاهر، وعرض رسول الله ﷺ أكرم إنسان على الله، وعرض صديقه الأول ( أبي بكر ) رضي الله عنه أكرم إنسان على رسول الله ﷺ وعرض رجل من خيرة الصحابة ( صفوان بن المعطل ) رضي الله عنه، يشهد له رسول الله ﷺ بأنه لم يعرف عليه إلا خيراً... ذلك هو حديث الإفك الذي نزل فيه عشر آيات في كتاب الله تعالى، تبتدئ من قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم والذي تولى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ النور : ١١ ] وتنتهي بالبراءة التامة لبيت النبوة في قوله تعالى :﴿ الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون للخبيثات والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون للطيبات أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
هذا الحادث - حادث الإفك - قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق. وكلّف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وزرع في بعض النفوس الشك والريبة والقلق، وعلّق قلب رسول الله ﷺ وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق، وقلب صفوان بن المعطل شهراً كاملاً. وجعلها في حالة من الألم الذي لا يطاق، حتى نزل القرآن ببراءة زوج الرسول، الطاهرة العفيفة الشريفة، وببراءة ذلك المؤمن المجاهد المناضل ( صفوان ) وإدانة أهل النفاق، وحزب الضلال وعلى رأسهم ( عبد الله بن أبي بن سلول ) بالتآمر على بيت النبوة، وترويج الدعايات المغرضة ضد صاحب الرسالة عليه السلام، واختلاق الإفك والبهتان ضد المحصنات الغافلات المؤمنات، في تلك الحادثة المفجعة الأليمة.
ومن المؤسف أن يغترّ بهذه التهمة النكراء بعض المسلمين، وأن يتناقلها السذّج البسطاء منهم، وهم في غفلة عن مكائد المنافقين، ومؤامراتهم ومخططاتهم، الي يستهدفون بها الإسلام. وأن تروج أمثال هذه الفرية المكذوبة، فيقع في حبائل هذا الإفك والبهتان، أناس مؤمنون مشهورون بالتقى والصلاح. كأمثال ( مسطح بن أثاثة ) و ( حسّان بن ثابت ) و ( حمنة بنت جحش ) أخت السيدة زينب زوج الرسول الكريم، فلنترك المجال لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، تروي لنا قصة هذا الألم، وتكشف عن سرّ هذه الآيات الكريمة التي نزلت بشأنها، وما افتراه عليها أهل الإفك والبهتان.
350
قصة الإفك كما في « الصحيحين »
روى الإمام البخاري ومسلم في « صحيحيهما » عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :« كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه. وإنه أقرع بيننا في غزاة فخرج سهمي. فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب، وأنا أحمل في هودج وأُنْزَل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله ﷺ من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظِفَار قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري وهم يحسبون أني فيه. وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم. وإنما نأكل العُلْقَة من الطعام. فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج، فحملوه وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش. فجئت منزلهم وليس فيه أحد منهم. فتيممت منزلي وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليّ.
فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان ( صفوان بن المعطل السُّلَمي ) ثم الذكواني قد عرّس وراء الجيش فادّلج فأصبح عندي منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني - وكان يراني قبل الحجاب - فاستيقطت باسترجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا مُعَرِّسين، قالت : فهلك في شأني من هلك، وكان الذي تولى كبر الإثم ( عبد الله بن أبيّ بن سلول ) فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر.
وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبي ﷺ اللطف الذي كنت منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلّم ثم يقول : كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني منه، ولا أشعر بالشر حتى نقهت.
فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل. وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فأقبلت أنا وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق - وابنها ( مسطح بن أثاثة ) حتى فرغنا من شأننا نمشي، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟
فقالت يا هنتاه : ألم تسمعي ما قال؟ فقلت : وما قال؟ فأخبرني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل رسول الله ﷺ فقال : كيف تيكم؟ فقلت : ائذن لي أن آتي أبوي - وأنا حينئذٍ أريد أن استيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي، فأتيت أبويّ فقلت لأمي : يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت يا بنيّة : هوّني على نفسك الشأن، فوالله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة، عند رجل يحبها ولها ضرائر إلاّ أكثرن عليها، فقلت : سبحان الله ولقد تحدّث الناس بهذا؟
قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرفأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي.
روى الإمام البخاري ومسلم في « صحيحيهما » عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :« كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه. وإنه أقرع بيننا في غزاة فخرج سهمي. فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب، وأنا أحمل في هودج وأُنْزَل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله ﷺ من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظِفَار قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري وهم يحسبون أني فيه. وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم. وإنما نأكل العُلْقَة من الطعام. فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج، فحملوه وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش. فجئت منزلهم وليس فيه أحد منهم. فتيممت منزلي وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليّ.
فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان ( صفوان بن المعطل السُّلَمي ) ثم الذكواني قد عرّس وراء الجيش فادّلج فأصبح عندي منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني - وكان يراني قبل الحجاب - فاستيقطت باسترجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا مُعَرِّسين، قالت : فهلك في شأني من هلك، وكان الذي تولى كبر الإثم ( عبد الله بن أبيّ بن سلول ) فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر.
وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبي ﷺ اللطف الذي كنت منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلّم ثم يقول : كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يريبني منه، ولا أشعر بالشر حتى نقهت.
فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل. وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فأقبلت أنا وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق - وابنها ( مسطح بن أثاثة ) حتى فرغنا من شأننا نمشي، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟
فقالت يا هنتاه : ألم تسمعي ما قال؟ فقلت : وما قال؟ فأخبرني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل رسول الله ﷺ فقال : كيف تيكم؟ فقلت : ائذن لي أن آتي أبوي - وأنا حينئذٍ أريد أن استيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي، فأتيت أبويّ فقلت لأمي : يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت يا بنيّة : هوّني على نفسك الشأن، فوالله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة، عند رجل يحبها ولها ضرائر إلاّ أكثرن عليها، فقلت : سبحان الله ولقد تحدّث الناس بهذا؟
قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرفأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي.
351
. فدعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين استلبث الوحي يستبشرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم من الودّ لهم، فقال أسامة : هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً.
وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله : لم يضيّق الله عليك، والنساءُ سواها كثير، وسل الجارية تخبرك، قالت : فدعا رسول الله ﷺ بريرة فقال لها : أي بريرة : هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟ فقالت : لا والذي بعثك بالحق نبياً، إن رأيت منها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت : فقام رسول الله ﷺ من يومه واستعذر من ( عبد الله بن أبي بن سلول ) فقال وهو على المنبر : من يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً... ولقد ذكروا لي رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
قالت : فقام ( سعد بن معاذ ) فقال يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك!
فقام ( سعد بن عبادة ) وهو سيّد الخزرج - وكان رجلاً صالحاً ولكن أخذته الحميّة - فقال لسعد بن معاذ : كذبتَ لعمرُ الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك.
فقام ( أُسَيْد بن خُضَيْر ) وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل في المنافقين.
فثال الحيّان ( الأوس ) و ( الخزرج ) حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله ﷺ على المنبر، فلم يزل يخفّضهم حتى سكتوا ونزل.
وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها.
وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله : لم يضيّق الله عليك، والنساءُ سواها كثير، وسل الجارية تخبرك، قالت : فدعا رسول الله ﷺ بريرة فقال لها : أي بريرة : هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟ فقالت : لا والذي بعثك بالحق نبياً، إن رأيت منها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت : فقام رسول الله ﷺ من يومه واستعذر من ( عبد الله بن أبي بن سلول ) فقال وهو على المنبر : من يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً... ولقد ذكروا لي رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
قالت : فقام ( سعد بن معاذ ) فقال يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك!
فقام ( سعد بن عبادة ) وهو سيّد الخزرج - وكان رجلاً صالحاً ولكن أخذته الحميّة - فقال لسعد بن معاذ : كذبتَ لعمرُ الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك.
فقام ( أُسَيْد بن خُضَيْر ) وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل في المنافقين.
فثال الحيّان ( الأوس ) و ( الخزرج ) حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله ﷺ على المنبر، فلم يزل يخفّضهم حتى سكتوا ونزل.
وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها.
352
فجلست تبكي معي.
فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله ﷺ، ثم جلس - ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء - فتشهّد حين جلس ثم قال :« أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ».
فلما قضى رسول الله ﷺ مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه بقطرة، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله ﷺ فيما قال!! قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله ﷺ فيما قال!! قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت : إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثاً تحدّث الناس به، واستقرَّ في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم : إني بريئة لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ، واللَّهُ يعلم أني منه بريئة لتصدقُنَّني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلاّ أبا يوسف إذ قال ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾ [ يوسف : ١٨ ].
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله تعالى في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله تعالى فيّ كلاماً يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله ﷺ في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها.
فوالله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من البيت، حتى أنزل الله تعالى على نبيه ﷺ فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، فسرّي عنه وهو يضحك... فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي :« يا عائشة احمدي الله تعالى فإنه قد برأك ».
فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله ﷺ فاحمديه - فقلت : والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلا الله تعالى، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ... ﴾ [ النور : ١١ ] الآيات العشر.
فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعدما قال لعائشة فأنزل الله تعالى :{ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة.
فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله ﷺ، ثم جلس - ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء - فتشهّد حين جلس ثم قال :« أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ».
فلما قضى رسول الله ﷺ مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه بقطرة، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله ﷺ فيما قال!! قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله ﷺ فيما قال!! قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت : إني والله أعلم أنكم سمعتم حديثاً تحدّث الناس به، واستقرَّ في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم : إني بريئة لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ، واللَّهُ يعلم أني منه بريئة لتصدقُنَّني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلاّ أبا يوسف إذ قال ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾ [ يوسف : ١٨ ].
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله تعالى في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله تعالى فيّ كلاماً يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله ﷺ في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها.
فوالله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من البيت، حتى أنزل الله تعالى على نبيه ﷺ فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، فسرّي عنه وهو يضحك... فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي :« يا عائشة احمدي الله تعالى فإنه قد برأك ».
فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله ﷺ فاحمديه - فقلت : والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلا الله تعالى، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ... ﴾ [ النور : ١١ ] الآيات العشر.
فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعدما قال لعائشة فأنزل الله تعالى :{ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة.
353
.. } إلى قوله :﴿ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ فقال أبو بكر رضي الله عنه : بل والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجَّع إلى مسطح النفقة التي كان يجري عليه، وقال : والله لا أنزعها منه أبداً.
قالت عائشة : وكان رسول الله ﷺ سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال :« يا زينب ما علمت وما رأيت » «؟ فقالت يا رسول الله : أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي ﷺ فعصمها الله تعالى بالورع. قالت : فطفقت أختها ( حمنة ) تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك ».
قال ابن شهاب : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.
« رواه البخاري ومسلم »
وهكذا يظهر لنا خطر النفاق والمنافقين، وتآمرهم على الإسلام، وكيدهم لصاحب الرسالة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، حيث استهدفوا عرضه وكرامته، وأرادوا أن يلوّثوا سمعته الطاهرة، بالطعن في عفاف زوجه الصدّيقة عائشة رضي الله عنها... ولكنّ الله جلّ ثناؤه كشف خبثهم وتآمرهم، وبرّأ أم المؤمنين من ذلك البهتان العظيم، وجعل ذلك درساً للأجيال وعبرة لأولي البصائر، وعنوان مجد وفخار لزوجاته الطاهرات، ودليل طهر ونزاهة لبيت النبوة الكريم ﴿ أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- وصفُ المرء بالتقى والصلاح جائز إذا لم يدع ذلك إلى العُجب والخيلاء.
٢- إذا حلف الإنسان على ترك فعل الخير فليكفّر عن يمينه وليفعل الخير.
٣- الصفح والعفو عمن أساء من مظاهر الكمال ودلائل الإيمان.
٤- قذف العفائف المحصنات من الكبائر التي توجب سخط الله وغضبه.
٥- الجوارح والحواس تشهد على الإنسان يوم القيامة بما عمل في الدنيا.
٦- الجزاء العادل يلقاه المرء يوم القيامة على ما اقترف من سيِّئ الأعمال.
٧- اتهام زوجات الرسول الطاهرات إيذاء لرسول الله ﷺ وعدوان على الدين نفسه.
٨- براءة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها أهل الإفك والبهتان.
٩- بيت النبوة بيت الطهر والعفة فلا يتصور أن تخرج منه رائحة الخنا أو الفجور.
١٠- السُنّة الإلهية قضت بالامتزاج الروحي فالنساء الخبيثات للرجال الخبيثين والعكس بالعكس.
قالت عائشة : وكان رسول الله ﷺ سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال :« يا زينب ما علمت وما رأيت » «؟ فقالت يا رسول الله : أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي ﷺ فعصمها الله تعالى بالورع. قالت : فطفقت أختها ( حمنة ) تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك ».
قال ابن شهاب : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.
« رواه البخاري ومسلم »
وهكذا يظهر لنا خطر النفاق والمنافقين، وتآمرهم على الإسلام، وكيدهم لصاحب الرسالة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، حيث استهدفوا عرضه وكرامته، وأرادوا أن يلوّثوا سمعته الطاهرة، بالطعن في عفاف زوجه الصدّيقة عائشة رضي الله عنها... ولكنّ الله جلّ ثناؤه كشف خبثهم وتآمرهم، وبرّأ أم المؤمنين من ذلك البهتان العظيم، وجعل ذلك درساً للأجيال وعبرة لأولي البصائر، وعنوان مجد وفخار لزوجاته الطاهرات، ودليل طهر ونزاهة لبيت النبوة الكريم ﴿ أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١- وصفُ المرء بالتقى والصلاح جائز إذا لم يدع ذلك إلى العُجب والخيلاء.
٢- إذا حلف الإنسان على ترك فعل الخير فليكفّر عن يمينه وليفعل الخير.
٣- الصفح والعفو عمن أساء من مظاهر الكمال ودلائل الإيمان.
٤- قذف العفائف المحصنات من الكبائر التي توجب سخط الله وغضبه.
٥- الجوارح والحواس تشهد على الإنسان يوم القيامة بما عمل في الدنيا.
٦- الجزاء العادل يلقاه المرء يوم القيامة على ما اقترف من سيِّئ الأعمال.
٧- اتهام زوجات الرسول الطاهرات إيذاء لرسول الله ﷺ وعدوان على الدين نفسه.
٨- براءة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها أهل الإفك والبهتان.
٩- بيت النبوة بيت الطهر والعفة فلا يتصور أن تخرج منه رائحة الخنا أو الفجور.
١٠- السُنّة الإلهية قضت بالامتزاج الروحي فالنساء الخبيثات للرجال الخبيثين والعكس بالعكس.
354
[ ٥ ] آداب الاستئذان والزيارة
التحليل اللفظي
﴿ تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ : أي تستأذنوا، قال الزجاج :( تستأنسوا ) في اللغة بمعنى تستأذنوا وكذلك هو في التفسير كما نقل عن ابن عباس.
وأصل الاستئناس : طلب الأنس بالشيء وهو سكون النفس، واطمئنان القلب وزوال الوحشة قال الشاعر :
وقال بعضهم : الاستئناس هو الاستعلام من آنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً. ومنه قوله تعالى :﴿ إني آنَسْتُ نَاراً ﴾ [ طه : ١٠ ] أي أبصرت ناراً. ومعنى الآية : حتى تستعلموا أيريد أهلها أن تدخلوا أم لا؟
قال الزمخشري : هو من ( الاستئناس ) ضد الاستيحاش. لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش فإذا أذن له يستأنس.
قال الطبري : والصواب عندي أن ( الاستئناس ) استفعال من الأنس وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم، ويؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنس إلى إذنهم ويأنسوا إلى استئذانه.
﴿ على أَهْلِهَا ﴾ : المراد بالأهل السكان الذين يقيمون في الدار سواء كانت سكناهم بالملك، أو بالإجارة، وبالإعارة، وقد دل على هذا معنى قوله تعالى :﴿ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ قال الألوسي : والمراد اختصاص السكنى أي غير بيوتكم التي تسكنونها. لأنه كون الآجر والمعير منهيين كغيرهما عن الدخول بغير إذن دليل على عدم إرادة الاختصاص الملكي فلا حاجة إلى القول بأن ذلك خارج مخرج العادة.
﴿ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ : الإشارة راجعة إلى الاستئذان والتسليم أي دخولكم مع الاستئذان والسلام خير لكم من الهجوم بغير إذن ومن الدخول على الناس بغتة.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ : أي كي تتعظوا وتتذكروا وتعملوا بموجب تلك الآداب الرفيعة وهي مضارع حذف منه إحدى التاءين.
﴿ أزكى لَكُمْ ﴾ : أي أطهر وأكرم لنفوسكم وهو خير لكم من اللجاج والعناد والوقوف على الأبواب فالرجوع في مثل هذه الحال أشرف وأطهر للإنسان العاقل.
﴿ جُنَاحٌ ﴾ : أي إثم وحرج قال تعالى :﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ [ الأحزاب : ٥ ].
﴿ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ : المراد البيوت العامرة التي تقصد لمنافع عامة غير السكنى كالحمامات والحوانيت والبيوت التي لا تخص بسكنى أحد كالرباطات والفنادق والخانات فهذه وأمثالها لا حرج في دخولها بغير إذن.
﴿ متاع لَّكُمْ ﴾ : المتاع في اللغة يطلق على ( المنفعة ) أي فيها منفعة لكم كالاستظلال من الحر وحفظ الرحال والسّلع والاستحمام وغيره. ويطلق ويراد منه ( الغرض والحاجة ) أي فيها لكم غرض من الأغراض، أو حاجة من الحاجات.
المعنى الإجمالي
يؤدب المولى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالآداب الجليلة، ويدعوهم إلى التخلق بكل أدب رفيع فيامرهم بالاستئذان عند إرادة الدخول إلى بيوت الناس، وبالتلطف عند طلب الاستئذان، وبالسلام على أهل المنزل لأن ذلك مما يدعو إلى المحبة والوئام، وينهاهم عن الدخول بغير إذن لئلا تقع أعينهم على ما يسوءهم فيطلعوا على عورات الناس أو تقع على مكروه لا يحبه أهل المنزل، فإن في الاستئذان والسلام ما يدفع خطر الريبة أو القصد السيِّئ ويجعل الزائر محترماً مكرماً مستأنساً به.
التحليل اللفظي
﴿ تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ : أي تستأذنوا، قال الزجاج :( تستأنسوا ) في اللغة بمعنى تستأذنوا وكذلك هو في التفسير كما نقل عن ابن عباس.
وأصل الاستئناس : طلب الأنس بالشيء وهو سكون النفس، واطمئنان القلب وزوال الوحشة قال الشاعر :
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى | وصوّت إنسان فكدت أطير |
قال الزمخشري : هو من ( الاستئناس ) ضد الاستيحاش. لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش فإذا أذن له يستأنس.
قال الطبري : والصواب عندي أن ( الاستئناس ) استفعال من الأنس وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم، ويؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنس إلى إذنهم ويأنسوا إلى استئذانه.
﴿ على أَهْلِهَا ﴾ : المراد بالأهل السكان الذين يقيمون في الدار سواء كانت سكناهم بالملك، أو بالإجارة، وبالإعارة، وقد دل على هذا معنى قوله تعالى :﴿ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ قال الألوسي : والمراد اختصاص السكنى أي غير بيوتكم التي تسكنونها. لأنه كون الآجر والمعير منهيين كغيرهما عن الدخول بغير إذن دليل على عدم إرادة الاختصاص الملكي فلا حاجة إلى القول بأن ذلك خارج مخرج العادة.
﴿ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ : الإشارة راجعة إلى الاستئذان والتسليم أي دخولكم مع الاستئذان والسلام خير لكم من الهجوم بغير إذن ومن الدخول على الناس بغتة.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ : أي كي تتعظوا وتتذكروا وتعملوا بموجب تلك الآداب الرفيعة وهي مضارع حذف منه إحدى التاءين.
﴿ أزكى لَكُمْ ﴾ : أي أطهر وأكرم لنفوسكم وهو خير لكم من اللجاج والعناد والوقوف على الأبواب فالرجوع في مثل هذه الحال أشرف وأطهر للإنسان العاقل.
﴿ جُنَاحٌ ﴾ : أي إثم وحرج قال تعالى :﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ [ الأحزاب : ٥ ].
﴿ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ : المراد البيوت العامرة التي تقصد لمنافع عامة غير السكنى كالحمامات والحوانيت والبيوت التي لا تخص بسكنى أحد كالرباطات والفنادق والخانات فهذه وأمثالها لا حرج في دخولها بغير إذن.
﴿ متاع لَّكُمْ ﴾ : المتاع في اللغة يطلق على ( المنفعة ) أي فيها منفعة لكم كالاستظلال من الحر وحفظ الرحال والسّلع والاستحمام وغيره. ويطلق ويراد منه ( الغرض والحاجة ) أي فيها لكم غرض من الأغراض، أو حاجة من الحاجات.
المعنى الإجمالي
يؤدب المولى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالآداب الجليلة، ويدعوهم إلى التخلق بكل أدب رفيع فيامرهم بالاستئذان عند إرادة الدخول إلى بيوت الناس، وبالتلطف عند طلب الاستئذان، وبالسلام على أهل المنزل لأن ذلك مما يدعو إلى المحبة والوئام، وينهاهم عن الدخول بغير إذن لئلا تقع أعينهم على ما يسوءهم فيطلعوا على عورات الناس أو تقع على مكروه لا يحبه أهل المنزل، فإن في الاستئذان والسلام ما يدفع خطر الريبة أو القصد السيِّئ ويجعل الزائر محترماً مكرماً مستأنساً به.
355
وإذا لم يؤذن له فعليه بالرجوع فذلك خير له من الوقوف على الأبواب أو الإثقال على أهل المنزل فقد يكون أهل البيت في شغل شاغل عن استقبال أحد من الزائرين.
وإذا لم يكن في البيوت أحد فلا يجوز الدخول أو الاقتحام لأن البيوت حرمة، ولا يحل دخولها إلا بإذن أربابها، وربما كان أهل البيت لا يرغبون أن يطلع أحد على ما عندهم في المنزل من مال أو متاع وربما أدى الدخول إلى فقدان شيء أو ضياعة ووقعت التهمة على ذلك الإنسان.
أما البيوت التي ليس بها ساكن، أو التي فيها للإنسان منفعة أو مصلحة فلا مانع من دخولها بغير إذن. ذلك هو أدب الإسلام وتربيته الحميدة الرشيدة التي أدّب بها المؤمنين.
وجه الارتباط بين الآيات الكريمة
الآيات التي تقدمت في صدر السورة كانت في بيان ( حكم الزنى ) وبيان ضرره وخطره. وبيان أنه قبيح ومحرم وأنَّ مرتكبه يستحق العذاب والنكال.
ولما كان الزنى طريقُه النظر، والخلوة، والاطلاع على العورات... وكان دخول الناس في بيوت غير بيوتهم مَظِنَّة حصول ذلك كله، أرشد الله تعالى عباده إلى الطريقة الحكيمة التي يجب أن يتبعوها إذا أرادوا دخول هذه البيوت، حتى لا يقعوا في ذلك الشر الوبيل، والخطر الجسيم، الذي يقضي على أواصر المجتمع، ويدمر الأسر، ويشيع الفحشاء بين الناس.
وقد تحدثت الآيات السابقة عن ( حادثة الإفك ) التي اتهمت فيها أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها تلك المرأة العفيفة الطاهرة التي برّأها القرآن مما نسبها إليه أهل النفاق والبهتان، ولم يكن لأصحاب الإفك متكأ في رميها إلا أنها بقيت مع صفوان فيما يشبه الخلوة، لذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن دخول البيوت بغير إذن حتى لا يؤدي ذلك إلى القدح في أعراض البرآء الأطهار، ويكون المجتمع في منجاة عن ذلك الشر الخطير.
سبب النزول
أ- روي في سبب نزول هذه الآية أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله : إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد ولا والد ولا ولد فيأتيني آت فيدخل علي فكيف أصنع؟ فنزلت الآية الكريمة ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ... ﴾ الآية.
ب- وروى ابن حاتم عن ( مقاتل ) أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ... ﴾ إلخ قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله : فكيف بتجار قريش الذين يختلفون من مكة، والمدينة، والشام، وبيت المقدس ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلِّمون وليس فيها سكان؟ فرخص سبحانه في ذلك فأنزل قوله تعالى :{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ.
وإذا لم يكن في البيوت أحد فلا يجوز الدخول أو الاقتحام لأن البيوت حرمة، ولا يحل دخولها إلا بإذن أربابها، وربما كان أهل البيت لا يرغبون أن يطلع أحد على ما عندهم في المنزل من مال أو متاع وربما أدى الدخول إلى فقدان شيء أو ضياعة ووقعت التهمة على ذلك الإنسان.
أما البيوت التي ليس بها ساكن، أو التي فيها للإنسان منفعة أو مصلحة فلا مانع من دخولها بغير إذن. ذلك هو أدب الإسلام وتربيته الحميدة الرشيدة التي أدّب بها المؤمنين.
وجه الارتباط بين الآيات الكريمة
الآيات التي تقدمت في صدر السورة كانت في بيان ( حكم الزنى ) وبيان ضرره وخطره. وبيان أنه قبيح ومحرم وأنَّ مرتكبه يستحق العذاب والنكال.
ولما كان الزنى طريقُه النظر، والخلوة، والاطلاع على العورات... وكان دخول الناس في بيوت غير بيوتهم مَظِنَّة حصول ذلك كله، أرشد الله تعالى عباده إلى الطريقة الحكيمة التي يجب أن يتبعوها إذا أرادوا دخول هذه البيوت، حتى لا يقعوا في ذلك الشر الوبيل، والخطر الجسيم، الذي يقضي على أواصر المجتمع، ويدمر الأسر، ويشيع الفحشاء بين الناس.
وقد تحدثت الآيات السابقة عن ( حادثة الإفك ) التي اتهمت فيها أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها تلك المرأة العفيفة الطاهرة التي برّأها القرآن مما نسبها إليه أهل النفاق والبهتان، ولم يكن لأصحاب الإفك متكأ في رميها إلا أنها بقيت مع صفوان فيما يشبه الخلوة، لذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن دخول البيوت بغير إذن حتى لا يؤدي ذلك إلى القدح في أعراض البرآء الأطهار، ويكون المجتمع في منجاة عن ذلك الشر الخطير.
سبب النزول
أ- روي في سبب نزول هذه الآية أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله : إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد ولا والد ولا ولد فيأتيني آت فيدخل علي فكيف أصنع؟ فنزلت الآية الكريمة ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ... ﴾ الآية.
ب- وروى ابن حاتم عن ( مقاتل ) أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ... ﴾ إلخ قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله : فكيف بتجار قريش الذين يختلفون من مكة، والمدينة، والشام، وبيت المقدس ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلِّمون وليس فيها سكان؟ فرخص سبحانه في ذلك فأنزل قوله تعالى :{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ.
356
.. } الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : تصدير الخطاب بلفظ ( الإيمان ) مشعر بعلو مكانة المؤمن عند الله فالمؤمن أهل للتكليف والخطاب، والكافر كالدابة والحيوان ليس بأهل للتكريم أو الخطاب وصدق الله ﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] وهذا هو السر في نداء المؤمنين بقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ ﴾.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ خارج مخرج العادة إذْ الأصل في الأصل أن يسكن في بيته الذي هو ملكه، والتنكير في قوله ﴿ بُيُوتاً ﴾ يفيد العموم والشمول.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ فيه معنى دقيق، فليس المراد من اللفظ مجرد الإذن وإنما المراد معرفة أنس أهل البيت بدخول الزائر عليهم هل هم راضون بدخوله أم لا؟
قال العلامة المودودي :( وقد يخطئ الناس إذ يجعلون كلمة ( الاستئناس ) بمعنى الاستئذا فقط مع أن الكلمتين بينهما فرق لطيف لا ينبغي أن ينصرف عنه النظر، فكلمة ( الاستئناس ) أعم وأشمل من كلمة ( الاستئذان ) كما لا يخفى بأدنى تأمل والمعنى : حتى تعرفوا أنس أهل البيت بدخولكم عليهم ).
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ هذا تعبير دقيق يشير إلى معنى أدق، فربما كان في البيت صاحبه ولم يردّ على الزائر، أو لم يأذن له فيصدق على المستأذن أنه لم يجد أحداً، ولو قال ( فإن لم يكن فيها أحد ) لما كان هذا المنزع اللطيف، والسر الدقيق، والحاصل أن الآية تنهى عن الدخول في حالتين :
أ- في حالة الاعتذار الضمني ﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ وهي إشارة إلى عدم الإذن.
ب- في حالة الاعتذار الصريح ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا ﴾ وهي تصريح بعدم الإذن صريح.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى ﴿ فارجعوا ﴾ قال العلامة ابن كثير : قال بعض المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها... أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي : إرجعْ، فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى :﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ ﴾.
اللطيفة السادسة : قال الزمخشري : فإذا نُهي الزائر عن الإلحاح لأنه يؤدي إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ فيه وعيد شديد لأهل الريبة والنوايا الخبيثة الذين لا يقصدون إلا التطلع على عورات الناس أو غيرها من الأغراض السيئة.
حكمة التشريع
يقول شهيد الإسلام سيد قطب تغمده الله برحمته في تفسيره « ظلال القرآن » ما نصه :
( لقد جعل الله البيوت سكنا، يفيء إليها الناس فتسْكن أرواحهم، وتطمئن نفوسهم، ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم، ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب ).
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : تصدير الخطاب بلفظ ( الإيمان ) مشعر بعلو مكانة المؤمن عند الله فالمؤمن أهل للتكليف والخطاب، والكافر كالدابة والحيوان ليس بأهل للتكريم أو الخطاب وصدق الله ﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] وهذا هو السر في نداء المؤمنين بقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ ﴾.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ خارج مخرج العادة إذْ الأصل في الأصل أن يسكن في بيته الذي هو ملكه، والتنكير في قوله ﴿ بُيُوتاً ﴾ يفيد العموم والشمول.
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ فيه معنى دقيق، فليس المراد من اللفظ مجرد الإذن وإنما المراد معرفة أنس أهل البيت بدخول الزائر عليهم هل هم راضون بدخوله أم لا؟
قال العلامة المودودي :( وقد يخطئ الناس إذ يجعلون كلمة ( الاستئناس ) بمعنى الاستئذا فقط مع أن الكلمتين بينهما فرق لطيف لا ينبغي أن ينصرف عنه النظر، فكلمة ( الاستئناس ) أعم وأشمل من كلمة ( الاستئذان ) كما لا يخفى بأدنى تأمل والمعنى : حتى تعرفوا أنس أهل البيت بدخولكم عليهم ).
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ هذا تعبير دقيق يشير إلى معنى أدق، فربما كان في البيت صاحبه ولم يردّ على الزائر، أو لم يأذن له فيصدق على المستأذن أنه لم يجد أحداً، ولو قال ( فإن لم يكن فيها أحد ) لما كان هذا المنزع اللطيف، والسر الدقيق، والحاصل أن الآية تنهى عن الدخول في حالتين :
أ- في حالة الاعتذار الضمني ﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ وهي إشارة إلى عدم الإذن.
ب- في حالة الاعتذار الصريح ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا ﴾ وهي تصريح بعدم الإذن صريح.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى ﴿ فارجعوا ﴾ قال العلامة ابن كثير : قال بعض المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها... أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي : إرجعْ، فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى :﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ ﴾.
اللطيفة السادسة : قال الزمخشري : فإذا نُهي الزائر عن الإلحاح لأنه يؤدي إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ فيه وعيد شديد لأهل الريبة والنوايا الخبيثة الذين لا يقصدون إلا التطلع على عورات الناس أو غيرها من الأغراض السيئة.
حكمة التشريع
يقول شهيد الإسلام سيد قطب تغمده الله برحمته في تفسيره « ظلال القرآن » ما نصه :
( لقد جعل الله البيوت سكنا، يفيء إليها الناس فتسْكن أرواحهم، وتطمئن نفوسهم، ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم، ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب ).
357
والبيوتُ لا تكون كذلك إلا حين تكون حَرَماً آمناً لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس، ذلك إلى أن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان يجعل أعينهم تقع على عورات، وتلتقي بمفاتن تثير الشهوات، وتهيئ الفرصة للغواية الناشئة من اللقاءات العابرة، والنظرات الطائرة، التي قد تتكرر فتتحول إلى نظرات قاصدة، تحركها الميول التي أيقطتها اللقاءات الأولى على غير قصد ولا انتظار، وتحولها إلى علاقات آثمة، أو إلى شهوات محرمة، تنشأ عنها العقد النفسية والانحرافات.
ولقد كانوا في الجاهلية يهجمون هجوماً فيدخل الزائر البيت وكان يقع أن يكون صاحب الدار مع أهله في الحالة التي لا يجوز أن يراهما عليها أحد، وكان يقع أن تكون المرأة عارية أو مكشوفة العورة هي أو الرجل، وكان ذلك يؤذي ويجرح، ويَحرِم البيوت أمنَها وسكينتها، كما يعرّض النفوس من هنا وهناك للفتنة حين تقع العين على ما تثيره.
من أجل هذا أو ذاك أدَّب الله المسلمين بهذا الأدب العالي « أدب الاستئذان » على البيوت والسلام على أهلها لإيناسهم وإزالة الوحشة من نفوسهم - قبل الدخول - وعبر عن الاستئذان ب ( الاستئناس ) وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق فتحدث في نفوس أهل البيت أنساً به. واستعداداً لاستقباله، وهي لفتة دقيقة لطيفة لرعاية أحوال النفوس ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل السلام قبل الاستئذان أم بعده؟
ظاهر الآية الكريمة يدل على تقديم الاستئذان على السلام، وبهذا الظاهر قال بعض العلماء، وجمهور الفقهاء على تقديم السلام على الاستئذان حتى قال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان لحديث « السلام قبل الكلام ».
أ- استدل الجمهور بما روي أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي ﷺ وهو في البيت فقال : أألج؟ فقال النبي ﷺ لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : السلام عليكم أأدخل؟
ب- واستدلوا بحديث أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلِّم قال : لا يؤذن له حتى يسلِّم..
ج - واستدلوا بما روي عن ( زيد بن أسلم ) قال : أرسلني أبي إلى ابن عمر رضي الله عنهما فجئت فقلت : أألج؟ فقال : ادخل فلما دخلت قال مرحباً يا ابن أخي، لا تقل أألج، ولكن قل : السلام عليكم، فإذا قيل : وعليك فقل أأدخل؟ فإذا قالوا : ادخل فادخل.
د- واستدلوا بما روي أن عمر رضي الله عنه استأذن على النبي ﷺ فقال : السلام على رسول الله السلام عليكم، أيدخل عمر؟.
وفصَّل بعض العلماء المسألة فقال : إن كان القادم يرى أحداً من أهل البيت سلّم أولاً ثم استأذن في الدخول، وإن كانت عينه لا ترى أحداً قدذم الاستئذان على السلام، وهذا اختيار ( الماوردي ) وهو قول جيد وفيه جمع بين الأدلة كما نبه عليه ( الألوسي ).
ولقد كانوا في الجاهلية يهجمون هجوماً فيدخل الزائر البيت وكان يقع أن يكون صاحب الدار مع أهله في الحالة التي لا يجوز أن يراهما عليها أحد، وكان يقع أن تكون المرأة عارية أو مكشوفة العورة هي أو الرجل، وكان ذلك يؤذي ويجرح، ويَحرِم البيوت أمنَها وسكينتها، كما يعرّض النفوس من هنا وهناك للفتنة حين تقع العين على ما تثيره.
من أجل هذا أو ذاك أدَّب الله المسلمين بهذا الأدب العالي « أدب الاستئذان » على البيوت والسلام على أهلها لإيناسهم وإزالة الوحشة من نفوسهم - قبل الدخول - وعبر عن الاستئذان ب ( الاستئناس ) وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق فتحدث في نفوس أهل البيت أنساً به. واستعداداً لاستقباله، وهي لفتة دقيقة لطيفة لرعاية أحوال النفوس ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل السلام قبل الاستئذان أم بعده؟
ظاهر الآية الكريمة يدل على تقديم الاستئذان على السلام، وبهذا الظاهر قال بعض العلماء، وجمهور الفقهاء على تقديم السلام على الاستئذان حتى قال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان لحديث « السلام قبل الكلام ».
أ- استدل الجمهور بما روي أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي ﷺ وهو في البيت فقال : أألج؟ فقال النبي ﷺ لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : السلام عليكم أأدخل؟
ب- واستدلوا بحديث أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلِّم قال : لا يؤذن له حتى يسلِّم..
ج - واستدلوا بما روي عن ( زيد بن أسلم ) قال : أرسلني أبي إلى ابن عمر رضي الله عنهما فجئت فقلت : أألج؟ فقال : ادخل فلما دخلت قال مرحباً يا ابن أخي، لا تقل أألج، ولكن قل : السلام عليكم، فإذا قيل : وعليك فقل أأدخل؟ فإذا قالوا : ادخل فادخل.
د- واستدلوا بما روي أن عمر رضي الله عنه استأذن على النبي ﷺ فقال : السلام على رسول الله السلام عليكم، أيدخل عمر؟.
وفصَّل بعض العلماء المسألة فقال : إن كان القادم يرى أحداً من أهل البيت سلّم أولاً ثم استأذن في الدخول، وإن كانت عينه لا ترى أحداً قدذم الاستئذان على السلام، وهذا اختيار ( الماوردي ) وهو قول جيد وفيه جمع بين الأدلة كما نبه عليه ( الألوسي ).
358
ولا يشترط أن يكون الإذن صريحاً بلفظ ( أألج أو أأدخل ) بل يجوز بكل لفظ يشير إلى الاستئذان كالتسبيح، والتكبير، أو التنحنح فقد روى الطبراني عن أبي أيوب أنه قال : قلت يا رسول الله أرأيت قول الله ﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾ هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس؟ قال : يتكلم الرجل بتسبيحة، وتكبيرةٍ، وتحميدةٍ، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت.
أقول : ومثل هذا في عصرنا أن يطرق الباب أو يقرع الجرس فهذا نوع من الاستئذان مشروع لأن الدور في عصر الصحابة لم يكن لها هذه الستور والأبواب فيكفي للقادم أن يقرع الجرس ليدل على طلبه الاستئذان والله أعلم.
الحكم الثاني : كم عدد الاستئذان؟
لم توضح الآية الكريمة عدد الاستئذان، وظاهرها يدل على أن من استأذن مرة فأجيب دخل، وإلاّ رجع. ولكنّ السنة النبوية قد بيَّنت أن الاستئذان يكون ثلاثاً، لما روي عن أبي هريرة مرفوعاً :( الاستئذان ثلاث : بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون ).
ومما يدل على أن الاستئذان يكون ثلاثاً قصة ( أبي موسى الأشعري ) مع عمر بن الخطاب وتفصيل القصة كما رواها البخاري ومسلم في « الصحيحين » عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :( كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبي موسى فزعاً، فقلنا له ما أفزعك؟ فقال : أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال : ما منعك أن تأتيني؟ فقلت قد جئت فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي وقد قال ﷺ :« إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع » فقال : لتأتينِّي على هذه البينة أو لأعاقبنك، فقال ( أُبيُّ بن كعب ) لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد : وكنتُ أصغرَهم فقمتُ معه، فأخبرت عمر أن النبي ﷺ قال ذلك ).
وفي بعض الأخبار أن عمر قال لأبي موسى : إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ﷺ فأردت أن أثبت.
والراجح أن إكمال العدد ( ثلاثاً ) إنما هو حق المستأذن، وأما الواجب فإنما هو مرة وذكر ( أبو حيان ) أنه لا يزيد على الثلاث، إلا إن تحقَّق أن من في البيت لم يسمع.
الحكم الثالث : ما الحكمة في إيجاب الاستئذان؟
الحكمة هي التي نبه الله تعالى عليها في قوله :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ فدل بذلك على أن الذي حرم من أجله الدخول هو كون البيوت مسكونة، إذ لا يأمن من يهجم عليها بغير استئذان أن يرى عورات الناس، وما لا يحل النظر إليه، وربما كان الرجل مع امرأته في فراش واحد، فيقع نظره عليهما، وهذا بلا شك يتنافى مع الآداب الإجتماعية التي أرشد إليها الإسلام.
أقول : ومثل هذا في عصرنا أن يطرق الباب أو يقرع الجرس فهذا نوع من الاستئذان مشروع لأن الدور في عصر الصحابة لم يكن لها هذه الستور والأبواب فيكفي للقادم أن يقرع الجرس ليدل على طلبه الاستئذان والله أعلم.
الحكم الثاني : كم عدد الاستئذان؟
لم توضح الآية الكريمة عدد الاستئذان، وظاهرها يدل على أن من استأذن مرة فأجيب دخل، وإلاّ رجع. ولكنّ السنة النبوية قد بيَّنت أن الاستئذان يكون ثلاثاً، لما روي عن أبي هريرة مرفوعاً :( الاستئذان ثلاث : بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون ).
ومما يدل على أن الاستئذان يكون ثلاثاً قصة ( أبي موسى الأشعري ) مع عمر بن الخطاب وتفصيل القصة كما رواها البخاري ومسلم في « الصحيحين » عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :( كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبي موسى فزعاً، فقلنا له ما أفزعك؟ فقال : أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال : ما منعك أن تأتيني؟ فقلت قد جئت فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي وقد قال ﷺ :« إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع » فقال : لتأتينِّي على هذه البينة أو لأعاقبنك، فقال ( أُبيُّ بن كعب ) لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد : وكنتُ أصغرَهم فقمتُ معه، فأخبرت عمر أن النبي ﷺ قال ذلك ).
وفي بعض الأخبار أن عمر قال لأبي موسى : إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ﷺ فأردت أن أثبت.
والراجح أن إكمال العدد ( ثلاثاً ) إنما هو حق المستأذن، وأما الواجب فإنما هو مرة وذكر ( أبو حيان ) أنه لا يزيد على الثلاث، إلا إن تحقَّق أن من في البيت لم يسمع.
الحكم الثالث : ما الحكمة في إيجاب الاستئذان؟
الحكمة هي التي نبه الله تعالى عليها في قوله :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ فدل بذلك على أن الذي حرم من أجله الدخول هو كون البيوت مسكونة، إذ لا يأمن من يهجم عليها بغير استئذان أن يرى عورات الناس، وما لا يحل النظر إليه، وربما كان الرجل مع امرأته في فراش واحد، فيقع نظره عليهما، وهذا بلا شك يتنافى مع الآداب الإجتماعية التي أرشد إليها الإسلام.
359
الحكم الرابع : هل يستأذن على المحارم؟
ومن الآداب السامية أن يستأذن الإنسان على المحارم لما روي أن رجلاً قال للنبي ﷺ أأستأذن على أمي؟ قال : نعم، قال : إنها ليس لها خادم غير أفأستأذن عليها كما دخلت؟ قال : أتحب أن تراها عُريانة؟ قال الرجل : لا، قال فاستأذن عليها.
قال الفخر الرازي : واعلم أن ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز، إلا أنه أيسر، لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوها من الأعضاء، والتحقيق فيه أن المنع من الهجوم على الغير إن كان لأجل أن ذلك الغير ربما كان منكشف الأعضاء فهذا دخل فيه الكل إلا ( الزوجات ) و ( ملك اليمين ). وإن كان لأجل أنه ربما كان مشتغلاً بأمر يكره اطلاع الغير عليه وجب أن يعمّ في الكل، حتى لا يكون له أن يدخل إلاّ بإذن.
الحكم الخامس : هل الاستئذان والسلام واجبان على الداخل؟
ظاهر الآية الكريمة أنه لا بد قبل الدخول من ( الاستئذان والسلام ) معاً، وعليه جمهور الفقهاء غير أنهما ليسا بمرتبة واحدة، فالاستئذان واجب والسلام مستحب، وذلك لأن الاستئذان من أجل البصر لئلا يقع نظره على عورات الناس، وقد جاء في الحديث الشريف « إنما جعل الاستئذان من أجل النظر » فكان واجباً. وأما السلام فهو من أجل المحبة والمودة كما قال ﷺ :« أوَلاَ أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم » فكان ذلك مندوباً، وقد أرشد إليه القرآن الكريم في مواطن عديدة فقال جل ثناؤه ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً... ﴾ [ النور : ٦١ ] الآية.
الحكم السادس : كيف يقف الزائر على الباب؟
من الآداب الشرعية في الاستئذان، ألا يستقبل الزائر الباب بوجهه، بل يجعله عن يمينه أو شماله، فقد صح أنه ﷺ كان إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول : السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك لأن الدور لم يكن عليها حينئذ ستور.
وروي عن ( سعيد بن عبادة ) قال : جئت إلى النبي ﷺ وهو في بيته فقمت مقابل الباب فاستأذنت فأشار إلي أن تباعد، وقال : هل الاستئذان إلا من أجل النظر؟
وهذا الأدب ينبغي أن يلتزم به المسلم في عصرنا هذا فإن الدور ولو كانت مغلقة الأبواب فإن الطارق إذا استقبلها فإنه قد يقع نظره عند فتح الباب على ما لا يجوز أو ما يكره أهل البيت اطلاعه عليه.
الحكم السابع : هل يجب الاستئذان على النساء أو العميان؟
ظاهر الآية الكريمة يدل على أنه يجب الاستئذان على كل طارق سواء كان رجلاً أو امرأة، مبصراً أو أعمى، وبهذا قال جمهور العلماء وحجتهم في ذلك أن من العورات ما يدرك بالسمع ففي دخول الأعمى على أهل بيت بغير إذنهم ما يؤذيهم فقد يستمع الداخل إلى ما يجري من الحديث بين الرجل وزوجته فأما قوله عليه السلام :
ومن الآداب السامية أن يستأذن الإنسان على المحارم لما روي أن رجلاً قال للنبي ﷺ أأستأذن على أمي؟ قال : نعم، قال : إنها ليس لها خادم غير أفأستأذن عليها كما دخلت؟ قال : أتحب أن تراها عُريانة؟ قال الرجل : لا، قال فاستأذن عليها.
قال الفخر الرازي : واعلم أن ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز، إلا أنه أيسر، لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوها من الأعضاء، والتحقيق فيه أن المنع من الهجوم على الغير إن كان لأجل أن ذلك الغير ربما كان منكشف الأعضاء فهذا دخل فيه الكل إلا ( الزوجات ) و ( ملك اليمين ). وإن كان لأجل أنه ربما كان مشتغلاً بأمر يكره اطلاع الغير عليه وجب أن يعمّ في الكل، حتى لا يكون له أن يدخل إلاّ بإذن.
الحكم الخامس : هل الاستئذان والسلام واجبان على الداخل؟
ظاهر الآية الكريمة أنه لا بد قبل الدخول من ( الاستئذان والسلام ) معاً، وعليه جمهور الفقهاء غير أنهما ليسا بمرتبة واحدة، فالاستئذان واجب والسلام مستحب، وذلك لأن الاستئذان من أجل البصر لئلا يقع نظره على عورات الناس، وقد جاء في الحديث الشريف « إنما جعل الاستئذان من أجل النظر » فكان واجباً. وأما السلام فهو من أجل المحبة والمودة كما قال ﷺ :« أوَلاَ أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم » فكان ذلك مندوباً، وقد أرشد إليه القرآن الكريم في مواطن عديدة فقال جل ثناؤه ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً... ﴾ [ النور : ٦١ ] الآية.
الحكم السادس : كيف يقف الزائر على الباب؟
من الآداب الشرعية في الاستئذان، ألا يستقبل الزائر الباب بوجهه، بل يجعله عن يمينه أو شماله، فقد صح أنه ﷺ كان إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول : السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك لأن الدور لم يكن عليها حينئذ ستور.
وروي عن ( سعيد بن عبادة ) قال : جئت إلى النبي ﷺ وهو في بيته فقمت مقابل الباب فاستأذنت فأشار إلي أن تباعد، وقال : هل الاستئذان إلا من أجل النظر؟
وهذا الأدب ينبغي أن يلتزم به المسلم في عصرنا هذا فإن الدور ولو كانت مغلقة الأبواب فإن الطارق إذا استقبلها فإنه قد يقع نظره عند فتح الباب على ما لا يجوز أو ما يكره أهل البيت اطلاعه عليه.
الحكم السابع : هل يجب الاستئذان على النساء أو العميان؟
ظاهر الآية الكريمة يدل على أنه يجب الاستئذان على كل طارق سواء كان رجلاً أو امرأة، مبصراً أو أعمى، وبهذا قال جمهور العلماء وحجتهم في ذلك أن من العورات ما يدرك بالسمع ففي دخول الأعمى على أهل بيت بغير إذنهم ما يؤذيهم فقد يستمع الداخل إلى ما يجري من الحديث بين الرجل وزوجته فأما قوله عليه السلام :
360
« إنما جعل الاستئذان من أجل النظر » فذلك محمول على الغالب، ولا يقصد منه الحصر.
قال الزمخشري في « الكشاف » :( إنما شرع الاستئذان لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ولم يشرع لئلا يطَّلع المرء على عورة، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط ).
والحكمة التي شرع من أجلها الاستئذان متحققة في الرجال والنساء معاً ولهذا قال العلماء أن التعبير باسم الموصول ﴿ ياأيها الذين ﴾ فيه تغليب الرجال على النساء كما هو المعهود في الأوامر والنواهي القرآنية المبدوءة بمثل هذا النداء، أو المراد بالخطاب الوصف ويكون معنى الآية :( يا من اتصفتم بالإيمان ) فيدخل فيه الرجال والنساء على السواء. ومما يدل على أن المرأة تستأذن كما تستأذن الرجل ما روي عن ( أم إياس ) قالت :« كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها، فقلت : ندخل؟ فقالت : لا، فقالت واحدة : السلام عليكم؟ قالت : ادخلوا، ثم قالت ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾.. الآية. فدل هذا على أن المرأة تستأذن كما يستأذن الرجل.
الحكم الثامن : ما هي الحالات التي يباح فيها الدخول بدون إذن؟
ظاهر الآية يدل على النهي عن دخول البيوت بغير إذن في جميع الأزمان والأحوال ولكن يستثنى منه الحالات التي تقضي بها الضرورة وهي حالات اضطرارية تبيح الدخول بغير إذن وذلك إذا عَرَض أمر في دار من حريق، أو هجوم سارق، أو ظهور منكر فاحش، فإنَّ لمن يعلم ذلك أن يدخلها بغير إذن أصحابها كما نبه على ذلك الفخر الرازي في تفسيره الشهير.
الحكم التاسع : هل يجب الاستئذان على الطفل الصغير؟
أحكام الاستئذان خاصة بالبالغين من الرجال والنساء، وأما الأطفال فإنهم غير مكلفين بهذه التكاليف الشرعية، وليس هناك محظور يخشى من جانبهم لأنهم لا يدركون أمور العورة، ولا يعرفون العلاقات الجنسية فيجوز لهم الدخول بدون إذن إلا إذا بلغوا مبلغ الرجال لقوله تعالى :﴿ وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [ النور : ٥٩ ].
وهناك أوقات ثلاثة يجب على الأطفال الاستئذان فيها وهي :( وقت الفجر )، و ( وقت الظهيرة )، و ( وقت العشاء ) كما سيأتي إن شاء الله.
الحكم العاشر : لو اطلع إنسان على دار غيره بغير إذنه فما الحكم؟
اختلف الفقهاء في مسألة هامة تتعلق بالنظر وهي : إذا رأى أهل الدار أحداً يطلع عليهم من ثقب الباب فطعن أحدهم عينه فقلعها، فهل يجب القصاص؟ وما الحكم؟
١- ذهب الإمامان ( الشافعي وأحمد ) إلى أنه لو فقئت عينه فهي هدر ولا قصاص.
قال الزمخشري في « الكشاف » :( إنما شرع الاستئذان لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ولم يشرع لئلا يطَّلع المرء على عورة، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط ).
والحكمة التي شرع من أجلها الاستئذان متحققة في الرجال والنساء معاً ولهذا قال العلماء أن التعبير باسم الموصول ﴿ ياأيها الذين ﴾ فيه تغليب الرجال على النساء كما هو المعهود في الأوامر والنواهي القرآنية المبدوءة بمثل هذا النداء، أو المراد بالخطاب الوصف ويكون معنى الآية :( يا من اتصفتم بالإيمان ) فيدخل فيه الرجال والنساء على السواء. ومما يدل على أن المرأة تستأذن كما تستأذن الرجل ما روي عن ( أم إياس ) قالت :« كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها، فقلت : ندخل؟ فقالت : لا، فقالت واحدة : السلام عليكم؟ قالت : ادخلوا، ثم قالت ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا ﴾.. الآية. فدل هذا على أن المرأة تستأذن كما يستأذن الرجل.
الحكم الثامن : ما هي الحالات التي يباح فيها الدخول بدون إذن؟
ظاهر الآية يدل على النهي عن دخول البيوت بغير إذن في جميع الأزمان والأحوال ولكن يستثنى منه الحالات التي تقضي بها الضرورة وهي حالات اضطرارية تبيح الدخول بغير إذن وذلك إذا عَرَض أمر في دار من حريق، أو هجوم سارق، أو ظهور منكر فاحش، فإنَّ لمن يعلم ذلك أن يدخلها بغير إذن أصحابها كما نبه على ذلك الفخر الرازي في تفسيره الشهير.
الحكم التاسع : هل يجب الاستئذان على الطفل الصغير؟
أحكام الاستئذان خاصة بالبالغين من الرجال والنساء، وأما الأطفال فإنهم غير مكلفين بهذه التكاليف الشرعية، وليس هناك محظور يخشى من جانبهم لأنهم لا يدركون أمور العورة، ولا يعرفون العلاقات الجنسية فيجوز لهم الدخول بدون إذن إلا إذا بلغوا مبلغ الرجال لقوله تعالى :﴿ وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [ النور : ٥٩ ].
وهناك أوقات ثلاثة يجب على الأطفال الاستئذان فيها وهي :( وقت الفجر )، و ( وقت الظهيرة )، و ( وقت العشاء ) كما سيأتي إن شاء الله.
الحكم العاشر : لو اطلع إنسان على دار غيره بغير إذنه فما الحكم؟
اختلف الفقهاء في مسألة هامة تتعلق بالنظر وهي : إذا رأى أهل الدار أحداً يطلع عليهم من ثقب الباب فطعن أحدهم عينه فقلعها، فهل يجب القصاص؟ وما الحكم؟
١- ذهب الإمامان ( الشافعي وأحمد ) إلى أنه لو فقئت عينه فهي هدر ولا قصاص.
361
٢- وذهب مالك وأبو حنيفة إلى القول بأنها جناية يجب فيها الأرش أو القصاص.
دليل الشافعية والحنابلة :
أ- حديث أبي هريرة ( من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه ).
ب- حديث سهل بن سعد قال :( اطَّلع رجل في حُجْرة من حجر النبي ﷺ ومع النبي مِدْرَى ( آلة رفيعة من الحديد ) يحك بها رأسه فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ).
دليل المالكية والأحناف :
أ- عموم قوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين... ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] فمن أقدم على هذا النحو كان جانباً، وعليه القصاص، إن كان عامداً، والأرش إن كان مخطئاً.
ب- واستدلوا بإجماع العلماء على أن من دخل داراً بغير إذن أهلها فاعتدى عليه بعض أهلها بقلع عينه فإن ذلك يعتبر جناية تستوجب القصاص.
قالوا : فإذا كان دخول الدار واقتحامها على أهلها مع النظر إلى ما فيها غير مبيح لقلع عين ذلك الداخل، فلا يكون النظر وحده من ثقب الباب مبيحاً لقلع عينه من باب أولى.
ج- وتأولوا الحديث الذي استدل به ( الشافعية والحنابلة ) على أنّ من اطَّلع في دار قوم ونظر إلى حُرَمهم ونسائهم فمونع فلم يمتنع وقاوم وقاتل فقلعت عينه بسبب المقاومة والمدافعة فهي هدر، لأنه ظالم معتد في هذه الحالة.
قال أبو بكر الرازي :
« والفقهاء على خلاف ظاهر الحديث وهذا من أحاديث أبي هريرة التي تُرَدّ لمخالفتها الأصول مثل ما روي أن ابن الزنى لا يدخل الجنة، ومن غسّل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ.. ثم قال : ولا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامناً وعليه القصاص... إلخ ».
قال الفخر الرازي من فقهاء الشافعية وصاحب التفسر المسمى « التفسير الكبير » :
« واعلم أن التمسك بقوله تعالى :﴿ والعين بالعين ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] في هذه المسالة ضعيف.
وأما قوله : إنه لو دخل لم يجز فقأ عينه فكذا إذا نظر. قلنا : الفرق بين الأمرين ظاهر، لأنه إذا دخل علم القوم دخوله عليهم فاحترزوا عنه وتستَّروا، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين بذلك فيطَّلع على ما لا يجوز الاطلاع عليه، فلا يبعد في حكم الشرع أن يبالغ هاهنا في الزجر حسماً لباب هذه المفسدة ».
أقول : ولعلّ ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أرجح، لقوة أدلتهم والله تعالى أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - وجوب الاستئذان عند دخول ببيت الغير.
ثانياً - حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد.
ثالثاً - وجوب الرجوع إذا لم يؤذن للداخل.
رابعاً - السلام مشروع للزائر لأنه من شعائر الإسلام.
خامساً - لا يجوز لإنسان أن يطلع على عورات الناس.
سادساً - البيوت إذا لم تكن مسكونة فلا حرج من دخولها.
سابعاً : على المسلم أن يرعى حرمة أخيه المسلم فلا يؤذيه في نفسه أو ماله.
ثامناً - في هذه الآداب التي شرعها الله طهارة للمجتمع والأفراد.
دليل الشافعية والحنابلة :
أ- حديث أبي هريرة ( من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه ).
ب- حديث سهل بن سعد قال :( اطَّلع رجل في حُجْرة من حجر النبي ﷺ ومع النبي مِدْرَى ( آلة رفيعة من الحديد ) يحك بها رأسه فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ).
دليل المالكية والأحناف :
أ- عموم قوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين... ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] فمن أقدم على هذا النحو كان جانباً، وعليه القصاص، إن كان عامداً، والأرش إن كان مخطئاً.
ب- واستدلوا بإجماع العلماء على أن من دخل داراً بغير إذن أهلها فاعتدى عليه بعض أهلها بقلع عينه فإن ذلك يعتبر جناية تستوجب القصاص.
قالوا : فإذا كان دخول الدار واقتحامها على أهلها مع النظر إلى ما فيها غير مبيح لقلع عين ذلك الداخل، فلا يكون النظر وحده من ثقب الباب مبيحاً لقلع عينه من باب أولى.
ج- وتأولوا الحديث الذي استدل به ( الشافعية والحنابلة ) على أنّ من اطَّلع في دار قوم ونظر إلى حُرَمهم ونسائهم فمونع فلم يمتنع وقاوم وقاتل فقلعت عينه بسبب المقاومة والمدافعة فهي هدر، لأنه ظالم معتد في هذه الحالة.
قال أبو بكر الرازي :
« والفقهاء على خلاف ظاهر الحديث وهذا من أحاديث أبي هريرة التي تُرَدّ لمخالفتها الأصول مثل ما روي أن ابن الزنى لا يدخل الجنة، ومن غسّل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ.. ثم قال : ولا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامناً وعليه القصاص... إلخ ».
قال الفخر الرازي من فقهاء الشافعية وصاحب التفسر المسمى « التفسير الكبير » :
« واعلم أن التمسك بقوله تعالى :﴿ والعين بالعين ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] في هذه المسالة ضعيف.
وأما قوله : إنه لو دخل لم يجز فقأ عينه فكذا إذا نظر. قلنا : الفرق بين الأمرين ظاهر، لأنه إذا دخل علم القوم دخوله عليهم فاحترزوا عنه وتستَّروا، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين بذلك فيطَّلع على ما لا يجوز الاطلاع عليه، فلا يبعد في حكم الشرع أن يبالغ هاهنا في الزجر حسماً لباب هذه المفسدة ».
أقول : ولعلّ ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أرجح، لقوة أدلتهم والله تعالى أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - وجوب الاستئذان عند دخول ببيت الغير.
ثانياً - حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد.
ثالثاً - وجوب الرجوع إذا لم يؤذن للداخل.
رابعاً - السلام مشروع للزائر لأنه من شعائر الإسلام.
خامساً - لا يجوز لإنسان أن يطلع على عورات الناس.
سادساً - البيوت إذا لم تكن مسكونة فلا حرج من دخولها.
سابعاً : على المسلم أن يرعى حرمة أخيه المسلم فلا يؤذيه في نفسه أو ماله.
ثامناً - في هذه الآداب التي شرعها الله طهارة للمجتمع والأفراد.
362
[ ٦ ] آيات الحجاب والنظر
التحليل اللفظي
﴿ يَغُضُّواْ ﴾ : غضّ بصره بمعنى خفضه ونكّسه قال جرير :
وأصل الغض : إطباق الجفن على الجفن بحيث تمنع الرؤية، والمراد به في الآية : كف النظر عما لا يحل إليه بخفضه إلى الأرض، أو بصرفه إلى جهة أخرى وعدم النظر بملء العين، قال عنترة :
﴿ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ﴾ : قال بعض المفسرين : المراد سترها من النظر إليها أي النظر إلى العورات.. وقال آخرون : المراد حفظها من الزنى، والصحيح ما ذكره القرطبي أن الجميع مراد لأن اللفظ عام، فيطلب سترها عن الأبصار، وحفظها من الزنى، قال تعالى :﴿ والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ ﴾ [ المؤمنون : ٥ - ٦ ] وفي الحديث :« إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال : الرجل يكون مع الرجل؟ قال : إن استطعت ألاّ يراها فافعل : قلت : فالرجل يكون خالياً؟ فقال : والله أحق أن يستحيا منه ».
﴿ أزكى لَهُمْ ﴾ : أي أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم، مأخوذ من الزكاة بمعنى الطهارة والنقاء النفسي، قال تعالى :﴿ وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ ﴾ [ فاطر : ١٨ ] وفي الحديث :« النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ».
﴿ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ : الخبرة العلم القوي الذي يصل إلى بواطن الأشياء، ويكشف دخائلها فالله خبير بما يصنعون، عليم علماً تاماً بظواهر الأعمال وبواطنها لا تخفى عليه خافية وهو وعيد شديد لمن يخالف أمر الله أو يعصيه في ارتكاب المحرمات.
﴿ زِينَتَهُنَّ ﴾ : الزينة : ما تتزين به المرأة عادة من الثياب والحليّ وغيرها مما يعبر عنه في زماننا بلفظ ( التجميل ) : قال الشاعر :
قال العلامة القرطبي : الزينة على قسمين : خلقية، ومكتسبة... فالخلقية : وجهُهَا فإنه أصل الزينة وجمال الخِلقة ومعنى الحيوانية لما فيه من المنافع، وأما الزينة المكتسبة : فهي ما تحاول المرأة في تحسين خلقتها كالثياب، والحلي، والكحل، والخضاب، ومنه قوله تعالى :﴿ خُذُواْ زِينَتَكُمْ ﴾ [ الأعراف : ٣١ ].
﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ : قال بعضهم : المراد بقوله ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أي ما دعت الحاجة إلى ظهوره كالثياب والخضاب والكحل والخاتم مما لا يمكن إخفاؤه وقيل : بل المراد ما ظهر منها بدون قصد ولا تعمد، وقيل : المراد به الوجه والكفان وسنبين ذلك بالتفصيل عند ذكر الأحكام.
﴿ بِخُمُرِهِنَّ ﴾ : قال ابن كثير : الخمُرُ : جمع خمار، وهو ما يخمّر به أي يغطى به الرأس وهي التي تسميها الناس ( المقانع ) وفي « لسان العرب » : الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وكل مغطى مخمّر ومنه حديث ( خمّروا آنيتكم ) أي غطوها وخمّرت المرأة رأسها غطته.
التحليل اللفظي
﴿ يَغُضُّواْ ﴾ : غضّ بصره بمعنى خفضه ونكّسه قال جرير :
فغضّ الطرف إنك من نمير | فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا |
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي | حتى يواري جارتي مأواها |
﴿ أزكى لَهُمْ ﴾ : أي أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم، مأخوذ من الزكاة بمعنى الطهارة والنقاء النفسي، قال تعالى :﴿ وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ ﴾ [ فاطر : ١٨ ] وفي الحديث :« النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ».
﴿ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ : الخبرة العلم القوي الذي يصل إلى بواطن الأشياء، ويكشف دخائلها فالله خبير بما يصنعون، عليم علماً تاماً بظواهر الأعمال وبواطنها لا تخفى عليه خافية وهو وعيد شديد لمن يخالف أمر الله أو يعصيه في ارتكاب المحرمات.
﴿ زِينَتَهُنَّ ﴾ : الزينة : ما تتزين به المرأة عادة من الثياب والحليّ وغيرها مما يعبر عنه في زماننا بلفظ ( التجميل ) : قال الشاعر :
يأخذ زينتهن أحسن ما ترى | وإذا عَطِلْنَ فهنّ خير عواطل |
﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ : قال بعضهم : المراد بقوله ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أي ما دعت الحاجة إلى ظهوره كالثياب والخضاب والكحل والخاتم مما لا يمكن إخفاؤه وقيل : بل المراد ما ظهر منها بدون قصد ولا تعمد، وقيل : المراد به الوجه والكفان وسنبين ذلك بالتفصيل عند ذكر الأحكام.
﴿ بِخُمُرِهِنَّ ﴾ : قال ابن كثير : الخمُرُ : جمع خمار، وهو ما يخمّر به أي يغطى به الرأس وهي التي تسميها الناس ( المقانع ) وفي « لسان العرب » : الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وكل مغطى مخمّر ومنه حديث ( خمّروا آنيتكم ) أي غطوها وخمّرت المرأة رأسها غطته.
363
ويسمَّى الخمار ( النصيف ).
قال الشاعر :
ويجمع الخمار على ( خُمُر ) جمع كثرة مثل : كتاب، وكُتُب قال الشاعر :
﴿ جُيُوبِهِنَّ ﴾ : يعني النحور والصدور، فالمراد بضرب النساء بخمرهن على جيوبهن أن يغطين رؤوسهنَّ وأعناقهنَّ وصدورهن بكل ما فيها من زينة وحلي. والجيوب جمع ( جيب ) وهو الصدر وأصله الفتحة التي تكون في طوق القميص، قال القرطبي : والجيب هو موضع القطع من الدرع والقميص وهو من ( الجَوْب ) بمعنى القطع وقد ترجم البخاري رحمه الله ( باب جيب القميص من عند الصدر وغيره ).
قال الألوسي : وأما إطلاق الجيب على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها كما هو الشائع بيننا اليوم فليس من كلام العرب كما ذكره ( ابن تيمية ) ولكنه ليس بخطأ بحسب المعنى، والمراد بالآية كما رواه ( ابن أبي حاتم ) : أمرهن الله بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن لئلا يرى منها شيء.
﴿ بُعُولَتِهِنَّ ﴾ : قال ابن عباس : لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.
والبعولة جمع بعل بمعنى الزوج، قال تعالى :﴿ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾ [ هود : ٧٢ ]. وفي القرطبي : البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب، ومنه قول النبي ﷺ في حديث جبريل :« إذا ولدت الأمة بعلها » يعني سيدها إشارة إلى كثرة السراري بكثرة الفتوحات.
﴿ مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ : يعني الإماء والجواري، وقال بعضهم المراد : العبيد والإماء ذكوراً وإناثاً وروي عن ( سعيد بن المسيب ) أنه قال : لا تغرنكم هذه الآية ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ إنما عنى بها ( الإماء ) ولم يعن بها ( العبيد ) وهو الصحيح.
﴿ الإربة ﴾ : الحاجة، والأرَبُ، والإرْبةُ والإربُ ومعناه الحاجة والجمع مآرب قال تعالى :﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى ﴾ [ طه : ١٨ ] وقال طرفة :
والمراد بقوله تعالى :﴿ غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال ﴾ أي غير أولي الميل والشهوة أو الحاجة إلى النساء كالبُلْه والحمقى والمغفلين الذين لا يدركون من أمور الجنس شيئاً.
﴿ الطفل ﴾ : الصغير الذي لم يبلغ الحلم قال الشاعر :
قال الراغب : كلمة طفل تقع على الجمع كما تقع على المفرد كما تقع على المفرد فهي مثل كلمة ( ضيف ) والدليل أن المراد به الجمع ﴿ أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ ﴾ حيث جاء بواو الجماعة.
﴿ لَمْ يَظْهَرُواْ ﴾ : أي لم يطَّلعوا يقال : ظهر على الشيء أي اطَّلع عليه ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ [ الكهف : ٢٠ ] ومعنى الآية أن الأطفال الذين لا يعرفون الشهوة ولا يدركون معاني الجنس لصغرهم لا حرج من إبداء الزينة أمامهم.
المعنى الإجمالي
قل يا محمد لأتباعك المؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويكفوها عن النظر إلى الأجنبيات من غير المحارم، ولا ينظروا إلا إلى ما أبيح لهم النظر إليه، وأن يحفظوا فروجهم عن الزنى ويستروا عوراتهم حتى لا يراها أحد، فإن ذلك أطهر لقلوبهم من دنس الريبة، وأنقى لها وأحفظ من الوقوع في الفجور، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً، فإن وقع البصر على شيء من المحرمات من غير قصد، فليصرفوا أبصارهم عنه سريعاً ولا يديموا النظر، ولا يرددوه إلى النساء، ولا ينظروا بملء أعينهم فإن الله رقيب عليهم مطلع على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية
قال الشاعر :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه | فتناولته واتقتنا باليد |
« كرؤوس قطعت فيها الخُمُر » | ويجمع على أخمرة جمع قلة أفاده ( أبو حيان ). |
قال الألوسي : وأما إطلاق الجيب على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها كما هو الشائع بيننا اليوم فليس من كلام العرب كما ذكره ( ابن تيمية ) ولكنه ليس بخطأ بحسب المعنى، والمراد بالآية كما رواه ( ابن أبي حاتم ) : أمرهن الله بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن لئلا يرى منها شيء.
﴿ بُعُولَتِهِنَّ ﴾ : قال ابن عباس : لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.
والبعولة جمع بعل بمعنى الزوج، قال تعالى :﴿ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾ [ هود : ٧٢ ]. وفي القرطبي : البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب، ومنه قول النبي ﷺ في حديث جبريل :« إذا ولدت الأمة بعلها » يعني سيدها إشارة إلى كثرة السراري بكثرة الفتوحات.
﴿ مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ : يعني الإماء والجواري، وقال بعضهم المراد : العبيد والإماء ذكوراً وإناثاً وروي عن ( سعيد بن المسيب ) أنه قال : لا تغرنكم هذه الآية ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ إنما عنى بها ( الإماء ) ولم يعن بها ( العبيد ) وهو الصحيح.
﴿ الإربة ﴾ : الحاجة، والأرَبُ، والإرْبةُ والإربُ ومعناه الحاجة والجمع مآرب قال تعالى :﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى ﴾ [ طه : ١٨ ] وقال طرفة :
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا | تقدَّم يوماً ثمَّ ضاعت مآربه |
﴿ الطفل ﴾ : الصغير الذي لم يبلغ الحلم قال الشاعر :
والنفس كالطفل إن تهمله شب على | حب الرضاع وإن تفطمه ينفطهم |
﴿ لَمْ يَظْهَرُواْ ﴾ : أي لم يطَّلعوا يقال : ظهر على الشيء أي اطَّلع عليه ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ [ الكهف : ٢٠ ] ومعنى الآية أن الأطفال الذين لا يعرفون الشهوة ولا يدركون معاني الجنس لصغرهم لا حرج من إبداء الزينة أمامهم.
المعنى الإجمالي
قل يا محمد لأتباعك المؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويكفوها عن النظر إلى الأجنبيات من غير المحارم، ولا ينظروا إلا إلى ما أبيح لهم النظر إليه، وأن يحفظوا فروجهم عن الزنى ويستروا عوراتهم حتى لا يراها أحد، فإن ذلك أطهر لقلوبهم من دنس الريبة، وأنقى لها وأحفظ من الوقوع في الفجور، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً، فإن وقع البصر على شيء من المحرمات من غير قصد، فليصرفوا أبصارهم عنه سريعاً ولا يديموا النظر، ولا يرددوه إلى النساء، ولا ينظروا بملء أعينهم فإن الله رقيب عليهم مطلع على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية
364
﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور ﴾ [ غافر : ١٩ ].
ثم أكد تعالى الأمر للمؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وزادهنّ في التكليف على الرجال بالنهي عن إبداء الزينة إلا للمحارم والأقرباء فإن ذلك أولى بهن وأجمل إلا إذا ظهرت هذه الزينة بدون قصد ولا نية سيئة فلا إثم عليهن فالله غفور رحيم.
وقد كانت المرأة في الجاهلية كما هي اليوم - في الجاهلية الحديثة - تمر بين الرجال مكشوفة الصدر، بادية النحر، حاسرة الذراعين، وربما أظهرت مفاتن جسمها وذوائب شعرها لتغري الرجال، وكنَّ يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى صدورُهنّ مكشوفة عارية فأمرت المؤمنات بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها ويدفعن عنهن شر الأشرار، وأمرن بألاّ يضربن بأرجلهن الأرض لئلا يسمع الرجال صوت الخلخال فيطمع الذي في قلبه مرض.
ثم ختم تعالى تلك الأوامر والنواهي بالأمر ( للرجال والنساء ) جميعاً بالإنابة والرجوع إلى الله لينالوا درجة السعداء، ويكونوا عند الله من الفائزين الأبرار.
سبب النزول
أولاً : أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : مر رجل على عهد رسول الله ﷺ في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به، فبينما الرجل يمشي إلى جانب حائط ينظر إليها إذ استقبله الحائط ( صُدم به ) فشق أنفه، فقال : والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله ﷺ فأعلمه أمري؟ فأتاه فقصّ عليه قصته، فقال النبي ﷺ ( هذا عقوبة ذنبك ) وأنزل الله :﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ... ﴾ الآية.
ثانياً : وروى ابن كثير رحمه الله، عن مقاتل بن حيان، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال :( بلغنا - والله أعلم - أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت مرثد كانت في نخل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات فيبدو ما في أرجلهن يعني الخلاخل، ويبدوا صدروهن وذوائبهن، فقالت أسماء : ما أقبح هذا؟ فأنزل الله في ذلك ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ﴾ الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : السر في تقديم غض البصر على حفظ الفروج هو أن النظر بريد الزنى ورائد الفجور وهو مقدمة للوقوع في المخاطر كما قال الحماسي :
ثم أكد تعالى الأمر للمؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وزادهنّ في التكليف على الرجال بالنهي عن إبداء الزينة إلا للمحارم والأقرباء فإن ذلك أولى بهن وأجمل إلا إذا ظهرت هذه الزينة بدون قصد ولا نية سيئة فلا إثم عليهن فالله غفور رحيم.
وقد كانت المرأة في الجاهلية كما هي اليوم - في الجاهلية الحديثة - تمر بين الرجال مكشوفة الصدر، بادية النحر، حاسرة الذراعين، وربما أظهرت مفاتن جسمها وذوائب شعرها لتغري الرجال، وكنَّ يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى صدورُهنّ مكشوفة عارية فأمرت المؤمنات بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها ويدفعن عنهن شر الأشرار، وأمرن بألاّ يضربن بأرجلهن الأرض لئلا يسمع الرجال صوت الخلخال فيطمع الذي في قلبه مرض.
ثم ختم تعالى تلك الأوامر والنواهي بالأمر ( للرجال والنساء ) جميعاً بالإنابة والرجوع إلى الله لينالوا درجة السعداء، ويكونوا عند الله من الفائزين الأبرار.
سبب النزول
أولاً : أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : مر رجل على عهد رسول الله ﷺ في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به، فبينما الرجل يمشي إلى جانب حائط ينظر إليها إذ استقبله الحائط ( صُدم به ) فشق أنفه، فقال : والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله ﷺ فأعلمه أمري؟ فأتاه فقصّ عليه قصته، فقال النبي ﷺ ( هذا عقوبة ذنبك ) وأنزل الله :﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ... ﴾ الآية.
ثانياً : وروى ابن كثير رحمه الله، عن مقاتل بن حيان، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال :( بلغنا - والله أعلم - أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت مرثد كانت في نخل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات فيبدو ما في أرجلهن يعني الخلاخل، ويبدوا صدروهن وذوائبهن، فقالت أسماء : ما أقبح هذا؟ فأنزل الله في ذلك ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ﴾ الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : السر في تقديم غض البصر على حفظ الفروج هو أن النظر بريد الزنى ورائد الفجور وهو مقدمة للوقوع في المخاطر كما قال الحماسي :
365
وكنتَ إذا أرسلت طرفك رائداً... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ولأنّ البلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وهو الباب الأكبر الذي يوصل إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته. ولله در شوقي :
نظرة فابتسامة فسلام... فكلام فموعد فلقاء
وقد قال أحد الأدباء :
وما الحب إلا نظرة إثر نظرةٍ... تزيد نمواً إن تزده لَجَاجا
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ المراد غض البصر عما حرم الله، لا غضّ البصر عن كل شيء فحذف ذلك اكتفاء بفهم المخاطبين وهو من باب ( الإيجاز بالحذف ).
اللطيفة الثالثة : قال العلامة الزمخشري : فإن قلت كيف دخلت ( من ) التي هي للتبعيض في ( غضّ البصر ) دون ( حفظ الفرج ) ؟ قلت : لأن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثُديِّهن، وأما أمر الفرج فمضيّق وكفاك فرقاً أن أبيح النظر إلا ما استثني فيه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ أزكى لَهُمْ ﴾ أفعل التفضيل هنا ليس على بابه وإنما هو ( للمبالغة ) أي أن غض البصر وحفظ الفرج طهرة للمؤمن من دنس الرذائل أو نقول ( المفاضلة ) على سبيل الفرض والتقدير.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ المراد بالزينة مواقعها من باب ( اطلاق اسم الحال على المحل ) كقوله تعالى :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٧ ] المراد بها الجنة لأنها مكان الرحمة وإذا نهي عن إبداء الزينة فالنهي عن إبداء أماكنها من الجسم يكون من باب أولى.
قال الزمخشري : وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر فإنه ما نهى عن الزينة إلا لملابستها تلك المواقع فكان إبداء المواقع نفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ﴾ في لفظ الضرب ( مبالغة ) في الصيانة والتستر وقد عدى اللفظ ب ( على ) لأنه ضُمِّن معنى الإلقاء ويكون المراد أن تسدل وتلقي بالخمار على صدرها لئلا يبدوا شيء من النحر والصدر.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ ﴾ قال أبو السعود : مفعول الأمر أمر آخر قد حذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قل لهم غضوا يغضوا من أبصارهم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن المؤمن يسارع إلى تنفيذ أمر الله فهو لا يحتاج إلا إلى تذكير.
اللطيفة الثامنة : قال بعض العلماء : كما يكون التلذُّذ بالنظر يكون بالسمع أيضاً وقد قيل ( والأذن تعشق قبل العين أحياناً ) وهذا هو السر في نهي المرأة عن الضرب برجلها على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك شهوة الرجال.
رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ولأنّ البلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وهو الباب الأكبر الذي يوصل إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته. ولله در شوقي :
نظرة فابتسامة فسلام... فكلام فموعد فلقاء
وقد قال أحد الأدباء :
وما الحب إلا نظرة إثر نظرةٍ... تزيد نمواً إن تزده لَجَاجا
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ المراد غض البصر عما حرم الله، لا غضّ البصر عن كل شيء فحذف ذلك اكتفاء بفهم المخاطبين وهو من باب ( الإيجاز بالحذف ).
اللطيفة الثالثة : قال العلامة الزمخشري : فإن قلت كيف دخلت ( من ) التي هي للتبعيض في ( غضّ البصر ) دون ( حفظ الفرج ) ؟ قلت : لأن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثُديِّهن، وأما أمر الفرج فمضيّق وكفاك فرقاً أن أبيح النظر إلا ما استثني فيه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ أزكى لَهُمْ ﴾ أفعل التفضيل هنا ليس على بابه وإنما هو ( للمبالغة ) أي أن غض البصر وحفظ الفرج طهرة للمؤمن من دنس الرذائل أو نقول ( المفاضلة ) على سبيل الفرض والتقدير.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ المراد بالزينة مواقعها من باب ( اطلاق اسم الحال على المحل ) كقوله تعالى :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٧ ] المراد بها الجنة لأنها مكان الرحمة وإذا نهي عن إبداء الزينة فالنهي عن إبداء أماكنها من الجسم يكون من باب أولى.
قال الزمخشري : وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر فإنه ما نهى عن الزينة إلا لملابستها تلك المواقع فكان إبداء المواقع نفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ﴾ في لفظ الضرب ( مبالغة ) في الصيانة والتستر وقد عدى اللفظ ب ( على ) لأنه ضُمِّن معنى الإلقاء ويكون المراد أن تسدل وتلقي بالخمار على صدرها لئلا يبدوا شيء من النحر والصدر.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ ﴾ قال أبو السعود : مفعول الأمر أمر آخر قد حذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قل لهم غضوا يغضوا من أبصارهم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن المؤمن يسارع إلى تنفيذ أمر الله فهو لا يحتاج إلا إلى تذكير.
اللطيفة الثامنة : قال بعض العلماء : كما يكون التلذُّذ بالنظر يكون بالسمع أيضاً وقد قيل ( والأذن تعشق قبل العين أحياناً ) وهذا هو السر في نهي المرأة عن الضرب برجلها على الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك شهوة الرجال.
366
وقد دل على أن إظهار مواضع الحلي أبلغ وأبلغ في الزجر. وعلى أن كل ما يحرك الشهوة أو يثيرها منهي عنه، كالتعطر، والتطيب، والتبختر في المشية. والتلاين في الكلام ﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ] وقيل : إذا نهي عن استماع صوت حليهن، فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى. وهو استدلال لطيف.
اللطيفة التاسعة : قوله تعالى :﴿ وتوبوا إِلَى الله ﴾ هو من باب ( الالتفات ) وتلوين الخطاب فقد كان الكلام في صدر الآية موجهاً للرسول ﷺ ثم صرف عن الرسول إلى الجميع بطريق ( الالتفات ).
اللطيفة العاشرة : قال الإمام ( ابن القيم ) رحمه الله : في غض البصر فوائد عديدة أحدها : امتثال أمر الله الذي هو غاية السعادة. ثانيها : أنه يمنع وصول أثر السهم لمسموم. ثالثها : أنه يقوي القلب ويفرحه. رابعها : أنه يورث في القلب أنساً في الله واجتماعاً عليه. خامسها : أنه يكسب القلب نوراً. سادسها : أنه يورث الفراسة الصادقة. سابعها : أنه يسد على الشيطان مداخله ثامنها : أنَّ بين العين والقلب منفذاً يوجب انفعال أحدهما بالآخر.
وقد أحسن من قال :
قالوا :
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما هو حكم النظر إلى الأجنبيات؟
حَرَّمت الشريعة الإسلامية النظر إلى الأجنبيات فلا يحل لرجل أن ينظر إلى امرأة غير زوجته أو محارمه من النساء. أما نظرة الفجأة فلا إثم فيها ولا مؤاخذة لأنها خارجة عن إرادة الإنسان، فلم يكلفنا الله جل ثناؤه ما لا نطيق ولم يأمرنا أن نعصب أعيننا إذا مشينا في الطريق، فالنظرة إذا لم تكن بقصد لا مؤاخذة فيها وقد قال النبي ﷺ :« يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية » وعن جرير بن عبد الله البجلي قال : سألت رسول الله ﷺ عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري. والنظرة المفاجئة إنما تكون في أول وهلة ولا يحل لأحد إذا نظر إلى امرأة نظرة مفاجئة وأحس منها اللذة والاجتلاب أن يعود إلى النظرة مرة ثانية فإنْ ذلك مدعاة إلى الفتنة وطريق الفاحشة وقد عبر عنه النبي ﷺ بزنى العين؛ فقد ورد في « الصحيحين » :« كُتِبَ على ابن آدم حظُه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر وزنى اللسان النطق، وزنى الأذنيين الاستماع، وزنى اليدين البطش، وزنى الرجلين الخُطى، والنفس تمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه ».
والمؤمن يؤجر على غض البصر لأنه كف عن المحارم وقد قال ﷺ :
اللطيفة التاسعة : قوله تعالى :﴿ وتوبوا إِلَى الله ﴾ هو من باب ( الالتفات ) وتلوين الخطاب فقد كان الكلام في صدر الآية موجهاً للرسول ﷺ ثم صرف عن الرسول إلى الجميع بطريق ( الالتفات ).
اللطيفة العاشرة : قال الإمام ( ابن القيم ) رحمه الله : في غض البصر فوائد عديدة أحدها : امتثال أمر الله الذي هو غاية السعادة. ثانيها : أنه يمنع وصول أثر السهم لمسموم. ثالثها : أنه يقوي القلب ويفرحه. رابعها : أنه يورث في القلب أنساً في الله واجتماعاً عليه. خامسها : أنه يكسب القلب نوراً. سادسها : أنه يورث الفراسة الصادقة. سابعها : أنه يسد على الشيطان مداخله ثامنها : أنَّ بين العين والقلب منفذاً يوجب انفعال أحدهما بالآخر.
وقد أحسن من قال :
قالوا :
جُننتَ بمن تهوى فقلت لهم | العشقُ أعظم ممَّا بالمجانين |
العشق لا يستفيق الدهرّ صاحبه | وإنّما يُصرع المجنون في الحين |
الحكم الأول : ما هو حكم النظر إلى الأجنبيات؟
حَرَّمت الشريعة الإسلامية النظر إلى الأجنبيات فلا يحل لرجل أن ينظر إلى امرأة غير زوجته أو محارمه من النساء. أما نظرة الفجأة فلا إثم فيها ولا مؤاخذة لأنها خارجة عن إرادة الإنسان، فلم يكلفنا الله جل ثناؤه ما لا نطيق ولم يأمرنا أن نعصب أعيننا إذا مشينا في الطريق، فالنظرة إذا لم تكن بقصد لا مؤاخذة فيها وقد قال النبي ﷺ :« يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية » وعن جرير بن عبد الله البجلي قال : سألت رسول الله ﷺ عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري. والنظرة المفاجئة إنما تكون في أول وهلة ولا يحل لأحد إذا نظر إلى امرأة نظرة مفاجئة وأحس منها اللذة والاجتلاب أن يعود إلى النظرة مرة ثانية فإنْ ذلك مدعاة إلى الفتنة وطريق الفاحشة وقد عبر عنه النبي ﷺ بزنى العين؛ فقد ورد في « الصحيحين » :« كُتِبَ على ابن آدم حظُه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر وزنى اللسان النطق، وزنى الأذنيين الاستماع، وزنى اليدين البطش، وزنى الرجلين الخُطى، والنفس تمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه ».
والمؤمن يؤجر على غض البصر لأنه كف عن المحارم وقد قال ﷺ :
367
« ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها ». وعدَّه ﷺ من حقوق الطريق ففي حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال :« إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا يا رسول الله : ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، قال : غضُّ البصر، وكف الأذى ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».
الحكم الثاني : ما هو حد العورة بالنسبة للرجل والمرأة؟
أشارة الآية الكريمة ﴿ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ﴾ إلى وجوب ستر العورة فإن حفظ الفرج كما يشمل حفظه عن الزنى، يشمل ستره عن النظر، يشمل ستره عن النظر، كما بيناه فيما سبق وقد اتفق الفقهاء على حرمة كشف العورة ولكنهم اختلفوا في حدودها وسنوضح ذلك بالتفصيل إن شاء الله مع أدلة كل فريق فنقول ومن الله نستمد العون :
١- عورة الرجل مع الرجل.
٢- عورة المرأة مع المرأة.
٣- عورة الرجل مع المرأة وبالعكس.
أما عورة الرجل مع الرجل : فهي من ( السرة إلى الركبة ) فلا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل فيما بين السرة والركبة وما عدا ذلك فيجوز له النظر إليه. وقد قال النبي « لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ». وجمهور الفقهاء على أن عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة كما صحّ في الأحاديث الكثيرة، وقال مالك رحمه الله : الفخذ ليس بعورة : ومما يدل لقول الجمهور ما روي عن ( جرهد الأسلمي ) وهو من أصحاب الصفة أنه قال :« جلس رسول الله ﷺ عندنا وفخذي منكشفة فقال : أما علمت أن الفخذ عورة ».
وقال ﷺ لعلي رضي الله عنه :« لا تبرز فخذك » وفي رواية « لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت » بل إنه ﷺ نهى أن يتعرى المرء ويكشف عورته حتى إذا لم يكن معه غيره فقال :« إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يُفْضي الرجل إلى أهله ».
وأما عورة المرأة مع المرأة : فهي كعورة الرجل مع الرجل أي من ( السرة إلى الركبة ) ويجوز النظر إلى ما سوى ذلك ما عدا المرأة الذمية أو الكافرة فلها حكم خاص سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما عورة الرجل بالنسبة للمرأة : ففيه تفصيل فإن كان من ( المحارم ) ك ( الأب والأخ والعم والخال ) فعورته من السرة إلى الركبة. وإن كان ( أجنبياً ) فكذلك عورته من السرة إلى الركبة. وقيل جميع بدن الرجل عورة فلا يجوز أن تنظر إليه المرأة وكما يحرم نظرة إليها يحرم نظرها إليه والأول أصح، وأما إذا كان ( زوجاً ) فليس هناك عورة مطلقاً لقوله تعالى :
الحكم الثاني : ما هو حد العورة بالنسبة للرجل والمرأة؟
أشارة الآية الكريمة ﴿ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ﴾ إلى وجوب ستر العورة فإن حفظ الفرج كما يشمل حفظه عن الزنى، يشمل ستره عن النظر، يشمل ستره عن النظر، كما بيناه فيما سبق وقد اتفق الفقهاء على حرمة كشف العورة ولكنهم اختلفوا في حدودها وسنوضح ذلك بالتفصيل إن شاء الله مع أدلة كل فريق فنقول ومن الله نستمد العون :
١- عورة الرجل مع الرجل.
٢- عورة المرأة مع المرأة.
٣- عورة الرجل مع المرأة وبالعكس.
أما عورة الرجل مع الرجل : فهي من ( السرة إلى الركبة ) فلا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل فيما بين السرة والركبة وما عدا ذلك فيجوز له النظر إليه. وقد قال النبي « لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ». وجمهور الفقهاء على أن عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة كما صحّ في الأحاديث الكثيرة، وقال مالك رحمه الله : الفخذ ليس بعورة : ومما يدل لقول الجمهور ما روي عن ( جرهد الأسلمي ) وهو من أصحاب الصفة أنه قال :« جلس رسول الله ﷺ عندنا وفخذي منكشفة فقال : أما علمت أن الفخذ عورة ».
وقال ﷺ لعلي رضي الله عنه :« لا تبرز فخذك » وفي رواية « لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت » بل إنه ﷺ نهى أن يتعرى المرء ويكشف عورته حتى إذا لم يكن معه غيره فقال :« إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يُفْضي الرجل إلى أهله ».
وأما عورة المرأة مع المرأة : فهي كعورة الرجل مع الرجل أي من ( السرة إلى الركبة ) ويجوز النظر إلى ما سوى ذلك ما عدا المرأة الذمية أو الكافرة فلها حكم خاص سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما عورة الرجل بالنسبة للمرأة : ففيه تفصيل فإن كان من ( المحارم ) ك ( الأب والأخ والعم والخال ) فعورته من السرة إلى الركبة. وإن كان ( أجنبياً ) فكذلك عورته من السرة إلى الركبة. وقيل جميع بدن الرجل عورة فلا يجوز أن تنظر إليه المرأة وكما يحرم نظرة إليها يحرم نظرها إليه والأول أصح، وأما إذا كان ( زوجاً ) فليس هناك عورة مطلقاً لقوله تعالى :
368
﴿ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [ المؤمنون : ٦ ].
وأما عورة المرأة بالنسبة للرجل : فجميع بدنها عورة على الصحيح وهو مذهب ( الشافعية والحنابلة ) وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على ذلك فقال :( وكل شيء من المرأة عورة حتى الظفر )..
وذهب ( مالك وأبو حنيفة ) إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا ( الوجه والكفين ) ولكل أدلة سنوضحها بإيجاز إن شاء الله تعالى.
أدلة المالكية والأحناف :
استدل المالكية والأحناف على أن ( الوجه والكفين ) ليسا بعورة بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ فقد استثنت الآية ما ظهر منها أي ما دعت الحاجة إلى كشفه وإظهاره وهو الوجه والكفان وقد نقل هذا عن بعض الصحابة والتابعين، فقد قال ( سعيد بن جبير ) في قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ قال : الوجه والكف، وقال ( عطاء ) : الكفان والوجه وروي مثله عن الضحاك.
ثانياً : واستدلوا بحديث عائشة ونصه :( أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله ﷺ وقال لها :« يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا » وأشار إلى وجهه وكفيه.
ثالثاً : وقالوا : مما يدل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة أن المرأة تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وتكشفهما أيضاً في الإحرام فلو كانا من العورة لما أبيح لها كشفهما لأن ستر العورة واجب لا تصح صلاة الإنسان إذا كان مكشوف العورة.
أدلة الشافعية والحنابلة :
استدل الشافعية والحنابلة على أنّ الوجه والكفين عورة بالكتاب والسنة والمعقول :
أولاً : أما الكتاب فقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ فقد حرمت الآية الكريمة إبداء الزينة، والزينةُ على قسمين : خلقية، ومكتسبة، والوجه من الزينة الخلقية بل هو أصل الجمال ومصدر الفتنة والإغراء وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها كالثياب والحلي والكحل والخضاب.. والآية الكريمة منعت المرأة من إبداء الزينة مطلقاً، وحرمت عليها أن تكشف شيئاً من أعضائها أمام الرجال أو تظهر زينتها أمامهم وتأولوا قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أن المراد ما ظهر بدون قصد ولا عمد مثل أن يكشف الريح عن نحرها أو ساقها أي شيء من جسدها، ويصبح معنى الآية على هذا التأويل ( ولا يبدين زينتهن أبداً وهنّ مؤاخذاتٍ على إبداء زينتهن إلا ما ظهر منها بنفسه وانكشف بغير قصد ولا عمد، فلسن مؤاخذاتٍ عليه فيكون الوجه والكف من الزينة التي يحرم إبذاؤها ).
ثانياً : وأما السنة فما ورد من الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على حرمة النظر منها :
أ- حديث جرير بن عبد الله « سألت رسول الله ﷺ عن نظر الفجأة فقال : اصرف نظرك ».
وأما عورة المرأة بالنسبة للرجل : فجميع بدنها عورة على الصحيح وهو مذهب ( الشافعية والحنابلة ) وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على ذلك فقال :( وكل شيء من المرأة عورة حتى الظفر )..
وذهب ( مالك وأبو حنيفة ) إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا ( الوجه والكفين ) ولكل أدلة سنوضحها بإيجاز إن شاء الله تعالى.
أدلة المالكية والأحناف :
استدل المالكية والأحناف على أن ( الوجه والكفين ) ليسا بعورة بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ فقد استثنت الآية ما ظهر منها أي ما دعت الحاجة إلى كشفه وإظهاره وهو الوجه والكفان وقد نقل هذا عن بعض الصحابة والتابعين، فقد قال ( سعيد بن جبير ) في قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ قال : الوجه والكف، وقال ( عطاء ) : الكفان والوجه وروي مثله عن الضحاك.
ثانياً : واستدلوا بحديث عائشة ونصه :( أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله ﷺ وقال لها :« يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا » وأشار إلى وجهه وكفيه.
ثالثاً : وقالوا : مما يدل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة أن المرأة تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وتكشفهما أيضاً في الإحرام فلو كانا من العورة لما أبيح لها كشفهما لأن ستر العورة واجب لا تصح صلاة الإنسان إذا كان مكشوف العورة.
أدلة الشافعية والحنابلة :
استدل الشافعية والحنابلة على أنّ الوجه والكفين عورة بالكتاب والسنة والمعقول :
أولاً : أما الكتاب فقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ فقد حرمت الآية الكريمة إبداء الزينة، والزينةُ على قسمين : خلقية، ومكتسبة، والوجه من الزينة الخلقية بل هو أصل الجمال ومصدر الفتنة والإغراء وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها كالثياب والحلي والكحل والخضاب.. والآية الكريمة منعت المرأة من إبداء الزينة مطلقاً، وحرمت عليها أن تكشف شيئاً من أعضائها أمام الرجال أو تظهر زينتها أمامهم وتأولوا قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أن المراد ما ظهر بدون قصد ولا عمد مثل أن يكشف الريح عن نحرها أو ساقها أي شيء من جسدها، ويصبح معنى الآية على هذا التأويل ( ولا يبدين زينتهن أبداً وهنّ مؤاخذاتٍ على إبداء زينتهن إلا ما ظهر منها بنفسه وانكشف بغير قصد ولا عمد، فلسن مؤاخذاتٍ عليه فيكون الوجه والكف من الزينة التي يحرم إبذاؤها ).
ثانياً : وأما السنة فما ورد من الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على حرمة النظر منها :
أ- حديث جرير بن عبد الله « سألت رسول الله ﷺ عن نظر الفجأة فقال : اصرف نظرك ».
369
ب- حديث علي « يا علي لا تُتْبع النظرةَ النظرةَ، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ».
ج- حديث الخثعمية الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما وفيه :( أن النبي ﷺ أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً فجاءته امرأة من خثعم تستفيته فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر... ) الحديث في حجة الوداع.
فجميع هذه النصوص تفيد حرمة النظر إلى الأجنبية، ولا شك أن الوجه مما لا يجوز النظر إليه فهو إذاً عورة.
د- واستدلوا بقوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] فإن الآية صريحة في عدم جواز النظر. والآية وإن كانت قد نزلت في أزواج النبي ﷺ فإنَّ الحكم يتناول غيرهن بطريق القياس عليهن، والعلة هي أن المرأة كلها عورة.
وأما المعقول : فهو أن المرأة لا يجوز النظر إليها خشية الفتنة، والفتنةُ في الوجه تكون أعظم من الفتنة بالقدم والشعر والساق.
فإذا كانت حرمة النظر إلى الشعر والساق بالاتفاق فحرمة النظر إلى الوجه تكون من باب أولى باعتبار أنه أصل الجمال، ومصدر الفتنة، ومكمن الخطر وقد قال الشاعر :
أقول : الآية الكريمة قد عرفتَ تأويلها على رأي ( الشافعية والحنابلة ) فلم يعد فيها دليل على أن الوجه ليس بعورة. وأما حديث أسماء ( إن المرأة إذا بلغت المحيض... ) فهو حديث منقطع الإسناد وفي بعض رواته ضعف وفيه كلام وهو في « سنن أبي داود »، قال أبو داود :« هذا مرسل خالد بن دُرَيْك لم يدرك عائشة وفي إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن البصري، نزيل دمشق مولى ابن نصر وقد تكلم فيه غير واحد » انتهى.
فإذا كان هذا كلام ( أبي داود ) فيه ولم يروه غيره فكيف يصلح للاحتجاج وعلى فرض صحته فإنه يحتمل أنه كان قبل نزول آية الحجاب ثم نسخ بآية الحجاب، أو أنه منحمول ما إذا كان النظر إلأى لاوجه والكفين لعذر كالخاطب، والشاهد، والقاضي.
قال ابن الجوزي رحمه الله :( ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فإن كان لعذر مثل أ ن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها فإنه ينظر في الحالتين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها لغير عذر فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها، وسواءٌ في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.
فإن قيل : فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها؟ فالجواب : أن في تغطيته مشقة فعفى عنه.
أقول : الأئمة الذين قالوا بأن ( الوجه والكفين ) ليسا بعورة اشترطوا بألا يكون عليهما شيء من الزينة وألا يكون هناك فتنة أما ما يضعه النساء في زماننا من الأصباغ والمساحيق على وجوههن وأكفهن بقصد التجميل ويظهرن به أمام الرجال في الطرقات فلا شك في تحريمه عند جميع الأئمة، ثم إن قول بعضهم : أن الوجه والكفين ليسا بعورة ليس معناه أنه يجب كشفهما أو أنه سنة وسترهما بدعة فإن ذلك ما لا يقول به مسلم وإنما معناه أنه لا حرج في كشفهما عند الضرورة، وبشرط أمن الفتنة.
ج- حديث الخثعمية الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما وفيه :( أن النبي ﷺ أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً فجاءته امرأة من خثعم تستفيته فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر... ) الحديث في حجة الوداع.
فجميع هذه النصوص تفيد حرمة النظر إلى الأجنبية، ولا شك أن الوجه مما لا يجوز النظر إليه فهو إذاً عورة.
د- واستدلوا بقوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] فإن الآية صريحة في عدم جواز النظر. والآية وإن كانت قد نزلت في أزواج النبي ﷺ فإنَّ الحكم يتناول غيرهن بطريق القياس عليهن، والعلة هي أن المرأة كلها عورة.
وأما المعقول : فهو أن المرأة لا يجوز النظر إليها خشية الفتنة، والفتنةُ في الوجه تكون أعظم من الفتنة بالقدم والشعر والساق.
فإذا كانت حرمة النظر إلى الشعر والساق بالاتفاق فحرمة النظر إلى الوجه تكون من باب أولى باعتبار أنه أصل الجمال، ومصدر الفتنة، ومكمن الخطر وقد قال الشاعر :
كلُّ الحوادث مبداها من النظر | ومعظمُ النار من مستصغر الشرر |
فإذا كان هذا كلام ( أبي داود ) فيه ولم يروه غيره فكيف يصلح للاحتجاج وعلى فرض صحته فإنه يحتمل أنه كان قبل نزول آية الحجاب ثم نسخ بآية الحجاب، أو أنه منحمول ما إذا كان النظر إلأى لاوجه والكفين لعذر كالخاطب، والشاهد، والقاضي.
قال ابن الجوزي رحمه الله :( ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فإن كان لعذر مثل أ ن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها فإنه ينظر في الحالتين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها لغير عذر فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها، وسواءٌ في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.
فإن قيل : فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها؟ فالجواب : أن في تغطيته مشقة فعفى عنه.
أقول : الأئمة الذين قالوا بأن ( الوجه والكفين ) ليسا بعورة اشترطوا بألا يكون عليهما شيء من الزينة وألا يكون هناك فتنة أما ما يضعه النساء في زماننا من الأصباغ والمساحيق على وجوههن وأكفهن بقصد التجميل ويظهرن به أمام الرجال في الطرقات فلا شك في تحريمه عند جميع الأئمة، ثم إن قول بعضهم : أن الوجه والكفين ليسا بعورة ليس معناه أنه يجب كشفهما أو أنه سنة وسترهما بدعة فإن ذلك ما لا يقول به مسلم وإنما معناه أنه لا حرج في كشفهما عند الضرورة، وبشرط أمن الفتنة.
370
أما في مثل هذا الزمان الذي كثر فيه أعوان الشيطان، وانتشر فيه الفسق والفجور، فلا يقول أحد بجواز كشفه، لا من العلماء، ولا من العقلاء، إذ من يرى هذا الداء والوباء الذي فشى في الأمة وخاصة بين النساء بتقليدهن لنساء الأجانب، فإنه يقطع بحرمة كشف الوجه لأن الفتنة مؤكدة والفساد محقق ودعاء السوء منتشرون، ولا نجد المجتمع الراقي المهذب الذي يتمسك بالآداب الفاضلة ويستمع لمثل قوله تعالى :﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ ولا لقول رسول الله ﷺ « إصرف بصرك » فالاحتياط في مثل هذا العصر والزمان واجب والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الحكم الثالث : ما هي الزينة التي يحرم إبداؤها :
دلت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ على حرمة إبداء المرأة زينتها أمام الأجانب خشية الافتتان، والزينة في الأصل اسم لكل ما تتزين به المرأة وتتجمل من أنواع الثياب والحلي والخضاب وغيرها ثم قد تطلق على ما هو أعم وأشمل من أعضاء البدن.. والزينةُ على أربعة أنواع :( خلقية، ومكتسبة، وظاهرة، وباطنة ) فمن الزينة ما يقع على محاسن الخلقة التي خلقها الله تعالى كجمال البشرة، واعتدال القامة، زسعة العيون كما قال الشاعر :
وأنكر بعضهم وقوع اسم الزينة على الخِلْقة لأنه لا يقال في الخِلْقة إنها من زينتها وإنما يقال فيما تكتسبه من كحل وخضاب وغيره، والقرب أن الخلقة داخلة في الزينة فإن الوجه أصل الزينة وجمال الخلقة وبه تعرف المليحة من القبيحة وقد قال الله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ﴾ فإن ضرب الخمار وسدله على الوجه والصدر إنما هو لمنع هذه الأعضاء فدل على أن المراد بالزينة ما يعم الخلقة... فكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقتهن بأن أوجب سترها بالخمار... وأما الذين حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فقالوا : إنه سبحانه ذكر الزينة، ومن المعلوم أنه لا يراد بها الزينة نفسها المنفصلة عن أعضاء المرأة فإن الحُليَّ والثياب والقرط والقلادة لا يحرم النظر إليها إذا كانت المرأة غير متزينة فلما حرم الله سبحانه النظر إليها حال اتصالها ببدن الخلقية إلا أنهم متفقون على حرمة النظر إلى بدن المرأة وأعضائها فكان إبداء مواقع الزينة ومواضعها من الجسم منهياً عنه من باب أولى.
الحكم الثالث : ما هي الزينة التي يحرم إبداؤها :
دلت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ على حرمة إبداء المرأة زينتها أمام الأجانب خشية الافتتان، والزينة في الأصل اسم لكل ما تتزين به المرأة وتتجمل من أنواع الثياب والحلي والخضاب وغيرها ثم قد تطلق على ما هو أعم وأشمل من أعضاء البدن.. والزينةُ على أربعة أنواع :( خلقية، ومكتسبة، وظاهرة، وباطنة ) فمن الزينة ما يقع على محاسن الخلقة التي خلقها الله تعالى كجمال البشرة، واعتدال القامة، زسعة العيون كما قال الشاعر :
إن العيون التي في طرفها حور | قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
371
وأما الزينة الظاهرة فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : ظاهر الزينة الثياب.
وقال مجاهد : الكحل والخاتم والخضاب. وقال سعيد بن جبير : الوجه والكفان وقد عرفت ما فيه من الأقوال للفقهاء. قال بان عطية :( ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية، أن المرأة مأمورة بألا تبدي شيئاً وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء - فيما يظهر - بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه ).
وأما الزينةُ الباطنة فلا يحل إبداؤها إلا لمن سمَّاهم الله تعالى في هذه الآية ﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ الآية وهم الزوج والمحارم من الرجال كما سنذكره قريباً.. وقد كان نساء الجاهلية يشددن خمرهن من خلفهن فتنكشف نحورهن وصدروهن فأمرت المسلمات أن يشددنها من الأمام ليتغطى بذلك أعناقهن ونحورهن وما يحيط بالرأس من شعر وزينة من الحلي في الأذن والقلائد في الأعناق وذلك قوله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ الآية.
الحكم الرابع : من هم المحارم الذين تبدي المرأة أمامهم زينتها؟
استثنى القرآن الكريم من الرجال الذين منعت أن تكشف المرأة أمامهم زينتها ( الخفية ) أصنافاً هم جميعاً من ( المحارم ) ما عدا الأزواج.
والعلة في ذلك هي الضرورة الداعية إلى المداخلة والمخالطة والمعاشرة حيث يكثر الدخول عليهن والنظر إليهن بسبب القرابة، والفتنةُ مأمونة من جهتهم وهم كالآتي :
أولاً : البعولة ( الأزواج ) فهؤلاء يباح لهم النظر إلى جميع البدن والاستمتاع بالزوجة بكل أنواعه الحلال.
قال القرطبي :( فالزوج والسيد يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محلٍ من بدنها حلالٌ له لذة ونظراً ولهذا المعنى بدأ بالبعولة ).
ثانياً : الآباء وكذا الأجداد سواء كانوا من جهة الأب أو الأم لقوله تعالى :﴿ أَوْ آبَآئِهِنَّ ﴾.
ثالثاً : آباء الأزواج لقوله تعالى :﴿ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾.
رابعاً : أبناؤهن وأبناء أزواجهن، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن نزلوا لقوله تعالى :﴿ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾.
خامساً : الإخوة مطلقاً سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم لقوله تعالى :﴿ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ ﴾.
سادساً : أبناء الإخوة والأخوات كذلك لأنهم في حكم الإخوة لقوله تعالى :﴿ أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ وهؤلاء كلهم من المحارم.
تنبيه : لم تذكر الآية ( الأعمام، والأخوال ) وهم من المحارم كما لم تذكر المحارم من الرضاع، والفقهاء مجمعون على أن حكم هؤلاء كحكم سائر المحارم المذكورين في الآية... أما عدم ذكر الأعمام والأخوال فالسر في ذلك أنهم بمنزلة الآباء فأغنى ذكرهم عن ذكر الأعمام والأخوال وكثيراً ما يطلق الأب على العم قال تعالى :﴿ قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ﴾
وقال مجاهد : الكحل والخاتم والخضاب. وقال سعيد بن جبير : الوجه والكفان وقد عرفت ما فيه من الأقوال للفقهاء. قال بان عطية :( ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية، أن المرأة مأمورة بألا تبدي شيئاً وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء - فيما يظهر - بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه ).
وأما الزينةُ الباطنة فلا يحل إبداؤها إلا لمن سمَّاهم الله تعالى في هذه الآية ﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ الآية وهم الزوج والمحارم من الرجال كما سنذكره قريباً.. وقد كان نساء الجاهلية يشددن خمرهن من خلفهن فتنكشف نحورهن وصدروهن فأمرت المسلمات أن يشددنها من الأمام ليتغطى بذلك أعناقهن ونحورهن وما يحيط بالرأس من شعر وزينة من الحلي في الأذن والقلائد في الأعناق وذلك قوله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ الآية.
الحكم الرابع : من هم المحارم الذين تبدي المرأة أمامهم زينتها؟
استثنى القرآن الكريم من الرجال الذين منعت أن تكشف المرأة أمامهم زينتها ( الخفية ) أصنافاً هم جميعاً من ( المحارم ) ما عدا الأزواج.
والعلة في ذلك هي الضرورة الداعية إلى المداخلة والمخالطة والمعاشرة حيث يكثر الدخول عليهن والنظر إليهن بسبب القرابة، والفتنةُ مأمونة من جهتهم وهم كالآتي :
أولاً : البعولة ( الأزواج ) فهؤلاء يباح لهم النظر إلى جميع البدن والاستمتاع بالزوجة بكل أنواعه الحلال.
قال القرطبي :( فالزوج والسيد يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محلٍ من بدنها حلالٌ له لذة ونظراً ولهذا المعنى بدأ بالبعولة ).
ثانياً : الآباء وكذا الأجداد سواء كانوا من جهة الأب أو الأم لقوله تعالى :﴿ أَوْ آبَآئِهِنَّ ﴾.
ثالثاً : آباء الأزواج لقوله تعالى :﴿ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾.
رابعاً : أبناؤهن وأبناء أزواجهن، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن نزلوا لقوله تعالى :﴿ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾.
خامساً : الإخوة مطلقاً سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم لقوله تعالى :﴿ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ ﴾.
سادساً : أبناء الإخوة والأخوات كذلك لأنهم في حكم الإخوة لقوله تعالى :﴿ أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ وهؤلاء كلهم من المحارم.
تنبيه : لم تذكر الآية ( الأعمام، والأخوال ) وهم من المحارم كما لم تذكر المحارم من الرضاع، والفقهاء مجمعون على أن حكم هؤلاء كحكم سائر المحارم المذكورين في الآية... أما عدم ذكر الأعمام والأخوال فالسر في ذلك أنهم بمنزلة الآباء فأغنى ذكرهم عن ذكر الأعمام والأخوال وكثيراً ما يطلق الأب على العم قال تعالى :﴿ قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ﴾
372
[ البقرة : ١٣٣ ] وإسماعيل عم يعقوب.. وأما المحارم من الرضاع فعدم ذكرها للاكتفاء ببيان السنة المطهرة ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ).
وأما الأنواع الباقية التي استثنتهم الآية الكريمة فهم ( النساء، المماليك، التابعين غير أولي الأربة، الأطفال ) وسنوضح كل نوع من هذه الأنواع مع بيان ما يتعلق بها من أحكام.
الحكم الخامس : هل يجوز للمسلمة أن تظهر أمام الكافرة؟
اختلف الفقهاء في المراد من قوله تعالى :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ فقال بعضهم : المراد بهن ( المسلمات ) اللاتي هنَّ على دينهن وهذا قول أكثر السلف.
قال القرطبي في تفسيره : قوله تعالى :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ يعني المسلمات ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئاً من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أمَةً لها.. وكره بعضهم أن تقبّل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها وكتب عمر رضي الله عنه إلى ( أبي عبيدة بن الجراح ) يقول :( إنه بلغني أن نساء أهل الذميَّة عِرْيَةَ المسلمة فقام عند ذلك أبو عبيدة وابتهل ) وقال :( أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر، لا تريد إلا أن تبيّضَ وجهها فسوّد الله وجهها يوم تبيض الوجوه ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :( لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصفها لزوجها ).. وقال بعضهم المراد بقوله تعالى :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ جميع النساء فيدخل في ذلك المسلمة والكافرة.
قال الألوسي : وذهب الفخر الرازي إلى أنها كالمسلمة فقال : والمذهب أنها كالمسلمة والمراد بنسائهن جميع النساء، وقولُ السلف محمول على الاستحباب ثم قال : وهذا القول أرفق بالناس اليوم فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات.
وقال ابن العربي :( والصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء. وإنما جاء بالضمير للإتباع فإنها آية الضمائر إذ فهيا خمسة وعشرون ضميراً لم يَرَوْا في القرآن لها نظيراً فجاء هذا للإتباع ).
وقال الأستاذ المودودي : والذي يجدر بالذكر في هذا المقام أن الله تعالى لم يقل ( أو النساء ) ولو أنه قال كذلك لحل للمرأة المسلمة أن تكشف عورتها وتظهر زينتها لكل نوع من النساء من المسلمات، والكافرات، والصالحات والفاسقات ولكنه تعالى جاء بكلمة ﴿ نِسَآئِهِنَّ ﴾ فمعناها أنه حدّ حرية المرأة المسلمة في إظهار زينتها إلى ( دائرة خاصة )، وأما ما هو المراد بهذه الدائرة الخاصة؟ ففيه خلاف بين الفقهاء والمفسرين؟
تقول طائفة : إن المراد بها النساء المسلمات فقط، وهذا ما رآه ابن عباس ومجاهد وابن جريج في هذه الآية واستدلوا بما كتبه عمر لأبي عبيدة بن الجراح.
وتقول طائفة أخرى : إن المراد ( بنسائهن ) جميع النساء وهذا هو أصح المذاهب عند الفخر الرازي. إلا أننا لا نكاد نفهم لماذا خص النساء بالإضافة وقال ( نسائهن ).
وتقول طائفة ثالثة : إن المراد ( بنسائهن ) النساء المختصات بهن بالصحبة والخدمة والتعارف سواء أكن مسلمات أو غير مسلمات وأن الغرض من الآية أن تخرج من دائرة النساء ( الأجنبيات ) اللاتي لا يعرف شيء عن أخلاقهن وآدابهن وعاداتهن فليست العبرة ( بالاختلاف الديني )، بل هي ( بالاختلاف الخلقي ) فللنساء المسلمات.
وأما الأنواع الباقية التي استثنتهم الآية الكريمة فهم ( النساء، المماليك، التابعين غير أولي الأربة، الأطفال ) وسنوضح كل نوع من هذه الأنواع مع بيان ما يتعلق بها من أحكام.
الحكم الخامس : هل يجوز للمسلمة أن تظهر أمام الكافرة؟
اختلف الفقهاء في المراد من قوله تعالى :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ فقال بعضهم : المراد بهن ( المسلمات ) اللاتي هنَّ على دينهن وهذا قول أكثر السلف.
قال القرطبي في تفسيره : قوله تعالى :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ يعني المسلمات ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئاً من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أمَةً لها.. وكره بعضهم أن تقبّل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها وكتب عمر رضي الله عنه إلى ( أبي عبيدة بن الجراح ) يقول :( إنه بلغني أن نساء أهل الذميَّة عِرْيَةَ المسلمة فقام عند ذلك أبو عبيدة وابتهل ) وقال :( أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر، لا تريد إلا أن تبيّضَ وجهها فسوّد الله وجهها يوم تبيض الوجوه ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :( لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصفها لزوجها ).. وقال بعضهم المراد بقوله تعالى :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ جميع النساء فيدخل في ذلك المسلمة والكافرة.
قال الألوسي : وذهب الفخر الرازي إلى أنها كالمسلمة فقال : والمذهب أنها كالمسلمة والمراد بنسائهن جميع النساء، وقولُ السلف محمول على الاستحباب ثم قال : وهذا القول أرفق بالناس اليوم فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات.
وقال ابن العربي :( والصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء. وإنما جاء بالضمير للإتباع فإنها آية الضمائر إذ فهيا خمسة وعشرون ضميراً لم يَرَوْا في القرآن لها نظيراً فجاء هذا للإتباع ).
وقال الأستاذ المودودي : والذي يجدر بالذكر في هذا المقام أن الله تعالى لم يقل ( أو النساء ) ولو أنه قال كذلك لحل للمرأة المسلمة أن تكشف عورتها وتظهر زينتها لكل نوع من النساء من المسلمات، والكافرات، والصالحات والفاسقات ولكنه تعالى جاء بكلمة ﴿ نِسَآئِهِنَّ ﴾ فمعناها أنه حدّ حرية المرأة المسلمة في إظهار زينتها إلى ( دائرة خاصة )، وأما ما هو المراد بهذه الدائرة الخاصة؟ ففيه خلاف بين الفقهاء والمفسرين؟
تقول طائفة : إن المراد بها النساء المسلمات فقط، وهذا ما رآه ابن عباس ومجاهد وابن جريج في هذه الآية واستدلوا بما كتبه عمر لأبي عبيدة بن الجراح.
وتقول طائفة أخرى : إن المراد ( بنسائهن ) جميع النساء وهذا هو أصح المذاهب عند الفخر الرازي. إلا أننا لا نكاد نفهم لماذا خص النساء بالإضافة وقال ( نسائهن ).
وتقول طائفة ثالثة : إن المراد ( بنسائهن ) النساء المختصات بهن بالصحبة والخدمة والتعارف سواء أكن مسلمات أو غير مسلمات وأن الغرض من الآية أن تخرج من دائرة النساء ( الأجنبيات ) اللاتي لا يعرف شيء عن أخلاقهن وآدابهن وعاداتهن فليست العبرة ( بالاختلاف الديني )، بل هي ( بالاختلاف الخلقي ) فللنساء المسلمات.
373
أن يظهرن زينتهن بدون حجاب ولا تحرج للنساء الكريمات الفاضلات ولو من غير المسلمات. وأما الفاسقات اللاتي لا حياء عندهن ولا يعتمد على أخلاقهن وآدابهن فيجب أن تحتجب عنهن كل امرأة مؤمنة صالحة ولو كنَّ مسلمات لأن صحبتهن لا تقل عن صحبة الرجال ضرراً على أخلاقها ).
أقول : هذا الرأي وجيه وسديد وحبذا لو تمسكت به المسلمات في عصرنا الحاضر إذاً لحافظن على أخلاقهن وآدابهن، وكفين شر هذا التقليد الأعمى للفاسقات الفاجرات في الأزياء والعادات الضارة الذميمة، التي غزتنا بها الحضارة المزيفة ( حضارة الغرب ) التي يسميها البعض حضارة القرن العشرين، وما هي بحضارة وإنما هي قذارة وفجارة ولقد أحسن من قال :
الحكم السادس : هل يباح للحرة أن تنكشف أمام عبدها؟
ظاهر قوله تعالى :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ أنه يشمل ( العبيد والإماء ) وبهاذ قال بعض العلماء وهو مذهب ( الشافعية ) ؛ فقد نصّ ابن حجر في المنهاج على أن نظر العبد العدل إلى سيدته كالنظر إلى محرم فينظر منها ما عدا ما بين السرة والركبة. وذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة ( وهو قول للشافعي أيضاً ) إلى أن العبد كالأجنبي فلا يحل نظره إلى سيدته لأنه ليس بمحرم. وتأولوا الآية بأنها في حق الإماء فقط، واستدلوا بما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه قال :( لا تغرنكم آية النور فإنها في الإناث دون الذكور ) يعني قوله تعالى :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ فإنها في الإماء دون العبيد. وعلَّلوا ذلك بأنهم فحول ليسوا أزواجاً ولا محارم، والشهوةُ متحققة فيهم فلا يجوز التكشف وإبداء الزينة أمامهم.
وقالوا إنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء لأن الذين تقدم ذكرهم أحرار فلما ذكر الإماء زال الإشكال.
قال ابن عباس : لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته ( وهذا مذهب مالك ).
ومما استدل به الإمام الشافعي رحمه الله ما روي عن أنس « أن النبي ﷺ أتى فاطمة رضي الله عنها بعبد قد وهب لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنَّعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطَّت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى ما تلقى قال : إنه ليس عليك بأسٌ إنما هو أبوك وغلامك ».
الحكم السابع : من هم أولة الإربة من الرجال؟
استثنت الآية الكريمة ﴿ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة ﴾ فسمحت للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم وهم الرجال البُله المغفّلون.
أقول : هذا الرأي وجيه وسديد وحبذا لو تمسكت به المسلمات في عصرنا الحاضر إذاً لحافظن على أخلاقهن وآدابهن، وكفين شر هذا التقليد الأعمى للفاسقات الفاجرات في الأزياء والعادات الضارة الذميمة، التي غزتنا بها الحضارة المزيفة ( حضارة الغرب ) التي يسميها البعض حضارة القرن العشرين، وما هي بحضارة وإنما هي قذارة وفجارة ولقد أحسن من قال :
إيه عصر العشرين ظنوك عصراً | نيّرَ الوجهِ مسعد الإنسان |
لست ( نوراً ) بل أنت ( نارٌ ) وظلم | مذ جعلتَ الإنسان كالحيوان |
ظاهر قوله تعالى :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ أنه يشمل ( العبيد والإماء ) وبهاذ قال بعض العلماء وهو مذهب ( الشافعية ) ؛ فقد نصّ ابن حجر في المنهاج على أن نظر العبد العدل إلى سيدته كالنظر إلى محرم فينظر منها ما عدا ما بين السرة والركبة. وذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة ( وهو قول للشافعي أيضاً ) إلى أن العبد كالأجنبي فلا يحل نظره إلى سيدته لأنه ليس بمحرم. وتأولوا الآية بأنها في حق الإماء فقط، واستدلوا بما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه قال :( لا تغرنكم آية النور فإنها في الإناث دون الذكور ) يعني قوله تعالى :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن ﴾ فإنها في الإماء دون العبيد. وعلَّلوا ذلك بأنهم فحول ليسوا أزواجاً ولا محارم، والشهوةُ متحققة فيهم فلا يجوز التكشف وإبداء الزينة أمامهم.
وقالوا إنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء لأن الذين تقدم ذكرهم أحرار فلما ذكر الإماء زال الإشكال.
قال ابن عباس : لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته ( وهذا مذهب مالك ).
ومما استدل به الإمام الشافعي رحمه الله ما روي عن أنس « أن النبي ﷺ أتى فاطمة رضي الله عنها بعبد قد وهب لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنَّعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطَّت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى ما تلقى قال : إنه ليس عليك بأسٌ إنما هو أبوك وغلامك ».
الحكم السابع : من هم أولة الإربة من الرجال؟
استثنت الآية الكريمة ﴿ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة ﴾ فسمحت للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم وهم الرجال البُله المغفّلون.
374
الذين لا يعرفون من أمور النساء شيئاً وليس لهم ميل نحو النساء أو اشتهاء لهن، بحيث يكون عجزهم الجسدي، أو ضعفهم العقلي، أو فقرهم ومسكنتهم، تجعلهم لا ينظرون إلى المرأة بنظر غير طاهر أو يخطر ببالهم شيء من سوء الدخيلة نحوهن.
ونحن ننقل هنا بعض أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين ليتوضح لنا المعنى الصحيح للآية الكريمة، وندرك المراد من قوله تعالى :﴿ أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال... ﴾.
قال ابن عباس : هو المغفل الذي لا حاجة له في النساء.
وقال قتادة : هو التابع يتبعك ليصيب من طعامك.
وقال مجاهد : هو الأبلة الذي لا يهمه إلا بطنه ولا يعرف شيئاً من النساء.
وهناك أقوال أخرى : تشير كلها إلى أن ( أولي الإربة ) المراد به غير أولي الحاجة إلى النساء وليس له شهوة أو ميل نحوهن إما لأنه أبله مغفل لا يعرف من أمور الجنس شيئاً أو لأنه لا شهوة فيه أصلاً.
قصة المخنث :
روى البخاري وغيره عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما : أن مخنثاً كان يدخل على أهل رسول الله ﷺ وكانوا يعدُّونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي ﷺ على أم سلمة وعندها هذا المخنث وعندها أخوها ( عبد الله بن أبي أمية ) والمخنث يقول : يا عبد الله إن فتح الله عليك الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان فسمعه ﷺ فقال :« يا عدو الله لقد غلغلت النظر فيها، ثم قال لأم سلمة :» لا يدخلنَّ هذا عليك « ».
يقول الأستاذ المودودي :« ولعمر الحق إن كل من يقرأ هذا الحكم بنية الطاعة لا بنية أن ينال لنفسه سبيلاً إلى الفرار من الطاعة لا يلبث أن يعرف لأول وهلة أن هؤلاء الخدام والغلمان المكتملين شباباً في البيوت، أو المطاعم والمقاهي، والفنادق، لا يشملهم هذا التعريف للتابعين غير أولي الإربة بحال من الأحوال ».
الحكم الثامن : من هو الطفل الذي لا تحتجب منه المرأة؟
اختلف العلماء في قوله تعالى :﴿ أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء ﴾ فقال بعضهم : المراد الذين لم يبلغوا حد الشهوة للجماع وقال آخرون : بل المراد الذين لم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر.
ولعلَّ هذا الأخير أقرب للصواب، وأنَّ المراد بهم الأطفال الذين لا يثير فيهم جسم المرأة أو حركاتها وسكناتها شعوراً بالجنس، لأنهم لصغرهم لا يعرفون معاني الجنس، وهذا لا يصدق إلا على من كان سنة دون ( العاشرة ) أما الطفل المراهق فإن الشعور بالجنس يبدأ يثور فيه ولو كان لم يبلغ بعد سنَّ الحلم فينبغي أن تحتجب منه المرأة.
الحكم التاسع : هل صوت المرأة عورة؟
حرم الإسلام كل ما يدعو إلى الفتنة والإغراء.
ونحن ننقل هنا بعض أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين ليتوضح لنا المعنى الصحيح للآية الكريمة، وندرك المراد من قوله تعالى :﴿ أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال... ﴾.
قال ابن عباس : هو المغفل الذي لا حاجة له في النساء.
وقال قتادة : هو التابع يتبعك ليصيب من طعامك.
وقال مجاهد : هو الأبلة الذي لا يهمه إلا بطنه ولا يعرف شيئاً من النساء.
وهناك أقوال أخرى : تشير كلها إلى أن ( أولي الإربة ) المراد به غير أولي الحاجة إلى النساء وليس له شهوة أو ميل نحوهن إما لأنه أبله مغفل لا يعرف من أمور الجنس شيئاً أو لأنه لا شهوة فيه أصلاً.
قصة المخنث :
روى البخاري وغيره عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما : أن مخنثاً كان يدخل على أهل رسول الله ﷺ وكانوا يعدُّونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي ﷺ على أم سلمة وعندها هذا المخنث وعندها أخوها ( عبد الله بن أبي أمية ) والمخنث يقول : يا عبد الله إن فتح الله عليك الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان فسمعه ﷺ فقال :« يا عدو الله لقد غلغلت النظر فيها، ثم قال لأم سلمة :» لا يدخلنَّ هذا عليك « ».
يقول الأستاذ المودودي :« ولعمر الحق إن كل من يقرأ هذا الحكم بنية الطاعة لا بنية أن ينال لنفسه سبيلاً إلى الفرار من الطاعة لا يلبث أن يعرف لأول وهلة أن هؤلاء الخدام والغلمان المكتملين شباباً في البيوت، أو المطاعم والمقاهي، والفنادق، لا يشملهم هذا التعريف للتابعين غير أولي الإربة بحال من الأحوال ».
الحكم الثامن : من هو الطفل الذي لا تحتجب منه المرأة؟
اختلف العلماء في قوله تعالى :﴿ أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء ﴾ فقال بعضهم : المراد الذين لم يبلغوا حد الشهوة للجماع وقال آخرون : بل المراد الذين لم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر.
ولعلَّ هذا الأخير أقرب للصواب، وأنَّ المراد بهم الأطفال الذين لا يثير فيهم جسم المرأة أو حركاتها وسكناتها شعوراً بالجنس، لأنهم لصغرهم لا يعرفون معاني الجنس، وهذا لا يصدق إلا على من كان سنة دون ( العاشرة ) أما الطفل المراهق فإن الشعور بالجنس يبدأ يثور فيه ولو كان لم يبلغ بعد سنَّ الحلم فينبغي أن تحتجب منه المرأة.
الحكم التاسع : هل صوت المرأة عورة؟
حرم الإسلام كل ما يدعو إلى الفتنة والإغراء.
375
فنهى المرأة أن تضرب برجلها الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك الشهوة في قلوب بعض الرجال ﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾.
وقد استدل الأحناف بهذا النهي على أن صوت المرأة عورة فإذا منعت عن صوت الخلخال فإن المنع عن رفع صوتها أبلغ في النهي.
قال الجصاص في تفسيره :( وفي الآية دلالة على أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها. ولذلك كره أصحابنا أذان النساء لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأةُ منهية عن ذلك، وهو يدل على حظر النظر إلى وجهها للشهوة إذا كان ذلك أقرب إلى الريبة وأولى بالفتنة ).. ونقل بعض الأحناف أن نغمة المرأة عورة واستدلوا بحديث ( التكبير للرجال والتصفيق للنساء ) فلا يحسن أن يسمعها الرجل.
وذهب الشافعية وغيرهم إلى أن صوت المرأة ليس بعورة لأن المرأة لها أن تبيع وتشتري وتُدْلي بشهادتها أمام الحكام، ولا بد في مثل هذه الأمور من رفع الصوت بالكلام.
قال الألوسي :( والمذكور في معتبرات كتب الشافعية - وإليه أميل - أن صوتهن ليس بعورة فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة ).
والظاهر أنه إاذ أمنت الفتنة لم يكن صوتهن عورة فإن نساء النبي ﷺ كُنَّ يروين الأخبار، ويحدِّثن الرجال، وفيهم الأجانب من غير نكير ولا تأثيم.
وذهب ابن كثير رحمه الله إلى أن المرأة منهية عن كل شيء يلفت النظر إليها، أو يحرك شهوة الرجال نحوها، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها لقوله عليه السلام « كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا » يعني زانية ومثل ذلك أن تحرك يديها لإظهار أساورها وحليها.
أقول : ينبغي على الرجال أن يمنعوا النساء من كل ما يؤدي إلى الفتنة والإغراء، كخروجهن بملابس ضيقة، أو ذات ألوان جذابة، ورفع أصواتهن وتعطرهن إذا خرجن للأسواق وتبخترهن في المشية وتكسرهن في الكلام وقد قال الله تعالى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ] وأمثال ذلك ممّا لا يتفق مع الآداب الإسلامية، ولا يليق بشهامة الرجل المسلم، فإن الفساد ما انتشر إلا بتهاون الرجال، والتحلل ما ظهر إلا بسبب فقدان ( الغيرة ) والحمية على العرض والشرف، والذي لا يغار على أهله لا يكون مسلماً وقد سماه الرسول ﷺ ديوثاً فقال :« ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها : الرجلة من النساء ( أي المتشبهة بالرجال ) ومُدْمِنُ الخمر والديوث، قالوا : من هو الديوث يا رسول الله؟ قال الذي يُقِرُّ الخبث في أهله »
وقد استدل الأحناف بهذا النهي على أن صوت المرأة عورة فإذا منعت عن صوت الخلخال فإن المنع عن رفع صوتها أبلغ في النهي.
قال الجصاص في تفسيره :( وفي الآية دلالة على أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها. ولذلك كره أصحابنا أذان النساء لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأةُ منهية عن ذلك، وهو يدل على حظر النظر إلى وجهها للشهوة إذا كان ذلك أقرب إلى الريبة وأولى بالفتنة ).. ونقل بعض الأحناف أن نغمة المرأة عورة واستدلوا بحديث ( التكبير للرجال والتصفيق للنساء ) فلا يحسن أن يسمعها الرجل.
وذهب الشافعية وغيرهم إلى أن صوت المرأة ليس بعورة لأن المرأة لها أن تبيع وتشتري وتُدْلي بشهادتها أمام الحكام، ولا بد في مثل هذه الأمور من رفع الصوت بالكلام.
قال الألوسي :( والمذكور في معتبرات كتب الشافعية - وإليه أميل - أن صوتهن ليس بعورة فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة ).
والظاهر أنه إاذ أمنت الفتنة لم يكن صوتهن عورة فإن نساء النبي ﷺ كُنَّ يروين الأخبار، ويحدِّثن الرجال، وفيهم الأجانب من غير نكير ولا تأثيم.
وذهب ابن كثير رحمه الله إلى أن المرأة منهية عن كل شيء يلفت النظر إليها، أو يحرك شهوة الرجال نحوها، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها لقوله عليه السلام « كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا » يعني زانية ومثل ذلك أن تحرك يديها لإظهار أساورها وحليها.
أقول : ينبغي على الرجال أن يمنعوا النساء من كل ما يؤدي إلى الفتنة والإغراء، كخروجهن بملابس ضيقة، أو ذات ألوان جذابة، ورفع أصواتهن وتعطرهن إذا خرجن للأسواق وتبخترهن في المشية وتكسرهن في الكلام وقد قال الله تعالى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ] وأمثال ذلك ممّا لا يتفق مع الآداب الإسلامية، ولا يليق بشهامة الرجل المسلم، فإن الفساد ما انتشر إلا بتهاون الرجال، والتحلل ما ظهر إلا بسبب فقدان ( الغيرة ) والحمية على العرض والشرف، والذي لا يغار على أهله لا يكون مسلماً وقد سماه الرسول ﷺ ديوثاً فقال :« ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها : الرجلة من النساء ( أي المتشبهة بالرجال ) ومُدْمِنُ الخمر والديوث، قالوا : من هو الديوث يا رسول الله؟ قال الذي يُقِرُّ الخبث في أهله »
376
وفي رواية الذي يغار على أهله.
وقديماً قال شاعرنا العربي :
جرد السيف لرأس... طارت النخوة منه
نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وشرفنا وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب الدعاء.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - النظر بريد الزنى ورائد الفجور فلا ينبغي للمؤمن ان يسلك هذا الطريق.
ثانياً - في غض البصر وحفظ الفرج طهارة للإنسان من الرذائل والفواحش.
ثالثاً - لا يجوز للمسلمة أن تبدي زينتها إلا أمام الزوج أو المحارم من أقاربها.
رابعاً - على المسلمة أن تستر رأسها ونحرها وصدرها بخمارها لئلا يطلع عليها الأجانب.
خامساً - الأطفال والخدام والغلمان الذين لا يعرفون أمور الجنس لصغرهم لا مانع من دخولهم على النساء.
سادساً - يحرم على المسلمة أن تفعل ما يلفت أنظار الرجال إليها أو يثير بواعث الفتنة.
سابعاً - على جميع المؤمنين والمؤمنات أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإنابة ويتمسكوا بأداب الإسلام.
ثامناً - الآداب الإجتماعية التي أرشد إليها الإسلام، فيها صيانة لكرامة الأسرة، وحفظ للمجتمع المسلم.
حكمة التشريع
أمر الله تعالى المؤمنين بغض الأبصار، وحفظ الفروج كما أمر المؤمنات بمثل ما أمر به المؤمنين تزكية للنفوس وتطهيراً للمجتمع من أدران الفاحشة والتردي في بؤرة الفساد والتحلل الخلقي، وتجنيباً للنفوس من أسباب الإغراء والغواية.
وقد زاد الإسلامُ المرأة تزكية وطهراً، أن كلَّفها زيادة على الرجل بعدم إبداء الزينة لغير المحارم من الأقرباء وفرض عليها الحجاب الشرعي ليصون لها كرامتها، ويحفظها من النظرات الجارحة، والعيون الخائنة، ويدفع عنها مطامع المغرضين الفجار. ولما كان ( إبداء الزينة ) والتعرض بالفتنة من أهم أسباب ( التحلل ) الخلقي و ( الفساد ) الاجتماعي لذلك فقد أكد الباري جل وعلا ذلك الأمر للمؤمنات بتجنب إظهار الزينة أمام الأجانب ليسد نوافذ الفتنة ويغلق أبواب الفاحشة ويحول دون وصول ذلك السهم المسموم فالنظرة بريد الشهوة ورائد الفجور ولقد أحسن من قال :
كلُّ الحوادث مبداها من النظر... ومعظمُ النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها... في أعين ( الغيد ) موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته... لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها... فتك السهام بلا قوسٍ ولا وتر
يقول شهيد الإسلام ( سيد قطب ) عليه رحمه الله في تفسيره « ظلال القرآن » ما نصُّه :
( إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار، فعمليات ( الاستثارة ) المستمرة تنتهي إلى سُعَار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي. والنظرة الخائنة والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنع شيئاً إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون.
وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاء ( مجتمع نظيف ) هي الحيلولة دون هذه الاستثارة وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليماً.
وقديماً قال شاعرنا العربي :
جرد السيف لرأس... طارت النخوة منه
نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وشرفنا وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب الدعاء.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - النظر بريد الزنى ورائد الفجور فلا ينبغي للمؤمن ان يسلك هذا الطريق.
ثانياً - في غض البصر وحفظ الفرج طهارة للإنسان من الرذائل والفواحش.
ثالثاً - لا يجوز للمسلمة أن تبدي زينتها إلا أمام الزوج أو المحارم من أقاربها.
رابعاً - على المسلمة أن تستر رأسها ونحرها وصدرها بخمارها لئلا يطلع عليها الأجانب.
خامساً - الأطفال والخدام والغلمان الذين لا يعرفون أمور الجنس لصغرهم لا مانع من دخولهم على النساء.
سادساً - يحرم على المسلمة أن تفعل ما يلفت أنظار الرجال إليها أو يثير بواعث الفتنة.
سابعاً - على جميع المؤمنين والمؤمنات أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإنابة ويتمسكوا بأداب الإسلام.
ثامناً - الآداب الإجتماعية التي أرشد إليها الإسلام، فيها صيانة لكرامة الأسرة، وحفظ للمجتمع المسلم.
حكمة التشريع
أمر الله تعالى المؤمنين بغض الأبصار، وحفظ الفروج كما أمر المؤمنات بمثل ما أمر به المؤمنين تزكية للنفوس وتطهيراً للمجتمع من أدران الفاحشة والتردي في بؤرة الفساد والتحلل الخلقي، وتجنيباً للنفوس من أسباب الإغراء والغواية.
وقد زاد الإسلامُ المرأة تزكية وطهراً، أن كلَّفها زيادة على الرجل بعدم إبداء الزينة لغير المحارم من الأقرباء وفرض عليها الحجاب الشرعي ليصون لها كرامتها، ويحفظها من النظرات الجارحة، والعيون الخائنة، ويدفع عنها مطامع المغرضين الفجار. ولما كان ( إبداء الزينة ) والتعرض بالفتنة من أهم أسباب ( التحلل ) الخلقي و ( الفساد ) الاجتماعي لذلك فقد أكد الباري جل وعلا ذلك الأمر للمؤمنات بتجنب إظهار الزينة أمام الأجانب ليسد نوافذ الفتنة ويغلق أبواب الفاحشة ويحول دون وصول ذلك السهم المسموم فالنظرة بريد الشهوة ورائد الفجور ولقد أحسن من قال :
كلُّ الحوادث مبداها من النظر... ومعظمُ النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها... في أعين ( الغيد ) موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته... لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها... فتك السهام بلا قوسٍ ولا وتر
يقول شهيد الإسلام ( سيد قطب ) عليه رحمه الله في تفسيره « ظلال القرآن » ما نصُّه :
( إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار، فعمليات ( الاستثارة ) المستمرة تنتهي إلى سُعَار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي. والنظرة الخائنة والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنع شيئاً إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون.
وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاء ( مجتمع نظيف ) هي الحيلولة دون هذه الاستثارة وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليماً.
377
دون استثارة مصطنعة، وتصريفُه في موضعه المأمون النظيف.
ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق، والاختلاط الميسور، والدعابة المرحة بين الجنسين، والاطلاع على مواطن الفتنة المخبوءة.. شاع أن كل هذا ( تنفيس ) وترويح ووقاية من الكبت ومن العقد النفسية... شاع هذا على أثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه عن الحيوان والرجوع إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين - وبخاصة نظرية فرويد - ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية.
رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتاً من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية، والدينية، والإنسانية، ما يكذبها وينقضها من الأساس.
نعم شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي، بكل صوره وأشكاله، أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها إنما انتهى إلى سعار مجنون، لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع.
وشاهدت من الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهوماً أنها لا تنشأ إلا من الحرمان. شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ثمرة مباشرة ( للاختلاط ) الذي لا يقيده قيد ولا يقف عنده حد.
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته فالنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات. وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام مع تهذيب الطبع وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة غير تلبية دافع اللحم والدم.
خاتمة البحث :
بدعة كشف الوجه
ظهرت في هذه الأيام الحديثة، دعوة تطورية جديدة، تدعو المرأة إلى أن تسفر عن وجهها، وتترك النقاب الذي اعتادت أن تضعه عند الخروج من المنزل، بحجة أن النقاب ليس من الحجاب الشرعي، وأن الوجه ليس بعورة. دعوة ( تجددية ) من أناس يريدون أن يظهروا بمظهر الأئمة المصلحين الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة ليجددوا للأمة أمر دينها، ويبعثوا فيها روح التضحية، والإيمان، والكفاح.
دعوة جديدة، وبدعة حديثة من أناس يدعون العلم، ويزعمون الاجتهاد ويريدون أن يثبتوا بآرائهم ( العصرية الحديثة ) أنهم أهل لأن يُنافِسوا الأئمة المجتهدين وأن يجتهدوا في الدين كما اجتهد أئمة المذاهب ويكون لهم أنصار وأتباع.
لقد لاقت هذه الدعوة ( بدعة كشف الوجه ) رواجاً بين صفوف كثير من الشباب وخاصة منهم العصريين، لا لأنها ( دعوة حق ) ولكن لأنها تلبي داعي الهوى، والهوى محبَّب إلى النفس وتسير مع الشهوة، والشهوة كامنة في كل إنسان، فلا عجب إذاً أن نرى أو نسمع من يستجيب لهذه الدعوة الأثيمة ويسارع إلى تطبيقها بحجة أنها « حكم الإسلام » وشرع الله المنير.
يقولون : إنها تطبيق لنصوص الكتاب والسنة وعمل بالحجاب الشرعي الذي أمر الله تعالى به المسلمات في كتابه العزيز، وأنهم يريدون أن يتخلصوا من الإثم بكتمهم العلم
ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق، والاختلاط الميسور، والدعابة المرحة بين الجنسين، والاطلاع على مواطن الفتنة المخبوءة.. شاع أن كل هذا ( تنفيس ) وترويح ووقاية من الكبت ومن العقد النفسية... شاع هذا على أثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه عن الحيوان والرجوع إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين - وبخاصة نظرية فرويد - ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية.
رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتاً من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية، والدينية، والإنسانية، ما يكذبها وينقضها من الأساس.
نعم شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي، بكل صوره وأشكاله، أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها إنما انتهى إلى سعار مجنون، لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع.
وشاهدت من الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهوماً أنها لا تنشأ إلا من الحرمان. شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ثمرة مباشرة ( للاختلاط ) الذي لا يقيده قيد ولا يقف عنده حد.
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته فالنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات. وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام مع تهذيب الطبع وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة غير تلبية دافع اللحم والدم.
خاتمة البحث :
بدعة كشف الوجه
ظهرت في هذه الأيام الحديثة، دعوة تطورية جديدة، تدعو المرأة إلى أن تسفر عن وجهها، وتترك النقاب الذي اعتادت أن تضعه عند الخروج من المنزل، بحجة أن النقاب ليس من الحجاب الشرعي، وأن الوجه ليس بعورة. دعوة ( تجددية ) من أناس يريدون أن يظهروا بمظهر الأئمة المصلحين الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة ليجددوا للأمة أمر دينها، ويبعثوا فيها روح التضحية، والإيمان، والكفاح.
دعوة جديدة، وبدعة حديثة من أناس يدعون العلم، ويزعمون الاجتهاد ويريدون أن يثبتوا بآرائهم ( العصرية الحديثة ) أنهم أهل لأن يُنافِسوا الأئمة المجتهدين وأن يجتهدوا في الدين كما اجتهد أئمة المذاهب ويكون لهم أنصار وأتباع.
لقد لاقت هذه الدعوة ( بدعة كشف الوجه ) رواجاً بين صفوف كثير من الشباب وخاصة منهم العصريين، لا لأنها ( دعوة حق ) ولكن لأنها تلبي داعي الهوى، والهوى محبَّب إلى النفس وتسير مع الشهوة، والشهوة كامنة في كل إنسان، فلا عجب إذاً أن نرى أو نسمع من يستجيب لهذه الدعوة الأثيمة ويسارع إلى تطبيقها بحجة أنها « حكم الإسلام » وشرع الله المنير.
يقولون : إنها تطبيق لنصوص الكتاب والسنة وعمل بالحجاب الشرعي الذي أمر الله تعالى به المسلمات في كتابه العزيز، وأنهم يريدون أن يتخلصوا من الإثم بكتمهم العلم
378
﴿ إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات والهدى ﴾ [ البقرة : ١٥٩ ] إلى آخر دعاواهم الطويلة العريضة.
ولست ادري أي إثم يتخلصون منه، وهم يدعون المرأة إلى أن تطرح هذا النقاب عن وجهها وتُسفر عن محاسنها في مجتمع يتأجج بالشهوة ويصطلي بنيران الهوى ويتبجح بالدعارة، والفسق، والفجور؟!
ولقد سبقهم بهذه ( البدعة المنكرة ) بعض أهل ( الهوى ) من الشعراء حين قال :
ولو أن هؤلاء ( المجدِّدين ) اقتصرت دعوتهم على النساء العاريات، المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى، اللواتي خالفن تعاليم الإسلام بخلعهن للحجاب فدعوهن إلى التستر والاحتشام وارتداء الجلباب الذي أمرهن به الله تعالى وقالوا لهن : إن أمر ( الوجه والكفين ) فيهما سعة وإن بإمكانهن أن يسترن أجسادهن ويكشفن وجوههن لهان الخطب، وسهل الأمر، وكانت دعوتهم مقبولة لأنها تدرج بالتشريع بطريق الحكمة، ولكنهم يدعون المرأة المؤمنة المحتشمة الساترة لما أمر الله تعالى ستره، فيزينون لها أن تكشف عن وجهها وتخرج عن حيائها ووقارها فتطرح النقاب تطبيقاً للكتاب والسنة بحجة أن الوجه ليس من العورة؟
وإنه لتحضرني قصة تلك المرأة المؤمنة الطاهرة التي استشهد ولدها في إحدى الغزوات مع رسول الله ﷺ فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة فقيل لها : تبحثين عنه وأنت متنقبة؟ فأجابت بقولها : لأن أرزأ ولدي فلن أرزأ حيائي؟.. عجباً والله لهؤلاء وأمثالهم أن يدعوا ( المرأة المسلمة ) إلى كشف الوجه باسم الدين، وأن يزينوا لها طرح النقاب في مثل هذا العصر الذي فسد رجاله، وفسق شبابه، إلا من رحم الله وكثر فيه الفسق والفجور والمجون.
ونحن نقول لهؤلاء ( المجدِّدين ) من أئمة العصر المجتهدين : رويدكم فقد أخطأتم الجادة وتنكبتم الفهم السليم الصحيح للإسلام وأحكامه التشريعية، ونخاطبهم بمنطق العقل والشرع، وكفى بهما حجة وبرهاناً.
لقط شرط الفقهاء - الذين قالوا بأن الوجه ليس بعورة - أمن الفتنة فقالوا : الوجه ليس بعورة، ولكن يحرم كشفه خشية الفتنة، فهل الفتنة مأمونة في مثل هذا الزمان؟
والإسلام قد حرم على المرأة أن تكشف شيئاً من عورتها أمام الأجانب خشية الفتنة، فهل يعقل أن يأمرها الإسلام أن تستر شعرها وقدميها وأن يسمح لها أن تكشف وجهها ويديها؟ وأيهما تكون فيه الفتنة أكبر الوجه أم القدم؟ يا هؤلاء كونوا عقلاء ولا تلبسوا على الخلخال وتتحرك قلوب الرجال أو يبدو شيء من زينتها، فهل يسمح لها أن تشكف عن الوجه الذي هو أصل الجمال ومنبع الفتنة ومكمن الخطر؟.
كلمة العلامة المودودي
وأختم هذه الكلمة بما ذكره العلامة المودودي في تفسيره لسورة النور حيث قال أمد الله في عمره :
« وهذه الجملة في الآية الكريمة ﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ تدل على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدن إظهار هذه الزينة غير أن ما ظهر منها بدون قصد منهن، أو ما كان ظاهراً بنفسه لا يمكن إخفاؤه كالرداء الذي تجلل به النساء ملابسهن ( يعني الملاءة ) لأنه لا يمكن إخفاؤه وهو مما يستجلب النظر لكونه على بدن المرأة على كل حال فلا مؤاخذة عليه من الله تعالى وهذا هو المعنى الذي بينه عبد الله بن مسعود والحسن البصري.
ولست ادري أي إثم يتخلصون منه، وهم يدعون المرأة إلى أن تطرح هذا النقاب عن وجهها وتُسفر عن محاسنها في مجتمع يتأجج بالشهوة ويصطلي بنيران الهوى ويتبجح بالدعارة، والفسق، والفجور؟!
ولقد سبقهم بهذه ( البدعة المنكرة ) بعض أهل ( الهوى ) من الشعراء حين قال :
قل للمليحة في الخمار المذهب | أذهبتِ دينَ أخ التُّقى المتعبد |
نور الخمار ونور وجهك ساطع | عجباً لوجهك كيف لم يتوقد |
وإنه لتحضرني قصة تلك المرأة المؤمنة الطاهرة التي استشهد ولدها في إحدى الغزوات مع رسول الله ﷺ فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة فقيل لها : تبحثين عنه وأنت متنقبة؟ فأجابت بقولها : لأن أرزأ ولدي فلن أرزأ حيائي؟.. عجباً والله لهؤلاء وأمثالهم أن يدعوا ( المرأة المسلمة ) إلى كشف الوجه باسم الدين، وأن يزينوا لها طرح النقاب في مثل هذا العصر الذي فسد رجاله، وفسق شبابه، إلا من رحم الله وكثر فيه الفسق والفجور والمجون.
ونحن نقول لهؤلاء ( المجدِّدين ) من أئمة العصر المجتهدين : رويدكم فقد أخطأتم الجادة وتنكبتم الفهم السليم الصحيح للإسلام وأحكامه التشريعية، ونخاطبهم بمنطق العقل والشرع، وكفى بهما حجة وبرهاناً.
لقط شرط الفقهاء - الذين قالوا بأن الوجه ليس بعورة - أمن الفتنة فقالوا : الوجه ليس بعورة، ولكن يحرم كشفه خشية الفتنة، فهل الفتنة مأمونة في مثل هذا الزمان؟
والإسلام قد حرم على المرأة أن تكشف شيئاً من عورتها أمام الأجانب خشية الفتنة، فهل يعقل أن يأمرها الإسلام أن تستر شعرها وقدميها وأن يسمح لها أن تكشف وجهها ويديها؟ وأيهما تكون فيه الفتنة أكبر الوجه أم القدم؟ يا هؤلاء كونوا عقلاء ولا تلبسوا على الخلخال وتتحرك قلوب الرجال أو يبدو شيء من زينتها، فهل يسمح لها أن تشكف عن الوجه الذي هو أصل الجمال ومنبع الفتنة ومكمن الخطر؟.
كلمة العلامة المودودي
وأختم هذه الكلمة بما ذكره العلامة المودودي في تفسيره لسورة النور حيث قال أمد الله في عمره :
« وهذه الجملة في الآية الكريمة ﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ تدل على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدن إظهار هذه الزينة غير أن ما ظهر منها بدون قصد منهن، أو ما كان ظاهراً بنفسه لا يمكن إخفاؤه كالرداء الذي تجلل به النساء ملابسهن ( يعني الملاءة ) لأنه لا يمكن إخفاؤه وهو مما يستجلب النظر لكونه على بدن المرأة على كل حال فلا مؤاخذة عليه من الله تعالى وهذا هو المعنى الذي بينه عبد الله بن مسعود والحسن البصري.
379
أما ما يقوله غيرهم إن معنى ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ ما يظهره الإنسان على العادة الجارية. ثم هم يدخلون فيه ( وجه المرأة وكفيها ) بكل ما عليها من الزينة، أي أنه يصح عندهم أن تزين المرأة وجهها بالكحل والمساحيق والصبغ، ويديها بالحناء والخاتم والأسورة، ثم تمشي في الناس كاشفة وجهها وكفيها... أما نحن فنكاد نعجز عن أن نفهم قاعدة من قواعد اللغة يجوز أن يكون معنى ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ ما يُظْهره الإنسان فإن الفرق بين أن يَظْهر الشيء بنفسه، أو أن يُظهره الإنسان بقصده واضح لا يكاد يخفى على أحد، والظاهر من الآية أن القرآن ينهى عن إبداء الزينة ويرخص فيما إذا ظهرت من غير قصد، فالتوسع في حد هذه الرخصة إلى حد إظهارها ( عمداً ) مخالف للقرآن ومخالف للروايات التي يثبت بها أن النساء في عهد النبي ﷺ ما كن يبرزن إلى الأجانب سافرات الوجوه، وأن الأمر بالحجاب كان شاملاً للوجه، وكان النقاب قد جعل جزءاً من لباس النساء إلا في الإحرام.
وأدعى إلى العجب أن هؤلاء الذين يبحون للمرأة أن تكشف وجهها وكفها للأجانب، يستدلون على ذلك بأن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة مع أن الفرق كبير جداً بين ( الحجاب ) و ( ستر العورة ) فالعورة ما لا يجوز كشفه حتى للمحارم من الرجال، وأما الحجاب فهو شيء فوق ستر العورة. انتهى.
وأدعى إلى العجب أن هؤلاء الذين يبحون للمرأة أن تكشف وجهها وكفها للأجانب، يستدلون على ذلك بأن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة مع أن الفرق كبير جداً بين ( الحجاب ) و ( ستر العورة ) فالعورة ما لا يجوز كشفه حتى للمحارم من الرجال، وأما الحجاب فهو شيء فوق ستر العورة. انتهى.
380
[ ٧ ] الترغيب في الزواج والتحذير من البغاء
التحليل اللفظي
﴿ الأيامى ﴾ : جمع أيّم وهو من لا زوج له رجلاً كان أو امرأة، ذكراً أو أنثى قال في « لسان العرب » : الأيامى : الذين لا أزواج لهم من الرجال أو النساء، وقولُ النبي ﷺ :« الأيمّ أحقّ بنفسها » فهذه الثيب لا غير، وكذا قول الشاعر :
وفي الحديث أنه ﷺ كان يتعوذ من الأيمة وهي طول الغُزْبة، وأنشد ابن بري :
وآمت المرأة : إذا مات عنها زوجها. ومنه قول علي ( مات قيّمها وطال تأيّمها ) وفي التنزيل :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ أدخل فيه الذكر والأنثى والبكر والثيب.
﴿ عِبَادِكُمْ ﴾ : بمعنى العبيد وقرأ مجاهد ( من عبيدكم ) وأكثر استعماله في الأرقاء والمماليك وإذا أضيف إلى الله فيراد منه الخلائق قال تعالى :﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] الآية..
﴿ واسع ﴾ : ذو غنى وسعة يبسط الرزق لمن يشاء من عباده وهوالغني الحميد.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ : عالم بحاجات الناس ومصالحهم فيجري عليهم من الرزق ما قسم لهم.
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ ﴾ : أمر من العفة واستعفف وزنه : استفعل ومعناه : طلب أن يكون عفيفاً، قال في « لسان العرب » العفة : الكف عما لا يحل ويجمل، يقال عفّ عن المحارم يعِفُّ عفة وعفافاً وامرأة عفيفة أي عفيفة الفرج، وفي الحديث « من يستعفف يعفه الله » وقيل الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء.
ومن دعاء الرسول ﷺ « اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى ».
﴿ الكتاب ﴾ : قال الزمخشري : الكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة، وهي أن يقول الرجل لمملوكه :( كاتبتك على ألف درهم فإن أداها عتق )، والمكاتبة ( مفاعلة ) لا تكون إلا بين اثنين لأنها معاقدة بين ( السيد وعبده ) فالكتاب في الآية مصدر كالقتال والجلاد والدفاع، والمكاتبة هيَ : العقد الذي يجري بين ( السيد وعبده ) على أن يدفع له شيئاً من المال مقابل عتقه وسمي مكاتبة لأن العادة جارية بكتابته لأن المال فيه مؤجل، وهي لفظة إسلامية لا تعرفها الجاهلية نبه عليه العلاّمة ابن حجر.
﴿ خَيْراً ﴾ : لفظ الخير يطلق على المال ﴿ إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ ﴾ [ البقرة : ١٨٠ ] وقوله :﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ ﴾ [ العاديات : ٨ ] أي لحب المال، ويطلق على فعل الصالحات وقد فسره بعضهم بالمال وهو ضعيف، والصحيحُ أن المراد به : الصلاح والأمانة والوفاء، والمعنى : إن علمتم فيهم القدرة على الكسب والوفاء والأمانة فكاتبوهم على تحرير أنفسهم.
قال الطحاوي : وقول من قال إن المراد به ( المال ) لا يصح، لأن العبد مال لمولاه فكيف يكون له مال؟ وانكر بعضهم ذلك من حيث اللغة فقال : لا يقال علمت فيه المال، وإنما يقال علمت عنده المال.
التحليل اللفظي
﴿ الأيامى ﴾ : جمع أيّم وهو من لا زوج له رجلاً كان أو امرأة، ذكراً أو أنثى قال في « لسان العرب » : الأيامى : الذين لا أزواج لهم من الرجال أو النساء، وقولُ النبي ﷺ :« الأيمّ أحقّ بنفسها » فهذه الثيب لا غير، وكذا قول الشاعر :
لا تنكحنَّ الدهر ما عشتَ أيما | مجرّبة قد مُلّ منها وملّت |
لقد إمت حتى لامني كل صاحب | رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت |
﴿ عِبَادِكُمْ ﴾ : بمعنى العبيد وقرأ مجاهد ( من عبيدكم ) وأكثر استعماله في الأرقاء والمماليك وإذا أضيف إلى الله فيراد منه الخلائق قال تعالى :﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] الآية..
﴿ واسع ﴾ : ذو غنى وسعة يبسط الرزق لمن يشاء من عباده وهوالغني الحميد.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ : عالم بحاجات الناس ومصالحهم فيجري عليهم من الرزق ما قسم لهم.
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ ﴾ : أمر من العفة واستعفف وزنه : استفعل ومعناه : طلب أن يكون عفيفاً، قال في « لسان العرب » العفة : الكف عما لا يحل ويجمل، يقال عفّ عن المحارم يعِفُّ عفة وعفافاً وامرأة عفيفة أي عفيفة الفرج، وفي الحديث « من يستعفف يعفه الله » وقيل الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء.
ومن دعاء الرسول ﷺ « اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى ».
﴿ الكتاب ﴾ : قال الزمخشري : الكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة، وهي أن يقول الرجل لمملوكه :( كاتبتك على ألف درهم فإن أداها عتق )، والمكاتبة ( مفاعلة ) لا تكون إلا بين اثنين لأنها معاقدة بين ( السيد وعبده ) فالكتاب في الآية مصدر كالقتال والجلاد والدفاع، والمكاتبة هيَ : العقد الذي يجري بين ( السيد وعبده ) على أن يدفع له شيئاً من المال مقابل عتقه وسمي مكاتبة لأن العادة جارية بكتابته لأن المال فيه مؤجل، وهي لفظة إسلامية لا تعرفها الجاهلية نبه عليه العلاّمة ابن حجر.
﴿ خَيْراً ﴾ : لفظ الخير يطلق على المال ﴿ إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ ﴾ [ البقرة : ١٨٠ ] وقوله :﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ ﴾ [ العاديات : ٨ ] أي لحب المال، ويطلق على فعل الصالحات وقد فسره بعضهم بالمال وهو ضعيف، والصحيحُ أن المراد به : الصلاح والأمانة والوفاء، والمعنى : إن علمتم فيهم القدرة على الكسب والوفاء والأمانة فكاتبوهم على تحرير أنفسهم.
قال الطحاوي : وقول من قال إن المراد به ( المال ) لا يصح، لأن العبد مال لمولاه فكيف يكون له مال؟ وانكر بعضهم ذلك من حيث اللغة فقال : لا يقال علمت فيه المال، وإنما يقال علمت عنده المال.
381
والأصح أن المراد بالخير الأمانة والقدرة على الكسب وبه فسره الشافعي كما مر معنا.
﴿ فتياتكم ﴾ : المراد به ( المملوكات من الإماء ) وهو جمع فتاة، قال الألوسي وكل من الفتى والفتاة كناية مشهورة عن ( العبد والأمة ).
وفي الحديث :« لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي ولكن فتاي وفتاتي » وكأنه ﷺ كره العبودية لغير الله تعالى وعلّم السادة أن يتلطفوا عند مخاطبة العبيد.
﴿ البغآء ﴾ : مصدر بغت المرأة تَبْغي بغاءً إذا زنت وفجرت، وهو مختص بزنى النساء فلا يقال للرجل إذا زنى : إنه بغى قاله ( الأزهري ).
والجمع بغايا، والمراد بالآية إكراه الإماء على الزنى، وفي الحديث « نهى النبي ﷺ عن مهر البغي ».
﴿ تَحَصُّناً ﴾ : أي تعففاً ومنه المُحْصنة بمعنى العفيفة وقد تقدم.
﴿ عَرَضَ الحياوة ﴾ : أي متاع الحياة الدنيا وسمي عرضاً لأنه يعرض للإنسان ثم يزول، فهو متاع سريع الزوال وشيك الاضمحلال ﴿ وَمَا الحياوة الدنيآ إِلاَّ مَتَاعُ الغرور ﴾ [ الحديد : ٢٠ ].
﴿ آيات مبينات ﴾ : أي آيات واضحات، وحكم باهرات، ودلائل ظاهرة، تدل على حكمة الله العلي الكبير، قال الزمخشري : هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت معاني الأحكام والحدود.
المعنى الإجمالي
يأمر المولى تبارك وتعالى بتزويج الشباب وتحصين الأحرار من الرجال، فيقول تعالى ذكره ما معناه : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح والتقى من عبيدكم ومواليكم، إن يكن هؤلاء الذين تزوجونهم أهل فاقة وفقر، فإن الله تعالى يغنيهم من فضله، فلا يمنعكم فقرهم من إنكاحهم. فالله واسع الفضل، جواد كريم، يعطي الرزق من يشاء من عباده، ولا تخفى عليه خافية من شؤونهم وأحوالهم.
ثم يأمر تعالى الشباب الذين لا تتيسر لهم سُبل الزواج - لأسباب مادية أو عقبات اجتماعية - بالعفة عن الفواحش والابتعاد عما حرم الله، حتى يوسّع الله عليهم، ويسهل لهم أمر الزواج. فإن العبد إذا اتقى الله جعل له من أمره فرجاً ومخرجاً ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [ الطلاق : ٤ ] كما أمر السادة بمكاتبة العبيد الأرقاء، الذين يريدون أن يتحرروا من رق العبودية فقد أرشدهم أن يقبلوا منهم فكاك أنفسهم بما يدفعونه من مال، ونهاهم أن يُكْرهوا فتياتهم ( الإماء ) على البغاء، كما كان يفعل أهل الجاهلية، ليحصُلوا من وراء ذلك على الثروة الطائلة، ويجمعوا حُطَام هذه الحياة الزائل، ويتمعوا عن طريق - الفحش والرذيلة - بعرض الدنيا، ثم حذر تعالى الظالمين المعتدين المُكْرهين للفتيات بالعذاب الأليم، وأنه سينتقم منهم ويعفو ويغفر للمُكْرَهات على الزنى، لأنه لاإرادة لهن ولا اختيار، وإثمهن على من أكرههن.
ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بأنه قد أنزل على عباده آياتٍ واضحات وأحكاماً وحدوداً مفصَّلات، ليسيروا عليها، فيها خيرهم وسعادتهم، وتَرَكهم على المحجَّة البيضاء، وضرب لهم الأمثال ليتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الأمم
﴿ فتياتكم ﴾ : المراد به ( المملوكات من الإماء ) وهو جمع فتاة، قال الألوسي وكل من الفتى والفتاة كناية مشهورة عن ( العبد والأمة ).
وفي الحديث :« لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي ولكن فتاي وفتاتي » وكأنه ﷺ كره العبودية لغير الله تعالى وعلّم السادة أن يتلطفوا عند مخاطبة العبيد.
﴿ البغآء ﴾ : مصدر بغت المرأة تَبْغي بغاءً إذا زنت وفجرت، وهو مختص بزنى النساء فلا يقال للرجل إذا زنى : إنه بغى قاله ( الأزهري ).
والجمع بغايا، والمراد بالآية إكراه الإماء على الزنى، وفي الحديث « نهى النبي ﷺ عن مهر البغي ».
﴿ تَحَصُّناً ﴾ : أي تعففاً ومنه المُحْصنة بمعنى العفيفة وقد تقدم.
﴿ عَرَضَ الحياوة ﴾ : أي متاع الحياة الدنيا وسمي عرضاً لأنه يعرض للإنسان ثم يزول، فهو متاع سريع الزوال وشيك الاضمحلال ﴿ وَمَا الحياوة الدنيآ إِلاَّ مَتَاعُ الغرور ﴾ [ الحديد : ٢٠ ].
﴿ آيات مبينات ﴾ : أي آيات واضحات، وحكم باهرات، ودلائل ظاهرة، تدل على حكمة الله العلي الكبير، قال الزمخشري : هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت معاني الأحكام والحدود.
المعنى الإجمالي
يأمر المولى تبارك وتعالى بتزويج الشباب وتحصين الأحرار من الرجال، فيقول تعالى ذكره ما معناه : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح والتقى من عبيدكم ومواليكم، إن يكن هؤلاء الذين تزوجونهم أهل فاقة وفقر، فإن الله تعالى يغنيهم من فضله، فلا يمنعكم فقرهم من إنكاحهم. فالله واسع الفضل، جواد كريم، يعطي الرزق من يشاء من عباده، ولا تخفى عليه خافية من شؤونهم وأحوالهم.
ثم يأمر تعالى الشباب الذين لا تتيسر لهم سُبل الزواج - لأسباب مادية أو عقبات اجتماعية - بالعفة عن الفواحش والابتعاد عما حرم الله، حتى يوسّع الله عليهم، ويسهل لهم أمر الزواج. فإن العبد إذا اتقى الله جعل له من أمره فرجاً ومخرجاً ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [ الطلاق : ٤ ] كما أمر السادة بمكاتبة العبيد الأرقاء، الذين يريدون أن يتحرروا من رق العبودية فقد أرشدهم أن يقبلوا منهم فكاك أنفسهم بما يدفعونه من مال، ونهاهم أن يُكْرهوا فتياتهم ( الإماء ) على البغاء، كما كان يفعل أهل الجاهلية، ليحصُلوا من وراء ذلك على الثروة الطائلة، ويجمعوا حُطَام هذه الحياة الزائل، ويتمعوا عن طريق - الفحش والرذيلة - بعرض الدنيا، ثم حذر تعالى الظالمين المعتدين المُكْرهين للفتيات بالعذاب الأليم، وأنه سينتقم منهم ويعفو ويغفر للمُكْرَهات على الزنى، لأنه لاإرادة لهن ولا اختيار، وإثمهن على من أكرههن.
ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بأنه قد أنزل على عباده آياتٍ واضحات وأحكاماً وحدوداً مفصَّلات، ليسيروا عليها، فيها خيرهم وسعادتهم، وتَرَكهم على المحجَّة البيضاء، وضرب لهم الأمثال ليتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الأمم
382
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [ هود : ١١٧ ].
سبب النزول
أولاً : روى السيوطي عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال : كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى، فسألته الكتاب فأبى فأنزل الله ﴿ والذين يَبْتَغُونَ الكتاب مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم فَكَاتِبُوهُمْ ﴾ [ النور : ٣٣ ]. الآية.
قال القرطبي : بعد أن ذكر القصة : فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها، وقتل بحنين في الحرب.
ثانياً : وروى مسلم في « صحيحه » عن جابر بن عبد الله أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها ( مُسَيْكة ) وأخرى يقال لها ( أمَيْمة ) وكان يريدهما على الزنى فشكتا ذلك إلى النبي ﷺ فأنزل الله ﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء ﴾ الآية.
وروي أن عبد الله بن أبيّ بن سلول كان يكرههما على الزنى ويضربهما فقالت إحداهما : إن كان خيراً فقد استكثرنا منه، وإن كان شراً فقد آن لنا أن ندعه فنزلت الآية.
ثالثاً : وروى ابن جرير عن مجاهد أنه قال :( كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك فيصبن فيأتينهم بكسبهن فكانت لعبد الله بن أبيّ سلول جارية فكانت تباغي فكرهت وحلفت ألا تفعله فأكرهها أهلها فانطلقت فباغت ببرد أخضر فأتتهم به فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء... ﴾ الآية.
وقال مقاتل : إنها نزلت في ست جوار كنّ لعبد الله بن أبيّ ( معاذة، ومسيكة، وأميمة، وقتيلة، وعمرة، وأروي ) فكان يأمرهن بالزنى ليستدرّ من ورائهن المال. فنزلت الآية الكريمة، وكل الروايات ذكرت أن الذي كان يكرههنَّ هو عبد الله بن أُبَيّ بن سلول رأس المنافقين.
وجه الارتباط بالآيات السابقة
في الآيات السابقة حذر الله جل ثناؤه من مقارفة الفواحش وارتكاب الموبقات فنهى عن الزنى ودواعيه القريبة والبعيدة، من النظر إلى النساء، والاختلاط بهن، وكشف العورات، وإبداء الزينة، ودخول البيوت بغير استئذان. وغير ذلك مما يدعو إلى الفساد وضياع الأخلاق والوقوع في المهالك، وفي هذه الآيات الكريمة رغب المولى جل وعلا في النكاح وأمر بالإعانة عليه وتسهيل سبله، لأن النكاح من خير ما يحقق العفة، ويعصم المؤمن من الزنى، ويبعده عن آثامه وهو الطريق الوحيد لبقاء النوع الإنساني. وبناء المجتمع الفاضل ولهذا وردت هذه الآيات الكريمة تحثُّ على إعفاف الشباب والفتيات عن طريق الزواج. وتدعو إلى تذليل كل العقبات التي تعترض طريق الزواج سواء كانت هذه العقباتُ مالية، أو غير مالية. وهذا وجه الارتباط بين الآيات الكريمة. والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال تعالى :﴿ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ فيه إشارة إلى قيمة التقى والصلاح في الإنسان. فلا يكرم الإنسان لماله أو جاهه، وإنما يُكرَّم لدينه وصلاحه كما قال تعالى :
سبب النزول
أولاً : روى السيوطي عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال : كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى، فسألته الكتاب فأبى فأنزل الله ﴿ والذين يَبْتَغُونَ الكتاب مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم فَكَاتِبُوهُمْ ﴾ [ النور : ٣٣ ]. الآية.
قال القرطبي : بعد أن ذكر القصة : فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها، وقتل بحنين في الحرب.
ثانياً : وروى مسلم في « صحيحه » عن جابر بن عبد الله أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها ( مُسَيْكة ) وأخرى يقال لها ( أمَيْمة ) وكان يريدهما على الزنى فشكتا ذلك إلى النبي ﷺ فأنزل الله ﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء ﴾ الآية.
وروي أن عبد الله بن أبيّ بن سلول كان يكرههما على الزنى ويضربهما فقالت إحداهما : إن كان خيراً فقد استكثرنا منه، وإن كان شراً فقد آن لنا أن ندعه فنزلت الآية.
ثالثاً : وروى ابن جرير عن مجاهد أنه قال :( كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك فيصبن فيأتينهم بكسبهن فكانت لعبد الله بن أبيّ سلول جارية فكانت تباغي فكرهت وحلفت ألا تفعله فأكرهها أهلها فانطلقت فباغت ببرد أخضر فأتتهم به فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء... ﴾ الآية.
وقال مقاتل : إنها نزلت في ست جوار كنّ لعبد الله بن أبيّ ( معاذة، ومسيكة، وأميمة، وقتيلة، وعمرة، وأروي ) فكان يأمرهن بالزنى ليستدرّ من ورائهن المال. فنزلت الآية الكريمة، وكل الروايات ذكرت أن الذي كان يكرههنَّ هو عبد الله بن أُبَيّ بن سلول رأس المنافقين.
وجه الارتباط بالآيات السابقة
في الآيات السابقة حذر الله جل ثناؤه من مقارفة الفواحش وارتكاب الموبقات فنهى عن الزنى ودواعيه القريبة والبعيدة، من النظر إلى النساء، والاختلاط بهن، وكشف العورات، وإبداء الزينة، ودخول البيوت بغير استئذان. وغير ذلك مما يدعو إلى الفساد وضياع الأخلاق والوقوع في المهالك، وفي هذه الآيات الكريمة رغب المولى جل وعلا في النكاح وأمر بالإعانة عليه وتسهيل سبله، لأن النكاح من خير ما يحقق العفة، ويعصم المؤمن من الزنى، ويبعده عن آثامه وهو الطريق الوحيد لبقاء النوع الإنساني. وبناء المجتمع الفاضل ولهذا وردت هذه الآيات الكريمة تحثُّ على إعفاف الشباب والفتيات عن طريق الزواج. وتدعو إلى تذليل كل العقبات التي تعترض طريق الزواج سواء كانت هذه العقباتُ مالية، أو غير مالية. وهذا وجه الارتباط بين الآيات الكريمة. والله أعلم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قال تعالى :﴿ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ فيه إشارة إلى قيمة التقى والصلاح في الإنسان. فلا يكرم الإنسان لماله أو جاهه، وإنما يُكرَّم لدينه وصلاحه كما قال تعالى :
383
﴿ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ القصص : ٨٣ ].
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ في هذه الآية وعد من الله بإغناء من سلك طريق الزواج وقصد إعفاف نفسه به. وقد نقل عن عدد من الصحابة أنهم فهموا ذلك حتى قال أبو بكر :( أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، يُنْجزْ لكم ما وعدكم من الغنى ) وعن عمر وابن عباس :( التمسوا الرزق بالنكاح ).
فإن قيل : فنحن نرى كثيراً من الفقراء يتزوجون ويستمر فقرهم ولا يستغنون ونرى من كان غنياً فيتزوج يصبح فقيراً؟ فالجواب : أن هذا الوعد مشروط بالمشيئة كما في قوله تعالى :﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] ومما يدل على إضماره أن الله تعالى ختم الآية بقوله :﴿ والله واسع عَلِيمٌ ﴾ ولم يقل ( واسع كريم ) وهذا يفيد أنه تعالى يعلم مصلحة عباده فيبسط لمن يشاء ويقدر لمن يشاء، حسب الحكمة والمصلحة. وقد ورد ( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله )... وحكمة هذا الربط بين ( الغنى والنكاح ) أنه قد يخيل إلى بعض الناس أن الأولاد والذرية سبب الفقر حتماً وأن عدمهم سبب لكثرة المال جزماً، فأريد قلع هذا الخيال من الأوهام، بأن الله قادر على إغناء العبد مع كثرة عياله، وإفقاره ولو كان عزباً في داره، ولا أثر للزواج في فقر الإنسان ولا للغزوبة في غناه فالله هو الرازق ذو القوة المتين وصدق الله ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢ - ٣ ].
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ في الآية دعوة للشباب الذين لا يتيسر لهم أمر الزواج بإعفاف النفس حتى يهيئ الله لهم أسبابه فهو على سبيل ( المجاز ) أو تقدير مضاف أي لا يجدون أسباب النكاح أو استطاعة النكاح أو المراد بالنكاح : ما ينكح به من المال.
قال الشهاب : فإن ( فِعَالاً ) يكون صفة بمعنى مفعول، ككتاب بمعنى مكتوب، واسم آلة كركاب لما يركب به، وهو كثير كما نص عليه أهل اللغة.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله ﴾ فيه إشارة لطيفة إلى أن المال الذي في أيدي الأغنياء إنما هو وديعة عندهم، استخلفهم الله عليها ليحسنو التصرف فيها ﴿ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [ الحديد : ٧ ] فالمالك الحقيقي هو الله رب العالمين، وليس الغني مالكاً للمال حقيقة وإنما هو مؤتمن عليه وهو وديعة بين يديه.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ جملة معترضة فائدتها ( التشنيع والتقبيح ) على السادة في ارتكاب هذه الرذيلة والإكراه عليها، فالأصل في الأمة المملوكة أن يحصنها سيدها إذا مالت نحو الفجور، أما أن يدعوها إلى عمل الفاحشة وتأبى وتمتنع وتريد العفة، فذلك منتهى الخسة والدناءة منه.
اللطيفة الثانية : قوله تعالى :﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ في هذه الآية وعد من الله بإغناء من سلك طريق الزواج وقصد إعفاف نفسه به. وقد نقل عن عدد من الصحابة أنهم فهموا ذلك حتى قال أبو بكر :( أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، يُنْجزْ لكم ما وعدكم من الغنى ) وعن عمر وابن عباس :( التمسوا الرزق بالنكاح ).
فإن قيل : فنحن نرى كثيراً من الفقراء يتزوجون ويستمر فقرهم ولا يستغنون ونرى من كان غنياً فيتزوج يصبح فقيراً؟ فالجواب : أن هذا الوعد مشروط بالمشيئة كما في قوله تعالى :﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] ومما يدل على إضماره أن الله تعالى ختم الآية بقوله :﴿ والله واسع عَلِيمٌ ﴾ ولم يقل ( واسع كريم ) وهذا يفيد أنه تعالى يعلم مصلحة عباده فيبسط لمن يشاء ويقدر لمن يشاء، حسب الحكمة والمصلحة. وقد ورد ( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله )... وحكمة هذا الربط بين ( الغنى والنكاح ) أنه قد يخيل إلى بعض الناس أن الأولاد والذرية سبب الفقر حتماً وأن عدمهم سبب لكثرة المال جزماً، فأريد قلع هذا الخيال من الأوهام، بأن الله قادر على إغناء العبد مع كثرة عياله، وإفقاره ولو كان عزباً في داره، ولا أثر للزواج في فقر الإنسان ولا للغزوبة في غناه فالله هو الرازق ذو القوة المتين وصدق الله ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢ - ٣ ].
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ في الآية دعوة للشباب الذين لا يتيسر لهم أمر الزواج بإعفاف النفس حتى يهيئ الله لهم أسبابه فهو على سبيل ( المجاز ) أو تقدير مضاف أي لا يجدون أسباب النكاح أو استطاعة النكاح أو المراد بالنكاح : ما ينكح به من المال.
قال الشهاب : فإن ( فِعَالاً ) يكون صفة بمعنى مفعول، ككتاب بمعنى مكتوب، واسم آلة كركاب لما يركب به، وهو كثير كما نص عليه أهل اللغة.
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله ﴾ فيه إشارة لطيفة إلى أن المال الذي في أيدي الأغنياء إنما هو وديعة عندهم، استخلفهم الله عليها ليحسنو التصرف فيها ﴿ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [ الحديد : ٧ ] فالمالك الحقيقي هو الله رب العالمين، وليس الغني مالكاً للمال حقيقة وإنما هو مؤتمن عليه وهو وديعة بين يديه.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ جملة معترضة فائدتها ( التشنيع والتقبيح ) على السادة في ارتكاب هذه الرذيلة والإكراه عليها، فالأصل في الأمة المملوكة أن يحصنها سيدها إذا مالت نحو الفجور، أما أن يدعوها إلى عمل الفاحشة وتأبى وتمتنع وتريد العفة، فذلك منتهى الخسة والدناءة منه.
384
فالأمة في هذه الحالة خير من السيِّد، لأنها آثرت التحصن على الفاحشة وهي أشرف من السيّد وأطهر.
قال أبو السعود : فإن من له أدنى مرؤءة لا يكاد يرضى من يحويه حرمه من إمائه فضلاً عن أمرها به أو إكراهها عليه لا سيما عند إرادة التعفف فليس هو إذاً « للقيد أو الشرط » وإنما هو لبيان فظاعة الأمر وشناعته فتدبره فإنه دقيق.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياوة الدنيا ﴾ هذا التعليل فيه إشارة إلى تفاهة وحقارة ما صنعوا، فإن أقدس وأشرف ما يملكه الإنسان هو ( العرض والشرف ) فهم يقدمون هذا الشيء ( النفيس ) مقابل النزر ( الخسيس ) فيا لها من خسة ونذالة.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إكراههن غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ المغفرة والرحمة مخصصة بالمكرَهات من الإماء وأما المُكْرهُون فعليهم اللعنة والسخط، وقد كان الحسن البصري إذا قرأ هذه الآية يقول : لهنَّ والله، أي إن الله غفور لهن، لا لأولئك المجرمين الذين أكرهوا النساء على البغاء.
ففي الآية ( مجاز بالحذف ) أي غفور لهن رحيم بهن. ومما يؤيد ذلك قوله تعالى :( من بعد إكراههن ) أي لأنهن مكرهات لا إرادة لهن ولا اختيار فقد رفع الله عنهن العذاب وبقي الإثم على المكره وما قاله بعض المفسرين : إن المغفرة والرحمة للمكرِهين إنْ تابوا وأصلحوا فإنه ضعيف يأباه السياق.
قال أبو السعود : وفي تخصيص المغفرة والرحمة بهن وتعيين مدارهما دلالة بينة على كونهم محرومين منهما بالكلية كأنه قيل : لهنَّ ( لا للمكِرهين ) فتجويز تعلقهما بهم بشرط التوبة ستقلالاً، أو معهن إخلالٌ بجزالة النظم الجليل، وتهوين لأمر النهي في مقام التهويل.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : من المخاطب في الآية الكريمة؟
ذهب بعض العلماء إلى أن الخطاب في قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى ﴾ عام لجميع الأمَّة أي زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من الرجال الأحرار والنساء الحرائر.. وقال بعضهم إن الخطاب ( للأولياء والسادة ) فقط أي لأولياء الأحرار، كالآباء وغيرهم ممن يتولون شؤون غيرهم، ولسادات العبيد والإماء الذين يملكونهم ملك اليمين.
وقال آخرون : إنه للأزواج لأنهم هم المأمورون بالنكاح.
قال القرطبي : والخطاب للأولياء وقيل للأزواج والصحيح الأول؛ إذ لو أراد الأزواج لقال ( وانكحوا ) بغير همز، وكانت الألف للوصل. والذي نختاره هو أن الأمر موجه إلى جميع الأمة، وأنَّ عليهم أن يسهلوا أسباب الزواج، ويسعوا سعياً حثيثاً لتزويج الشباب، وإزالة العوائق والعقبات من الطريق لأن الزواج هو طريق الإحصان والعفة، فالخطاب إذاً للجميع... وليس المراد بالتزويج في الآية هو أجراء ( عقد الزواج ) لأن لفظ الأيامى يشمل كل من لا زوج له من الرجال والنساء، صغاراً كانوا أو كباراً، كما تقدم.
ومن المعلوم أن الرجل الكبير لا ولاية لأحد عليه فالوجه ما قلنا إن الخطاب موجه للأمة، وإن المراد بالتزويج هو الإعانة والمساعدة على النكاح وتسهيل أسبابه، وقد قال عليه السلام
قال أبو السعود : فإن من له أدنى مرؤءة لا يكاد يرضى من يحويه حرمه من إمائه فضلاً عن أمرها به أو إكراهها عليه لا سيما عند إرادة التعفف فليس هو إذاً « للقيد أو الشرط » وإنما هو لبيان فظاعة الأمر وشناعته فتدبره فإنه دقيق.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياوة الدنيا ﴾ هذا التعليل فيه إشارة إلى تفاهة وحقارة ما صنعوا، فإن أقدس وأشرف ما يملكه الإنسان هو ( العرض والشرف ) فهم يقدمون هذا الشيء ( النفيس ) مقابل النزر ( الخسيس ) فيا لها من خسة ونذالة.
اللطيفة السابعة : قوله تعالى :﴿ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إكراههن غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ المغفرة والرحمة مخصصة بالمكرَهات من الإماء وأما المُكْرهُون فعليهم اللعنة والسخط، وقد كان الحسن البصري إذا قرأ هذه الآية يقول : لهنَّ والله، أي إن الله غفور لهن، لا لأولئك المجرمين الذين أكرهوا النساء على البغاء.
ففي الآية ( مجاز بالحذف ) أي غفور لهن رحيم بهن. ومما يؤيد ذلك قوله تعالى :( من بعد إكراههن ) أي لأنهن مكرهات لا إرادة لهن ولا اختيار فقد رفع الله عنهن العذاب وبقي الإثم على المكره وما قاله بعض المفسرين : إن المغفرة والرحمة للمكرِهين إنْ تابوا وأصلحوا فإنه ضعيف يأباه السياق.
قال أبو السعود : وفي تخصيص المغفرة والرحمة بهن وتعيين مدارهما دلالة بينة على كونهم محرومين منهما بالكلية كأنه قيل : لهنَّ ( لا للمكِرهين ) فتجويز تعلقهما بهم بشرط التوبة ستقلالاً، أو معهن إخلالٌ بجزالة النظم الجليل، وتهوين لأمر النهي في مقام التهويل.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : من المخاطب في الآية الكريمة؟
ذهب بعض العلماء إلى أن الخطاب في قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى ﴾ عام لجميع الأمَّة أي زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من الرجال الأحرار والنساء الحرائر.. وقال بعضهم إن الخطاب ( للأولياء والسادة ) فقط أي لأولياء الأحرار، كالآباء وغيرهم ممن يتولون شؤون غيرهم، ولسادات العبيد والإماء الذين يملكونهم ملك اليمين.
وقال آخرون : إنه للأزواج لأنهم هم المأمورون بالنكاح.
قال القرطبي : والخطاب للأولياء وقيل للأزواج والصحيح الأول؛ إذ لو أراد الأزواج لقال ( وانكحوا ) بغير همز، وكانت الألف للوصل. والذي نختاره هو أن الأمر موجه إلى جميع الأمة، وأنَّ عليهم أن يسهلوا أسباب الزواج، ويسعوا سعياً حثيثاً لتزويج الشباب، وإزالة العوائق والعقبات من الطريق لأن الزواج هو طريق الإحصان والعفة، فالخطاب إذاً للجميع... وليس المراد بالتزويج في الآية هو أجراء ( عقد الزواج ) لأن لفظ الأيامى يشمل كل من لا زوج له من الرجال والنساء، صغاراً كانوا أو كباراً، كما تقدم.
ومن المعلوم أن الرجل الكبير لا ولاية لأحد عليه فالوجه ما قلنا إن الخطاب موجه للأمة، وإن المراد بالتزويج هو الإعانة والمساعدة على النكاح وتسهيل أسبابه، وقد قال عليه السلام
385
« إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ».
الحكم الثاني : هل الزواج واجب أو مستحب؟
اختلف الفقهاء في حكم الزواج على مذاهب نبينها فيما يلي :
أ- مذهب الظاهرية : أن الزواج واجب، ويأثم الإنسان بتركه.
ب- مذهب الشافعية : أن الزواج مباح ولا إثم بتركه.
ج- مذهب الجمهور ( المالكية والأحناف والحنابلة ) : أن الزواج مستحب ومندوب وليس بواجب.
دليل الظاهرية : استدل أهل الظاهر بأن الصيغة وردت بلفظ الأمر ( وانكحوا ) والأمر للوجوب فيكون النكاح واجباً، وبأن الزواج طريق لإعفاف النفس عن الحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فيأثم تاركه.
دليل الجمهور : واستدل الجمهور من علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن الزواج ليس بواجب وأنه مندوب بعدة أدلة نوجزها فيما يلي :
أ- لو كان الزواج واجباً لكان النقل عن النبي ﷺ وعن السلف شائعاً مستفيضاً لعموم الحاجة إليه، ولما بقي أحد لم يتزوج في عهد الرسول ﷺ أو عهد الصحابة، فلما وجدنا في عصره عليه السلام وسائر الأعصار بعده ( أيامى ) من الرجال والنساء لم يتزوجوا ولم ينكر عليهم رسول الله ﷺ ذلك دل على أنه ليس بواجب.
ب- لو كان الزواج واجباً لكان للولي إجبار الثيب على الزواج مع أن الإخبار غير جائز شرعاً لقوله عليه السلام :« ولا تُنْكَح الثيب حتى تستأمر » أي تأمر وترضى بالزواج.
ج - قال الجصاص :( ومما يدل على أنه على الندب اتفاق الجميع على أنه لا يجبر السيد على تزويج عبده وأمته وهو معطوف على ( الأيامى ) فدل على أنه مندوب في الجميع ).
د- قوله عليه السلام :« من أحب فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح ».
ه - قوله عليه السلام :« تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ».
دليل الشافعي : واستدل الإمام الشافعي على أن النكاح مباح بانه قضاء لذة ونيل شهوة فكان مباحاً كالأكل والشرب.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أنّ الزواج مندوب للحديث الصحيح :« من رغب عن سنتي فليس مني ».
واعلم أن هذا الاختلاف إنما هو في الحالات العادية التي يأمن فيها الإنسان على نفسه من اقتراف المحارم، أما إذا خشي على نفسه الوقوع في الزنى، فإنه لا خلاف في أن النكاح يصبح عليه ( واجباً ) لأن صيانة النفس وإعفافها عن الحرام واجب فيتعين عليه الزواج.
قال القرطبي : قال علماؤنا : يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت ( الزنى )، ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر، وزوال خشية العنت عنه.
الحكم الثاني : هل الزواج واجب أو مستحب؟
اختلف الفقهاء في حكم الزواج على مذاهب نبينها فيما يلي :
أ- مذهب الظاهرية : أن الزواج واجب، ويأثم الإنسان بتركه.
ب- مذهب الشافعية : أن الزواج مباح ولا إثم بتركه.
ج- مذهب الجمهور ( المالكية والأحناف والحنابلة ) : أن الزواج مستحب ومندوب وليس بواجب.
دليل الظاهرية : استدل أهل الظاهر بأن الصيغة وردت بلفظ الأمر ( وانكحوا ) والأمر للوجوب فيكون النكاح واجباً، وبأن الزواج طريق لإعفاف النفس عن الحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فيأثم تاركه.
دليل الجمهور : واستدل الجمهور من علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن الزواج ليس بواجب وأنه مندوب بعدة أدلة نوجزها فيما يلي :
أ- لو كان الزواج واجباً لكان النقل عن النبي ﷺ وعن السلف شائعاً مستفيضاً لعموم الحاجة إليه، ولما بقي أحد لم يتزوج في عهد الرسول ﷺ أو عهد الصحابة، فلما وجدنا في عصره عليه السلام وسائر الأعصار بعده ( أيامى ) من الرجال والنساء لم يتزوجوا ولم ينكر عليهم رسول الله ﷺ ذلك دل على أنه ليس بواجب.
ب- لو كان الزواج واجباً لكان للولي إجبار الثيب على الزواج مع أن الإخبار غير جائز شرعاً لقوله عليه السلام :« ولا تُنْكَح الثيب حتى تستأمر » أي تأمر وترضى بالزواج.
ج - قال الجصاص :( ومما يدل على أنه على الندب اتفاق الجميع على أنه لا يجبر السيد على تزويج عبده وأمته وهو معطوف على ( الأيامى ) فدل على أنه مندوب في الجميع ).
د- قوله عليه السلام :« من أحب فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح ».
ه - قوله عليه السلام :« تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ».
دليل الشافعي : واستدل الإمام الشافعي على أن النكاح مباح بانه قضاء لذة ونيل شهوة فكان مباحاً كالأكل والشرب.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أنّ الزواج مندوب للحديث الصحيح :« من رغب عن سنتي فليس مني ».
واعلم أن هذا الاختلاف إنما هو في الحالات العادية التي يأمن فيها الإنسان على نفسه من اقتراف المحارم، أما إذا خشي على نفسه الوقوع في الزنى، فإنه لا خلاف في أن النكاح يصبح عليه ( واجباً ) لأن صيانة النفس وإعفافها عن الحرام واجب فيتعين عليه الزواج.
قال القرطبي : قال علماؤنا : يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت ( الزنى )، ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر، وزوال خشية العنت عنه.
386
وإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا فالنكاح حتم ومن تاقت نفسه إلى النكاح فإن وجد الطَّوْل فالمستحب له أن يتزوج. وإن لم يجد الطول فعليه بالاستعفاف ما أمكن ولو بالصوم لأن الصوم له وِجاءٌ كما جاء في الخبر الصحيح.
الحكم الثالث : هل يجوز للولي إجبار البكر البالغة على الزواج؟
استدل الشافعية من قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ على أن للولي إجبار البكر البالغة على الزواج بدون رضاها لعموم الآية، ولولا قيام الدلالة على أنه لا تُزَوَّج الثيب الكبيرة بغير رضاها لكان جائزاً له تزويجها أيضاً بغير رضاها.
قال الجصاص : قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى ﴾ لا يختص بالنساء دون الرجال، فلما كان اللفظ شاملاً للرجال والنساء وقد أضمر في الرجال تزويجهم بإذنهم، فوجب استعمال ذلك الضمير في النساء، وقد أمر النبي ﷺ باستئمار البكر وقال « وإذنها صُمَاتها » فثبت أنه لا يجوز تزويجها إلا بإذنها.
وأيضاً حديث ابن عباس في فتاة بكر زوَّجها أبوها بغير أمرها فاختصموا إلى النبي ﷺ فقال النبي ﷺ « أجيزي ما فعل أبوك » وهو يدل على وجوب الاستئذان.
الحكم الرابع : هل يجوز للمرأة أن تتولى عقد الزواج بنفسها؟
استدل فقهاء الشافعية والحنابلة على أن المرأة لا تلي عقد النكاح وإلى أن النكاح لا ينعقد بعبارتها لقوله تعالى ﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] ووجه الاحتجاج بالآيتين أن الله تعالى خاطب الرجال بالنكاح ولم يخاطب به النساء، ولأنه لو جاز لها أن تتولى النكاح بنفسها لفوَّتت على وليها حق الولاية عليها، ولأن الزواج له مقاصد متعددة والمرأة كثيراً ما تخضع لحكم العاطفة فلا تحسن الاختيار، فجعل الأمر إلى وليها لتتحقق مقاصد الزواج على الوجه الأكمل.
أقول : هذا الذي ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الرأي الصحيح الراجح الذي عليه أكثر أهل العلم، ولكنك قد علمت أن الأولى في الآية الكريمة حمل الخطاب على أنه للناس جميعاً لا للأولياء فقط، بمعنى أن الله تعالى يندب المؤمنين إلى المساعدة في النكاح والإعانة عليه، وأن على المسلمين عامة أن يهتم بعضهم ببعض حتى لا يبقى في مجتمعهم رجل ولا امرأة بدون زواج وعلى هذا فحكم مباشرة عقد الزواج، لا يؤخذ من الآية وإنما يؤخذ من أدلة أخرى من السنة المطهرة مثل قوله ﷺ :« لا نكاح إلا بولي » وقوله ﷺ :« أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ». قال الألوسي : والذي أميل إليه أن الأمر لمطلق الطلب وإن المراد من الإنكاح : المعاونة والتوسط، وتوقّفُ صحة النكاح في بعض الصور على الولي يُعلم من دليل آخر.
الحكم الثالث : هل يجوز للولي إجبار البكر البالغة على الزواج؟
استدل الشافعية من قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ على أن للولي إجبار البكر البالغة على الزواج بدون رضاها لعموم الآية، ولولا قيام الدلالة على أنه لا تُزَوَّج الثيب الكبيرة بغير رضاها لكان جائزاً له تزويجها أيضاً بغير رضاها.
قال الجصاص : قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى ﴾ لا يختص بالنساء دون الرجال، فلما كان اللفظ شاملاً للرجال والنساء وقد أضمر في الرجال تزويجهم بإذنهم، فوجب استعمال ذلك الضمير في النساء، وقد أمر النبي ﷺ باستئمار البكر وقال « وإذنها صُمَاتها » فثبت أنه لا يجوز تزويجها إلا بإذنها.
وأيضاً حديث ابن عباس في فتاة بكر زوَّجها أبوها بغير أمرها فاختصموا إلى النبي ﷺ فقال النبي ﷺ « أجيزي ما فعل أبوك » وهو يدل على وجوب الاستئذان.
الحكم الرابع : هل يجوز للمرأة أن تتولى عقد الزواج بنفسها؟
استدل فقهاء الشافعية والحنابلة على أن المرأة لا تلي عقد النكاح وإلى أن النكاح لا ينعقد بعبارتها لقوله تعالى ﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] ووجه الاحتجاج بالآيتين أن الله تعالى خاطب الرجال بالنكاح ولم يخاطب به النساء، ولأنه لو جاز لها أن تتولى النكاح بنفسها لفوَّتت على وليها حق الولاية عليها، ولأن الزواج له مقاصد متعددة والمرأة كثيراً ما تخضع لحكم العاطفة فلا تحسن الاختيار، فجعل الأمر إلى وليها لتتحقق مقاصد الزواج على الوجه الأكمل.
أقول : هذا الذي ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الرأي الصحيح الراجح الذي عليه أكثر أهل العلم، ولكنك قد علمت أن الأولى في الآية الكريمة حمل الخطاب على أنه للناس جميعاً لا للأولياء فقط، بمعنى أن الله تعالى يندب المؤمنين إلى المساعدة في النكاح والإعانة عليه، وأن على المسلمين عامة أن يهتم بعضهم ببعض حتى لا يبقى في مجتمعهم رجل ولا امرأة بدون زواج وعلى هذا فحكم مباشرة عقد الزواج، لا يؤخذ من الآية وإنما يؤخذ من أدلة أخرى من السنة المطهرة مثل قوله ﷺ :« لا نكاح إلا بولي » وقوله ﷺ :« أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ». قال الألوسي : والذي أميل إليه أن الأمر لمطلق الطلب وإن المراد من الإنكاح : المعاونة والتوسط، وتوقّفُ صحة النكاح في بعض الصور على الولي يُعلم من دليل آخر.
387
الحكم الخامس : هل يجوز للحر التزوج بالأمة؟
استدل بعض الحنفية بظاهر قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ على أنّ الحر يجوز له التزوج بالأمة مطلقاً ولو كان مستطيعاً طَوْل الحرة أخذاً بالعموم في الآية الكريمة... وذهب الشافعية إلى أن هذا العموم غير مراد بدليل آية النساء التي قيدت ذلك بعدم الاستطاعة في قوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات ﴾ [ النساء : ٢٥ ] الآية فهذه الآية خاصة، والخاص مقدم على العام، فلا يجوز لمن وجدَ طول الحرة أن يتزوج أمة.
والأدلةُ بالتفصيل يُرْجَع إليها في سورة النساء وليس هذا محل ذكرها فافهم ذاك رعاك الله.
الحكم السادس : هل للسيد إجبار عبده أو أمته على الزواج؟
استدل العلماء بقوله تعالى :﴿ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ على أن للسيد أن يزوج عبده وأمته بدون رضاهما لأن الآية جعلت للسيد حق تزويج كل منهما ولم تشترط رضاهما، وكذلك أخذوا من الآية أنه لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يتزوجا بغير إذن السيد. والعلّةُ في ذلك أنه لو جاز لهما الزواج بغير إذنه لفوّتا عليه استعمال حقه، ويؤيد ذلك قول النبي ﷺ :« أيما عبدٍ تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر ».
قال العلامة القرطبي :( أكثر العلماء على أن للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح وهو قول ( مالك وأبي حنيفة ) وغيرهما وروي نحوه عن الشافعي : أنه ليس للسيد أن يكره العبد على النكاح، وقال النخعي كانوا يكرهون المماليك على النكاح ويغلقون عليهم الأبواب.
تمسك أصحاب الشافعي فقالوا : العبد مكلف فلا يجبر على النكاح لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية وإنما تتعلق به المملوكية من جهة الرقبة والمنفعة ولعلمائنا : أنَّ مالكية العبد استغرقتها مالكية السيد ولذلك لا يتزوج إلا بإذنه بإجماع والنكاح إنما هو من المصالح، ومصلحةُ العبد موكولة إلى السيد ).
الحكم السابع : هل يفرق بين الزوجين بسبب الإعسار؟
استدل بعض العلماء بالآية الكريمة ﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ على أن النكاح لا يفسخ بالعجز عن النفقة، لأنه تعالى لم يجعل الفقر مانعاً من الإنكاح، بل حث على تزويج الفقراء، ووعدهم بالغنى، فإذا كان الفقر ليس مانعاً من ابتداء النكاح، فإنه لا يكون مانعاً من استدامته من باب أولى.
قال النقاش : هذه الآية حجة على من قال : إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيراً لا يقدر على النفقة لأن الله تعالى قال :﴿ يُغْنِهِمُ الله ﴾ ولم يقل يفرق.
قال القرطبي : وهذا انتزاع ضعيف وليست هذه الآية حكماً فيمن عجز عن النفقة، وإنما هو وعد بالإغناء لمن تزوج فقيراً، فأما من تزوج موسراً وأعسر بالنفقة فإنه يفرق بينهما قال الله تعالى :﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ﴾
استدل بعض الحنفية بظاهر قوله تعالى :﴿ وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ ﴾ على أنّ الحر يجوز له التزوج بالأمة مطلقاً ولو كان مستطيعاً طَوْل الحرة أخذاً بالعموم في الآية الكريمة... وذهب الشافعية إلى أن هذا العموم غير مراد بدليل آية النساء التي قيدت ذلك بعدم الاستطاعة في قوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات ﴾ [ النساء : ٢٥ ] الآية فهذه الآية خاصة، والخاص مقدم على العام، فلا يجوز لمن وجدَ طول الحرة أن يتزوج أمة.
والأدلةُ بالتفصيل يُرْجَع إليها في سورة النساء وليس هذا محل ذكرها فافهم ذاك رعاك الله.
الحكم السادس : هل للسيد إجبار عبده أو أمته على الزواج؟
استدل العلماء بقوله تعالى :﴿ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ على أن للسيد أن يزوج عبده وأمته بدون رضاهما لأن الآية جعلت للسيد حق تزويج كل منهما ولم تشترط رضاهما، وكذلك أخذوا من الآية أنه لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يتزوجا بغير إذن السيد. والعلّةُ في ذلك أنه لو جاز لهما الزواج بغير إذنه لفوّتا عليه استعمال حقه، ويؤيد ذلك قول النبي ﷺ :« أيما عبدٍ تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر ».
قال العلامة القرطبي :( أكثر العلماء على أن للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح وهو قول ( مالك وأبي حنيفة ) وغيرهما وروي نحوه عن الشافعي : أنه ليس للسيد أن يكره العبد على النكاح، وقال النخعي كانوا يكرهون المماليك على النكاح ويغلقون عليهم الأبواب.
تمسك أصحاب الشافعي فقالوا : العبد مكلف فلا يجبر على النكاح لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية وإنما تتعلق به المملوكية من جهة الرقبة والمنفعة ولعلمائنا : أنَّ مالكية العبد استغرقتها مالكية السيد ولذلك لا يتزوج إلا بإذنه بإجماع والنكاح إنما هو من المصالح، ومصلحةُ العبد موكولة إلى السيد ).
الحكم السابع : هل يفرق بين الزوجين بسبب الإعسار؟
استدل بعض العلماء بالآية الكريمة ﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ على أن النكاح لا يفسخ بالعجز عن النفقة، لأنه تعالى لم يجعل الفقر مانعاً من الإنكاح، بل حث على تزويج الفقراء، ووعدهم بالغنى، فإذا كان الفقر ليس مانعاً من ابتداء النكاح، فإنه لا يكون مانعاً من استدامته من باب أولى.
قال النقاش : هذه الآية حجة على من قال : إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيراً لا يقدر على النفقة لأن الله تعالى قال :﴿ يُغْنِهِمُ الله ﴾ ولم يقل يفرق.
قال القرطبي : وهذا انتزاع ضعيف وليست هذه الآية حكماً فيمن عجز عن النفقة، وإنما هو وعد بالإغناء لمن تزوج فقيراً، فأما من تزوج موسراً وأعسر بالنفقة فإنه يفرق بينهما قال الله تعالى :﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ﴾
388
[ النساء : ١٣٠ ] ونفحات الله مأمولة في كل حال.. وهذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقول : كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإن رزقه على الله وقد زوج النبي ﷺ المرأة التي أتته تهب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد وليس لها بعد ذلك فسخ النكاح بالإعسار لأنها دخلت عليه، وإنما يكون ذلك إذا دخلت على اليسار فخرج معسراً، أو طرأ الإعسار بعدذلك لأن الجوع لا صبر عليه.
أقول : إن غاية ما تفيده الآية الكريمة أنه يندب لأهل الزوجة ألا يردّوا خاطباً فإذا خطب ابنتهم شاب صالح، حسن السيرة والأخلاق فعليهم ألا يرفضوه لمجرد فقره، فإن المال غاد ورائح، وفي فضل الله ما يغني الجميع. وعلى الشاب نفسه ألا يرجئ أمر زواجه انتظاراً للمزيد من الغنى واليسر بل عليه أن يُقْدم على الزواج متوكلاً على الله ولو كان كسبه قليلاً، فإن الزواج كثيراً ما يكون السبب في إصلاح حال الإنسان، بسبب ما يبذله من جهد في سبيل الكسب بعد الزواج. والله تعالى قد وعد بالعون من أراد أن يُعفَّ نفسه على الحرام ففي الحديث الصحيح « ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله ».
وليس في الآية ما يدل على فسخ النكاح بالإعسار أو عدم فسخه والله تعالى أعلم.
الحكم الثامن : ما هو حكم نكاح المتعة؟
استدل بعض العلماء بهذه الآية الكريمة ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ على بطلان انكاح المتعة، لأنه لو كان صحيحاً لم يتعين الاستعفاف سبيلاً للتائق العاجز عن أسباب النكاح. ولم تجعل الآية سبيلاً لمث لهذه الحالة إلا ( الاستعفاف ) يعني الصبر علىترك الزواج حتى يغنيه الله من فضله ويرزقه ما يتزوج به، فالأمر بالاستعفاف متوجه لكل من تعذر عليه النكاح بأي وجه من الوجوه ولو كان ( نكاح متعة ) صحيحاً لأمر الله تعالى به. وهو استدلال دقيق فتدبره.
الحكم التاسع : هل تجب مكاتبة العبد؟
معنى المكاتبة في الشرع : هو أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجّماً عليه فإذا أداه فهو حر لوجه الله تعالى وللمكاتبة حالتان :
أ- أن يطلبها العبد ويجيبه السيد عليها وهذا الذي أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ والذين يَبْتَغُونَ الكتاب ﴾.
ب- أن يطلبها العبد ويأباها السيد وهذا الذي اختلف فيه الفقهاء على مذهبين :
١- مذهب الظاهرية : قالوا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا طلب منه ذلك.
٢- مذهب جمهور الفقهاء : قالوا : لا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه بل يندب له المكاتبة.
أدلة الظاهرية :
استدل أهل الظاهر على وجوب المكاتبة بالآية والأثر.
أ- أما الآية فقوله تعالى :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ ﴾ فإنه أمر وظاهر الأمر للإيجاب، وقالوا : مما يدل عليه أيضاً سبب النزول فقد نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له ( صبيح ) وقد تقدم.
أقول : إن غاية ما تفيده الآية الكريمة أنه يندب لأهل الزوجة ألا يردّوا خاطباً فإذا خطب ابنتهم شاب صالح، حسن السيرة والأخلاق فعليهم ألا يرفضوه لمجرد فقره، فإن المال غاد ورائح، وفي فضل الله ما يغني الجميع. وعلى الشاب نفسه ألا يرجئ أمر زواجه انتظاراً للمزيد من الغنى واليسر بل عليه أن يُقْدم على الزواج متوكلاً على الله ولو كان كسبه قليلاً، فإن الزواج كثيراً ما يكون السبب في إصلاح حال الإنسان، بسبب ما يبذله من جهد في سبيل الكسب بعد الزواج. والله تعالى قد وعد بالعون من أراد أن يُعفَّ نفسه على الحرام ففي الحديث الصحيح « ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله ».
وليس في الآية ما يدل على فسخ النكاح بالإعسار أو عدم فسخه والله تعالى أعلم.
الحكم الثامن : ما هو حكم نكاح المتعة؟
استدل بعض العلماء بهذه الآية الكريمة ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ على بطلان انكاح المتعة، لأنه لو كان صحيحاً لم يتعين الاستعفاف سبيلاً للتائق العاجز عن أسباب النكاح. ولم تجعل الآية سبيلاً لمث لهذه الحالة إلا ( الاستعفاف ) يعني الصبر علىترك الزواج حتى يغنيه الله من فضله ويرزقه ما يتزوج به، فالأمر بالاستعفاف متوجه لكل من تعذر عليه النكاح بأي وجه من الوجوه ولو كان ( نكاح متعة ) صحيحاً لأمر الله تعالى به. وهو استدلال دقيق فتدبره.
الحكم التاسع : هل تجب مكاتبة العبد؟
معنى المكاتبة في الشرع : هو أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجّماً عليه فإذا أداه فهو حر لوجه الله تعالى وللمكاتبة حالتان :
أ- أن يطلبها العبد ويجيبه السيد عليها وهذا الذي أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ والذين يَبْتَغُونَ الكتاب ﴾.
ب- أن يطلبها العبد ويأباها السيد وهذا الذي اختلف فيه الفقهاء على مذهبين :
١- مذهب الظاهرية : قالوا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا طلب منه ذلك.
٢- مذهب جمهور الفقهاء : قالوا : لا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه بل يندب له المكاتبة.
أدلة الظاهرية :
استدل أهل الظاهر على وجوب المكاتبة بالآية والأثر.
أ- أما الآية فقوله تعالى :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ ﴾ فإنه أمر وظاهر الأمر للإيجاب، وقالوا : مما يدل عليه أيضاً سبب النزول فقد نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له ( صبيح ) وقد تقدم.
389
ب- وأما الأثر فهو ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سألني ( سيرين ) المكاتبة فأبيت عليه، فأتى ( عمر بن الخطاب ) فأخبره فأقبل عليَّ بالدرّة وتلا قوله تعالى :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾ فكاتبه أنس. قال داود الظاهري : وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس لو لم تكن الكتابة واجبة.
وهذا المذاهب منقول عن بعض التابعين كعطاء، وعكرمة، ومسروق، والضحاك بن مزاحم.
أدلة الجمهور :
واستدل جمهور الفقهاء ( المالكية والأحناف والشافعية والحنابلة ) على أنه مندوب بما يأتي :
أ- إن الله تعالى قيَّد المكاتبة بشرط علم الخير فيه فقال :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾. فعلّق الوجوب على أمر باطن، وهو علم السيد بالخيرية، فإذا قال العبد : كاتبنْي، وقال له السيد : لم أعلم فيك خيراً كان القول للسيد فدلّ على عدم وجوبه.
ب- حديث « لا يحل مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبٍ من نفسه » والعبدُ مالٌ فلا يجوز إلاّ برضى السيد.
ج - وتمسّكوا بالإجماع على أنه لو سأل العبدُ سيده أن يبيعه من غيره، لم يجب عليه ذلك، ولم يجبر عليه فكذا الكتابة لأنها معاوضة.
قال الجصاص : فإن قيل : لو لم يكن يراها واجبة لما رفع لعيه الدِرّة ولم يضربه؟
قلنا : لأن عمر رضي الله عنه كان كالوالد المشفق على الرعية، فكان يأمرهم بما لهم فيه الأفضل في الدين، وإن لم يكن واجباً، على وجه التأديب والمصلحة!
والصحيح ما قاله الجمهور إن الأمر للندب والاستحباب، لا للوجوب والله أعلم.
الحكم التاسع : من هم المخاطبون بإيتاء المال؟ وما مقداره؟
اختلف المفسرون في قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ ﴾ من هم المخاطبون به؟ على قولين.
أحدهما : أنه خطاب للأغنياؤ الذين تجب عليهم الزكاة، أُمروا أن يُعْطوا المكاتبين من سهم ( الرقاب ) وقد روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون، أي المراد أن يدفعوا لهم من مال الزكاة.
والثاني : أنه خطاب للسادة أمروا أن يُعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئاً. ولعلّ هذا أصح لأن سياق الآية يدل على ذلك حيث أمر السادة بطريق ( الندب والاستحباب ) أن يكاتبوا عبيدهم، وأمروا أيضاً أن يحطوا عنهم شيئاً من مال الكتابة عوناً لهم على فكاك أنفسهم من ربقة العبودية.
قال القرطبي : هذا أمر للسادة بإعانتهم في مال الكتابة، إمَّا بأن يعطوهم شيئاً مما في أيديهم أعني ( أيدي السادة ) أو يحطوا عنهم شيئاً من مال الكتابة.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الإيتاء هل هو واجب؟ وفي مقداره؟ على مذهبين :
١- مذهب ( الشافعية والحنابلة ) : أنه واجب وقدّره أحمد بربع بمال الكتابة... وقال الشافعي : ليس محدوداً ويكفي في أقل شيء يقع عليه اسم المال.
وهذا المذاهب منقول عن بعض التابعين كعطاء، وعكرمة، ومسروق، والضحاك بن مزاحم.
أدلة الجمهور :
واستدل جمهور الفقهاء ( المالكية والأحناف والشافعية والحنابلة ) على أنه مندوب بما يأتي :
أ- إن الله تعالى قيَّد المكاتبة بشرط علم الخير فيه فقال :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾. فعلّق الوجوب على أمر باطن، وهو علم السيد بالخيرية، فإذا قال العبد : كاتبنْي، وقال له السيد : لم أعلم فيك خيراً كان القول للسيد فدلّ على عدم وجوبه.
ب- حديث « لا يحل مال امرئٍ مسلم إلاّ بطيبٍ من نفسه » والعبدُ مالٌ فلا يجوز إلاّ برضى السيد.
ج - وتمسّكوا بالإجماع على أنه لو سأل العبدُ سيده أن يبيعه من غيره، لم يجب عليه ذلك، ولم يجبر عليه فكذا الكتابة لأنها معاوضة.
قال الجصاص : فإن قيل : لو لم يكن يراها واجبة لما رفع لعيه الدِرّة ولم يضربه؟
قلنا : لأن عمر رضي الله عنه كان كالوالد المشفق على الرعية، فكان يأمرهم بما لهم فيه الأفضل في الدين، وإن لم يكن واجباً، على وجه التأديب والمصلحة!
والصحيح ما قاله الجمهور إن الأمر للندب والاستحباب، لا للوجوب والله أعلم.
الحكم التاسع : من هم المخاطبون بإيتاء المال؟ وما مقداره؟
اختلف المفسرون في قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ ﴾ من هم المخاطبون به؟ على قولين.
أحدهما : أنه خطاب للأغنياؤ الذين تجب عليهم الزكاة، أُمروا أن يُعْطوا المكاتبين من سهم ( الرقاب ) وقد روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون، أي المراد أن يدفعوا لهم من مال الزكاة.
والثاني : أنه خطاب للسادة أمروا أن يُعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئاً. ولعلّ هذا أصح لأن سياق الآية يدل على ذلك حيث أمر السادة بطريق ( الندب والاستحباب ) أن يكاتبوا عبيدهم، وأمروا أيضاً أن يحطوا عنهم شيئاً من مال الكتابة عوناً لهم على فكاك أنفسهم من ربقة العبودية.
قال القرطبي : هذا أمر للسادة بإعانتهم في مال الكتابة، إمَّا بأن يعطوهم شيئاً مما في أيديهم أعني ( أيدي السادة ) أو يحطوا عنهم شيئاً من مال الكتابة.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الإيتاء هل هو واجب؟ وفي مقداره؟ على مذهبين :
١- مذهب ( الشافعية والحنابلة ) : أنه واجب وقدّره أحمد بربع بمال الكتابة... وقال الشافعي : ليس محدوداً ويكفي في أقل شيء يقع عليه اسم المال.
390
٢- مذهب ( المالكية والأحناف ) : أنه ليس بواجب وأنّ هذا الأمر على الندب.
حجة الشافعية والحنابلة :
أ- ظاهر قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله ﴾ والأمر للوجوب.
ب- واستدلوا بما روي أن عمر بن الخطاب كاتب غلاماً يقال له ( أبو أمية ) فجاءه بنجمةِ حين حلّ فقال : اذهب يا أبا أمية فاستعن به في مكاتبتك، قال : يا أمير المؤمنين : لو أخّرته حتى يكون في آخر النجوم؟ فقال : يا أبا أمية : إني أخاف أن لا أدرك ذلك ثم قرأ :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ ﴾.
قال عكرمة : وكان ذلك أول نجمٍ أُدّي في الإسلام.
حجة المالكية والحنفية :
١- احتج المالكية والحنفية بأن الأمر في الكتابة للندب فكيف يكون الأمر بالإيتاء للوجوب؟ وقالوا : قد جاء في الآية أمرانِ ( فكاتبوهم ) و ( آتوهم ) فإمّا أن يكونا للوجوب، أو للندب.
قال ابن العربي : ولو أن الشافعي حين قال : إن الإيتاء واجب يقول : إنّ الكتابة واجبة لكان تركيباً حسناً ولكنه قال : إنّ الكتابة لا تلزم، والإيتاء يجب فجعل الأصل غير واجب. والفرع واجباً. وهذا لا نظير له فصارت دعوى محضة.
ب- واستدلوا من السنة بحديث « أيما عبدٍ كاتبَ على مائةِ أوقيةٍ فأدّاها إلا عشر أواق فهو عبد » فلو كان الحطّ واجباً لسقط عنه بقدَره.
واستدلوا كذلك بحديث عائشة حين جاءتها ( بريرة ) تستعينها على أداء كتابتها فقالت لها عائشة : إنْ أحبّ أهلك أن أعطيهم ذلك جميعاً ويكون ولاؤك لي فأبوا، فذكرتْ ذلك للرسول ﷺ فقال لها عليه السلام :« إبتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق » قالوا : فلم ينكر عليها الرسول ولم يقل إنها تستحق أن يحطّ عنها من كتابتها أو يعطيها المولى شيئاً من ماله.
الحكم العاشر : ما هو الإكراه وهل يرتفع به الحد عن الرجل والمرأة؟
أشارت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء... ﴾ إلى أنّ الإكراه يسقط التكليف عن الإنسان، وبالتالي يبقى العبد غير مؤاخذ، ويصبح الإثم على المُكْرِه. والإكراه إنما يحصل متى وجد التخويف بما يقتضي تلف النفس كالتهديد بالقتل، أو بما يوجب تلف عضو من الأعضاء، واما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة. فحال الإكراه على الزنى كحال الإكراه على ( كلمة الكفر )، وقد قال الله تعالى فيه ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ﴾ [ النحل : ١٠٦ ] وقد ذكر بعض المفسرين أنّ الله تعالى إنما ذكر إرادة التحصن من المرأة لأن ذلك هو الذي يصوّر الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يُتصور إكراه وقال بعضهم : خرج مخرج الأغلب إذ الغالب أن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن.
والصحيح ما ذكرناه سابقاً أنّ المقصود به ( التقبيح والتشنيع ) على هذا المنكر الفظيع الذي كان يعمله أهل الجاهلية، حيث كانوا يُكْرهو الفتيات على البغاء مع إرادتهن للتعفف.
حجة الشافعية والحنابلة :
أ- ظاهر قوله تعالى :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله ﴾ والأمر للوجوب.
ب- واستدلوا بما روي أن عمر بن الخطاب كاتب غلاماً يقال له ( أبو أمية ) فجاءه بنجمةِ حين حلّ فقال : اذهب يا أبا أمية فاستعن به في مكاتبتك، قال : يا أمير المؤمنين : لو أخّرته حتى يكون في آخر النجوم؟ فقال : يا أبا أمية : إني أخاف أن لا أدرك ذلك ثم قرأ :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ ﴾.
قال عكرمة : وكان ذلك أول نجمٍ أُدّي في الإسلام.
حجة المالكية والحنفية :
١- احتج المالكية والحنفية بأن الأمر في الكتابة للندب فكيف يكون الأمر بالإيتاء للوجوب؟ وقالوا : قد جاء في الآية أمرانِ ( فكاتبوهم ) و ( آتوهم ) فإمّا أن يكونا للوجوب، أو للندب.
قال ابن العربي : ولو أن الشافعي حين قال : إن الإيتاء واجب يقول : إنّ الكتابة واجبة لكان تركيباً حسناً ولكنه قال : إنّ الكتابة لا تلزم، والإيتاء يجب فجعل الأصل غير واجب. والفرع واجباً. وهذا لا نظير له فصارت دعوى محضة.
ب- واستدلوا من السنة بحديث « أيما عبدٍ كاتبَ على مائةِ أوقيةٍ فأدّاها إلا عشر أواق فهو عبد » فلو كان الحطّ واجباً لسقط عنه بقدَره.
واستدلوا كذلك بحديث عائشة حين جاءتها ( بريرة ) تستعينها على أداء كتابتها فقالت لها عائشة : إنْ أحبّ أهلك أن أعطيهم ذلك جميعاً ويكون ولاؤك لي فأبوا، فذكرتْ ذلك للرسول ﷺ فقال لها عليه السلام :« إبتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق » قالوا : فلم ينكر عليها الرسول ولم يقل إنها تستحق أن يحطّ عنها من كتابتها أو يعطيها المولى شيئاً من ماله.
الحكم العاشر : ما هو الإكراه وهل يرتفع به الحد عن الرجل والمرأة؟
أشارت الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغآء... ﴾ إلى أنّ الإكراه يسقط التكليف عن الإنسان، وبالتالي يبقى العبد غير مؤاخذ، ويصبح الإثم على المُكْرِه. والإكراه إنما يحصل متى وجد التخويف بما يقتضي تلف النفس كالتهديد بالقتل، أو بما يوجب تلف عضو من الأعضاء، واما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة. فحال الإكراه على الزنى كحال الإكراه على ( كلمة الكفر )، وقد قال الله تعالى فيه ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان ﴾ [ النحل : ١٠٦ ] وقد ذكر بعض المفسرين أنّ الله تعالى إنما ذكر إرادة التحصن من المرأة لأن ذلك هو الذي يصوّر الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يُتصور إكراه وقال بعضهم : خرج مخرج الأغلب إذ الغالب أن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن.
والصحيح ما ذكرناه سابقاً أنّ المقصود به ( التقبيح والتشنيع ) على هذا المنكر الفظيع الذي كان يعمله أهل الجاهلية، حيث كانوا يُكْرهو الفتيات على البغاء مع إرادتهن للتعفف.
391
واختلف العلماء فيمن أكره على الزنى من الرجال هل يرتفع عنه الحد كما يرتفع عن المرأة؟
فذهب الجمهور : إلى أنّ الإكراه يرفع الحد عن الرجل والمرأة، ولقوله عليه السلام « رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما اسْتُكرهوا عليه ».
وذهب ( أبو حنيفة ) إلى أنّ الرجل إذا أكره على الزنى فإنه يحد إلا إذا أكرهه سلطان وأما المرأة فلا حدّ عليها، وحجّتُه في ذلك أنّ الإكراه ينافي الرضى، وما وقع عن طوع ورضى فغير مكره عليه. ومعلوم أن حال الإكراه هي حال خوف وتلفٍ على النفس، والانتشارُ والشهوةُ ينافيهما الخوفُ والوجل. فلمّا وجد منه الانتشار والشهوة في هذه الحال عُلِمَ أنه فعله غير مكره لأنه لو كان مكرهاً خائفاً لما كان منه انتشار ولا غلبته الشهوة وفي ذلك دليل على ان فعله ذلك لم يقع على وجه الإكراه فوجب الحد.
طريقة الزنى في الجاهلية :
والبغاء الذي كان منتشراً في الجاهلية كان على نوعين :
الأول : البغاء في صورة النكاح.
الثاني : البغاء العام في الإماء والحرائر.
أما الأول : فكانت تحترفه بعض الإماء اللواتي لم يكن لهن من يكفلهن، أو الحرائر اللواتي لم يكن لهن بيت أو أسرة تضمهن، فكانت إحداهن تجلس في بيت، وتتفق في آن واحد مع عدة رجال، على أن ينفقوا عليها ويقوموا أمرها ويقضوا منها حاجتهم. فإذا حملت ووضعت أرسل إليهم حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد وَلَدْتُ وهو ابنُك يا فلان، فتسمي من أحبّت باسمه، فيلتحق نسبه به.
فهذا نوع من البغاء كان يتناكح به أهل الجاهلية وهو البغاء في صورة النكاح.
وأما البغاء العام : فكان معظمه بواسطة الإماء وربما وقع من بعض الحرائر أيضاً وهو أيضاً على وجهين :
الأول : أن بعض السادة كانوا يفرضون على إمائهم مبلغاً كبيراً من المال يتقاضونه منهن في كل شهر، فكنّ يكسبْن بالفجور، لأنه لا يمكنهن أن يدفعن ما فرضه عليهن سادتهن بحرفة طاهرة فكنَّ يحترفن البغاء.
والوجه الثاني : أنّ بعض العرب كانوا يُجْلسون الفتيات الشابات من إمائهن في الغرفات، وينصبون على أبوابهم رايات، تكون علماً لمن أراد أن يقضي منهن حاجته، وكانت بيوتهن تسمى ( المواخير ) وكانوا يستدرُّون من ورائهن المال فإذا أبت إحداهن أو تعففت عن ممارسة هذه الرذيلة ضربها سيدها وأكرهها على مزاولة الحرفة حتى لا ينقطع عنه ذلك المورد الخبيث الذي كان يُكْسبه المال الوفير.
وهذا ( عبد الله بن أبيّ ) رأس النفاق كان له ست إماء شابات جميلات يكرههن على البغاء، طلباً لكسبهن، وفيه نزلت الآيات الكريمة المتقدمة.
أقول : ما أشبه جاهلية ( القرن العشرين ) في زماننا بتلك الجاهلية الأولى حيث تنظّم بيوت الدعارة تحت حماية القانون، وتحميها الشرطة ويقصدها الراغبون بأجرٍ معلوم، وليس فيها ما يختلف عن الأولى إلا أنها ( أشنع وأفظع ) لأنها في ( الحرائر ) وبشكل فاضح مكشوف، وقد قال ﷺ :
فذهب الجمهور : إلى أنّ الإكراه يرفع الحد عن الرجل والمرأة، ولقوله عليه السلام « رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما اسْتُكرهوا عليه ».
وذهب ( أبو حنيفة ) إلى أنّ الرجل إذا أكره على الزنى فإنه يحد إلا إذا أكرهه سلطان وأما المرأة فلا حدّ عليها، وحجّتُه في ذلك أنّ الإكراه ينافي الرضى، وما وقع عن طوع ورضى فغير مكره عليه. ومعلوم أن حال الإكراه هي حال خوف وتلفٍ على النفس، والانتشارُ والشهوةُ ينافيهما الخوفُ والوجل. فلمّا وجد منه الانتشار والشهوة في هذه الحال عُلِمَ أنه فعله غير مكره لأنه لو كان مكرهاً خائفاً لما كان منه انتشار ولا غلبته الشهوة وفي ذلك دليل على ان فعله ذلك لم يقع على وجه الإكراه فوجب الحد.
طريقة الزنى في الجاهلية :
والبغاء الذي كان منتشراً في الجاهلية كان على نوعين :
الأول : البغاء في صورة النكاح.
الثاني : البغاء العام في الإماء والحرائر.
أما الأول : فكانت تحترفه بعض الإماء اللواتي لم يكن لهن من يكفلهن، أو الحرائر اللواتي لم يكن لهن بيت أو أسرة تضمهن، فكانت إحداهن تجلس في بيت، وتتفق في آن واحد مع عدة رجال، على أن ينفقوا عليها ويقوموا أمرها ويقضوا منها حاجتهم. فإذا حملت ووضعت أرسل إليهم حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد وَلَدْتُ وهو ابنُك يا فلان، فتسمي من أحبّت باسمه، فيلتحق نسبه به.
فهذا نوع من البغاء كان يتناكح به أهل الجاهلية وهو البغاء في صورة النكاح.
وأما البغاء العام : فكان معظمه بواسطة الإماء وربما وقع من بعض الحرائر أيضاً وهو أيضاً على وجهين :
الأول : أن بعض السادة كانوا يفرضون على إمائهم مبلغاً كبيراً من المال يتقاضونه منهن في كل شهر، فكنّ يكسبْن بالفجور، لأنه لا يمكنهن أن يدفعن ما فرضه عليهن سادتهن بحرفة طاهرة فكنَّ يحترفن البغاء.
والوجه الثاني : أنّ بعض العرب كانوا يُجْلسون الفتيات الشابات من إمائهن في الغرفات، وينصبون على أبوابهم رايات، تكون علماً لمن أراد أن يقضي منهن حاجته، وكانت بيوتهن تسمى ( المواخير ) وكانوا يستدرُّون من ورائهن المال فإذا أبت إحداهن أو تعففت عن ممارسة هذه الرذيلة ضربها سيدها وأكرهها على مزاولة الحرفة حتى لا ينقطع عنه ذلك المورد الخبيث الذي كان يُكْسبه المال الوفير.
وهذا ( عبد الله بن أبيّ ) رأس النفاق كان له ست إماء شابات جميلات يكرههن على البغاء، طلباً لكسبهن، وفيه نزلت الآيات الكريمة المتقدمة.
أقول : ما أشبه جاهلية ( القرن العشرين ) في زماننا بتلك الجاهلية الأولى حيث تنظّم بيوت الدعارة تحت حماية القانون، وتحميها الشرطة ويقصدها الراغبون بأجرٍ معلوم، وليس فيها ما يختلف عن الأولى إلا أنها ( أشنع وأفظع ) لأنها في ( الحرائر ) وبشكل فاضح مكشوف، وقد قال ﷺ :
392
« ما ظهرت الفاحشة في قوم فعملوا بها إلاّ أصيبوا بالأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم!! » وهذا من أعلام النبوّة.
وإنّا لله وإنَّا إليه راجعون.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شرع الله الزواج لحكم سامية، وغايات نبيلة، وفوائد جليلة. وأمر بتيسير أسبابه لأنه هو الطريق السليم للتناسل. وعمران الأرض بالذرية الصالحة. ولم يشأ الله تبارك وتعالى أن يترك الإنسان كغيره من المخلوقات. فيدع غرائز تنطلق دون وعي. ويترك الاتصال بين الذكر والأنثى فوضى، لا ضابط له كما هو الحال عند الحيوان. بل وضع النظام الملائم الذي يحفظ للإنسان كرامته، ويصون له شرفه. فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالاً نظيفاً طاهراً قائماً على أساس التراضي والتفاهم. وبهذا وضع للغريزة طريقها المأمون، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة أن تكون دُمْيةً بين أيدي العابثين أو كلأً مباحاً لكل راتع.
والغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها فما لم يكن لها متنفّس عن طريق نظيف شريف تمردت وطغت. ونزعت بالإنسان إلى شر منزع، والزواجُ هو أحسن وضع طبيعي لها. وأسلم طريقة لإرواء الغريزة وإشباعها ليهدأ البدن من الاضطراب. وتسكن النفس عن الصراع. ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام. وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله لها وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ الروم : ٢١ ].
والزواجُ أحسنُ وسيلة لإنجاب الأولاد. وتكثير النل. واستمرار الحياة، مع المحافظة على الأنساب التي يوليها الإسلام عناية فائقةً. وقد خصّ الإسلام عليه ورغّب فيه. بطرق شتى. وصور عديدة. وعدّه الرسول ﷺ خير متاعٍ في هذه الحياة فقال صلوات الله عليه « الدنيا متاعٌ وخيرُ متاعها المرأةُ الصالحة » بل عدّه خيرَ كنزٍ يكنزه الإنسان في حياته فقال ﷺ « ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ».
وقد أمر الإسلامُ بتيسير أسباب الزواج، وتسهيل طرقه، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، وأمر بإزالة جميع العقبات من وجهه، والعقبةُ المالية هي ( العقبة الأولى ) في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس، لذلك نبه الباري جلّ وعلا إلى أنه لا يجوز أن يكون الفقر عائقاً عن التزويج، فالرزق بيد الله، وقد تكفّل بإغنائهم إن هم اختاروا طريق العفة النظيف، فيجب على الأمة أن تعينهم على الزواج، وأن تهيئ لهم أسبابه، وتبذل كل ما لديها من جهودٍ حتى لا يبقى في المجتمع عضو أشل، أو عضو غير نافع.
وإنّا لله وإنَّا إليه راجعون.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شرع الله الزواج لحكم سامية، وغايات نبيلة، وفوائد جليلة. وأمر بتيسير أسبابه لأنه هو الطريق السليم للتناسل. وعمران الأرض بالذرية الصالحة. ولم يشأ الله تبارك وتعالى أن يترك الإنسان كغيره من المخلوقات. فيدع غرائز تنطلق دون وعي. ويترك الاتصال بين الذكر والأنثى فوضى، لا ضابط له كما هو الحال عند الحيوان. بل وضع النظام الملائم الذي يحفظ للإنسان كرامته، ويصون له شرفه. فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالاً نظيفاً طاهراً قائماً على أساس التراضي والتفاهم. وبهذا وضع للغريزة طريقها المأمون، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة أن تكون دُمْيةً بين أيدي العابثين أو كلأً مباحاً لكل راتع.
والغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها فما لم يكن لها متنفّس عن طريق نظيف شريف تمردت وطغت. ونزعت بالإنسان إلى شر منزع، والزواجُ هو أحسن وضع طبيعي لها. وأسلم طريقة لإرواء الغريزة وإشباعها ليهدأ البدن من الاضطراب. وتسكن النفس عن الصراع. ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام. وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله لها وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ الروم : ٢١ ].
والزواجُ أحسنُ وسيلة لإنجاب الأولاد. وتكثير النل. واستمرار الحياة، مع المحافظة على الأنساب التي يوليها الإسلام عناية فائقةً. وقد خصّ الإسلام عليه ورغّب فيه. بطرق شتى. وصور عديدة. وعدّه الرسول ﷺ خير متاعٍ في هذه الحياة فقال صلوات الله عليه « الدنيا متاعٌ وخيرُ متاعها المرأةُ الصالحة » بل عدّه خيرَ كنزٍ يكنزه الإنسان في حياته فقال ﷺ « ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ».
وقد أمر الإسلامُ بتيسير أسباب الزواج، وتسهيل طرقه، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، وأمر بإزالة جميع العقبات من وجهه، والعقبةُ المالية هي ( العقبة الأولى ) في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس، لذلك نبه الباري جلّ وعلا إلى أنه لا يجوز أن يكون الفقر عائقاً عن التزويج، فالرزق بيد الله، وقد تكفّل بإغنائهم إن هم اختاروا طريق العفة النظيف، فيجب على الأمة أن تعينهم على الزواج، وأن تهيئ لهم أسبابه، وتبذل كل ما لديها من جهودٍ حتى لا يبقى في المجتمع عضو أشل، أو عضو غير نافع.
393
وإلى أن تتهيأ للشباب فرصة الزواج، جاء الأمر الإلهي لهم بالاستعفاف عن الحرام حتى يغنيهم الله من فضله ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾.
ومن الكذب والزور ما يقوله بعض أدعياء العلم اليوم من أن الكَبْتَ والحرمان يولِّدان عن الإنسان عُقداً نفسية وأضراراً جسمية، وأنّ عليه أن يخفف طغيان الغريزة بالاتصال الجنسي ولو عن طريق البغاء.
إنهم يجعلون الزنى ( ضرورة اجتماعية ) لاتقاء الأمراض الجسدية والتخلص من أضرار ( الكبت والحرمان ) ويزعمون أنّ هذا هو الطريق السليم، لمعالجة طغيان الغريزة، وحماية الإنسان من العقد النفسية، التي قد تؤدي به إلى الجنون.
والمتحلِّلون وعلى رأسهم الإباحي ( فرويد ) يرون أن خير علاج هو إباحة الزنى وأنّ فيه حماية للفرد والمجتمع من مخاطر الجنس، وهم يستقون نظرياتهم ( التربوية ) فيما يزعمون من علم النفس ويقولون : يجب أن يعيش الإنسان حراً مطلقاً من كل قيد وشرط، حتى لا يتعقد ولا تنتابه الهواجس والأمراض النفسية.
إنهم يقيسون الإنسان على الحيوان الذي نعيش طليقاً بدون قيود ولا حدود، يأتي شهوته متى شاء، وينال غريزته بأي طريق أحب، وما دروا أن بين الإنسان والحيوان فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً، فالحيوان تسيطر عليه شهوته وتتحكم فيه غريزته، بينما الإنسان يتحكم فيه عقله ويضبطه إدراكه وإحساسه، ولولا العقل في الإنسان لكان الحيوان خيراً منه وأفضل.
يقول شهيد الإسلام ( سيد قطب ) عليه رحمة الله ورضوانه في تفسيره « الظلال » ما نصه :« وهذا النهي عن إكراه الفتيات على البغاء - وهنّ يردن الغفة - ابتغاء المال الرخيص، كان جزءاً من خطة القرآن في تطهير البيئة الإسلامية، وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي، ذلك أنّ وجود البغاء يُغري الكثيرين لسهولته ولو لم يجدوه لانصرفوا إلى طلب هذه المتعة في محلها الكريم النظيف.
ولا عبرة بما يقال : من أنّ » البغاء « صمام أمن يحمي البيوت الشريفة لأنه لا سبيل لمواجهة الحاجة الفطرية إلا بهذا العلاج القذر عند تعذر الزواج، أو تهجم الذئاب المسعورة على الأعراض إن لم تجد هذا الكلأ المباح.
إن في التفكير على هذا النحو قلباً للأسباب، فالميلُ الجنسي يجبُ أن يظلّ نظيفاً، بريئاً موجهاً إلى إمداد الحياة بالأجيال الجديدة، وعلى الجماعات أن تصلح نظمها الاقتصادية بحيث يكون كل فرد فيها في مستوى يسمح له بالحياة المعقولة وبالزواج، فإن وجدت بعد ذلك حالات شاذة عولجت هذه الحالات علاجاً خاصاً، وبذلك لا يحتاج إلى ( البغاء ) وإلى إقامة ( مقاذر إنسانية ) يمرّ بها كل من يريد أن يتخفف من أعباء الجنس فيلقي فيها بالفضلات تحت سمع الجماعة وبصرها.
إنّ النظم الاقتصادية هي التي يجب أن تُعالج بحيث لا تُخْرِجُ مثلَ هذا النتن. ولا يكون فسادها حجةًعلى ضرورة وجود ( المقاذر العامة ) في صور آدمية ذليلة... وهذا يصنعه الإسلام بنظامه المتكامل، النظيف، العفيف، الذي يصل الأرض بالسماء ويرفع البشرية إلى الأفق المشرق الوضيء المستمد من نور الله ».
ومن الكذب والزور ما يقوله بعض أدعياء العلم اليوم من أن الكَبْتَ والحرمان يولِّدان عن الإنسان عُقداً نفسية وأضراراً جسمية، وأنّ عليه أن يخفف طغيان الغريزة بالاتصال الجنسي ولو عن طريق البغاء.
إنهم يجعلون الزنى ( ضرورة اجتماعية ) لاتقاء الأمراض الجسدية والتخلص من أضرار ( الكبت والحرمان ) ويزعمون أنّ هذا هو الطريق السليم، لمعالجة طغيان الغريزة، وحماية الإنسان من العقد النفسية، التي قد تؤدي به إلى الجنون.
والمتحلِّلون وعلى رأسهم الإباحي ( فرويد ) يرون أن خير علاج هو إباحة الزنى وأنّ فيه حماية للفرد والمجتمع من مخاطر الجنس، وهم يستقون نظرياتهم ( التربوية ) فيما يزعمون من علم النفس ويقولون : يجب أن يعيش الإنسان حراً مطلقاً من كل قيد وشرط، حتى لا يتعقد ولا تنتابه الهواجس والأمراض النفسية.
إنهم يقيسون الإنسان على الحيوان الذي نعيش طليقاً بدون قيود ولا حدود، يأتي شهوته متى شاء، وينال غريزته بأي طريق أحب، وما دروا أن بين الإنسان والحيوان فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً، فالحيوان تسيطر عليه شهوته وتتحكم فيه غريزته، بينما الإنسان يتحكم فيه عقله ويضبطه إدراكه وإحساسه، ولولا العقل في الإنسان لكان الحيوان خيراً منه وأفضل.
يقول شهيد الإسلام ( سيد قطب ) عليه رحمة الله ورضوانه في تفسيره « الظلال » ما نصه :« وهذا النهي عن إكراه الفتيات على البغاء - وهنّ يردن الغفة - ابتغاء المال الرخيص، كان جزءاً من خطة القرآن في تطهير البيئة الإسلامية، وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي، ذلك أنّ وجود البغاء يُغري الكثيرين لسهولته ولو لم يجدوه لانصرفوا إلى طلب هذه المتعة في محلها الكريم النظيف.
ولا عبرة بما يقال : من أنّ » البغاء « صمام أمن يحمي البيوت الشريفة لأنه لا سبيل لمواجهة الحاجة الفطرية إلا بهذا العلاج القذر عند تعذر الزواج، أو تهجم الذئاب المسعورة على الأعراض إن لم تجد هذا الكلأ المباح.
إن في التفكير على هذا النحو قلباً للأسباب، فالميلُ الجنسي يجبُ أن يظلّ نظيفاً، بريئاً موجهاً إلى إمداد الحياة بالأجيال الجديدة، وعلى الجماعات أن تصلح نظمها الاقتصادية بحيث يكون كل فرد فيها في مستوى يسمح له بالحياة المعقولة وبالزواج، فإن وجدت بعد ذلك حالات شاذة عولجت هذه الحالات علاجاً خاصاً، وبذلك لا يحتاج إلى ( البغاء ) وإلى إقامة ( مقاذر إنسانية ) يمرّ بها كل من يريد أن يتخفف من أعباء الجنس فيلقي فيها بالفضلات تحت سمع الجماعة وبصرها.
إنّ النظم الاقتصادية هي التي يجب أن تُعالج بحيث لا تُخْرِجُ مثلَ هذا النتن. ولا يكون فسادها حجةًعلى ضرورة وجود ( المقاذر العامة ) في صور آدمية ذليلة... وهذا يصنعه الإسلام بنظامه المتكامل، النظيف، العفيف، الذي يصل الأرض بالسماء ويرفع البشرية إلى الأفق المشرق الوضيء المستمد من نور الله ».
394
[ ٨ ] الاستئذان في أوقات الخلوة
التحليل اللفظي
﴿ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ﴾ : اللام لام الأمر، واستأذن طلب الإذن، لأن السين والتاء للطلب مثل استنصر طلب النُصرة، واستغفر طلب المغفرة، والاستئذان المذكور في الآية يراد منه الإعلام بالحضور، والسماح للمستأذن بالدخول. والمعنى : ليستأذنْكم في الدخول عليكم عبيدكم وإماؤكم، والصغار من الأطفال.
﴿ الحلم ﴾ : بضم اللام الاحتلام ومعناه : الرؤيا في النوم، والحلْم بكسر الحاء الأناة والعقل، تقول : حلُم الرجل بالضم إذا صار حليماً.
وفي « القاموس » : الحُلْم بالضم وبضمتين الرؤيا جمعه أحلام، وحلم به رأى له رؤيا أو رآه في النوم، والحُلْم بالضم والاحتلام : الجماع في النوم والاسم منه الحُلُم كعنق.
وقال الراغب : الحلم زمان البلوغ سمي الحلم لكون صاحبه جديراً بالحِلم أي الأناة وضبط النفس عن هيجان الغضب. والصحيح أن الحلم هنا بمعنى ( الجماع في النوم ) وهو الاحتلام المعروف، وأن الكلام ( كناية ) عن البلوغ والإدراك، يقال : بلغ الصبي الحلم أي أصبح في سن البلوغ والتكليف.
﴿ عورات ﴾ : جمع عورة ومعناها الخلل وفي « الصحاح » : أعور الفارس إذا بدا فيه موضع خلل للضرب : وأعور المكان إذا اختل حاله وبدا فيه خلل يخاف منه العدو، ومنه قوله تعالى :﴿ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ [ الأحزاب : ١٣ ] والأعور المختل العين فسمى الله تعالى كل واحدة من تلك الأحوال عورة لأن الناس يختل حفظهم وتسترهم فيها.
وعورة الإنسان ( سوأته ) سميت عورة لأنها من العار وذلك لما يلحق في ظهورها من المذمة والعار.
قال القرطبي : وعورات جمع عورة وبابه في التصحيح أن يجيء على فعَلات ( بفتح العين ) كجَفنة وَجَفَنات ونحو ذلك وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات لأن فتحة داع إلى اعتلاله فلم يفتح لذلك.
﴿ العشآء ﴾ : المراد بها العشاء الأخيرة والعرب تسميها العَتَمة وفي حديث مسلم « لا تغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يُعْتمون بالإبل » والمغرب تسمى العشاء الأولى وفي الحديث : فصلاها ( يعني العصر ) بين العشاءين المغرب والعشاء.
قال القرطبي : فالله سماها صلاة العشاء فأحب النبي ﷺ أن تسمى بما سماها الله تعالى به فكأنه نَهْيُ إرشاد إلى ما هو الأولى وليس له جهة التحريم والعرب كانوا يسمونها العتمة وهي الحلبة التي كانوا يحْلِبونها في ذلك الوقت ويشهد لذلك قوله ﷺ فإنها تعتِم بحلاب الإبل.
أقول : قد ورد تسميتها في الكتاب والسنة ( بالعشاء ) فالأفضل الاقتصار على ذلك ففي الحديث الصحيح « من صلى العشاء في جماعة فكأنه قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ». كما اشتهر في الشعر تسميتها بالعشاء قال حسان :
التحليل اللفظي
﴿ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ﴾ : اللام لام الأمر، واستأذن طلب الإذن، لأن السين والتاء للطلب مثل استنصر طلب النُصرة، واستغفر طلب المغفرة، والاستئذان المذكور في الآية يراد منه الإعلام بالحضور، والسماح للمستأذن بالدخول. والمعنى : ليستأذنْكم في الدخول عليكم عبيدكم وإماؤكم، والصغار من الأطفال.
﴿ الحلم ﴾ : بضم اللام الاحتلام ومعناه : الرؤيا في النوم، والحلْم بكسر الحاء الأناة والعقل، تقول : حلُم الرجل بالضم إذا صار حليماً.
وفي « القاموس » : الحُلْم بالضم وبضمتين الرؤيا جمعه أحلام، وحلم به رأى له رؤيا أو رآه في النوم، والحُلْم بالضم والاحتلام : الجماع في النوم والاسم منه الحُلُم كعنق.
وقال الراغب : الحلم زمان البلوغ سمي الحلم لكون صاحبه جديراً بالحِلم أي الأناة وضبط النفس عن هيجان الغضب. والصحيح أن الحلم هنا بمعنى ( الجماع في النوم ) وهو الاحتلام المعروف، وأن الكلام ( كناية ) عن البلوغ والإدراك، يقال : بلغ الصبي الحلم أي أصبح في سن البلوغ والتكليف.
﴿ عورات ﴾ : جمع عورة ومعناها الخلل وفي « الصحاح » : أعور الفارس إذا بدا فيه موضع خلل للضرب : وأعور المكان إذا اختل حاله وبدا فيه خلل يخاف منه العدو، ومنه قوله تعالى :﴿ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ [ الأحزاب : ١٣ ] والأعور المختل العين فسمى الله تعالى كل واحدة من تلك الأحوال عورة لأن الناس يختل حفظهم وتسترهم فيها.
وعورة الإنسان ( سوأته ) سميت عورة لأنها من العار وذلك لما يلحق في ظهورها من المذمة والعار.
قال القرطبي : وعورات جمع عورة وبابه في التصحيح أن يجيء على فعَلات ( بفتح العين ) كجَفنة وَجَفَنات ونحو ذلك وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات لأن فتحة داع إلى اعتلاله فلم يفتح لذلك.
﴿ العشآء ﴾ : المراد بها العشاء الأخيرة والعرب تسميها العَتَمة وفي حديث مسلم « لا تغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يُعْتمون بالإبل » والمغرب تسمى العشاء الأولى وفي الحديث : فصلاها ( يعني العصر ) بين العشاءين المغرب والعشاء.
قال القرطبي : فالله سماها صلاة العشاء فأحب النبي ﷺ أن تسمى بما سماها الله تعالى به فكأنه نَهْيُ إرشاد إلى ما هو الأولى وليس له جهة التحريم والعرب كانوا يسمونها العتمة وهي الحلبة التي كانوا يحْلِبونها في ذلك الوقت ويشهد لذلك قوله ﷺ فإنها تعتِم بحلاب الإبل.
أقول : قد ورد تسميتها في الكتاب والسنة ( بالعشاء ) فالأفضل الاقتصار على ذلك ففي الحديث الصحيح « من صلى العشاء في جماعة فكأنه قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ». كما اشتهر في الشعر تسميتها بالعشاء قال حسان :