تفسير سورة الفلق

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿أَعُوذُ﴾ أَسْتَجِيرُ وَأَتَحَصَّنُ.
﴿الْفَلَقِ﴾ الْفَلَقُ: الإصباحُ، ويجوز أن يكون أَعَمَّ من ذلك: أن الفَلَقَ كُلُّ ما يُطْلِقُهُ اللهُ تعالى من الإصباحِ والنَّوَى والحَبِّ كما قال تعالى: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ وقال: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾.
﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ مِنْ شَرِّ أَيِّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تعالى من حيوانٍ وَغَيْرِهِ، أي: كُلُّ المخلوقاتِ حَتَّى مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ؛ لأن النَّفْسَ أمارةٌ بالسوءِ فإذا قُلْتَ: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَأَوَّلُ ما يدخلُ فيه نَفْسكَ، كما جاء في خطبةِ الحاجةِ: «نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا».
﴿غَاسِقٍ﴾ أي: الليلُ إِذَا أَظْلَمَ، أو القمرُ إذا غَابَ، والصحيحُ أنه عَامٌّ لهذا وهذا.
﴿إِذَا وَقَبَ﴾ أي: إِذَا دَخَلَ، فَاللَّيْلُ إِذَا دَخَلَ بِظَلَامِهِ فَهُوَ غَاسِقٌ، وكذلك القمرُ إذا أضاءَ بنورِه فإنه غَاسِقٌ، ولا يكون ذلك إلا بِاللَّيْلِ.
﴿النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ النِّسَاءُ السَّاحِرَاتُ اللَّاتِي يَنْفُثْنَ فِي العُقَدِ، وَأَصْلُ النَّفْثِ: نَفْخٌ بِلَا رِيقٍ، حيث تَنْفُثُ بِقِرَاءَةٍ مُطَلْسمَةٍ فيها أَسْمَاءُ الشَّيَاطِينِ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ تَعْقِدُ ثم تَنْفُثُ، وَهِيَ بِنَفَسْهِا الخَبِيثَةِ تُرِيدُ شَخْصًا مُعَيَّنًا فَيُؤَثِّرُ هذا السحرُ بالنسبة للمسحورِ، وَذَكَرَ اللهُ تعالى النَّفَّاثَاتِ دون النَّفَّاثِينَ؛ لأن الغالبَ أن الَّذِي يستعمل هذا النوعَ من السحرِ هُنَّ النِّسَاءُ فلهذا قال: (النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، وَيَحْتَمِلُ أن يقالَ: إن النفاثاتَ يعني الأَنْفُسَ النَّفَّاثَاتِ فيشمل النساءَ والرِّجَالَ.
﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ﴾ الحَاسِدُ: هُوَ الَّذِي يَكْرَهُ نعمةَ اللهِ تعالى عَلَى غَيْرِهِ، والحَسَدُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَحْسِدُ وَيَكْرَهُ في قلبِه نعمةَ الله تعالى عَلَى غَيْرِهِ، لَكِنْ لا يتعرضُ للمحسودِ بشيءٍ، فَتَجِدُهُ مَهْمُومًا مَغْمُومًا مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى غَيْرِهِ لكنه لا يَتَعَدَّى عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْ حَسَدِ الحَاسِدِينَ العينُ التي تُصِيبُ المُعَانَ حيث يكون عِنْدَهُ كراهةٌ لِنِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى غَيْرِهِ، فإذا أَحَسَّ بِنَفْسِهِ أن اللهَ تعالى أَنْعَمَ عَلَى فُلَانٍ بنعمةٍ خَرَجَ مِنْ نَفْسِهِ الخبيثةِ (مَعْنًى) لا نستطيعُ أن نَصِفَهُ؛ لأنه مجهولٌ فَيُصِيبُ بِالْعَيْنِ، وَمَنْ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا يَمُوتُ، وأحيانًا يَمْرَضُ، وأحيانًا يُجَنُّ، حتى الحَاسِدُ يَتَسَلَّطُ عَلَى الحديدِ فَيُوقِفُ اشْتِغَالَهُ.
وَذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الغَاسِقَ إذا وَقَبَ، والنفاثاتِ في العُقَدِ، والحاسدَ إذا حَسَدَ؛ لأن البلاءَ كُلَّهُ في هذه الأحوالِ الثلاثةِ يَكُونُ خَفِيًّا، ولهذا السببِ خَصَّ هذه الأمورَ الثلاثةَ، وإلا فَهِيَ دَاخِلَةٌ في قوله: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ).
5
سُورة النَّاس
Icon