تفسير سورة المجادلة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة المجادلة
آياتها اثنتان وعشرون وثلاث ركوعات وهي مدنية

أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت تبارك الذي وسع سمعه كل شيء أني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تقول يا رسول الله أكل مالي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبرائيل هؤلاء الآيات ﴿ قد سمع الله ﴾ وأدغم حمزة والكسائي وأبو عمرو وهشام الدال في السين وكلمة قد لتقريب الماضي إلى الحال ويشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أو المرأة يتوقع أن الله يسمع مجادلتها وشكواها ويفرج عنها كربها ﴿ قول التي تجادلك في زوجها ﴾ وهو أوس ابن الصامت والمجادلة الشدة في الخصومة والمراد هاهنا شدتها في مراجعة الكلام مثل شدة الخصمين، ﴿ وتشتكي إلى الله ﴾ عطف على تجادلك ﴿ والله يسمع تحاوركما ﴾ تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب، ﴿ إن الله سميع ﴾ للأقوال ﴿ بصير ﴾ بالأحوال قال البغوي نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس ابن الصامت وكانت حسنة الجسم وكان به لمم فأرادها فأبت فقال لها أنت علي كظهر أمي ثم ندم على ما قال كان الظهار والإيلاء من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك إلا قد حرمت علي فقالت والله ما ذاك طلاق فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله إن زوجي أوس ابن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبرت سني ظاهر مني، قد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( حرمت عليه ) فقالت أشكو إلى الله فافتي ووحدتي قد طالت صحبته ونفضت له بطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أراك إلا حرمت عليه ولم أومر في شأنك بشيء ) فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قال صلى الله عليه وسلم حرمت عليه امتنعت وليت ما أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى الله وتقول اللهم إني أشكو إليك اللهم فأنزل على لسان نبيك وكان هذا أول ظهار في الإسلام فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فقالت انظر في أمري جعلني الله فداك يا نبي الله فقالت عائشة اقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه أخذه السبات فلما قضى بالوحي قال : أدعي زوجك فجاء فتلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قد سمع قول التي تجادلك في زوجها ) الآيات قالت عائشة تبارك الذي وسع سمعه الأصوات إن المرأة لتحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه إذا أنزل الله تعالى قد سمع الله الآية.
﴿ الذين يظاهرون ﴾ قرأ عاصم في الموضعين بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء من المفاعلة وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء وتشديد الظلم وألف بعدها من الأفاعل أصله يتظاهرون أدغم التاء في الظاء والباقون من غير الألف من الأفعل أصله تفعل والظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي كان ذلك طلاقا في الجاهلية مثبتا للحرمة المأبدة فنقله الشرع إلى الحرمة المنتهية بالكفارة مشتق من الظهر وألحق به الفقهاء تشبيها بجزء منها لا يحل له النظر إليه كان يقول أنت علي كظهر أمي أو فخذها أو كفرجها وعند الشافعي لو شبهها بجزء لا يحرم نظره إليه كاليد والعين يكون الظهار أيضا كذا لو شبهها بالجدة أو العمة أو الخالة أو البنت أو بامرأة أخرى محرمة عليه بالتأبيد وشرط الشافعي أن يكون تحريمها غير طارئة فلاظهار عند الشافعي لو قال أنت علي كظهر مرضعتي وزوجة أبي وعند أبي حنيفة يكون ظهارا لأنها في الحرمة المؤبدة كالأم وكذا لو شبه من امرأته جزءا شائعا أو جزأ يعبر به عن الكل كأن قال رأسك علي كظهر أمي أو فرجك أو وجهك أو رقبتك أو بدنك أو جسمك أو روحك أو نفسك أو نصفك أو ثلثك لأنها إما يعبر بها عن جميع البدن أو يثبت الحكم في الشائع فيتعدى إلى الكل، وإن قال يدك أو رجلك علي كظهر أمي لا يكون ظهارا خلافا للشافعي في أظهر أقواله وإن قال أنت علي كأمي أو مثل أمي يرجع إلى نيته لينكشف حكمه فإن قال نويت الكرامة صدق لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام وإن قال أردت الظهار يكون ظهارا لأنه تشبيه بجميعها وفيه تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح فيفتقر إلى النية، وإن قال أردت الطلاق كان طلاقا بائنا لأنه تشبيه بالأمر في الحرمة فكأنه قال أنت علي حرام ونوى به الطلاق وإن لم ينو أصلا ليس بشيء لاحتمال الكرامة وقال محمد ظهار والله تعالى أعلم.
مسألة
لو قال أنت علي كظهر أمي إلى شهر مثلا لا يكون ظهارا عند الشافعي في رواية بل لغوا وفي رواية عنه يكون ظهارا وبه قال أبو حنيفة وأحمد يلزم الكفارة على هذا القول بالعزم على الوطء في المدة وإن لم يعزم حتى مضت المدة فلا كفارة عليه غير أنه عند أحمد ولو وطئ المظاهر منها في المدة قبل الكفارة يأثم ويستقر عليه الكفارة وعند أبي حنيفة يأ ثم ولا تستقر عليه الكفارة بل ولو عزم الوطئ ثانيا في المدة كفر ولو مضت المدة حلت عليه بلا كفارة ولو أبانها في المدة لا كفارة عليه وعند مالك وهو رواية عن الشافعي أنه ظهار مؤبد.
وفي الباب حديث سليمان ابن يسار عن سلمة ابن صخر قال كنت امرءا قد لأوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان تظهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب وفي ليلتي شيئا فأتابع في ذلك حتى يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينما هي تخدمني إذ تكشف منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بأمر فقالوا لا والله لا تفعل نتخوف أن ينزل فينا القرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري.
فقال لي أنت بذاك فقلت أنا بذاك قال أنت بذاك نعم فقال لي أنت بذاك فقلت أنا بذاك فأمضي في حكم الله عز وجل فإني صابر له، قال اعتق رقبة قال فضربت صفحة رقبتي بيدي فقلت لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال، فصم شهرين قلت يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام ؟ قال فتصدق، فقلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشيا ما لنا عشاء قال اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا ثم استعن سائرها عليك وعلى عيالك قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة قد أمرني بصدقتكم إلي فادفعوها إلي١رواه أحمد والحاكم وأصحاب السنن إلا النسائي، وأعله عبد الحق بالانقطاع وابن سليمان لم يدرك سلمة حكى ذلك الترمذي عن البخاري ورواه الحاكم والبيهقي من طريق محمد ابن عبد الرحمان ابن ثوبان وأبي سلمة ابن عبد الرحمان بلفظ إن سلمة ابن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمي إن غشيها حتى يمضي رمضان فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعتق رقبة الحديث. احتج ابن الجوزي بهذا الحديث على كون الظهار المؤقت مؤقتا وعلى أنه إذا وطئ المظاهر قبل التكفير أثم واستقرت الكفارة في ذمته، وليس في الحديث حجة على كونها الظهار المؤقت لكنه حجة على أنه لا يلغو سواء كان في الشرع مؤقتا أو مؤيدا، ثم احتجاج ابن الجوزي لا يخلو عن المصادرة على المطلوب فإنه لو قلنا أن الظهار المؤقت لا يكون مؤقتا بل يكون مؤبدا، فلا يكون الحديث حجة على استقرار الكفار بالوطئ قبل الكفارة لجواز أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة لتحصيل الحل بعد رمضان ولفظنا أن الكفارة لا تستقر في الذمة بالوطئ قبل التكفير بل التكفير إنما هي لرفع الحرمة الثابتة بالظهار والوطئ قبل التكفير موجب لإثم فقط والحرمة باقية بعد ذلك ولا يحتاج إلى التكفير إلا من عزم على الوطئ وأراد الاستباحة بعد ذلك وأما من طلقها بعد الوطئ فلا حاجة إلى الكفارة كما هو مذهب أبي حنيفة، فالحديث حجة على كون الظهار المؤقت مؤبدا لأنه صلى الله عليه وسلم أمره بصيام شهرين وأن صيام شهرين لا يتصور منه إلا بعد انقضاء رمضان الذي ظاهر في مؤقت إلى انسلاخه فلو كانت حرمة الظهار منتهية بانتهاء رمضان لا يحتاج إلى الكفارة بعد ذلك فلا يصح قول أبي حنيفة في الظهار المؤقت أن يكون مؤقتا والله تعالى أعلم.
مسألة
الظهار المعلق بشرط يصح احتج الرافعي بحديث سلمة ابن صخر المذكور على صحة تعليق الظهار وتعقبه ابن الرافعة بأن الذي في السنن لا حجة فيه على جواز التعليق وإنما هو ظهار مؤقت لا تعليق فيه لكن اللفظ المذكور عند البيهقي يشهد بما قال الرافعي.
مسألة
لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصبر كذا قال ابن همام.
مسألة
يصح الظهار بشرط النكاح عند أبي حنيفة فإذا قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فتزوجها ولزم كفارة الظهار ولو قال أنت علي كظهر أمي في رجب ورمضان وطفر في رجب أجزاه عنها.
مسألة
لو ظاهر فجن ثم أفاق فهو على حكم الظهار ولا يكون عائدا بالإفاقة ما لم يعزم على الوطئ خلافا لأحد الوجهين للشافعي والله تعالى أعلم.
مسألة
من قال لنسائه أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا إجماعا وهل يتعدد الكفارة فعند أبي حنيفة والشافعي يتعدد بتعددهن وبه قال الحسن والطبراني والثوري وغيرهم وقال مالك وأحمد كفارة واحدة، روي ذلك عن عمر رواه البيهقي من رواية سعيد ابن المسيب عنه ومن رواية مجاهد عن ابن عباس عنه، وكذا روي عن علي وعروة وطاووس اعتبروه باليمين بالله في الإيلاء، قلنا الكفارة لرفع الحرمة الثابتة بالظهار وهي متعددة بتعددهن وكفارة اليمين لهتك حرمة اسم الله تعالى وهي واحدة.
مسألة
لو كرر الظهار من امرأة واحدة في مجلس واحد أو مجالس متعددة يتكرر الكفارة عند أبي حنيفة وغيره لأن الظهار يثبت الحرمة والنكاح باق فيصح الظهار الثاني والثالث ولا منافاة في اجتماع أسباب الحرمة كالخمر يحرم على الصائم بعينها وللصوم واليمين إلا أنه إذا نوى بما بعد الأول تأكيدا فيصدق قضاء وديانة بخلاف الطلاق فإنه لو نوى تأكيدا لا يصدق قضاء، لأن حكم الظهار بينه وبين الله تعالى وأوردت عليه أنه لما ثبت بالظهار الأول الحرمة فلا يثبت بالثاني وإلا يلزم تحصيل الحاصل، والأسباب إذا كانت من جنس واحد لا يستدعي تعدد الحرمة فلا بد أن ترتفع حرمة الظهارات المتعددة بكفارة واحدة كما أن الحدث الثابت بأسباب متعددة ترفع بوضوء واحد والله تعالى أعلم ﴿ منكم ﴾ حال من فاعل تظاهرون وفيه تهجين لعادة العرب فإنه كان من أيمان أهل الجاهلية قبل التقييد بقوله منكم يفيد أنه لا يصح الظهار من الذمي وبه قال أبو حنيفة ومالك خلافا للشافعي واحد وهي رواية البرامكة عن أبي حنيفة لأن الكافر ليس منا وإلحاقه بالقياس متعذر لأن الظهار جناية حكمها تحريم يرتفع بالكفارة وشرك الكافر يمنع من رفع أثر الجناية عنه بالكفارة ولأنه ليس أهلا للكفارة لأنها عبادة حتى اشترطت النية فلا يصح من الكافر فيبقى تحريما مؤبدا وهو غير حكمه بالنص ولقائل أن يقول إن هذه الآية غير موجبة للتحريم ولا للكفارة بل تقتضي إثم المظاهرة وارتكابه منكرا من القول وزورا، وإنما يوجب التحريم والكفارة الآية التالية أعني قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ وليس فيه التقييد بقوله منكم ويلزم منه صحة ظهار الذمي فالأولى أن يقال أن الحرمة بالظهار لا يمكن إثباتها إلا حقا للشرع وهم غير مخاطبين بحقوق الشرع فلا يصح ظهاره كما يجوز نكاحه بلا شهود أو في عدة كافر وإذا لم يثبت الحرمة وقت الظهار لكفره فإن أسلم ذلك لا يثبت الحرمة بفقد سببه والله تعالى أعلم ﴿ منكم من نسائهم ﴾ والتقييد بالنساء المضافة إلى المظاهرين يفيد إنه لاظهار إلا بالمنكوحة دون الأمة المملوكة موطوءة كانت أو غيرها وهو مذهبنا ومذهب الشافعي وأحمد وجمع كثير من الصحابة والتابعين خلافا لمالك والثوري في الأمة مطلقا وسعيد ابن جبير وعكرمة وطاووس وقتادة والزهري في الأمة الموطوءة لنا إن إطلاق نسائهم على الإماء وإن صح لغة لكن صحة الإطلاق لا يستلزم الحقيقة بل إضافة النساء إلى رجل أو رجال حقيقة إنما يتحقق في الزوجات لأنه المتبادر ولأنه يصح أن يقال لهؤلاء جواريه لا نساءه ولأنه قال الله تعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ﴾٢ والمراد بنساء المؤمنين الزوجات دون الإماء فإن أدلاء الجلباب على الإماء غير واجب كيف وقد قال عمر رضي الله عنه إلغي عنك الخمار يا دفار أتشبهين بالحراير، ولأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا فنقل عنه إلى تحريم منته بالكفارة ولا طلاق في الأمة ﴿ ما هن أمهاتهم ﴾ على الحقيقة حق يحرمن عليكم كما تحرم الأمهات ﴿ إن أمهاتهم إلا اللائي ﴾ قرأ قالون وقنبل هاهنا وفي الأحزاب والطلاق اللاء بالهمزة من غير ياء وورش اللائي بياء مختلفة الكسر خلفا عن الهمزة وإذا وقف صيرها ياء ساكنة والبزي وأبو عمرو بياء ساكنة بدلا من الهمزة في الحالين والباقون بالهمزة وياء بعدها في الحالين وحمزة إذا وقف ساكنة والبذي ساكنة بدلا من الهمزة في الحالين والباقون جعل الهمزة بين على أصله، ﴿ ولدناهم ﴾ تعليل لقوله ما هن أمهاتهم، ﴿ وإنهم ليقولون منكرا من القول ﴾ فإن الشرع أنكره ﴿ وزورا ﴾ كذبا فإن قيل الزور الكذب إنما يطلق على الخبر والظهار إنشاء للتحريم لا يحتمل الصدق والكذب ؟ قلنا الظهار وإن كان إنشاء لكنه في الأصل إخبار لزعمه حرمة مؤبدة أطلق على قوله بالزور والله تعالى أعلم ﴿ وإن الله لعفو غفور ﴾ لما سلف منه مطلقا وإذا أنيب عليه
١ اخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة المجادلة ﴿٣٤٢٠﴾ وأخرجه أبو داود في كتاب الطلاق باب: في الظهار ﴿٢٢١٣﴾ وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق باب: الظهار {٢٠٦٢.
٢ ورة الأحزاب الآية ٥٩.
﴿ والذين يظاهرون ﴾ الاختلاف فيه كما مر ﴿ من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ اختلف أهل العلم في معنى الآية، فقال أهل الظاهر معنى الآية يعودون لما قالوا من لفظ الظهار يعني كرر ولفظ الظهار فلا يجب الكفارة عندهم إلا بتكرار اللفظ وهو قول أبي العالية وهذا القول يرده الإجماع والأحاديث الواردة في الباب فإنه لم يرد فيه شيء من الأحاديث تعليق الكفارة بتكرار اللفظ، وقال مجاهد إنهم كانوا في الجاهلية يظاهرون فمن ظاهر بعد الإسلام فقد عاد إلى ما قاله في الجاهلية أما حقيقة أو حكما فإنه من اعتقد هذا القول فكأنه قاله ويرد على هذا القول أن العطف يقتضي التغاير، وكلمة ثم يوجب التراخي فكيف يقال العود هو الظهار بنفسه، وفسر ابن عباس العود بالندم يعني ندموا لما قالوا وأرادوا التحليل وإنما فسر العود بالندم لأن معنى العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه كذا في الصحاح والرجل كان راضيا بالحل ثم إذا انصرف عنه إلى التحريم فإذا ندم عن التحريم فكأنه رجع إلى الحالة الأصلية من الرضاء بالحل قال أكثر المفسرين الآية مصروفة عن الظاهر فقيل اللام بمعنى عن معنى يعودون لما قالوا يرجعون عما قالوا والرجوع عن هذا القول إنما هو إرادة التحصيل فالمعنى أرادوا التحليل، وقيل المضاف محذوف والتقدير يعودون لنقض ما قالوا ولتدارك ما قالوا أو لضد ما قالوا، قال البيضاوي ويعودون لما قالوا أي إلى قولهم بالتدارك ومنه مثل عاد الغيث على ما أفسد، ومعنى العود على هذا التقديرات الصيرورة عن حال أعني عن حال السخط إلى حالة الرضا كما في قوله تعالى :﴿ حتى عاد كالعرجون القديم ﴾ ١ وحاصل معنى الآية حينئذ ثم يردون التحليل، قال الفراء يقال عاد فلان لما قال أي فيما قال وفي نقض ما قال، وهذا القول يحتمل التأويلين المذكورين، وعن ثعلب معناه ثم يعودون لتحليل ما حرموا، وعلى هذا التقدير أيضا المضاف محذوف غير أنه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول بمنزلة المقول فيه كقوله تعالى :﴿ ونرثه ما يقول ﴾ ٢ أراد المقول فيه وهو المال الولد، وقال أبو مسلم يعودون إلى المقول منها بإمساكها واستباحتها ثم العود والرجوع عن القول المذكور يحصل بالوطئ على قول الحسن وقتادة والزهري وطاووس قالوا لا كفارة عليه ما لم يطأها كما أن لا كفارة بعد اليمين ما لم يحنث وهذا القول يرده قوله تعالى من قبل أن يتماسا فإنه يوجب الكفارة قبل الوطئ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى إذا أمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها ولم يطلقها فقد عاد ورجع عن القول المذكور ووجب عليه الكفارة وإن علقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحد في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة وأنه قصد بالظهار التحريم فإذا أمسكها فقد خالف قوله ورجع عما قاله فيلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمه الكفارة، قلنا لا نسلم أن مقتضى الظهار التحريم بالطلاق عقيبه حتى يكون عدم إتيانه بالطلاق وإمساكها على النكاح نقضه المقتضي الظهار كما قال ومخالفته لمقتضى الظهار بل كان مقتضى الظهار في الجاهلية الحرمة المطلقة المنافية للحل الثابت بالنكاح كما هو مقتضى الطلاق ثم صار في الشرع مقتضاه حرمة الوطء مع بقاء النكاح المنتهية بالكفارة وشرع الكفارة رفع ذلك الحرمة، فالسكوت بعد الظهار أرادته استباحة المرأة والعزم على وطئها ويمكن أن يقال المراد بالعود لوطئ كما قال الحسن ومن معه لكن لما جعل الله تعالى الكفارة شرط لحل الوطء لقوله تعالى :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ ظهر أن معنى قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ يريدون العود لما قالوا كما في قوله تعالى :﴿ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ ٣ المعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة فلا يجوز القول بأنه لا كفارة عليه ما لم يطأها ﴿ فتحرير رقبة ﴾ أي فعليهم تحرير رقبة شرطا للوطء والفاء للتعقيب المجرد دون السببية، وقال أكثر العلماء إنها للسببية. واختلفوا في أن سبب وجوب كفارة الظهار ماذا ؟ فقال الشافعي هو الظهار والعود يعني إمساكها عقب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها شرط لأن في الآية ترتب الحكم على الأمرين، والكفارة تتكرر بتكرر الظهار فهو السبب، وقالت الحنفية الظهار لا يصلح سببا للكفارة لأنها عبادة لو يغلب فيها العبادة والظهار منكر فمن القول وزورا، ولا يكون المحظور سببا للعبادة والله سبحانه علق وجوبها بالأمرين الظهار والعود فالسبب مجموعهما والظهار معصية يصلح أن يكون سببا للعقوبة، والعود الذي هو إمساك بالمعروف عبادة والكفارة دائرة بين العقوبة والعبادة مجموع الأمرين يصلح أن يكون سببا لها، وقال في المحيط سبب وجوبها العود فقط فأنه هو المستأخر من المذكورين وعليه رتب الكفارة والظهار شرط وإذا أمكن البساطة في العلة صير إليها لأنها الأصل بالنسبة إلى التركيب والحكم قد يتكرر بتكرر الشرط، كما يتكرر صدقة سببها رأس يمونه ويلي عليه، ويرد هاهنا أنه لو كان العزم على الوطء فقط سببا لوجوب الكفارة أو الظهار والعزم مجموعهما سببا للوجوب لزم أن يجب الكفارة على من ظاهر ثم عزم على الوطء ثم أبانها وماتت بعد العزم بوجوب السبب لكن لا يجب إذ لو وجبت لما سقطت وقد نص في المبسوط أنه لو أبانها أو ماتت بعد العزم لا كفارة عليه، والتحقيق أن إطلاق الواجب في مثل هذا المقام إنما هو مجازي وقد ذكر في أصول الفقه في تعريف الحكم أنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين للاقتضاء أو التخيير أو الوضع فخطاب الاقتضاء الإيجاب أو الندب، وخطاب التخيير الإباحة وخطاب الوضع جعل الشيء شرطا لشيء أو سببا له أو ركنا له أو مانعا عنه وخطاب الوضع دون الاقتضاء فإن الله سبحانه جعل هذه الكفارة سببا لرفع الحرمة الثابتة بالظهار وشرطا لإباحة الوطء، كما جعل بقوله تعالى :﴿ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ ٤ الوضوء شرطا لإباحة الصلاة وسببا للطهارة عن الحدث، وبقوله تعالى :﴿ إذا نجايتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ ٥ الصدقة شرطا لإباحة المناجاة فليس الظهار في الحقيقة سببا لوجوب الكفارة بل هو سبب لرفع حرمة الوطء ولا إرادة الوطء سبب لها، بل النكاح سبب لوجوب حقوق الزوجية ومنها الوطء، والحرمة الثابتة بالظهار مانع عنها وما هو مانع عن الحقوق الواجبة يجب إزالتها فالنكاح كما هو سبب لوجوب حقوق الزوجية سبب لإزالة ما هو مانع عنها والكفارة سبب لإزالة الحرمة فالنكاح السابق صار بعد الظهار سببا لوجوب الكفارة كما أن اليمين سبب للمنع عن المحلوف عليه وبعد الحنث يكون سببا للكفارة وبهذه العلاقة يطلق على الظهار أنه سبب للكفارة كما يطلق على الحنث أنه سبب للكفارة ولا تزوج ثان حتى لو طلقها بعد الظهار ثلاثا فعادت عليه بعد زوج آخر أو كانت أمة فملكها بعدما ظهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر فيها.
مسألة
يحرم على المظاهر دواعي الوطء أيضا كالقبلة واللمس عندنا وعند مالك والشافعي قولان الجديد الإباحة، وعن أحمد روايتان أظهرهما التحريم لنا : أن الوطء إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما في الاستبراء والإحرام بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما ولو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج و كذلك الظهار والاستبراء والإحرام لأن الحرمة الثابتة بالظهار مشابهة بحرمة المحارم فيحرم الدواعي أيضا كما فيهن.
مسألة
للمرأة أن تطالبه بالوطء وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر، وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعا للضرب عنها بحبسه، فإن أبى يضربه ولا يضرب في الدين ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب كذا في الفتح القدير.
مسألة
يجزئ الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى والصغيرة والكبيرة لإطلاق الرقبة، وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية لا يجزئ إعتاق الرقبة الكافرة حملا للمطلق هاهنا على المقيد الوارد في كفارة القتل، قلنا : المطلق يجري على إطلاقه والمقيد على تقييده ولا وجه لحمل أحدهما على الأخرى وبسط هذا الكلام في أصول الفقه.
مسألة
لا يجزئ العمياء ولا مقطوعة اليدين أو الرجلين أو يد ورجل من جهة واحدة أو مقطوعة إبهامي اليدين أو مقطوعة ثلاث أصابع سوى الإبهام من كل يد ومقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف والصماء التي تسمع إذا صيح يجزئ وإلا لا، والحاصل إن فاتت جنس المنفعة لا يجزئ والمختلة تجزئ.
مسألة
لا يجوز عتق المدبر من الكفارة ولا أم الولد لكون رقمها ناقصا وكذا المكاتب الذي أدى بعض كتابته وإن لم يؤد شيئا جاز خلافا فللشافعي.
مسألة
من اشترى أباه أو ابنه بالشراء الكفارة جاز عنها وكذا لو وهب له ونوى عند قبول الهبة خلافا للشافعي ولو ورث ونوى عند موت لا يجوز اتفاقا والحاصل أنه إذا دخل في ملكه بصنعه ونوى عند صنعه ذلك أنه للكفارة أجزاء وإلا لا.
مسألة
لو قال إن دخلت الدار فأنت حر ونوى عن الكفارة فإن نوى وقت اليمين جاز وأن نوى وقت الدخول لا يجوز ﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ الضمير يرجع إلى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها المراد بالتماس المجامعة، وفيه دليل على أن الكفارة شرط لحل الاستمتاع وأن الظهار يوجب الحرمة ﴿ ذلكم ﴾ أي الحكم بالكفارة قبل المسيس ﴿ توعظون ﴾ ليزيل الحرمة الثابتة بالظهار أو لئلا يعود إلى الظهار مخافة الفرقة أو لأن إيجاب الكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيتعظوا بإيجاب الكفارة عن ارتكاب الظهار ﴿ والله بما تعملون خبير ﴾.
١ سورة يس الآية: ٣٩.
٢ سورة مريم الآية٨٠.
٣ سورة المائدة الآية: ٦.
٤ ورة المجادلة الآية ١٢.
٥ أخرجه الترمذي في كتاب: الطلاق واللعان باب: ما جاء في كفارة الظهار ﴿١٩٧﴾}.
﴿ فمن لم يجد ﴾ الرقبة ولا يقدر على اكتسابها بالشراء إما بفقد قيمتها أو بفقد رقبة ممكن تملكها بالشراء أو لكون ماله مشغولا بالدين أو محتاجا إليه لنفقته أو لنفقة عياله عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد خلافا لمالك والأوزاعي فعندهما من ملك قيمة رقبة يمكنه شراءها يلزمه الإعتاق، وإن كانت قيمة مشغولة بدينه أو محتاجا إليه ولنفقته ولا يجوز له الانتقال إلى الصوم لنا : أنه مشغول بحاجته الأصلية فكأنه ليس في ملكه مسألة ومن كانت له رقبة لكنه محتاج إلى خدمته فعند الشافعي وأحمد له أن ينتقل إلى الصوم اعتبارا بالماء المعد للعطش يجوز له التيمم والمال المشغول بالدين وعندنا يلزمه الإعتاق ولا يجوز الانتقال إلى الصوم، والفرق لنا أن الماء مأمور بإمساكه لعطشه واستعماله محظور عليه وكذا الدين مأمور بإدائه بخلاف الخادم فإنه غير مأمور بإمساكه لخدمته. مسألة : المعتبر اليسار والعسار وقت التكفير أي الأداء وبه قال مالك أحمد والظاهرية وقت الوجوب وللشافعي أقوال كالقولين والثالث يعتبر أغلظ الحالين ﴿ فصيام شهرين ﴾ أي فعليه صيام شهرين ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر والنحر وأيام التشريق لأن صوم رمضان لا يقع من الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله، وصوم الأيام المنهية لا ينوب عن الوجوب الكامل وقد قيد الله تعالى :﴿ متتابعين من قبل أن يتماسا ﴾ فإن فات التتابع بعذر أوبلا عذر يجب الاستئناف إجماعا وإن وطئ المظاهر في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا لا يجب الاستئناف عند الشافعي وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وهي رواية عن أحمد لعدم فوات التتابع وهو الشرط وإن كان تقديمه على المسيس شرطا ففي عدم الاستئناف تقديم البعض وفي الاستئناف تأخير الكل عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في أظهر رواية يستأنف لأن الشرط في الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس وأن يكون خاليا عن الجماع فيستأنف ﴿ فمن لم يستطع ﴾ الصيام لمرض أو كبر أو فرط شهوة لا يصبر عن الجماع أو خوف حدوث مرض ﴿ فإطعام ستين مسكينا ﴾ كل مسكين مدان عند أهل العراق وهو نصف صاع من أي جنس كان، قال البغوي يروي ذلك عن عمر وعلي وعند أبي حنيفة نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد ابن جبير والحاكم ومجاهد والكرخي بإسناده إلى مجاهد أنه قال كل كفارة في القرآن فهو نصف صاع من بر، وقال مالك مد وهو رطلان بالبغدادي وقال أحمد مد البغدادي من حنطة أو دقيق ومدان من شعير أو تمر ورطلان من خبز أي خبز حنطة وقال الشافعي مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهو رطل وثلث رطل من غالب قوت البلد روى ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن سليمان بن يسار قال أدركت الناس وهم يعطون في طعام المساكين مدا مدا ويروى أن ذلك يجزئ عنهم، والحجة لأبي حنيفة ما مر من حديث سلمة ابن صخر وفيه ( أطعم منك وسقا من تمر ستين مسكينا ) لكن الحديث منقطع كما ذكرنا وقد روى الترمذي من حديث أبي سلمة أن سلمة ابن صخر البياضي جعل امرأته كظهر أمه حتى يمضي رمضان الحديث وفيه قال أطعم ستين مسكينا، قال لا أجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة ابن عمرو :( أعطه الفرق ) ١ وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا أو ستة عشر صاعا من كلام الراوي والمرفوع إنما هو أعطه الفرق والفرق في اللغة الزنبيل سواء كان صغيرا أو كبيرا، وعند الطبراني في حديث أوس ابن الصامت قال فأطعم ستين مسكينا ثلاثين صاعا، قال لا أملك ذلك إلا أن تعينني فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا وأعانه الناس حتى بلغ ثلاثين صاعا، وروى أبو داود عن خولة بنت مالك قالت ظاهر مني زوجي أوس ابن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله في ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن :﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك ﴾ الآية فقال يعتق رقبة، فقلت لا يجد فقال يصوم شهرين متتابعين، قلت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام فقال فيطعم ستين مسكينا قلت ما عنده شيء يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله إني سأعينه بفرق آخر قال قد أحسنت فاذهبي فأطعمي هما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك، قال والفرق ستون صاعا وقيل هو مكتل يسع ثلاثين صاعا٢ قال أبو داود وهذا أصح. قال ابن همام وجه الأصحية أنه لو كان ستون لم يحتج إلى معاونتها بفرق أخرى في الكفارة واحتج الشافعي ومن معه بحديث أبي هريرة في كفارة الصوم جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان الحديث قال فأتى بفرق قدر خمسة عشر صاعا قال كله أنت وأهلك وصم يوما واستغفر الله رواه أبو داود من طريق هشام ابن سعد عن أبي سلمة ابن عبد الرحمان عنه وهشام ابن سعد ضعفه النسائي وغيره ورواه أبو داود من حديث إسماعيل قال واقعت امرأتي الحديث، وفيه قال خمسة عشر صاعا وكذا وقع في رواية ابن أبي حفص ومؤمل قال البخاري منكر الحديث لكن قال الذهبي ومحمد ابن أبي حفصة أبو سلمة ضعفه النسائي وغيره وقواه غير واحدة في رواية حجاج ابن أرطأة عن الزهري عند الدارقطني بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وحجاج بن أرطأة ضعيف مدلس وروى عبد الله ابن أحمد عن أبيه عن يحيى أنه لم ير الزهري ويؤيد هذا الحديث حديث علي رضي الله عنه عند الدارقطني يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد، وفيه فإن بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين، قلنا : قال البخاري في الحديث اضطراب ففي بعض الروايات خمسة عشر صاعا وعند ابن خزيمة من طريق مهران خمسة عشر أو عشرون في الصحيحين ذكر حديث أبي هريرة وليس فيه تقدير الصيعان بل فيه أتى بفرق فيه تمر والفرق المكتل الضخم وفي مرسل سعيد ابن المسيب ما بين خمسة عشر إلى عشرين وفيه عطاء الخراساني ذكره العقيلي في الضعفاء وقال البخاري عامة أحاديث مقلوبة وفي بعض الروايات عشرون صاعا بالجزم كذا عند الدارمي في مرسل سعيد ابن المسيب وفي حديث عائشة عند ابن حزيمة أتى بفرق فيه عشرون صاعا وهذه الأحاديث الواردة في كفارة الصوم ما احتج به أبو حنيفة وارد فيما نحن فيه. والشافعي رحمه الله تعالى ذهب إلى أقل ما ورد في مقدار الطعام احتياطا ولكن أصح ما ورد في تقدير طعام المسكين حديث كعب ابن عجرة الذي ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾ ٣ رواه الشيخان في الصحيحين وفيه أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بيت ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام والفرق ثلاثة أصوع، وفي هذا الحديث عند الطبراني لكل مسكين نصف صاع تمر ولأحمد عن نهر نصف صاع ولبشر ابن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى يقتضي نصف صاع من زبيب فإنه قال يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين قال ابن حزم لا بد من ترجيح إحدى الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد، قال الحافظ : المحفوظ عن شعبة نصف صاع من طعام والاختلاف على كونه تمر أو حنطة لعله من تصرف الرواة أما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم وقد أخرجها أبو داود وفي إسناده أبو إسحاق وهو في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، وقيل المحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة ولم يختلف فيه على أبي قلابة وكذا أخرج الطبراني من طريق الشعبي عن كعب وقال الحافظ وما وقع في بعض النسخ عند مسلم لكل مسكين صاع تحريف فمن دون مسلم والصواب ما في النسخ الصحيحة لكل مسكين نصف صاع، ولما كان الإطعام في الآية مجملا في مقدار الواجب وما ورد من الأحاديث في باب الظهار والصوم مضطربة في المقدار فالحمل على هذا الحديث الصحيح المتفق عليه أولى من الحمل على صدقة الفطر فإن الأمر فيه بالأداء دون الإطعام فعلى هذا مذهب أهل العراق أقوى ومذهب أبي حنيفة أحوط والله تعالى أعلم.
مسألة
لو غداهم وعشاهم أكلتين مشبعتين بخبز حنطة ولو بغير إدام أو بخبز شعير بإدام سواء كانت غداء وعشاء أو غداءين أو عشائين بعد اتحاد ستين جاز ولو غدا ستين وعشا آخرين لم يجز ولو كان ممن أطعم صبيا فطيما أو رجلا شبعان لم يجز، ويشترط الإشباع قليلا أكلوا أو كثيرا ولا يشترط التمليك خلافا للشافعي ولو أعطى مسكينا واحدا ستين يوما جاز عند أبي حنيفة خلافا للجمهور، وقد مرت المسائل اختلافا واستدلالا في كفارة اليمين في سورة المائدة.
فائدة
لم يذكر الله تعالى قيد من قبل أن يتماسا في الإطعام كما ذكر في أخويه ومن هاهنا قال أبو حنيفة أنه جامع المظاهر التي ظاهر منها في خلال الإطعام لا يجب عليه الاستئناف لأن الله سبحانه ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس ونظر إلى عدم تقييد الإطعام بقبلية المسيس، قال مالك إنه من أراد التكفير بالإطعام جاز له الوطء، والجمهور على أنه لا يجوز له ذلك والوطء قبله، الجمهور على أن ذلك الوطء قبل التكفير حرام مطلقا لأن الظهار موجب للحرمة والكفارة سبب لإزالة الحرمة فما لم توجد الكفارة لا يحل له الوطء سواء كانت بالإطعام أو غير ذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فاعتزلها حتى تكفر فيها، روى أصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال عليه السلام ما حملك على هذا ؟ قال رأيت خلف لها في ضوء القمر، وفي لفظ بياض ساقيها قال ( فاعتزلها حتى تكفر ) ٤ قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب قال المنذر رجاله ثقات مشهور سماع بعضهم عن بعض، قال البغوي الإطلاق في الطعام محمول على المقيد في العتق والصيام وهذا مبني على أصلهم من حمل المطلق على المقيد قلت قوله تعالى من قبل أن يتماسا في الإعتاق والصيام ليس شرطا لجواز الكفارة وإلا لزم أن من جامع امرأته بعد الظهار قبل الكفارة ثم كفر بعد فلك لا يجوز كفارته ولا تحل له المرأة بل هو بيان لحرمة الوطء قبل الكفارة ولعله سبحانه ترك القيد بعد الإطعام حذرا من التطويل واكتفاء بما سبق في أخويه ولم يقتصر على أحدهما الدفع توهم اختصاصه بالخصلة الأولى لو اقتصر عليها معها وتوهم اختصاصه لو اقتصر معها فذكره مرتين تنبيه على إرادة تكريره مطلقا والله تعالى أعلم.
مسألة
لو جامع المظاهر قبل التكفير استغفر الله لوقوعه في الحرم ويكفر بعد ذلك ليحصل له الحل بعد ذلك، وترتفع الحرمة الثابتة بالظهار ولا يجب عليه بالجماع قبل التكفير كفارة أخرى وقال بعض أهل العلم، يجب عليه كفارتان لنا ما مر من حديث سلمة ابن صخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بكفارة واحدة بعدما جامعها قبل التكفير وحديث ابن عباس مثل ذلك، وروى الترمذي وابن ماجه حديث سلمة ابن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم في مظاهر بواقع قبل أن يكفر قال :( كفارة واحدة ) ٥ وقال الترمذي حديث حسن غريب، وقال مالك في الموطأ فيمن يظهر ثم يمسها قبل أن يكفر يكف عنها حتى يستغفر الله ويكفر ثم قال وذلك أحسن ما سمعت ﴿ ذلك ﴾ منصوب بفعل مقدر أي بينا ذلك الأحكام ﴿ لتؤمنوا بالله ورسوله ﴾ ذكر الله سبحانه الإيمان وأراد به شراءه كما في قوله تعالى :﴿ وما كان ليضيع إيمانكم ﴾ ٦أي صلاتكم يعني لتعلموا بشرائع الإسلام ترفضوا ما كنتم عليه في الجاهلية ﴿ وتلك ﴾ الكفارات ﴿ حدود الله ﴾ يمتنع بها المكلف عن
١ أخرجه أبو داود في كتاب: الطلاق باب: في الظهار ﴿٢٢١٥﴾}.
٢ سورة البقرة الآية ﴿١٩٦﴾.
٣ أخرجه أبو داود في كتاب: الطلاق باب: في الظهار: ﴿٢٢٢٠﴾}.
٤ أخرجه الترمذي في كتاب: الطلاق واللعان باب: ما جاء في عدة المتوفي عنها زوجها ﴿١١٩٥﴾}.
٥ الآية هي ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ سورة البقرة الآية ﴿١٤٣﴾}.
٦ سورة آل عمران الآية: ٩٧.
﴿ إن الذين يحادون الله رسوله ﴾ أي يعادون الله ورسوله ويشاقون ويخالفون أمرهما، فإن كلا من المتعادين في حد غير حد الآخر، والمعنى يضعون أو يختارون حدودا غير حدودهما ﴿ كبتوا ﴾ قال في القاموس كبته يكبته صرعه وآخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه أذله والمكبت الممتلئ غما ﴿ كما كبت الذين من قبلهم ﴾ من الكفار الأمم الماضية ﴿ وقد أنزلنا آيات بينات ﴾ دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ وللكافرين عذاب مهين ﴾ يذهب عزهم وتكبرهم.
﴿ يوم يبعثهم الله ﴾ منصوب بالظرف المستقر أعني للكافرين أو بمهين أو بإضمار أذكر تعظيما لليوم . ﴿ جميعا ﴾ تأكيد للضمير المنصوب في يبعثهم أو حال منه أي مجتمعين ﴿ فينبئهم بما عملوا ﴾ على رؤوس الأشهاد تفضيحا لهم وتقريرا لعذابهم ﴿ أحصاه الله ﴾ يعني أحاط الله ما عملوا علما لم يغب منه شيء ﴿ ونسوه ﴾ لكثرته أو لتهاونهم به عند ارتكابه وإنما يحفظ من الأمور ما يستعظم ﴿ والله على كل شيء شهيد ﴾ لا يعزب عنه شيء.
﴿ ألم تر ﴾ استفهام إنكار بمعنى تعلم ﴿ أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ﴾ كليا وجزئيا، ﴿ ما يكون ﴾ من كان التامة أي ما يقع من ﴿ نجوى ثلاثة ﴾ قرأ أبو جعفر تكون بتاء التأنيث نجوى والباقون بالياء لأجل الفصل بمن الزائدة والنجوى اسم مصدر، كذا في القاموس من النجاة وهي ما ارتفع من الأرض فإن السرائر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه والمعنى ما يقع من تناجي من الرجال، ويجوز أن يقدر مضاف أو تؤول نجوى بمتناجين ويجعل صفة لها ﴿ إلا هو رابعهم ﴾ استثناء مفرغ حال من ثلاثة يعني في حال من الأحوال إلا حال كون الله تعالى جاعلهم أربعة من حيث أنه معهم غير متكفية وشريكهم في الاطلاع، ﴿ ولا خمسة إلا هو سادسهم ﴾ تخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين، أو لأن الله وتر والله يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار التي يمكن فيها التشاور، لأن التشاور لا بد له غالبا من المتنازعين وواحد يتوسط بينهما ويرجح رأي أحدهما والمتنازعين إما يكون من كل جانب واحدا فالمجموع ثلاثة وإما يكون جماعة وأدنى الجماعات اثنان فالمجموع خمسة، فذكر العددين وأشار إلى غيرهما من الأعداد بقوله ﴿ ولا أدنى من ذلك ﴾ يعني أقل عددا من الثلاثة كالإثنين، ﴿ ولا أكثر ﴾ من الثلاثة أو من الخمسة كالأربعة والستة وما فوقها، قرأ يعقوب بالرفع عطفا على محل نجوى قبل دخول من أو محل أدنى عن جعلت لا لنفي الجنس، ﴿ إلا هو ﴾ يعني الله سبحانه ﴿ معهم ﴾ معية غير متكفية مقتضية للاطلاع على ما يجري بينهم، ﴿ أين ما كانوا ﴾ فإن عمله تعالى ليس لقرب المكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة، ﴿ ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ﴾ تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء ﴿ إن الله بكل شيء عليم ﴾ فإنه تعالى هو الخالق للذات والصفات من العلوم وغيرها والمقلب للأحوال، أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حبان قال : كان بين اليهود وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة فكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، وذكر البغوي نحوه وزاد وإن المؤمنين حين يرونهم يتناجون كانوا يقولون ما نريهم إلا وقد بلغهم من إخواننا الذين خرجوا في السرايا بقتل أو موت أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم فيحزنهم، فلما طال ذلك وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا فأنزل لله تعالى﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
﴿ ألم تر ﴾ ألم تنظر يا محمد ﴿ إلى الذين نهوا عن النجوى ﴾ أي المناجات، ﴿ ثم يعودون ﴾ مضارع بمعنى الماضي أي عادوا عطف على نهوا، وإيراد صيغة المضارع لاستحضار صورة العود الشنيعة ﴿ لما نهوا عنه ﴾ لم ينتهوا، ﴿ ويتناجون ﴾ عطف على يعودون، قرأ حمزة " يتنجون " وهو يفتعلون من النجوى والباقون على وزن يتفاعلون، ﴿ بالاثم والعدوان ومعصيت الرسول ﴾ أي بما هو إثم عند الله وعدوان على المؤمنين وتواص بمعصية الرسول، وكان نفس النجوى أيضا معصية للرسول فإنه عليه الصلاة والسلام نهاهم عنه، أخرج أحمد والبزار بسند جيد عن ابن عمر أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم، ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول، فنزلت هذه الآية ﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ وهو قولهم السام عليكم، والسام الموت، وهم يوهمونه أنهم يقولون السلام عليكم، ﴿ ويقولون في أنفسهم ﴾ يعني فيما بينهم إذا أخرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم أو يقولون في قلوبهم ﴿ لولا ﴾ هلا ﴿ يعذبنا الله بما نقول ﴾ من التحية وأنه ليس نبيا إن كان نبيا عذبنا الله به، قال الله عز وجل ﴿ حسبهم جهنم ﴾ عذابا ﴿ يصلونها ﴾ حال من ضمير حسبهم، ﴿ فبئس المصير ﴾ جهنم، عن عائشة قالت أستأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقال السام عليكم فقلت بل عليكم السام اللعنة فقال :( يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) قلت أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال قد قلت وعليكم )١، وفي رواية عليكم ولم يذكر الواو متفق عليه، وفي رواية البخاري قالت اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم، قال وعليكم، فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضبه عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش ) قالت أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال :( أو لم تسمع ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في )، وفي رواية لمسلم :( لا تكوني فاحشة فإن الله لا يحب الفحش )، وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليكم فقل وعليكم )٢ متفق عليه، وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم ) متفق عليه.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الآداب باب: الرفق في الأمر كله ﴿٦٠٢٤﴾ وأخرجه مسلم في كتاب السلام باب: النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم ﴿٢١٦٤﴾.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الاستئذان باب كييف الرد على أهل الذمة بالسلام ﴿٦٢٥٧﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم ﴿٢١٦٤﴾.
﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ قال مقاتل يعني الذين آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وهم المنافقون وقال عطاء يريد الذين آمنوا بزعمهم، ﴿ إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول ﴾ كما يفعله اليهود، ﴿ وتناجوا بالبر ﴾ بأداء الفرائض والطاعات وما يتضمن خير المؤمنين، ﴿ والتقوى ﴾ أي الاحتراز من معصية الرسول، ﴿ واتقوا الله الذي إليه تحشرون ﴾ فيما تفعلون وتتركون فإنه مجا زيكم.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال كان المنافقون يتناجون بينهم وكان ذلك يغيظ المؤمنين ويكبر عليهم، فأنزل الله تعالى :﴿ إنما النجوى ﴾ الذي يأتونه لغيظ المؤمنين وحزنهم ﴿ من الشيطان ﴾ فإنه المزين لها وحاملهم عليها، ﴿ ليحزن ﴾ متعلق بفعل محذوف تقديره يتناجون ليحزن أو يزين الشيطان النجوى ليحزن، أو متعلق بالظرف المستقر يعني كائن من الشيطان ليحزن ﴿ الذين آمنوا ﴾ بتوهمهم لوصول مكروه، ﴿ وليس ﴾ النجوى أو الشيطان ﴿ بضارهم ﴾ أي المؤمنين ﴿ شيئا ﴾ من الضرر، ﴿ إلا بإذن الله ﴾ أي بقضائه ومشيئته، الجملة حال من فاعل الظرف المستقر، ﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾، الفاء في فليتوكل جواب أما المحذوفة تقديره وأما على الله فليتوكل المؤمنون ولا يبالوا بنجواهم، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون ثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) رواه البغوي وروى أحمد والشيخان والترمذي وصححه بن ماجه عن ابن مسعود مرفوعا ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس فإن ذلك يحزنه )١.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الاستئذان باب: إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة ﴿٦٢٩٠﴾ وأخرجه مسلم في كتاب السلام باب: تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه ﴿٢١٨٤﴾ وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الأدب باب: لا يتناجى اثنان دون الثالث ﴿٣٧٧٥﴾ وأخرجه الترمذي في كتاب: الآداب باب: ما جاء لا يتناجى اثنان دون ثالث ﴿٢٨٢٥﴾.
قال البغوي قال مقاتل ابن حبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء أناس منهم يوما وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليهم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم، فأنزل الله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم ﴾ الآية، وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنها أنزلت يوم الجمعة وقد جاء ناس من أهل بدر فذكر نحوه، وقال البغوي قال الكلبي نزلت في ثابت ابن قيس ابن شماس وقد ذكر في سورة الحجرات قصته، وأخرج ابن جرير عن قتادة قال كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا مجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم ﴾﴿ تفسحوا ﴾ توسعوا أو ليفسح بعضكم عن بعض من قولهم أفسح عني أي تنح ﴿ في المجالس ﴾، قرأ عاصم على صيغة الجمع بالألف والباقون المجلس بغير ألف على التوحيد، والمراد بالمجلس حينئذ الجنس أو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يتنافسون على القرب من النبي ويحرصون على استماع كلامه، ﴿ فافسحوا يفسح الله ﴾ مجزوم في جواب الأمر أي يوسع لكم فيما تريدون الوسعة من المكان والرزق والصدر ويوسع لكم الجنة، روى البغوي بسنده عن عبد الله ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا توسعوا )، وروي أيضا من طريق الشافعي عن جابر ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا )، وقال أبو العالية والقرظي والحسن هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال كان الرجل يأتي القوم في الصيف فيقول توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم في الشهادة، ﴿ وإذا قيل انشزوا فانشزوا ﴾ قرأ نافع وابن عمرو وعاصم بخلاف عن أبي بكر بضم الستين فيها ويبتدئون بهمزة الوصل والباقون بكسر السين ويبتدئون بكسر الهمزة، والمعنى ارفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم، وقال البغوي قال عكرمة والضحاك كان رجال يتثاقلون عن الصلاة إذا نودي بها فأنزل الله هذه الآية معناه إذا نودي للصلاة فانهضوا لها، وقال مجاهد وأكثر المفسرين معناه إذا قيل لكم انهضوا إلى الصلاة إلى الجهاد وإلى كل خير وحق فقوموا لها ولا تقصروا، ﴿ يرفع الله ﴾ مجزوم في جواب الأمر ﴿ الذين آمنوا منكم ﴾ بالنصر وحسن الذكر ومهابتهم في أعين الناس وغير ذلك في الدنيا وإيوائهم في غرف الجنان في الآخرة، ﴿ الذين أوتوا الكتاب ﴾ العلماء منهم خاصة ﴿ درجات ﴾ تميز من نسبة الرفع إلى المفعول تقديره الله درجات الذين آمنوا في الجنة بما جمعوا من العلم والعمل، فإن العمل إذا صدر من أهل العلم يؤتي من الأجر ما لا يؤتي غيره لأنه يعتدى به دون الجاهل فله أجر وأجر من يقتدي به من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء )١، الحديث رواه مسلم من حديث جرير قال عليه الصلاة والسلام :( فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )٢ رواه أحمد وأصحاب السنن عن كثير ابن قيس وسماه الترمذي وقيس ابن كثير قال : قال عليه الصلاة والسلام :( فضل العالم على العابد كفضل الأعلى على أدناكم ) ٣ رواه الترمذي من حديث أبي امامة الباهلي، عن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين فقال :( كلاهما على خير وأحدهما أفضل من صاحبه أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم أما هؤلاء فيتعلمون الفقه أو العلم ويعلمون الجاهل فهم أفضل وإنما بعثت معلما ثم جلس فيهم ) رواه الدرامي، قال الحسن : قرأ ابن مسعود هذه الآية قال : أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم فإن الله يقول يرفع الله المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات وفي هذه الآية إشارة إلى أن النفر من أهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام والنبي صلى الله عليه وسلم مصيب فيما أمر وأولئك المؤمنون مثابون فيما ائتمروا ﴿ والله بما تعملون خبير ﴾ فيجازيكم عليه، فيه ترغيب لمن عمل وتهديد لم يمتثل الأمر واستكرهه.
١ أخرجه مسلم في كتاب الزكاة: باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار ﴿١٠١٧﴾}.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: العلم باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة ﴿٢٦٨٣﴾ وأخرجه أبو داود في كتاب العلم باب: فبي فضل العلم ﴿٣٦٣٧﴾ وأخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم ﴿٢٢٣﴾.
٣ أخرجه الترمذي في كتاب العلم باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة ﴿٢٦٨٥﴾ بلفظ ﴿فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم﴾..
أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن مسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فأنزل الله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذاناجيتم الرسول ﴾ أي إذا أردتم مناجاته﴿ فقدموا بين يدي نجواكم ﴾ الرسول ﴿ صدقة ﴾، وقال البغوي قال مقاتل ابن حيان نزلت في الأغنياء وذلك أنهم يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره النبي صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم، وقال ابن عباس في رواية ابن أبي حاتم أنه لما نزلت هذه الآية صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة قال البغوي : انتهوا عن مناجاته، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا وأما أهل اليسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة، قال مجاهد : نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجيه إلا علي رضي الله عنه تصدق بدينار وناجاه ثم نزلت الرخصة، وكان علي يقول آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية المناجاة، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه : إن في كتاب الله آية فما عمل بها أحد غيري كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم، وذكر في المدارك عن علي رضي الله عنه قال : كنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مسائل فأجابني عنها قلت يا رسول الله ما الوفاء، قال : التوحيد وشهادة أن لا إلاه إلا الله قلت ما الفساد ؟ قال : الكفر بالله والشرك، قلت : ما الحق ؟ قال : الإسلام والقرآن والولاية وإذا انتهت إليك، قلت ما الحيلة ؟ قال ترك الحيلة، قلت ما علي ؟ قال : طاعة الله ورسوله، قلت وكيف أدعوا الله ؟ قال بالصدق واليقين، قلت وماذا أسأل قال : العافية، قلت ما أصنع لنجاة نفسي قال كل حلالا وقل صدقا، قلت ما السرور ؟ قال الجنة، قلت ما الراحة ؟ قال لقاء الله، فلما فرغت منها نزل نسخها ﴿ ذلك ﴾ التصدق ﴿ خير لكم ﴾ من حب المال ﴿ وأطهر ﴾ لذنوبكم، ﴿ فإن لم تجدوا ﴾ الصدق لأجل الفقر ﴿ فإن الله غفور رحيم ﴾ رخص للفقراء وأجاز لهم المناجاة من غير تصدق كأن هذه الجملة مخصص لما سبق من عموم الحكم، وأخرج الترمذي وحسنه عن علي رضي الله عنه قال لما نزلت ﴿ الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى دينار ؟ قلت لا يطيقونه، قال فنصف دينار ؟ قلت لا يطيقونه، قال فكم ؟ قلت : شعيرة، قال : إنك لزهيد، فنزلت١ ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ١٣ ) ﴾.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة المجادلة ﴿٣٣٠٠﴾}.
﴿ أأشفقتم ﴾ استفهام للتقرير والمعنى خفتم الفقر من ﴿ أن تقدموا ﴾ أو المعنى خفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر ﴿ بين يدي نجواكم صدقات ﴾ ما جمع الصدقات لجمع المخاطبين أو لكثرة التناجي، قال علي فيها روي الترمذي عنه فخفف الله عن هذه الآية ﴿ فإذ لم تفعلوا ﴾ التصدق لأجل الفقر أو البخل ﴿ وتاب الله عليكم ﴾ تجاوز عنكم ولم يعاقبكم، أو المعنى رجع بكم عنها وخفف بنسخ الصدقة ورخص لكم أن لا تفعلوه وفيه إشعار بأن إشفاقكم ذنب تجاوز الله عنه وإذ هنا بمعناه وقيل تقدير الكلام فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم تجاوز عنكم ونسخ الصدقة، قال مقاتل ابن حيان كان ذلك عشر ليالي، وقال الكلبي ما كانت إلا ساعة من النهار ﴿ فأقيموا الصلاة ﴾ المكتوبة ﴿ وآتوا الزكاة ﴾ المفروضة ولا تهاونوا في أدائها، ﴿ وأطيعوا الله ورسوله ﴾ في سائر الأوامر ودوموا عليها فإن القيام بها كالجابر للتفريط في ذلك، ﴿ والله خبير بما تعملون ﴾ ظاهرا وباطنا فيجازيكم عليه.
روى أحمد والبزار وابن جرير والطبراني والحاكم من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان في حجرة من حجراته، وفي رواية في ظل حجرة وقد كان الظل يتقلص فقال :( يدخل عليكم رجل جبار ) وفي رواية ( قلبه قلب جبار وينظر بعيني الشيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه )، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حين رآه على ما تشتمني أنت وأصحابك فقال ذرني آتك فانطلق فدعاهم فحلفوا له ما قالوا وما فعلوا فأنزل الله هذه الآية ﴿ ألم تر ﴾ أي تنظر استفهام للإنكار وإنكار النفي تقرير للإثبات ﴿ إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾ والمراد بالموصول المنافقون وهم عبد الله ابن نبتل وأصحابه وبقوم غضب الله عليهم اليهود فهم والوا اليهود وناصحوهم ونقلوا سراء النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ ما هم ﴾ ويعني المنافقين ﴿ منكم ﴾ في الدين والولاية، ﴿ ولا منهم ﴾ أي اليهود جملة ما هم منكم حال من الموصول، ﴿ ويحلفون ﴾ عطف على تولوا ﴿ على الكذب ﴾ وهو ادعاء الإسلام ﴿ وهو يعلمون ﴾ حال من فاعل يحلفون يعني يحلفون عالمين بأنهم كاذبون لا كمن يحلف خطأ زعما منه أنه صادق فيما يقول : قال السدي ومقاتل نزلت في عبد الله المنافق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة فدائر نحو حديث ابن عباس المذكور وفيه فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه.
﴿ أعد الله لهم عذابا شديدا ﴾ نوعا من العذاب متفاقما ﴿ إنهم ساء ما كانوا يعملون ﴾ في الماضي فتمزنوا على سوء العمل وأصروا عليه.
﴿ اتخذوا ﴾جملة مستأنفة أو حال من فاعل يحلفون بتقدير قد، ﴿ أيمانهم ﴾الكاذبة ﴿ جنة ﴾ وقاية لدمائهم وأموالهم، ﴿ فصدوا ﴾الناس في خلال أمنهم﴿ عن سبيل الله ﴾عن طاعته والإيمان به، وقيل المعنى فصدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم، ﴿ فلهم عذاب مهين ﴾ وعيد ثان بوصف آخر بعذابهم أو وعيد آخر بعذابهم فوق عذابهم الأول لكفرهم، والثاني لصدهم كما في قوله تعالى :﴿ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾١ وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة.
١ سورة النحل الآية ٨٨.
﴿ لن تغني عنهم ﴾ يوم القيامة ﴿ أموالهم ولا أولادهم من الله ﴾ أي من عذابه ﴿ شيئا ﴾، من الإغناء جملة لا تغني صفة أخرى بعذاب بحذف الرابط تقديره لهم عذاب مهين لن تغنى عنهم في دفعه أموالهم أو مستأنفة.
﴿ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا ﴾ الظرف متعلق بقوله فلهم عذاب مهين.
﴿ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا ﴾ الظرف متعلق بقوله فلهم عذاب مهين.
﴿ فيحلفون له ﴾ أي لله تعالى يقولون والله ربنا ما كنا مشركين، ﴿ كما يحلفون لكم ﴾ إنهم منكم، ﴿ ويحسبون أنهم على شيء ﴾ من الحيلة للنجاة ويزعمون أن الأيمان الكاذبة ترفع على الله كما تروج عليكم في الدنيا، ﴿ ألا إنهم هم الكاذبون ﴾ الباقون الغاية في الكذب فأنهم يكذبون مع عالم الغيب حيث لا ينفعهم الكذب.
﴿ استحوذ ﴾ غلب واستولى ﴿ عليهم الشيطان ﴾ جملة مستأنفة، ﴿ فأنساهم ذكر الله ﴾ وأغفلهم عنه تعالى بحيث لا يخافون عذاب الله ولا يزعمون أن الله مجازيهم، وأنه يعلم سرهم وخفاياهم، ﴿ أولئك حزب الشيطان ﴾ جنوده وأتباعه، ﴿ ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ﴾ لأنهم فوتوا حظهم وبدلوا نصيبهم من الجنة بالنار المؤبدة، وقد ورد في الحديث الطويل عن أبي هريرة مرفوعا ( إن الكافر في القبر يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زينتها وما فيها فيقال له انظر إلى ما صرفه الله عنك ثم يفرج له فرجة إلى النار فينظر إليها يحطم بعضها فيقال له هذا مقعدك ) رواه ابن ماجه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى :﴿ أولئك هم الوارثون ﴾١.
١ أخرجه ابن ماجه في كتاب: الزهد باب: صفة الجنة ﴿٤٣٤١﴾}.
﴿ إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ٢٠ ﴾ أي في جملة من هو أذل خلق الله تعالى لا يرى أحد أذل منهم.
﴿ كتب الله ﴾ في اللوح قضاء ثابتا ﴿ لأغلبن أنا ورسلي ﴾ قرأ نافع وابن عامر بفتح الياء والباقون بالإسكان، قوله ﴿ لأغلبن ﴾جواب قسم محذوف أو يقر لما كان كتب لإفادة اللزوم بمعنى القسم أورد في جواب اللام، قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب في الحرب ومن لم يؤمن بالحرب فهو غالب بالحجة ﴿ إن الله قوي ﴾ لا يمتنع عنه ما يريد ﴿ عزيز ﴾ لا يغلب عليه أحد.
﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون ﴾ مفعول ثان لتجد إن كان بمعنى العلم، وإن كان بمعنى المصادفة فهو حال أو صفة ﴿ من حاد الله ورسوله ﴾ هذه الآية تدل على أن إيمان المؤمن يفسد بموادة الكافرين وأن المؤمن لا يوالي الكفار وإن كان قريبه قيل نزلت الآية في أبي حاطب ابن بلتعة حين كتب إلى أهل مكة وسيأتي القصة في سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى وأخرج ابن المنذر عن أبي جريج قال حدثنا أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر صكة فسقط، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلك فقال أفعلت يا أبا بكر فقال والله لو كان السيف قريبا مني لضربته به فنزلت ﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم. . . ﴾، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شودة قال نزلت هذه الآية في أبي عبيد ابن الجراج حين قتل أباه يوم بدر، وأخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك بلفظ جعل والد أبي عبيدة ابن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة تحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فنزلت، وروى مقاتل ابن حبان عن مرة الهمداني عن عبد الله ابن مسعود في هذه الآية ولو كانوا آباءهم يعني أبا عبيدة ابن الجراح قتل أباه عبد الله ابن جراج يوم أحد ﴿ أبناءهم ﴾ أو أبنائهم يعني أبا بكر ابنه يوم بدر إلى البراز فقال دعني يا رسول الله أكن في الرعلة الأولى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك يا أبا بكر، ﴿ أو إخوانهم ﴾ يعني مصعب ابن عمير قتل أخاه عبيد ابن عمير يوم أحد، ﴿ أو عشيرتهم ﴾ يعني عمر قتل خاله العاص ابن هشام ابن المغيرة يوم بدر وعليا وحمزة وعبيدة قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابن ربيعة والوليد ابن عتبة، ﴿ أولئك ﴾ الذين لم يوادوهم ﴿ كتب ﴾ أي أثبت ﴿ في قلوبهم الإيمان ﴾ أي التصديق فهي موقنة لا تدخل فيها الشك ﴿ وأيدهم ﴾ بروح منه أي بنور من عند الله وبنصره، سمي بنصره إياهم روحا لأن أمرهم يحيى به، وقال السدي يغني بالإيمان وقال الربيع يعني بالقرآن وحججه، وقيل برحمة منه وقيل أيدهم لجبرائيل، ﴿ ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ﴾ بطاعة والجملة بتقدير قد حال من فاعل يدخلهم أو من مفعوله، ﴿ ورضوا عنه ﴾ بثوابه بحسبهم في الآخرة أو بما قضى الله تعالى عليهم في الدنيا، ﴿ أولئك حزب الله ﴾ وجنده وأنصار دينه يتبعون أمره وينهون عما ينهى عنه ﴿ إن حزب الله هم المفلحون ﴾ الفائزون بخير الدنيا والآخرة الآمنون من كل مرهوب.
Icon