تفسير سورة المجادلة

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة المجادلة مدنية سوى العشر الأول وهي اثنتان وعشرون آية وثلاث ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في وزوجها وتشتكي إلى الله١ والله يسمع تحاوركما ﴾ : تراجعكما الكلام ﴿ إن الله سميع بصير ﴾ نزلت في خولة، ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت، وكان الظهار طلاقا، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال :" حرمت عليه " فحلفت إنه ما ذكر طلاقا، فقال :" حرمت عليه " فقالت : أشكوا إلى الله فاقتي، وجعلت تراجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وترفع رأسها إلى السماء وتشكو إلى الله تعالى٢.
١ أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي زيد قال: لقي امرأة عمر بن الخطاب يقال لها: خولة، وهو يسير مع الناس، فاستوقفته، فوقف لها، ودنا منها أصغى إليها رأسه، ووضع بيده على منكبيها، حتى قضت حاجتها، وانصرفت فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حسبت رجال قريش على هذه العجوز! قال: ويحك (وتدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، لهذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف حتى إلى الليل، ما انصرفت حتى تقضي حاجتها/ ١٢ الدر منثور. [قال ابن كثير (٤/٣١٨): هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب وقد روى من غير هذا الوجه]..
٢ كما روى البخاري والنسائي وغيرهما..
﴿ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ﴾ كانت عبارتهم في الظهار : أنت كظهر أمي، أي ما هن أمهاتهم على الحقيقة ﴿ إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ﴾ : المظاهرون ﴿ ليقولون منكرا من القول ﴾ : لا في شرع ﴿ وزورا ﴾ باطلا محرّفا عن الحق ﴿ وإن الله لعفو غفور ﴾ فغفر عما سلف.
﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ أي : يتداركون ما قالوا، والمتدارك عائد إليه، ومنه المثل : عاد غيث ما أفسد، أي : تداركه الإصلاح، عن ابن عباس رضي الله عنهما : العود الندم، قال الفراء : عاد فلانا لما قال أو فيما قال، أي رجع عما قال، وهو إمساكها عقيب الظهار زمانا يمكنه الطلاق، ولم يطلق أو المراد العزم على الوطء ﴿ فتحرير رقبة ﴾ أي : فعليهم أو فالواجب إعتاق رقبة، والشافعي حمل ما أطلق على ما قيد في كفارة القتل١ بالإيمان ؛ لإتحاد الموجب ﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ من قبل أن يجامع المظاهِر المظاهر منها، فلا يجوز الوطء قبل الكفارة، والأكثرون على أنه لا يحرم سائر الاستمتاع قبل الكفارة، وعن بعضهم التماس الاستمتاع مطلقا ﴿ ذلكم ﴾ : الحكم بالكفارة ﴿ توعظون به ﴾ كي تنزجروا به عن الظهار ﴿ والله بما تعملون خبير ﴾.
١ يعني تحرير رقبة مؤمنة/١٢..
﴿ فمن لم يجد ﴾ الرقبة ﴿ فصيام شهرين متتابعين١ من قبل أن يتماسا٢ ولا يجوز الجماع في ليالي الشهرين، فلو فعل ففي الاستئناف خلاف ﴿ فمن لم يستطع ﴾ الصوم لمرض أو كبر أو فرط شهوة ﴿ فإطعام ستين مسكينا ﴾ وعن مالك : من يكفر بالإطعام يجوز له الوطء قبله ؛ لأنه غير مقيد بقوله :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ وبيان كمية الإطعام لكل مسكين قد مر في أواخر سورة المائدة ﴿ ذلك ﴾ أي فرض لك الذي بينا ﴿ لتؤمنوا ﴾ لتصدقوا ﴿ بالله ورسوله ﴾ في قبول شرائعه وترك بدع الجاهلية، ﴿ وتلك حدود الله ﴾ لا يجوز تعديها، ﴿ وللكافرين ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنهما : لمن جحده وكذبه ﴿ عذاب أليم ﴾.
١ متواليين لا يفطر فيهما فإن أفطر استأنف إن كان الإفطار لغير عذر وإن كان لعذر من سفر أو مرض فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء ابن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي والشافعي ومالك: أنه يبني ولا يستأنف وقال أبو حنيفة: إنه يستأنف وهو مروى عن الشافعي/١٢ فتح..
٢ المماساة: الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة/١٢ منه..
﴿ إن الذين يحادون الله ﴾ يعادون ويعاندون شرعه ﴿ ورسوله كتبوا ﴾ أخروا ولعنوا ﴿ كما كبت الذين من قبلهم ﴾ ككفار الأمم الماضية ﴿ وقد أنزلنا آيات بينات ﴾ تدل على صدق ما جاء به الرسول ﴿ وللكافرين عذاب مهين ﴾.
﴿ يوم يبعثهم الله ﴾ ظرف لمهين، أو مفعول لأذكر١ ﴿ جميعا ﴾ مجتمعين ﴿ فينبئهم الله بما عملوا ﴾ من خير وشر ﴿ أحصاه الله ﴾ ضبط عليهم ﴿ ونسوه والله على كل شيء شهيد ﴾.
١ أي: اذكر يوم..
﴿ ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة ﴾ما يقع سر١ ثلاثة نفر وتناجيهم﴿ إلا هو ﴾ أي الله ﴿ رابعهم٢ بالعلم والاستثناء من أعلم الأحوال ﴿ ولا خمسة ﴾ أي ولا نجوى خمسة ﴿ إلا هو سادسهم ﴾، وتخصيص العددين قيل لخصوص الواقعة، فإنها نزلت لتناجي المنافقين، أو لأن أهل النجوى لا يكونون إلا قليلين غالبا من الإثنين إلى ما دون العشرة، فآثر الثلاثة٣ ليكون قوله ﴿ ولا أدنى من ذلك ﴾ دالا على الإثنين وهو عدد لا يمكن التناجي بأقل منه، والخمسة أيضا ليكون ﴿ ولا أكثر ﴾ دالا على السبعة ﴿ ولا أدنى ﴾ أقل ﴿ من ذلك ﴾ كالإثنين ﴿ ولا أكثر ﴾ كالسبعة، ولا لنفي الجنس ﴿ إلا هو معهم ﴾ بالعلم وفي قراءة ﴿ ولا أكثر ﴾ بالرفع هو عطف على محل من نجوى، أي ما يكون أدنى ولا أكثر ﴿ أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ﴾.
١ فسر يكون بيقع إشارة إلى أن كان تامة ونجوى فاعل كان ومن زائدة لاستغراق النفي/١٢ منه..
٢ أخرج البيهقي في الأسماء والصفات والضحاك" ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم" قال: هو الله على العرش وعلمه معهم/١٢ الدر المنثور..
٣ إذ لو أثر الأربعة وما فوقها مثلا كان الأدنى الثلاثة دون الاثنين إلا على التوسع ولما أوثرت جيء بالخمسة ليناسب الوترين ولأن الله تعالى وتر يحب الوتر/١٢ منه..
﴿ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهو عنه ﴾ كانت اليهود والمنافقون يتناجون١، ويتغامزون بأعينهم لإغضاب المؤمنين فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عادوا لمثله، ﴿ ويتناجون بالإثم والعدوان ﴾ بما هو إثم لهم، وعدوان للمؤمنين، ﴿ ومعصية الرسول ﴾ تواص بمخالفته، ﴿ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ يقولون : سام عليك، والسام : الموت. ﴿ ويقولون في أنفسهم ﴾ فيما بينهم سرّ، ﴿ لولا يعذبنا الله بما نقول ﴾ أي لو كان هو نبيا فهلا يعذبنا الله بشتمنا إياه، ﴿ حسبهم جهنم ﴾ عذابا﴿ يصلونها ﴾يدخلونها، ﴿ فبئس المصير ﴾جهنم.
١ أخرج معنى هذه القصة ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان ذكره السيوطي في الدر المنثور. [الدر المنثور (٦/٢٦٩)].
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ﴾ كاليهود والمنافقين، ﴿ وتناجوا بالبر والتقوى ﴾ بما يتضمن نفعكم ونفع غيركم، ﴿ واتقوا الله الذي إليه تحشرون ﴾.
﴿ إنما النجوى ﴾ أي ذلك النجوى الذي هو بالإثم ﴿ من الشيطان ﴾ فإنه الآمر به ﴿ ليحزن الذين آمنوا ﴾ ليوهمهم أن عليهم شرا ﴿ وليس ﴾ الشيطان أو التناجي ﴿ بضارهم شيئا ﴾ من الضرر١ ﴿ إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ فإنه هو حسبهم وكافيهم.
١ فيكون شيئا مفعولا مطلقا لضارهم، كأنه قال: ليس بضارهم ضررا /١٢ منه..
﴿ يا أيها١ الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا ﴾ توسعوا ﴿ في المجالس٢ فافسحوا ﴾ في المكان ﴿ يفسح الله لكم٣ يوسع عليكم في الدارين، نزلت حين جاء بعض من أهل البدر٤ إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يوسع الصحابة لهم فكره عليه الصلاة والسلام ذلك كرامة لأهل بدر، فأقام عليه الصلاة والسلام بعضا، وأمر أهل بدر أن يجلسوا مكانهم، فشق على البعض ذلك، وفي الصحيحين :" لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا ". ﴿ وإذا قيل انشزوا ﴾ انهضوا وقوموا لأكرمكم، ﴿ فانشزوا ﴾ فقوموا، وإذا قيل انهضوا للصلاة أو للجهاد أو إلى خير فلا تثاقلوا، أو إذا قيل لكم قوموا واخرجوا فإنهم إذا كانوا في بيته عليه الصلاة والسلام كل منهم يحب أن يكون آخرهم خروجا فربما يشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم لما له من حاجة، فأمروا أنهم إذا أمروا بالانصراف يأتمروا سريعا، ﴿ يرفع٥ الله الذين آمنوا منكم ﴾ بطاعتهم لرسوله، ﴿ والذين أوتوا العلم٦ درجات ﴾ أي ويرفع الله تعالى العلماء منهم خاصة، ونصب درجات بالبدل من الذين آمنوا والذين أوتوا العلم، أو بالتمييز، والمعنى : لا يحسب أحدكم أنه إذا تفسح، أو أمر بالخروج فخرج يكون نقصا في حقه، بل هو رفعة ومرتبة عند الله تعالى ﴿ والله بما تعملون خبير ﴾.
١ ولما نهى المؤمنين عما هو سبب للتباغض والتنافر أمرهم بما هو سبب التواد والتقارب فقال:﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا﴾ الآية/١٢ وجيز..
٢ متعلق بتوسعوا/١٢ منه..
٣ أي في جميع الأمور من الرزق والصدر والقبر وكل ما ينبغي الوسعة فيه/١٢ منه..
٤ نقله محيي السنة عن مقاتل ونقل بعض المفسرين عن كثير من السلف /١٢ منه..
٥ ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات، ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات، فمن جمع بين الإيمان والعلم، رفعه الله بإيمانه درجات، ثم رفعه بعلمه درجات، قيل: المراد بالذين آمنوا من الصحابة وكذلك بالذين أوتوا العلم، وقيل المراد: الذين قرءوا القرآن، والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن، وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملة، ولا دليل على تخصيص الآية بالبعض دون البعض/١٢..
٦ قيل: قوله ﴿والذين أوتوا العلم درجات﴾ مشعر بأن المراد ب "انشزوا" قوموا لأكرمكم..
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة١، نزلت حين كثرت مجالسة الأغنياء ومناجاتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ذلك، فأمر الله تعالى الخلائق بالصدقة أمام مناجاته فانتهوا عن كثرة المناجاة. عن علي رضي الله عنه : هذه آية لم يعمل بها أحد قبلي، ولا أحد يعمل بها بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها غيري٢ ﴿ ذلك ﴾ : التصدق ﴿ خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ﴾ هذا رخصة مناجاتهم للفقراء بلا تصدق.
١ في الآية دلائل على وجوب تلك الصدقة، وهو قوله:﴿فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم﴾ وقوله:﴿وتاب الله عليكم﴾/١٢ منه..
٢ أخرجه الحاكم في " المستدرك" (٢/٤٨٢) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي..
﴿ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ﴾ : أي : أخفتم تقديم الصدقة١ لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر، وجمع الصدقات لجمع المخاطبين ﴿ فإذا لم تفعلوا ﴾ ما أمرتم به ﴿ وتاب الله عليكم ﴾ عذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوه ﴿ فأقيموا٢ الصلاة وآتوا الزكاة ﴾، فلا تفرطوا فيهما، ﴿ وأطيعوا الله ورسوله ﴾ في أوامره ونواهيه ؛ ليكون كالجابر ﴿ والله خبير بما تعملون ﴾.
١ على ما فسرنا يكون ﴿أن تقدموا﴾ مفعول أشفقتم وقيل: تقديره: أأشفقتم الفقر من أن تقدموا، والأول أولى/١٢ منه..
٢ كأنه قيل: فلما قصرتم في ذلك: فلا تقصروا في هذا/١٢ منه..
﴿ ألم تر١ إلى الذين ﴾ المنافقين ﴿ تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾ اليهود، كان المنافقون ينقلون إليهم أسرار المؤمنين ﴿ ما هم منكم ﴾ لأنهم منافقون ﴿ ولا منهم ﴾ من اليهود أيضا ؛ لأنهم مذبذبون ﴿ ويحلفون على الكذب ﴾ وهو ادعاء الإسلام ﴿ وهم يعلمون٢ أن المحلوف عليه كذب.
١ ولما ذكر مساءة المنافقين في نجواهم أعقبه بمساءة أخرى لهم فقال:{أم تر إلى الذين{ الآية/١٢ وجيز..
٢ فيه دليل على أن الكذب يطلق على ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يعلم/١٢ وجيز..
﴿ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعلمون ﴾ يعني هذا العذاب ؛ لإصرارهم على سوء العمل.
﴿ اتخذوا أيمانهم ﴾ التي حلفوا بها ﴿ جنة ﴾ وقاية من القتل والنهب ﴿ فصدوا ﴾ الناس ﴿ عن سبيل الله ﴾ يعني بالحلف الكذب، يقون أنفسهم ويأمنون، وفي خلال أمنهم يصدون الناس عن الدين الحق ﴿ فلهم عذاب مهين ﴾.
﴿ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ﴾ أي : من عذابه، أو شيئا من الإغناء ﴿ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾، نزلت حين قال عليه الصلاة والسلام : سيأتيكم إنسان١ ينظر بعيني الشيطان، فإذا ناداكم فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق فقال له عليه الصلاة والسلام : علام تشتمني أنت وفلان، فانطلق الرجل، فدعاهم وحلفوا له، واعتذروا إليه.
١ رواه أحمد وغيره، ولا شبهة أن هذا الرجل من المنافقين/١٢ منه.[وقال الشيخ أحمد شاكر في "تعليقه على المسند" (٢٤٠٧): وإسناده صحيح].
﴿ يوم يبعثهم الله جميعا ﴾ ظرف لن تغني ﴿ فيحلفون له ﴾ لله تعالى على أنهم ما كانوا مشركين، ﴿ كما يحلفون لكم ﴾ كذبا في الدنيا أنهم منكم، ﴿ ويحسبون أنهم على شيء ﴾ حسبوا أن الأيمان الكاذبة تروج الكذب في الآخرة، كما روجت في الدنيا ﴿ ألا إنهم هم الكاذبون ﴾.
﴿ استحوذ ﴾ استولى ﴿ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ﴾، فلا يذكرون الله تعالى أصلا ولا يصلون، ﴿ أولئك حزب ﴾ جنود ﴿ الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ﴾.
﴿ إن الذين يحادون الله ﴾ يعادونه ﴿ ورسوله أولئك في الأذلين ﴾ في جملة من لهم ذل في الدارين.
﴿ كتب الله ﴾ حكم وقرر ﴿ لأغلبن أنا ورسلي ﴾ إما بالحجة وإما بها وبالسيف ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون ﴾[ الصافات : ١٧١-١٧٢ ] الآية، ﴿ إن الله قوي عزيز ﴾.
﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾، يعني لا يجتمع الإيمان ومحبة أعداء الله تعالى، ﴿ ولو كانوا ﴾ أي من حاد الله، ﴿ آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم١ أقاربهم، ﴿ أولئك ﴾ الذين لم يوادوهم ﴿ كتب ﴾ الله ﴿ في قلوبهم الإيمان ﴾ : أثبته فيها، ﴿ وأيدهم بروح منه ﴾ : من عند الله تعالى وهو النصر على العدو أو نور القلب، ﴿ ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ﴾ حال مقدرة، ﴿ فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ﴾ لما سخطوا على القرائب لله تعالى عوضهم بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أنعم عليهم من الفضل العظيم، ﴿ أولئك حزب الله ﴾ أنصار دينه، ﴿ ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾ الفائزون بخير الدارين.
اللهم اجعلنا منهم.
١ بدأ بالآباء لأن الواجب على الأولاد طاعتهم فنهاهم عن توادهم ثم ثنى بالأبناء لأنه أعلق بالقلوب ثم ثالثا بالإخوان لأن لهم التعاضد ثم رابعا بالعشيرة لأن بهم التناصر والمقاتلة/١٢ وجيز..
Icon