تفسير سورة النّور

الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور
تفسير سورة سورة النور من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور .
لمؤلفه بشير ياسين . المتوفي سنة 2006 هـ

قوله تعالى ﴿ سورة أنزلناها وفرضناها... ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله ﴿ وفرضناها ﴾ يقول : بيناها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ وفرضناها ﴾ قال : الأمر بالحلال والنهي عن الحرام.
قوله تعالى ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾
قال البخاري : حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك عن ابن شهاب عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر -وهو أفقههما- : أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم، قال : تكلم، قال : إن ابني كان عسيفا على هذا- قال مالك : والعسيف الأجير- زنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائتي شاة وجارية لي. ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلدُ مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : أما غنمك وجاريتك فردٌّ عليك، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها ".
( صحيح البخاري١١/٥٣٢-ك الأيمان والنذور، ب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ح ٦٦٣٣، ٦٦٣٤ ). وأخرجه مسلم ( الصحيح ٣/١٣٢٤-١٣٢٥ح١٦٩٧-١٦٩٨ ).
قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف. -قال سفيان : كذا حفظت- ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
( الصحيح١٢/١٤٠ح٦٨٢٩- ك الحدود، ب الاعتراف بالزنا ) وأخرجه مسلم ( الصحيح-ك الحدود، ب رجم الثيب في الزنا-ح١٦٩١ ).
قال مسلم : حدثني أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي، حدثنا معاذ ( يعني ابن هشام )، حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو قلابة، أن أبا المهلب، حدثه عن عمران بن حصين، أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حبلى من الزنا، فقالت : يا نبي الله ! أصبت حدا فأقمه عليّ. فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال : " أحسِن إليها، فإذا وضعت فائتني بها " ففعل. فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشُكّت عليها ثيابها. ثم أمر بها فرُجمت ثم صلى عليها. فقال له عمر : تصلي عليها ؟ يا نبي الله ! وقد زنت. فقال : " لقد تابت توبة لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ؟ ".
( الصحيح٣/١٣٢٤ح١٦٩٦ك الحدود، ب من اعتراف على نفسه بالزنا ).
قال البخاري : حدثني زهير بن حرب، حدثنا يعقوب : حدثنا أبي، عن صالح قال : حدث ابن شهاب أن عبيد الله أخبره أن زيد بن خالد وأبا هريرة رضي الله عنهما أخبراه أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الأمة تزني ولم تُحصن ؟ قال : " اجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها بعد الثالثة أو الرابعة ).
( الصحيح٤/٤٩١ح٢٢٣٢، ٢٢٣٣، ك البيوع، ب بيع المدبر ).
قوله تعالى ﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ﴾ قال : أن تقيم الحد.
قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت قال : كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية، فقال زيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " فقال عمر : لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أكتبنيها.
قال شعبة : فكأنه كره ذلك فقال عمر : ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
( المسند٥/١٨٣ )وأخرجه الدارمي ( السنن٢/١٧٩-ك الحدود، ب في حد المحصنين بالزنا ) من طريق : العقدي عن شعبة به. والحاكم ( المستدرك٤/٣٦٠-ك الحدود )، من طريق : محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، كلاهما عن محمد بن جعفر به. قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ولفظ الدارمي مختصر ليس فيه قول عمر. وصححه الحافظ ابن حجر( الفتح٩/٦٥ ).
انظر حديث مسلم عن عبادة بن الصامت المتقدم عند الآية رقم ( ١٥ ) من سورة النساء، وهو حديث : " خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ".
وقد صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما أتى بشراحة وكانت قد زنت وهي محصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ثم قال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
( الصحيح-ك الحدود ح٦٨١٢ )، وقد ذكر الجمهور حديث عبادة الذي نص على الجمع بين الرجم والجلد للمحصن الزاني أنه منسوج. بما ثبت في قصة ماعز وهي متراخية عن حديث عبادة، وكذا قصة الغامدية والجهنية واليهوديين. انظر ( فتح الباري١٢/١١٩، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص٣٧٠ ).
قوله تعالى ﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله ﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ قال : رجل واحد فما فوقه.
قوله تعالى ﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾
قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة عن عُبيد الله بن الأخنس، أخبرني عمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال : وكانت امرأة بغيٌّ بمكة يقول لها عناق وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال : فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهتْ إلي عرفته فقالت : مرثد ؟ فقلت : مرثد. فقالت : مرحبا وأهلا هلُمّ فبت عندنا الليلة، قال : قلتُ : يا عناق حرّم الله الزنا، قالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال : فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فطلّ بولهم على رأسي وأعماهم الله عني، قال : ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ففككت عنه كُبْله فجعلت أحمله ويُعينني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكحُ عناقا ؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليّ شيئا حتى نزلت ﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحُرّم ذلك على المؤمنين ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، فلا تنكحها.
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ( السنن٥/٣٢٨-٣٢٩-ك التفسير-ب سورة النور-ح٣١٧٧ ). وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح٣٥٣٨. وأخرجه الحاكم من طريق عبيد الله بن الأخنس به وصححه ووافقه الذهبي ( المستدرك٢/١٦٦ ). والخندمة جبل بمكة المكرمة.
قال أبو داود : حدثنا مسدد وأبو معمر، قالا : ثنا عبد الوارث، عن حبيب، حدثني عمرو بن شعيب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ". وقال أبو معمر : حدثني حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب.
( السنن٢/٢٢١ح٢٠٥٢-ك النكاح، ب قوله تعالى ﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية ﴾. وأخرجه ابن أبي حاتم ( التفسير-سورة النور٣ح٥٩ ) عن أبيه عن عبد الوارث به. وأخرجه الحاكم ( المستدرك٢/١٩٣-ك النكاح )من طريق يزيد بن زريع عن حبيب المعلم بنحوه، وفيه قصة. قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الألباني : صحيح ( صحيح أبي داود ح١٨٠٧ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله ﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ﴾ قال : الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية أو مشركة. قال : والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزاني مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة. ثم قال ﴿ وحرم ذلك على المؤمنين ﴾.
قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ﴾ قال { : ليس هذا بالنكاح إنما هو جماع الزاني بها إلا زان أو مشرك.
وصحح إسناده ابن كثير.
قوله تعالى ﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ﴾
روى البخاري معلقا بصيغة الجزم فقال : وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين أ. ه.
قال الحافظ ابن حجر : وأما قوله فجلد الرامين. فلم يقع في شيء من طرق حديث الإفك في الصحيحين ولا في أحدهما، وهو عند أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة، قالت : لما نزلت براءتي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فدعا بهم وحدّهم.
وفي لفظ : فأمر برجلين وامرأة فضربوا حدّهم. وسموا في رواية أبي داود : مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش. قال الترمذي : حسن لا تعرفه إلا من حديث ابن إسحاق من هذا الوجه. قلت : ووقع التصريح بتحديثه في بعض طرقه أ. ه.
( فتح الباري-ك الاعتصام، ب قول الله تعالى ﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾، ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ ١٣/٣٥٣ ط الريان ). وهو كما قال : فقد وجدت الراوية في ( مسند أحمد٦/٣٠-٣٥ )وفي ( سنن الترمذي-الحدود، ب في حد القذف٤/١٦٢ ) و( سنن أبي داود-الحدود، ب حد القذف٤/١٦٢ )وفي( السنن الكبرى للبيهقي صرح ابن إسحاق بالحديث٨/٢٥٠ )، وحسنه الشيخ الألباني في ( صحيح سنن ابن ماجه٢/٨٤ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾ ثم قال : فمن تاب وأصلح، فشهادته في كتاب الله تقبل.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله ﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾، قال : كان الحسن يقول : لا تقبل شهادة القاذف أبدا وتوبته فيما بينه وبين الله.
قوله تعالى ﴿ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم.. ﴾
إلى قوله تعالى ﴿ إن كان من الصادقين ﴾
قال مسلم : وحدثني زهير بن حرب، حدثني إسحاق بن عيسى، حدثني مالك عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ! إن وجدت مع امرأتي رجلا، أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال : " نعم ".
( الصحيح٢/١١٣٥ ) بعد رقم١٤٩٨-ك اللعان ).
قال البخاري : حدثنا إسحاق، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا الأوزاعي قال : حدثني الزهري عن سهل بن سعد ( أن عُويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان، فقال : كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع ؟ سلْ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، فسأله عويمر، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسائل وعابها قال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاء عويمر فقال : يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فيقتلونه أم كيف يصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك " فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه فلاعنها ثم قال : يا رسول الله، إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها، فكانت سنة لمن كان بعدهما في المتلاعنين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلّج الساقين فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها ". فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه.
( الصحيح٨/٣٠٣-ك التفسير، سورة النور ح٤٧٤٥ ).
قال مسلم : حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ( واللفظ لزهير ) قال إسحاق : أخبرنا، وقال الآخران : حدثنا جرير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. قال : إنا، ليلة الجمعة، في المسجد. إذ جاء رجل من الأنصار فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ. والله ! لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله. فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ فقال : " اللهم ! افتح " وجعل يدعو. فنزلت آية اللعان :﴿ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ﴾. هذه الآيات. فابتُلي به، ذلك الرجل من بين الناس. فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا. فشهد الرجل أربع شهادات بالله لمن الصادقين. ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. فذهبت لِتلعن. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَهْ " فأبت فلعنت. فلما أدبرا قال : " لعلها أن تجيء به أسود جعدا "، فجاءت به أسود جعدا.
( صحيح مسلم ٢/١١٣٣ح١٤٩٥-ك اللعان ).
قال مسلم : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ( واللفظ له )، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبد الملك ابن أبي سليمان عن سعيد بن جبير. قال : سئلت عن المتلاعنين في امرأة مصعب. أيُفرّق بينهما ؟ قال : فما دريت ما أقول : فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة. فقلت للغلام : استأذن لي. قال : إنه قائل. فسمع صوتي. قال : ابن جبير ؟ قلت : نعم. قال : ادخل فو الله ! ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة. فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة. متوسد وسادة حشوها ليف. قلت : أبا عبد الرحمن ! المتلاعنان، أيفرق بينهما ؟ قال : سبحان الله ! نعم. إن أول من سأل عن ذلك بن فلان. قال : يا رسول الله ! أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع ؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُجبه. فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور :﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ ( ٢٤/النور/٦-٩ ) فتلاهن عليه ووعظه وذكره. وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قال : لا، والذي بعثك بالحق ! ما كذبت عليها. ثم دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت : لا، والذي بعثك بالحق ! إنه لكاذب. فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنه الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم فرق بينهما.
( صحيح مسلم٢/١١٣٠ح١٤٩٣-كتاب اللعان ).
قوله تعالى ﴿ والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ﴾
قال البخاري : حدثني سليمان بن داود أبو الربيع، حدثنا فُليح عن الزهري عن سهل بن سعد ( أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، أرأيت رجلا رأى مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد قضى : فيك وفي امرأتك ". قال فتلاعنا -وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- ففارقها، فكانت سنة أن يفرّق بين المتلاعنين. وكانت حاملا فأنكر حملها وكان ابنها يُدعى إليها. ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها ).
( صحيح البخاري٨/٣٠٣ح٤٧٤٦-ك التفسير، سورة النور الآية ).
قوله تعالى ﴿ ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات... ﴾
قال البخاري : حدثني محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام بن حسان، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حدّ في ظهرك " فقال : يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة وإلا حدّ في ظهرك ". فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يُبرئ ظهري من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه ﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ فقرأ حتى بلغ ﴿ إن كان من الصادقين ﴾، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت ؟ فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها مَوجبة. قال ابن عباس : فتلكّأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلّج الساقين فهو لشريك بن سحماء "، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
( صحيح البخاري ٨/٣٠٣-٣٠٤ ح٤٧٤٧-ك التفسير، سورة النور الآية نفسها، ومعنى : سابغ : عظيم، ومعنى خدلّج ممتلئ ).
قوله تعالى ﴿ والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ﴾
قال البخاري : حدثنا مقدم بن محمد بن يحيى، حدثنا عمي القاسم بن يحيى، عن عبيد الله وقد سمع منه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله، ثم قضى بالولد للمرأة وفرق بين المتلاعنين.
( صحيح البخاري٨/٣٠٥ ح٤٧٤٨ )-ك التفسير، سورة النور الآية ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ والذين يرمون أزواجهم لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ﴾.. الآية والخامسة أن يقال له : إن عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإن أقرت المرأة بقوله رُجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها : غضب الله عليكِ إن كان من الصادقين، فيدرأ عنها العذاب ويفرق بينهما، فلا يجتمعان أبدا، ويُلحق الولد بأمه.
قوله تعالى ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هم خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ﴾
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ﴿ والذي تولى كبره ﴾ قالت : عبد الله بن سلول.
( الصحيح٨/٣٠٢ ح٤٧٤٩-ك التفسير سورة النور ). وعبد الله هذا هو ابن أُبي بن سلول.
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا -وكل حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدّق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض- الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافيلن آذان ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عِقْدٌ لي من جزع أظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خِفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العُلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خِفة الهودج حين رفعوه، وكنتُ جارية حديثه السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة في منزل غلبتي عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطيء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مُوغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثم يقول : " كيف تِيكم "، ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشرّ، حتى خرجت بعد ما نقهت، فخرجت معي أمّ مِسطح قبل المناصع، وهو متبرّزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكُنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكُنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح -وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف، وأمها بنتُ صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة- فأقلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت : تعس مسطح. فقلت لها : بئس ما قلتِ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قال قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني سلم ثم قال : كيف تيكم ؟. قلت : أتأذن لي أن آتي أبويّ قالت : وحينئذ أريدُ أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ، فقلتُ لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثر عليها. قالت فقلتُ : سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال : يا رسول الله، أهلك، وما نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله، لم يضيّق الله عليك والنساء سِواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدُقك قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يربيك ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي بيتي ؟ فو الله ما علمتُ على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمتُ عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي "، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله وأنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربتُ عنقه، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت : فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية- فقال لسعد : كذبتَ لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت : فمكثتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت : فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يَظنّان أن البكاء فالق كبدي، قالت : فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم جلس، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يُوحى إليه في شأني قالت : فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤكِ الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أُحس منه قطرة، فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : أجيبي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن- : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتكم به، فلئن قلتُ لكم إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تُصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني. والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال :﴿ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ﴾ قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت : وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مُبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يُتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرّؤني الله بها. قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجُمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت : فلما سُرّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُرّي عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها : " يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برّأك ". فقالت أمي : قومي إليه قالت فقلت : والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه... ﴾ العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مِسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أُنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله ﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ﴾ قال أبو بكر : بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : يا زينب، ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا. قالت -وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
( الصحيح٨/٣٠٦-٣٠٩ح٤٧٥٠-ك التفسير-سورة النور، ب الآية ). ( صحيح مسلم ٤/٢١٢٩ح٢٧٧٠-ك التوبة، ب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:قوله تعالى ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هم خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ﴾
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ﴿ والذي تولى كبره ﴾ قالت : عبد الله بن سلول.
( الصحيح٨/٣٠٢ ح٤٧٤٩-ك التفسير سورة النور ). وعبد الله هذا هو ابن أُبي بن سلول.
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا -وكل حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدّق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض- الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافيلن آذان ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عِقْدٌ لي من جزع أظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خِفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العُلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خِفة الهودج حين رفعوه، وكنتُ جارية حديثه السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة في منزل غلبتي عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطيء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مُوغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثم يقول :" كيف تِيكم "، ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشرّ، حتى خرجت بعد ما نقهت، فخرجت معي أمّ مِسطح قبل المناصع، وهو متبرّزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكُنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكُنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح -وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف، وأمها بنتُ صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة- فأقلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت : تعس مسطح. فقلت لها : بئس ما قلتِ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قال قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني سلم ثم قال : كيف تيكم ؟. قلت : أتأذن لي أن آتي أبويّ قالت : وحينئذ أريدُ أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ، فقلتُ لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثر عليها. قالت فقلتُ : سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال : يا رسول الله، أهلك، وما نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله، لم يضيّق الله عليك والنساء سِواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدُقك قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يربيك ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي بيتي ؟ فو الله ما علمتُ على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمتُ عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي "، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله وأنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربتُ عنقه، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت : فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية- فقال لسعد : كذبتَ لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت : فمكثتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت : فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يَظنّان أن البكاء فالق كبدي، قالت : فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم جلس، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يُوحى إليه في شأني قالت : فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤكِ الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أُحس منه قطرة، فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : أجيبي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن- : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتكم به، فلئن قلتُ لكم إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تُصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني. والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال :﴿ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ﴾ قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت : وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مُبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يُتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرّؤني الله بها. قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجُمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت : فلما سُرّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُرّي عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها :" يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برّأك ". فقالت أمي : قومي إليه قالت فقلت : والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه... ﴾ العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مِسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أُنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله ﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ﴾ قال أبو بكر : بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : يا زينب، ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا. قالت -وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
( الصحيح٨/٣٠٦-٣٠٩ح٤٧٥٠-ك التفسير-سورة النور، ب الآية ). ( صحيح مسلم ٤/٢١٢٩ح٢٧٧٠-ك التوبة، ب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف ).

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:قوله تعالى ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هم خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ﴾
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ﴿ والذي تولى كبره ﴾ قالت : عبد الله بن سلول.
( الصحيح٨/٣٠٢ ح٤٧٤٩-ك التفسير سورة النور ). وعبد الله هذا هو ابن أُبي بن سلول.
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا -وكل حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدّق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض- الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافيلن آذان ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عِقْدٌ لي من جزع أظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خِفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العُلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خِفة الهودج حين رفعوه، وكنتُ جارية حديثه السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة في منزل غلبتي عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطيء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مُوغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثم يقول :" كيف تِيكم "، ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشرّ، حتى خرجت بعد ما نقهت، فخرجت معي أمّ مِسطح قبل المناصع، وهو متبرّزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكُنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكُنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح -وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف، وأمها بنتُ صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة- فأقلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت : تعس مسطح. فقلت لها : بئس ما قلتِ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قال قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني سلم ثم قال : كيف تيكم ؟. قلت : أتأذن لي أن آتي أبويّ قالت : وحينئذ أريدُ أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ، فقلتُ لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثر عليها. قالت فقلتُ : سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال : يا رسول الله، أهلك، وما نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله، لم يضيّق الله عليك والنساء سِواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدُقك قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يربيك ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي بيتي ؟ فو الله ما علمتُ على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمتُ عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي "، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله وأنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربتُ عنقه، وإن كان من أخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت : فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية- فقال لسعد : كذبتَ لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت : فمكثتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت : فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يَظنّان أن البكاء فالق كبدي، قالت : فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم جلس، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يُوحى إليه في شأني قالت : فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤكِ الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أُحس منه قطرة، فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : أجيبي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن- : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتكم به، فلئن قلتُ لكم إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تُصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني. والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال :﴿ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ﴾ قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت : وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مُبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يُتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرّؤني الله بها. قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجُمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت : فلما سُرّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُرّي عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها :" يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برّأك ". فقالت أمي : قومي إليه قالت فقلت : والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه... ﴾ العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مِسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أُنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله ﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ﴾ قال أبو بكر : بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : يا زينب، ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا. قالت -وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
( الصحيح٨/٣٠٦-٣٠٩ح٤٧٥٠-ك التفسير-سورة النور، ب الآية ). ( صحيح مسلم ٤/٢١٢٩ح٢٧٧٠-ك التوبة، ب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف ).

قول تعالى ﴿ إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ﴾
قال البخاري : حدثني يحيى، حدثنا وكيع، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها : كانت تقرأ ﴿ إذ تلقونه بألسنتكم ﴾ وتقول : الَوَلْقُ : الكذب. قال ابن أبي مليكة : وكانت أعلم من غيرها بذلك، لأنه نزل فيها.
( الصحيح٧/٤٣٦ )ح٤١٤٤-ك المغازي، ب حديث الإفك ).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ إذ تلقّونه ﴾ قال : ترونه بعضكم عن بعض.
قوله تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم }
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله ﴿ أن تشيع الفاحشة ﴾ قال : تظهر، يتحدث عن شأن عائشة ( رضي الله عنها ).
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ﴾
انظر سورة البقرة آية ( ١٦٨-١٦٩ ) لبيان معنى خطوات الشيطان وبيان ما يأمر به.
قوله تعالى ﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ لولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ﴾ يقول : ما اهتدى منكم من الخلائق لشيء من الخير ينفع به نفسه، ولم يتق شيئا من الشر يدفعه عن نفسه.
قوله تعالى ﴿ ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يُؤتوا أولي القربى والمساكين والمُهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ﴾
انظر حديث البخاري عند الآية رقم ( ١٢ ) من نفس السورة، وهو حديث عائشة الطويل في قصة الإفك وفي آخره قول أبي بكر رضي الله عنه : والله لا أنفق على مسطح شيئا بعد الذي قال.. فأنزل الله ﴿ ولا يأتل أولوا الفضل.. ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة ﴾ يقول : لا تقسموا أن لا تنفعوا أحدا.
وانظر سورة البقرة آية ( ٢٢٤ ) حديث البخاري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا : " وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير ".
قوله تعالى ﴿ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ﴾
قال البخاري : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات ".
قالوا : يا رسول الله وما هنّ ؟ قال : " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ".
( الصحيح١٢/١٨٨ح٦٨٥٧-ك الحدود، ب رمي المحصنات )، ( صحيح مسلم١/٩٢-ك الإيمان، ب بيان الكبائر وأكبرها ).
قوله تعالى ﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾
قال مسلم : حدثنا محمد بن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا... فذكر حديث رؤية الرب يوم القيامة، وفي آخره : قال :( ثم يقال له : الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه : من ذا الذي يشهد عليّ ؟ فيُختم على فيه. ويُقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليُعذر من نفسه. وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه )
( الصحيح٤/٢٢٧٩-٢٢٨٠ ح٢٩٦٨-ك الزهد والرقائق ).
قال الدارمي : أخبرنا إسحاق بن عيسى، عن عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن عمرو، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صمت نجا ".
( السنن٢/٢٩٩-ك الرقاق، ب في الصمت ). وأخرجه ابن المبارك في الزهد ( ص : ١٣٠ ) أنبأنا ابن لهيعة به. وعبد الله بن المبارك روى عن ابن لهيعة قبل الاختلاط. وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله ابن وهب عن ابن لهيعة } المعجم الأوسط ٢/٥٥٦ ح١٩٥٤ )، وأخرجه ابن شاهين ( فضائل الأعمال ص٣٢٧ح٣٨٧ ) من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري به، وكذا الطبراني في ( المعجم الكبير١٣ ح١١٤ ) وفيهما متابعة لابن لهيعة. قال المنذري : رواة الطبراني ثقات ( الترغيب٣/٥٣٦ ) وقال العراقي : وهو عند الطبراني بسند جيد ( تخريج الإحياء٤/١٦٢٣ح٢٥٢٦ ) وقال ابن حجر بعد عزوه للترمذي رواته ثقات ( الفتح١١/٣٠٩ ).
انظر حديث مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه في سورة فصلت آية ( ٢٠ ).
قوله تعالى ﴿ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى ﴿ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾. المراد بالدين هنا الجزاء، ويدل على ذلك قوله : يوفيهم، لأن التوفية تدل على الجزاء كقوله تعالى ﴿ ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾ وقوله تعالى ﴿ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ﴾ يقول : حسابهم.
قوله تعالى ﴿ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ﴾
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس. وأخرجه بسند صحيح عن الضحاك وقتادة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ وأولئك مبرءون مما يقولون ﴾ فمن كان طيبا فهو مبرأ من كل قول خبيث يقول يغفره الله ومن كان خبيثا فهو مبرأ من كل قول صالح فإنه يرده الله غليه لا يقبله منه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم في الجنة.
والرزق الكريم هو الجنة وقد تقدم في سورة الأنفال آية ( ٤ ).
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلّكم تذكّرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ﴾
قال البخاري : حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك، حدثنا شعبة عن محمد ابن المنكدر قال : سمعت جابرا رضي الله عنه يقول : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَين كان على أبي، فدققتُ الباب، فقال : من ذا ؟ فقلت : أنا. فقال : أنا أنا. كأنه كرهها.
( الصحيح١/٣٧ح٦٢٥٠-ك الاستئذان، ب إذا قال : من ذا ؟ فقال : أنا )، ( صحيح مسلم٣/١٦٩٧-ك الأدب، ب كراهة قول المستأذن أنا إذا قيل من هذا ).
قال مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رُمح. قالا : أخبرنا الليث ( واللفظ ليحيى ). ح وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث عن ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره، أن رجلا اطّلع في جُحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صل الله عليه وسلم مِدْرى يحُكّ به رأسه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما جُعل الإذن من أجل البصر ".
( صحيح مسلم٣/١٦٩٨-ك الآداب، ب تحريم النظر في بيت غيره ح٢١٥٦ )، وأخرجه البخاري ( الصحيح-الديات، ب من اطلع في بيت قوم.. ح٦٩٠١ ).
قال مسلم : حدثنا حسين بن حريث، أبو عمار، حدثنا الفضل بن موسى. أخبرنا طلحة بن يحيى عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال : جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال : السلام عليكم. هذا عبد الله بن قيس. فلم يأذن له. فقال : السلام عليكم. هذا أبو موسى. السلام عليكم. هذا الأشعري. ثم انصرف. فقال رُدّوا عليّ. ردّوا عليّ. فجاء فقال : يا أبا موسى ! ما ردّك ؟ كنا في شغل. قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الاستئذان ثلاث. فإن أُذن لك، وإلا فارجع ". قال : لتأتيني على هذا ببيّنة وإلا فعلت وفعلت. فذهب أبو موسى.
قال عمر : إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية. وإن لم يجد بينة فلم تجدوه. فلما أن جاء بالعشي وجدوه قال : يا أبا موسى ! ما تقول ؟ أقد وجدتَ ؟ قال : نعم. أُبَي بن كعب. قال : عدْل. قال : يا أبا الطفيل ! ما تقول هذا ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذلك يا ابن الخطاب فلا تكوننّ عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سبحان الله ! إنما سمعت شيئا. فأحببت أن أتثبت.
( صحيح مسلم ٣/١٦٩٦ ح٢١٥٤-ك الآداب، ب الاستئذان )، وأخرجه البخاري من حديث أبي سعيد نحوه ( الصحيح ح٦٢٤٥-الاستئذان، التسليم والاستئذان ثلاثا ).
قال البخاري : حدثنا أبو النعمان، حدثنا هشيم، حدثنا سيار، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال : قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة، فتعجّلتُ على بعير لي قطوف، فلحقني راكب من خلفي، فنخس بعيري بعنزة كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما يُعجلك ؟ قلت : كنت حديث عهد بعُرس، قال : أبكر أم ثيبا ؟ قلتُ : ثيبا. قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك. قال : فلما ذهبنا لندخل قال : أمهلوا حتى تدخلوا ليلا -أي عشاء- لكي تمتشط الشعثة، وتستحدّ المغيبة.
( الصحيح٩/٢٤ ح٥٠٧٩-ك النكاح، ب نكاح الأبكار، وأخرجه مسلم ( الصحيح٣/١٥٢٧ح٧١٥-ك الإمارة، ب كراهة الطروق... ).
قال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن ربعي قال : ثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال : ألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له : قل السلام عليكم، أأدخل ؟ فسمعه الرجل، فقال : السلام عليكم، أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل.
( السنن٤/٣٤٥ح٥١٧٧-ك الأدب، ب كيف الاستئذان )، وأخرجه أحمد ( المسند٥/٣٦٨-٣٦٩ ) من طريق شعبة عن منصور به. وصححه الألباني في ( صحيح سنن أبي داود ح٤٣١٢ ).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ حتى تستأنسوا ﴾ قال : حتى تستأذنوا وتسلموا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ فإن لم تجدوا فيها أحدا ﴾ قال : إن لم يكن لكم فيها متاع فلا تدخلوها إلا بإذن ﴿ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ﴾.
قوله ﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ﴾
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله ﴿ بيوتا غير مسكونة ﴾ قال : هي البيوت التي ينزلها السفر، لا يسكنها أحد.
قوله تعالى ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ﴾
قال مسلم : حدثني قتيبة بن سعيد، حدثنا يزيد بن زريع، ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن عليّة كلاهما عن يونس، ح وحدثني زهير بن حرب، حدثنا هُشيم، أخبرنا يونس عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة، عن جرير بن عبد الله. قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجاءة فأمرني أن أصرف بصري.
( صحيح مسلم٣/١٦٩٩ ح٢١٥٩-ك الآداب، ب نظر الفجأة ).
قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحُباب عن الضحاك ابن عثمان، قال : أخبرني زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل. ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ".
( صحيح مسلم١/٢٦٦ ح٣٣٨-ك الحيض، ب تحريم النظر إلى العورات ).
قال البخاري : حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والجلوس على الطرقات ". فقالوا : ما لنا بدّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال : " فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها " قالوا : وما حق الطريق ؟ قال : غضّ البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ".
( الصحيح٥/١٣٤ح٢٤٦٥-ك المظالم، ب أفنية الدور والجلوس فيها.. ) وأخرجه مسلم ( الصحيح ح٢١٢١-ك اللباس، ب النهي عن الجلوس في الطرقات ).
قال الترمذي : حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا بهز ابن حكيم، حدثني أبي، عن جدي قال : قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : " إحفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمينك "، فقال : الرجل يكون مع الرجل ؟ قال : " إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل " قلت : والرجل يكون خاليا ؟، قال : فالله أحق أن يستحيا منه ".
( السنن٥/٩٧ ح٢٧٦٩ ك الأدب، ب ما جاء في حفظ العورة ) قال الترمذي : هذا حديث حسن. وحسنه الألباني ( صحيح الترمذي ح٢٢٢٢ )، وأخرجه ابن ماجة ( السنن١/٦١٨ ح١٩٢٠-ك النكاح، ب التستر عند الجماع } من طريق : يزيد بن هارون وأبي أسامة عن بهز به. والحاكم ( المستدرك٤/١٧٩ ) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ورواه البخاري معلقا بصيغة الجزم ووصله ابن حجر من رواية ابن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز... ثم قال ابن حجر : فالإسناد إلى بهز صحيح ولهذا جزم به البخاري ( الفتح١/٣٨٥-٣٨٦ ).
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة الآتي عند الآية ( ٣٢ ) من سورة النجم : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة : فزنا العين النظر... ".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ﴾ قال : يغضوا أبصارهم عما يكره الله.
قوله تعالى ﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ﴾
قال الترمذي : حدثنا سويد، حدثنا عبد الله، أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن نبهان مولى أم سلمة، أنه حدثه أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت : فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعد ما أُمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجبا منه "، فقلتُ : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟.
( السنن٥/١٠٢ ح٢٧٧٨-ك الأدب، ب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال )، قال الترمذي : حديث حسن صحيح )، وأخرجه أبو داود ( السنن٤/٦٣ ح٤١١٢ ) ك اللباس، ب في قوله عز وجل ﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ﴾ من حديث محمد بن العلاء، وابن حبان في صحيحه ( الإحسان١٢/٣٨٧ ح٥٥٧٥ ) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن ابن المبارك به. وقال الحافظ ابن حجر : إسناده قوي ( فتح الباري٩/٣٣٧ )وكذا في ( تحفة الأحوذي ٨/٦٣ ).
قوله تعالى ﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾
أخرج الطبري بأسانيد صحيحة عن عبد الله بن مسعود أنه قال :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ قال : هي الثياب.
وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ( المستدرك٢/٣٩٧ )، وأخرجه الطبراني ( برقم٩١١٦ )، قال الهيثمي : رواه الطبراني بأسانيد مطولا ومختصرا ورجال أحدها رجال الصحيح ( مجمع الزوائد٧/٨٢ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ قال : والزينة الظاهرة : الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها أ. ه.
هكذا تمام كلام ابن عباس رضي الله عنهما ولكن كثيرا من العلماء ينقلون عنه الشق الأول فما نسب إلى ابن عباس بأن المراد من قوله تعالى ﴿ إلا ما ظهر منها ﴾ الوجه والكفان، ليس مطلقا وإنما هو مقيد في بيتها لمن دخل من الناس عليها. ومما يؤكد هذا تفسيره لقوله تعالى ﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلاببيهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ﴾ الأحزاب آية ٥٩.
فقد أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. أ. ه.
وانظر سورة الأحزاب آية ( ٥٨ ) فقد صح مثله عن عبيدة السلماني وانظر الرواية التالية لابن عباس وفيها أن الزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسواراها، والخلخال والنحر والشعر فلا تبديه إلا لزوجها. ومع الأسف الشديد أن مسألة جواز كشف الوجه واليدين ينسبه العلماء لابن عباس على إطلاقه، فليحرر.
قوله تعالى ﴿ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ﴾
قال البخاري : حدثنا أبو نُعيم، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول : لما نزلت هذه الآية ﴿ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ﴾ أخذن أزرهن فشققنها من قِبل الحواشي فاختمرن بها.
( الصحيح٨/٣٤٧ ح٤٧٥٩-ك التفسير-سورة النور، ب الآية ).
قوله تعالى ﴿ ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ﴾
قال مسلم : حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري عن عروة، عن عائشة قالت : كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مُخَنّث. فكانوا يعدّونه من غير أُولي الإربة. قال فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه. وهو ينعت امرأة. قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع. وإذا أدبرت أدبرت بثمان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أرى هذا يعرف ما ههنا. لا يدخلنّ عليكن ". قالت : فحجبوه.
( صحيح مسلم٤/١٧١٦ح٢١٨١-ك السلام، ب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ﴾ فهذا الرجل يتبع القوم وهو مغفل في عقله، لا يكثرت للنساء، ولا يشتهيهن، فالزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسواراها، وأما خلخالاها ومعضداها وشعرها ونحرها فإنها لا تبديه إلا لزوجها.
قوله تعالى ﴿ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :﴿ ولا يضربن بأرجلهن ﴾ فهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال ويكون في رجليها خلاخل، فتحركهن عند الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان.
قوله تعالى ﴿ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ﴾
قال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم، عن ابن معقل، قال : دخلت مع أبي على عبد الله، فسمعته يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الندم توبة " فقال له أبي : أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الندم توبة " ؟ قال : نعم.
( السنن٢/١٤٢٠ ح٤٢٥٢-ك الزهد، ب ذكر التوبة )، وصححه الألباني في( صحيح سنن ابن ماجة ح٣٤٢٩ )، وأخرجه أحمد ( المسند١/٤٣٣ ) من طريق وكيع وعبد الرحمن، والحاكم ( المستدرك٤/٢٤٣-ك التوبة ) من طريق الحميدي كلهم عن سفيان به، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه... ووافقه الذهبي. وصححه السيوطي ( الجامع الصغير مع فيض القدير٦/٢٩٨ح٩٣١٥ )، وله شاهد من رواية أنس رضي الله عنه أخرجه ابن حبان ( الاحسان٢/٦ ح٦١٢ )، وحسنه ابن حجر في الفتح، وصححه السيوطي والعامري في شرح الشهاب ( انظر فتح القدير٦/٢٩٨ ).
انظر حديث مسلم المتقدم عند الآية رقم ( ٣ ) من سورة هود، وهو حديث : " يا أيها الناس توبوا إلى الله... ".
قوله تعالى ﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم... ﴾
قال البخاري : حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن "، قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : " أن تسكت ".
( الصحيح٩/٩٨ح٥١٣٦ ك النكاح، ب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما )، وأخرجه مسلم ( الصحيح٢/١٠٣٦ح١٤١٩-ك النكاح، ب استئذان الثيب بالنكاح بالنطق.. ).
قال البخاري : حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال : حدثني عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال عبد الله : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء ".
( الصحيح٩/١٤ح٥٠٦٦-ك النكاح، ب من لم يستطع الباءة فليصم )، وأخرجه مسلم ( الصحيح ك النكاح، ب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة بعد رقم ١٤٠٠ ).
قال الترمذي : حدثنا قتيبة، حدثتنا الليث، عن بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف ".
( السنن٤/١٨٤ح١٦٥٥-ك فضائل الجهاد، ب ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب وعون الله إياهم )، قال الترمذي : حديث حسن وأخرجه النسائي ( السنن٦/١٥-١٦-ك الجهاد، ب فضل الروحة في سبيل الله ) من طريق عبد الله بن المبارك، وابن ماجة ( السنن ٢/٨٤١ح٢٥١٨-ك العتق، ب المكاتب ) من طريق : أبي خالد الأحمر وابن حبان في صحيحه ( الإحسان٩/٣٣٩ح٤٠٣٠ ) من طريق يحيى بن سعيد، والحاكم ( المستدرك٢/١٦٠-ك النكاح من طريق يحيى أيضا، كلهم عن ابن عجلان به، قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال البغوي : حديث حسن ( شرح السنة٧/٩ ). وحسنه الألباني ( صحيح الترمذي ح١٣٥٢ ). وصححه السيوطي ( الجامع الصغير مع فيض القدير٣/٣١٧ح٣٤٩٧ وصحح إسناده أحمد شاكر في حاشية المسند١٣/٤٩ ).
قال ابن حبان : أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد، قال : حدثنا خلف بن خليفة، عن حفص ابن أخي أنس بن مالك، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول : " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر الأنبياء يوم القيامة ".
( الإحسان٩/٣٣٨ح٤٠٢٨ )وأخرجه أحمد في ( المسند٣/١٥٨-٢٤٥ )عن خلف به. وحسنه الهيثمي ( مجمع الزوائد٤/٢٥٨ )وأخرجه الضياء في ( المختارة ٥/٢٦٠-٢٦٢ ح١٨٨٨-١٨٩٠ )من طرق، عن خلف بن خليفة به. وقال محققه : إسناده حسن. وقال محقق الإحسان : صحيح لغيره.. وله شاهد من حديث معقل بن يسار... وآخر من حديث عبد الله بن عمْرو، وحديث معقل أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ( المستدرك٢/١٦٢ )وقال العراقي : إسناده صحيح ( تخريج الإحياء٢/٩٧٠ ) وصححه الألباني بشواهد ( الإرواء ٦/١٩٥ح١٧٨٤ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ قال : أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغبهم فيه وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغني، فقال ﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾.
قوله تعالى ﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله... ﴾
قال البخاري : حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئتُ أهب لك نفسي قال : فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر فيها وصوّبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلستْ. فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها. فقال : وهل عندك من شيء ؟ قال : لا والله يا رسول الله، فقال : " إذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا "، فذهب ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظر ولو خاتما من حديد ". فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري -قال سهل ماله رداء فلها نصفه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تصنع بإزارك، إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء ". فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُوليا فأمر به فدُعي، فلما جاء قال : " ماذا معك من القرآن " ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا –عدّدها- فقال : تقرؤهنّ عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم. قال : " اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن ".
( صحيح البخاري٩/٣٤-ك النكاح، ب تزويج المعسر. ح٥٠٨٧ )، وأخرجه مسلم ( الصحيح-النكاح، ب الصداق ح١٤٢٥ ).
قوله تعالى ﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ﴾
انظر حديث البخاري عن عبد الله بن مسعود في الآية السابقة.
قوله تعالى ﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا... ﴾
قال البخاري : وقال الليث : حدثني يونس عن ابن شهاب قال عروة : قالت عائشة رضي الله عنها : إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواقي نُجّمت عليها في خمس سنين، فقالت لها عائشة -ونفِستْ فيها- أرأيت إن عددْت لهم عدّة واحدة أيبيعكِ أهلك فأعتقك فيكون ولاؤك لي ؟ فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم، فقالوا : لا، إلا أن يكون لنا الولاء. قالت عائشة : فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له، فقال لها رسول الله : " اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق "، ثم قام رسل الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، شرط الله أحق وأوثق ".
( صحيح البخاري ٥/٢١٩ح٢٥٦٠-ك المكاتب، ب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾ يقول : إن علمتم لهم حيلة، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله ﴿ إن علمتم فيهم خيرا ﴾ قال لهم : مالا فكاتبوهم.
قوله تعالى ﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم... ﴾
قال الحاكم : أخبرنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ ابن جريج، حدثني عطاء بن السائب أن عبد الله بن حبيب أخبره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ قال : يترك للمكاتب الربع ".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وعبد الله بن حبيب هو أبو عبد الرحمن السلمي وقد أوقفه أبو عبد الرحمن عن علي في رواية أخرى. ( المستدرك٢/٣٩٧ك التفسير-سورة النور ) وأقره الذهبي على تصحيحه، وقال الذهبي : وروى موقوفا. وأخرجه الضياء المقدسي في ( المختارة٢/١٩٤-١٩٥ ح٥٧٦ )من طريق : سليمان بن أحمد، عن إسحاق بن إبراهيم به. ومن طريق علي بن بحر، عن عبد الرزاق به مرفوعا ح٥٧٧. ونقل محققه عن البيهقي : أن الصحيح وقفه. وهو عند الضياء أيضا برقم ٥٧٥ من طريق : أسباط عن عطاء به موقوفا على عليّ. قال محققه : رجاله ثقات. وهذا الموقوف له حكم الرفع ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله ﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ يقول : ضعوا عنهم من مكاتبتهم.
قوله تعالى ﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ﴾
قال البخاري : حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة عن محمد بن جُحادة عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء ".
( صحيح البخاري : ٤/٥٣٨-ك الإجارة، ب كسب البغي والإماء ح٢٢٨٣ ).
قال مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى، قال : قرأت على مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن ".
( صحيح مسلم٣/١١٩٨-المساقاة، ب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور ح١٥٦٧ )، وأخرجه البخاري ( الصحيح-البيوع، ب ثمن الكلب ح٢٢٣٧ ).
قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، جميعا عن أبي معاوية ( واللفظ لأبي كريب )، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر، قال : كان عبد الله بن أُبَيْ بن سلول يقول لجارية له : اذهبي فابغينا شيئا. فأنزل الله عز وجل ﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يُكرههن فإن الله من بعد إكراههن ﴾ لهن ﴿ غفور رحيم ﴾.
( صحيح مسلم ٤/٢٣٢٠-ك التفسير، ب في قوله تعالى ﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ﴾ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ﴾ يقول : ولا تكرهوا إماءكم على الزنا، فإن فعلتم فإن الله سبحانه لهن غفور رحيم، وإثمهن على من أكرههن.
قوله تعالى ﴿ الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ الله نور السموات والأرض ﴾ يقول : الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض.
وهو اختيار الطبري، ويشهد له قوله تعالى ﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾ آية : ٤٠ من السورة نفسها، وكذلك قوله تعالى في سورة الزمر آية : ٢٢ ﴿ فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ﴾ أ. ه.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التفسير وأقره فقال : ثم قول من قال من السلف ( هادي أهل السموات والأرض ) لا يمنع أن يكون في نفسه نورا، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسر من الأسماء أو بعض أنواعه، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمى بل قد يكونان متلازمين، ولا دخول لبقية الأنواع فيه...
( تفسير سورة النور ص٢٢٠-٢٢١ تحقيق د. عبد العلي عبد الحميد حمد. وانظر مجموع الفتاوى ٦/٣٧٤ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قول الله ﴿ مثل نوره ﴾ قال : ذكر نور المؤمن فقال : مثل نوره، يقول : مثل نور المؤمن. قال : وكان أبي يقرؤها : كذلك مثل المؤمن، هو المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب ﴿ مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ﴾ قال : مثل المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره كمشكاة، قال : المشكاة : صدره ﴿ فيها مصباح ﴾ قال : مثل القرآن والإيمان الذي جعل في صدره ﴿ المصباح في زجاجة ﴾ قال : والزجاجة : قلبه ﴿ الزجاجة كأنها كوكب دري توقد ﴾ قال : فمثله مما استنار فيه القرآن والإيمان كأنه كوكب دري، يقول : مضيء ﴿ توقد من شجرة مباركة ﴾ والشجرة المباركة أصله المباركة الإخلاص لله وحده وعبادته، لا شريك له ﴿ لا شرقية ولا غربية ﴾ قال : فمثله مثل شجرة التف بها الشجر، فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الغير، وقد ابتلى بها فثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال، إن أعطى شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات، قال ﴿ نور على نور ﴾ فهو يتقلب في خمسة من النور، فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة في الجنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ مثل نوره كمشكاة ﴾ قال : مثل هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى، ونورا على نور كما قال إبراهيم صلوات الله عليه قبل أن تجيئه المعرفة ﴿ قال هذا ربي ﴾ حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له ربا، فلما أخبره الله أنه ربه ازداد هدى على هدى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله ﴿ كمشكاة ﴾ قال : القنديل، ثم العمود الذي فيه القنديل.
قوله تعالى ﴿ شجرة مباركة زيتونة.. ﴾
قال الحاكم : أخبرنا أبو عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا أبو نُعيم، ثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن أبي أُسيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا الزيت وادهنوا بها فإنه من شجرة مباركة ".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ( المستدرك٢/٣٩٧-٣٩٨-ك التفسير-سورة النور، وأقره الذهبي )، وأخرجه الترمذي ( السنن ٤/٢٨٥ح١٨٥١ )، والضياء ( المختارة١/١٧٤ ح٨٢و٨٣ ) كلاهما من حديث عمر رضي الله عنه مرفوعا بنحوه وصححه الألباني ( السلسلة الصحيحة ح٣٧٩ ).
انظر حديث عمر المتقدم عند الآية رقم ( ٢٠ ) من سورة المؤمنون لبيان مكان خروجها وهو طور سيناء ولبيان صفاتها.
قوله تعالى ﴿ في بيوت أذن الله أن تُرفع ﴾
قال مسلم : حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا : حدثنا ابن وهب، أخبرني عمْرو، أن بُكيرا حدثه، أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه، أنه سمع عُبيد الله الخولاني يذكر، أنه سمع عثمان بن عفان، عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم : إنكم قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بنى مسجدا لله تعالى ( قال بكير : حسبت أنه قال : يبتغي به وجه الله ) بنى الله له بيتا في الجنة ".
وقال ابن عيسى في روايته ( مثله في الجنة ).
( صحيح مسلم١/٣٧٨ح٥٣٣-ك المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل بناء المساجد )، وأخرجه البخاري في ( صحيحه١/٥٤٤ ح٥٤٠ ).
قال مسلم : حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد ( يعني ابن الحارث ) حدثنا شعبة قال : سألت قتادة عن التّفل في المسجد ؟ فقال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التفل في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ".
" صحيح مسلم١/٣٩٠-ك المساجد ومواضع الصلاة، ب النهي عن البصاق في المسجد، في الصلاة وغيرها )، وأخرجه البخاري في ( صحيحه١/٥١١ ح٤١٥ ).
قال أحمد : ثنا يحيى بن غيلان قال : حدثنا رشدين، حدثني عمرو عن أبي السمح، عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير مساجد قعر بيوتهن ".
( المسند٦/٢٩٧ ) وأخرجه ابن خزيمة ( الصحيح٣/٩٢ح١٦٨٣-ك الصلاة، ب اختيار صلاة المرأة في بيتها.. ) والحاكم ( المستدرك١/٢٠٩ ) كلاهما من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث به، وسكت الحاكم والذهبي، وصححه الألباني ( صحيح الجامع٣٣٢٧ ) وقال مرة : حسن ( حاشية ابن خزيمة ) ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعا : " لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن "، أخرجه أبو داود ( السنن-ك الصلاة ح٥٦٧ )، وابن خزيمة ( ح١٦٨٤ )، قال الألباني في التعليق على ابن خزيمة : صحيح بشواهده. قلت : ويشهد له حديث أم حميد الآتي. وحسنه السيوطي ( فيض القدير مع الجامع الصغير٣/٤٩١ح٤٠٨٧ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ في بيوت أذن الله أن ترفع ﴾ وهي المساجد تكرم، ونهى عن اللغو فيها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله :﴿ في بيوت أذن الله أن ترفع ﴾ قال : مساجد تُبنى.
قوله تعالى ﴿ ويذكر فيها اسمه ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : ثم قال :﴿ ويذكر فيها اسمه ﴾ يقول : يتلى فيها كتابه.
قوله تعالى ﴿ يسبح له فيها بالغدو والأصال ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : ثم قال ﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال ﴾ يقول : يصلي له فيها بالغداة والعشي، يعني بالغدو : صلاة الغداة، ويعني الأصال : صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما ويذكر بهما عبادته.
قال أحمد : ثنا هارون، ثنا عبد الله بن وهب، قال : حدثني داود بن قيس، عن عبد الله بن سويد الأنصاري، عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. قال : " قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي ". قال : فأمرت فبُني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل.
( المسند٦/٣٧١ )، وأخرجه ابن خزيمة ( الصحيح٣/٩٥ح١٦٨٩-ك الصلاة، ب اختيار صلاة المرأة في حجرتها... )من طريق : عيسى بن إبراهيم الغافقي. وابن حبان في صحيحه ( الإحسان٥/٥٩٥-٥٩٦ح٢٢١٧ )من طريق : هارون بن معروف، كلاهما عن عبد الله بن وهب به، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سويد الأنصاري، وثقه ابن حبان ( مجمع الزوائد٢/٣٣-٣٤ )، وقال ابن حجر وإسناد أحمد حسن وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود ( الفتح٢/٣٥٠ ). وقال الألباني : حديث حسن ( التعليق على ابن خزيمة ). وقال محقق الإحسان : حديث قوي.
قوله تعالى ﴿ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله... ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :﴿ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ﴾ يقول : عن الصلاة المكتوبة.
قوله تعالى ﴿ يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ﴾ أي : يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار، أي : من شدة الفزع وعظمة الأهوال، كما قال تعالى ﴿ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ﴾ وقال تعالى :﴿ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ﴾.
قوله تعالى ﴿ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ ويزيدهم من فضله ﴾، أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم، كما قال تعالى :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ﴾ وقال تعالى ﴿ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ﴾ وقال :﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ﴾ وقال :﴿ والله يضاعف لمن يشاء ﴾ كما قال ها هنا :﴿ والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾.
قال أبو داود : حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تُنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة ".
( السنن١/٢٨٣ح١٠٧٩-ك الصلاة، ب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة )، وأخرجه الترمذي ( السنن-ك الصلاة، ب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة والشعر في المسجد ح٣٢٢ )، والنسائي ( السنن٢/٤٧-٤٨-ك المساجد، ب النهي عن البيع والشراء في المسجد ) وأحمد ( المسند٢/١٧٩ )من طرق عن ابن عجلان به. قال الترمذي : حديث حسن وقال الألباني : حسن ( صحيح الترمذي ح٢٦٥ ) وقال أحمد شاكر في حاشية سنن الترمذي : بل هو صحيح وصححه ابن خزيمة والقاضي أبو بكر بن العربي ).
قوله تعالى ﴿ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال : ثم ضرب مثلا آخر، فقال :﴿ والذين كفروا وأعمالهم كسراب بقيعة ﴾ قال : وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة، وهو يحسب أن له عند الله خيرا فلا يجد، فيدخله النار. ويؤكد هذا ما رواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا : وفيه... فيدعى اليهود فيقال لهم : من كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال لهم : كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون ؟ فقالوا : عطشنا ربنا فاسقنا، فيُشار : ألا ترون ؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار...
( صحيح البخاري-ك التفسير-سورة النساء، ب إن الله لا يظلم مثقال ذرة ح٤٥٨١ )، ومسلم( الصحيح-ك الإيمان، ب معرفة طريق الرؤية ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿ أعمالهم كسراب بقيعة ﴾ يقول : الأرض المستوية.
قال تعالى ﴿ أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله :﴿ أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج... ﴾ الآية، قال : ضرب مثلا آخر للكافر فقال :﴿ أو كظلمات في بحر لجي ﴾... الآية، قال : فهو يتقلب في خمس من الظلم، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ بحر لجي ﴾ عميق.
قوله تعالى ﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾ أي من لم يهده الله فهو هالك حائر بائر كافر، كما قال تعالى :﴿ ومن يضلل الله فلا هادي له ﴾ أ. ه.
قال تعالى ﴿ ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافّات كل قد علم صلاته وتسبيحه ﴾
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله ﴿ يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ﴾ قال : والصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق.
وبيانه قوله تعالى ﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ سورة الإسراء آية : ٤٤.
قوله تعالى ﴿ والطير صافات ﴾.
انظر سورة الملك آية ( ١٩ ) لبيان صف أجنحة الطير.
قوله تعالى ﴿ فترى الودق ﴾
أي المطر كما سيأتي في سورة الروم آية ( ٤٨ ).
قوله تعالى ﴿ يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله ﴿ يكاد سنا برقه ﴾ يقول : لمعان البرق يذهب بالأبصار.
وانظر سورة البقرة آية ( ٢٠ ) قوله تعالى ﴿ يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ﴾.
قوله تعالى ﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾
انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم : الإسلام.
قوله تعالى ﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ﴾
انظر سورة البقرة آية ( ٨-١٤ ) لبيان بعض أحوال المنافقين وصفاتهم.
قال ابن كثير : وقوله ﴿ وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ﴾ أي : إذا طلبوا إلى اتباع الهدى، فيما أنزل الله على رسوله، أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه. وهذه كقوله :﴿ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ﴾.
قوله تعالى ﴿ أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظّالمون ﴾
انظر سورة البقرة آية ( ١٠ ).
قوله تعالى ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ طاعة معروفة ﴾، قيل معناه طاعتكم طاعة معروفة، أي قد عُلمت طاعتكم، إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال تعالى ﴿ يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ﴾، قال تعالى ﴿ اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ﴾
قال مسلم : حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه قال : سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم ويمنعون حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس. وقال : " اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ".
( الصحيح٣/١٤٧٤ح١٨٤٦، وأخرجه بعده، وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره مثله ).
قوله تعالى ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾
قال أبو داود : حدثنا سوار بن عبد الله، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن سعيد ابن جمهان، عن سفينة، قال : قال سول الله صلى الله عليه وسلم : " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك -أو ملكه- من يشاء " قال سعيد : قال لي سفينة : أمسك عليك : أبا بكر سنتين، وعمرا عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلى كذا، قال سعيد : قلت لسفينة : إن هؤلاء يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال : كذبتْ أستاه بني الزرقاء، يعني بني مروان.
( السنن٤/٢١١ح٤٦٤٦-ك السنة، ب في الخلفاء )، وأخرجه الترمذي ( السنن-ك الفتن، ب ما جاء في الخلافة ح٢٢٢٦ )، وأحمد ( المسند٥/٢٢٠ )، وابن حبان ( الإحسان١٥/٢٤-٣٥ ح٦٦٥٧ )، والحاكم ( المستدرك٣/١٤٥ ) من طرق عن سعيد بن جمهان به، وصححه في ( المستدرك٣/٧١ ) قال الترمذي : حديث حسن، وقال الألباني : صحيح ( صحيح الترمذي ح١٨١٣ ). وقال محقق الإحسان : إسناده حسن. ونقل الألباني عن ابن أبي عاصم قوله : حديث ثابت من جهة النقل، ونقل عن ابن تيمية تصحيحه له وموافقة الحافظ ابن حجر على تصحيح من صححه ( السلسلة الصحيحة ح٤٦٠ ) وصححه السيوطي في ( الجامع الصغير٣/٥٠٩ ح٤١٤٧ ).
وانظر حديث ثوبان المتقدم عند الآية ( ٣٣ ) من سورة التوبة، وهو حديث : إن الله زوى لي الأرض.. ".
قال الحاكم : حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان، حدثني أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا : ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ﴾ إلى ﴿ ومن كفر بعد ذلك ﴾ يعني بالنعمة ﴿ فأولئك هم الفاسقون ﴾.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ( المستدرك٢/٤٠١-ك التفسير، وصححه الذهبي )، وأخرجه الضياء المقدسي في ( المختارة٣/٣٥٣-٣٥٤-ح١١٤٥-١١٤٦ ) من طريق : أحمد بن سعيد الدارمي ومحمد بن عبده المروزي، كلاهما عن علي بن الحسين بن واقد به، قال محققه فيهما : إسناده حسن. وقال الهيثمي : رجاله ثقات ( مجمع الزوائد٨/٨٣ ). وطريق أبي العالية عن أبي بن كعب تقدم ثبوته في المقدمة.
وانظر حديث أبي بن كعب الآتي عند الآية ( ٢٠ ) من سورة الشورى : " بشر هذه الأمة بالسناء... "
قال الشيخ الشنيقطي : قوله تعالى ﴿ وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ﴾ هذا الدين الذي ارتضاه لهم هو دين الإسلام بدليل قوله تعالى ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾ وقوله تعالى ﴿ إن الدين عند الله الإسلام ﴾.
قوله تعالى ﴿ لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير ﴾
انظر سورة آل عمران آية ( ١٩٦-١٩٧ ) وتفسيرهما السابق.
قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ﴾
قال البخاري : حدثنا الحميدي، قال : حدثنا سفيان، قال : حدثنا عمرو وابن جريج، عن عطاء قال : سألت ابن عباس فقلت : أستأذن على أختي ؟ فقال : نعم. فأعدت فقلت : أختان في حجري، وأنا أمونهما وأنفق عليهما، أستأذن عليهما ؟ قال : نعم، أتحب أن تراهما عريانتين ؟ ثم قرأ ﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ﴾ إلى قوله ﴿ ثلاث عورات لكم ﴾ فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلا في هذه العورات الثلاث، قال :﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ﴾ الآية.
قال ابن عباس : فالإذن واجب. زاد ابن جريج : على الناس كلهم.
( الأدب المفرد٢/٥٠٢ح١٠٦٣، ب يستأذن على أخته ) وأخرجه البيهقي في ( سننه٧/٩٧ ) من طريق : سعيد بن منصور، عن سفيان، عن عمرو بن دينار وحده، عن عطاء به. وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في جملة من الآثار ( فتح الباري١١/٢٥ ). وقال الألباني : صحيح الإسناد ( صحيح الأدب المفرد رقم٨١١/١٠٦٣ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿ ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ﴾ يقول : إذا خلا الرجل بأهله بعد صلاة العشاء فلا يدخل عليه خادم ولا صبي إلا بإذن حتى يصلي الغداة فإذا خلا بأهله عند صلاة الظهر فمثل ذلك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : ثم رخص لهم في الدخول فيما بين ذلك بغير إذن يعني فيما بين الصلاة الغداة إلى الظهر وبعد الظهر إلى صلاة العشاء، أنه رخص لخادم الرجل والصبي أن يدخل عليه منزله بغير إذن قال وهو قوله ﴿ ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ﴾ فأما من بلغ الحلم فإنه لا يدخل على الرجل وأهله إلا بإذن على كل حال.
قوله تعالى ﴿ ومن بعد صلاة العشاء... ﴾
قال مسم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها، في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل ".
( الصحيح١/٤٤٥ح٦٤٤ وما بعده-ك المساجد ومواضع الصلاة، ب وقت العشاء وتأخيرها. وقد جاء عند الطبري إيضاح المقصود بقوله : صلى الله عليه وسلم " فإنها في كتاب الله : العشاء "، حيث قال : قال الله ﴿ ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ﴾ التفسير١٨/١٦٣ ).
قال أبو داود : حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة : أن نفرا من أهل العراق قالوا : يا ابن عباس كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد، قول الله عز وجل ﴿ ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم ﴾ قرأ القعبني إلى ﴿ عليم حكيم ﴾ -قال ابن عباس : إن الله حليم رحيم بالمؤمنين، يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجَال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد.
( السنن٥/٣٧٧ح٥١٩٢ )، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند تفسير الآية ( ح رقم٧٨٧ )، والبيهقي في سننه ( ٧/٩٧ ) كلاهما من طريق : سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو به. وعندهما قول ابن عباس : فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به. قال ابن كثير عقبه : وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ( التفسير٣/٣٠٣ )، وقال القرطبي : هذا متن حسن ( التفسير١٢/٣٠٣ )، وحسنه الألباني ( صحيح سنن أبي داود رقم٤٣٢٤ )، وقال محقق ابن أبي حاتم : إسناده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن مقاتل بن حيان قوله ﴿ ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ﴾ وهذا من المفروض يحق على الرجل أن يأمر بذلك من كان حرا أو عبدا أن لا يدخلوا تلك الساعات الثلاث إلا بإذن.
قوله تعالى ﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : أما من بلغ الحلم فإنه لا يدخل على الرجل وأهله يعني من الصبيان الأحرار إلا بإذن على كل حال وهو قوله ﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ﴾.
قوله تعالى ﴿ والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهم جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ﴾ وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرج لما يكره الله وهو قوله ﴿ فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ﴾ ثم قال :﴿ وأن يستعففن خير لهن ﴾.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله ﴿ فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ﴾ قال : جلابيبهن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ وأن يستعففن خير لهن ﴾ قال : أن يلبسن جلابيبهن خير لهن.
قوله تعالى ﴿ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ﴾
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين، ثنا بكر بن خلف، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت : كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتيحهم إلى ضمنائهم، ويقولون :﴿ قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه، وكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا أن نأكل، إنهم أذنوا عن غير طيب أنفسهم، وإنما نحن أمناء فأنزل الله عز وجل { ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ﴾ إلى قوله ﴿ أو ما ملكتم مفاتحه... ﴾.
( التفسير-سورة النور٦١-ح٨٩٤ ) وأخرجه الطبري١٨/١٢٩ ) بمثله، وعزاه الهيثمي للبزار وقال : رجاله رجال الصحيح ( مجمع الزوائد٧/٨٣-٨٤ ) وحسن إسناده محقق ابن أبي حاتم. وصححه الحافظ ابن حجر وقال : وسماع سليمان من عطاء قديم ( مختصر زوائد البزار٢/١١٨ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم ﴾ إلى قوله ﴿ أو أشتاتا ﴾ وذلك لما أنزل الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ فقال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله بعد ذلك ﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾ إلى قوله ﴿ أو ما ملكتم مفاتحه ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ أو ما ملكتم مفاتحه ﴾ وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته فرخص الله له أن يأكل من ذلك الطعام والتمر ويشرب اللبن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كانوا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال ﴿ ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ﴾.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن الزهري وقتادة في قوله ﴿ فسلموا على أنفسكم ﴾ قالا : بيتك إذا دخلته فقل : سلام عليكم.
قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله :﴿ فسلموا على أنفسكم ﴾ أي ليسلم بعضكم على بعض كقوله :﴿ ولا تقتلوا أنفسكم ﴾. وسنده صحيح.
قال أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا : ثنا بشر -يعنيان ابن المفضل- عن ابن عجلان، عن المقبري، قال مسدد : سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة ".
( السنن٤/٣٥٣ح٥٢٠٨-ك الأدب، ب في السلام إذا قام من المجلس )، وأخرجه الترمذي ( السنن٥/٦٢ح٢٧٠٦-ك الاستئذان، ب ما جاء في التسليم عند القيام وعند القعود ) من طريق : الليث وأحمد ( المسند٢/٢٣٠ ) عن بشر، كلاهما عن ابن عجلان به. قال الترمذي : حديث حسن. وقال النووي وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الجيدة... فذكره ( الأذكار ص٢٢٠ ) وحسنه السيوطي ( الجامع الصغير مع شرح فيض القدير١/٣٠٥ح٤٩٧ ). وقال الألباني : إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات... ( السلسلة الصحيحة ح١٨٣ ).
أخرج البستي بسنده الصحيح عن الضحاك يقول قوله -جل جلاله- :﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ﴾ يقول : سلموا على أنفسكم إذا دخلتم بيوتكم وعلى غير أهلكم فسلموا إذا دخلتم بيوتهم.
أخرج البستي بسنده الصحيح عن ابن عمر، قال : إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل : السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين.
قوله تعالى ﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ﴾
قال الطبري : حدثني الحسن، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر عن الزهري في قوله :﴿ وإذا كانوا أمر جامع ﴾ قال : هو الجمعة إذا كانوا معه لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وسنده صحيح.
قوله تعالى ﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لِوَاذا ﴾
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم.. ﴾ قال : أمرهم الله أن يفخموه ويشرفوه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ كدعاء بعضكم بعضا ﴾ قال : أمرهم أن يقولوا : يا رسول الله في لين وتواضع ولا يقولوا : يا محمد في تجهم.
وانظر سورة الحجرات آية ( ٢ ).
أخرج بن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ لِوَاذا ﴾ عن نبي صلى الله عليه وسلم وعن كتابه.
قوله تعالى ﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ﴾.
قال مسلم : حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همّام بن منبه. قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها ". قال : فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار هلمّ عن النار، هلمّ عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها ".
( الصحيح٤/١٧٨٩بعد رقم٢٢٨٤-ك الفضائل، ب شفقته صلى الله عليه وسم على أمته... ).
قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ ".
( الصحيح٥/٣٥٥ح٢٦٩٧-ك الصلح، ب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ). وأخرجه مسلم ( الصحيح-ك الأقضية، ب نقض الأحكام الباطلة... ح١٧١٨ ).
قوله تعالى ﴿ ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم ﴾
قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه عالم ﴿ الغيب والشهادة ﴾، وهو عالم بما العباد عاملون في سرهم وجهرهم، فقال :﴿ قد يعلم ما أنتم عليه ﴾ ( وقد ) للتحقيق، كما قال قبلها :﴿ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ﴾، وقال تعالى :﴿ قد يعلم الله المعوقين منكم، والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ﴾. وقال تعالى :﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير ﴾ وقال :﴿ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾. وقال :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء ﴾ فكل هذه الآيات فيها تحقيق الفعل بقد، كما يقول المؤذن تحقيقا وثبوتا :( قد قامت الصلاة. قد قامت الصلاة ). فقوله تعالى :﴿ قد يعلم ما أنتم عليه ﴾، أي : هو عالم به، مشاهد له، لا يعزب عنه مثقال ذرة.
Icon