تفسير سورة الجن

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني
تفسير سورة سورة الجن من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني .
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سورة الجن
مكية، ثمان وعشرون آية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (١) النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة.
والجن: أحد الثقلين، بُعِث إليهم رسول اللَّه - ﷺ - كما بعث إلى الإنس، فدعاهم إلى اللَّه، منهم من آمن، ومنهم من كفر. وهؤلاء النفر هم الذين سمعوا القرآن من رسول اللَّه - ﷺ - وهو يصلي الصبح ببطن نخلة كما تقدم في آخر الأحقاف. ولا دلالة فيه على أنه لم ير الجن. وليلة
246
الجن رواها ابن مسعود - رضي الله عنه -. وروى جابر أن رسول الله - ﷺ - قال " قرأت سورة الرحمن، فكانوا أحسن مردوداً منكم " والقول بأنها أرواح مجردة، أو نفوس بشرية مفارقة عن أبدانها، لا يجوز تفسير كلام اللَّه بها، ولم يذهب إليه أحد من أهل الحق، مخالف
247
للنصوص (فَقَالُوا) بعدما انصرفوا إلى قومهم (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) في أسلوبه ومعناه. وصفه بالمصدر مبالغة.
(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ... (٢) إلى الحق. (فَآمَنَّا بِهِ) بما فيه من التوحيد. (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) ولا دلالة فيه على أنهم كانوا مشركين، بل كانوا يهوداً؛ لقولهم: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى).
(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا... (٣) عظمته من جدَّ فلان: عظم، أو غناه، مستعار من الجدِّ بمعنى البخْتِ. والغرض وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد، وقوله: (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) بيان لذلك. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص: " أَنَّ " المسبوقة بالواو بفتح الهمزة في اثني عشر موضعاً متوالية، والباقون بكسرها، ووافقهم على الفتح في: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) ابن كثير، وأبو عمرو. واتفق الكل على فتح: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)
والوجه في الفتح: العطف على الهاء في (فَآمَنَّا بِهِ) من غير إعادة الجارّ على المذهب الكوفي، أو على محل الجارّ والمجرور، أو الإيصال بعد الحذف، أو إضمار الجارّ.
(وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا... (٤) إبليس، أو مردة الجن. (عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) قولاً ذا شطط، وصف بالمصدر مبالغة. والشطط: تجاوز الحدّ.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥) نصب على المصدر؛ لأن الكذب نوع من القول. ولا دلالة فيه على أنهم إلى حين سماع القرآن كانوا مشركين.
(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ... (٦) كان الرجل من العرب إذا نزل بأرض نازحة يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه. (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) فزاد الإنس الجن تكبراً وعتواً باستعاذتهم بهم، أو بالعكس؛ لزيادة إغوائهم الإنس بالاستعاذة. والرهق: غشيان المحارم. وإطلاق الرجل على ذكر الجن؛ للمشاكلة.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ... (٧) القائل: الجن بعضهم لبعض. والضمير في " أنهم " للإنس، والعكس لا معنى له؛ لأنَّ السياق في حكاية كلام الجن. وقيل: الآية والتي قبلها من كلام اللَّه جار مجرى الاعتراض، يؤكد ما حدث منهم من تماديهم في الكفر. وقراءة الفتح يؤيد الأول. (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) سادّ مسدّ مفعولي (ظَنُّوا).
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ... (٨) اللمس: المس مجاز عن الطلب؛ لأنَّ اللامس طالب متعرف. والمعنى: طلبنا خبر السماء على ما كنا نفعله قديماً. (فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا)
حُرَّاساً اسم جمع، كخدَم في خدَّام. (شَدِيدًا) أقوياء، أفرده باعتبار اللفظ (وَشُهُبًا) جمع شهاب، وهو الشعلة من النار.
(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا... (٩) من السماء (مَقَاعِدَ) خالية عن الحرَّاس (لِلسَّمْعِ) للاستماع (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) هو كالحَرس، اسم جمع أي: ذوي شهاب راصدين للرجم وهم الملائكة، ويجوز أن يكون بمعنى الراصد صفة للشهاب. كانت الشياطين تسترق السمع قبل بعثة رسول اللَّه - ﷺ - فترجم بالشهب؛ لقوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَيَاطِينِ) ولما روى ابن عباس - رضي الله عنهما -: كنا جلوساً عند رسول اللَّه - ﷺ - فرمي بنجم فاستنار، فقال: ما كنتم تقولون في هذا في الجاهلية؟ قلنا: كنا نقول: يولد عظيم أو يموت عظيم. وفي لفظ: " مُلِئَتْ " و " مقاعد "؛ إشارة إلى أنَّ ذلك قبل البعثة كان قليلاً، وأما الآن فلا مجال.
(وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ... (١٠) بخراب السماء. (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) أمراً ذا رشد.
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ... (١١) الأبرار المتقون. (وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) وهم المقتصدون.
(كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) ذوي مذاهب متفرقة، جمع قدة كقطع وقطعة. وعن أبي معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: قلت لجني: فيكم الأهواء التي فينا؟ قال: نعم. قلت: كيف حال الرافضة؟ قال: هم شرُّنا.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ... (١٢) كائنين في الأرض أينما كنا. (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا) هاربين منها إلى السماء، أو إن طلبنا في الأرض لم نَفُتْه، وإن هربنا منه لم نَنْجُ. والظن بمعنى اليقين؛ لكونه كلام الموقنين.
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى... (١٣) القرآن. كانوا كاملي المعرفة حيث جعلوا القرآن نفس الهدى (آمَنَّا بِهِ) من غير توقف (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ) أي: فهو لا يخاف، آثره على لا يَخَفْ؛ لإفادة التقوى والاختصاص كأنه قيل: فهو ناج لا محالة ومختص بذلك.
(بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) البخس: النقص، والرهق: القرب من الشيء، ومنه الصبي المراهق. والمعنى: أنَّ المؤمن لاجتنابة البخس وظلم الناس لا يخاف جزاءهما. وكان أصل الكلام: ومن لا يبخس أحداً ولا يرهق ظلمه، فوضع قوله: (فَمَن يُؤْمِنْ) موضعه، إشارة إلى أنَّ حقّ المؤمن وشأنه أن يكون كذلك، أو المعنى: أن المومن لا يخاف نقصان جزائه، ولا أن ترهقه ذلة، وغير المؤمن كل ما فيه عين البخس، لا بخس حقّ.
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ (١٤) الجائرون عن طريق الحقّ (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) وأيّ رشد.
(وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥) توقد بهم كما توقد بكفار الإنس.
(وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ... (١٦) عطف على (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) من كلام اللَّه الموحى إليه. و " أن " مخففة، حذف منها ضمير الشأن. والضمير للإنس، أو للجن، أو لهما. والطريقة: التوحيد والإسلام. (لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) لوسّعنا عليهم الرزق وتخصيص الماء؛ لعزّة وجوده في أرض العرب، ولأنه أصل سائر الأقوات والثمار. والغدق: الكثير.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ... (١٧) لنبتليهم في ذلك التوسيع أيشكرون أم يكفرون. وقيل: لو استقاموا على ما كانوا عليه ولم يؤمنوا لوسعنا عليهم الرزق استدراجاً. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ
(ذِكْرِ رَبِّهِ) عن عبادته؛ لأنَّ الغرض منها ذكر المعبود (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) أي: في عذاب. كقوله: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ) أو ضمن معنى يُدخِله. والصعد: مصدر صعد. وصف به؛ مبالغة في علوِّه على المعذب. كقوله: (تَطلِعُ عَلَى الْأَفْئدَة) وقرأ غير الكوفيين بالنون؛ مبالغة أي: موافقة (لَأَسْقَينَاهُمْ).
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ... (١٨) من الموحى إليه، ليس من كلام الجني. (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) خطاب للجني. كأنه قيل: قل لمشركي مكة أوحي إليَّ كذا وأن أقول للجن كذا، وفي ضمن الحكاية إثبات الحكم للمشركين أيضاً. ويجوز أن يكون الخطاب للمشركين، أو عاماً للإنس والجن. وعن سيبويه والخليل: " ولأنَّ المساجد للَّه " (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) والوجه فيه: أن يكون كلاماً مستطرداً عقيب وعيدِ المعرِضِ. وعن الحسن: المساجد: الأرض كلها؛ لقوله - ﷺ -: " جعلت لي الأرض مسجداً ". وقيل: المسجد الحرام، لأنه قبلة
المساجد، فالجمع للتعظيم. وقيل: أعضاء السجود وهي سبعة: الرجلان، والركبتان، واليدان، والجبهة، والأنف. وهذا أوجه؛ لأن فيه تذكيراً لكونه المنعم بها، وأن الحكمة في خلقها خدمة المعبود، والتعبير بالمساجد للَّه؛ إشارة إلى ما خلقت له،
(وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩) أي: لما سمع الجن تلاوة رسول اللَّه - ﷺ - بنخلة، كاد أن يدخل بعضهم في بعض من الازدحام عليه؛ حرصاً على السماع منه كلّ شيء. ألصقته إلى آخرٍ فقد لبدته، أو قال الجن لقومهم: (لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) كاد أصحابه أن يكونوا عليه لبداً من شدّة طواعيتهم. وعن الحسن: " كادت العرب تلبّد عليه لمّا قال: لا إله إلا اللَّه ". وعن قتادة: " كادت الإنس والجنَّ تلبّد عليه وعلى إطفاء نوره ". ثم الوجه على قراءة الكسر: أن يكون استئنافاً ابتداء قصة لبيان حال الرسول مع المشركين، كأنه قال له: قل أوحي إليَّ من حال الجن، وإيمان بعضهم وكفرِ آخرين. وفي ذلك حثٌّ للسامعين على الإيمان ولطف بهم، ثم ابتدأ بقوله: أنه لمّا قام عبد اللَّه يدعوه ويوحده، كاد الفريقان يكونون عليه لبداً عناداً، أو رَوْمًا لإطفاء نوره، مع ما تلا عليهم من الآيات الباهرة والدلائل النيرة. والظاهر لما قمت تدعوه، فالعدول إلى المُظْهَر وإيثار عبد اللَّه على الرسول والنبي، لأنه واقع في كلامه، فيؤديه على ما يقتضيه التواضع. أو أشار تعالى إلى أنَّ
[العبادة من العبد لا تستبعد، فما لهم ينكرون ذلك؟، فنقل كلامه تعالى؛ إخفاء لنفسه عن البين، إذ لا اعتداد بالأثر بعد العين]. وقرأ هشام في وجه " لُبداً " بضم اللام؛ جمع لِبْدَة كقِرْبة وقُرَب، والكسر جمع لِبَد أخفّ.
(قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠) فما للإنكار وجه على من يعبد ربه.
وقرأ عاصم وحمزة: " قال " على منوال " قام "، وعليه رسم الإمام، وهذا أبلغ في مدحه، لقيامة بالجواب من غير تعلم.
(قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١) أي: نفعاً، أو غياً ولا رشداً. عبّر عن أحدهما باسمه، وعن الآخر باسم سببه، أو مسببه؛ إشعاراً بالمعنيين.
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ... (٢٢) جملة معترضة؛ لبيان عجزه، وتأكيد نفي الاستطاعة، فكيف يقدر من هذا شأنه على نفع أحدٍ أو ضرِّه. (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) ملاذاً وملتجأً، من اللحد وهو الميل.
(إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ... (٢٣) كائناً منه. استثناء متصل. أي: قل: لا أملك شيئاً إلا بلاغاً، وإن فسِّر بـ " لا أملك أن أَقسركم على الغي والرشد " كان منقطعاً، أو من باب:
وَلا عَيبَ فيهِم غَيرَ أَنَّ سُيوفَهُم.
(وَرِسَالَاتِهِ) عطف على " بلاغاً " بتقدير مضمر، أي: بلاغ رسالاته. والأصل: إلا بلاغ رسالات اللَّه، والعدول إلى المنزل بذكر البلاغ مرتين مبالغة؛ لأن كونه من اللَّه، وكونه بلاغ رسالاته مما يقتضي التشمر له (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ولم يطع أمرهما بالتوحيد.
(فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) لا محالة (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) جمعه على اعتبار الجمع في " من ".
(حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ... (٢٤) غاية لقوله " يكونون عليه لبداً " إن فسّر بالتلبد على العداوة، وإلا فلمقدّرٍ أي: لا يزالون يستضعفون حاله ويستقلون عدده، حتى إذا رأوا يوم بدرٍ أو يوم القيامة تبيّن لهم من المستضعف. دلّ عليه جواب " إذا " و " ما " قبله؛ لأنَّ السورة من فاتحتها تعريف بمشركي مكة، وتعيير لهم؛ لقصور نظرهم عن الجن، وفرط تمرّدهم، حيث بادهوا بالتكذيب بدل مبادهة الجنَّ بالتصديق. (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) هو، أو هُم.
(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ... (٢٥) جواب قولهم: متى يكون هذا الوعد.
(أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) أي: هو كائن لا محالة، ولا علم لي بوقته. والأمد: يطلق على القريب والبعيد، وأريد به الثاني بقرينة المقام كأنه قال. لا أدري أيقع في الحال وعن قريب، أو ضرب له أمد بعيد؟.
(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) أي: هو عالم الغيوب كلها، ولا يطلع على غيبه المختص به، وهو ما يتعلق بذاته وصفاته وأفعاله.
(إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ... (٢٧) ملكي أو بشري، فإنه يطلعه على ما يشاء من ذلك. ولا دلالة في هذا على أن غير ذلك المختص لا يطلع عليه غير الرسول، ولا يجوز حمله على العموم؛ لاستلزامه أن يكون " رسول " مطلعاً على جميع المغيبات. ولا دلالة في الآية على بطلان الكهانة والتنجيم، ولا أن كرامات الأولياء يكون تلقياً من الملائكة، ولا تخصيص الرسول بالملك. على أنَّ قوله: (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) أي: ملائكة يحفظونه من تخاليط الشياطين ظاهر في أنَّ المراد بالغيب: ما هو بطريق الوحي.
(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ... (٢٨) علة لقوله: (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) أي: ليتعلق علمه تعالى بإبلاغ الرسل ما أوحي إليهم؛ صانهم عن تخاليط الشياطين، أو ليعلم الرسول أن قد أبلغ جبرائيل والملائكة النازلون. (وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ) لدى الرسل من الشرائع والأحكام (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) كلّ ما دخل في الوجود في أي عالم كان، ومن هذا شأنه كيف يخفى عليه خافية؟ وكيف لا يحيط بما لدى الرسل؟.
* * *
تمَّت سورة الجان، والحمد للمنان، والصلاة على خلاصة الإنسان، وآله وصحبه إلى انصرام الزمان.
* * *
Icon