ﰡ
قلت: وهذا الذي مَنَعَ تسميتَه تعليقاً سَمَّاه به غيرُه، ويجعلون تلك الجملةَ في محلِّ ذلك الاسمِ الذي يتعدَّى إليه ذلك الفعلُ، فيقولون في «عَرَفْت أيُّهم منطلقٌ» : إنَّ الجملةَ الاستفهاميةَ في محلِّ نصبٍ لسَدِّها مَسَدَّ
قوله: ﴿طِبَاقاً﴾ صفةٌ ل «سبعَ» وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه جمعُ طَبَق نحو: جَبَل وجِبال. والثاني: أنه جمعُ طَبَقة نحو: رَقَبة ورِقاب. والثالث: أنه مصدرُ طابَقَ يقال: طابقَ مُطابقة وطِباقاً. ثم: إمَّا أَنْ يجعلَ نفسَ المصدرِ مبالغةً، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي: ذاتَ طباق، وإمَّا أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: طُوْبِقَتْ طباقاً مِنْ قولِهم: طابَقَ النعلَ أي: جعله طبقةً فوق أخرى.
قوله: ﴿مِن تَفَاوُتٍ﴾ هو مفعولُ «تَرَى» و «مِنْ» مزيدةٌ فيه. وقرأ الأخَوان «تَفَوُّتٍ» بتشديدِ الواوِ دون ألفٍ. والباقون بتخفيفها بعد ألفٍ، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ كالتعهُّد والتعاهد، والتظهُّر والتظاهُر. وحكى أبو زيد «تفاوَتَ الشيءُ تفاوُتاً بضم الواو وفتْحِها وكسرِها، والقياسُ الضمّ كالتقابُل، والفتحُ والكسرُ شاذان. والتفاوُت: عدمُ التناسُبِ؛ لأنَّ بعض الأجزاءِ يَفُوت الآخَرَ. وهذه الجملةُ المنفيةُ صفةٌ مُشايعةٌ لقولِه:» طباقاً «وأصلُها: ما ترى فيهنَّ، فوضَع مكانَ الضميرِ قوله: ﴿خَلْقِ الرحمن﴾ تعظيماً لخلقِهنَّ وتنبيهاً على سببِ سلامَتهن، وهو أنه خَلْقُ الرحمن، قاله
وقال الشيخ:» الظاهرُ أنه مستأنَفٌ «وليس بظاهرٍ لانفلاتِ الكلامِ بعضِه من بعض.
و» خَلْق «مصدرٌ مضافٌ لفاعِله، والمفعولُ محذوفٌ أي: في خَلْقِ الرحمنِ السماواتِ، أو كلَّ مخلوقٍ، وهو أَوْلى ليعُمَّ، وإن كان السياقُ مُرْشِداً للأول.
قوله: ﴿فارجع﴾ مُتَسَبِّبٌ عن قولِه:» ما تَرَى «و» كرَّتَيْن «نصبٌ على المصدرِ كمرَّتَيْن، وهو مثنى لا يُراد به حقيقتُه، بل التكثيرُ، بدليلِ قولِه: ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي: مُزْدجراً وهو كليلٌ، وهذان الوصفان لا يأتيان بنظرتَيْن ولا ثلاثٍ، وإنما المعنى كرَّات، وهذا كقولهم:» لَبَّيْك وسَعْديك وحنانَيْك ودَواليك وهذاذَيْك لا يُريدون بهذه التثنيةِ شَفْعَ الواحدِ، إنما يريدون التكثيرَ أي: إجابةً لك بعد أخرى، وإلاَّ تناقَضَ الغرضُ، والتثنيةُ تفيدُ التكثيرَ لقرينةٍ كما يُفيده أصلُها، وهو العطفُ لقرينةٍ كقولِه:
٤٢٨٢ - لو عُدَّ قبرٌ كنتَ أكرَمَهم | ...................... |
قوله: ﴿هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ هذه الجملةُ يجوز أن تكونَ مُعَلِّقَةً لفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه «فارْجِعِ البصر» أي: فارْجِعِ البصرَ فانظر: هل ترى، وأَنْ يكونَ «فارجعِ البصر» مضمَّناً معنى انظر؛ لأنه بمعناه، فيكونُ هو المعلَّق. وأدغَم أبو عمرو لامَ «هل» في التاء هنا، وفي الحاقة وأَظْهرها الباقون، وهو المشهورُ في اللغة.
والفُطور: الصُّدوع والشُّقوق قال:
٤٢٨٣ -...........................
٤٢٨٥ - يكادُ أَنْ يخرجَ مِنْ إهابِهْ... قوله: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ﴾ قد تقدَّم الكلامُ على «كلما» وهذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً مِنْ ضميرِ جهنَّم.
وقوله: ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ ظاهرُه أنه مِنْ مقولِ الكفارِ للنذير. وجوَّزَ الزمخشريُّ أَنْ يكونَ مِنْ كلامِ الرسلِ للكفرةِ، وحكاه الكفرةُ للخَزَنَةِ أي: قالوا لنا هذا فلم نَقْبَلْه.
قوله: ﴿فَسُحْقاً﴾ فيه وجهان أحدُهما: أنَّه منصوبٌ على المفعولِ به أي: ألزَمَهم اللَّهُ سُحْقاً. والثاني: أنَّه منصوبٌ على المصدرِ تقديرُه: سَحَقَهم اللَّهُ سُحْقاً، فناب المصدرُ عن عامِله في الدُّعاءِ نحو: جَدْعاً له وعَقْراً، فلا يجوزُ إظهارُ عامِلِه. / واختلف النحاة: هل هو مصدرٌ لفعلٍ ثلاثيّ أم لفعلٍ رباعي فجاء على حَذْفِ الزوائدِ؟ فذهب الفارسيُّ والزجَّاجُ إلى أنه مصدرُ أسْحَقَه اللَّهُ أي: أبعَدَه. قال الفارسي: «فكان القياسُ إسْحاقاً، فجاء المصدرُ على الحَذْفِ كقوله:
٤٢٨٣ - شَقَقْتُ القلب ثم ذَرَرْتُ فيه | هواكِ فَلِيْطَ فالتأَمَ الفُطورُ |
٤٢٨٦ - فإن أَهْلِكْ فذلك كان قَدْري | ......................... |
٤٢٨٧ - يجولُ بأطرافِ البلادِ مُغَرِّباً | وتَسْحَقُه ريحُ الصَّبا كلَّ مَسْحَقِ |
وقد أَطْنَبَ مكي في ذلك، وأنكر على القائلِ به ونسبه إلى ما ذكرتُ فقال: «وقد قال بعضُ أهلِ الزَّيْغِ: إن» مَنْ «في موضع نصبٍ اسمٌ للمُسِرِّين والجاهرين لَيُخْرَجَ الكلامُ عن عمومِه ويُدْفَعَ عمومُ الخَلْقِ عن الله تعالى، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلمُ ما خلق لأنه إنما تقدَّم ذِكْرُ ما تُكِنُّ الصدورُ فهو في موضعِ» ما «ولو أَتَتْ» ما «في موضعِ» مَنْ «لكان فيه أيضاً بيانُ العموم: أنَّ اللَّهَ خالقُ كلِّ شيءٍ مِنْ أقوال الخلقِ أَسَرُّوها أو أظهرُها خيراً كانَتْ أو شرّاً، ويُقَوِّي ذلك ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾، ولم يقلْ: عليمٌ بالمُسِرِّين والمجاهرين وتكون» ما «في موضع
وقال الزمخشري بعد كلامٍ ذكرَه: «ثم أنكر ألاَّ يُحيط علماً بالمُضْمَر والمُسَرِّ والمُجْهَرِ مَنْ خلق الأشياء، وحالُه أنه/ اللطيفُ الخبيرُ المتوصِّلُ عِلْمُه إلى ما ظَهَر وما بَطَن. ويجوز أَنْ يكون» مَنْ خَلَقَ «منصوباً بمعنى: ألا يعلَمُ مَخْلوقَه، وهذه حالُه» ثم قال: «فإنْ قلتَ: قَدَّرْتَ في» ألا يَعْلَمُ «مفعولاً على معنى: ألا يعلمُ ذلك المذكورَ مِمَّا أُضْمِر في القلب وأُظْهِر باللسان مَنْ خلق؟ فهلا جَعَلْتَه مثلَ قولِهم:» هو يُعْطي ويمنع «، وهلا كان المعنى: ألا يكونُ عالماً مَنْ هو خالقٌ لأن الخالقَ لا يَصِحُّ إلاَّ مع العِلْم؟ قلت: أبَتْ ذلك الحالُ التي هي قولُه: ﴿وَهُوَ اللطيف الخبير﴾ لأنَّك لو قلتَ: ألا يكون عالماً مَنْ هو خالقٌ وهو اللطيفُ الخبيرُ لم يكن معنى صحيحاً؛ لأنَّ» ألا يَعْلَمُ «معتمِدٌ على الحالِ والشيءُ لا يُوَقَّتُ بنفسِهِ، فلا يقال:» ألا يعلَمُ وهو عالمٌ، ولكن ألا يعلم كذا، وهو عالمٌ بكلِّ شيءٍ «.
قوله: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾ استعارةٌ حسنة جداً. وقال الزمخشري: «مَثَلٌ لِفَرْطِ التذليل ومجاوَزَتِهِ الغايةَ؛ لأن المَنْكِبَيْن وملتقاهما من الغارِبِ أرقُّ شيءٍ مِن البعير وأَنْبأه عن أَنْ يطأَه الراكبُ بقدمِه ويَعْتمد عليه، فإذا جعلها في الذُّلِّ بحيث يُمشَى في مناكبها لم يَتْرُكْ».
قوله: ﴿مَّن فِي السمآء﴾، مفعولُ «أَمِنْتُم»، وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ أي: أمِنْتُمْ خالقَ مَنْ في السماوات. وقيل: «في» بمعنى على أي: على السماء، وإنما احتاج القائلُ بهذَيْن إلى ذلك لأنه اعتقد أن «مَنْ» واقعةٌ على الباري تعالى وهو الظاهرُ، وثَبَتَ بالدليل القطعيِّ أنه ليس بمتحيِّزٍ لئلا يلزَمَ التجسيمُ. ولا حاجةَ إلى ذلك فإن «مَنْ» هنا المرادُ بها الملائكةُ سكانُ السماء، وهم الذين يَتَوَلَّوْن الرحمة والنِّقْمة. وقيل: خُوطبوا بذلك على اعتقادِهم، فإنَّ القومَ كانوا مُجَسِّمة مشبِّهَةً، والذي تقدَّم أحسنُ.
وقوله: ﴿أَن يَخْسِفَ﴾ و «أَنْ يرسلَ» فيه وجهان، أحدُهما: أنهما بدلان مِنْ «مَنْ في السماء» بَدلُ اشتمال، أي: أَمِنْتُمْ خَسْفَه وإرسالَه، كذا قاله أبو البقاء. والثاني: أَنْ يكونَ على حَذْفِ «مِنْ» أي: أَمِنْتُم مِنَ
﴿ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٦ ] تحقيقاً وتخفيفاً وإدخالِ ألفٍ بينهما وعَدَمِه في البقرة، وأن قُنْبلاً يَقرأ هنا بإبدالِ الهمزة الأولى واواً في الوصل. فيقول :﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ و ﴿ أَمِنْتُمْ ﴾ وهو على أصلِه مِنْ تسهيلِ الثانيةِ بينَ بينَ وعَدَمِ ألفٍ بينهما، وأمَّا إذا ابتدأ فيُحقِّق الأولى ويُسَهِّلُ الثانيةَ بينَ بينَ على ما تقدَّم، ولم يُبْدل الأولى واواً لزوالِ مُوجِبه، وهو انضمامُ ما قبلها وهي مفتوحةٌ نحو : مُوَجَّل ويُواخِذُكم، وهذا قد مضى في سورة الأعراف عند قولِه :﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٢٣ ] وإنما أَعَدْتُه بياناً وتذكيراً.
قوله :﴿ مَّن فِي السَّمَآءِ ﴾، مفعولُ " أَمِنْتُم "، وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ أي : أمِنْتُمْ خالقَ مَنْ في السماوات. وقيل :" في " بمعنى على أي : على السماء، وإنما احتاج القائلُ بهذَيْن إلى ذلك، لأنه اعتقد أن " مَنْ " واقعةٌ على الباري تعالى وهو الظاهرُ، وثَبَتَ بالدليل القطعيِّ أنه ليس بمتحيِّزٍ لئلا يلزَمَ التجسيمُ. ولا حاجةَ إلى ذلك فإن " مَنْ " هنا المرادُ بها الملائكةُ سكانُ السماء، وهم الذين يَتَوَلَّوْن الرحمة والنِّقْمة. وقيل : خُوطبوا بذلك على اعتقادِهم، فإنَّ القومَ كانوا مُجَسِّمة مشبِّهَةً، والذي تقدَّم أحسنُ.
وقوله :﴿ أَن يَخْسِفَ ﴾ و " أَنْ يرسلَ " فيه وجهان، أحدُهما : أنهما بدلان مِنْ " مَنْ في السماء " بَدلُ اشتمال، أي : أَمِنْتُمْ خَسْفَه وإرسالَه، كذا قاله أبو البقاء. والثاني : أَنْ يكونَ على حَذْفِ " مِنْ " أي : أَمِنْتُم مِنَ الخَسْفِ والإِرسالِ، والأولُ أظهرُ. وقد تقدَّم أنَّ " نذير " " ونكير " مصدران بمعنى الإِنكار والإِنذار. وأثبت ورش يا " نَذيري " وَقْفاً، وحذَفَها وَصْلاً، وحَذَفَها الباقون في الحالَيْن.
﴿ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٦ ] تحقيقاً وتخفيفاً وإدخالِ ألفٍ بينهما وعَدَمِه في البقرة، وأن قُنْبلاً يَقرأ هنا بإبدالِ الهمزة الأولى واواً في الوصل. فيقول :﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ و ﴿ أَمِنْتُمْ ﴾ وهو على أصلِه مِنْ تسهيلِ الثانيةِ بينَ بينَ وعَدَمِ ألفٍ بينهما، وأمَّا إذا ابتدأ فيُحقِّق الأولى ويُسَهِّلُ الثانيةَ بينَ بينَ على ما تقدَّم، ولم يُبْدل الأولى واواً لزوالِ مُوجِبه، وهو انضمامُ ما قبلها وهي مفتوحةٌ نحو : مُوَجَّل ويُواخِذُكم، وهذا قد مضى في سورة الأعراف عند قولِه :﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٢٣ ] وإنما أَعَدْتُه بياناً وتذكيراً.
قوله :﴿ مَّن فِي السَّمَآءِ ﴾، مفعولُ " أَمِنْتُم "، وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ أي : أمِنْتُمْ خالقَ مَنْ في السماوات. وقيل :" في " بمعنى على أي : على السماء، وإنما احتاج القائلُ بهذَيْن إلى ذلك، لأنه اعتقد أن " مَنْ " واقعةٌ على الباري تعالى وهو الظاهرُ، وثَبَتَ بالدليل القطعيِّ أنه ليس بمتحيِّزٍ لئلا يلزَمَ التجسيمُ. ولا حاجةَ إلى ذلك فإن " مَنْ " هنا المرادُ بها الملائكةُ سكانُ السماء، وهم الذين يَتَوَلَّوْن الرحمة والنِّقْمة. وقيل : خُوطبوا بذلك على اعتقادِهم، فإنَّ القومَ كانوا مُجَسِّمة مشبِّهَةً، والذي تقدَّم أحسنُ.
وقوله :﴿ أَن يَخْسِفَ ﴾ و " أَنْ يرسلَ " فيه وجهان، أحدُهما : أنهما بدلان مِنْ " مَنْ في السماء " بَدلُ اشتمال، أي : أَمِنْتُمْ خَسْفَه وإرسالَه، كذا قاله أبو البقاء. والثاني : أَنْ يكونَ على حَذْفِ " مِنْ " أي : أَمِنْتُم مِنَ الخَسْفِ والإِرسالِ، والأولُ أظهرُ. وقد تقدَّم أنَّ " نذير " " ونكير " مصدران بمعنى الإِنكار والإِنذار. وأثبت ورش يا " نَذيري " وَقْفاً، وحذَفَها وَصْلاً، وحَذَفَها الباقون في الحالَيْن.
قوله: ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ عَطَفَ الفعلَ على الاسمِ لأنَّه بمعناه أي: وقابضاتٍ، فالفعلُ هنا مؤولٌ بالاسمِ عكسَ قولِه: ﴿إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ﴾ [الحديد: ١٨] فإن الاسمَ هناك مؤولٌ بالفعلِ. وقد تقدَّم الاعتراضُ على ذلك. وقولُ أبي البقاء: «معطوفٌ على اسم الفاعل، حَمْلاً على المعنى أي: يَصْفِفْنَ ويَقْبِضْنَ أي: صافَّاتٍ وقابِضاتٍ» لا حاجةَ إلى تقديره: يَصْفِفْنَ ويَقْبَضْنَ؛ لأن الموضعَ للاسمِ فلا نُؤَوِّلُه بالفعل. وقال الشيخ: «وعَطَفَ الفعلَ على الاسم/ لمَّا كان في معناه، ومثلُه قولُه تعالى: ﴿فالمغيرات صُبْحاً فَأَثَرْنَ﴾ [العاديات: ٣-٤] عطفَ الفعلَ على الاسم لمَّا كان المعنى: فاللاتي أغَرْنَ فأَثَرْنَ، ومثلُ هذا العطفِ فصيحٌ وكذا عكسُه، إلاَّ عند السهيليِّ فإنه قبيحٌ نحو قوله:
٤٢٨٨ - بات يُغَشِّيها بعَضْبٍ باترٍ | يَقْصِدُ في أسْوُقِها وجائِرُ |
وكذلك قال الزمخشريُّ: «صافَّاتٍ باسِطاتٍ أجنحتَهن» ثم قال: «فإنْ قلتَ لِمَ قال: ويقبضْنَ ولم يَقُلْ: وقابضاتٍ؟ قلت: لأنَّ الطيرانَ هو صَفُّ الأجنحةِ؛ لأنَّ الطيرانَ في الهواءِ كالسِّباحةِ في الماءِ، والأصلُ في السباحةِ مَدُّ الأطرافِ وبَسْطُها، وأمَّا القَبْضُ فطارِىءٌ على البَسْطِ للاستظهارِ به على التحرُّكِ، فجيء بما هو طارِىءٌ غيرُ أصلٍ بلفظِ الفعلِ على معنى أنَّهن صافاتٌ، ويكونُ منهنَّ القَبْضُ تارةً بعد تارةً، كما يكون من السَّابح».
قوله: ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ مستأنفةً، وأن تكونَ حالاً من الضمير في «يَقْبِضْنَ» قاله أبو البقاء، والأولُ هو الظاهرُ. وقرأ الزهري بتشديدِ السينِ.
قال الشيخ «:» ومُكِبّاً «حالٌ مِنْ» أكبَّ «وهو لا يتعدَّى، وكَبَّ متعدٍ قال تعالى: ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾ [النمل: ٩٠] والهمزةُ للدخولِ في الشيءِ أو للصيرورةِ ومطاوعُ كَبَّ: انْكَبَّ. تقول: كَبَبْتُه فانكَبَّ. قال الزمخشري:» ولا شيءَ مِنْ بناءِ أَفْعَل «إلى قوله: كتاب سيبويه» انتهى، وهذا الرجلُ كثيرُ التبجُّح بكتاب سيبويهِ، وكم مِنْ نَصٍّ في كتابِ سيبويه عَمي بَصَرُه وبصيرتُه عنه، حتى إن الإِمامَ أبا الحجاج يوسفَ بن معزوزٍ صَنَّف كتاباً، يذكر فيه ما غَلِطَ الزمخشريُّ فيه وما جَهِله من كتاب سيبويه «. انتهى ما قاله الشيخُ.
وانظر إلى هذا الرجلِ: كيف أخَذَ كلامَه الذي أَسْلَفْتُه عنه، طَرَّزَ به عبارتَه حرفاً بحرف، ثم أخذ يُنْحي عليه بإساءةِ الأدب، جزاءَ ما لَقَّنه تِلك الكلماتِ الرائعةَ وجعله يقول: إن مطاوِعَ كَبَّ انْكَبَّ لا أكَبَّ وإن الهمزةَ في أكَبَّ للصيرورةِ، أو للدخولِ في الشيء،
٤٢٨٩ - وكم مِنْ عائبٍ قولاً صحيحاً | وآفَتُهُ من الفَهْمِ السَّقيمِ |
قوله: ﴿سِيئَتْ﴾ الأصلُ: ساء أي: أحزنَ وجوهَهم العذابُ ورؤيتُه. ثم بُنِي للمفعول. و «ساء» هنا ليسَتْ المرادِفَةَ ل «بِئْسَ» كما عَرَفْتَه فميا تقدَّم غيرَ مرةٍ. وأَشَمَّ كسرةَ السينِ الضمَّ نافعٌ وابنُ عامرٍ والكسائيُّ،
قوله: ﴿تَدَّعُونَ﴾ العامَّةُ على تشديدِ الدالِ مفتوحةً. فقيل: من الدَّعْوى أي: تَدَّعُون أنه لا جنةَ ولا نارَ، قاله الحسن. وقيل: من الدعاءِ أي: تَطْلبونه وتستعجلونه. وقرأ الحسن وقتادة وأبو رجاء والضحاك ويعقوبُ وأبو زيدٍ وابنُ أبي عبلةَ ونافعٌ في روايةِ الأصمعيِّ بسكونِ الدالِ، وهي مؤيِّدَةٌ للقولِ: إنَّها من الدعاء في قراءةِ العامَّة.