ﰡ
قال ابن إسحاق : " حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك اليوم، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان فيما يعد على قريش من نعمه عليهم وفضله ما رد عليهم من أمر الحبشة ".
وقال ابن كثير : " إن هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول : " لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره لبعثة النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ؟ " وذلك ما يشير إليه قوله تعالى خطابا لنبيه وامتنانا عليه :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل١ألم يجعل كيدهم في تضليل٢ ﴾، أي : أبطل كيدهم، وخيب سعيهم، يقال : " ضلل كيده " إذا أبطله وجعله ضائعا، ﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل٣ ﴾، أي : أسرابا متتابعة، ﴿ ترميهم بحجارة من سجيل٤ ﴾، أي : طين مطبوخ بالنار مختلط بحجر، ﴿ فجعلهم كعصف مأكول٥ ﴾، أي : كالتبن الذي جز لعلف الدواب فأكلته وراثته، وهذا التعبير جاء على أسلوب " أدب القرآن "، على غرار قوله تعالى :﴿ كانا يأكلان الطعام ﴾، قال أبو حيان في تفسيره " البحر المحيط " : في خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله :﴿ فعل ربك ﴾، تشريف له عليه السلام، وإشادة بذكره، كأنه قال : " ربك ومعبودك هو الذي فعل ذلك، لا أصنام قريش : إساف ونائلة وغيرهما ".
وقال القشيري في " لطائف الإشارات "، إشارة إلى دور عبد المطلب في هذه القصة، ودعائه على أبرهة الحبشي وجيشه دفاعا عن البيت : " إذا كان عبد المطلب عندما أخلص في التجائه إلى الله، لاستدفاع البلاء عن البيت، لم يخيب الله رجاءه، وسمع دعائه، فالمؤمن المخلص إذا دعا ربه لا يرده خائبا ".