تفسير سورة المجادلة

روح البيان
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

الجزء الثامن والعشرون من اجزاء الثلاثين
تفسير سورة المجادلة
اثنتان وعشرون آية مدنية بسم الله الرحمن الرحيم
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة يعنى كار براندن با كسى بر سبيل نزاع وأصله من جدلت الحبل اى أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام اى معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التي تكالمك في حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من ظهاره إياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ عطف على تجادلك اى تتضرع الى الله تعالى وتظهر ما بها من المكروه قال في المفردات الشكاية والشكاة والشكوى اظهار البث يقال شكوت واشتكيت واصل الشكوى فتح الشكوة واظهار ما فيها وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان في الأصل استعارة كقولك بثثت له ما في وعائى ونفضت ما في جرابى إذا أظهرت ما في قلبك وفي كشف الاسرار الاشتكاء اظهار ما يقع بالإنسان من المكروه والشكوى اظهار ما يصنعه غيره به وفي تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن وهى قربة صغيرة والمجادلة هى خولة بنت ثعلب بن مالك ابن خزاعة الخزرجية وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة روى انها كانت حسنة البدن رآها أوس وهى تصلى فاشتهى مواقعتها فلما سلمت راودها فأبت وكان به خفة فغضب عليها بمقتضى البشرية وقال أنت على كظهر أمي وكان أول ظهار وقع في الإسلام ثم ندم على ما قال بناء على ان الظهار والإيلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك الى وقد حرمت على فشق ذلك عليها فاتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعائشة رضى الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله ان زوجى أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمى وأحب الناس الى ظاهر منى وما ذكر طلاقا وقد ندم على فعله فهل من شيء يجمعنى وإياه فقال عليه السلام ما أراك الا وقد حرمت عليه فقالت لا تقل ذلك يا رسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفانى أهلها وان لها صبية صغارا فقالت ان ضممتهم الى جاعوا وان ضممتهم الى أبيهم ضاعوا فاعاد النبي عليه السلام قوله الاول وهو حرمت عليه فجلت تراجع رسول الله مقالتها الاولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت أشكو الى الله مما لقيت من زوجى حال فاقتى ووحدتي وقد طالت معه صحبتى ونفضت له بطني تريد بذلك انى قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيما لا ألد بعد وكانت في كل ذلك ترفع رأسها الى السماء على ما هو عادة
388
الناس استنزالا للامر الإلهي من جانب العرش وتقول اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهى ما زالت في مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى الى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الأربع سمعا لدعائها وقبولا لشكواها فكانت سببا لظهور امر الظهار وفي قد اشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لانها انما تدخل على ماض متوقع وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما اى يعلم تراجعكما الكلام وتخاطبكما وتجاوبكما في أمر الضار فان التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعنى يكديكر را جواب دادن من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول الى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة الى طلب التحليل كذلك ومثله المحاورة في البحث ومنه قولهم في الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى الرجوع الى النقصان بعد الوصول الى الزيادة او الى الوحشة بعد الانس وقال الراغب الحور التردد اما بالذات واما بالتفكر وقيل نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من التردد في الأمر بعد المضي فيه او من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفي نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب إذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفا لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فان الحافها في المسألة ومبالغتها في التضرع الى الله ومدافعته عليه السلام إياها بجواب منبئ عن التوقف وترقب الوحى وعلمه تعالى بحالهما
من دواعى الاجابة وفي كشف الاسرار ليس هذا تكرار الان الاول لما حكته عن زوجها والثاني لما كان يجرى بينها وبين رسول الله لان الاول ماض والثاني مستقبل إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاورهما ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها الى السماء وسائر آثار التضرع
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدآئد كلها يا من اليه المشتكى والمفزع
مالى سوى قرعى لبابك حيلة ولئن رددت فاى باب أقرع
حاشى للطفك أن تقنط عاصيا الفضل أجزل والمواهب أوسع
وفي الآية دليل على ان من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى ربه وصدق في دعائه وشكواه كفاه الله ذلك ومن كان أضعف فالرب به ألطف
دعاى ضعيفان اميدوار ز بازوى مردى به آيد بكار
وفيها ان من استمع الله ورسوله والورثة الى كلامه فسائر الناس اولى (روى) ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر بهذه المرأة في خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك عمر ثم قيل لك امير المؤمنين فاتق الله يا عمر فانه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو
389
منهم عن هذه الستين نوعا وايضا سر العدد كون عمر هذه الامة بين الستين والسبعين فمن راعى العدد فكانما عبد الله ستين سنة التي هى مبلغ عمره ومنتهى امده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه اشارة الى فضيلة الوقت فانه إذا فات العمل من محله لا ينجبر بالقضاء بكماله الاولى بل يصير ساقطا عن درجة الكمال الاولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين واطعامها (قال المولى الجامى)
هر دم از عمر كرامى هست كنج بي بدل ميرود كنجى چنين هر لحظه بر باد آخ آخ
(وقال الشيخ سعدى)
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف كه فرصت عزيزست والوقت سيف
وفي الآية اشارة الى أن النفس مطية الروح وزوجته فاذا ظاهر زوج الروح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الالهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لا يستمتع ولا يتصرف فيها الا بامر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فانه لا يجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة ان لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا يعنى أن يمسك نفسه عن الالتفات الى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل التفات وان لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء بقية من بقايا انانيته فيه فيجب عليه اطعام ستين مسكينا من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالأخلاق الالهية والتحقق بالصفات الروحانية إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادونهما ويشاقونهما وكذا اولياء الله فان من عادى اولياء الله فقد عادى الله وذلك لان كلا من المتعاديين كما انه يكون في عدوة وشق غيره عدوة الآخر وشقه كذلك يكون في حد غير حد الآخر غير ان لورود المحادة في أثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع مالا غاية وراءه وبالفارسية مخالفت ميكنند با خدا ورسول او از حدود امر ونهى تجاوز مينمايند وقال بعضهم المحادة مفاعلة من لفظ الحديد والمراد المقابلة بالحديد سوآء كان في ذلك حديد حقيقة او كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم في معنى الآية يحادون اى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والأمراء السوء الذين وضعوا أمورا خلاف ما حده الشرع وسموها القانون ونحوه
پادشاهى كه طرح ظلم افكند پاى ديوار ملك خويش بكند
كُبِتُوا اى أخزوا يعنى خوار ونكو نسار كرده شوند وفي المفردات الكبت الرد بعنف وتذليل وفي القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه
الحزن بالضم ويحرك الهم والجمع احزان وحزن كفرح وحزنه الأمر حزنا بالضم وأحزنه جعله حزينا وحزنه جعل فيه حزنا وقال الراغب الحزن والحزن خشونة في الأرض وخشونة فى النفس لما يحصل فيها من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره إذا احزنته والمعنى انما هى ليجعل الشيطان المؤمنين محزونين بتوهمهم انها في نكبة أصابهم فى سيرتهم يعنى ان غزاتهم غلبوا وان أقاربهم قتلوا متألمين بذلك فاترين في تدبير الغزو الى غير ذلك مما يشوش قلوب المؤمنين وفي الحديث إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه وَلَيْسَ اى الشيطان او التناجي بِضارِّهِمْ بالذي يضر المؤمنين شَيْئاً من الأشياء او شيأ من الضرر يعنى ضرر رساننده مؤمنان بچيزى إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى بمشيئته وإرادته اى ما أراده من حزن او وسوسة كما روى ان فاطمة رضى الله عنها رأت كأن الحسن والحسين رضى الله عنهما أكلا من أطيب جزور بعثه رسول الله إليهما فماتا فلما غدت سألته عليه السلام وسأل هو جبريل ملك الرؤيا فقال لا علم لى به فعلم أنه من الشيطان وفي الكشاف الا بإذن الله اى بمشيئته وهو أن يقضى الموت على أقاربهم او الغلبة على الغزاة قال في الاسئلة المقحمة اين ضرر الحزن قلت ان الحزن إذا سلمت عاقبته لا يكون حزنا في الحقيقة وهذه نكتة اصولية إذ الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضررا في الحقيقة وهذه نكتة اصولية إذا الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضررا في الحقيقة والنفع إذا كانت عاقبته العذاب لا يكون نفعا في الحقيقة وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ليفوضوا أمورهم اليه وليثقوا به ولا يبالوا بنجواهم فانه تعالى يعصمهم من شرها وضررها دكر بما سخن خصم تندخوى مكوى كه اهل مجلس ما را از ان حسابى نيست وفي الآية اشارة الى أن الشيطان يناجى النفس الامارة ويزين لها المعارضات ونحوها ليقع القلب والروح في الحزن والاضطراب وضيق الصدر ويتقاعد ان من شؤم المعارضة عن السير والطير في عالم الملكوت ويحرمان من مناجاة الله تعالى فى عالم السر لكنهما محروسان برعاية الحق وتأييده ومنه يعلم ان كل مخالفة فهى في النفس والطبيعة والشيطان لانها ظلمانية وان كل موافقة فهى في القلب والروح والسر لانها نورانية الا أن يغلب عليها ظلمة اهل الظلمة وتختفى أنوارها تحت تلك الظلمة اختفاء نور الشمس تحت ظلمة السحاب الكثيف فليكن العبد على المعالجة دائما لكن ينبغى له التوكل التام فان المؤثر في كل شيء هو الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعنى المخلصين إِذا قِيلَ لَكُمْ من اى قائل كان من الاخوان تَفَسَّحُوا التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس وكذا الفسح لكن التفسح يعدى بفي والفسح باللام اى توسعوا ليفسح بعضكم عن بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح اعنى اى تنح وأنت في فسحة من دينك اى في وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق اى واسع الخلق فى الجالس قال في الإرشاد متعلق بقيل يقول الفقير الظاهر انه متعلق بقوله تفسحوا لأن البيهقي صرح في تاج المصادر بان التفسح يعدى بفي على ما أشرنا اليه آنفا فَافْسَحُوا پس جاى كشاده كنيد بر مردم يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ اى
402
فى كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فان الجزاء من جنس العمل والآية عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سوآء كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانوا يتضامون تنافسا في القرب منه عليه السلام وحرصا على استماع كلامه او مجلس حرب وكانوا يتضامون في مراكز الغزاة ويأتى الرجل الصف ويقول تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة او مجلس ذكر او مجلس يوم الجمعة وان كل واحد وان كان أحق بمكان الذي سبق اليه لكنه يوسع لاخيه ما لم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفي الحديث (لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا وفي رواية لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا) وقيل ان رجلا من الفقراء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الأغنياء فلما قرب منه قبض الغنى اليه ثوبه فرأى رسول الله عليه السلام ذلك فقال
للغنى أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقراء والتوسعة لهم في المجالس وان كانوا شعثا غبرا وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا يقال نشز الرجل إذا نهض وارتفع في المكان نشزا والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الأرض ونشز فلان إذا قصد نشزا ومنه فلان عن مقره وقلب ناشز ارتفع عن مكانه رعبا والمعنى وإذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين اى على من جاء بعدكم فَانْشُزُوا فارتفعوا وقوموا يعنى إذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لا تحصل التوسعة بتنحى أحد الشخصين عن الآخر حال قعود الجماعة وقيل قوموا جميعا تفسحوا حال القيام فانشزوا ولا تثاقلوا عن القيام او إذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها الى موضع آخر لضرورة داعية اليه أطيعوا من أمركم به وقوموا من مجالسكم وتوسعوا لاخوانكم ويؤيده انه عليه السلام كان يكرم أهل بدر فأقبلت جماعة منهم فلم يوسعوا لهم فقال عليه السلام قم يا فلان ويا فلان فأقام من المجلس بعدد المقبلين من اهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحدا من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله عليه السلام الكراهية في وجوههم فانزل الله الاية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال وإذا قيل انشزوا اى انهضوا عن مجلس رسول الله إذا أمرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول الله بالارتكان فيه او انهضوا الى الصلاة او الى الجهاد او الشهادة او غير ذلك من اعمال الخير فانهضوا ولا تتنبطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جواب للامر اى من فعل ذلك طاعة للامر وتوسعة للاخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر فى الدنيا والإيواء الى غرف الجنان في الآخرة لان من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اى ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العام للدلالة على علو شأنهم وسمو مكانهم حتى كانهم جنس آخر دَرَجاتٍ اى طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ما جمعوا من العلم والعمل فان العلم لعلو درجته يقتضى للعمل المقرون به مزيد رفعة لا يدرك شاؤه العمل الغارى عنه وان كان في غاية الصلاح ولذا يقتدى بالعالم في أفعاله ولا يقتدى بغيره فعلم من هذا التقرير
403
مذبذبون بين ذلك فهم وان كانوا كفارا في الواقع لكنهم ليسوا من اليهود حالا لعدم اعتقادهم بما اعتقدوا وعدم وفائهم لهم ومآلا لان المنافقين في الدرك الأسفل من النار والجملة مستأنفة وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والحلف أصله اليمين التي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبريه عن كل يمين اى يقولون والله انا لمسلمون فالكذب المحلوف عليه هو ادعاء الإسلام وهو عطف على تولوا وادخل في حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر ما يقتضيه وَهُمْ يَعْلَمُونَ ان المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وهو الحلف على فعل او ترك ماض كاذبا عمدا سمى بالغموس لانه يغمس صاحبه في الإثم ثم في النار ولم يجعل حلفهم غموسا لان الغموس حلف على الماضي وحلفهم هذا على الحال والجملة حال من فاعل يحلفون مقيدة لكمال شناعة ما فعلوا فان الحلف على ما يعلم انه كذب في غاية القبح وفي هذه التقييد دلالة على ان الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته للواقع ومالا يعلمه فيكون حجة على النظام والجاحظ (وروى) انه عليه السلام كان في حجرة من حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق بتقديم النون على الباء الموحدة كجعفر وكان ازرق فقال له عليه السلام على م تشتمنى أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال عليه السلام فعلت فانطلق بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت فالكذب المحلوف عليه على هذه الرواية هو عدم شتمهم أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ بسبب ذلك عَذاباً شَدِيداً در دنيا بخوارى ورسوايى ودر آخرت بآتش دوزخ والمراد نوع من العذاب عظيم فالنوعية مستفادة من تنكير عذابا والعظيم من توصيفه بالشدة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى تمرنوا عليه وأصروا وتمرنهم اى اعتيادهم واستمرارهم على مثل ما عملوه فى الحال من العمل السوء مستفاد من كان الدالة على الزمان الماضي اى العمل السيئ دأبهم اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ الفاجرة التي يحلفون بها عند الحاجة واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده جُنَّةً وهى الترس الذي يجن صاحبه اى يستره والمعنى وقاية وسترة يسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم ونهب أموالهم يعنى پناهى كه خون ومال ايشان در أمان ماند فالاتخاذ عبارة عن اعدادهم لايمانهم الكاذبة وتهيئتهم لها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها ايضا كما تعرب عنه الفاء في قوله فَصَدُّوا اى منعوا الناس وصرفوهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن دينه في خلال أمنهم وسلامتهم وتثبيط من لقوا عن الدخول في الإسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم فَلَهُمْ بسبب كفرهم وصدهم عَذابٌ مُهِينٌ مخزى بين اهل المحشر وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الاول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه تعالى شَيْئاً قليلا من الإغناء يقال أغنى عنه كذا إذا كفاه يعنى انهم يحلفون
بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الاشارة إذا أراد الشيطان أن ينبت في سبخة ارض النفس الامارة حنظل الشهوة يثب إليها ويغريها على إنفاذ مرادها فتكون النفس مركبه فيهجم الى بلد القلب ويخربه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن إبليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بارادة الله تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس امر الدين بأمر الدنيا ويغويه من طريق العلم فاذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن إذ لا يجتمع الحق مع الباطل
نظر دوست نادر كند سوى تو چودر روى دشمن بود روى تو
ندانى كه كمتر نهد دوست پاى چوبيند كه دشمن بود در سراى
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادونهما ويخالفون أمرهما ويتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع اخر في ارض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حدا لا يتعداه خصمه ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا كثرة أعوانهم واتباعهم فيظن من رأهم انهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى نفيا لهذا الغرور الظاهر أُولئِكَ الأباعد والأسافل بما فعلوا من المحادة فِي الْأَذَلِّينَ اى في جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين لا ترى أحدا أذل منهم لان ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبي والقتل في الدنيا وعذاب الناري في الاخرة سوآء كانوا فارس والروم او أعظم منهم سوقة كانوا او ملوكا كفرة كانوا او فسقة كَتَبَ اللَّهُ استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين اى قضى وأثبت في اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد الغلبة بالحجة والسيف او بأحدهما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لانهم الفائزون بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة واما الغلبة بالسيف فهى ليست بثابتة للجميع لان منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة وإذا انضم الى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان أقوى
محالست چون دوست دارد ترا كه در دست دشمن كذارد ترا
وعن مقاتل انه قال المؤمنون لئن فتح الله لنامكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله انهم لا كثر عدد او أشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزل قوله تعالى كتب الله الآية قال البقلى رحمه الله كتب الله على نفسه في الأزل ان ينصر أولياءه على أعدائه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدو راياتهم التي هى سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الأعداء مغلوبين بتأييد الله ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله اهل الحق لهم الغلبة ابدا ورايات الحق تسبق رايات غيره جميعا لان الله تعالى جعلهم اعلاما في خلقه وأوتادا في ارضه ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده
Icon