تفسير سورة الفيل

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الفيل من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفيل، وهي مكية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل﴾ الْفِيل دَابَّة مَعْلُومَة، وَمعنى قَوْله: ﴿ألم تَرَ﴾ أَي: ألم تعلم؟ وَقيل: ألم تَرَ آثَار مَا فعل رَبك بأصحاب الْفِيل. وَأَصْحَاب الْفِيل هم جند من الْحَبَشَة أَمِيرهمْ أَبْرَهَة بن الصَّباح أَبُو يكسوم وَقيل: غَيره.
غزوا الْكَعْبَة، وقصدوا تخريبها وهدمها، وَأَصَح مَا حكى فِي سَببه أَن أَبْرَهَة كَانَ نَصْرَانِيّا بني بيعَة بِصَنْعَاء الْيمن، وزينها بالفاخر من الثِّيَاب والجواهر، وَقَالَ: بنيت هَذَا، يحجه الْعَرَب وأكفهم عَن حج الْكَعْبَة، وَأمر النَّاس بذلك وأجبرهم عَلَيْهِ، فجَاء رجل من الْعَرَب - وَقيل: إِنَّه كَانَ من بني كنَانَة - وَدخل الْبيعَة، وأحدث فِيهَا وهرب، فَذكر ذَلِك لأبرهة فَغَضب غَضبا شَدِيدا وَحلف بالنصرانية والمسيح ليغزون الْكَعْبَة، وليهدمنها حجرا حجرا، ثمَّ إِنَّه غزا الْكَعْبَة مَعَ جَيش عَظِيم.
وَفِيه قصَّة طَوِيلَة، وسَاق مَعَ نَفسه فيلا يُقَال لَهُ: مَحْمُود، وَقيل: كَانَت ثَمَانِيَة من الفيلة أكبرها هَذَا الْفِيل، وَلَقي فِي الطَّرِيق جندا من الْعَرَب وَهَزَمَهُمْ، وَقتل مِنْهُم حَتَّى أَتَى الطَّائِف، ثمَّ إِنَّه توجه من الطَّائِف إِلَى مَكَّة، وَدَلِيله أَبُو رِغَال، فَمَاتَ أَبُو رِغَال فِي الطَّرِيق فقبره هُوَ الْقَبْر الَّذِي تَرْجمهُ الْعَرَب، وَهُوَ بَين مَكَّة والطائف، وَنزل أَبْرَهَة والجند بالمغمس، وَسمع أهل مَكَّة بذلك، وسيدهم يَوْمئِذٍ عبد الْمطلب بن هَاشم، وأغار الْجند على مَا وجدوا من أَمْوَال أهل مَكَّة وإبلهم، وَأخذُوا مِائَتي بعير لعبد الْمطلب ثمَّ إِنَّه جَاءَ عبد الْمطلب، إِلَى أَبْرَهَة فِي طلب بعيره - وَكَانَ رجلا جسيما وسيما - فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَة أعجبه حسنه وجماله فَقَالَ: مَا حَاجَتك؟ فَقَالَ: أَن ترد على إبلي.
فَقَالَ لِترْجُمَانِهِ: قل
283
﴿ألم يَجْعَل كيدهم فِي تضليل (٢) ﴾ لَهُ: أعجبني مَا رَأَيْت من هيئتك، ثمَّ رغبت عَنْك حِين سَمِعت كلامك، فَقَالَ عبد الْمطلب: وَمَا الَّذِي رغب الْملك عني؟ فَقَالَ: جِئْت لأهدم شرفك وَشرف آبَائِك، فَتركت ذكره وَسَأَلتنِي إبِلا أخذت لَك! فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب: أَنا رب الْإِبِل، وَإِن للبيت رَبًّا يمنعهُ، فَأمر برد الْإِبِل عَلَيْهِ، فَعَاد عبد الْمطلب، وَأمر أهل مَكَّة حَتَّى تَنْصَرِف فِي رُءُوس الْجبَال، وَقَالَ: قد جَاءَكُم مَالا قبل لكم بِهِ.
ثمَّ أَخذ عبد الْمطلب بِحَلقَة الْكَعْبَة وَقَالَ:
(يَا رب: لَا أَرْجُو لَهُم سواكا... يَا رب، فامنع مِنْهُم حماكا)
(إِن عَدو الْبَيْت من عاداك... )
وَمن الْمَعْرُوف أَيْضا أَنه قَالَ:
(يَا رب إِن الْمَرْء يمْنَع... حلّه فامنع حلالك)
(لَا يغلبن صليبهم... ومحالهم أبدا محالك)
والمحال: الْعقُوبَة.
(إِن كنت تاركهم وكعبتنا... فامر مَا بدالك)
ثمَّ خرج مَعَ الْقَوْم وخلوا مَكَّة، فروى أَن الْفِيل كَانَ إِذا أحس التَّوَجُّه قبل مَكَّة امْتنع، فَإِذا وَجه نَحْو الْيمن أسْرع وهرول، وَحبس الله الْفِيل عَن الْبَيْت، وَهُوَ معنى مَا ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة حِين بَركت نَاقَته - وَهِي الْقَصْوَاء - وَقَالَ النَّاس: خلأت الْقَصْوَاء فَقَالَ النَّبِي: " لَا، لَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل " ثمَّ إِن الله تَعَالَى بعث عَلَيْهِم طيرا خرجت من قبل الْبَحْر، قَالَ ابْن عَبَّاس: لَهَا خراطيم الطير وأنف الْكلاب، وَقيل: كَانَت سَوْدَاء، وَقيل: حَمْرَاء، وَمَعَ كل طير ثَلَاثَة أَحْجَار: حجران فِي كفيه، وَحجر فِي منقاره، وَفِي الْقِصَّة: أَن الْحجر كَانَ دون الحمص وَفَوق
284
{وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أبابيل (٣) ترميهم بحجارة من سجيل (٤) فجعلهم كعصف مَأْكُول (٥) العدس، فَجَاءَت الطير ورمتهم بالأحجار، وَفِي الْقِصَّة: أَن الْحجر كَانَ يُصِيب رَأس الْإِنْسَان، فَيخرج من دبره، فَيسْقط وَيَمُوت، وَكَانَ إِذا وَقع على جَانب مِنْهُ خرج من الْجَانِب الآخر، وهرب الْقَوْم وتساقطوا فِي الطَّرِيق.
وَقيل: إِن الْحجر إِذا أصَاب الْوَاحِد مِنْهُم نفط مَوْضِعه وأصابه الجدري، فَهُوَ أول مَا رئى الجدري فِي ديار الْعَرَب، وَالله أعلم.
وَأما أَبْرَهَة فتساقط فِي الطَّرِيق أُنْمُلَة أُنْمُلَة، ثمَّ إِنَّه انصدع صَدره عَن قلبه وَمَات.
وعام الْفِيل هُوَ الْعَام الَّذِي ولد فِيهِ النَّبِي، وَقد قيل: إِنَّه ولد بعد ذَلِك بِسنتَيْنِ، وَالصَّحِيح هُوَ الأول، وَقَالَ أهل الْعلم: كَانَ ذَلِك إرهاصا لنبوة النَّبِي وتأسيسا بهَا.
285
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم يَجْعَل كيدهم فِي تضليل﴾ أَي: أبطل مَكْرهمْ وسعيهم، وَيُقَال: قَوْله: ﴿فِي تضليل﴾ أَي: ضل عَنْهُم، وفاتهم مَا قصدُوا.
وَقَوله: ﴿وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أبابيل﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: جماعات فِي تَفْرِقَة، وَعند أبي عُبَيْدَة وَالْفراء: لَا وَاحِد لَهَا، وَعند الْكسَائي: وَاحِدهَا: أبول مثل عجاجيل وعجول.
وَيُقَال: طيرا أبابيل أَي: كَثِيرَة، وَيُقَال: أقاطيع يتبع بَعْضهَا بَعْضًا.
وَقَوله: ﴿ترميهم بحجارة من سجيل﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: السجيل بِالْفَارِسِيَّةِ (سنك) كل، وَيُقَال: من سجيل من السَّمَاء، وَهُوَ اسْم سَمَاء الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿فجعلهم كعصف مَأْكُول﴾ العصف: هُوَ ورق الزَّرْع، وَمَعْنَاهُ: كعصف قد أكل مَا فِيهِ، وَقيل: كل ثمره.
وَالْمعْنَى: أَن الله تَعَالَى شبههم بالزرع الَّذِي أَكلته الدَّوَابّ وراثته وَتَفَرَّقَتْ، وَلم يبْق من ذَلِك شَيْء فَشبه هلاكهم بذلك، وَالله أعلم.
285

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

{لِإِيلَافِ قُرَيْش (١)
تَفْسِير سُورَة لِإِيلَافِ
وَهِي مَكِّيَّة
286
Icon