تفسير سورة سورة النور من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
تعيلب
.
المتوفي سنة 2004 هـ
مدنية
وآياتها أربع وستون
كلماتها : ١٣١٦ ؛ حروفها : ٥٣٣٠
وآياتها أربع وستون
كلماتها : ١٣١٦ ؛ حروفها : ٥٣٣٠
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ١ ) ﴾
﴿ سورة ﴾ يوصف بها في اللغة ما ارتفع وأحاط، وهي في القرآن الكريم : جملة من كلام الله تعالى، وطائفة من آياته الحكيمة المتلوة.
﴿ فرضناها ﴾ أصل الفرض : القطع والتقدير، وقد يراد بها هنا : فصلناها ونزلنا فيها فرائض، وأمرنا فيها بالحلال، ونهينا عن الحرام، وألزمناكم ذلك.
﴿ آيات ﴾ علامات على الحق ودلالات على الهدى والرشد.
﴿ بينات ﴾ واضحات ومبينات.
﴿ لعلكم تذكرون ﴾ لتتذكروا بهذه الآيات.
هذه السورة المباركة أنزلناها كما أنزلنا سائر سور القرآن العزيز فتلقوها بالتقديس واستقيموا على شرعتنا ومنهاجنا الذي ارتضيناه لكم ولمن يجيء بعدكم إلى يوم الدين.
مما يقول صاحب تفسير القرآن العظيم في معنى :﴿ سورة أنزلناها ﴾ فيه تنبيه على الاعتناء بها، ولا ينفي ما عداها. اه.
كما أورد الألوسي :﴿ سورة ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي هذه السورة.. وقوله تعالى :﴿ أنزلناها ﴾ مع ما عطف عليه صفات لها مؤكدة.. وقوله تعالى :{ وفرضناها إما على تقدير مضاف، أي فرضنا أحكامها، وإما على اعتبار المجاز في إسناد ما للمدلول للدال لملابسة بينهما تشبه الظرفية. ا ه.
ومما قال أبو جعفر الطبري : يعني بقوله تعالى ذكره :﴿ سورة أنزلناها ﴾ : وهذه السورة أنزلناها، وإنما قلنا معنى ذلك كذلك لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذ لم تكن جوابا... وأما قوله :﴿ وفرضناها ﴾.. عن مجاهد في قوله :﴿ وفرضناها ﴾ قال : الأمر بالحلال والنهي عن الحرام، ... وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يوجه إلى معناه : وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة.. ﴿ وفرضناها ﴾ بتخفيف الراء بمعنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم وألزمناكموه وبينا ذلك لكم. اه.
﴿ وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ﴾ وأنزلنا في هذه السورة علامات على الحق، ودلالات على الهدى والرشد موضحات مفسرات مبينات لتتذكروا بها، وتستقيموا على طريقها، وربما يكون تكرار الفعل ﴿ أنزلنا ﴾ لإبراز كمال العناية بشأنها.
مما نقل صاحب روح المعاني : إنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود، وفي آخرها دلائل التوحيد، فقوله تعالى :﴿ فرضناها ﴾ إشارة إلى الأحكام المبينة أولا، وقوله سبحانه ﴿ وأنزلنا فيها آيات بينات ﴾ إشارة إلى ما في وسطها وآخرها من دلائل التوحيد، ويؤيده قوله عز وجل ﴿ لعلكم تذكرون ﴾ فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكرونها.. اه.
ومما قال صاحب جامع البيان :﴿ بينات ﴾ يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحق المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم اه.
﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ١ ) ﴾
﴿ سورة ﴾ يوصف بها في اللغة ما ارتفع وأحاط، وهي في القرآن الكريم : جملة من كلام الله تعالى، وطائفة من آياته الحكيمة المتلوة.
﴿ فرضناها ﴾ أصل الفرض : القطع والتقدير، وقد يراد بها هنا : فصلناها ونزلنا فيها فرائض، وأمرنا فيها بالحلال، ونهينا عن الحرام، وألزمناكم ذلك.
﴿ آيات ﴾ علامات على الحق ودلالات على الهدى والرشد.
﴿ بينات ﴾ واضحات ومبينات.
﴿ لعلكم تذكرون ﴾ لتتذكروا بهذه الآيات.
هذه السورة المباركة أنزلناها كما أنزلنا سائر سور القرآن العزيز فتلقوها بالتقديس واستقيموا على شرعتنا ومنهاجنا الذي ارتضيناه لكم ولمن يجيء بعدكم إلى يوم الدين.
مما يقول صاحب تفسير القرآن العظيم في معنى :﴿ سورة أنزلناها ﴾ فيه تنبيه على الاعتناء بها، ولا ينفي ما عداها. اه.
كما أورد الألوسي :﴿ سورة ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي هذه السورة.. وقوله تعالى :﴿ أنزلناها ﴾ مع ما عطف عليه صفات لها مؤكدة.. وقوله تعالى :{ وفرضناها إما على تقدير مضاف، أي فرضنا أحكامها، وإما على اعتبار المجاز في إسناد ما للمدلول للدال لملابسة بينهما تشبه الظرفية. ا ه.
ومما قال أبو جعفر الطبري : يعني بقوله تعالى ذكره :﴿ سورة أنزلناها ﴾ : وهذه السورة أنزلناها، وإنما قلنا معنى ذلك كذلك لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذ لم تكن جوابا... وأما قوله :﴿ وفرضناها ﴾.. عن مجاهد في قوله :﴿ وفرضناها ﴾ قال : الأمر بالحلال والنهي عن الحرام، ... وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يوجه إلى معناه : وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة.. ﴿ وفرضناها ﴾ بتخفيف الراء بمعنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم وألزمناكموه وبينا ذلك لكم. اه.
﴿ وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ﴾ وأنزلنا في هذه السورة علامات على الحق، ودلالات على الهدى والرشد موضحات مفسرات مبينات لتتذكروا بها، وتستقيموا على طريقها، وربما يكون تكرار الفعل ﴿ أنزلنا ﴾ لإبراز كمال العناية بشأنها.
مما نقل صاحب روح المعاني : إنه تعالى ذكر في أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود، وفي آخرها دلائل التوحيد، فقوله تعالى :﴿ فرضناها ﴾ إشارة إلى الأحكام المبينة أولا، وقوله سبحانه ﴿ وأنزلنا فيها آيات بينات ﴾ إشارة إلى ما في وسطها وآخرها من دلائل التوحيد، ويؤيده قوله عز وجل ﴿ لعلكم تذكرون ﴾ فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى يتذكرونها.. اه.
ومما قال صاحب جامع البيان :﴿ بينات ﴾ يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحق المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم اه.
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ { ٢ ) ﴾
﴿ الزانية والزاني ﴾ المرأة تمكن من ليس زوجا لها ولا مالكا من الاستمتاع بها في قبلها، والرجل يطأ المرأة في قبلها في غير زوجية ولا ملك، أو يمكنها من ذلك.
﴿ فاجلدوا ﴾ فاضربوا جلد كل واحد منهما بسوط أو نحوه.
﴿ رأفة ﴾ رقة وشدة عطف.
﴿ في دين الله ﴾ في إنفاذ شرع الله وحكمه الذي قضى فيهما، وهو إقامة الحد.
﴿ طائفة ﴾ جماعة، أو واحد فصاعدا.
التي تزني من النساء، والذي يزني من الرجال حد كل واحد منهما كما شرع الله سبحانه أن يضرب ويجلد مائة جلدة عقوبة له على ما فعل وارتكب من معصية مولانا عز وجل، هذا إذا كانت الزانية والزاني غير محصنين أي لم يسبق لهما أن استمتعا بوطء في نكاح صحيح وأما المملوكات فحد من تزني منهن خمسون جلدة، بدليل ما جاء في الآية الكريمة :{ .. فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات١من العذاب.. )٢. ويقاس العبد على الجارية فحكمه كحكمها ؛ ولا تمتنعوا معاشر المؤمنين بالله واليوم الآخر عن إقامة الحدود على مستحقيها شفقة عليهم، فإن الحكيم الذي شرع أولى بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من أمهاتهم، وإنما فرض ما فرض من عقوبة إصلاحا لهم ولغيرهم.
﴿ وليشد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ وليحضر إقامة الحد على كل من الزاني والزانية جماعة من أهل التصديق بالله تعالى ورسوله وما يجب اليقين والتصديق به، وقد يدعى لها بالمغفرة والتوبة فيستجيب العفو الكريم، ويغفر لهما هذا الذنب العظيم.
مما أورد صاحب تفسير٣ القرآن العظيم : الزاني لا يخلو، إما أن يكون بكرا، وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة، كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما : يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا يعني أجيرا على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل من أسلم إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها.. فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم.. وأورد عن الإمام مالك بسنده.. أن ابن عباس أخبره أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا.. اه.
ومما قال صاحب الجامع لأحكام القرآن٤ : قوله تعالى :﴿ الزانية٥ والزاني ﴾ كان الزنى في اللغة معروفا قبل الشرع، مثل اسم السرقة والقتل، وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح، بمطاوعتها... قوله تعالى ﴿ فاجلدوا ﴾ دخلت الفاء لأنه موضع أمر، والأمر مضارع للشرط، وقال المبرد : فيه معنى الجزاء، أي إن زنى زان فافعلوا به كذا، ولهذا دخلت الفاء، وهكذا :{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.. )٦ الحد الذي أوجب الله في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن تقام بين أيدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك، وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك، رضي الله عنهم، وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية، تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة، فتجب مراعاته بكل ما أمكن، روي في الصحيح عن حصين بن النذر أبي ساسان قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال : أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال : يا علي قم فاجلده. فقال علي : قم يا حسن فاجلده فقال الحسن : ولّ حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال : يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعلي يعد... الحديث... فانظر قول عثمان للإمام علي : قم فاجلده.. فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك.. قال ابن العربي : وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر ولا احلولت لهم المعاصي، حتى يتخذوها ضراوة٧ ويعطفون عليها بالهوادة فلا يتناهوا عن منكر فعلوه، فحينئذ تتعين الشدة ويزاد الحد [ وفي نسخ : الجلد ] لأجل زيادة الذنب، وقد أتى عمر بسكران في رمضان فضربه مائة، ثمانين حد الخمر، وعشرين لهتك حرمة الشهر، فهكذا يجب أن تركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات. وقد لعب رجل بصبي فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغير ذلك مالك حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة، لمات كمدا ولم يجالس أحدا، وحسبنا الله ونعم الوكيل. اه. في روح المعاني ص ٧٩ زيادة مفيدة.
﴿ الزانية والزاني ﴾ المرأة تمكن من ليس زوجا لها ولا مالكا من الاستمتاع بها في قبلها، والرجل يطأ المرأة في قبلها في غير زوجية ولا ملك، أو يمكنها من ذلك.
﴿ فاجلدوا ﴾ فاضربوا جلد كل واحد منهما بسوط أو نحوه.
﴿ رأفة ﴾ رقة وشدة عطف.
﴿ في دين الله ﴾ في إنفاذ شرع الله وحكمه الذي قضى فيهما، وهو إقامة الحد.
﴿ طائفة ﴾ جماعة، أو واحد فصاعدا.
التي تزني من النساء، والذي يزني من الرجال حد كل واحد منهما كما شرع الله سبحانه أن يضرب ويجلد مائة جلدة عقوبة له على ما فعل وارتكب من معصية مولانا عز وجل، هذا إذا كانت الزانية والزاني غير محصنين أي لم يسبق لهما أن استمتعا بوطء في نكاح صحيح وأما المملوكات فحد من تزني منهن خمسون جلدة، بدليل ما جاء في الآية الكريمة :{ .. فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات١من العذاب.. )٢. ويقاس العبد على الجارية فحكمه كحكمها ؛ ولا تمتنعوا معاشر المؤمنين بالله واليوم الآخر عن إقامة الحدود على مستحقيها شفقة عليهم، فإن الحكيم الذي شرع أولى بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من أمهاتهم، وإنما فرض ما فرض من عقوبة إصلاحا لهم ولغيرهم.
﴿ وليشد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ وليحضر إقامة الحد على كل من الزاني والزانية جماعة من أهل التصديق بالله تعالى ورسوله وما يجب اليقين والتصديق به، وقد يدعى لها بالمغفرة والتوبة فيستجيب العفو الكريم، ويغفر لهما هذا الذنب العظيم.
مما أورد صاحب تفسير٣ القرآن العظيم : الزاني لا يخلو، إما أن يكون بكرا، وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائة جلدة، كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما : يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا يعني أجيرا على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل من أسلم إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها.. فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم.. وأورد عن الإمام مالك بسنده.. أن ابن عباس أخبره أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا.. اه.
ومما قال صاحب الجامع لأحكام القرآن٤ : قوله تعالى :﴿ الزانية٥ والزاني ﴾ كان الزنى في اللغة معروفا قبل الشرع، مثل اسم السرقة والقتل، وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح، بمطاوعتها... قوله تعالى ﴿ فاجلدوا ﴾ دخلت الفاء لأنه موضع أمر، والأمر مضارع للشرط، وقال المبرد : فيه معنى الجزاء، أي إن زنى زان فافعلوا به كذا، ولهذا دخلت الفاء، وهكذا :{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.. )٦ الحد الذي أوجب الله في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن تقام بين أيدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك، وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك، رضي الله عنهم، وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية، تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة، فتجب مراعاته بكل ما أمكن، روي في الصحيح عن حصين بن النذر أبي ساسان قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال : أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال : يا علي قم فاجلده. فقال علي : قم يا حسن فاجلده فقال الحسن : ولّ حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال : يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعلي يعد... الحديث... فانظر قول عثمان للإمام علي : قم فاجلده.. فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك.. قال ابن العربي : وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر ولا احلولت لهم المعاصي، حتى يتخذوها ضراوة٧ ويعطفون عليها بالهوادة فلا يتناهوا عن منكر فعلوه، فحينئذ تتعين الشدة ويزاد الحد [ وفي نسخ : الجلد ] لأجل زيادة الذنب، وقد أتى عمر بسكران في رمضان فضربه مائة، ثمانين حد الخمر، وعشرين لهتك حرمة الشهر، فهكذا يجب أن تركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات. وقد لعب رجل بصبي فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغير ذلك مالك حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة، لمات كمدا ولم يجالس أحدا، وحسبنا الله ونعم الوكيل. اه. في روح المعاني ص ٧٩ زيادة مفيدة.
١ الحرائر..
٢ سورة النساء. من الآية ٢٥..
٣ هو الحافظ ابن كثير، يراجع من شاء جـ٣ ص ٢٦٠ طبعة عيسى البابي الحلبي..
٤ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، جاء ذلك في الجزء الثاني عشر ص ١٥٩ وما بعدها، طبعة دار الكتب المصرية..
٥ قدمت الزانية في هذه الآية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكن مجاهرات بذلك، وقيل: لأن الزنى في النساء أعر، وهو لأجل الحبل أضر، وقيل: لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب، فصدرها تغليظا لتردع شهوتها، وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، وأيضا فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا..
٦ سورة المائدة: من الآية ٣٨.
٧ الضراوة: العادة، وشدة الشهوة..
٢ سورة النساء. من الآية ٢٥..
٣ هو الحافظ ابن كثير، يراجع من شاء جـ٣ ص ٢٦٠ طبعة عيسى البابي الحلبي..
٤ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، جاء ذلك في الجزء الثاني عشر ص ١٥٩ وما بعدها، طبعة دار الكتب المصرية..
٥ قدمت الزانية في هذه الآية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكن مجاهرات بذلك، وقيل: لأن الزنى في النساء أعر، وهو لأجل الحبل أضر، وقيل: لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب، فصدرها تغليظا لتردع شهوتها، وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، وأيضا فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا..
٦ سورة المائدة: من الآية ٣٨.
٧ الضراوة: العادة، وشدة الشهوة..
﴿ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ { ٣ ) ﴾
المفحش حين يقترف خطيئته إنما يطأ زانية من المسلمين أو أخس منها زانية من المشركين والزانية١ يجامعها حين زناها زان من المسلمين أو أدون منه وهو المشرك. وحرم الله تعالى الزنى على المؤمنين.
وقيل٢ : النكاح بمعنى التزوج، والنفي بمعنى النهي، وعبر به عنه للمبالغة.
قال ابن المسيب : وكان الحكم عاما في الزناة أن لا يتزوج أحدهم إلا زانية، ثم جاءت الرخصة٣. ونسخ ذلك بقوله تعالى :{ وأنكحوا الأيامي منكم.. )٤ وقوله سبحانه :{ .. فانكحوا ما طاب لكم من النساء.. )٥. وورد القول بالنسخ عن مجاهد٦.
المفحش حين يقترف خطيئته إنما يطأ زانية من المسلمين أو أخس منها زانية من المشركين والزانية١ يجامعها حين زناها زان من المسلمين أو أدون منه وهو المشرك. وحرم الله تعالى الزنى على المؤمنين.
وقيل٢ : النكاح بمعنى التزوج، والنفي بمعنى النهي، وعبر به عنه للمبالغة.
قال ابن المسيب : وكان الحكم عاما في الزناة أن لا يتزوج أحدهم إلا زانية، ثم جاءت الرخصة٣. ونسخ ذلك بقوله تعالى :{ وأنكحوا الأيامي منكم.. )٤ وقوله سبحانه :{ .. فانكحوا ما طاب لكم من النساء.. )٥. وورد القول بالنسخ عن مجاهد٦.
١ أورد صاحب تفسير غرائب القرآن.. أسئلة في الآية الكريم والأجوبة عليها، ومنها: كيف قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة، وعكس الترتيب في هذه الآية؟ والجواب: أن تلك الآية مسوقة لبيان عقوبتهما على جنايتهما، وكانت المرأة أصلا فيها لأنها هي التي أطمعت الرجل في ذلك، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل هو الأصل في الرغبة والخطبة، والثاني: ما الفرق بين الجملتين في الآية؟ والجواب: معنى الأول صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر، ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للإعفاء ولكن للزناة.. الثالث: أنا نرى الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف؟ الجواب: للمفسرين فيه وجوه: أحدها-وهو الأحسن- قول القفال: إن اللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد منه الأعم الأغلب، وذلك أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزني والتقحب لا يرغب غالبا في نكاح الصوالح من النساء، وإنما يرغب فاسقة خبيثة من شكله أو في مشركة، والفاسقة الخبيثة المسافحة لا يرغب في نكاحها الصلحاء في الأغلب، وإنما يرغب فيها أشكالها من الفسقة أو المشركين، نظير هذا الكلام قول القائل: لا يفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي، وأما المحرم على المؤمنين فصرف الرغبة إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات..
٢ نقل نحو هذا عن أبي مسلم، وأبي حيان، وأبي داود في ناسخه، والبيهقي في سننه، وغيرهم. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما..
٣ أورده صاحب روح المعاني..
٤ سورة النور. من الآية ٣٢..
٥ سورة النساء. من الآية ٣..
٦ يقول علماء الأحكام: اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أوجه من التأويل..
٢ نقل نحو هذا عن أبي مسلم، وأبي حيان، وأبي داود في ناسخه، والبيهقي في سننه، وغيرهم. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما..
٣ أورده صاحب روح المعاني..
٤ سورة النور. من الآية ٣٢..
٥ سورة النساء. من الآية ٣..
٦ يقول علماء الأحكام: اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أوجه من التأويل..
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { ٤ ) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ٥ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون ويشتمون، ويتهمون بالزنى ويسبون.
﴿ المحصنات ﴾ العفيفات.
ومن رمى محصنة حرة عفيفة، واتهمها بالزنى ولم يشهد على قذفه هذا وسبه أربعة شهود فإن حكم الله تعالى فيه أن يجلد ثمانين جلدة، وأن ترد شهادته إذ لم يعد من عدول المسلمين، وهو قد أبعد في الخروج على طاعة الله تعالى، وغدا من زمرة العاصين، إلا من تاب واستغفر وأقلع عن ذنبه الذي ارتكب، فإن الله المعبود بحق، الرحيم بالخلق يتجاوز عن إساءته، ولا يفضحه بخطيئته.
واتهام الرجال المسلمين الأعفاء بالزنى داخل في هذا الحكم بالمعنى، فإن فريقا من علماء القرآن : المراد ب﴿ المحصنات ﴾ ها هنا : النفوس المحصنات فشملت أهل العفة المؤمنين والمؤمنات، والإجماع على ذلك. مما ذكر علماء الأحكام : وخص النساء بذلك وإن كان الرجال يشركونهن في الحكم لأن القذف فيهن أبشع وأنكر للنفوس، ومن حيث هن هوى الرجال، فذكرهن الله تعالى في الآية من حيث هن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأئمة على ذلك..
والجمهور على أنه لا حد على من قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم.. وإذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة.. والعبد إذا قذف حرا يجلد أربعين.. وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه، لتباين مرتبتهما، لقوله عليه السلام : " من قذف مملوكه بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال "، أخرجه البخاري ومسلم. قال العلماء : وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى
﴿ يرمون ﴾ يقذفون ويشتمون، ويتهمون بالزنى ويسبون.
﴿ المحصنات ﴾ العفيفات.
ومن رمى محصنة حرة عفيفة، واتهمها بالزنى ولم يشهد على قذفه هذا وسبه أربعة شهود فإن حكم الله تعالى فيه أن يجلد ثمانين جلدة، وأن ترد شهادته إذ لم يعد من عدول المسلمين، وهو قد أبعد في الخروج على طاعة الله تعالى، وغدا من زمرة العاصين، إلا من تاب واستغفر وأقلع عن ذنبه الذي ارتكب، فإن الله المعبود بحق، الرحيم بالخلق يتجاوز عن إساءته، ولا يفضحه بخطيئته.
واتهام الرجال المسلمين الأعفاء بالزنى داخل في هذا الحكم بالمعنى، فإن فريقا من علماء القرآن : المراد ب﴿ المحصنات ﴾ ها هنا : النفوس المحصنات فشملت أهل العفة المؤمنين والمؤمنات، والإجماع على ذلك. مما ذكر علماء الأحكام : وخص النساء بذلك وإن كان الرجال يشركونهن في الحكم لأن القذف فيهن أبشع وأنكر للنفوس، ومن حيث هن هوى الرجال، فذكرهن الله تعالى في الآية من حيث هن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأئمة على ذلك..
والجمهور على أنه لا حد على من قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم.. وإذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة.. والعبد إذا قذف حرا يجلد أربعين.. وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه، لتباين مرتبتهما، لقوله عليه السلام : " من قذف مملوكه بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال "، أخرجه البخاري ومسلم. قال العلماء : وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿ .. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿ .. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ والخامسة ﴾ وتكون شهادته الخامسة أن يقول : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ ويدرأ عنها العذاب ﴾ ويدفع عنها الحد.
﴿ إنه لمن الكاذبين ﴾ إن زوجها لكاذب فيما رماها به من الزنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ إنه لمن الكاذبين ﴾ إن زوجها لكاذب فيما رماها به من الزنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ﴾ فيما اتهمها به
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ { ٦ ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ { ٧ ) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ { ٨ ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ { ١٠ ) ﴾
﴿ يرمون ﴾ يقذفون زوجاتهم ويتهمونهن بالزنى.
﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادات ﴾ فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات.
﴿ إنه لمن الصادقين ﴾ فيما رمى به زوجته من الزنى.
روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله : إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ ! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" البينة أو حد في ظهرك " فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرك من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه :﴿ والذين يرمون أزواجهم.. ﴾ فقرأ حتى بلغ :﴿.. إن كان من الصادقين ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ".
وهكذا فمن يتهم زوجته بارتكاب الفاحشة ولا شهود معه يؤذن له أن يلاعنها على النحو الذي جاء في كتاب الله، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الأيمان الخمسة يسقط عنه حد القذف، ويقام على التي لاعنها حد الزنى إلا أن تشهد خمس شهادات تكذبه فيما ادعاه، ورماه وسبها به من الفسق والسفاح والعهر.
﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ﴾ : جواب لولا محذوف، وتقديره : لأحرجكم أو لفضحكم أو نحو ذلك.
[ ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم وأنه عواد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم وسياسته لهم لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم، وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلا رحمة منه بكم وتفضلا عليكم، فاشكروا نعمه، وانتهوا عن التقدم عما عنه نهاكم من معاصيه ؛ وترك الجواب في ذلك اكتفاء بمعرفة السامع المراد منه ]١.
﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ﴾ أي فيما بين من هذه الأحكام وفيما أمهل وأبقى ومكن من التوبة، وجواب لولا محذوف، أي لهلكتم أو فضحتم، أو لكان ما كان من أنواع المفاسد وإنما حسن حذفه ليذهب الوهم كل مذهب فيكون أبلغ في البيان، فرب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به ٢
[ ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم وأنه عواد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم وسياسته لهم لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم، وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلا رحمة منه بكم وتفضلا عليكم، فاشكروا نعمه، وانتهوا عن التقدم عما عنه نهاكم من معاصيه ؛ وترك الجواب في ذلك اكتفاء بمعرفة السامع المراد منه ]١.
﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ﴾ أي فيما بين من هذه الأحكام وفيما أمهل وأبقى ومكن من التوبة، وجواب لولا محذوف، أي لهلكتم أو فضحتم، أو لكان ما كان من أنواع المفاسد وإنما حسن حذفه ليذهب الوهم كل مذهب فيكون أبلغ في البيان، فرب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به ٢
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول : " كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : " كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال : " أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : " أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿ .. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول : " كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : " كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال : " أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : " أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿ .. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ إفك مبين ﴾ زور وافتراء واضح ظاهر مكشوف.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ أفضتم فيه ﴾ اندفعتم في ترديده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ تلقونه ﴾ تتلقونه وتتلقفونه وتتهافتون على سماعه وتسرعون، وتتصيدون ما حبك من باطل هذا القول.
﴿ هينا ﴾ سهلا لا تبعة فيه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
﴿ هينا ﴾ سهلا لا تبعة فيه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ بهتان ﴾ كذب يحير سامعه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ يعظكم ﴾ ينصحكم ويذكركم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ تشيع ﴾ تنتشر وتفشو، وتتفرق وتظهر.
﴿ الفاحشة ﴾ الخطيئة القبيحة، المفرطة السوء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
﴿ الفاحشة ﴾ الخطيئة القبيحة، المفرطة السوء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ رءوف ﴾ عظيم الرفق.
﴿ رحيم ﴾ واسع الرحمة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
﴿ رحيم ﴾ واسع الرحمة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١١ ) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ { ١٢ ) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ { ١٣ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ١٤ ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ { ١٥ ) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ { ١٦ ) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { ١٧ ) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ١٨ ) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ١٩ ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ٢٠ ). ﴾
﴿ بالإفك ﴾ بأبلغ الكذب، وأقبح الافتراء، الذي لا تشعر إلا وقد فجأك.
﴿ عصبة ﴾ جماعة. ﴿ منكم ﴾ من جملة من حكم لهم بالإيمان ظاهرا.
﴿ الإثم ﴾ الذنب والخطيئة والسيئة ﴿ تولى كبره ﴾ تحمل معظمه.
هذه الآيات العشر المباركات نزلت في تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك الذي رماها به زعيم المنفقين، وأخذ في ترديده بعض المسلمين، وورد في بيان ذلك أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بسنده أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه : قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي١، وأنزل فيه مسيرنا٢ حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل٣، ودنونا٤ من المدينة آذن٥ ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع٦ ظفار٧ قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه٨. وأقبل الرهط٩ الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفاف لم يهبلن١٠ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة١١ من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش١٢ فجئت منازلهم١٣، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت١٤ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني١٥ فيرجعون إلي، فبينا١٦ أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس١٧ من وراء الجيش، فأدلج١٨، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه١٩حين عرفني، فسترت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهر٢٠، فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن٢١ سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني٢٢ وفي وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف٢٣ الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول :" كيف تيكم " ٢٤ فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت٢٥ وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع٢٦ وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف٢٧ قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه٢٨، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل٢٩ بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها٣٠ فقالت : تعس مسطح، فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت : أي هنتاه٣١ أو لم تسمعي ما قال ؟ ! قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال :" كيف تيكم " ؟ قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث به الناس ؟ فقالت يا بنية هوني عليك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة٣٢ عند رجل يحبها ولها ضرائر٣٣ إلا أكثرن٣٤ عليها قالت، قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ٣٥ لي دمع، ولا أكتحل بنوم٣٦ ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله : هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما عن علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال :" أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة " ؟ قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها٣٧ أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله٣٨، قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :" يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي " فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي، قالت : فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :" أما بعد يا عائشة قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف :﴿.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )٣٩ قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت : فو الله ما رام٤٠ رسول الله صلى الله عليه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه الجمان من العرق٤١ في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت : لما سري٤٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " قالت : فأنزل الله عز وجل :{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ﴾، عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات ببراءتي.
تؤكد الآية الكريمة الأولى أن الذين رددوا هذا الافتراء وأذاعوا به قلة قليلة هم كما عدهم العلماء : مسطح وحمنة وحسان، أما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي تولى كبره. وفي رواية لمسلم في صحيحه : وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان، وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره اه.
﴿ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ﴾ لا تظنوا أن ضرر هذا الإفك أكثر بل غلب نفعه ضرره، ومن ثمراته ما أشارت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في الحديث السابق الصحيح الذي كانت تستكثر فيه أن يتكلم الله عز وجل فيها بأمر يتلى، وما كانت تظن أن ينزل الكبير المتعال في شأنها وحيا يتلى، كما أن الذين تأذوا به نالهم أجر عظيم بقدر صبرهم على هذا البلاء العظيم إلى غير ذلك من المنافع.
﴿ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ﴾ المشهور من الأخبار والمعروف من العلماء أن الذي حد : حسان ومسطح وحمنة
١ ستر كالخيمة الصغيرة يوضع فوق الناقة أو البعير لكيلا ترى من تركب تلك الراحلة..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
٢ كلما حطوا الرحال أنزلوا الهودج بمن فيه، وكلما ارتحلوا حملوه على الناقة أو البعير..
٣ عاد راجعا..
٤ واقتربنا..
٥ أعلم..
٦ خرز أسود فيه عروق بيضاء..
٧ ظفار ـبكسر الظاء ـ بلدة باليمن مشهورة بهذا النوع من الحلي..
٨ طلب العقد..
٩ الجماعة من الثلاثة إلى العشرة..
١٠ يهبلن: يثقلن باللحم والشحم..
١١ العلقة ـ بضم العين وسكون اللام ـ القليل..
١٢ تابع سيره..
١٣ حيث كانوا ينزلون..
١٤ قصدت..
١٥ سيشعرون بفقدي وعدم وجودي..
١٦ أي: فبينما..
١٧ عرس: نزل آخر الليل ينتظر تفقد ما عساه يكون قد تخلف من أمتعة الجيش..
١٨ فأدلج: مشى في أشد الظلمة ليلا، وهي اللحظات التي تسبق طلوع الفجر..
١٩ بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنها لذكر المؤمن إذا رأى ما يحزن كما جاء في القرآن الكريم: {.. وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)..
٢٠ داخلين في وقت القيلولة، وشدة الحر..
٢١ يقول النووي ـ رحمه الله ـ وهكذا صوابه ابن سلون ـ برفع ابن وكتابته بالألف ـ صفة لعبد الله..
٢٢ يوهمني ويشككني..
٢٣ البر والرفق..
٢٤ أي هذه.
٢٥ نقهت: أفقت من المرض، واقتربت من البرء منه..
٢٦ قبل المناصع؛ ناحية موضع كانوا يتبرزون فيه عند قضاء الحاجة..
٢٧ جمع كنيف، ما يكتنف الإنسان ويحيط به ويستره، وكثر استعماله فيما يستر عند قضاء الحاجة..
٢٨ طلب النزاهة والتخلص من الفضلات..
٢٩ ناحية.
٣٠ كساء تلبسه المرأة..
٣١ يعني: يا بلهاء، كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكان الناس وشرورهم..
٣٢ جميلة حسنة..
٣٣ زوجات رجلها، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة ونحوها..
٣٤ لا ينقطع..
٣٥ لا يغمض النوم عيني..
٣٦ لا يغمض النوم عيني..
٣٧ أي: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها شيئا قط أعيبه عليها..
٣٨ تعني: ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا إلا أن الشاة التي تألف البيت تأكل العجين وهي نائمة..
٣٩ من سورة يوسف عليه السلام ـ من الآية ١٨..
٤٠ ما رام: ما برح ولا ترك وفارق..
٤١ الشدة..
٤٢ كشف وأزيل..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ٢١ ) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ٢٢ ) ﴾
﴿ خطوات الشيطان ﴾ نزغه ووسوسته ومسلكه.
﴿ يأمر بالفحشاء ﴾ يأمر بما فحش قبحه وأفرط في الزنى والرمي به.
﴿ والمنكر ﴾ ما ينكره الشرع.
﴿ زكي ﴾ طاهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: نادى الله تبارك اسمه عباده المؤمنين أن يجتنبوا مسالك الشيطان، فإنه لهم عدو مبين، ومن يقتف أثره، أو يذهب مذهبه فإنه داعية إلى أفجر الفجور وأسوأ الشرور وأقبح القبائح، ولولا فضل الله تعالى علينا بالحلم والتوبة، وتكفير الذنب والرحمة، ما تطهر أحد من الدنس ـ والله لولا الله ما اهتدينا ـ ولكن مولانا بمنه وكرمه يطهر من يشاء، والله سميع لمن دعاه أن يزكيه، عليم بالأطهار والأخيار الأبرار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
[ روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.. ﴾ العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ إلى قوله :﴿ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾. فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.. قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى :﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )١ وقد قال تعالى في آية أخرى {.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )٢ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك، ومن آيات الرجاء في قوله :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. )٣وقوله تعالى :{ الله لطيف بعباده.. )٤ ؛ وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى )٥ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. قوله تعالى { أن يؤتوا ﴾ أي : ألا يؤتوا، فحذف ـ لا ـ.. ]٦
﴿ خطوات الشيطان ﴾ نزغه ووسوسته ومسلكه.
﴿ يأمر بالفحشاء ﴾ يأمر بما فحش قبحه وأفرط في الزنى والرمي به.
﴿ والمنكر ﴾ ما ينكره الشرع.
﴿ زكي ﴾ طاهر.
[ روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.. ﴾ العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ إلى قوله :﴿ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾. فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.. قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى :﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )١ وقد قال تعالى في آية أخرى {.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )٢ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك، ومن آيات الرجاء في قوله :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. )٣وقوله تعالى :{ الله لطيف بعباده.. )٤ ؛ وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى )٥ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. قوله تعالى { أن يؤتوا ﴾ أي : ألا يؤتوا، فحذف ـ لا ـ.. ]٦
﴿ يأتل ﴾ يحلف. ﴿ أولي القربى ﴾ أصحاب القرابة.
﴿ المساكين ﴾ المحتاجين.
﴿ وليعفوا ﴾ وليتجاوزوا عن أخطائهم.
﴿ وليصفحوا ﴾ وليعرضوا عن إساءاتهم.
﴿ يغفر ﴾ يستر الذنب.
﴿ رحيم ﴾ واسع الرحمة.
﴿ ولا يأتل ﴾ الفعل قبل دخول الجازم عليه [ يأتل } من الألي وهو الحلف، فهو منته بالياء مثل يهتدي ويعتدي، فلما سبقته [ لا ] النهاية جزمته، فحذف من آخره حرف العلة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: نادى الله تبارك اسمه عباده المؤمنين أن يجتنبوا مسالك الشيطان، فإنه لهم عدو مبين، ومن يقتف أثره، أو يذهب مذهبه فإنه داعية إلى أفجر الفجور وأسوأ الشرور وأقبح القبائح، ولولا فضل الله تعالى علينا بالحلم والتوبة، وتكفير الذنب والرحمة، ما تطهر أحد من الدنس ـ والله لولا الله ما اهتدينا ـ ولكن مولانا بمنه وكرمه يطهر من يشاء، والله سميع لمن دعاه أن يزكيه، عليم بالأطهار والأخيار الأبرار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
[ روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.. ﴾ العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ إلى قوله :﴿ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾. فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.. قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى :﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )١ وقد قال تعالى في آية أخرى {.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )٢ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك، ومن آيات الرجاء في قوله :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. )٣وقوله تعالى :{ الله لطيف بعباده.. )٤ ؛ وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى )٥ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. قوله تعالى { أن يؤتوا ﴾ أي : ألا يؤتوا، فحذف ـ لا ـ.. ]٦
﴿ المساكين ﴾ المحتاجين.
﴿ وليعفوا ﴾ وليتجاوزوا عن أخطائهم.
﴿ وليصفحوا ﴾ وليعرضوا عن إساءاتهم.
﴿ يغفر ﴾ يستر الذنب.
﴿ رحيم ﴾ واسع الرحمة.
﴿ ولا يأتل ﴾ الفعل قبل دخول الجازم عليه [ يأتل } من الألي وهو الحلف، فهو منته بالياء مثل يهتدي ويعتدي، فلما سبقته [ لا ] النهاية جزمته، فحذف من آخره حرف العلة.
[ روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم.. ﴾ العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ﴾ إلى قوله :﴿ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾. فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا.. قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، وقيل أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى :﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )١ وقد قال تعالى في آية أخرى {.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )٢ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك، ومن آيات الرجاء في قوله :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. )٣وقوله تعالى :{ الله لطيف بعباده.. )٤ ؛ وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل :{ ولسوف يعطيك ربك فترضى )٥ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. قوله تعالى { أن يؤتوا ﴾ أي : ألا يؤتوا، فحذف ـ لا ـ.. ]٦
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ { ٢٣ ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { ٢٤ ) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ { ٢٥ ) ﴾
﴿ الغافلات ﴾ لم يخطر ببالهن أبدا مقارفة الفاحشة أو دنس
﴿ لعنوا ﴾ طردوا وأبعدوا من رحمة الله سبحانه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: إن من يتهم عفيفة طاهرة كاملة النزاهة عن الفحش حتى ما يخطر لها شيء من ذلك على بال وهي مصدقة مستيقنة بما يجب الإيمان به، من يتهم واحدة من هؤلاء بالزنى فإنه مبعد عن رحمة ربنا في الدنيا والآخرة، وله النكال والجحيم والعذاب الأليم، يوم ينطق الواحد القهار جوارحه فيشهد عليه لسانه بما نهش من أعراض، وبما عاب وانتقص من صالحات قانتات، وصالحين قانتين، وينطق الكبير المتعال أيديهم وأرجلهم لتشهد على الفجار الأشرار بما جرحت أيديهم من فساد، وما سعوا إليه من خبال وضلال وظلم للعباد، فيومئذ يجزون الجزاء الأوفى {.. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )١ { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون )٢، ويبدو لهم من الله تعالى ما لم يكونوا يحتسبون، ويظهر لهم أن مولانا لا يضل ولا ينسى ما كانوا يفترون، ويريهم أعمالهم حسرات عليهم، فهو سبحانه شهيد على الذين كانوا يفعلون. قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة : الإبعاد، وضرب الحد، واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال : هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال : نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية : إنه عام لجميع الناس من القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير :[ إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث ]٣
﴿ الغافلات ﴾ لم يخطر ببالهن أبدا مقارفة الفاحشة أو دنس
﴿ لعنوا ﴾ طردوا وأبعدوا من رحمة الله سبحانه.
﴿ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ﴾ ينطقها الله تعالى يوم القيامة بما كان من أصحابها من خطايا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: إن من يتهم عفيفة طاهرة كاملة النزاهة عن الفحش حتى ما يخطر لها شيء من ذلك على بال وهي مصدقة مستيقنة بما يجب الإيمان به، من يتهم واحدة من هؤلاء بالزنى فإنه مبعد عن رحمة ربنا في الدنيا والآخرة، وله النكال والجحيم والعذاب الأليم، يوم ينطق الواحد القهار جوارحه فيشهد عليه لسانه بما نهش من أعراض، وبما عاب وانتقص من صالحات قانتات، وصالحين قانتين، وينطق الكبير المتعال أيديهم وأرجلهم لتشهد على الفجار الأشرار بما جرحت أيديهم من فساد، وما سعوا إليه من خبال وضلال وظلم للعباد، فيومئذ يجزون الجزاء الأوفى {.. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )١ { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون )٢، ويبدو لهم من الله تعالى ما لم يكونوا يحتسبون، ويظهر لهم أن مولانا لا يضل ولا ينسى ما كانوا يفترون، ويريهم أعمالهم حسرات عليهم، فهو سبحانه شهيد على الذين كانوا يفعلون. قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة : الإبعاد، وضرب الحد، واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال : هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال : نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية : إنه عام لجميع الناس من القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير :[ إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث ]٣
﴿ دينهم الحق ﴾ حسابهم وجزاءهم الذين يستحقون، لا يظلمون.
﴿ ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾ يعلمون يوم الحساب عيانا كيف ينتقم الله تعالى من الظالم للمظلوم بالعدل والحق، ويبدو لهم من الواحد القهار ما لم يكونوا يحتسبون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: إن من يتهم عفيفة طاهرة كاملة النزاهة عن الفحش حتى ما يخطر لها شيء من ذلك على بال وهي مصدقة مستيقنة بما يجب الإيمان به، من يتهم واحدة من هؤلاء بالزنى فإنه مبعد عن رحمة ربنا في الدنيا والآخرة، وله النكال والجحيم والعذاب الأليم، يوم ينطق الواحد القهار جوارحه فيشهد عليه لسانه بما نهش من أعراض، وبما عاب وانتقص من صالحات قانتات، وصالحين قانتين، وينطق الكبير المتعال أيديهم وأرجلهم لتشهد على الفجار الأشرار بما جرحت أيديهم من فساد، وما سعوا إليه من خبال وضلال وظلم للعباد، فيومئذ يجزون الجزاء الأوفى {.. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )١ { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون )٢، ويبدو لهم من الله تعالى ما لم يكونوا يحتسبون، ويظهر لهم أن مولانا لا يضل ولا ينسى ما كانوا يفترون، ويريهم أعمالهم حسرات عليهم، فهو سبحانه شهيد على الذين كانوا يفعلون. قال العلماء : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة : الإبعاد، وضرب الحد، واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال : هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال : نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية : إنه عام لجميع الناس من القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير :[ إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث ]٣
﴿ ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾ يعلمون يوم الحساب عيانا كيف ينتقم الله تعالى من الظالم للمظلوم بالعدل والحق، ويبدو لهم من الواحد القهار ما لم يكونوا يحتسبون.
﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { ٢٦ ) ﴾
﴿ الخبيثات للخبيثين ﴾ الزوجات أو الكلمات السيئات للسيئين
﴿ والطيبون للطيبات ﴾ الأزواج أو المتكلمون الخيرون للزوجات أو الكلمات الصالحات.
﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ الذين عفوا منزهون عن الدنس الذي يرميهم به الخبثاء.
﴿ ورزق كريم ﴾ لهم مع النجاة من العقاب أكرم المآب وعظيم الثواب في الجنة، يرزقون فيها بغير حساب.
من زاغ عن الحق والرشد والبر أزاغ الله قلبه، ومن نسي مولاه أنساه ربنا نفسه، ومن خبث لا يخرج إلا سوءا ونكدا، ومن فسد باطنه ترجم لسانه عن طويته، كما قال الشاعر :
فالكلمات والنعوت القبيحة ملازمة للخبثاء من الناس ذكورهم وإناثهم ؛ يقول حكيم : إنك لا تجني من الشوك العنب ؛ ويقول آخر : وكل إناء بالذي فيه ينضح ؛ وأما من حسنت سريرته من الناس من رجل أو امرأة فإنه مهدي إلى الطيب من القول والفعل، وليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، إذ قد جاءته من ربه الموعظة :{ .. وقولوا للناس حسنا.. )١ وضرب الله تعالى الأمثال لقوم يتفكرون :{ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون )٢ ﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ أولئك المصطفون الأخيار منزهون عما يقول المجرمون والمفترون، وهم بحسن المآب وعظيم الثواب فائزون ﴿ يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم )٣مما قال الطبري : وقال آخرون : بل معنى ذلك الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء.. قال ابن زيد في قوله :{ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ﴾ قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبي هو خبيث وكان أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا وكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة وكان أولى أن يكون لها الطيب ﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ قال : ههنا برئت عائشة ﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية قول من قال : عني بالخبيثات : الخبيثات من القول وذلك قبيحه وسيئه للخبيثين من الرجال والنساء، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول هم بها أولى، لأنهم أهلها، والطيبات من القول وذلك حسنه وجميله للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول، لأنهم أهلها وأحق بها ؛ وإنما قلنا : هذا القول أولى بتأويل الآية لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله القائلين في عائشة الإفك، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به أشبه من الخبر عن غيرهم، .. وقد قيل : عني بقوله :﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ عائشة وصفوان بن المعطل الذي رميت به، فعلى هذا القول قيل :﴿ أولئك ﴾ فجمع، والمراد ذانك، كما قيل، { .. فإن كان له إخوة.. )٤.. اه.
﴿ الخبيثات للخبيثين ﴾ الزوجات أو الكلمات السيئات للسيئين
﴿ والطيبون للطيبات ﴾ الأزواج أو المتكلمون الخيرون للزوجات أو الكلمات الصالحات.
﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾ الذين عفوا منزهون عن الدنس الذي يرميهم به الخبثاء.
﴿ ورزق كريم ﴾ لهم مع النجاة من العقاب أكرم المآب وعظيم الثواب في الجنة، يرزقون فيها بغير حساب.
من زاغ عن الحق والرشد والبر أزاغ الله قلبه، ومن نسي مولاه أنساه ربنا نفسه، ومن خبث لا يخرج إلا سوءا ونكدا، ومن فسد باطنه ترجم لسانه عن طويته، كما قال الشاعر :
ومهما تكن امرئ من خليقة | وإن خالها تخفى على الناس تعلم. |
١ سورة البقرة. من الآية ٨٣..
٢ سورة إبراهيم. الآيتان ٢٤، ٢٥..
٣ سورة التوبة. الآيتان: ٢١، ٢..
٤ سورة النساء. من الآية ١١..
٢ سورة إبراهيم. الآيتان ٢٤، ٢٥..
٣ سورة التوبة. الآيتان: ٢١، ٢..
٤ سورة النساء. من الآية ١١..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ٢٧ ) ﴾
﴿ بيوتكم ﴾ بيوت سكنكم.
﴿ تستأنسوا ﴾ تطلبوا علم من في الدار بوجودكم، وطلب الإذن لكم.
﴿ وتسلموا ﴾ تقولوا : السلام عليكم.
﴿ خير ﴾ هو الخير.
﴿ تذكرون ﴾ تتذكرون به وتتعظون فتعملوا بمقتضاه.
نهى الله تعالى المؤمنين عن دخول بيوت يسكنها غيرهم، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أمهاتهم إلا بعد أن يعلموا ساكنيها ويطلبوا إذنهم، ويسلموا عليهم، فإن ذلك الاستئناس والسلام وطلب الإذن قبل الدخول خير، يحفظ على الزائر والمزور حياءهما وقدرهما، وصفاء ود كل منهما لصاحبه ؛ وتبارك الحكيم العليم الذي شرع ما به تمام النعمة.
وقيل : الاستئناس خلاف الاستيحاش فهو من الأنس [ بالضم ] خلاف الوحشة، والمراد به المأذونية فكأنه قيل : حتى يؤذن لكم، فإن من يطرق بيت غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش. فإذا أذن له استأنس.. ﴿ وتسلموا على أهلها ﴾ أي الساكنين فيها، وظاهر الآية أن الاستئذان قبل التسليم وبه قال بعضهم ؛ وقال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان.
﴿ خير لكم ﴾ من الدخول بغتة، والدخول على تحية الجاهلية، فقد كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتا غير بيته يقول : حييتم صباحا، حييتم مساء فيدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف... وجوز أن يكون ﴿ خير ﴾ صفة.. وقوله تعالى :﴿ لعلكم تذكرون ﴾ تعليل على ما اختاره جمع لمحذوف، أي : أرشدتم إلى ذلك، أو قيل لكم هذا كي تتذكروا وتتعظوا وتعملوا بموجبه.
وجاء في تفسير القرآن العظيم : هذه آداب شرعية، أدب الله بها عباده المؤمنين.. أمرهم أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده. وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا انصرف، كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف، ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " فقال عمر : لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا، فذهب إلى ملأ من الأنصار، فذكر لهم ما قال عمر، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق.. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " وأخرج الجماعة من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر " قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال : " من ذا " ؟ فقلت : أنا، قال : " أنا أنا " كأنه كرهه، وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان الذي هو الاستئناس١ المأمور به في الآية٢ اه.
﴿ بيوتكم ﴾ بيوت سكنكم.
﴿ تستأنسوا ﴾ تطلبوا علم من في الدار بوجودكم، وطلب الإذن لكم.
﴿ وتسلموا ﴾ تقولوا : السلام عليكم.
﴿ خير ﴾ هو الخير.
﴿ تذكرون ﴾ تتذكرون به وتتعظون فتعملوا بمقتضاه.
نهى الله تعالى المؤمنين عن دخول بيوت يسكنها غيرهم، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أمهاتهم إلا بعد أن يعلموا ساكنيها ويطلبوا إذنهم، ويسلموا عليهم، فإن ذلك الاستئناس والسلام وطلب الإذن قبل الدخول خير، يحفظ على الزائر والمزور حياءهما وقدرهما، وصفاء ود كل منهما لصاحبه ؛ وتبارك الحكيم العليم الذي شرع ما به تمام النعمة.
وقيل : الاستئناس خلاف الاستيحاش فهو من الأنس [ بالضم ] خلاف الوحشة، والمراد به المأذونية فكأنه قيل : حتى يؤذن لكم، فإن من يطرق بيت غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش. فإذا أذن له استأنس.. ﴿ وتسلموا على أهلها ﴾ أي الساكنين فيها، وظاهر الآية أن الاستئذان قبل التسليم وبه قال بعضهم ؛ وقال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان.
﴿ خير لكم ﴾ من الدخول بغتة، والدخول على تحية الجاهلية، فقد كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتا غير بيته يقول : حييتم صباحا، حييتم مساء فيدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف... وجوز أن يكون ﴿ خير ﴾ صفة.. وقوله تعالى :﴿ لعلكم تذكرون ﴾ تعليل على ما اختاره جمع لمحذوف، أي : أرشدتم إلى ذلك، أو قيل لكم هذا كي تتذكروا وتتعظوا وتعملوا بموجبه.
وجاء في تفسير القرآن العظيم : هذه آداب شرعية، أدب الله بها عباده المؤمنين.. أمرهم أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده. وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا انصرف، كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف، ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " فقال عمر : لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا، فذهب إلى ملأ من الأنصار، فذكر لهم ما قال عمر، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق.. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " وأخرج الجماعة من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر " قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال : " من ذا " ؟ فقلت : أنا، قال : " أنا أنا " كأنه كرهه، وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان الذي هو الاستئناس١ المأمور به في الآية٢ اه.
١ في سنن ابن ماجة ـ بسنده ـ عن أبي أيوب الأنصاري قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت" يقول بعض المفسرين: وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان، كما قال مجاهد ومن وافقه..
٢ روى الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية ـ عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة..﴾.
٢ روى الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية ـ عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة..﴾.
﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { ٢٨ ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ { ٢٩ ) ﴾
في الآية الكريمة السابقة وصانا ربنا تبارك وتعالى بالاستئناس والسلام قبل دخول بيوت ليست لنا، وكأنما جاءت الآية على أثرها لتؤكد أنه إذا لم يؤذن لنا فلا حق للمستأذن في الدخول، وإن طلب إليه أصحاب الدار أن يرجع فليرجع، فذلك أطهر وأقوم سبيلا، وأعون على ستر العورات وصون الحرمات ؛ ومولانا المعبود بحق يعلم المفسد من المصلح، فلا يسترقن أحد السمع، أو يختلس النظرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين.
﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ يدفع الله تعالى الحرج ولم يحرم على عباده أن يدخلوا بيوتا ليست للسكنى فإن كانت خربة وأووا إليها في سفرهم، أو لقضاء الحاجة، فما هم بحاجة إلى الاستئذان قبل دخولها، أما إذا كانت لغير السكنى كحوانيت التجار جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، فقد ذهب الطبري والقرطبي إلى أنها محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها.. ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس، وخالفهما ابن زيد والشعبي، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي فقال : أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، الطالب يدخل في الخانكان وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفناتق، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. اه.
﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.
في الآية الكريمة السابقة وصانا ربنا تبارك وتعالى بالاستئناس والسلام قبل دخول بيوت ليست لنا، وكأنما جاءت الآية على أثرها لتؤكد أنه إذا لم يؤذن لنا فلا حق للمستأذن في الدخول، وإن طلب إليه أصحاب الدار أن يرجع فليرجع، فذلك أطهر وأقوم سبيلا، وأعون على ستر العورات وصون الحرمات ؛ ومولانا المعبود بحق يعلم المفسد من المصلح، فلا يسترقن أحد السمع، أو يختلس النظرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين.
﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ يدفع الله تعالى الحرج ولم يحرم على عباده أن يدخلوا بيوتا ليست للسكنى فإن كانت خربة وأووا إليها في سفرهم، أو لقضاء الحاجة، فما هم بحاجة إلى الاستئذان قبل دخولها، أما إذا كانت لغير السكنى كحوانيت التجار جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، فقد ذهب الطبري والقرطبي إلى أنها محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها.. ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس، وخالفهما ابن زيد والشعبي، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي فقال : أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، الطالب يدخل في الخانكان وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفناتق، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. اه.
﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.
﴿ جناح ﴾ حرج.
﴿ ما تبدون ﴾ الذي تظهرونه.
﴿ وما تكتمون ﴾ والذي تخفونه وتسترونه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { ٢٨ ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ { ٢٩ ) ﴾
في الآية الكريمة السابقة وصانا ربنا تبارك وتعالى بالاستئناس والسلام قبل دخول بيوت ليست لنا، وكأنما جاءت الآية على أثرها لتؤكد أنه إذا لم يؤذن لنا فلا حق للمستأذن في الدخول، وإن طلب إليه أصحاب الدار أن يرجع فليرجع، فذلك أطهر وأقوم سبيلا، وأعون على ستر العورات وصون الحرمات ؛ ومولانا المعبود بحق يعلم المفسد من المصلح، فلا يسترقن أحد السمع، أو يختلس النظرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين.
﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ يدفع الله تعالى الحرج ولم يحرم على عباده أن يدخلوا بيوتا ليست للسكنى فإن كانت خربة وأووا إليها في سفرهم، أو لقضاء الحاجة، فما هم بحاجة إلى الاستئذان قبل دخولها، أما إذا كانت لغير السكنى كحوانيت التجار جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، فقد ذهب الطبري والقرطبي إلى أنها محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها.. ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس، وخالفهما ابن زيد والشعبي، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي فقال : أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، الطالب يدخل في الخانكان وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفناتق، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. اه.
﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.
﴿ ما تبدون ﴾ الذي تظهرونه.
﴿ وما تكتمون ﴾ والذي تخفونه وتسترونه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { ٢٨ ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ { ٢٩ ) ﴾
في الآية الكريمة السابقة وصانا ربنا تبارك وتعالى بالاستئناس والسلام قبل دخول بيوت ليست لنا، وكأنما جاءت الآية على أثرها لتؤكد أنه إذا لم يؤذن لنا فلا حق للمستأذن في الدخول، وإن طلب إليه أصحاب الدار أن يرجع فليرجع، فذلك أطهر وأقوم سبيلا، وأعون على ستر العورات وصون الحرمات ؛ ومولانا المعبود بحق يعلم المفسد من المصلح، فلا يسترقن أحد السمع، أو يختلس النظرة، فإن الله يعلم خائنة الأعين.
﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ يدفع الله تعالى الحرج ولم يحرم على عباده أن يدخلوا بيوتا ليست للسكنى فإن كانت خربة وأووا إليها في سفرهم، أو لقضاء الحاجة، فما هم بحاجة إلى الاستئذان قبل دخولها، أما إذا كانت لغير السكنى كحوانيت التجار جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، فقد ذهب الطبري والقرطبي إلى أنها محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها.. ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس، وخالفهما ابن زيد والشعبي، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي فقال : أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، الطالب يدخل في الخانكان وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفناتق، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. اه.
﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات.
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ { ٣٠ ) ﴾
﴿ يغضوا ﴾١ يطبقوا أجفان أعينهم على بعض، ويغمضوها.
﴿ ويحفظوا فروجهم ﴾ ويصونوها عما حرم الله.
بعد أن زجرت الآيات المباركات السابقات عن الزنى، وفرض الله تعالى الحد على من ارتكب تلك الفاحشة، أو اتهم غيره بهتانا بها، وشرع الاستئذان حتى لا يطلع أحد على عورة أحد، ولا تسبق عينه أو أذنه إلى ما لا يحل، قطعا لدابر الفتنة وسدا لأسباب المفسدة جاءت هذه الآية الكريمة لتؤدب المؤمنين عامة بأحكام شاملة يدخل فيها حكم المستأذنين دخولا أوليا، ووصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر النظر ؛ وفي البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك، يقول الله تعالى :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.. ﴾، روي في الصحيحين صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " فقالوا : يا رسول الله : ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال " فإذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : " غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
﴿ يحفظوا فروجهم ﴾ ويصونوا فروجهم عما حرم الله تعالى، فلا تنكشف السوءات، ولا يتمتع بالفرج إلا فيما أحل ربنا سبحانه، و﴿ يغضوا ﴾، ﴿ ويحفظوا ﴾ مجزومان إما بلام أمر مقدرة، أي قل لهم ليغضوا.. وليحفظوا، والجملة نصب على المفعولية للقول، و﴿ من ﴾ للتبعيض، وكأن المراد : غضوا البصر عما يحرم واقتصروا به على ما يحل٢، ﴿ ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ﴾ ذلك الذي شرعته لكم من غض البصر وحفظ الفرج أطهر لكم وأبعد عن الفتن، وأنفع من الزنى والنظرة الحرام، فإني خبير بعمل كل عامل، وما تصنع كل جارحة من جوارحه، بل وبما توسوس به نفسه، فليحذر العاقل أن يرى الله تعالى منه ما يغضبه، فإنه سبحانه على كل شيء رقيب :{ وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك إلا في كتاب مبين )٣.
﴿ يغضوا ﴾١ يطبقوا أجفان أعينهم على بعض، ويغمضوها.
﴿ ويحفظوا فروجهم ﴾ ويصونوها عما حرم الله.
بعد أن زجرت الآيات المباركات السابقات عن الزنى، وفرض الله تعالى الحد على من ارتكب تلك الفاحشة، أو اتهم غيره بهتانا بها، وشرع الاستئذان حتى لا يطلع أحد على عورة أحد، ولا تسبق عينه أو أذنه إلى ما لا يحل، قطعا لدابر الفتنة وسدا لأسباب المفسدة جاءت هذه الآية الكريمة لتؤدب المؤمنين عامة بأحكام شاملة يدخل فيها حكم المستأذنين دخولا أوليا، ووصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر النظر ؛ وفي البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك، يقول الله تعالى :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.. ﴾، روي في الصحيحين صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " فقالوا : يا رسول الله : ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال " فإذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : " غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
﴿ يحفظوا فروجهم ﴾ ويصونوا فروجهم عما حرم الله تعالى، فلا تنكشف السوءات، ولا يتمتع بالفرج إلا فيما أحل ربنا سبحانه، و﴿ يغضوا ﴾، ﴿ ويحفظوا ﴾ مجزومان إما بلام أمر مقدرة، أي قل لهم ليغضوا.. وليحفظوا، والجملة نصب على المفعولية للقول، و﴿ من ﴾ للتبعيض، وكأن المراد : غضوا البصر عما يحرم واقتصروا به على ما يحل٢، ﴿ ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ﴾ ذلك الذي شرعته لكم من غض البصر وحفظ الفرج أطهر لكم وأبعد عن الفتن، وأنفع من الزنى والنظرة الحرام، فإني خبير بعمل كل عامل، وما تصنع كل جارحة من جوارحه، بل وبما توسوس به نفسه، فليحذر العاقل أن يرى الله تعالى منه ما يغضبه، فإنه سبحانه على كل شيء رقيب :{ وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك إلا في كتاب مبين )٣.
١ وجائز أن تكون ﴿يغضوا﴾ مجزومة لوقوعها في جواب ﴿قل﴾ لتضمنه حرف الشرط، كأنه قيل: إن تقل لهم غضوا يغضوا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره عليه الصلاة والسلام، وأنه كالسبب الموجب له وهذا هو المشهور ـ أورد هذا روح المعاني ـ..
٢ ومما قال الألوسي: النظر باب إلى كثير من الشرور، وهو بريد الزنى ورائد الفجور، وقال بعضهم:
٢ ومما قال الألوسي: النظر باب إلى كثير من الشرور، وهو بريد الزنى ورائد الفجور، وقال بعضهم:
كـل الحوادث مبداها من النظـر | ومعظم النار من مستصغر الشــرر |
والمرء ما دام ذا عين يقلبــها | في أعين الغير موقوف على الخطر |
كم نظرة فعلت في قلب فاعلها | فعل السهام بلا قوس ولا وتــر |
يسر ناظره ما ضر خاطــره | لا مرحبا بسرور عاد بالضــرر. ٣ سورة يونس. الآية ٦١.. |