تفسير سورة الإنفطار

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني .
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الانْفِطَارِ
مكية، وآيها سبع عشرة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) انشقت (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) تساقطت.
(وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) بعضها إلى بعض بإزالة البرزخ فتصير بحراً واحداً، ثم تنشق الأرض فتبقى مستوية (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا).
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) بعثت موتاها. والتاء زائدة للإلحاق مبالغة، مثله بحشر لفظاً ومعنى.
(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) ما قدمت من الأعمال الصالحة وما ضيعت، أو ما أخرت من سنة حسنة أو سيئة، أو ما قدمت في أول عمرها وما أخرت في آخره.
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) أيِّ شيءٍ جرَّأك على عصيانه. وذكر الكريم؛ للمبالغة في المنع عن الاغترار، وللإشارة إلى أن الباعث على ذلك إنما كان تسويل الشيطان بأن ربَّك كريم يعفو ويغفر. وقيل؛ إنما ذكر وصف الكريم من كرمه تلقيناً له
ليقول: غرني كرمك. وهذا باطل؛ لأنَّ الإنسان المذكور خاص بالكافر؛ لقوله: (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ)، أو عام له وللمؤمن؛ لقوله: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)، ولا وجه لتلقين الكافر حجته.
(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) الذي أوجدك سويّاً، تامَّ الخلق، معتدل الأعضاء، فلا يد أطول من أختها، ولا عين أوسع من نظيرتها، وكذا ماثل بين سائر الأطراف. وقرأ الكوفيون: " عَدَلَكَ " مخففاً، من العدل وهو الميل فكالمشدد إلا ما فيه من المبالغة أو الصرف، أي: نحا بك عن خلق سائر الحيوانات، أو إلى شبه الأبوين، أو إلى الطول والقصر، أو الذُّكورة والأنوثة.
(فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨) أي: ركبّك في أيّ صورة اقتضتها مشيئته، فـ " ما " زائدة، و " أَيِّ " للصفة، ولمّا أريد التعميم حذف موصوفها، ويجوز تعليقها بـ (عَدَلَكَ) أي: عدلك في صورة وأيّ صورة. كقولك: مررت برجل أيِّ رجل، وحذف الموصوف؛ لزيادة التفخيم والتعجب، ثم قال (مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) أي: ركبّك ما شاء أي: تركيياً بديعاً.
(كَلَّا... (٩) ردع عن الاغترار بكرمه. (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) إضراب إلى ما هو السبب الأصلي في الاغترار وهو تكذيب القرآن والرسل بوقوع الجزاء. فإن قلت. هذا إنما يستقيم إذا أريد بالإنسان الكافر، أما إذا كان عاماً فلا. قلت: إذا كان عاماً يكون خطاباً للكل بما وجد بينهم.
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) جملة حالية، أي: إنكم تكذبون بالجزاء، والحال أن شأنه أمر خطير، مع علمه الشامل قد وكّل بكم من يحفظ عليكم النقير والقطمير، وأثنى على الكتبة إشارة إلى عظم أمر الجزاء.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) اللام للعهد. وهم الذين يكذبون بيوم الدين؛ لقوله: (هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
(يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) كقوله: (وَمَا همْ منهَا بمُخرَجِين) صريح في سرمدية العذاب، ثمّ فخّم شأن الجزاء بتفخيم يومه بقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) أبهم أمره، وخاطب أعلم الخلق بأنه لم يحط بكنه ذلك اليوم، وكرّر ذلك، وآثر " ثم " للتراخي رتبة؛ إشارة إلى أنه مهما ترقى في العلم لم يبلغ ذلك، ثم أجمل بقوله:
(يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) تقريراً لشدة هوله وفخامة أمره. وقرأ ابن كثر وأبو عمرو. " يومُ "؛ بالرفع خبر مبتدأ، أَي: يوم الدين يوم لا يملك، أو بدل كل منه ومن قرأ بالفتح بناه؛ لإضافته إلى غير المتمكن، كقول علي - رضي الله عنه -:
أيَوم لم يُقدر أم يَومَ قُدر... من أيِّ يِومَي زمنَ الموت أَفرّ...
* * *
تمت سورة انفطرت، والحمد لمن آلاؤه تواترت، والصلاة على من آياته بهرت، وآله وصحبه ما غابت النجوم أو لمعت.
* * *
Icon