ﰡ
﴿تبارك﴾ تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين ﴿الذى بيده الملك﴾ أي بتصرفه الملك والاستيلاء عل كل موجود وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْءٍ﴾ من المقدورات أو من الإنعام والانتقام ﴿قَدِيرٌ﴾ قادر على الكمال
﴿الذى خَلَقَ الموت﴾ خبر مبتدأ
محذوف أو بدل من الذي قبله ﴿والحياة﴾ أي ما يصح بوجوده الإحساس والموت ضده ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيه المكلفون ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ ليمتحنكم بأمره ونهيه فيما بين الموت الذي يعم الأمير والأسير والحياة التي لا تفي بعليل ولا طبيب فيظهر منكم ما علم أنه يكون منكم فيجازيكم على عملكم لا على علمه بكم ﴿أَيُّكُمْ﴾ مبتدأ وخبره ﴿أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أي أخلصه وأصوبه فالخالص أن يكون لوجه الله
﴿الذى خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقًا﴾ مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقاً على طبق وهذا وصف بالمصدر أو على ذات طباق أو على طوبقت طباقاً وقيل جمع طبق كجمل وجمال الخطاب في ﴿مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن﴾ للرسول أو لكل مخاطب ﴿مِن تفاوت﴾ تَفَوُتٍ حمزة وعلي ومعنى البناءين واحد كالتعاهد والتعهد أي من اختلاف واضطراب وعن السدي من عيب وحقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضاً ولا يلائمه وهذه الجملة صفة لطباقا واصلها ما ترى فيهن من تفاوت وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب ﴿فارجع البصر﴾ رده إلى السماء حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة فلا تبقى معك شبهة فيه ﴿هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ صدوع وشقوق جمع فطر وهو الشق
﴿ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ كرر النظر مرتين أي كرتين مع الأولى وقيل سوى الأولى فتكون ثلاث مرات وقيل لم يرد الاقتصار على مرتين بل أراد به التكرير بكثرة أي كرر نظرك ودققه هل ترى خللا أو
﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا﴾ القربى أي السماء الدنيا منكم ﴿بمصابيح﴾ بكواكب مضيئة كإضاءة الصبح والمصابيح السرج فسميت بها الكواكب الناس يزينون مساجدهم ودورهم
بايقاد المصابيح ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها بمصابيح أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة ﴿وجعلناها رُجُوماً للشياطين﴾ أي لأعدائكم الذين يخرجونكم من النور إلى الظلمات قال قتادة خلق الله النجوم لثلاث زينة الساء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به والرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به ومعنى كونها رجوماً للشياطين أن ينفصل عنها شهاب قيس يؤخذ من نار فيقتل الجني أو يخبله لأن الكواكب لا تزول عن أماكنها لأنها قارة في الفلك على حالها ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ للشياطين ﴿عَذَابَ السعير﴾ في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا
﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ﴾ ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ ليس الشياطين المرجومون مخصوصين بذلك ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ المرجع جهنم
﴿إذا ألقوا فيها﴾ طرحوا في جنهم كما يطرح الحطب في النار العظيمة ﴿سَمِعُواْ لَهَا﴾ لجهنم ﴿شَهِيقًا﴾ صوتاً منكراً كصوت الحمير شبه حسيسها المنكر الفظيع بالشهيق ﴿وَهِىَ تَفُورُ﴾ تغلي بهم غليان المرجل بما فيه
﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ﴾ أي تتميز يعني تتقطع وتتفرق ﴿مِنَ الغيظ﴾ على الكفار فجعلت كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم ﴿كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ﴾
﴿قَالُواْ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ﴾ اعتراف منهم بعدل الله واقرارا بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ﴿فَكَذَّبْنَا﴾ أي فكذبناهم ﴿وَقُلْنَا ما نزل الله من شيء﴾ مما تقولون من وعد ووعيد وغير ذلك ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضلال كَبِيرٍ﴾ أي قال الكفار للمنذرين ما أنتم إلا في خطأ عظيم فالنذير بمعنى الإنذار ثم وصف به منذروهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذاراً وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار على إرادة القول ومرادهم بالضلال بالهلاك أو سموا جزاء الضلال باسمه كما سمي جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء ويسمى المشاكلة في علم البيان أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة أي قالوا لنا هذا فلم نقبله
﴿وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾ الإنذار سماع طالب الحق ﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾ أي نعقله عقل متأمل ﴿مَا كُنَّا فِى أصحاب السعير﴾ في جملة أهل النار وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملزمتان
﴿فاعترفوا بِذَنبِهِمْ﴾ بكفرهم في تكذيبهم الرسل ﴿فَسُحْقًا لأصحاب السعير﴾
وبضم الحاء يزيد وعلي فبعداً لهم عن رحمة الله وكرامته اعترفوا أو جحدوا فإن ذلك لا ينفعهم وانتصابه على أنه مصدر وقع موقع الدعاء
﴿إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب﴾ قبل معاينة العذاب ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ للذنوب ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أي الجنة
﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ﴾ ظاهره الأمر بأحد الأمرين الاسرار والإجهار ومعناه وليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما رُوي
﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ من في موضع رفع بأنه فاعل يَعْلَم ﴿وَهُوَ اللطيف الخبير﴾ أنكر أن لا يحيط علماً بالمضمر والمسر والمجهر من خلقها وصفته أنه اللطيف أي العالم بدقائق الأشياء الخبير العالم بحقائق الأشياء وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلاً على خلق أفعال العباد وقال أبو بكر بن الأصم وجعفر بن حرب مَنْ مفعول والفاعل مضمر وهو الله تعالى فاحتالا بهذا لنفي خلق الأفعال
﴿هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً﴾ لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها ﴿فامشوا في مناكبها﴾ جوابها استدلالا استرزاقا أو جبالها أو طرقها ﴿وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ﴾ أي من رزق الله فيها ﴿وَإِلَيْهِ النشور﴾ أي وإليه نشوركم فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم
﴿أأمنتم مَّن فِى السماء﴾ أي من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته ومنها تنزل قضايا وكتبه وأوامره ونواهيه فكأنه قال أأمنتم خالق السماء وملكه أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعالٍ عن المكان ﴿أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض﴾ كما خسف بقارون ﴿فَإِذَا هِىَ تَمُورُ﴾ تضطرب وتتحرك
﴿أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى السماء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصبا﴾ حجارة أن يرسل بدل من بدل الاشتمال وكذا أَن يَخْسِفَ ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نذير﴾ أي إذا رأيتم
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قومك ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي إنكاري عليهم إذا أهلكتهم ثم نبه على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير﴾
جمع طائر ﴿فَوْقَهُمْ﴾ في الهواء ﴿صافات﴾ باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ويقبضن معطوف على اسم الفاعل حملاً على المعنى أي يصففن ويقبضن أو صافات وقابضات واختيار هذا التركيب باعتبار أن أصل الطيران هو صف الأجنحة لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والهواء للطائر كالماء للسابح والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجئ بما هو طارئ بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ عن الوقوع عند القبض والبسط ﴿إِلاَّ الرحمن﴾ بقدرته وإلا فالثقيل طبعا حالا ولا يعلوا وكذا لو أمسك حفظه تدبيره عن العالم لتهافتت الأفلاك وما يُمْسِكُهُنَّ مستأنف وإن جعل حالاً من الضمير في يقبضن يجوز ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ﴾ يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب
﴿أمن﴾ مبتدأ خبره ﴿هذا﴾ ويدل من هذا ﴿الذى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ﴾ ومحل ﴿ينصركم من دون الرحمن﴾ رفع نعت لجند محمول على اللفظ والمعنى من المشار إليه بالنصر غير الله تعالى ﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ في غرور﴾ أي ماهم إلا في غرور
﴿أَمَّنْ هذا الذى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ أم من يشار إليه ويقال هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه وهذا على التقدير ويجوز أن
﴿أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً على وَجْهِهِ﴾ أي ساقطاً على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفاً وخير من ﴿أهدى﴾ أرشد وأكب مطاوع كبه يقال كببته فاكب ﴿أم من يَمْشِى سَوِيّاً﴾ مستوياً منتصباً سالماً من العثور والخرور ﴿على صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ على طريق مستوٍ وخبر منْ محذوف لدلالة أهدى عليه وعن الكلبي عني بالمكبأبو جهل وبالسوي النبي عليه السلام
﴿قُلْ هُوَ الذى أَنشَأَكُمْ﴾ خلقكم ابتداء ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة﴾ خصها لأنها آلات العلم ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم لأنكم تشركون بالله ولا تخلصون له العبادة والمعنى تشكرون شكرا قليلا وما زائدة وقيل القلة عبارة عن العدم
﴿قُلْ هُوَ الذى ذَرَأَكُمْ﴾ خلقكم ﴿فِى الأرض وإليه تحشرون﴾
السحاب والجزاء
﴿وَيَقُولُونَ﴾ أي الكافرون للمؤمنين استهزاء ﴿متى هذا الوعد﴾ التي تعدوننا به يعني العذاب ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ في كونه فأعلمونا زمانه
﴿قُلْ إِنَّمَا العلم﴾ أي علم وقت العذاب ﴿عِندَ الله وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ﴾ مخوّف ﴿مُّبِينٌ﴾ أبين لكم الشرائع
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أي الوعد يعني العذاب الموعود ﴿زُلْفَةً﴾ قريباً منهم
﴿قل أرأيتم إِنْ أَهْلَكَنِىَ الله﴾ أي أماتني الله كقوله ان امرؤ هلك ﴿وَمَن مَّعِىَ﴾ من أصحابي ﴿أَوْ رَحِمَنَا﴾ أو أخر في آجالنا ﴿فَمَن يُجِيرُ﴾ ينجي ﴿الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ مؤلم كان كفار مكة يدعون على رسول الله ﷺ وعلى المؤمنين بالهلاك فأمر بأن يقول لهم نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين إما أن نهلك كما نتمنون فنقلب إلى الجنة أو نرحم بالنصرة عليكم كما نرجوا فأنتم ما تصنعون مِنْ مجيركم وأنتم كافرون من عذاب النار لا بد لكم منه
﴿قُلْ هُوَ الرحمن﴾ أي الذي أدعوكم إليه الرحمن ﴿آمنا بِهِ﴾ صدقنا به ولم نكفر به كما كفرتم ﴿وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ فوضنا إليه أمورنا ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ إذا نزل بكم العذاب وبالياء علي ﴿مَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ نحن أم أنتم
﴿قل أرأيتم إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً﴾ غائراً ذاهباً في الأرض لا تناله الدلاء وهو وصف بالمصدر كعدل بمعنى عادل ﴿فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ جارٍ يصل إليه من أراده وتليت عند ملحد فقال يأتي بالمعول والمعن فذهب ماء عينه في تلك الليلة وعمي وقيل إنه محمد بن زكريا المتطبب زادنا الله بصيرة
بسم الله الرحمن الرحيم