تفسير سورة المجادلة

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورة المجادلة مدنية اتفاقاً أو العشر الأول مدني والباقي مكي أو كلها مدني إلا قوله :﴿ ما يكون من نجوى ﴾ [ الآية : ٧ ].

١ - ﴿التي تجادلك﴾ خولة بنت خويلد، أو بنت ثعلبة أحدهما أبوها والآخر جدها، زوجها أوس بن الصامت كان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر منها فأتت الرسول [صلى الله عليه وسلم] تستفتيه فقالت: يا رسول الله إن الله قد نسخ سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال: ما أوحي إليَّ في هذا شيء فقالت: أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا فقال: هو ما قلت. فقالت: أشكو إلى الله لا إلى رسوله فنزلت وكانت تقول يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم إليك أشكو فما برحت حتى نزلت
291
﴿وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ﴾ تستغيث به، أو تسترحمه ﴿تحاوركما﴾ المحاورة: مراجعة الكلام.
{الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أُمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللآئي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور (٢) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحريرُ رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (٣) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذابٌ أليمٌ (٤)
292
٢ - ﴿يظَّهَّرُون﴾ سمي ظهاراً لأنه حرم ظهرها عليه، أو شبهها بظهر أمه وكان في الجاهلية طلاقاً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخ بوجوب الكفارة بالعود.
{إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا ءاياتٍ بينات وللكافرين عذابٌ مهين (٥) يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيءٍ شهيدٍ (٦) ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك
292
ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيءٍ عليمٌ (٧)
293
٥ - ﴿يُحَآدُّونَ﴾ يعادون، أو يخالفون، من الحديد المعد للمحاربة، أو أن تكون في حد يخالف حد صاحبك ﴿كُبِتُواْ﴾ أخزوا، أو أهلكوا، أو لعنوا، بلغة مذحج، أو ردوا مقهورين.
﴿ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيتِ الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير (٨) يأيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون (٩) إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (١٠) ﴾
٨ - ﴿الَّذِينَ نُهُواْ﴾ المسلمون، أو المنافقون، أو اليهود يتناجون بما يسوء المسلمين ﴿النَّجْوَى﴾ السرار من النجوة وهي ما ارتفع وبعد لبعد الحاضرين عنه وكل سرار نجوى، أو السرار ما كان بين اثنين والنجوى ما كان بين ثلاثة ﴿حَيَّوْكَ﴾ كان اليهود إذا دخلوا على الرسول [صلى الله عليه وسلم] قالوا السام عليك فيقول وعليكم، والسام: الموت، أو السيف، أو ستسأمون دينكم " ح " ولما رد ذلك عليهم قالوا لو كان نبياً لاستجيب له فينا وليس بنا سأمة وليس في أجسادنا
293
فترة فنزلت ﴿وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ﴾ الآية.
294
١٠ - ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ أحلام النوم المحزنة أو تناجي اليهود / والمنافقين بالإرجاف بالمسلمين.
﴿يأيهَا الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحواْ يفسح الله لكمْ وإذا قيلَ انشزواْ فانشزواْ يرفعِ اللهُ الذينَ ءامنواْ منكمْ والذينَ أوتواْ العلمَ درجاتٍ واللهُ بما تعملونَ خبيرٌ (١١) ﴾
١١ - ﴿المجلس﴾ مجالس الذكر، أو صلاة الجمعة، أو في الحرب، أو مجلس الرسول خاصة كانوا يشحون أن يؤثروا به، أو يتفسحوا فأمروا بذلك ﴿تَفَسَّحُواْ﴾ وسعوا ﴿انشُزُواْ﴾ : إلى القتال، أو الصلاة، بالنداء، أو الخير أو كانوا يطيلون الجلوس في بيت الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليكون كل واحد منهم آخر عهد به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا ﴿فَانشُزُواْ﴾ قوموا أو ارتفعوا من النشز إلى الصلاة، أو الغزو، أو إلى كل خير ﴿يرفع الله الذين آمنوا﴾ بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم في الإيمان ﴿وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ على من ليس بعالم.
{يأيها الذينَ ءامنواْ إذا ناجيتمُ الرسولُ فقدِّمُواْ بينَ يدىْ نجواكمْ صدقةً ذلكَ خيرٌ لكمْ وأطهرُ فإن لمْ تجدواْ فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ (١٢) ءأشفقتم أن تقدمواْ بينَ يدىْ نجواكمْ صدقاتٍ فإذْ لمْ تفعلواْ وتابَ اللهُ عليكمْ فأقيمواْ الصلاةَ وءاتواْ الزكاةَ وأطيعواْ اللهَ ورسولهُ واللهُ خبيرٌ بمَا
294
تعْمَلُونَ (١٣) }
295
١٢ - ﴿فقدموا﴾ كان المنافقون يناجون الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما لا حاجة لهم به فقطعوا عنه بالأمر بالصدقة، أو كان يخلو به طائفة من المسلمين يناجونه فظن قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في نجواهم فقطعوا عن استخلائه " ح "، أو أكثر المسلمون المسائل عليه فخفف الله عنه بذلك فظنوا فكفوا " ع "، ولم يناجه إلا علي - رضي الله تعالى عنه - سأله عن عشر خصال وقدم ديناراً تصدق به ولم يعمل بها غيره حتى نسخت بعد عشر ليال، أو ناجاه رجل من الأنصار بكلمات وتصدق بآصع ثم نسخت بما بعدها.
﴿ألمْ ترَ إلى الذين تولواْ قوماً غضبَ اللهُ عليهمِ ما هم منكمْ ولاَ منهمْ ويحلفونَ علَى الكذبِ وهمْ يعلمونَ (١٤) أعدَّ اللهُ لهمْ عذاباً شديداً إنهمْ سآءَ مَا كانواْ يعملونَ (١٥) اتخذواْ أيمانهمْ جنَّةً فصدواْ عن سبيلِ اللهِ فلهمْ عذابٌ مهينٌ (١٦) لن تغنِىَ عنهمْ أموالهمْ ولآَ أولادهُم منَ اللهِ شيئاً أولئكَ أصحابُ النارِ همْ فيها خالدونَ (١٧) يومَ يبعثُهُمُ اللهُ جميعاً فيحلفونَ لهُ كمَا يحلفونَ لكمْ ويحسبونَ أنهمْ علَى شيءٍ ألا إنهمْ همُ الكاذبونَ (١٨) استحوذَ عليهمُ الشيطانُ فأنساهمْ ذكرَ اللهِ أولئكَ حزبُ الشيطانِ ألآَ إنَّ حزبَ الشيطانِ هُمُ الخاسرونَ (١٩) ﴾
١٤ - ﴿الَّذِينَ تَوَلَّوْا﴾ المنافقون تولوا اليهود ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ﴾ على دينكم ﴿وَلا مِنْهُمْ﴾ على يهوديتهم ﴿وَيَحْلِفُونَ﴾ على نفي النفاق ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ نفاقهم.
١٩ - ﴿اسْتَحْوَذَ﴾ قوي، أو أحاط، أو غلب واستولى.
{إنَّ الذينَ يحادونَ اللهَ ورسُولَهُ أولئكَ في الأذلِّينَ (٢٠) كتب اللهُ لأغلبنَ أناْ ورسلِي
295
إنَّ اللهَ قويٌّ عزيزٌ (٢١) لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الأخرِ يوآدونَ منْ حآدَّ اللهَ ورسولهُ ولوْ كانواْ ءاباءهمْ أوْ أبناءهمْ أو إخوانهمْ أو عشيرتهمْ أولئكَ كَتَبَ في قلوبهمُ الإيمانَ وأيَّدَهُم بروحٍ منهُ ويدخلُهُمْ جنَّاتٍ تجري من تحتهَا الأنهارُ خالدينَ فيهَا رضِىَ اللهُ عنهمْ ورضُواْ عنهُ أولئكَ حزبُ اللهِ ألاَ إنَّ حزبَ اللهِ هُمُ المفلحُونَ (٢٢) }
296
٢٢ - ﴿لا تجد﴾ نهي بلفظ الخبر، أو مدحهم باتصافهم بذلك ﴿حَادَّ﴾ حارب، أو خالف، أو عادى ﴿كَتَبَ فِى قُلُوبِهمُ﴾ أثبت، أو حكم، أو كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان، أو جعل على قلوبهم سمة للإيمان تدل على إيمانهم ﴿برُوح﴾ برحمة، أو نصر وظفر، أو نور الهدى، أو رغبهم في القرآن حتى أمنوا، أو بجبريل يوم بدر ﴿رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ في الدنيا بطاعتهم ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ في الآخرة بالثواب، أو في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه ﴿حِزْبَ﴾ يغضبون له ولا تأخذهم فيه لومة لائم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر، أو في أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - سمع أباه يسب النبي [صلى الله عليه وسلم] فصكه فسقط على وجهه فأخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] فقال: أفعلت يا أبا بكر فقال والله لو كان السيف قريباً مني لضربته به فنزلت، أو في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش عام الفتح يخبرهم بمسير الرسول [صلى الله عليه وسلم].
296
سورة الحشر
مدنية اتفاقاً

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿سبَّحَ للهِ ما فيِ السمواتِ ومَا في الأرضِ وهوَ العزيزُ الحكيمُ (١) هوَ الذِي أخرجَ الذينَ كفرواْ من أهلِ الكتابِ من ديارهمْ لأوَّلِ الحشرْ مَا ظننتُمْ أن يخرجُواْ وظنُّواْ أنَّهُم مانعتُهُمْ حصونُهُم منَ اللهِ فأتاهُمُ اللهُ منْ حيثُ لم يحتسبُواْ وقَذَفَ في قلوبهمُ الرُّعْبَ يخربونَ بيوتَهُم بأيديهم وأيدي المؤمنينَ فاعتبرواْ يأوْلِي الأبصارِ (٢) ولولا أن كَتَبَ اللهَ عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار (٣) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسُولَهُ ومن يشاقِّ اللهَ فإنَّ اللهَ شديدُ العقابِ (٤) ما قطعتُم من لينَةٍ أوْ تركتموهَا قائمةً على أصولِهَا فبإذْنِ اللهِ وليخزيَ الفاسقينَ (٥) ﴾
لما هاجر الرسول [صلى الله عليه وسلم] عاهد بني النضير أن لا يقاتلوا معه ولا عليه فكفوا يوم بدر لظهوره وأعانوا عليه يوم أحد لظهور [١٩٦ / ب] / المشركين فقتل رئيسهم كعب بن الأشرف غيلة محمد بن مسلمة ثم حاصرهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] ثلاثاً وعشرين ليلة
297
حتى أجلاهم من ديارهم بالحجاز إلى أذرعات الشام وأعطى كل ثلاثة بعيراً يحملون عليه ما استقل إلا السلاح.
298
Icon