تفسير سورة سورة النمل من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
.
لمؤلفه
المنتخب
.
المتوفي سنة 2008 هـ
النمل مكية، وعدد آياتها ثلاث وتسعون آية.
وقد ابتدأت بالحروف الصوتية تنبيها لمنزلة القرآن الذي يجانس كلام العرب، ومع ذلك أعجزهم، وهي فوق ذلك تنبيه لمن يتغافل عن الاستماع، وجاءت بعد ذلك بقصة موسى، وذكر بعض معجزاته عليه السلام وقصة داود عليه السلام ووراثة ولده سليمان لملكه، وحشر الجن والإنس والطير له، وفهمه عليه السلام لكلام الحيوان، وشكره هذه النعمة، ثم غيبة الهدهد، ومجيئه بقصة بلقيس، وعبادتها وقومها للشمس، وإرسال سليمان عليه السلام إليها كتابا، وردها عليه بهدية بعد استشارتها قومها، وإحضار عرشها عن طريق من عنده علم من الكتاب، ودخولها قصر سليمان الذي أدهشها، فأعلنت طاعتها وإيمانها به.
وقد ذكرت قصة صالح مع قومه وقصة لوط عليه السلام وقومه، ونجاته وأهله وإهلاك الفاسقين ونبهت السورة الكريمة إلى ما في خلق السماوات والأرض من دلائل على قدرته ووحدانيته.
وأشارت إلى مقام القرآن الكريم في الدعوة، وإعراض المشركين عنه مع كمال إعجازه وذكرت ما سيكون من خروج دابة تكلم الناس أنهم كانوا بآياتنا لا يوقنون. ثم وجهت الأنظار إلى الكون، وكيف يفرغ كل من فيه عند النفخ للبعث والنشور. ونبهت إلى حال الأرض وأن جبالها تمر مر السحاب ورسمت ما يتبعه الرسول في دعوته، ووجوب أن يحمد الله سبحانه.
ﰡ
١- طس - حرفان صوتيان ابتدأت بهما السورة الكريمة تنبيها إلى سر الإعجاز في القرآن مع الإشارة إلى أنه من جنس ما يتكلمون، ولتنبيه الأذهان للاستماع إليه.
تلك آيات المنزل مقروءاً تتلونه، وهو كتاب مبين لما جاء به.
٢- وهو هادٍ للمؤمنين إلى طريق الخير والفوز في الدنيا والآخرة، ومبشر لهم بحسن المآل.
٣- الذين يؤدون الصلاة في خشوع مستوفية الأركان، ويعطون الزكاة في أوقاتها، وهم يوقنون بالحياة الآخرة، وما يكون فيها من ثواب وعقاب.
٤- إن الذين لا يؤمنون باليوم الآخر زيَّنا لهم أعمالهم بخلق الشهوة فيهم، فهم يتردون في ضلالهم.
٥- أولئك الذين لهم العذاب السيئ، وهم في الآخرة أشد الناس خسرانا.
٦- وإنك - أيها النبي - لتتلقى القرآن الذي ينزل عليك من لدن من لا يدانى في حكمته، وقد أحاط بكل شيء علما.
٧- اذكر حين قال موسى لزوجته ومن معه وهو عائد إلى مصر : إنِّي أبصرت نارا، سآتيكم منها بخبر عن الطريق، أو آتيكم بشعلة مضيئة نارا مقبوسة، لعلكم تستدفئون بها من البرد.
٨- فلما وصل إليها نودي : أن بُورك من في مكان النار ومن حولها. وهم الملائكة وموسى. ونزه الله رب العالمين عن كل ما لا يليق به.
٩- يا موسى إني أنا الله المستحق للعبادة - وحده - الغالب على كل شيء، الذي يضع كل أمر في موضعه.
١٠- وفي سبيل أن تؤدى دعوتك ألْق عصاك. فلما ألقاها ورآها تهتز كأنها حية خفيفة سريعة أعرض عنها راجعا إلى الوراء، ولم يعد إليها بعد أن أدبر عنها، فطمْأنه الله تعالى بقوله : لا تخف إني لا يخاف عندي المرسلون حين أخاطبهم.
١١- لكن من عمل شيئا غير مأذون له فيه، ثم بدَّل حسنا بعد هفوة فإني كثير المغفرة عظيم الرحمة.
١٢- وأدخل يدك في فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير برص، في جملة تسع معجزات، مرسلا إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قوما خارجين عن أمر اللَّه كافرين.
١٣- فلما جاءت هذه المعجزات واضحة ظاهرة قالوا : هذا سحر واضح بيِّن.
١٤- وكذبوا بها منكرين لدلالتها على صدق الرسالة، وقد وقع اليقين في قلوبهم، ولكنهم لم يذعنوا لاستعلائهم بالباطل وطغيانهم، فانظر - أيها النبي - كيف كانت عاقبة الذين دأبوا على الفساد، فكفروا بالمعجزات وهي واضحة ؟
١٥- هذا طغيان فرعون بسبب ملكه، فانظر إلى السلطان العادل، سلطان الحكم وسلطان النبوة في داود وابنه سليمان - عليهما السلام - لقد آتيناهما علماً كثيراً بالشريعة ودراية بالأحكام، فأقاما العدل وحمدا الله الذي منحهما فضلاً على كثير من عباده الصادقين المذعنين للحق.
١٦- وقد آل الملك والحكم من داود إلى سليمان ابنه، وقال : يا أيها الناس عُلِّمنا لغة الطير، وأوتينا كثيرا مما نحتاج إليه في سلطاننا : إن هذه النعم لهي الفضل الواضح الذي خصنا الله به.
١٧- وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير في صعيد واحد، فهم بحبس أولهم على آخرهم حتى يكونوا جيشاً منظماً خاضعاً.
١٨- حتى إذا بلغوا وادي النمل قالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مخابئكم، لكيلا تميتكم جنود سليمان وهم لا يحسون بوجودكم.
١٩- فتبسَّم سليمان ضاحكاً من قول هذه النملة الحريصة على مصالحها، وأحس بنعمة الله تعالى عليه وقال : يا خالقي ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت بها علىَّ وعلى والديّ، ووفقني لأن أعمل الأعمال الصالحة التي ترضاها، وأدخلني برحمتك السابغة في عبادك الذين ترتضى أعمالهم.
٢٠- وتَعَرَّفَ جنوده من الطير فلم يجدوا الهدهد، فتعجب وقال : مالي لا أرى الهدهد ؟ أهو بيننا ولم يقع عليه نظري، أم هو غائب عنا ليس بيننا ؟ !
٢١- والله لأنزلن به عذاباً شديداً يردعه، أو لأذبحنه إن كان الذنب عظيماً، إلا أن يأتيني بحجة بيِّنة تُبرر غيابه عني.
٢٢- وكان الهدهد قد مكث في مكان غير بعيد زماناً غير مديد، ثم جاء إلى سليمان يقول له : قد أحطت علماً بما لم يكن عندك علم به، وجئتك من سبأ بخبر ذي شأن عظيم وهو مستيقن به.
٢٣- إني وجدت في أهل سبأ امرأة تحكمهم، وأوتيت من كل شيء من أسباب الدنيا، ولها سرير كبير يدل على عظمة ملكها وقوة سلطانها.
٢٤- وجدتها هي وقومها يعبدون الشمس ولا يعبدون الله، وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم فظنوها حسنة وهي السوء، فصرفهم بذلك عن سبيل الحق، فهم لا يهتدون.
٢٥- ألا يسجدوا لله تعالى، وهو الذي يخرج المخبوء في السماوات والأرض، ويعلم ما تسرون وما تظهرون ؟ !
٢٦- الله لا معبود بحق سواه، صاحب السلطان المطلق العظيم على كل ما في الوجود.
٢٧- قال سليمان مخاطباً الهدهد : سنتحرى خبرك هذا، أصدقت فيه أم كنت من الكاذبين ؟
٢٨- اذهب بكتابي هذا فأوصله إليها وإلى قومها ثم تنح عنهم متوارياً في مكان قريب، لتنظر فيما يرجع به بعضهم إلى بعض ويرددونه من قول.
٢٩- وصل الكتاب إليها فجمعت أشراف قومها، وذوى شوراها، وقالت : يا أيها الملأ إني قد وصل إلىَّ كتاب عظيم الشأن.
٣٠- ثم تلت الكتاب عليهم قائلة : إنه من سليمان وإنه مفتتح باسم الله ذي الجلال والإنعام الذي يفيض برحمته دائماً على خلقه.
٣١- لا تتكبروا علىَّ وأتوني منقادين خاضعين.
٣٢- قالت لمجلس شوراها : بينوا لي الصواب في هذا الأمر الخطير الذي عرض لي، فإني لا أبت في أمر حتى يكون بمحضركم.
٣٣- قالوا مطمئنين لها : نحن أصحاب قوة بدنية وأهل نجدة وشجاعة، لا نخاف الحرب، فانظري في الأمر الذي تأمريننا به، فإنا مطيعون.
٣٤- قالت متريثة مسالمة : إن الملوك إذا دخلوا مدينة عظيمة بجيوشهم أفسدوها، فأذهبوا عمرانها، وأبادوا الحرث والنسل، وأفعالهم كذلك دائماً.
٣٥- وإني - إيثاراً للسلم والعافية - مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية، ومنتظرة ما يرجع به الرسل، بقبول الهدية أم بردها.
٣٦- وصل الرسل إلى سيدنا سليمان بالهدية، فقال لهم شاعراً بأنعم الله تعالى عليه، مخاطباً لها ولقومها في مواجهة رسلها : أتعطونني مالا ؟ ! فما أعطاني الله من النبوة والملك والنعمة أعظم مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم وكثرة أموالكم تفرحون لا مثلى، لأنكم لا تعلمون إلا ما يتعلق بالدنيا.
٣٧- وقال يخاطب المتكلم باسمهم : ارجع - أيها الرسول - إليهم، فوالله لنأتينّهم بجنود لا طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها، ولنخرجنهم من سبأ فاقدي العز، وهم مستعبدون.
٣٨- اتجه سليمان إلى الاستعانة بمن سخرهم الله له من الإنس والجن، ليفاجئها بأمر غريب، فقال : أيكم يأتيني بعرشها العظيم قبل أن يأتوني خاضعين منقادين ؟
٣٩- قال مارد من الجن : أنا آتيك به وأنت في مجلسك هذا قبل أن تقوم منه، وإني لقادر أمين في قولي وفعلي.
٤٠- قال الذي آتاه الله قوة روحية وعلماً من الكتاب : أنا آتيك بهذا العرش قبل أن تحرك أجفانك. وقد نفذ ما قال. فلما رأى سليمان العرش ثابتاً عنده غير مضطرب قال : هذا من فضل الله الذي خلقني وأمدني بخيره ليختبرني أأشكر هذه النعمة أم لا أؤدي حقها ؟ ومن شكر الله فإنما يحط عن نفسه عبء الواجب، ومن يترك الشكر على النعمة فإن ربي غنى عن الشكر، كريم بالإنعام.
٤١- قال سليمان لحاشيته : اخفوا عنها العرش ببعض التغيير في مظاهره لنرى أتعرفه مهتدية إليه أم لا تعرفه فلا تهتدي إليه ؟
٤٢- فلما أقبلت وجهت نظرها إلى عرشها، فقيل لها : أهذا مثل عرشك ؟ فقالت :- لكمال التشابه - كأنه هو. وقال سليمان ومن معه : أوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده مثل علمها وكنا قوماً منقادين لله مخلصين العبادة له.
٤٣- وصرفها عن عبادة الله ما كانت تعبده من آلهة غير الله تعالى من شمس ونحوها، إنها كانت من قوم كافرين.
٤٤- قيل لها من بعد ذلك : ادخلي قصر سليمان، وكان صحنه من زجاج تحته ماء يسبح فيه السمك، فكشفت عن ساقيها تحسب ما تمر فيه ماء، فنبهها سليمان إلى أن الصحن أملس مكون من زجاج، فراعها ذلك المنظر المادي، وعلمت أن ملكها لا يساوى شيئاً بجوار ملك سليمان - النبي - فقالت : رب إني ظلمت نفسي باغتراري بملكي وكفري، وأذعنت في صحبة سليمان مؤمنة بالله تعالى خالق العالمين ومربيهم والقائم عليهم.
٤٥- ولقد بعثنا إلى ثمود أخاهم صالحاً بأن وحِّدوا الله، فسارعوا إلى الاختصام والاختلاف، وصاروا فريقين : أحدهما مؤمن والآخر كافر.
٤٦- قال صالح ناصحاً لهم : يا قوم لم تستعجلون بالعذاب الذي توعدون قبل التوبة، هلا تطلبون المغفرة من ربكم وتؤمنون به رجاء أن ترحموا ؟ !
٤٧- وقالوا : تشاءمنا بك أنت ومن معك وأصابنا القحط، قال : أسباب الخير والشر الذي نزل بكم إنما كان من عند الله. بل أنتم قوم تختبرون بالسراء والضراء، لعلكم تؤمنون.
٤٨- وكان زعماء الشر فيهم تسعة، يفسدون بآرائهم ودعايتهم في الأرض، وليس من شأنهم عمل الصالح.
٤٩- قال أولئك المشركون بعضهم لبعض : تبادلوا القسم بالله لنغيرن عليه هو وأهله ونقتلهم، ثم نقول لولي دمه : ما شهدنا هلاكه ولا هلاك أهله، وإنا لصادقون فيما ذكرنا.
٥٠- دبَّروا الفتك بصالح وأهله، والله من ورائهم قد دبَّر النجاة لنبيه وأهله والهلاك لهم وهم لا يشعرون بتدبير الله.
٥١- فانظر - أيها النبي - إلى عاقبة تدبيرهم وتدبيرنا لنبينا أنا أهلكناهم وقومهم أجمعين.
٥٢- فانظر إلى آثارهم تجد بيوتهم ساقطة متهدمة بسبب ظلمهم وكفرهم وإرادتهم الشر لنبيهم. إن فيما فُعِل بثمود لآية لقوم يعلمون قدرتنا فيتعظون.
٥٣- وأنجينا الفريق المؤمن بصالح من هذا الهلاك وكانوا يتقون ترك أوامره.
٥٤- واذكر - أيها النبي - لوطا وخبره مع قومه الفاسقين الشاذين إذ قال لهم : أتأتون هذا الذنب البالغ أقصى درجات الفحش والشذوذ، وأنتم تبصرون وتنظرون الشر الذي استمرأتموه ؟
٥٥- أيسوغ في نظر العقل والفطرة أن تأتوا الرجال بشهواتكم وتتركوا النساء ؟ بل أنتم قوم قد أصابكم الحمق والجهل المطبق حتى صرتم لا تميزون بين الخبيث والطيب.
٥٦- فما كان رد قومه عليه حين نهاهم إلا قولهم : أخرجوا لوطا وأتباعه من هذه القرية لأنهم يتنزهون عن مشاركتنا فيما نفعل.
٥٧- فخلصناه هو وأهله من العذاب الذي سيقع بالقوم إلا امرأته، قدر الله أن تكون من الباقين حتى تهلك بالعذاب مع الكافرين.
٥٨- وأمطرنا على هؤلاء المفسدين مطر عذاب ونقمة، فكان مطراً سيئاً مُهلكاً لمن أُنذروا بالعذاب الأليم ولم يذعنوا.
٥٩- قل - أيها الرسول - : إني أحمد الله وأثنى عليه - وحده - وأسأل الله سلاماً وتحية لعباده الذين اختارهم لأداء رسالته، وقل - أيها الرسول - للمشركين : هل توحيد الله خير لمن آمن، أم عبادة الأصنام التي أشركتم بها وهي لا تملك ضراً ولا نفعاً ؟ !
٦٠- بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن خلق السماوات والأرض وما فيهما، وأنزل لأجلكم من السماء غيثاً نافعاً، فأنبت به بساتين ذات حُسن وبهاء ما أمكن لكم أن تنبتوا شجرها المختلف الأنواع والألوان والثمار. هذا التناسق في الخلق يثبت أن ليس مع الله إله، ولكن الكفار قوم يعدلون عن الحق والإيمان ويميلون للباطل والشرك.
٦١- بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن مهَّد الأرض للإقامة فيها والاستقرار عليها، وخلق وسطها أنهاراً، وخلق عليها جبالا تمنعها من الميل، وجعل بين الماء العذب والماء الملح فاصلا يمنع امتزاج أحدهما بالآخر ! ! ليس هناك إله مع الله فهو الخالق - وحده - لكن أكثر الناس لا ينتفعون بالعلم الحق على وجهه وكأنهم لا يعلمون.
٦٢- بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن يجيب المضطر - في دعائه - إذا أحوجته الشدة فلجأ إلى الله في ضراعة وخشوع، ويدفع عن الإنسان ما يعتريه من مكروه، ويجعلكم خلفاء لمن سبقكم في الأرض ؟. ليس هناك إله مع الله المانح لهذه النعم، ولكنكم أيها الكافرون قلّما تتعظون.
٦٣- بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن يرشدهم إلى السير في ظلام الليل برا وبحراً، وعمن يبعث الرياح مبشرة بمطر هو رحمة من الله ! ؟ أهناك إله مع الله تعالى يصنع ذلك ؟ ! تنزه الله سبحانه عن أن يكون له شريك.
٦٤- بل اسألهم - أيها الرسول - عمن ينشئ الخلق ابتداء، ثم يوجده بعد فنائه كما كان ؟ ومن الذي ينزل لكم الرزق من السماء ويخرجه من الأرض ؟. ليس هناك إله مع الله يفعل ذلك. قل - أيها الرسول - موبخاً لهم ومنكراً عليهم : إن كان لكم إله سوى الله فأقيموا لنا حجة على ذلك إن كنتم تزعمون أنكم صادقون، ولن يتأتى لكم ذلك.
٦٥- قل - أيها الرسول - : إن مَن تَفرَّد بفعل هذا كله قد تفرد - سبحانه - بعلم ما في السماوات والأرض من أمور الغيب، وهو الله - وحده - وما يعلم الناس أي وقت يبعثون فيه من قبورهم للحساب والجزاء.
٦٦- تلاحق علمهم في الآخرة من جهل بها إلى شك فيها، وهم في عماية عن إدراك الحق في أي شيء من أمرها لأن الغواية أفسدت إدراكهم.
٦٧- وقال الكافرون منكرين للبعث : أئذا صرنا تراباً وبليت أجسامنا وأجسام آبائنا السابقين هل نعاد ونخرج إلى الحياة من جديد ؟ !
٦٨- لقد وعدنا محمد بهذا البعث كما وعد الرسل السابقون آباءنا، ولو كان حقاً لحصل، وليس هذا إلا من أكاذيب السابقين.
٦٩- قل لهم - أيها الرسول - : تجولوا في الدنيا وانظروا آثار ما حل بالمكذبين من عذاب الله لعلكم تعتبرون بهذا، وتخشون ما وراءه من عذاب الآخرة.
٧٠- لا تحزن - أيها الرسول - على الكافرين الذين لم يتبعوك، فإنما عليك البلاغ، ولا يكن في صدرك حرج من مكرهم وكيدهم، فإن الله ناصرك عليهم.
٧١- ويبالغ الكافرون في التكذيب، فيستعجلون العذاب قائلين : متى يحين موعد العذاب الذي هددتمونا به إن كنتم صادقين في أن العذاب نازل بالمكذبين ؟ !
٧٢- قل - أيها الرسول - : لعله أن يكون قد لحق بكم وقرب منكم بعض ما تستعجلونه من العذاب.
٧٣- وإن الله ربك - أيها الرسول - لصاحب إنعام وإحسان على الناس كافة، ومن رحمته تأخير العقوبة على المكذبين، ولكن أكثر الناس لا يدركون فضل الله ولا يشكرونه.
٧٤- وإن الله ربك - أيها الرسول - لعليم بكل ما يسرون وما يعلنون من الأقوال والأفعال المنكرة، ومجازيهم عليها.
٧٥- وما من خافية غائبة مهما صغرت وضَؤُلَتْ في السماوات أو في الأرض إلا علمها الله وأحصاها في كتاب حق عنده.
٧٦- إن هذا الكتاب - الذي أنزل على محمد - يبين لبنى إسرائيل حقيقة ما جاء في التوراة من عقائد وأحكام وقصص، ويردهم إلى الصواب فيما اختلفوا فيه.
٧٧- وإن هذا الكتاب لهداية من الضلال ورحمة من العذاب لجميع من آمن به.
٧٨- إن ربك - أيها الرسول - يفصل بين الناس جميعاً يوم القيامة بعدله، وهو الغالب فلا يرد قضاؤه، العليم فلا يلتبس لديه حق بباطل.
٧٩- ففوض أمرك - أيها الرسول - إلى الله، وثابر بدعوتك واثقاً بنصره، لأنك على الحق الواضح، ولا يضرك إعراض الكافرين عنك.
٨٠- إنك - أيها الرسول - لا تستطيع هدايتهم فإنهم كالموتى في عدم الوعي، وكالصم في فقدان أداة السمع، فليسوا مستعدين لسماع دعوتك لتماديهم في الإعراض عنك.
٨١- ولست بمستطيع أن تهدى إلى الحق من عميت أبصارهم وبصائرهم، ولا يمكنك أن تُسمع إلا من يقبل على الإيمان بآياتنا، فهم مطيعون مستجيبون.
٨٢- وإذا قرب أن يتحقق وعد الله بقيام الساعة، وأن يقع العذاب على الكافرين أخرج الله للناس دابة من الأرض تقول لهم من جملة ما تقول : إن الكفار كانوا بمعجزاتنا كلها وباليوم الآخر لا يؤمنون، وقد تحقق الآن ما كانوا به يكذبون. وها هو ذا هول الساعة وما وراءها.
٨٣- واذكر - أيها الرسول - يوم نجمع من كل أمة طائفة من المكذبين بآياتنا، وهم الزعماء المتَّبَعون فهم يساقون في مقدمة أممهم إلى الحساب والجزاء.
٨٤- وحينما يقفون بين يدي الله للحساب يقول - سبحانه - لهم تبكيتاً وتعنيفاً : قد كذبتم بكل آياتي وأنكرتموها دون تدبر ولا فهم. بل ماذا كنتم تعملون وأنتم لم تخلقوا عبثاً ؟
٨٥- وحل بهم العذاب بسبب ظلمهم أنفسهم بالكفر، فهم عاجزون عن الدفاع والاعتذار.
٨٦- لقد شاهدوا أن الله جعل الليل ليستريحوا فيه، وجعل النهار مضيئاً ليتصرفوا فيه ويسعوا على معايشهم ؛ إن في ذلك لدلالات واضحة على ألوهية الله ووحدانيته لقوم يتدبرونها فيؤمنون.
٨٧- واذكر - أيها الرسول - يوم ينفخ إسرافيل في البوق بإذن الله، فيرتعب من في السماوات ومن في الأرض من هول النفخة إلا من طمأنه الله وأعفاه من الفزع، وكل المخلوقات يأتون إلى ربهم صاغرين.
٨٨- وترى - أيها الرسول - الجبال تظنها ثابتة لا تتحرك، ولكنها في واقع الأمر تتحرك بسرعة كالسحاب، وهذا من صنع الله الذي خلق كل شيء وأبدعه. إنه سبحانه كامل العلم بما يفعل الناس من طاعة ومعصية، ومجازيهم عليه.
٨٩- كل من أتى بالحسنة في الدنيا وهي الإيمان والإخلاص في الطاعة فله في الآخرة الثواب الأعظم من أجل ما تقدم. وأصحاب هذه الحسنات آمنون من الخوف والفزع يوم القيامة.
٩٠- وكل من أتى في الدنيا بالسيئة - وهي الشرك والمعصية - ومات على ذلك فجزاء هذا الفريق أن يكبهم الله على وجوههم في النار يوم القيامة ويقال لهم حينئذ - توبيخاً - إنكم لا تجزون اليوم إلا بسبب شرككم ومعصيتكم.
٩١- قل - أيها الرسول - للناس : ما أمرت أن أعبد أحداً إلا الله رب مكة الذي كرمها، فجعلها حرماً آمناً، لا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها. وله سبحانه كل ما في الكون خلقاً وملكاً وأمرت أن أكون من الخاضعين لله.
٩٢- وأمرت أن أواظب على تلاوة القرآن عبادة وتدبراً ودعوة إلى ما فيه، فمن اهتدى وآمن به واتبعك فإنما خير ذلك وجزاؤه لنفسه لا لك، ومن ضل عن الحق ولم يتبعك فقل : إنما أنا رسول أنذر وأبلغ.
٩٣- وقل - أيها الرسول - : الحمد لله على نعمة النبوة والهداية، سيكشف الله لكم في الدنيا عن آثار قدرته، وفي الآخرة عن صدق ما أخبركم به فتعرفونها معرفة حق، وليس الله بعاجز عن حسابكم ولا بغافل عن أعمالكم.