تفسير سورة الشمس

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آياتها خمس عشر
هي مكية، نزلت بعد سورة القدر.
ومناسبتها لما قبلها :
( ١ ) أنه سبحانه ختم السورة السابقة بذكر أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، وأعاد ذكر الفريقين في هذه السورة بقوله :﴿ قد أفلح من زكاها ( ٩ ) وقد خاب من دساها ﴾ [ الشمس : ٩-١٠ ].
( ٢ ) ختم السورة السالفة بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، وختم هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا.

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المفردات : ضحى الشمس : ضوؤها
الإيضاح :﴿ والشمس وضحاها ﴾ أقسم سبحانه بالشمس نفسها غابت أو ظهرت، لأنها خلق عظيم على قدرة مبدعها، وأقسم بضوئها لأنه مبعث الحياة في كل حي، فلولاها ما أبصرت حيا ولا رأيت ناميا، ولولاها ما وجد الضياء ولا انتشر النور، وإذا أرسلت خيوطها الذهبية على مكان فر منه السقم، وولت جيوش الأمراض هاربة، لأنها تفتك بها فتكا ذريعا.
شرح المفردات : تلاها : أي تبعها، يقال تلا فلان فلانا يتلوه إذا تبعه
﴿ والقمر إذا تلاها ﴾ أي والقمر إذا تلا الشمس في الليالي البيض من الليلة الثالثة عشرة من الشهر إلى السادسة عشرة وقت امتلائه أو قربه من الامتلاء حين يضيء الليل كله من غروب الشمس إلى الفجر.
وهذا قسم بالضوء في طور آخر، وهو ظهوره وانتشاره الليل كله.
وقد يكون المراد : ابتلاها أي تبعها في كل وقت، لأن نوره مستمد من نور الشمس فهو ذلك يتبعها، وقد قال بهذا الفراء قديما وأثبته علماء الفلك حديثا.
شرح المفردات : جلاها : أي كشف الشمس وأتم وضوحها
﴿ والنهار إذا جلاها ﴾ أي والنهار إذا جلّى الشمس وأظهرها وأتم وضوحها، إذ كلما كان النهار أجلى ظهورا كانت الشمس أكمل وضوحا.
وأقسم بهذه المخلوقات، للإشارة إلى تعظيم أمر الضوء وإعظام أمر النعمة فيه، وفيه لفت لأذهاننا إلى أنه آية من آيات ربنا الكبرى، ونعمة من نعمه العظمى.
وفي قوله :﴿ جلاها ﴾ بيان للحال التي يكشف فيها النهار تلك الحكمة البالغة والآية الباهرة.
شرح المفردات : يغشاها : أي يزيل ضوءها ويحجبه
وبعد أن أقسم بالضياء في أطوار مختلفة أقسم بالليل في حال واحدة فقال :
﴿ والليل إذا يغشاها ﴾ أي والليل إذا يغشى الشمس فيزيل ضوءها في الليالي الحالكة التي لا أثر لضوء الشمس فيها، لا مباشرة كما في النهار، ولا بالواسطة كضوء القمر المستفاد منها، وهي قليلة فإنها ليلة أو ليلتان أو بعض ليال في الشهر.
وفي هذا إيماء إلى أن الليل يطرأ على هذا الكوكب العظيم فيذهب ضوءه، ويحيل نور العالم ظلاما فهو على جليل نفعه وعظيم فائدته، لا يتخذ إلها لأن الإله لا يحول ولا يزول، ولا يعتريه تغير ولا أفول.
وفيه ردع وتأنيب للمشركين على تأليهه وعبادته.
شرح المفردات : السماء : كل ما ارتفع فوق رأسك، والمراد به هذا الكون الذي فوقك وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب التي تجري في مجاريها، بناها : أي رفعها، وجعل كل كوكب من الكواكب بمنزلة لبنة من بناء سقف أو قبة تحيط بك
وبعد أن ذكر الأوصاف الدالة على عظمة هذه الأجرام- أردفه ذكر صفات تدل على حدوثها فقال :
﴿ والسماء وما بناها ﴾ أي والسماء ومن قدرها على النحو الذي اقتضته مشيئته وحكمته.
وفي ذكر البنيان إشارة إلى ما انطوى عليه رفعها وتسويتها من بارع الحكمة وتمام القدرة، وأن لها صانعا حكيما قد أحكم وضعها وأجاد تقديرها، فإنه شد هذه الكواكب بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها حتى يتماسك.
ولما كان الخطاب موجها إلى قوم لا يعرفون الله بجليل صفاته، وكان القصد منه أن ينظروا في هذا الكون نظرة من يطلب للأثر مؤثرا، فينتقلوا من ذلك إلى معرفته تعالى- عبر عن نفسه بلفظ ( ما ) التي هي الغاية في الإبهام.
شرح المفردات : طحا الأرض بسطها وجعلها فراشا
﴿ والأرض وما طحاها ﴾ أي والأرض والذي بسطها ومهدها للسكنى، وجعل الناس ينتفعون بما على ظهرها من نبات وحيوان، وبما في باطنها من مختلف المعادن. ونحو الآية قوله :﴿ الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ﴾ [ البقرة : ٢٢ ].
وقصارى ما سلف : إنه بعد أن أقسم سبحانه بالضياء والظلمة، أقسم بالسماء وما فيها من الكواكب، وبالذي بناها وجعلها مصدرا للضياء، وبالأرض والذي جعلها لنا فراشا ومصدرا للظلمة، فإنها هي التي يحجب بعض أجزائها ضوء الشمس عن بعضها الآخر فيظهر فيه الظلام.
شرح المفردات : سواها : أي ركب فيها القوى الظاهرة والباطنة، وجعل لكل منها وظيفة تؤديها
ثم أقسم بعد هذا بالنفس الإنسانية لما لها من شرف في هذا الوجود فقال :
﴿ ونفس وما سواها ﴾ أي قسما بالنفس ومن سواها وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة، وحدد لكل منها وظيفة تؤديها، وألف لها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى.
شرح المفردات : ألهمها : عرفها ومكنها، والفجور : ما يكون سببا في الخسران والهلكة، والتقوى : إتيان ما يحفظ النفس من سوء العاقبة
ثم بين أثر هذه التسوية فقال :
﴿ فألهمها فجورها وتقواها ﴾ أي فألهم كل نفس الفجور والتقوى وعرفها حالهما، بحيث تميز الرشد من الغي، ويتبين لها الهدى من الضلال، وجعل ذلك معروفا لأولي البصائر.
شرح المفردات : أفلح : أي أصاب الفلاح، وهو إدراك المطلوب، وزكاها : أي طهرها من أدناس الذنوب
وبعد أن ذكر أنه ألهم النفوس معرفة الخير والشر ذكر ما تلقاه جزاء على كل منهما فقال :
﴿ قد أفلح من زكاها ﴾ أي قدر ربح وفاز من زكى نفسه ونماها حتى بلغت غاية ما هي مستعدة له من الكمال العقلي والعملي، حتى تثمر بذلك الثمر الطيب لها ولمن حولها.
شرح المفردات : خاب : أي خسر، ودساها : أي أنقصها وأخفاها بالذنوب والمعاصي قال :
ودسست عمرا في التراب فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعا
﴿ وقد خاب من دساها ﴾ أي وخسر نفسه و أوقعها في التهلكة من نقصها حقها بفعل المعاصي ومجانبة البر والقربات، فإن من سلك سبيل الشر، وطاوع داعي الشهوة فقد فعل ما تفعل البهائم، وبذلك يكون قد أخفى عمل القوة العاقلة التي اختص بها الإنسان، واندرج في عداد الحيوان.
ولا شك أنه لا خيبة أعظم، ولا خسران أكبر من هذا المسخ الذي يجلبه الشخص لنفسه بسوء أعماله.
والمحلوف عليه الذي افتتحت به السورة- محذوف للعلم به من نظائره، وكأنه قيل :﴿ والشمس وضحاها ﴾ لينزلن بالمكذبين منكم مثل من نزل بثمود إذ كذبت نبيها فأصابها العذاب، ودليل ذلك قوله بعد :﴿ كذبت ثمود بطغواها ﴾ الآيات، فإنها ترشد إلى أن الله يعاقب من يكذب رسله، نحو ما سبق في سورة البروج.
شرح المفردات : الطغوى والطغيان : مجاوزة الحد المعتاد.
المعنى الجملي : جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون في ذلك سلوة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يلق إلا ما لقي إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون في ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون في تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
الإيضاح :﴿ كذبت ثمود بطغواها ﴾ أي كذبت ثمود نبيها صالحا بسبب طغيانها وبغيها.
المعنى الجملي : جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون في ذلك سلوة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يلق إلا ما لقي إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون في ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون في تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
شرح المفردات : انبعث : أي قام بعقر الناقة، أشقاها : أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف.
ثم بين أمارة ذلك التكذيب فقال :
﴿ إذ انبعث أشقاها ﴾ أي كان انطلاق الأشقى لعقر الناقة والقوم راضون عنه علامة ظاهرة على تكذيبهم لنبيهم الذي جعلها دليل نبوته، وبرهانا على صدق رسالته، وأوعدهم إذا هم تعرضوا لها، وسكوت قومه على ما يفعل دليل رضاهم عن فعله، فكانوا مكذبين مثله.
المعنى الجملي : جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون في ذلك سلوة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يلق إلا ما لقي إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون في ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون في تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
شرح المفردات : رسول الله : هو صالح عليه السلام، ناقة الله : أي احذروا التعرض لناقة الله، وسقياها : أي شربها الذي اختصها به في يومها.
ثم ذكر ما توعدهم به الرسول على فعلهم فقال :
﴿ فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ﴾ أي فقال لهم صالح : احذروا ناقة الله التي جعلها آية نبوتي، واحذروا شربها الذي اختصت به في يومها، فلا تؤذوها ولا تتعدوا عليها في شربها ولا في يوم شربها، وكان صالح عليه السلام قد اتفق معهم على أن للناقة شرب يوم، ولهم ولمواشيهم شرب يوم، فكانوا يجدون في أنفسهم حرجا لذلك ويتضررون منه، فهموا بقتلها فحذرهم أن يفعلوا ذلك، وخوفهم عذاب الله وعقابه الذي ينزله بهم إن هم أقدموا على هذا الفعل، لكنهم كذبوه ولم يستمعوا لنصحه كما أشار إلى ذلك بقوله :﴿ فكذبوه فعقروها ﴾
المعنى الجملي : جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون في ذلك سلوة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يلق إلا ما لقي إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون في ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون في تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
شرح المفردات : فعقروها : أي فنحروها، فدمدم : أي فأطبق عليهم العذاب، يقال : دمدم عليه القبر : أي أطبقه عليه، فسواها : أي فسوى القبيلة في العقوبة فلم يفلت منها أحد.
﴿ فكذبوه فعقروها ﴾ أي إنهم لم يتورعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن عقر الناقة، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العذاب وأليم العقاب.
وقد تقدم أن قلنا : إنهم لما رضوا بهذا الفعل نسب إليهم جميعا، وكأنهم صنعوه معه.
ثم بين عاقبة عملهم وذكر ما يستحقونه من الجزاء فقال :
﴿ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ﴾ أي فأطبق عليهم العذاب، وأهلكهم هلاك استئصال ولم يبق منهم ديارا ولا نافخ نار، كما أشار إلى ذلك بقوله :
﴿ فسواها ﴾ أي فسوى القبيلة في العقوبة ولم يفلت منها أحد، بل أخذ بها كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم :﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ﴾ [ هود : ١٠٢ ].
وقد يكون المعنى : جعل الأرض فوقهم مستوية كأن لم تثر، ودمر مساكنها على ساكنيها.
المعنى الجملي : جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون في ذلك سلوة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يلق إلا ما لقي إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون في ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون في تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
شرح المفردات : عقباها : أي عاقبة الدمدمة وتبعتها.
﴿ ولا يخاف عقباها ﴾ أي إن الله أهلكهم ولا يخاف عاقبة إهلاكهم، لأنه لم يظلمهم فيخيفه الحق، وليس هو بالضعيف حتى يناله منهم مكروه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
والمراد أنه بالغ في عذابهم إلى غاية ليس فوقها غاية، فإن من يخاف العاقبة لا يبالغ في الفعل، أما الذي لا يخاف العاقبة ولا تبعة العمل فإنه يبالغ فيه ليصل إلى ما يريد.
وقد علمت أن القصص مسوق لتسلية رسوله بأنه سينزل بالمكذبين به مثل ما أنزل بثمود، ولقد صدق الله وعده، فأهلك من أهلك من أهل مكة في وقعة بدر بأيدي المؤمنين، ثم لم يزل يحل بهم الخزي والعذاب بالقتل تارة وبالإبعاد أخرى حتى لم يبق في جزيرة العرب مكذب، ولو سارت الدعوة إلى الإسلام سيرثها في عهد الصحابة لما بقي في الأرض مكذب، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
Icon