تفسير سورة الشمس

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب التفسير الحديث المعروف بـالتفسير الحديث .
لمؤلفه محمد عزة دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ

سورة الشمس
في السورة توكيد بفلاح المتقين الصالحين وخسران المنحرفين الضالين.
وتذكير بحادث ناقة ثمود ونكال الله فيهم لتمردهم وطغيانهم. وتقرير لقابلية اكتساب الخير والشر في الإنسان وإيداع الله فيه تلك القابلية وإقداره على هذا الاكتساب. وهي عرض عام لأهداف الدعوة، وليس فيها مواقف حجاج وردود، مما يمكن أن يدل على أنها نزلت قبل الفصول التي ذكرت فيها مثل ذلك:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ١٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤)
وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
(١) ضحاها: ضوءها في أول النهار.
(٢) تلاها: تبعها.
(٣) طحاها: بسطها أو وسعها.
(٤) ونفس وما سواها: جعلها سوية تامة الصفات والمظاهر خلقا وعقلا.
138
(٥) فألهمها فجورها وتقواها: هنا بمعنى أودع فيها قابلية الفجور والتقوى.
(٦) زكاها: طهرها بصالح الأعمال.
(٧) دساها: أفسدها بسيء الأعمال وخبيثها.
(٨) طغواها: طغيانها.
(٩) أشقاها: أشقى قوم ثمود وهو الذي عقر ناقة الله.
(١٠) سقياها: نصيبها من الشرب.
(١١) عقروها: هنا بمعنى قتلوها.
(١٢) فدمدم: دمر أو استأصل.
(١٣) فسوّاها: أحاط عذابه بها.
(١٤) لا يخاف عقباها: قال بعض المفسرين إن الجملة تعني أن الله لا يعبأ بأحد حينما ينزل عليهم عذابه ولا يسأل عن ذلك، كما قالوا إنها تعني شقيّ ثمود الذي أقدم على عقر الناقة دون أن يحسب حساب العاقبة «١».
في السورة قسم رباني بما عدده من مظاهر الكون والخلق ونواميسها بأن المفلح السعيد من طهر نفسه باتباع الهدى وعمل الصالحات والتزام حدود الله، وبأن الخاسر الشقي من أفسدها بالضلال والتمرد والأفعال المنكرة. وفيها كذلك تذكير بما كان من تكذيب ثمود لنبيهم وطغيانهم وجرأة أحدهم نتيجة لذلك على عقر ناقة الله دون أبوه بتحذير نبيهم وبما كان من نكال الله فيهم.
والسورة احتوت تقريرا عام التوجيه مستمر المدى لأهداف الدعوة في تطهير النفس والتسامي بها عن الإثم والغواية، وتبشير المستقيمين بالفلاح والمنحرفين بالخسران. والإطلاق في كلمتي (زكاها ودساها) يمكن أن يتناول الطهارة الدينية والدنيوية أو الروحية والأخلاقية أو الفساد الديني والدنيوي أو الروحي والأخلاقي معا، كما أن الفلاح والخيبة الواردين مع الكلمتين يمكن أن يتناولا الدنيا والآخرة معا، وفي كل ذلك من جلال التلقين وشموله ما هو ظاهر.
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي مثلا.
139
تعليق على جملة وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها
وجملة وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) تعني نفس الإنسان دون الأحياء الأخرى كما هو ظاهر من مضامين الآيات الثلاث التالية لها.
ولما كان الله عز وجل قد خلق كل شيء وأحسن خلقه كما جاء في آيات أخرى منها آية سورة السجدة هذه: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [٧] فإن في ذكر الإنسان بما جاء في الآيات [٧- ١٠] معنى من معاني التنويه به وما اختصه الله به من إدراك وأودعه فيه من قابليات. ومعنى من معاني التنبيه على أنه ملزم دون غيره من الأحياء نتيجة لذلك بمسؤولية سلوكه. وفي هذا ما فيه من تكريم للإنسان وتحميله مسؤولية عن هذا التكريم. وقد تكررت هذه المعاني كثيرا في القرآن حيث ينطوي في ذلك خطورة ما تهدف إليه.
تعليق على جملة فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها وحديث نبوي ورد في تفسيرها
ولقد روى مسلم والترمذي عن عمران بن حصين قال: «إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه.
أشيء قضي عليهم ومضى أو فيما يستقبلون به. فقال لا بل شيء قضي عليهم.
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) »
«١» حيث ينطوي في الحديث تفسير للآية مفاده أن ما يفعله الإنسان من خير وشر هو بقضاء رباني سابق لا حيلة فيه. في حين أن الذي يتبادر بقوة من فحوى الآية وروحها أنها تتضمن تقرير كون الله عز وجل قد أودع في الناس قابلية
(١) التاج ج ٥ ص ١٧٤.
140
فعل الخير والشر والهدى والضلال والتمييز والاختيار والسلوك. وفي الآيتين التاليتين لها تأييد قوي لذلك حيث احتوتا تنبيها تبشيريا وإنذاريا إلى نتائج استعمال هذه القابلية مع نسبة هذا الاستعمال للإنسان. وحيث يبدو من ذلك قصد التنبيه على التلازم والتلاحم بين الاختيار ونتائجه. وحيث يتسق هذا مع التقريرات القرآنية السابقة بتحميل الإنسان مسؤولية عمله واختياره. وقد تكرر هذا كله بعد هذه السورة بأساليب متنوعة على ما سوف ننبه إليه في مناسباته حتى ليصح أن يقال إنه من المبادئ القرآنية المحكمة ثم من الضوابط القرآنية التي يمكن أن يزول على ضوئها ما يبدو أحيانا من وهم المباينات والإشكالات في بعض العبارات القرآنية.
فإذا صح الحديث فيكون هناك حكمة نبوية ضاعت علينا.
وننبه على أننا لسنا هنا في صدد الكلام في موضوع القدر الذي قد يكون التفسير الذي انطوى في الحديث متصلا به ولسوف يأتي الكلام فيه في سياق سورة القمر إن شاء الله.
تعليق على ناقة ثمود
والناقة المذكورة قد وصفت بناقة الله وهذا يعني أنها معجزة ربانية ظهرت على يد نبي ثمود جوابا على تحديهم. وقد تكرر ذكرها في مواضع عديدة من القرآن المكي. والمفسرون يذكرون استنادا إلى الروايات أن الناقة خرجت من بطن صخرة، كما يذكرون بيانات كثيرة عن جسمها وكيفية شربها وحلبها ومقامها ورغائها والمؤامرة على عقرها ونهاية أمرها وعن تدمير مساكن ثمود وإبادة أهلها «١». غير أن كل ما جاء في القرآن عنها أنها آية من آيات الله وأن نبي ثمود وهو صالح عليه السلام اشترط عليهم أن يتحاموها ويمكنوها من نصيبها من الشراب وأن يجعلوا لشرابها يوما خاصا فلم يوفوا بشرطهم ثم عقروها وأصروا على الكفر والعناد فأخذتهم الرجفة ودمرت منازلهم وحلّ عليهم عذاب الله ونقمته
(١) انظر تفسير سورة الأعراف وهود والشعراء والنمل في كتب تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والنيسابوري والطبرسي والخازن.
141
كما جاء في قصة ثمود في سور الأعراف وهود والشعراء والنمل. والذي نراه إزاء الناقة وغيرها من معجزات الله التي أظهرها الله على يد رسله والمحكية في القرآن، والتي هي في نطاق قدرة الله عز وجل، هو الإيمان بما جاء في القرآن عنها والوقوف عند ذلك دون تزيد ولا تخمين، والتحفظ إزاء ما توسع فيه الرواة توسعا جلّه غير قائم على أساس وثيق. والمرجح إن لم نقل المحقق أن أخبار ثمود وناقتهم على الوجه الذي ورد في القرآن أو ما يقاربه مما كان متداولا عند العرب قبل الإسلام... وفي آية سورة العنكبوت هذه: وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) دليل على ذلك فجاء ذكرهم بسبيل التذكير والإنذار بعاقبة مثل عاقبتهم لمن يطغى ويتمرد على الله ودعوته، على ما هو ظاهر في أسلوب الآيات هنا وفي كل مكان آخر وردت فيه القصة. ولعل ما أورده المفسرون استنادا إلى الروايات قد يكون دليلا على ذلك التداول. ويضاف إلى هذا وهو بسبيل ذلك أيضا أن في مساكن ثمود التي تعرف اليوم بمداين صالح أطلالا مدمرة وأن عرب الحجاز كانوا يمرون بها في طريقهم إلى بلاد الشام.
هذا، وليس في السورة إشارة إلى موقف تكذيب معين أو موقف حجاج ولجاج. وهي عرض لأهداف الدعوة عرضا عاما وإنذار للناس بعاقبة كعاقبة قوم ثمود التي يعرفونها إذا طغوا وتمردوا على الله بصورة عامة، ولذلك نرجح أنها من أوائل ما نزل من القرآن، وتصح أن تسلك في سلك القسم الذي كانت تعنيه تسمية القرآن كالفاتحة والأعلى والليل والله أعلم.
142
Icon