تفسير سورة الملك

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الملك من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الملك مكية ١
روى جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام كان لا ينام حتى يقرأ :" تنزيل السجدة " و ( تبارك ٢ الذي بيده الملك ) ٣، و[ كان ] ٤ يقول : هما يفضلان كل ٥ سورة بسبعين حسنة ٦، فمن قرأهما كتبت ٧ له سبعون حسنة، ومحي سبعون سيئة، ورفع له سبعون درجة.
ومعنى " يفضلان " أي : يعطي الله على قراءتهما من الأجر أكثر مما يعطي على غيرهما، لأن بعض القرآن أفضل من بعض، فافهمه.
قال ابن مسعود : من قرأ سورة الملك فقد أكثر وأطيب ٨.
وقال : هي المجادلة جادلت عم رجل كان يقرؤها.
وعنه أنه قال : من قرأ ( تبارك الذي بيده الملك ) كل ليلة وقاه الله فتنة القبر ٩. وقاله كعب. وذكر أنه يجدها في التوراة كذلك.
وروى أبو هريرة [ عن ] ١٠ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي " تبارك الذي بيده الملك " )  ١١.
وعن ابن مسعود أنه قال : يؤتى الرجل من قبل رجليه- يعني القبر-، قال : فيقول رجلاه : ليس ( لكما ) ١٢ على ما قِبَلِي من سبيل، إنه كان يقوم على سورة الملك. فيؤتى من قبل وسطه فيسأل، فيقول بطنه : ليس لكما على ما قبلي سبيل، إنه كان قد وعى في سورة الملك. فيؤتى من قبل رأسه فيقوم لسانه : ليس لكما على ما قبلي ١٣، إنه كان يقرأ في ١٤ سورة الملك. ثم قال ابن مسعود : هي المانعة، تمنع من عذاب القبر، وهي في التوراة : هذه سورة الملك، من قرأها في ليلة ١٥ فقد أكثر وأطيب ١٦.
ويقال ١٧ : إن عذاب القبر يكون من ثلاثة أشياء : من النميمة والغيبة وقلة التنزه من البول ١٨.
ويقال/ ليس يصحب المؤمن في قبره ( شيء ) ١٩ خير له من كثرة الاستغفار.
١ -بالإجماع: انظر: تفسير الماوردي ٤/٢٧. ، وزاد المسير ٨/٣١٨ وتفسير القرطبي ١٨/٢٠٥، والبحر ٨/٢٩٧، والبرهان ١/١٩٣..
٢ - أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الملك ح: ٣٠٥٤ وفيه:" ألم تنزيل"، وبنحو لفظ الترمذي أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، ص: ٤٣١- ٤٣٢ح: ٧١٦و٧٠٧و٧٠٧و٧٠٨و٧٠٩، وفي بعض ألفاظه:" لا ينام كل ليلة حتى". وأخرجه أيضا بنحو لفظ الترمذي: الدارمي في سننه، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة تنزيل السجدة وتبارك..
٣ - ساقط من م..
٤ - أ، ث: يفضلان على كل..
٥ - قوله" هما يفضلان كل سورة بسبعين حسنة"، إنما وجدته من قول طاوس فيما أخرجه عنه الترمذي في أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الملك ح: ٣٠٥٦. بلفظ قريب جدا. وقد ذكره ابن كثير في تفسيره: ٤/٤٢٢ عن طاوس ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإمام الدارمي في سننه ٢/٤٥٥، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة تنزيل... أخرجه عن طاوس، إلا أنه ذكر ستين بدل سبعين. وما ذكره مكي بعد هذا لم أقف عليه.( المدقق): أخرج الدارمي عن كعب قال:" من قرأ(تنزيل) السجدة و(تبارك الذي بيده الملك)، كتب له سبعون حسنة، وحُطَّ عنه سبعون سيئة، ورفع له بها سبعون درجة" سنن الدارمي، كتاب فضائل القرآن، باب في فضل سورة ( تنزيل) السجدة و( تبارك)٢/٥٤٦ ح ٣٤٠٩..
٦ - أ ث: كتبت..
٧ - أ ث: واطنب. وانظر: الدر٨/٢٣٢..
٨ - أ: تبارك الملك..
٩ - في فتح القدير ٥/٢٥٧ فيما أخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تبارك هي المانعة من عذاب القبر"..
١٠ - م: أن( تحريف)..
١١ - أخرجه الترمذي عن أبي هريرة، بهذا اللفظ، في أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الملك ح: ٣٠٦٣ وقال: حديث حسن. وبنحوه أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في عدد الآي ح: ١٤٠٠ والنسائي في عمل اليوم والليلة: ٤٣٣، باب الفضل في قراءة( تبارك الذي بيده الملك) ح: ٧١٠، وابن ماجة في كتاب الأدب باب ثواب القرآن ح: ٣٧٨٦ وأحمد في المسند ٢/٢٩٩، ٣٢١..
١٢ - ساقط من أ..
١٣ - أ، ث: ما قبلي سبيل، والذي في المتن ثابت في الدر..
١٤ -م، ث: في..
١٥ -أ، ث: في كل ليلة
والذي في تفسير القرطبي ١٨/٢٠٥ والدر ٨/٢٣٢."بي"..

١٦ -أ، ث: واطنب. وانظر: قول ابن مسعود في الدر ٨/٢٣٢..
١٧ -ث: وقيل..
١٨ - يروى في هذا المعنى حديث أخرجه البيهقي في كتاب" عذاب القبر وسؤال الملكين" ص: ١٨٤ ح: ٢٦٢ عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن عذاب القبر من ثلاثة: من الغيبة، والنميمة، والبول. وإياكم وذلك" ثم قال البيهقي: الصحيح رواية ابن أبي عروبة عن قتادة من قوله. فأخرج عنه أنه قال:" عذاب البر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول"..
١٩ -ساقط من أ ث..

سورة الملك. فيؤتى من قبل رأسه فيقوم لسانه: ليس لكما على ما قبلي، إنه كان يقرأ في سورة الملك. ثم قال ابن مسعود: هي المانعة، تمنع من عذاب القبر، وهي في التوراة: هذه سورة الملك، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيَب.
ويقال: إن عذاب القبر يكون من ثلاثة أشياء: من النميمة والغيبة وقلة التنزه من البول.
ويقال: ليس يصحب المؤمن في قبره (شيء) خير له من كثرة الاستغفار.
قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، إلى قوله: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
تبارك: تفاعل على البركة، ولا يقال منه مستقبل ولا اسم فاعل.
ومعناه: تعاظم وتعالى الرب الذي بيده ملك الدنيا والآخرة
7589
[وسلطانهما]، نافذ فبهما أمره وقضاءه.
﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
أي: وهو ذو قدرة على فعل كل شيء أراده [﴿قَدِيرٌ﴾]: لا يمنعه مما أراد شيء.
وقيل: معناه: الذي بيده الملكم، يعطيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء.
- ثم قال تعالى: ﴿الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
أي: خلق الموت ليميت الأحياء، وخلق الحياة ليحيي الموتى. وفعل ذلل ليختبركم في حايتكم وطول إقامتكم في الدنيا، أيكم أحسن عملاً فيجازيه على ذلك في الآخرة. وقد علم تعالى كل ما هم عاملون، وعلم الطائع والعاصي/ قبل خلقهم، لكن المجازاة إنما تقع بعد ظهور الأعمال، [لا يجازى] أحد (بعلم الله
7590
فيه دون ظهور عمله).
فالمعنى: ليخبتر وقوع ذلك (منكم) على ما سبق في علمه وقضائه. وتقديره: من خير وشر احتساباً منكم.
قال قتادة: أذل الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دا ر حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء.
- ثم قال: ﴿الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً...﴾.
أي: اخترع ذلك طبقا فوق طبق.
﴿مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ...﴾.
أي: من اختلاف، يعني في خلق السماوات، وقيل: في كل ما خلق، فكله محكم دال على قادر بارئ حكيم في تدبيره ولطفه.
- ثم قال تعالى: ﴿فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾.
أي: هل ترى يا ابن آدم من شقوق أو وَهْيٍ؟
7591
- (ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾).
أي: ثم رد البصر يا ابن آدم مرتين مرة بعد آخرى، هل ترى من شقوق، أو وَهْيٍ في الخلق أو تفاوت؟!
﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي: يرجع إليك البصر صاغراً متبعداً عن أن يجد تفاوتاً أو شقوقاً. من قولهم للكلب: " اخسأ " إذا طردوه، أي: أبعد صاغراً. يقال: خسأته فخسأ.
وقوله: ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي: معي.
(وقال ابن عباس: " ﴿خَاسِئاً﴾: ذليلاً ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي: مرجف.
وقال قتادة: معناه: ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾، أي: معي)، وعنه
7592
قول ابن عباس.
يقال: حسير ومحسور للرجل إذا بلغ غاية الإعياء.
- ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بمصابيح وجعلناها رُجُوماً للشياطين...﴾.
أي: زينا السماء بنجوم ترجم الشياطين بها إذا [أتوا لاستراق] السمع.
قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: خلقها للزينة، وترجم الشياطين (بها)، وعلامات يهتدوا بها.
و" رجوم " مصدر على قول من قال: إنما يرجم من [النجوم] بالشهب، ولا تبرح النجوم (بنفسها).
ومن قال: بل يرجم بها نفسها قال: رجوم جمع رجم.
7593
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير﴾.
أي: وأعتدنا للشياطين في الآخرة عذاباً يسعر عليهم.
- ثم قال: ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المصير﴾.
أي: وللذين جحدوا توحيد ربهم في الآخرة عذاب جهنم، وبئس المصير عذاب جهنم.
- ثم قال تعالى: ﴿إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ﴾.
أي: إذا [ألقي] الكافرون في جهنم سمعوا لجهنم شهيقاً، أو صوت الشهيق. والشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة كصوت الحمار.
﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾: تغلي بهم كما تغلي القدر.
- ثم قال تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ...﴾.
(أي: تكاد جهنم تتفرق وتتقطع من الغيظ على الكفار).
﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾.
7594
أي: كلما أقرى في جهنم جماعة سألهم خزنة جهنم فيقولون لهم: ألم يأتكم نذير في الدنيا ينذركم هذا العذاب الذي حل بكم؟ [فيجيبهم] المشركون:
﴿قَالُواْ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيْءٍ...﴾، فيقول لهم [الخزنة].
﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ﴾.
أي: في ضلال عن الحق بعيد.
" ونذير ": بمعنى منذر.
- ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير﴾.
أي: وقال الفوج لخزنة جهنم: لو كان نسمع من النذير ما جاءنا به ن الحق سماع قبلو، أو نعقل عنه ما يدعونا إليه فنفهمه فهم قبول ما كنا اليوم في أصحب النار.
وقيل: ﴿نَسْمَعُ﴾ بمعنى]: نقبل منهم ما يقولون لنا. ومنه قولهم: سمع الله
7595
لمن حمده: أي قبل منه.
والقول الأول هو بمنزلة قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ [البقرة: ١٨] لم يكونوا كذلك، ولكن لما لم ينتفعوا بهذه الجوارح في عاقبة أمرهم كانوا بمنزلة الصم والبكم والعمي.
- ثم قال تعالى: ﴿فاعترفوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير﴾.
أي: فأقروا بذنبهم، فبعدا لهم. قال ابن عباس.
وقال ابن جبير: ﴿فَسُحْقاً﴾: هو واد في جهنم.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
أي: إن الذين يخافون ربهم ولم يروه وقيل: يخافون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس، فمن خاف الله في الخلاء فهو أحرى أن يخافه بحضرة الناس.
﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾.
أي: ستر على ذنوبهم وصفح عنها.
7596
﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
أي: وثواب عظيم، وهو " الجنة ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ...﴾.
أي: وأخفوا كلامكم إن شئتم أو أعلنوه إن شئتم، فإنه لا يخفى على الله منه شيء.
﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ/ الصدور﴾.
أي: عليم بضمائر الصدور. فمن كان لا يخفى عليه ضمائر الصدور كيف يخفى عليه القول سراً كان أو جهراً.
؟!
- ثم قال تعالى: ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير﴾.
" من ": في موضع رفع اسم الله جل ذكره. ويقبح أن تكون في موضع نصب لأنه يلزم أن يقال: " ألا يعلم ما خلق "، لأنه راجع إلى (ذات الصدور). فالمعنى: ألا يعلم من خلق الصدور سرها وعلاينتها، كيف يخفى عليه خلقه وهو اللطيف بعباده، الخبير بأعمالهم؟! وإذا جعلت " من " بمعنى " ما " في موضع نصب، كان فيه دليل قوي) على أن الله خالق ما تكن الصدور من خير وشر. ففيه حجة
7597
[قوية] على القدرية الذين يدعون أنهم يخلقون الشر وأن الله لم يخلقه ولا قدره، تعالى أن يكون في ملكه ما لم يخلقه بقدره، بل لا خالق لكل شيء إلا الله، ولو كان الشر لم يخلقه الله فمن خلق إبليس؟! ومن خلق الأصنام التي تبعد من دون الله؟! ومن خلق نطفة الزاني وولد الزانية؟! ومن خلق قوة الزاني والسارق وقاطع الطريق؟! وهو كله شر من خلق الله كما قال تعالى: ﴿يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ [فاطر: ٨].
وقال: ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢]، فكلُّ بمشيئته كان، لا شريك له، يفعل ما يشاء، لا معقب لحكمه.
وكذلك يكون المعنى إذ جعلت " من " في موضع رفع اسم الله جل ذكره [ويكون التقدير: ألا] يعلم الخالق خلقه وهو (ما) في الصدور (ومن خير وشر فيهم ذلك أن الخلق كله لله: ما في الصدور) وغيره. وقل أهل الزيغ: " من " في
7598
موضع نصب يراد به الخلق دون ما في الصدور، فهو يدل على خلق أصحاب الأفعال دون الأفعال، وهو خطأ ظاهر على ما قدمنا.
- ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً...﴾.
أي: سهلا ً سهلها لكم.
﴿فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾.
قال ابن عباس: في جبالها، وقاله قتادة، وعن ابن عباس أيضاً: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾: أطرافها، وقيل: نواحيها، وقيلأ: معناه في جوانبها [المذللة] الممهدة. وقال
7599
مجاهد: " طقرها وفجاجها ".
﴿وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ...﴾.
(أي: من رزقه) الذي أخرجه لكم من الأرض.
﴿وَإِلَيْهِ النشور﴾.
أي: وإليه نشوركم من قبوركم.
- ثم قال تعالى: ﴿أَءَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض...﴾.
أي: أأمنتم - أيها الكافرون - الله الذي في السماء أن يخسف بكم الأرض عقوبة على كفكركم به؟!
﴿فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾.
أي: تضطرب.
﴿أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السمآء﴾ (وهو الله).
﴿أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً...﴾.
7600
وهو التراب فيه الحصباء الصغار فيهلككم بذلك على كفركم. أي: لم تأمنوا [من ذلك]، فما بالكم مقيمين على كفركم؟!
ثم قال: ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾.
أي: كيف عاقبة نذيري لكم إذا كذبتموه.
ولا يعمل ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ " في ﴿كَيْفَ﴾ لأنها استفهام، وهي خبر " نذير ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ﴾.
أي: ولقد كذّب الذين كانوا قبل هؤلاء المشركين رسلهم، فيكف كان إنكاري لتكذيبهم؟! ألم نهلكهم بضروب من النقمات؟!
- ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات...﴾.
أي: أو لم ير هؤلاء المشركون قدرة الله في الطير فوقهم في الهواء صافات أجنحتهن أحياناً ويقبضنها أحياناً؟!.
﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن﴾، فيكون لهم بذلك مذكر على قدرة الله وأنه لا
7601
يقدر على إمساك الطير على تلك الحال أحد إلا الله.
﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾.
أي: إن الله بصر وخبر بكل شيء، لا يدخل في تدبيره خلل ولا في خلقه تفاوت.
- ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ الرحمن﴾.
أي: من ينقذكم من عذاب الرحمن إذا نزل بكم على كفركم؟!
ما ﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ﴾ من ظنهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى وأنها تنفع أو تضر.
- ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ...﴾.
أي: من يرزقكم أيها المشركون إن أمسك الرحمن رزقه عنكم. أي: من يأتي بالمطر أمسكه عنكم الرحمن.
ثم قال تعالى: ﴿بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾.
([اي]: بل تمادوا في طغيان ونفور) [من] الحق استكباراً.
7602
ثم قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
أي: أفمن يمشي في الضلالة أهدى أمن يمشي في الهدى؟! يعني الكافر والمؤمن، فهو مثل ضربه الله لهما في الدنيا. هذا معنى قول مجاهد والضحاك وابن عباس. قال قتادة: هذا في الآخرة، أفمن يمشي مكبا على وجهه وهو الكافر، أكب في الدنيا على [المعاصي] فحشره الله يوم القيامة على وجهه.
-[رواه] عن النبي ﷺ -، وقال: " فقيل: يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه/ فقال: إن الذي أمشاه على رجليه لقادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه ".
وقيل: الذي يمشي مكباً على وجهه: أبو جهل، والذي هو على صراط
7603
مستقيم: حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهـ، ثم هو في كل من كان مثلهما.
- قوله تعالى: ﴿(قُلْ) هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ...﴾ إلى آخر السورة.
أي: قل يا محمد للمكذبين بالبعث: الله الذي ابتدأ خلقكم قبل أن لم تكونوا شيئاً.
- ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة...﴾.
لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا، فكيف تتعذر عليه إعادتكم..
﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾.
أي: قيلاً شكركم لربكم على هذه النعم التي خولكم.
قال تعالى: ﴿هُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض...﴾.
أي: خلقكم فيها.
7604
﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
أي: تجمعون يوم القيامة من قبوركم لموقف الحساب.
- ثم قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
أي: ويقول المشركون المكرون للبعث: متى يكون هذا البعث الذي تعدوننا به إن كنتم صادقين في قولكم أيها المؤمنون؟!
﴿قُلْ﴾ يا محمد: ﴿إِنَّمَا العلم عِنْدَ الله وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾.
أي: قل لهم يا محمد إنما علم وقت البعث عند الله، وإنما أنا نذير إليكم، أي: منذر مبين ما أرسلت به إليكم.
- ثم قال: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ...﴾.
أي: فلما رأى المشركون عذاب قريباً وعاينوه، ساء الله وجوه الذين كفروا.
قال الحسن: ﴿رَأَوْهُ زُلْفَةً﴾، أي: عاينوه.
7605
قال مجاهد: زلفة: " قد اقترب ".
وقال ابن زيد: زلفة: حاضراً، أي: قد حضرهم العذاب.
وقال ابن عباس: ﴿رَأَوْهُ زُلْفَةً﴾، أي: لما رأوا عملهم السيء.
وقيل: فلما رأوا الحشر. ودل عليه: " يحشرون ".
وقيل: الهاء تعود على الوعد لتقدم ذكره.
- ثم قال تعالى: ﴿وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ﴾.
أي: وقال الله لهم عند معاينتهم العذاب: هذا الذي كنتم به تدعون ربكم أن يعجله لكم.
وقال الحسن: تدّعون أن لا جنة ولا ناراً.
وأصل ﴿تَدَّعُونَ﴾ [تَدْتَعِيون]- على " تَفْتَعِلون " - من الدعاء، ثم أعلي ثم
7606
أُدْغِمَ.
وقال أبو حاتم: ﴿تَدَّعُونَ﴾: تكذبون.
وقيل: ﴿تَدَّعُونَ﴾: يدعو بعضكم بعضاً إلى التكذيب.
وقرأ قتادة والضحاك: " تدعون " مخففا، وهما بمعنى، كما يقال: قدر واقتدر، وعدا واعتدى، إلا أن في " أفتعل ": معنى التكرير، و " فعل " يقع للتكرير ولغير التكرير.
- ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
7607
أي: قل يا محمد للمشركين من قومك: أرأيتم أيها القوم إن أهلكني الله فأما تني ومن معي، أو رحمنا فأخر في آجالنا، فمن يجيركم من عذاب مؤلم (أي: موجع) وهو (عذاب) النار؟! أي: ليس ينجيكم من عذاب الله موتنا ولا حياتنا، فلا حاجة بكم (إلى) أن تستعجلوا قيام الساعة ونزول العذاب، فإن ذلك غير نافعكم بل هو (بلاء) عليكم.
- ثم قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرحمن آمَنَّا بِهِ (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)﴾.
أي: قل لهم يا محمد: ربنا الرحمن، صدقنا به وعليه توكلنا، أي: اعتمدنا في جميع [أمورنا].
﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾.
أي: فستعملون أيها المشركون من هو في ذهاب عن الحق، نحن أم أنتم.
- ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً...﴾.
7608
أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أرأيتم أيها القوم العادلون عن الحق إن أصبح [ماؤكم غائراً] لا تناله الدلاء، فمن ذا الذي يأتيكمم بماء معين غير الله؟! أي: بماء تراه العيون ظاهراً.
وقال ابن عباس: بماء معين: " بماء عذب ".
وقال ابن جبير: بما ظاهر.
وقال قتادة: المعين: الجاري، وغوراً: ذهاباً، وكذلك قال الضحاك.
وقال بعض النحويين: يجوز أن يكون " معين " فعيلا من معن الماء إذا كثر، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول. والأصل فيه معيون، مثل مبيع. فيكون معناه على هذا: بماء يُرى بالأعين.
7609
Icon