ﰡ
﴿ يَرْمُونَ ﴾ صلته، والخبر ثلاث جمل: الأولى ﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ﴾.
الثانية قوله: ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾.
الثاثة قوله: ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾، ومعنى ﴿ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ يتهمونهن، فشبه الاتهام بالرمي، بجامع التأدية للهلاك في كل، لأنه إن ثبت ذلك الأمر فقد هلك المرمي، وإن لم ثيبت فقد هلك الرامي، وقوله: ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ لا مفهوم له، بل وكذا المحصنون، وإنما خصهن بالذكر، لأن الشأن قوة شهوة النساء. قوله: (العفيفات) تفسير للمحصنات باعتبار اللغة، لأن حصان كما يطلق على العفة، يطلق على التزوج وعلى الحرية، ومفهوم قوله: (العفيفات) أنه إذا رمي غير عفيف لا يحد، ويشترط زيادة على العفة، أن يكون المرمي يتأتى منه الزنا أو اللواط بأن يكون ذا آلة، فإن رمي مجبوباً عزر ولا يحد، وأن يكون حراً مسلماً مكلفاً، فإن انتفى شرط منها لم يحد القاذف، إلا رامي الصبي باللواط به أو الصبية المطيقين، فعند مالك يحد، وعند الشافعي يعزر. قوله: (بالزنا) أي أو اللواط في آدمي مطيق، أو جني تشكل بآدمي. قوله: ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ أي عدول، وقوله: (برؤيتهم) متعلق بشهداء، أي يشهدون بأنهم رأوا الذكر في الفرج، ولا بد أن يتحدوا في الرؤية والأداء، فإن اختلفوا ولو في أي صفة حد الجميع. قوله: ﴿ أَبَداً ﴾ أي ما داموا مصرين على عدم التوبة بدليل الاستثناء، وعلى هذا درج مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تقبل شهادتهم ولو تابوا. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ استثناء متصل، لأن المستثنى منه الذين يرمون والتائبون من جملتهم. قوله: ﴿ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾ أي القذف. قوله: (فبها ينتهي فسقهم) هذا مبني على رجوع الاستثناء للجملتين الأخيرتين، وهو مذهب مالك والشافعي، فعندهما أن التائب تقبل شهادته، ويزول عنه اسم الفسق. قوله: (وقيل لا تقبل) هذا مذهب أبي حنيفة، واتفق الجميع على أن القاذف يجلد، وإن تاب، فليس الاستثناء راجعاً إلى الجملة الأولى.
قوله: (في ذلك) أي فيما رماها به.- فائدة - يترتب على لعانه دفع الحد عنه، وقطع الولد منه، وإيجاب الحد عليها، وعلى لعانها دفع الحد عنها، وتأبيد تحريمها، وفسخ نكاحها. قوله: (بالستر) متعلق بكل من فضل ورحمة. قوله: (لبين الحق في ذلك) جواب ﴿ لَوْلاَ ﴾.
قوله: (وآذن) بالمد والقصر، أي اعلم. قوله: (وقضيت شأني) أي حاجتي كالبول مثلاً. قوله: (فإذا عقدي انقطع) أي وكان من جزع ظفار، وهو الخرز اليماني غالي القيمة، وكان أصله لأمها، أعطته لها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه سلم، وقيل لأختها أسماء. قوله: (ألتمسه) أي أفتش عليه. قوله: (فجلست في المنزل الذي كنت فيه) أي وهذا من حسن عقلها وجودة رأيها، فإن من الآداب، أن الإنسان إذا ضل عن رفقته، وعلم أنهم يفتشون عليه، أن يجلس في المكان الذي فقدوه فيه ولا ينتقل منه، فربما رجعوا فلم يجدوه. قوله: (فنمت) أي وكانت كثيرة النوم لحداثة سنها. قوله: (وكان صفوان قد عرس) أي وكان صاحب ساقة رسول الله لشجاعته، وكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم اتبعهم، فما سقط منهم شيء إلا حمله، حتى يأتي به أصحابه. قوله: (فسار منه) أي فادلج بالتشديد سار من آخر الليل، وأما دلج سار من أوله. قوله: (في منزله) أي منزل الجيش الذي مكثت فيه عائشة. قوله: (وطئ على يدها) أي الراحلة خوف أن تقوم. قوله: (موغرين) أي اتينا الجيش في وقت القيلولة. قوله: (فهلك من هلك) أي تكلم بما كان سبباً في هلاكه. قوله: (فيّ) أي بسببي. قوله: (ابن أبي ابن سلول) نسب أولاً لأبيه ثم لأمه. قوله: (انتهى قولها) هذا باعتبار ما اختصره، وإلا فحديثها له بقية كما في البخاري وهي: فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً، وهم يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي، أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ لا أشعر بشيء من ذلك، حتى نقهت بفتح فكسر، أي برئت من مرضي، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا، لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول، في البرية أو في التنزه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت رهم نمشي، فعثرت في مرطها، هو بكسر الميم، كساء من صوف، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ماقلت: أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: يا هنتاه، أي قليلة المعرفة، ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذن لي إلى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبوي فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس؟ قالت: يا بنيتي هوني على نفسك الشأن، فوالله قلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار اليه بالذي يعلم من نفسه بالود لهم، فقال أسامة: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيراً، واسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟ فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق نبياً، إن رأيت منها أمراً أغمصه عليها، هو بهمزة مفتوحة فغين معجمة فضاد مهملة، أي أعيبه وأنكره، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فيأتي الداجن، وهو بدال مهملة ثم جيم، ما يألف البيوت من الشاة والدجاج ونحو ذلك فيأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت في أهلي إلا خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ وقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير فقال: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتي ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، قالت: فينما هما جالسان وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها، مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد ثم قال: يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذتب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب، تاب الله عليه، فلما قصى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي، أي انقطع جريانه حتى ما أحس منه بقطرة وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال: قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيراً من القرآن فقات: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم إني لبريئة لا تصقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم إني لبريئة لتصدقنني، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلى أبا يوسف إذ قال:﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾[يوسف: ١٨] ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي، وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ماظننت أن ينزل في شأني وحي، ولأنا أحفر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيّ اليوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام أن برح مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء أو الشدة والكرب، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان، أي اللؤلؤ من العرق في يوم شات، فلما سري أي كشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله، قالت أمي: قومي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: والله لا أقوم اليه ولا احمد إلا الله، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ الآيات. فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح بشيء أبداً بعدما قال في عائشة، فأنزل الله عز وجل:﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ ﴾الآية إلى قوله:﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[النور: ٢٢] فقال أبو بكر: بل والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: يا زينب ما علمت ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله احمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، قالت: وهي التي تساميني فعصمها الله بالورع. انتهى. قوله: ﴿ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ ﴾ أي من العصبة. قوله: ﴿ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ ﴾ أي جزاء ما اكتسب من الإثم في الدنيا، وهو لغير عبد الله بن أبيّ، فإنهم قد حدوا حد القذف، وعمي حسان وشلت يده في آخر عمره، وعمي مسطح أيضاً، أو في الدنيا والآخرة وهو لابن أبيّ، فعذبه الله بخزي الدنيا والخلود في النار. قوله: ﴿ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ لما بين سبحانه وتعالى حال الخائضين في الإفك، وأنهم اكتسبوا الإثم، شرع في توبيخهم وزجرهم بتسعة زواجر: الأول هذا، والثاني ﴿ لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ ﴾ الخ، والثالث﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾[النور: ١٤] الخ، والرابع﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ﴾[النور: ١٥] الخ، والخامس ﴿ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ الخ، السادس﴿ يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ ﴾[النور: ١٧] الخ، السابع﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ ﴾[النور: ١٩] الخ، الثامن﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾[النور: ٢٠] الخ، التاسع﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾- إلى -﴿ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[النور: ٢١] ولولا هنا للتوبيخ لدخولها على الماضي، لأن لولا لها ثلاثة أحوال: إذا دخلت على ماض كان معناها التوبيخ، وإذا دخلت على مضارع كان معناها التحضيض، وإذا دخلت على جملة اسمية كانت امتناعية، وقد كررت هنا في ست مواضع: الأول والثاني والرابع توبيخية لا جواب له، والثالث والخامس والسادس شرطية، ذكر جوابها في الثالث والسادس وحذف في الخامس فتدبر، وإذا ظرف لظن، والمعنى كان ينبغي لكم بمجرد سماعه، أن تسحنوا الظن في أم المؤمنين، ولا تصروا على الأمر القبيح بعد سماعه. قوله: ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ أي بأبناء جنسهم في الايمان والصحة. قوله: (فيه التفات عن الخطاب) أي إلى الغيبة، إذ كان مقتضى الظاهر ظننتم، وحكمته التسجيل عليهم والمبالغة في توبيخهم. قوله: ﴿ لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ ﴾ أي الإفك. قوله: (شاهدوه) أي عاينوا الزنا: قوله: (في حكمه) أي الشرعي لأن مداره على الشهادة والأمر الظاهر، وهذا جواب عما يقال: إنهم كاذبون عند الله مطلقاً ولو أتوا بشهداء، فأجاب: بأنهم كاذبون باعتبار حكم الشرع، ولا شك أنهم لو أتوا ببينة معتبرة، لكان حكم الله أنهم صادقون في الظاهر، فأراد الله أن يكذبهم ظاهراً وباطناً.
قوله: (ينهاكم) أشار بذلك إلى أن ضمن ﴿ يَعِظُكُمُ ﴾ معنى (ينهاكم) فعداه بعن. قوله: ﴿ أَبَداً ﴾ أي مدة حياتكم. قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه، أي فلا تعودوا لمثل. قوله: (باللسان) أي فالمراد بإشاعتها إشاعة خبرها. قوله: (بنسبها إليهم) أشار بذلك إلى أن المراد بالذين آمنوا، خصوص عائشة وصفوان. قوله: (وهم العصبة) تفسير للذين يحبون. قوله: (لحق الله) أي ذنب الإقدام، وهو محمول على عبد الله بن أبيّ، وأما غيره فقد تاب وحسنت توبته. قوله: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ عطف على ﴿ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾.
قوله: (لعاجلكم بالعقوبة) جواب ﴿ لَوْلاَ ﴾، وخبر المبتدأ محذوف. والتقدير موجودان.
قوله: (ومن ذكر) مبتدأ و(غيرهن) خبره، وهذا من باب التهويل والتعظيم لأمر الإفك، وإلا فهو كغيره من سائر المعاصي التي تمحى بالتوبة، وأما بعد نزول الآيات، فقد صار قذف عائشة رضي الله عنها بصفوان كفراً، لمصادمة القرآن العظيم، فاعتقاد براءتها شرط في صحة الإيمان.
قوله: (أي المؤمنين) أي فالعبيد المؤمنون يزوجون وجوباً، إن خيف بتركه الزنا، وهذا عند الشافعي، وعند مالك لا يجب على السيد تزويج عبده، ولو خاف العبد الزنا، وحينئذ فالأمر عنده للندب. قوله: ﴿ مِنْ عِبَادِكُمْ ﴾ أي فيزوجه سيدة ولو بحرة، وقوله: ﴿ وَإِمائِكُمْ ﴾ أي فيزوج السيدة أمته لرقيق وكذا لحر، بشرط أن لا يجد للحرائر طولاً، وأن يخشى الزنا، ومحل الشرطين إن لم يكن عقيماً. قوله: (من جموع عبد) أي وله جموع أخر، كعبيد وأعابد وأعبد، ونحو ذلك. قوله: ﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ أي فإن في فضل الله كفاية عن المال، لقوله عليه الصلاة والسلام:" اطلبوا الغنى بالتزوج "فالمهم تزوج الصالحين من عباد الله نساء ورجالاً، وإن كانوا فقراء لما في الحديث:" تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها، فعليك بذات الدين تربت يداك ". قوله: ﴿ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ أي ذو العطايا العظيمة التي لا تنفد. قوله: ﴿ عَلِيمٌ ﴾ (بهم) أي بحالهم فيغنيهم.
قوله: (كان يكره جواريه) أي وكن ستاً فشكا ثنتان منهن للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية. قوله: ﴿ غَفُورٌ ﴾ (لهن) أي ما وقع منهن، لأن المكره وإن لم يكن آثماً، فلربما يحصل منه بعض ميل، والإكراه المبيح للزنا هو خوف القتل أو الضرب المؤدي له أو لتلف عضو، أما القتل فلا يباح تخوف القتل، بل يسلم نفسه ولا يقتل غيره، وأما ترك الصلاة مثلاً، فالإكراه عليه يحصل بالضرب ونحوه. قوله: (بفتح الياء وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بين فيها ما ذكر) راجع للفتح، وقوله: (أو بينة) راجع للكسر. قوله: ﴿ وَمَثَلاً ﴾ عطف على آيات. قوله: (أي من جنس أمثالهم) أشار بذلك إلى أن في الآية حذف مضافين، والأصل ﴿ وَمَثَلاً ﴾ من جنس أمثال الذين خلوا.
قوله: (أي يصلي) فسر التسبيح بالصلاة لاشتمالها عليه، واختلف في المراد بالصلاة، فقيل المراد الصبح في الغدو، وباقي الخمس في الآصال، وقد أشار لهذا المفسر بقوله: (من بعد الزوال) وقيل المراد صلاة الصبح والعصر لما قيل: إنهما الصلاة الوسطى. قوله: (مصدر) أي في الأصل، أما هنا فالمراد منه الأزمنة. قوله: (أي البكر) أي وهي أوائل النهار، وقوله: (العشايا) هي أواخر النهار. قوله: ﴿ رِجَالٌ ﴾ خصوا بالذكؤ، لأن شأنهم حضور المساجد للجمعة والجماعة. قوله: (شراء) خص التجارة بالشراء، وإن كان لفظ التجارة يقع على البيع أيضاً لذكره البيع بعده، وقيل المراد بالتجارة حقيقتها، ويكون خص البيع بالذكر، لأن الاشتغال به أعظم، لكون الربح الحاصل من البيع ناجزاً محققاً، والربح الحاصل من الشراء مشكوك فيه مستقبل فلا يكاد يشغله. قوله: ﴿ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ أي عن حقوق الله صلاة أو غيرها، فقوله: ﴿ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ ﴾ من ذكر الخاص بعد العام اعتناء بشأنهما، فإن المواظب عليهما كامل الإيمان. قوله: ﴿ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ ﴾ أي أدائها في أوقاتها بشروطها وأركانها وآدادبها. قوله: ﴿ يَخَافُونَ يَوْماً ﴾ أي هؤلاء الرجال، وإن أكثروا الذكر والطاعات، فإنهم مع ذلك وجلون خائفون من الله سبحانه وتعالى، لعلمهم بأنهم ما عبدوه حق عبادته. قوله: (بين النجاة والهلاك) راجع لتقلب القلوب، وقيل معنى تقلب القلوب، ارتفاعها إلى الحناجر، فلا تنزل ولا تخرج من شدة الهول. قوله: (بين ناحية اليمين والشمال) وقيل تقلب الأبصار، شخوصها من هول الأمر وشدته.
﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ مبتدأ ثان.
﴿ كَسَرَابٍ ﴾ خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، ويصح أن يكون ﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ بدل اشتمال، و ﴿ كَسَرَابٍ ﴾ خبر ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾.
قوله: ﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ أي الصالحة، كصدقة وعتق وغير ذلك مما لا يتوقف على نية. قوله: ﴿ بِقِيعَةٍ ﴾ الباء بمعنى في كما يشير له المفسر بقوله: (أي في فلاة). قوله: (جمع قاع) أي كجيرة جمع جار، وقيل القيعة مفرد بمعنى القاع. قوله: (يشبه الماء الجاري) أي ويسمى آلاً أيضاً، قال الشاعر: إذا أنا كالذي يجري لورد إلى آل فلم يدرك بلالاويسمى سراباً لأنه يتسرب أي يجري كالماء. قوله: ﴿ يَحْسَبُهُ ﴾ بكسر السين وفتحها، قراءتان سبعيتان، وماضية حسب بكسر السين، وهو من باب تعب في لغة جميع العرب، إلا بني كنانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضاً. قوله: ﴿ ٱلظَّمْآنُ ﴾ أي وكذا على كل من رآه، وإنما خص ﴿ ٱلظَّمْآنُ ﴾ لأنه أحوج اليه من غيره. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ ﴾ أي جاء ما قصده وظنه ماء، وهو غاية في محذوف، أي يستمر سائراً اليه ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ ﴾ الخ. قوله: (كذلك الكافر) الخ، أشار بذلك إلى وجه الشبه، فتحصل أنه شبه حال الكافر من حيث اعتقاده، أن عمله الصالح ينفعه في الآخرة، فإذا جاء يوم القيامة، لم يجد الثواب الذي كان يظنه، بل وجد العقاب العظيم والعذاب الأليم، فعظمت حسرته بحال الظمآن الذي اشتدت عليه حاجته إلى الماء، فإذا شاهد السراب تعلق به، فإذا جاء لم يجده شيئاً. قوله: ﴿ وَوَجَدَ ٱللَّهَ ﴾ أي وجد وعد الله بالجزاء على عمله، أو المعنى وجد عذاب الله له. قوله: (أي جازاه عليه في الدنيا) المعنى أن الكافر يوم القيامة يعلم ويتحقق، أن الله جازاه على أعماله الحسنة التي لم تتوقف على نية في الدنيا، بالمال والبنين والعافية، وغير ذلك من لذات الدنيا، هكذا قال المفسر، وهو وإن كان صحيحاً في نفسه، إلا أن المفسرين على خلافه، فإنهم قالوا: معنى وفاه حسابه، جازاه عليه في الآخرة بالعذاب. والحاصل أنه إن أريد مثلاً أعماله الصالحة التي تتوقف على نية، فمسلم أنه لا يجد لها جزاء في الآخرة، ولا تنفعه أصلاً، وإن أريد خصوص ما لا يتوقف على نية فقيل لا يجد لها نفعاً أصلاً، وقيل يجد نفعها، إما في الدنيا كتوستعها عليه وعافيته وغير ذلك أو في الآخرة بتخفيف عذاب غير الكفر. قوله: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ ﴾ أو للتقسيم، أي إن أعمال الكافر تنقسم قسمين، قسم كالسراب وهو العمل الصالح، وقسم كالظلمات وهو العمل السيئ، وقوله: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ كَسَرَابٍ ﴾ على حذف مضاف تقديره أو كذي ظلمات يدل عليه قوله: ﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾.
قوله: ﴿ لُّجِّيٍّ ﴾ منصوب للج أو للجة، وهو الماء الغزير. قوله: ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ﴾ الخ، أي يعلوه، وهو إشارة إلى كثرة الأمواج وتراكمها، والمعنى أن البحر اللجي يكون باطنه مظلماً بسبب غزارة الماء، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة، فإذا كان مع ذلك سحاب، ازدادت الظلمة جداً، ووجه الشبه أن الله تعالى ذكر ثلاث ظلمات: ظلمة البحر والأمواج والسحاب، كذلك الكافر له ثلاث ظلمات: ظلمة الاعتقاد، وظلمة القول، وظلمة الفعل. قوله: ﴿ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ أي قد غطى أنوار النجوم. قوله: (هذه) ﴿ ظُلُمَاتٌ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ ظُلُمَاتٌ ﴾ خبر لمحذوف. قوله: ﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ ﴾ خصها لأنها أقرب الأشياء اليه. قوله: ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾ استفيد من هذا أن النور ليس بالحول ولا بالقوة، بل بفضل الله يعطيه لمن يشاء، ولمعنى من لم يجعل الله له ديناً وإيماناً، فلا دين له.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي مما ذكر ومما لم يذكر. قوله: ﴿ لَّقَدْ أَنزَلْنَآ ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد أنزلنا، الخ، قوله: ﴿ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾ بكسر الياء وفتحها قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ أشار بذلك إلى أن الهدى بيد الله وعنايته، فلا يتهدي إلا من حفه الله بالعناية، فليس ظهور الآيات سبباً في الاهتداء دون عناية الله.
قوله: ﴿ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ ﴿ جَهْدَ ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة. والمعنى جهدوا اليمين جهداً، حذف الفعل واقيم المصدر مقامه، وأضيف إلى المفعول كضرب الرقاب، وهذه الآية نزلت لما قال المنافقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أينما كنت نكن معك، لئن خرجت خرجنا، ولئن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا. قوله: ﴿ لَيَخْرُجُنَّ ﴾ اللام موطئة للقسم، ويخرجن فعل مضارع مؤكد بالنون، وأصله ليخرجونن، حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فالتقى ساكنان الواو ونون التوكيد، حذفت الواو لالتقائهما، وبقيت الضمة لتدل عليها. قوله: ﴿ طَاعَةٌ ﴾ مبتدأ، و ﴿ مَّعْرُوفَةٌ ﴾ صفته، والخبر محذوف قدره المفسر بقوله: (خير من قسمكم) ويصح أن يكون ﴿ طَاعَةٌ ﴾ خبر المحذوف تقديره أمركم طاعة معروفة، أي الأمر المطلوب منكم طاعة معروفة بالصدق وموافقة الواقع، لا مجرد القول باللسان. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ تعليل لما قبله، والمعنى لا تحلفوا باللسان، مع كون قلوبكم ليس فيها الامتثال والإخلاص، فإن الله مطلع على بواطنكم وظواهركم، لا تخفى عليه خافية. قوله: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ شرط حذف جوابه والتقدير فلا ضرر عليه، وقوله: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ﴾ علة لذلك المحذوف. قوله: ﴿ مَا حُمِّلَ ﴾ أي كلف. قوله: ﴿ تَهْتَدُواْ ﴾ أي تصلوا للرشاد والفوز برضا الله، وهذا راجع لقوله: ﴿ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾.
وقوله: ﴿ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾ راجع لقوله: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ﴾ على سبيل اللف والنشر المشوش. قوله: (أي التبليغ البين) أي الظاهر وقد أداه، فعليكم أو تؤدوا ما حملتم من الطاعة لله ورسوله.
﴿ وَعَدَ ﴾ فعل ماض، ولفظ الجلالة فاعله، والاسم الموصول مفعوله الأول، والمفعول الثاني محذوف تقديره الاستخلاف في الأرض، وتمكين دينهم وتبديل خوفهم أمناً يدل على هذا المحذوف. قوله: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ﴾ الخ، فإن اللام موطئة لقسم محذوف تقديره أقسم الله ليستخلفنهم. قوله: ﴿ مِنْكُمْ ﴾ الجار والمجرور حال ﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ والخطاب لعموم الأمة. قوله: ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي جميعها، وقد حصل ذلك. قوله: ﴿ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ﴾ ما مصدرية، والمعنى استخلافاً كاستخلاف الذين من قبلهم. قوله: (بالبناء للفاعل والمفعول) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ ﴾ العائد محذوف أي ارتضاء لهم والمعنى وليجعلن دينهم الذي رضيه لهم، ظاهراً وفائقاً على جميع الأديان. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بما ذكر) أي وهو ما تقدم من الأمور الثلاثة. قوله: ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ أي يوحدونني. قوله: ﴿ لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ حال من فاعل ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ أو بدل مما قبله. قوله: (هو مستأنف) أي واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما بالهم يستخلفون ويجعل دينهم ظاهراً على جميع الأديان ويؤمنون، فقيل: ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ الخ. قوله: ﴿ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ (الأنعام) أي بما ذكر من الأمور الثلاثة، فالمراد بالكفر كفر النعم بدليل قوله: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ وليس المراد به ما قابل الإيمان وإلا لقال الكافرون. قوله: (وأول من كفر به) أي بالأنعام. قوله: (قتلة عثمان) أي هم جماعة من الرعية أخذوه بغتة. قوله: ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ ﴾ معطوف على قوله:﴿ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾[النور: ٥٤].
قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الترجي في القرآن بمنزلة التحقيق. قوله: (بالفوقانية والتحتانية) قراءتان سبعيتان. قوله: (والفاعل الرسول) أي على كل من القراءتين، والاسم الموصول مفعول أول، ومعجزين مفعول ثان. قوله: (بأن يفوتونا) أي يفروا من عذابنا. قوله: ﴿ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ ﴾ معطوف على جملة ﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ ﴾ أو على مقدر تقديره بل هم مقهورون ومأواهم. قوله: (هي) قدره إشارة إلى أن المخصوص بالذم محذوف.
قوله: (أي هي أوقات) الخ أي فالأصل أوقات ثلاث عورات، حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه. قوله: (وبالنصب) أي وعليه فالوقف على ﴿ لَّكُمْ ﴾ والقراءتان سبعيتان. قوله: (وهي لإلقاء الثياب) مبتدأ، وقوله: (تبدو فيها العورات) خبره. قوله: ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ أي في تمكينكم أياهم من الدخول عليكم. قوله: ﴿ وَلاَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي في الدخول لعدم تكليفهم. قوله: (هم) ﴿ طَوَٰفُونَ ﴾ خبر لمحذوف. قوله: ﴿ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر عن قوله: ﴿ بَعْضُكُمْ ﴾ قدر المفسر بقوله: (طائف). قوله: (والجملة مؤكدة لما قبلها) وقيل ليست مؤكدة، لأن المعنى الأطفال والمماليك يطوفون عليكم للخدمة، وأنتم تطوفون عليهم للاستخدام، فلو كلفتم الاستئذان في هذه الأوقات وغيره، لضاق الأمر عليكم، فقوله: ﴿ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ فيه زيادة على ما قبله. قوله: (وآية الاستئذان) أي قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ ﴾ الخ، قوله: (قيل منسوخة) أي لما روي: أن نفراً من العراق قالوا لابن عباس: كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا بها، ولا يعمل بها أحد؟ فقال ابن عباس: إن الله عليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستورولا حجاب، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيم الرجل والرجل على أهله. فأمر الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والحجب، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعد. قوله: (وقيل لا) أي كما روي عن سعيد بن جبير حيث قال: يقولون نسخت، والله ما نسخت ولكن مما تهاون بها الناس. قوله: (ولكن تهاون الناس في ترك الاستئذان) أي لكثرة الغطاء والوطاء، ومع ذلك فالمناسب تعليم الاستئذان في هذه الأوقات للصبيان والمماليك، ليكونوا متخلقين بالأخلاق الجميلة. قوله: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ ﴾ مقابل لقوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ ﴾.
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي الذين ذكروا في قوله:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾[النور: ٢٧] الآية. قوله: ﴿ آيَاتِهِ ﴾ أي أحكامه. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ أي بأمور الخلائق، فالذي ينبغي التخلق بأخلاق الشرع، ولا يعول إنسان على ما يعلمه من صيانة حريمه، ويترك آداب الشرع.
قوله: (جمع شت) هو مصدر بمعنى التفرق. قوله: (نزل فيمن تحرج) أي فهو كلام مستأنف، بيان لحكم آخر، وهم فريق من المؤمنين يقال لهم بنو ليث بن عمرو من كنانة، كان الرجل منهم لا يأكل، ويمكث يومه حتى يجد ضيفاً يأكل معه، فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئاً، وقيل نزلت في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام، لا ختلاف الآكلين في كثرة الأكل وقلته. قوله: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً ﴾ (لكم) أي مساكنكم. قوله: ﴿ تَحِيَّةً ﴾ منصوب على المصدر من معنى فسلموا، من باب جلست قعوداً وقمت وقوفاً. قوله: ﴿ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ أي ثابتة بأمره. قوله: ﴿ مُبَٰرَكَةً ﴾ أي لأنه يرجى بها زيادة الخير والثواب. قوله: (ولكي تفهموا ذلك) أي معالم دينكم فهذا أمر إرشاد وأدب للعباد. قوله: ﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ الخ، المقصود من هذه الآية، مدح المؤمنين الخالصين، والتعرض بذم المنافقين، و ﴿ إِنَّمَا ﴾ أداة حصر، و ﴿ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ مبتدأ، وقوله: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ خبره. قوله: ﴿ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾ إسناد الجمع للأمر مجاز عقلي، وحقه أن يسند للمؤمنين. قوله: (كخطبة الجمعة) أي والأعياد والحروب والحديث وغير ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر، لم يخرج حتى يقوم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يراه، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن، فيأذن لمن يشاء منهم. قوله: ﴿ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾ أي يطلبوا منه الإذن فيأذن لهمه. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ﴾ الخ، هذا توكيد لما تقدم، ذكر تفخيماً وتعظيماً للاستئذان. قوله: ﴿ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ أي كما وقد لسيدنا عمر بن الخطاب حين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حيث استأذن الرسول في الرجوع إلى أهله، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ارجع فلست بمنافق، وكتخلف عثمان لتجهيز زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ماتت، والنبي صلى الله عليه وسلم متجهز لغزوة بدر. قوله: ﴿ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ في ذلك تفويض الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه الواسطة العظمى بين الخلق وربهم، فإذا أذن لأحد، علم من ذلك أن رضا الله في إذنه، قال العارف: وخصك بالهدى في كل أمر فلست تشاء إلا ما يشاءقوله: ﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ ﴾ أي ليعوّضهم بدل ما فاتهم من مجالستك، من أجل العذر الذي نزل بهم