ﰡ
سبب نزول السورة:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة في قوله: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ، قال:
نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار، في بني حارثة وبني الحارث، تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان بن فلان وفلان؟ وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور، ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل اللَّه: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل.
التفاخر في الدنيا والسؤال عن الأعمال
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
الإعراب:
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا: حرف معناه الزجر والردع، وليس اسما للفعل، لتضمنه معنى ارتدع، كما أن (صه) اسم فعل لدلالته على السكوت.
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَوْ: حرف يمتنع به الشيء لامتناع غيره، وجوابه محذوف، وتقديره: لو علمتم لما ألهاكم، وعِلْمَ الْيَقِينِ: منصوب على المصدر.
وقرئ بضم التاء، فتكون الواو نائب فاعل، والْجَحِيمَ: مفعول به ثان، وهو فعل رباعي، عدّي بالهمزة إلى مفعولين، وهو في الأصل يتعدى إلى مفعول واحد لأنه من رؤية العين.
وعَيْنَ الْيَقِينِ مصدر لأن رأى وعاين بمعنى واحد.
لَتُسْئَلُنَّ حذف منه نون الرفع لتوالي النونات وواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين.
البلاغة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ خبر أريد به التذكير والتوبيخ واللوم.
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ التكرار للتهديد والإنذار، وعطف ب ثُمَّ للتنبيه على أن الثاني أبلغ من الأول.
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ حذف جواب لَوْ للتهويل والتفخيم، أي لرأيتم ما يدهش ويفزع.
لَتَرَوُنَّ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها إطناب بتكرار الفعل، لبيان شدة الهول.
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ كناية، كنّى بزيارة القبور عن الموت، أي حتى متّم.
النَّعِيمِ الْجَحِيمَ طباق.
تَعْلَمُونَ، الْيَقِينِ توافق الفواصل مراعاة لرؤوس الآيات، وكذا بين الْجَحِيمَ والنَّعِيمِ.
المفردات اللغوية:
أَلْهاكُمُ شغلكم، واللهو: الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى. التَّكاثُرُ التفاخر بالأموال والأولاد والرجال. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتى متّم ودفنتم في القبور. كَلَّا ردع وزجر. سَوْفَ تَعْلَمُونَ سوء عاقبة تفاخركم عند النزع وفي القبر وفي الآخرة. لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ علم الأمر المتيقن، أي لو علمتم يقينا عاقبة التفاخر ما اشتغلتم به. والعلم اليقيني: ما نشأ عن اعتقاد مطابق للواقع عن عيان أو دليل قطعي ثابت، دل عليه العقل الصحيح أو النقل الثابت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ النار، جواب قسم محذوف آكد به الوعيد، للتفخيم. ثُمَّ لَتَرَوُنَّها تأكيد. عَيْنَ الْيَقِينِ أي عيانا هي اليقين نفسه. ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ في موقف الحساب، وثُمَّ هنا للترتيب الإخباري. عَنِ النَّعِيمِ ما يلتذ به في الدنيا من الصحة والفراغ والأم والطعام والشراب وغير ذلك.
تقدم سبب نزول السورة عن ابن أبي حاتم.
وأخرج ابن جرير عن علي قال: كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ إلى ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ في عذاب القبر.
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد اللَّه بن الشّخّير قال: انتهيت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو يقول: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ يقول ابن آدم:
مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت».
وقال مسلم في صحيحة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأمضى، وما سوى ذلك فذاهب، وتاركه للناس».
التفسير والبيان:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي شغلكم التفاخر والتباهي بالأموال والأولاد والأعوان، والاعتناء بكثرتها وتحصيلها، شغلكم عن طاعة اللَّه والعمل للآخرة، حتى أدرككم الموت، وأنتم على تلك الحال.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله».
وأخرج أحمد وصاحبا الصحيحين عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «يهرم ابن آدم، ويبقى معه اثنتان: الحرص والأمل».
أخرج ابن ماجه عن ابن مسعود: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزهّد في الدنيا، وتذكّر الآخرة»
وهو صحيح،
وأخرج الحاكم في صحيحة عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترقّ القلب، وتدمع العين، وتذكّر الآخرة، ولا تقولوا هجرا».
وهذا دليل على أنها تمنع إذا كانت مصحوبة بمنكرات، كالاختلاط والفتن والنواح.
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ أي ردعا وزجرا لكم عن هذا التكاثر المقيت الذي يؤدي إلى التقاطع والتدابر والأحقاد والضغائن، وإهمال العمل للآخرة، وخير الأمة، وتصحيح السلوك والأخلاق. وستعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة. قال الزمخشري: كَلَّا ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه، ولا يهتم بدينه.
والجملة الثانية كررت للتأكيد والتغليظ والوعيد والزجر.
كَلَّا، لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أي ارتدعوا عن هذا اللهو بالدنيا، فإنكم لو تعلمون الأمر الذي أنتم صائرون إليه علما يقينا، لانشغلتم عن التكاثر والتفاخر، ولبادرتم إلى صالح الأعمال، ولما ألهاكم التباهي عن أمر الآخرة العظيم والإعداد لها. وجواب لَوْ محذوف، أي لو علمتم لما ألهاكم.
وهذا زيادة في الزجر واللوم عن الانهماك في الدنيا، والاغترار بمظاهر الحياة الفارغة الزائلة. وليس الكلام مجرد وعظ، وإنما الخطر الداهم يقتضي عمق التأمل والتفكر في مستقبل الآخرة، وذلك لا يتوافر عادة بغير إيمان قوي، وقلب واع سليم. وتكرار لفظ كَلَّا المفيدة للزجر، للدلالة على استحقاق ضرر آخر
ثم فسر الوعيد فقال:
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ أي لتشاهدن النار في الآخرة، والمراد ذوق عذابها وهذا جواب قسم محذوف. وهو توعد بحال رؤية النار التي إذا زفرت زفرة واحدة، خرّ كل ملك مقرّب، ونبي مرسل، على ركبتيه من المهابة، والعظمة، ومعاينة الأهوال الجسام.
ثم أكد ذلك بقوله:
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ أي ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين، وهي المشاهدة والرؤية بأعينكم، فإياكم الوقوع فيما يؤدي إلى النار من اقتراف المعاصي والسيئات، وارتكاب الموبقات والمنكرات.
ثم أكد السؤال عن الأعمال للتحذير فقال:
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أي إنكم سوف تسألون عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن العمل للآخرة، وتسألون عن أنواع نعيم الدنيا من أمن وصحة وفراغ ومأكول ومشروب ومسكن وغير ذلك من النعم، قال الزمخشري: عَنِ النَّعِيمِ عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه. وقال الرازي: والأظهر أن الذي يسأل عن النعيم هم الكفار، وفي قول آخر: أنه عام في حق المؤمن والكافر، واحتجوا بأحاديث منها:
روي عن عمر أنه قال: «أي نعيم نسأل عنه يا رسول اللَّه، وقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ظلال المساكن والأشجار والأخبية التي تقيكم من الحر والبرد، والماء البارد في اليوم الحار».
وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:
الصحة والفراغ».
أي أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون.
وعن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما رواه الترمذي عن أبي برزة: «لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به».
وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجه عن عبيد اللَّه بن محصن:
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
وأخرج ابن جرير ومسلم وأهل السنن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: «بينما أبو بكر وعمر جالسان إذ جاءهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ما أجلسكما هاهنا؟
قالا: والذي بعثك بالحق، ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع، قال: والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار «١»، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين فلان؟ فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال: مرحبا ما زار العباد شيء أفضل من نبي، زارني اليوم، فعلق قربته بكرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا كنت اجتنيت؟ فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم أخذ الشفرة، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إياك والحلوب، فذبح لهم يومئذ فأكلوا، فقال لهما
والظاهر أن السؤال عن النعيم للعموم لأجل لام الجنس إلا أن سؤال الكافر للتوبيخ لأنه عصى وكفر، وسؤال المؤمن للتشريف، فإنه أطاع وشكر.
والظاهر أن هذا السؤال في موقف الحساب، وهو متقدم على مشاهدة جهنم، ومعنى ثُمَّ الترتيب في الأخبار، ثم أخبركم أنكم تسألون.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- يحذر اللَّه تعالى من ترك العمل الصالح والاستعداد للآخرة، ويوبخ الذين تشغلهم المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة اللَّه، حتى يموتوا ويدفنوا في المقابر.
والتوبيخ عام يشمل التفاخر بكل شيء من الأموال والأولاد، والقبائل والعشائر، والسلطة والجاه، والرجال والأعوان، فهو يتضمن التفاخر بالنفس وهي العلوم والأخلاق الفاضلة، والتفاخر بالبدن وهو الصحة والجمال، والتفاخر بالأمور الخارجية وهي المال والجاه والأعوان والأقرباء والأصدقاء.
٢- لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة، وزيارتها من أعظم الدواء للقلب القاسي لأنها تذكّر الموت والآخرة. وذلك يحمل على قصر الأمل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها، كما تقدم في الأحاديث الثابتة.
وجاء في الترمذي عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعن زوّارات القبور.
ورأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في زيارة القبور، فلما رخّص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء، لقلة صبرهن، وكثرة جزعهن.
٣- قال العلماء: ينبغي لعلاج القلب ثلاثة أمور: طاعة اللَّه، والإكثار من ذكر الموت (هاذم اللذات) وزيارة قبور أموات المسلمين.
٤- كرر اللَّه تعالى في هذه السورة الوعيد بعد الوعيد، للتأكيد والتغليظ على ثبوت عذاب القبر وعذاب الآخرة، وأن ما وعدنا به من البعث وتوابعه حق وصدق. ثم أعاد تعالى الزجر والتنبيه على أنه إن لم يفعل الناس العمل الصالح، وترك التفاخر بالأموال والأولاد والرجال، يندمون، ويستوجبون العقاب.
٥- أتى اللَّه تعالى بوعيد آخر بقسم محذوف: واللَّه لترون الجحيم في الآخرة، وهذا خطاب للكفار الذين وجبت لهم النار، وقيل: الخطاب عام، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم ١٩/ ٧١] فهي للكفار دار، وللمؤمنين ممر. ثم أخبر تعالى عن رؤية الجحيم رؤية مشاهدة بالأعين، وبعيون القلوب والأفئدة.
٦- يسأل الناس يوم القيامة عن ألوان النعيم في الدنيا، من ظلال المساكن والأشجار، وطيب الحياة والرفاهية، والصحة والفراغ، والأمن والستر ونحو ذلك. والكل يسألون، ولكن سؤال الكفار توبيخ لأنه قد ترك الشكر، وسؤال المؤمن سؤال تشريف لأنه شكر، وهذا النعيم في كل نعمة. ويكون السؤال في موقف الحساب، وقيل: بعد الدخول في النار توبيخا لهم، والأول هو الظاهر.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العصرمكيّة، وهي ثلاث آيات.
تسميتها:
سميت سورة العصر لقسم اللَّه به في مطلعها بقوله: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ وَالْعَصْرِ: الدهر، لاشتماله على الأعاجيب، من سرّاء وضرّاء، وصحة وسقم، وغنى وفقر، وعز وذل، وانقسامه إلى أجزاء: سنة وشهر ويوم وساعة ودقيقة وثانية.
مناسبتها لما قبلها:
لما بيّن في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات، وهو ما يعود إلى النفس، ومن التواصي بالخيرات وكفّ النفس عن المناهي أو المعاصي، وهو ما يعود إلى المجتمع. والخلاصة: بعد أن قال: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ وهدد بتكرار: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ بيّن حال المؤمن والكافر.
ما اشتملت عليه السورة:
هذه السورة المكية الموجزة توضح أصول الإسلام الكبرى، ودستور الحياة الإنسانية.
فقد أقسم اللَّه تعالى بالعصر الذي هو الدهر أو الزمان المشتمل على العجائب
فضلها:
ذكر الرواة أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب، وذلك بعد ما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟! فقال: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال:
وما هي؟ فقال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ففكر مسيلمة هنيهة، ثم قال:
وقد أنزل علي مثلها، فقال له عمرو: وما هو؟ فقال:
يا وبر يا وبر «١»، وإنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر.
ثم قال كيف ترى يا عمرو: فقال له عمرو: واللَّه لتعلم أني أعلم أنك تكذب.
وذكر الطبراني عن عبيد اللَّه بن حفص قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا التقيا لم يفترقا، إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر، إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر. وأخرجه البيهقي عن أبي حذيفة.
وقال الشافعي رحمه اللَّه: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.