بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)
التَّسمِيةُ هِيَ آيةٌ مِنَ الْقُرْآن، وَلَيسَتْ مِنْ فاتِحةِ الكِتاب.
دليل جعلها آية: ما رُويَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لأبي بن كعب: " لأُعلمنَّكَ آيةً لَم
ففى هذا أنها آية من القرآن، وأنها لو كانت من السور لكان يعلمه نَيِّفًا ومائةَ آيةٍ لا آيةً واحدةً.
ولو كانت منها أيضًا؛ لكان لا يجعلها مفتاح القرآن، بل يجعلها من السور.
ثم الظاهر أن من لم يتكلف تفسيرها عند ابتداء السورة ثبت أَنها ليست منها.
وكذلك تركُ الأُمةِ الجهرَ بها، على العلم بأنه لا يجوز أن يكون رسولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يجهر بها ثم يخفى ذلك على من معه، وأن يكونوا غفلوا ثم يضيعون سُنَّةً بلا نفع يحصل لهم، حتى توارثت الأمة تركَها فيما يحتمل أن يكون الجهر سنة ثم يخفى، فيكون في فعل الناس دليل واضح أنها ليست من السور.
ودليل آخر على ذلك ما رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن اللَّه أنه قال: " قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبَينَ عَبدِي نِصْفَينِ، فإِذَا قَالَ العَبدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلى قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). فقال: هذا لي ". وهي ثلاث آيات.
وقال بعد قوله: (اهدِنَا) إلى آخرها: " هَذَا لِعَبدِي "، ثبت أنها ثلاثُ آيات؛ لتستويَ القسمة.
ثم قال في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ): " هذا بيني وبين عبدي نصفين ".
وقد رُويَ عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " صلَّيْتُ خلفَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وخلف أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمان - رضي اللَّه عنهم - فَلمْ
والأصل عندنا أن المعنى الذي تَضَمنُه فاتحةُ القرآن فرض على جميع البشر؛ إذ فيه الحمد لله والوصف له بالمجد، والتوحيد له، والاستعانة به، وطلب الهداية، وذلك كله يَلزَم كافةَ العقلاء من البشر، إذ فيه معرفة الصانع على ما هو معروف، والحمدُ له على ما يستحقه، إذ هو المبتدئ بنعمه على جميع خلقه، وإليه فقر كلِّ عبدٍ، وحاجةُ كلِّ محتاج، فصارت لنفسها -بما جمعت الخصال التي بَيَّنَّا- فريضةً على عباد اللَّه.
والكبيرات بما فيها من تعظيمه فريضة لنفسها؛ إذ ليس لأَحد ألا ينزه ربه، ولا يعظمه من غير أَن يوجب ذلك فرضيتها في حق الصلاة، وفي حق كل مجعولة هي فيه، لا من طريق توضيح الفرضية من غير طريق الذي ذكرت.
ثم ليست هي بفريضة في حق القراءَة في الصلاة؛ لوجوه:
أحدها: أَن فرضية القراءَة عرفنا بقوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وفيها الدلالة من وجهين:
أحدهما: أنه قد يكون غيرها أَيسرَ.
والثاني: أن فرضيَّة القراءَة في هذه الآية من حيث الامتنان بالتخفيف علينا والتيسير،
ولو لم يكن فريضة لم يكن علينا في التخفيف منَّةٌ إذًا بالترك.
ثم لا نخير في فاتحة القرآن، والآية التي بها عرفنا الفرضية فيما تخير ما يختار من الأيسر، ثبت أنها رجعت إلى غيرها، وباللَّه التوفيق.
والثاني: أن نبي اللَّه أخبر عن اللَّه: أنه جعل بها في حق الثناء، وهو ما ذكر في خبر القسمة فصارت تقرأ بذلك الحق، فلم يخلص لها حق القراءَة، بل أَلحق بها حق الدعاء والثناءِ، وليس ذلك من فرائض الصلاة، وباللَّه التوفيق.
والثالث: ما رُويَ عنِ عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَا ليلة بقوله: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) الآية. وبه كان يقوم، وبه كان يركع، وبه يسجد، وبه يقعد ". فثبت أنه لا يتعين قراءَتها في الصلاة مع ما أَيَّده الخبر الذي فيه
وأيضا رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنه قال: " لا صَلاةَ إِلا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ".
والفاسدُ لا يوصف بالنقصان، وإنما الموصوف بمثله ما جاز مع النقصان. وبالله التوفيق.
ثم خص فاتحة القرآن بالتأمين بما سُمِّي بالذي ذكَره خبرُ القسمة.
وغير الفاتحة وإن كان فيه الدعاءُ، فإنه لم يخص بهذا الاسم؛ لذلك لم يجهر به، فالسبيل فيه ما ذكرنا في القسمة، مع ما كان هو أخلص بمعنى الدعاء منها.
ثم السُّنَّة في جميع الدعوات المخافَتةُ.
والأصل: أنَ كل ذِكِر يشترك فيه الإمام والقوم فَسُنتُه المخافتة إلا لحاجة الإعلام، وهذا يعلم من قوله: (وَلَا الضَّالِّينَ) فيزول معناه.
وسبيل مثله المخافتة مع ما جاءَ به مرفوعًا ومتوارثًا.
وخبرُ الجهر يحتمل: السبق، كما كان يُسمِعُهُم في صلاة النهار أحيانًا. ويحتمل: الإعلام، أنه كان يقرأُ به. وباللَّه التوفيق.
ثم جمعت هذه خصالًا من الخير، ثم كل خصلة منِها تجمع جميع خصال الخير.
منها: أَن في الحرف الأول من قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) شكرًا لجميع النعم، وتوجيهًا لها إلى اللَّه لا شريك له، ومَدْحًا له بأَعلى ما يحتمل المدح، وهو ما ذكرنا من عموم نعمه وآلائه جميعَ بريَّته.
ثم الوصف لله -عَزَّ وَجَلَّ- بالاسمين يتعالى عن أن يكون لأَحد من معناهما حقيقة، أو يجوز أن يكون منه الاستحقاق نحو " اللَّه " و " الرحمن ".
ثم الوصف بالرحمة التي بها نجاة كل ناج، وسعادة كل سعيد، وبها يتقي المهالكَ كلها مع ما من رحمته خلق الرحمة التي بها تعاطف بينهم وتراحمهم.
ثم الإيمان بالقيامة بقوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) مع الوصف له بالمجد، وحسن الثناء عليه.
ثم التوحيد، وما يلزم العباد من إخلاص العبادة له، والصدق فيها، مع جعل كل رفعة وشرف منالًا به عَزَّ وَجَلَّ.
ثم رفع جميع الحوائج إليه، والاستعانة به على قضائها، والظفر بها على طمأْنينة القلب وسكونه، إذ لا خيبة عند معونته، ولا زيغ عند عصمته.
ثم الاستهداء إلى ما يرضيه، والعصمة عما يغويه في حادث الوقت، على العلم بأنه لا ضلال لأَحد مع هدايته في التحقيق.
والرجاء والخوف من اللَّه لا من غيره.
وعلى ذلك جميع معاملات العباد، ومكاسبهم على الرجاء من اللَّه تعالى أَن يكون جعل ذلك سببًا به يصل إلى مقصوده، ويظفر بمراده. ولا قوة إلا باللَّه.
قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)
قولهُ عَزَّ وَجَلََّّ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ (٢)
احتمل: أن يكون جلَّ ثناؤُه حمدَ نفسه؛ ليُعلِم الخلقَ استحقاقَه الحمد بذاته؛ فيَحمَدوه.
فَإِنْ قِيلَ: كيف يجوز أن يحمدَ نفسه، ومثلهُ في الخلق غير محمود؟!
قيل له: لوجهين:
أحدهما: أنه استحق الحمدَ بذاته، لا بأَحدٍ؛ ليكون في ذلك تعريفُ الخلقِ لما يُزلفُهم لديه بما أَثْنَى على نفسه؛ ليُثْنُوا عليه. وغيرُه إنما يكون ذلك له به -جل وعز- فعليه: توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه؛ إذ نفسُه لا تستوجبه بها، بل باللَّه تعالى.
وعلى ذلك معنى التكبير، نحمد به ربنا ولا نحمد غيره؛ إذ ليس للعبد معنى يستقيم معه تكبُّره، إذ هُم جميعًا أَكفاء من طريق المحبة، والخلق، وما أَدرك أَحدٌ منهم من فضيلة أو رفعة فباللَّه أدركه، لا بنفسه؛ فعليه تنزيه الرب، والفزعُ إليه بالشكر، لا بالتكبر على أمثاله. واللَّه عن هذا الوصفِ مُتَعَالٍ.
ويحتمل أن يكون قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إضمار الأَمر، أي: قولوا: الحمد لله؛ لأن الحمد يضاف إلى اللَّه، فلا بد من أن يكون له علينا؛ فأَمرَ بالحمد لذلك.
ثم يخرج ذلك على وجهين:
أحدهما: ما رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " الحمد لله: أي الشكر لله بما صنع إلى خلقه ".
فيخرج تأويل الآية على هذا؛ لأنه -على هذا الترتيب- على الأَمر بتوجيه الشكر إليه، وذلك يتضمن الأَمر أيضًا بكل الممكن من الطاعة على ما رُويَ عن النبي - عليه السلام - " أَنَّه صَلَّى حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فقِيلَ لَهُ: أليسَ قَدْ غَفَرَ اللهُ لكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفلا أكونُ عَبْدًا شَكُورًا "!.
والوجه الثاني: أنه يخرج مخرج الثناء على اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - والمدح له، والوصفِ بما يستحقه، والتنزيه عما لا يليق به، من توجيه النعم إليه، وقطع الشركة عنه في الإنعام والإفضال على عباده.
وعلى ذلك ما رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لله رَب الْعَالَمين، قال اللَّه تعالى: حَمِدَني عَبدي "؛ فجعل الحمدَ هذا الحرف، وصيَّر منه ثناءً؛ لوجهين:
أحدهما: أنه نسب الربوبية إليه في جميع العالم، وقطعها عن غيره.
والثاني: أَنه سَمَّى ذلك صلاةً، والصلاةُ اسْم للثناءِ والدعاءِ، وذلك خلاف الذم ونقيضه.
وفي الوصف بالبراءَة من الذم مدحٌ، وثناء بغاية المدح والثناءِ؛ ولذلك يفرق القول بين الحمد والشكر؛ إذ أُمِرنا بالشكر للناس بما جاءَ عن رسول اللَّه - عليه السلام -: " إنَّ من لم يَشكُرِ النَّاس لم يشكرِ اللَّه " صيره بمعنى المجازاة، والحمدُ بمعنى الوصف بما هو أَهله؛ فلم يُستَحَب الحمد إلا لله. وباللَّه التوفيق.
وقوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ).
رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " سيد العالَمين ". والعالم: كل من دَبَّ على وجه إلأرض.
وقد يتوجه: " الربُّ " إلى الربُوبية لا إلى السؤدد؛ إذ يستقيم القول برب كل شيء من بني آدم وغيره، نحو رب السماوات والأرضين، ورب العرش ونحوه، وغير مستقيم القول بسيد السماوات ونحوه.
واسم الرب يجمع ذلك كلَّه؛ لذلك كان التوجيه إلى المالك أقرب، وإن احتمل المروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذ هو في الحقيقة سيدُ من ذُكِر ورَبُّهم. والله الموفق.
ثم اختلَف أهلُ التفسير في العَالَمِين:
فمنهم من رد إلى كل ذي روح دب على وجه الأرض.
ومنهم من رد إلى كل ذي روح في الأَرض وغيرها.
ومنهم من قال: لله كذا، كذا عالم.
والتأويل عندنا ما أجمع عليه أهل الكلام: أن العالَمين: اسم لجميع الأَنام والخلق جميعًا. وقول أَهلِ التفسير يرجع إلى مثله، إلا أَنهم ذكروا أَسماءَ الأَعلام، وأَهل الكلام ما يجمع ذلك وغيرَهم.
ثم العالَم اسم للجميع، وكذلك الخلق، ثم تعريف ذلك بالعالَمين والخلائق يتوجه إلى جمع الجمع، من غير أن يكون في التحقيق تفاوتٌ، وقد يتوجه إلى عالم كل زمان وكذا خلقِ كل زمان على حكم تجدد العالم. وباللَّه التوفيق.
وفي ذلك أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ادعى لنفسه: رب العالمين كلهم، من تقدم وتأَخر، ومن كان ويكون، ولم يَقْدر أَحد أَن ينطق بالتكذيب، يدّعي شيئًا من ذلك لنفسه؛ فدل ذلك على أن لا رب غيره، ولا خالق لشيء من ذلك سواه؛ إذ لا يجوز أَن يكون حكيم أَو إله ينشئ ويبدع ولا يدعيه، ولا يفصل ما كان منه ما كان لغيره، وبنفسه قام ذلك لا بغيره؛ وعلى ذلك معنى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خلق) فهذا - مع ما في اتساق التدبير، واجتماع التضاد، وتعلق حوائج بعضٍ ببعض، وقيام منافع بعضٍ ببعض، على تباعد بعضٍ من بعض وتضادها - دليلٌ واضح على أن مدبر ذلك كله واحد، وأَنه لا يجوز كون مثل ذلك من غير مُدبِّر عليم. والله المستعان.
* * *
وقوله: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)
اسمان مأْخوذان من الرحمة، لكنه رُوِى فيهما: رقيقان أَحدُهما أَرقُّ من الآخر، وكأن الذي رُوِي عنه هذا أَراد به لطيفان أحدُهما أَلطف من الآخر، دليل ذلك وجهان:
أَحدهما: مجيء الأَثر في ذلك -اللطيف- في أسماء اللَّه تعالى مع ما نطق به
ومعنى اللطيف: استخراج الأُمور الخفية وظهورها له؛ كقوله: (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) إلى قوله: (لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، وباللَّه التوفيق.
والثاني: أن اللطيفَ حرف يدل على البر والعطفِ.
والرقة على رقة الشيء التي هي نقيض الغلظ والكثافة، كما يقال: فلان رقيق القلب.
وإذا قيل: فلان لطيف، فإنما يراد به بارٌّ: عاطف؛ فلذلك يجوز: لطيف، ولا يجوز: رقيق، وكذلك فسر من فسر " الرحمن " بالعاطف على خلْقه بالرزق.
وذهب بعضهم -وهو الأول- إلى اللطافة وذلك بعيد، وإنَّمَا هو من اللُّطف.
وقوله: أَحدُهما أَرق من الآخر، بمعنى اللطف - يحتمل وجهين:
أحدهما: التحقيق بأَن اللطف بأَحد الحرفين أَخص وأَليق، وأَوفر وأكمل، فذلك رحمته بالمؤمنين أنه يقال: رحيم بالمؤمنين على تخصيصهم بالهداية لدينه؛ ولذا ذكر أُمته وإن أشركهُم في الرزقِ فيما يراهم غيرهم؛ ألا ترى أنه لا يقال: رحمن بالمؤمنين، وجائز القول: رحيم بهم، وكذلك لا يقال: رحيم بالكافرين، مطلقًا؟! وباللَّه التوفيق.
ووجه آخر: أَن أحدهما أَلطف من الآخر؛ كأنه وصف الغاية في اللطف حتى يتعذر وجه إدراك ما في كل واحد منهما من اللطف، أو يوصف بقطع الغاية عما يتضمنه كل حرف. وباللَّه التوفيق.
ثم في هذا أن اسم " الرحمن " هو المخصوص به اللَّه لا يسمى به غيره، و " الرحيم " يجوز تسمية غيره به؛ فلذلك يوصف أن " الرحمن " اسم ذاتي، و " الرحيم " فِعْلي، وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة؛ ودليل ذلك: إنكار العرب " الرحمن "، ولا أحد منهم أنكر " الرحيم "، حيث قالوا: (قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا)، وذلك قوله: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا)، يَدُل على أنه ذاتي لا فعلي، وإن كان الفعل صفة الذات؛ إذ محالٌ صفته بغيره؛ لما يوجب ذلك الحاجة إلى غيره ليحدث له الثناءَ والمدح. وفي ذلك خَلَق الخلق لنفع الامتداح، وهو عن ذلك متعالٍ، بل بنفسه مستحق لكل حمدٍ ومدح، ولا قوة إلا باللَّه.
ورُوي في خبر القسمة: " أن العبد إذا قال: الرحمن الرَّحيم، قال اللَّه تعالى: أَثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدِّين، قال: مجدني عبدي ". وذكر أنه قال في الأول: بالتمجيد، وفي الثاني: بالثناء، وذلك واحد؛ لأن معنى الثناء الوصف بالمجد والكرم
ثم أُجمع على أن قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) أنه يوم الحسابِ والجزاءِ. وعلى ذلك القول: (أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)، وقوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) وهو الجزاء.
ومن ذلك قول الناس: " كما تدين تدان ".
وجائز أن يكون (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) على جعل ذلك اليوم لما يدان اليوم؛ إذ به يظهر حقيقتُه، وعِظمُ مرتبته، وجليلُ موقعه عند ربه.
وفي الآية دلالة وصف الرب بملكِ ما ليس بموجود لوقت الوصفِ بملكه، وهو يوم القيامة.
ثبت أن اللَّه بجميع ما يستحق الوصف به يستحقه بنفسه لا بغيره.
ولذلك قلنا نحن: هو خالق لم يزل، ورحيم لم يزل، وجواد لم يزل، وسميع لم يزل -وإن كان ما عليه وقع ذلك لم يكن- وكذلك نقول: هو رب كل شيء، وإله كل شيء في الأزل -وإن كانت الأَشياء حادثة- كما قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وإن كان اليومُ بعدُ غير حادثٍ. وباللَّه التوفيق.
* * *
قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)
وقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ).
فهو -واللَّه أعلم- على إضمار الأَمر، أي: قل: ذا. ثم لم يجعل له أن يَستثني في القول به، بل ألزمه القول بالقول فيه. ثم هو يتوجه وجهين:
أحدهما: يحال القول به على الخبر عن حاله؛ فيجب ألا يستثنى في التوحيد، وأن من يَستَثْني فيه عن شَكٍّ يُستَثْنَى.
واللَّه - تعالى - وصف المؤمنين بقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا...) الآية.
وكذلك سئل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن أفضل الأعمال فقال: " إيمان لا شكَّ فيه ".
ثم قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يتوجه وجهين:
أحدهما: إلى التوحيد، وكذا رُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - أنه قال: " كُلُّ عبادةٍ في القرآنِ فهو توحيد ".
والوجه الآخر: أن يكون على كل طاعة أن يعبد اللَّه بها، وأصلها يرجع إلى واحد؛ لما على العبد أن يوحد اللَّه - تعالى - في كل عبادة لا يُشرك فيها أحدًا، بل يخلصها فيكون موحدًا لله تعالى بالعبادة والدِّين جميعًا.
وعلى ذلك قطعُ الطمع، والخوف، والحوائج كلها عن الخلقِ.
وتوجيهُ ذلك إلى اللَّه تعالى بقوله: (أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وعلى ذلك المؤمن لا يطمعُ في الحقيقة بأحدٍ غير اللَّه، ولا يرفع إليه الحوائج، ولَا يخاف إلا من الوجه الذي يخشى أن اللَّه جعله سببًا لوصول بلاءٍ من بلاياه إليه على يديه؛ فعلى ذلك يخافُه، أو يرجو أن يكون اللَّه تعالى جعلَ سببَ ما دفعه إليه على يديه، فبذلك يرجو ويطمع، فيكون ذلك من الضالين، فيكون في ذلك التعوُّذُ من جميع أنواع الذنوب، والاستهداءُ إلى كل أنواع البر.
وقوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
فذلك طلب المعونة من اللَّه تعالى على قضاء جميع حوائجه دينًا ودنيا.
ويحتمل أن يكون هو على أثر الفزع إلى اللَّه بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) على طلب التوفيقِ لما أَمر به، والعصمة عما حذره عنه، وكذلك الأَمر البين في الخلق من طلب التوفيق، والمعونة من اللَّه، والعصمةِ عن المنهي عنه جرت به سنة الأَخيار. واللَّه الموفق.
ثم لا يخلو من أَن يكون عند اللَّه ما يُطْلب فلم يُعطه التمام إذًا، أوْ ليس عندهُ فيكون طلبه استهزاءً به، إذ مَنْ طَلَب إلى آخَرَ مَا يَعْلم أنه ليس عنده فهو هازئ به في العرف، مع ما كان الذي يُطلب إما أن يكون لله ألا يعطيه مع التكليف فيبطل قولهم؛ إذ لا يجوز أَن يكلف وعنده ما به الصلاح في الدِّين فلا يعطى، أوْ ليس له أَلا يعطى فكأَنه قال: اللهم لا تَجُر.
وَمَنْ هذا عِلْمهُ بربه فالإسلام أَولى به، وهذا مع ما كان لا يدعو اللَّه أَحد بالمعونة إلا ويطمئن قلبهُ أَنه لا يذل عند المعونة، ولا يزيغ عند العصمة، وليس مثلهُ يملك اللَّه عند المعتزلة. ولا قوة إلا باللَّه.
وقد رُويَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في خبر القسمة: " اللَّه يقول: هذا بَيني وبينَ عبدي نِصْفين ".
وذلك يحتمل: أن يكون كل حرف من ذلك بما فيها جميعًا الفزعُ إلى اللَّه بالعبادة، والاستعانة ورفع الحاجة إليه، وإظهار غناه -جل وعلا- عنه؛ فيتضمن ذلك الثناء عليه، وطلب الحاجة إليه.
ويحتمل: أن يكون الحرفُ الأَول لله بما فيه عبادتُه وتوحيدهُ، والثاني للعبد بما فيه
أحدهما : يحال القول به على الخبر عن حاله، فيجب ألا يستثنى٢ في التوحيد. وإن من يستثني فيه عن شك يستثني، والله تعالى وصف المؤمنين بقوله :( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) الآية٣ [ الحجرات : ١٥ ] وكذا٤ سئل رسول الله ( ص ) عن أفضل الأعمال، فقال : " إيمان لا شك فيه " [ أحمد ٢/٢٥٨ ].
والثاني : عن الأحوال التي ترد٥ في ذلك، لكنه إذا كان ذلك اعتقاد المذهب لم يجز الشك فيه، إذ المذاهب لا تعتقد لأوقات٦، إنما تعتقد للأبد. لذلك لم تجز الثنيا٧ فيه. وبالله التوفيق.
ثم قوله تعالى :( إياك نعبد ) يتوجه وجهين٨ :
أحدهما : إلى التوحيد. وكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه٩ أنه قال :( كل عبادة في القرآن فهو توحيد ).
والوجه الآخر : أن يكون على كل طاقة : أن يعبد الله بها. وأصلها يرجع إلى واحد لما على العبد أن يوحد الله في كل عبادة، لا يشرك فيها أحدا. بل يخلصها. فيكون موحد الله تعالى بالعبادة والدين جميعا.
وعلى ذلك قطع الطمع والخوف والحوائج كلها عن الخلق، وتوجيه ذلك إلى الله تعالى بقوله :( أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) [ فاطر : ١٥ ].
وعلى ذلك المؤمن لا يطمع في الحقيقة بأحد غير الله، ولا [ يرفع إلا ]١٠ إليه الحوائج، ولا يخاف إلا من الوجه الذي يخشى أن الله جعله سببا لوصول بلاء من بلاياه على يديه. فعلى ذلك يخافه، أو يرجو أن يكون الله تعالى جعل سبب ما دفعه إليه على يديه. فبذلك يرجو، ويطمع، فيكون بذلك١١ من الضالين، فيكون في ذلك التعوذ من جميع أنواع الذنوب، والاستهداء إلى كل أنواع البر.
[ القول في التسمية ]١٢
ثم التسمية هي آية من القرآن، وليس [ من ]١٣ فاتحة القرآن. دليل جعلها آية [ ما ]١٤ روي عن النبي ( ص ) أنه قال لأبي بن كعب رضي الله عنه : " لأعلمنك آية لم تنزل على أحد قبلي إلا على سليمان بن داود١٥، ، فأخرج [ من المسجد ]١٦ إحدى قدميه، ثم قال : بأي [ آية تفتتح بها القرآن ]١٧ ؟ قال :( بسم الله الرحمان الرحيم ) فقال : هي هي " [ بنحوه : البخاري ٤٤٧٤ ].
ففي هذا [ دليل ]١٨ أنها آية من القرآن، وأنها لو كانت من السور لكان يعلمه نيفا ومائة آية لا آية واحدة. ولو كانت منها أيضا لكان لا يجعلها مفتاح القرآن، بل يجعلها من السور.
ثم الظاهر أن من لم يتكلف تفسيرها عند ابتداء [ السور يثبت ]١٩ أنها ليست منها. ولذلك٢٠ ترك الأمة الجهر بها على العلم بأنه لا يجوز أن يكون رسول الله ( ص ) يجهر بها، ثم يخفى ذلك على من معه، وأن يكونوا غفلوا٢١، ثم يضيعون سنة بلا نفع يحصل لهم، حتى توارثت الأمة تركها في ما لا يحتمل أن يكون الجهر سنة، ثم يخفى، فيكون في فعل الناس دليل واضح أنها ليست من السور.
ودليل آخر على ذلك ما روي عن رسول الله ( ص ) عن الله تعالى أنه قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ؛ فإذا قال العبد٢٢ :( الحمد لله رب العالمين ) ( الرحمان الرحيم ) ( مالك يوم الدين )٢٣ [ الفاتحة : ١و٢و٣ ] [ قال الله ]٢٤ : " هذا لي " [ مسلم ٣٩٥/٤٠ ] وهي ثلاث آيات، وقال بعد قوله :( اهدنا الصراط المستقيم ) ( صراط الذين أنعمت عليهم ) ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ]٢٥ [ الفاتحة ٥ و٦ و٧ ] [ قال الله ]٢٦ : " هذا لعبدي " ثبت أنها ثلاث آيات لتستوي القسمة. ثم قال في قوله تعالى :( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : ٤ ] " هذا بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم ٣٩٥/٤٠ ] فثبت أنها آية واحدة. فصارت بغير التسمية سبعا. وذلك قول الجميع : إنها سبع آيات مع ما لم يذكر في خبر القسمة. فثبت أنها دونها سبع آيات.
وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه [ قال ]٢٧ : صليت خلف رسول الله ( ص ) وخلف أبي بكر [ الصديق ]٢٨ وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فلم يكونوا يجهرون ب ( بسم الله الرحمان الرحيم ) وروي ذلك عن علي [ بن أبي طالب ]٢٩ رضوان الله عليهم وعبد الله بن عمر وجماعة [ من الصحابة – رضوان الله عليهم- ]٣٠ وهو الأمر المعروف في الأمة مع ما جاء في قصة السحر أن العقد كانت إحدى عشرة، وقرأ عليها المعوذتين دون التسمية. فكذا خبرها من السور مع ما إذا٣١ جعلت مفتاحا كانت كالتعوذ. والله الموفق.
والأصل عندنا أن المعنى الذي تضمنته فاتحة القرآن فرض على جميع البشر ؛ إذ فيه الحمد [ لله ]٣٢ والوصف له بالمجد والتوحيد له، والاستعانة به، وطلب الهداية، وذلك/٢-ب/ كله يلزم كافة العقلاء من البشر ؛ إذ فيه معرفة الصانع على ما هو معروف، والحمد على ما هو معروف، والحمد له على ما يستحقه. إذ هو المبتدئ بنعمه على جميع خلقه، وإليه فقر كل عبد، وحاجة كل محتاج. فصارت لنفسها بما جمعت الخصال التي بينا فريضة على عباد الله.
ثم٣٣ ليست هي في حق الصلاة فريضة، وذلك نحو التسبيحات بما فيها من تنزيه الله، والتكبيرات بما فيها من تعظيمه فريضة لنفسها ؛ إذ ليس لأحد ألا ينزه ربه، ولا يعظمه من غير أن يوجب ذلك فريضتها.
ثم ليست هي [ بفريضة في حق ]٣٤ القراءة [ في الصلاة لوجوه :
أحدها : أن فريضة٣٥ القراءة ]٣٦ عرفناها ٣٧ بقوله تعالى :( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : ٢٠ ] وفيها الدلالة من وجهين :
أحدهما : أنه قد يكون غيرها أيسر
والثاني :[ أن فريضة ]٣٨ القراءة من حيث الامتنان بالتخفيف علينا والتيسير، ولو لم تكن فريضة لم يكن علينا في التخفيف منة [ إذ لنا الترك، ثم لا تخير ]٣٩ في فاتحة القرآن، والآية التي بها عرفنا [ الفريضة، فيها ]٤٠ تخير ما يختار من الأيسر. ثبت أنها رجعت إلى غيرها. وبالله التوفيق.
والثاني : أن نبي الله أخبر عن الله تعالى أنه جعلها٤١ في حق الثناء، وهو ما ذكر في خبر القسمة، فصارت تقرأ بذلك الحق، فلم يخلص لها حق القراءة، بل الحق بها حق الدعاء والثناء، وليس ذلك من فرائض الصلاة، وبالله التوفيق.
والثالث : ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ( ص ) أحيى ليلة بقوله :( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) [ الآية ]٤٢ [ المائدة : ١١٨ ] به كان يقوم، وبه كان يركع، وبه يسجد، وبه يقعد. فثبت أنه لا تتعين قراءتها في الصلاة مع ما أيده الخبر الذي فيه : " أن ارجع فصل فإنك لم تصل " [ البخاري ٧٥٧ ] إذ٤٣ قال له وقت التعليم : " اقرأ ما تيسر عليك " [ البخاري : ٧٥٦ ] فثبت أن المفروض ذلك.
وأيضا روي عن رسول الله ( ص ) أنه قال : " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " [ البخاري ٧٥٦ ] ثم روي عنه بيان محلها : " إن كل صلاة لم تقرأ فيها٤٤ بفاتحة الكتاب فهي خداج ؛ نقصان غير تمام " [ مسلم ٣٩٥/٣٨ ] والفاسد لا يوصف بالنقصان، وإنما الموصوف بمثله ما جاز مع النقصان. وبالله التوفيق.
ثم خص فاتحة الكتاب بالتأمين بما سمي بالذي ذكره خبر القسمة وغير الفاتحة، وإن كان فيه الدعاء فإنه لم يخص بهذا الاسم. لذلك لم يجهر به. فالسبيل فيه ما ذكرنا في التسمية مع ما كان هو أخلص بمعنى الدعاء منها.
ثم السنة في جميع الدعوات المخافتة. والأصل أن كل ذكر يشترك فيه الإمام والقوم فسنته المخافتة لحاجة الإعلام. وهذا يعم٤٥ قوله :( ولا الضالين ) فيزول معناه. وسبيل٤٦ مثله المخافتة مع ما جاء به مرفوعا ومتواترا٤٧. وخبر الجهر يحتمل السبق كما كان يسمعهم في صلاة النهار أحيانا، ويحتمل الإعلام أنه كان يقرأ به، وبالله التوفيق.
ثم جمعت هذه خصالا من الخير. ثم كل خصلة منها تجمع٤٨ جميع خصال الخير.
منها أن في الحرف الأول من قوله تعالى :( الحمد لله رب العالمين ) شكرا لجميع النعم، وتوجيها٤٩ لها إلى الله، لا شريك له، ومدحا له بأعلى ما يحتمل [ المدح ]٥٠ وهو ما ذكرنا من عموم نعمه وآلائه جميع٥١ بريته.
ثم فيه الإقرار بوحدانيته في إنشاء البرية كلها، وتحقيق الربوبية له عليها بقوله تعالى ( رب العالمين ) وكل واحد منها مما٥٢ يجمع خصال خير الدارين، ويوجب للقائل٥٣ به عن صدق القلب درك الدارين.
ثم الوصف لله عز وجل بالاسمين يتعالى عن أن يكون لأحد معناهما حقيقة، أو يجوز أن يكون منه الاستحقاق٥٤ نحو الله والرحمن.
ثم الوصف له٥٥ بالرحمة التي بها٥٦ نجاة كل ناج، وسعادة كل سعيد، وبها يتقي المهالك كلها مع ما من رحمته خلق الرحمة التي بها تعاطف بينهم، وتراحمهم.
ثم الإيمان بالقيامة بقوله تعالى :( مالك يوم الدين ) مع الوصف [ له ]٥٧ بالمجد وحسن الثناء عليه.
ثم التوحيد [ وما ]٥٨ يلزم العباد من إخلاص العبادة له والصدق فيها مع٥٩ جعل كل رفعة وشرف منالا به عز وجل.
ثم رفع جميع الحوائج إليه والاستعانة به على قضائها والظفر بها على طمأنينة القلب وسكونه ؛ إذ لا خيبة عند معونته، ولا زيغ عند عصمته.
ثم الاستهداء إلى ما يرضيه، والعصمة عما يغويه في حادث الوقت على العلم بأنه لا ضلال لأحد مع هدايته، في التحقيق الرجاء والخوف من الله لا من غيره. وعلى ذلك جميع معاملات العباد ومكاسبهم على الرجاء من الله تعالى أن يكون جعل ذلك سببا، به يصل إلى مقصوده، ويظفر بمراده، ولا قوة إلا بالله٦٠.
وقوله تعالى :( وإياك نستعين ) فذلك طلب المعونة من الله تعالى على [ قضاء جميع حوائجه ]٦١ دينا ودنيا. ويحتمل أن يكون هو على أثر الفزع إلى الله تعالى بقوله :( إياك نعبد ) على طلب التوفيق لما أمر به والعصمة عما حذره عنه. وكذلك الأمر البين في الخلق من طلب التوفيق والمعونة من الله تعالى والعصمة عن المنهي عنه، جرت به سنة الأخيار، والله الموفق.
ثم لا يصلح هذا على قول المعتزلة لأن تلك المعونة على أداء ما كلف [ المرء ]٦٢ قد أعطي ؛ إذ على قولهم : لا يجوز أن يكون مكلفا، وقد بقي شيء مما به أداء [ ما كلف ]٦٣ عند الله، وطلب ما أعطي، وكتمان٦٤ العطية كفران، فيصير كأن الله تعالى آمر أن يكفر [ المرء ]٦٥ نعمه، ويكتمها، ويطلبها منه تعنتا. وظن مثله بالله عز وجل كفر.
ثم لا يخلو من أن يكون عند الله ما يطلب، فلم يعطه التمام إذن، أو ليس عنده، فيكون طلبه استهزاء به ؛ إذ من طلب إلى آخر ما يعلم أنه ليس عنده، فهو هازئ به في العرف، مع ما كان الذي يطلب : إما أن يكون لله ألا يعطيه مع التكليف، فيبطل قولهم : إذ لا يجوز أن يكلف، وعنده ما به الصلاح في الدين، فلا يعطي، أو ليس له أن يعطي ؛ فكأنه قال : اللهم لا تجُرْْ ٦٦. ومن هذا علمه بربه فالإسلام أولى به.
وهذا مع ما كان لا يدعو الله أحد بالمعونة إلا ويطمئن قلبه أنه لا يذل عند المعونة، ولا يزيغ٦٧ عند العصمة. وليس مثله يملك الله٦٨ عند المعتزلة، ولا قوة إلا بالله.
وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال في خبر القسمة : " الله تعالى يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم٣٩٥/٤٠ ] وذلك يحتمل أن يكون كل حرف من ذلك بما فيها٦٩ جميعا : الفزع إلى الله تعالى بالعبادة والاستعانة ورفع٧٠ الحاجة إليه وإظهار غناه-جل وعلا- عنه. فيتضمن ذلك الثناء عليه وطلب الحاجة إليه.
ويحتمل أن يكون الحرف الأول : لل
٢ من ط م ط ع، في الأصل: يثنى..
٣ -أدرج في ط ع تتمة الآية بدل هذه الكلمة..
٤ - في ط م: وكذلك..
٥ - من ط م، في الأصل و ط ع: تردد..
٦ - من ط م و ط ع، في الأصل: لا رادات..
٧ - في ط م: الثناء..
٨ - من ط م و ط ع، في الأصل: بوجهين..
٩ - من ط م و ط ع، في الأصل: عنه..
١٠ - في الأصل و ط م: يرفع، في ط ع: يدفع إلا.
١١ - في النسخ الثلاث: ذلك..
١٢ - من ط ع، وأدرج موضوع التسمية في ط م قبل تفسير قوله تعالى (الحمد لله) تحت عنوان: التسمية هي آية من القرآن وليست من فتحة الكتاب، ساقطة من الأصل..
١٣ - ساقطة من النسخ الثلاث..
١٤ - من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل..
١٥ - إشارة إلى قوله تعالى: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم) [النمل: ٣٠]..
١٦ -من ط ع..
١٧ - في ط ع: شيء نفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة..
١٨ - من ط ع..
١٩ -في ط م: السورة ثبت، في ط ع: السور ثبت..
٢٠ - في ط م: وكذلك..
٢١ -في ط ع: فعلوا..
٢٢ - في ط ع: عبدي..
٢٣ - من ط ع، في الأصل و ط م: إلى قوله (مالك يوم الدين)..
٢٤ - في النسخ الثلاث: فقال..
٢٥ - من ط ع، في الأصل و ط م: إلى آخرها..
٢٦ - ساقطة من النسخ الثلاث..
٢٧ - من ط م و ط ع..
٢٨ - من ط ع..
٢٩ - من ط ع..
٣٠ - من ط ع..
٣١ - من ط م في الأصل و ط ع: إذ..
٣٢ - من ط م..
٣٣ - أدرج في ط ع قبلها عنوان هو: ليست فاتحة الكتاب في حق الصلاة فريضة..
٣٤ - من ط م، في الأصل: بفرضية، في ط ع: بفرضية في حق..
٣٥ - في ط م: فرضية..
٣٦ - من ط م و ط ع..
٣٧ - في النسخ الثلاث: عرفنا..
٣٨ - في الأصل: بفرضيه، في ط م و ط ع: أن فرضية..
٣٩ -في ط م: إذا بالترك ثم لا تخير في، في ط ع: إذ لنا الترك ثم لا نخير في، في الأصل: إذ لنا الترك ثم قد لا تجيز..
٤٠ - في ط م: الفرضية في ما، في الأصل و ط ع: الفرضية فيها..
٤١ - في النسخ الثلاث: جعل بها.
٤٢ - في ط ع أدرجت الآية كاملة بدل: الآية..
٤٣ - من ط م، في الأصل و ط ع: إن..
٤٤ - من ط ع، في الأصل و ط م: فيه..
٤٥ -من ط ع. في الأصل و ط م: يعلم..
٤٦ - من ط م و ط ع، في الأصل: وسئل..
٤٧ - من ط ع، في الأصل و ط م: متوارتا.
٤٨ - من ط م، في الأصل و ط ع: مجمع..
٤٩ - في ط ع: متوجها..
٥٠ - من ط م و ط ع.
٥١ - في ط ع: لجميع..
٥٢ - من ط ع، في الأصل و ط م: القائل..
٥٣ - من ط ع، في الأصل و ط م: القائل..
٥٤ - من ط م، في الأصل و ط ع: لاستحقاقه..
٥٥ - ساقطة من ط م..
٥٦ - في ط م: هي..
٥٧ - من ط م..
٥٨ - من ط م، في الأصل و ط ع: ما..
٥٩ -في ط ع: مع ما..
٦٠ - هنا انتهى قول المصنف عن التسمية..
٦١ - من ط م، في الأصل و ط ع: جميع قضاء حوائجه..
٦٢ - ساقطة من النسخ الثلاث..
٦٣ - في ط ع: مكلف.
٦٤ - الواو ساقطة من ط م..
٦٥ - ساقطة من النسخ الثلاث.
٦٦ - انظر حاشية الآية ١١٢ من سورة الأنبياء..
٦٧ - من ط م و ط ع، في الأصل: برفع..
٦٨ - في ط م: الله..
٦٩ - من ط م و ط ع، في الأصل: فيهما..
٧٠ - في ط ع: ودفع..
ويؤيد ذلك بقية السورة أنه أُخرج على الدعاء فقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: " هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل ".
وقوله: (اهدِنَا (٦)
قال ابنُ عباس - رضي اللَّه عنهما -: أرْشِدْنا.
والإرشاد، والهداية واحد، بل الهدايةُ في حق التوفيق أقربُ إلى فهم الخلق من الإرشاد بما هي أعم في تعارفهم.
ثم القول بالهداية يُخرَّج على وجوهٍ ثلاثة:
أحدها: البيانُ. ومعلومٌ أن البيانَ قد تقدم من اللَّه لا أحد يريد به ذلك لمضي ما به البيان من كتابٍ وسنةٍ، وإلى هذا تذهب المعتزلة.
والثاني: التوفيقُ له، والعصمةُ عن زيغه. وذلك معنى قولهم: " اللهمَّ اهْدِنَا فيمَنْ هَدَيْتَ "، وقوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ)، ووصَفَهم إلى آخر السورة، ولو كان على البيان على ما قالت المعتزلة فهو والمغضوب عليهم في ذلك سواء، فثبت أَنه على ما قلنا دون ما ذهبوا إليه.
والثالث: أَن يكون على طلب خلق الهداية لنا؛ إذ نسب إليه من جهة الفعل، وكل ما يفعله خلق؛ كأَنه قال: اخلُق لنا هدايتنا، وهو الاهتداءُ منا. وباللَّه التوفيق.
ثم تأْويل طلب الهداية، ممن قد هداه اللَّه يتوجه وجهين:
أحدهما: طلب الثبات على ما هداه اللَّه، وعلى هذا معنى زيادات الإيمان، أنها بمعنى الثبات عليه، وذلك كرجلين ينظران إلى شيء فيرفع أَحدهما بصره عنه، جائز القول بازدياد نظر الآخر.
ووجه آخر: على أن في كل حال يخاف على المرءِ ضد الهدى، فيهديه مكانه أبدًا فيكون له حكم الاهتداءِ؛ إذْ في كل وقت إيمان منه دفع به ضده.
وعلى ذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ...) الآية، ونحو ذلك من الآيات.
وقد يحتمل أيضًا معنى الزيادةِ هذا النوعُ. وباللَّه التوفيق.
وأما (الصِّرَاطَ) فهو الطريق والسبيل في جميع التأويل وهو قوله: (وَأَن هَذَا صِرَاطِي.. )
ثم اختلفوا فيما يراد به:
فقَالَ بَعْضُهُمْ: هو القرآن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو الإيمان.
وأيهما كان فهو القائم الذي لا عوج له، والقيم الذي لا اختلاف فيه، مَنْ لزِمهُ وصَلَ إلى ما ذكر. وباللَّه التوفيق.
وقوله: (الْمُسْتَقِيمَ).
قيل: هو القائم بمعنى الثابت بالبراهين والأَدلة، لا يُزيله شيء، ولا ينقضُ حُجَجه كيدُ الكائدين، ولا حيلُ المريبين.
وقيل: (الْمُسْتَقِيمَ) والذي يستقيم بمن تمسك به حتى يُنجيه، ويدخله الجنة.
وقيل: (الْمُسْتَقِيمَ) بمعنَى: يُستقامُ به؛ كقوله: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، أي: يُبصَرُ به. يدل عليه قوله: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا...) الآية. فالمستقيم هو المتبع له. وباللَّه التوفيق.
ثم ذكر من ذكر من الْمُنعَم عليهم؛ ولله على كل مؤمن نعَمٌ بالهداية.
وما ذكر دليل على أن " الصراط " هو الدِّين؛ لأَنه أنعم به على جميع المؤمنين.
لكن تأْويل من يردُّ إلى الخصُوص يتوجه وجهين:
أحدهما: أنه أَنعم عليهم بمعرفة الكتب والبراهين، فيكون على التأْويل الثاني من القرآن والأدلة.
والثاني: أن يكون لهم خصوص في الدِّين قُدِّموا به على جميع المؤمنين؛ كقول داود، وسليمان: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)، وعلى هذا الوجه يكون (اهدِنَا).
وقولَهُ: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (٧)
على قول المعتزلة: ليس لله على أحد من المؤمنين نعمة ليست على المغضوب عليهم ولا الضالين؛ إذ لا نعمة من اللَّه على أحد إلا الأَصلح في الدِّين والبيان للسبيل المرضي، وتلك قد كانت على جميع الكفرة فيبطل على قولهم الثنْيَا. واللَّه الموفق.
ثم اختلف في (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
منهم من قال: هو واحد؛ إذ كل ضال قد استحق الغضب عليه، وكل مغضوب عليه استحق الوصف بالضلال.
ومنهم من قال: (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) هم اليهود، وإنَّمَا خصوا بهذا: بما كان منهم من فضل تمرد وعُتُو لم يكن ذلك من النصارى نحو إنكارهم بعيسى، وقصدهم قتله مما لم يكن ذلك من النصارى.
ثم قولهم في اللَّه: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ...) الآية. وقولهم: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ...) الآية. وقول اللَّه تعالى فيهم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ...) الآية.
وكفرِهم برسول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بعد استفتاحهم، وشدة تعنتهم، وظهور النفاق؛ فاستحقوا بذلك اسم الغضب عليهمِ، وإن كانوا شركاء غيرهم في اسم الضلال. وباللَّه التوفيق.
وفي هذا وجه آخر: أن يُحْمل الذنوب على وجهين:
منها ما يوجب الغضب -وهو الكفر- ومنها ما يوجب اسم الضلال -وهو ما دونه- كقول موسى: (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنا مِنَ الضَّالِّينَ).
ورؤية الهداية لأهلها والتعوذ به من كل ضلال، ومن جميع ما يوجب مقته وغضبه -وباللَّه النجاة والخلاص- مع ما في خبر القسمة، وعد جليل من رب العالمين في إجابة العبد مما يرفع إليه من الحوائج، إذْ قال: " قسَمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين " ثم صَير آخر السورة لعبده، وليس في صلاته سوى إظهار الفقر، ودفع الحاجة، وطلب المعونة، والاستهداء إلى ما ذكر مع التعوذ عما وصف، وليس ذلك مما يوصف به العبد أنه له؛ فثبت أن له في ذلك إجابة ربه فيما أمره به، ووعد ذلك، وهو لا يخلف وعده.
فأنَّى يحتمل ذلك بعد أمره العبدَ بالذي تضمنه أول السورة، فقام به العبد مع لُؤمه
لا يكون هذا أَلبتة، وقد قال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وغير ذلك مما فيه الإنجاز، وأنه لا يخلف الميعاد.
ثم قد جعلت -بما جاء من الحديث في تلاوتها- أنْ قدمها على التوراة، والإنجيل، وعدلها بثلثي القرآن، وجعلها شفاءً من أَنواع الأَدواء للدِّين، والنفس، والدنيا، وجعلها معاذًا من كل ضلال، وملجأ إلى كل نعمة. وباللَّه نستعين.
مع ما أَوضح -في الأَسماء التي لقب فيها فاتحة القرآنَ- عظيمَ موقعه، وجليلَ قدره، وهو أن سمَّاه فاتحة القرآن بما به يفتح القرآن، وكذلك رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يفتتح القراءَة به وسمى فاتحة الكتاب بما به يفتتح كتابة المصاحف والقرآن.
وسمى أُم القرآن لما يؤم غيره في القراءَة.
وقيل: الأُم بمعنى الأَصل، وهو ألا يحتمل شيء مما فيه النسخَ ولا الرفعَ فصار أصلا.
وسمى المثاني؛ لما يثنى في الركعات، ولا قوة إلا باللَّه.
وفي قوله: (اهدِنَا) إلى آخره وجهان سوى ما ذكرنا؛ إذ قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) دعاء كاف عما تضمن إلى آخر السورة؛ إذ ليس فيها غير تفسير هذه الجملة.
أحدهما: تذكير نعم اللَّه على الذين يقبلون دينه في قلوبهم، والتوفيق لهم بذلك، وأفضاله عليهم بما ليس لهم عليه.
والثاني: تعوذهم عن كل زيغ ومقت، وضلال، وذنب، والتجاؤهم إليه في ذلك بقوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
* * *