تفسير سورة الأنبياء

آراء ابن حزم الظاهري في التفسير
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب آراء ابن حزم الظاهري في التفسير .
لمؤلفه ابن حزم . المتوفي سنة 456 هـ

قوله تعالى :﴿ ونصع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾
فيه مسألتان :
المسألة السبعون : في الإيمان بموازين الأعمال ليوم القيامة.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن موازين الأعمال ليوم القيامة حق.
قال ابن حزم : الموازين حق توزن فيها أعمال العباد، نؤمن لها ولا ندري كيف هي. قال الله عز وجل :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾١ وقال تعالى :﴿ والوزن يومئذ الحق ﴾٢ وقال تعالى :﴿ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ﴾٣ ٤ اه
المسألة الحادية والسبعون : في من مات مصرا على الذنوب.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن من مات مصرا على الكبائر حوسب يوم القيامة على كل ما عمل، فإن رجحت حسناته أو تساوت حسناته وسيئاته فهو إلى الجنة، وإن تاب قبل موته فلا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب.
قال ابن حزم : ومن لم يجتنب الكبائر حوسب على كل ما عمل، ووازن الله عز وجل بين أعماله من الحسنات وبين جميع معاصيه التي لم يتب منها ولا أقيم عليه حدها، فمن رجحت حسناته فهو في الجنة، وكذلك من ساوت حسناته وسيئاته.
قال الله عز وجل :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ﴾٥ وقال تعالى :﴿ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ﴾٦
ومن تساوت فهم أهل الأعراف. قال الله عز وجل :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾٧
ولا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب.
حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم بن الحجاج، حدثني إسماعيل بن سالم، أخبرني هشيم، ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت قال :( ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : " أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه بعضنا بعضا، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له، ومن ستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " ٨ ٩ اه
١ قرأ الجمهور (مثقال) بالنصب، أي وإن كان الشيء أو العمل. وقرئ (مثقال) بالرفع على الفاعلية وكان تامة.
وقرأ الجمهور أيضا (أتينا) من الإتيان أي جئنا. وقرئ (آتينا) بمده على وزن فاعلنا من المواتاة وهي المجازاة، فالمعنى جازينا بها، ولذلك تعدى بحرف جر. انظر: المحرر الوجيز ٤/٨٥، ومعالم التنزيل ٥/٣٢٢، والبحر المحيط ٦/٣١٦..

٢ الأعراف (٨).
٣ القارعة (٦-١١)..
٤ المحلى (١/٩٧)..
٥ الأنبياء (٤٧)..
٦ القارعة (٦-٧)..
٧ هود (١١٤)..
٨ رجال الإسناد:
عبد الله بن يوسف سبقت ترجمته.
أحمد بن فتح سبقت ترجمته.
عبد الوهاب بن عيسى سبقت ترجمته.
أحمد بن محمد سبقت ترجمته.
أحمد بن علي سبقت ترجمته.
مسلم بن الحجاج سبقت ترجمته
إسماعيل بن سالم الصائغ البغدادي، نزيل مكة، ثقة من العاشرة /م) انظر: تقريب التهذيب، ترجمة (٤٥٢)
هشيم بالتصغير، ابن بشير، بوزن عظيم، ابن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية ابن أبي خازم، بمعجمتين، الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة، مات سنة (١٨٣ هـ/ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٧٣٦٢).
خالد بن مهران، أبو المنازل، بفتح الميم، وقيل: بضمها وكسر الزاي، البصري، الحذاء، بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة، قيل له ذلك لأنه كان يجلس عندهم، وقيل: لأنه كان يقول: أحد على هذا النحو، وهو ثقة يرسل، من الخامسة، وقد أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان / ع) انظر: المصر السابق، ترجمة (١٦٩٠).
عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير. من الثالثة، مات بالشام هاربا من الفضاء سنة (١٠٤ هـ وقيل: بعدها / ع) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٣٣٢٣).
شرحبيل بن آدة، بالمد وتخفيف الدال، أبو الأشعث الصنعاني (الجرمي)، ويقال: آدة جد أبيه، وهو ابن شرحبيل بن كليب، ثقة، من الثانية، شهد فتح دمشق / بخ م ٤) انظر: المصدر السابق، ترجمة (٢٧٧٦)
عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري، الخزرجي، أبو الوليد المدني أحد النقباء، بدري مشهور، مات بالرملة سنة (٣٤ هـ/ع) انظر: الاستيعاب ٢/٨٠٧، الإصابة ٢/٢٦٨، وتقريب التهذيب، ترجمة (٣١٧٤).
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في: الإيمان باب: (١١) (١٨) وفي: مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم (٣٨٩٢)، وفي: المغازي، باب: (١٢) (٣٩٩٩)، ومسلم في: الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها (٤٤٣٨)..

٩ المحلى (١/١١٢-١١٣)..
قوله تعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ﴾١
فيه مسألتان :
المسألة الثانية والسبعون : في بيان وجه تفهيم سليمان في مسألة الحرث دون داود عليهما السلام.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن التأويل الصحيح لهذه الآية هو : أن داود عليه السلام حكم في هذه المسألة بظاهر الأمر، وفق ما أوتي من الحكم والعلم إلا أنه تبارك وتعالى قد أوحى إليه بحقيقة الأمر فحكم في المسألة فأصاب.
قال ابن حزم : وهذه مٍسألة اختلف الناس فيها على وجوه، فقول قالوا : نسخ الله حكم داود بحكم سليمان عليهما السلام.
وهذا باطل ؛ لأنه لو كان كذلك لكان داود مفهما لها ؛ لأنه كان يكون حاكما بأمر أمر به قبل أن ينسخ، ولما كان سليمان أولى بالإفهام منه.
وقال بعضهم : حكم بدليل منصوب لم يوافق فيه الحقيقة، وحكم سليمان فوافق الحقيقة.
والذي نقول به – وبالله تعالى التوفيق- : إن داود عليه السلام حكم بظاهر الأمر، مثل ما لو حكمنا نحن بشهادة شاهدين عدلين عندنا، وهما في علم الله عز وجل المغيب عنا مغفلان، فأطلع الله تعالى على غيب تلك المسألة سليمان عليه السلام، فأوحى إليه بيقين من هو صاحب الحق فيها، بخلاف شهادة الشهود، أو نحو ذلك مما أفهم الله تعالى سليمان فيه بيقين عين صحاب الحق.
فهذا وجه تلك الآية الذي لا يجوز خلافه ؛ لبطلان كل تأويل غيره، ولقوله تعالى في الآية نفسها :﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ فصح أن داود حكم بالحكم والعلم الذي آتاه الله تعالى في تلك المسألة، وأن سليمان – عليهما السلام – حكم فيها بالحكم والعلم الذي آتاه الله تعالى فيها بالفهم الزائد لحقيقتها. ٢ اه
المسألة الثالثة والسبعون : في بيان مرجع ضمير الجمع في قوله تعالى :﴿ لحكمهم ﴾
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن ( الهاء والميم ) في قوله :
( لحكمهم ) عائد إلى الجماعة، وهم : القوم وداود وسليمان عليهما السلام، وليس كما قيل إنه يعود إلى داود وسليمان فقط بحجة أن أقل الجمع في العربية اثنان.
قال ابن حزم : واحتجوا أيضا بقوله عز وجل :﴿ وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ﴾٣
الضمير في حكم العربية أن يكون راجعا إلى أقرب مذكور إليه، وأقرب مذكور إلى الضمير قوله تعالى :﴿ غنم القوم ﴾ فالقوم وداود وسليمان جماعة بلا شك، فكأنه تعالى قال :( وكنا لحكم القوم في ذلك ) أي للحكم عليهم. كما تقول : هذا حكم أمر كذا، أي الحكم فيه وعليه. ٤ اه
قوله تعالى :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾
المسألة الرابعة والسبعون : في هل يملك الذمي الأرض بالإحياء ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أنه لا يملك الأرض بالإحياء إلا المسلم.
قال ابن حزم : ولا تكون الأرض بالإحياء إلا لمسلم، وأما الذمي فلا. لقوله تعالى :﴿ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ﴾٥ وقوله تعالى :﴿ أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾٦
ونحن أولئك لا الكفار، فنحن الذين أورثنا الله تعالى الأرض، فلله الحمد كثيرا. ٧ اه
١ في قراءة الجمهور (ففهمناها) بالتضعيف، وقرئ (فأفهمناها) بالهمزة. وفي قراءة الجمهور (لحكمهم) وقرئ (لحكمهما) بالتثنية. انظر: معاني القرآن، للفراء ٢/٢٠٨، والكشاف ٣/١٢٩، والبحر الحيط ٦/٣٣٠ - ٣٣١.
٢ الإحكام في أصول الأحكام (المجلد ٢/١٢٥)..
٣ الأنبياء (٧٨)..
٤ الإحكام في أصول الأحكام (المجلد ١/٤١٤ – ٤١٥)..
٥ الأعراف (١٢٨)..
٦ الأنبياء (١٠٥)..
٧ المحلى (٩/٥٦)..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٨:قوله تعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ﴾١

فيه مسألتان :

المسألة الثانية والسبعون : في بيان وجه تفهيم سليمان في مسألة الحرث دون داود عليهما السلام.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن التأويل الصحيح لهذه الآية هو : أن داود عليه السلام حكم في هذه المسألة بظاهر الأمر، وفق ما أوتي من الحكم والعلم إلا أنه تبارك وتعالى قد أوحى إليه بحقيقة الأمر فحكم في المسألة فأصاب.
قال ابن حزم : وهذه مٍسألة اختلف الناس فيها على وجوه، فقول قالوا : نسخ الله حكم داود بحكم سليمان عليهما السلام.
وهذا باطل ؛ لأنه لو كان كذلك لكان داود مفهما لها ؛ لأنه كان يكون حاكما بأمر أمر به قبل أن ينسخ، ولما كان سليمان أولى بالإفهام منه.
وقال بعضهم : حكم بدليل منصوب لم يوافق فيه الحقيقة، وحكم سليمان فوافق الحقيقة.
والذي نقول به – وبالله تعالى التوفيق- : إن داود عليه السلام حكم بظاهر الأمر، مثل ما لو حكمنا نحن بشهادة شاهدين عدلين عندنا، وهما في علم الله عز وجل المغيب عنا مغفلان، فأطلع الله تعالى على غيب تلك المسألة سليمان عليه السلام، فأوحى إليه بيقين من هو صاحب الحق فيها، بخلاف شهادة الشهود، أو نحو ذلك مما أفهم الله تعالى سليمان فيه بيقين عين صحاب الحق.
فهذا وجه تلك الآية الذي لا يجوز خلافه ؛ لبطلان كل تأويل غيره، ولقوله تعالى في الآية نفسها :﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ فصح أن داود حكم بالحكم والعلم الذي آتاه الله تعالى في تلك المسألة، وأن سليمان – عليهما السلام – حكم فيها بالحكم والعلم الذي آتاه الله تعالى فيها بالفهم الزائد لحقيقتها. ٢ اه
المسألة الثالثة والسبعون : في بيان مرجع ضمير الجمع في قوله تعالى :﴿ لحكمهم ﴾
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن ( الهاء والميم ) في قوله :
( لحكمهم ) عائد إلى الجماعة، وهم : القوم وداود وسليمان عليهما السلام، وليس كما قيل إنه يعود إلى داود وسليمان فقط بحجة أن أقل الجمع في العربية اثنان.
قال ابن حزم : واحتجوا أيضا بقوله عز وجل :﴿ وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ﴾٣
الضمير في حكم العربية أن يكون راجعا إلى أقرب مذكور إليه، وأقرب مذكور إلى الضمير قوله تعالى :﴿ غنم القوم ﴾ فالقوم وداود وسليمان جماعة بلا شك، فكأنه تعالى قال :( وكنا لحكم القوم في ذلك ) أي للحكم عليهم. كما تقول : هذا حكم أمر كذا، أي الحكم فيه وعليه. ٤ اه
قوله تعالى :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾
المسألة الرابعة والسبعون : في هل يملك الذمي الأرض بالإحياء ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أنه لا يملك الأرض بالإحياء إلا المسلم.
قال ابن حزم : ولا تكون الأرض بالإحياء إلا لمسلم، وأما الذمي فلا. لقوله تعالى :﴿ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ﴾٥ وقوله تعالى :﴿ أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾٦
ونحن أولئك لا الكفار، فنحن الذين أورثنا الله تعالى الأرض، فلله الحمد كثيرا. ٧ اه
١ في قراءة الجمهور (ففهمناها) بالتضعيف، وقرئ (فأفهمناها) بالهمزة. وفي قراءة الجمهور (لحكمهم) وقرئ (لحكمهما) بالتثنية. انظر: معاني القرآن، للفراء ٢/٢٠٨، والكشاف ٣/١٢٩، والبحر الحيط ٦/٣٣٠ - ٣٣١.
٢ الإحكام في أصول الأحكام (المجلد ٢/١٢٥)..
٣ الأنبياء (٧٨)..
٤ الإحكام في أصول الأحكام (المجلد ١/٤١٤ – ٤١٥)..
٥ الأعراف (١٢٨)..
٦ الأنبياء (١٠٥)..
٧ المحلى (٩/٥٦)..

Icon