ﰡ
وروي في بعض طرق هذا الحديث أنها قالت : " فإنه قد أكل شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت سني ظاهر مني، ولي صبية صغار، إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا " ٤
قوله عليه السلام : " أطعمي، وارجعي إلى ابن عمك " يقتضي أنه قبل نزول الآية. ( الفروق : ١/٣٣-٣٤ ).
١١٩٤- الظهار في قوله القائل لامرأته : " أنت علي كظهر أمي " ٥، يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار كقوله : " أنت طالق " إنشاء للطلاق، فإن البابين في الإنشاء سواء. وليس كذلك.
وبيانه من وجوه :
أحدها : أن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب، والله سبحانه يقول :﴿ الذين يظهرون منكم من نسائهم... ﴾ الآيات. فكذبهم في ثلاثة مواطن بقوله تعالى :﴿ ما هن أمهاتهم ﴾ فنفى تعالى ما أثبتوه. ومن قال لامرأته : " أنت طالق " لا يحسن أن يقال له : ما هي مطلقة. وإنما يحسن ذلك إذا أخبر عن تقدم طلاقها، ولم يتقدم فيها طلاق، فدل ذلك على أن قول المظاهر خبر لا إنشاء.
والموطن الثاني في قوله تعالى :﴿ وإنهم ليقولون منكرا من القول ﴾، والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق، وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب. والكذب منكر.
والموطن الثالث، قوله تعالى :﴿ وزورا ﴾، الزور هو الخبر الكذب، فيكون قولهم كذبا، وهو المطلوب. وإذا كذبهم الله في هذه المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا إنشاء.
وثانيهما : أنا أجمعنا على أن الظهار محرم، وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب. والكذب لا يكون إلا في الخبر. فيكون خبرا.
وثالثها : أن الله تعالى شرع فيه الكفارة، وأصل الكفارة أن تكون زاجرة ماحية للذنب. فدل ذلك على التحريم، وإنما يثبت التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير.
ورابعها : قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة :﴿ ذلكم توعظون به ﴾، والوعظ إنما يكون عن المحرمات، فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة، وإنه حصل هنالك ما يقتضي الوعظ، وما ذلك إلا الظهار المحرم، فيكون محرما لكونه كذبا، فيكون خبرا، كما تقدم في التقرير.
وخامسها : قوله تعالى في الآية :﴿ إن الله لعفو غفور ﴾، والعفو والمغفرة إنما يكونان في المعاصي، فدل ذلك على أنهم معصية، ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا. والكذب لا يكون إلا في الخبر، فيكون خبرا. وهو المطلوب. ( الفروق : ١/٣١ وما بعدها ).
١١٩٥- قوله تعالى :﴿ والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ ظاهرها أنه لا تجب الكفارة إلا بالوصفين المذكورين قبلها، وهما الظهار والعود.
وقيل : فيها تقديم وتأخير، تقديره : " الذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون لما كانوا من قبل الظهار سالمين من الإثم بسبب الكفارة ". وعلى هذا لا يكون العود شرطا في كفارة الظهار. ( شرح التنقيح : ١١٣ ).
١١٩٥- قوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ اللفظ ظاهر في إعتاق جنس الرقبة، وهي مترددة بين الذكر والأنثى، والطويلة والقصيرة، وغير ذلك من الأوصاف، ولم يقدح في دلالة اللفظ على إيجاب الرقبة. ( الفروق : ٢/٨٨ ).
٢ - الفرْق والفرَق : مكيال ضخم لأهل المدينة، معروف. ن : اللسان : ١٠/٣٠٥. قال ابن الأثير : الفرق- بالتحريك- : مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدا، وثلاثة أصع عند أهل الحجاز. فأما الفرق – بالسكون- فمائة وعشرون رطلا. ن : اللسان : ١٠/٣٠٦..
٣ - تذكر العديد من الروايات أنها نزلت في خولة بنت ثعلبة. ن : صحيح البخاري : ٩/١٤٤. مسند أحمد : ٦/٤٦. لباب النقول : ١٨٩. أما أبو داود فقد رواه في كتاب الطلاق من سننه عن محمد بن إسحاق بن يسار. وعنده :"خولة بنت ثعلبة"، ويقال لها خولة بنت مالك بن ثعلبة. وقد تصغر، فيقال خويلة... قاله ابن كثير في تفسيره : ٤/٤٩٨..
٤ - ن : تفسير ابن كثير : ٤/٤٩٦..
٥ - ن : التعريفات : ١٤٤..
ونستفيد الوجوب من قوله تعالى، فالواجب عليه واللفظ على كل تقدير متعلق بطلب لا يدفع.
فالذي يصح في الآية أن التتابع ليس من باب المحرم، وأنه يرجع على تحريم التفريق، هذا بعيد وإذا تقرر أنه ليس من المحرمات بقي الإشكال من جهة أن المطلوب صوم شهرين متتابعين، ولم يأت بها المكلف في تلك الصور كلها : الناسي، والمجتهد، والمكره، وكل هؤلاء فرقوا. ولم يقع فعلهم مطابقا لمقتضى الطلاب، فوجب البقاء في العهدة١.
قيل : إن ذلك زال لزوال سببه، وهو التمييز بين المؤمنين والمنافقين، وقد ذهب المنافقون، فاستغني عن الفرق.
جوابه : روي أنه لم يتصدق إلا علي رضي الله عنه فقط مع بقاء السبب بعد صدقته ثم نسخ حينئذ. ( شرح التنقيح : ٣٠٨ ).