تفسير سورة المجادلة

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة المجادلة مدنية وآياتها ٢٢ نزلت بعد المنافقون.

سورة المجادلة
مدنية وآياتها ٢٢ نزلت بعد المنافقون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة المجادلة) قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها نزلت الآية في خولة بنت حكيم، وقيل خولة بنت ثعلبة، وقيل خولة بنت خويلد، وقيل: اسمها جميلة وكانت امرأة أوس بن الصامت الأنصاري أخي عبادة بن الصامت. فظاهر منها، وكان الظهار في الجاهلية يوجب تحريما مؤبدا، فلما فعل أوس ذلك جاءت امرأته إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله إن أوسا أكل شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتك إلا قد حرمت عليه، فقالت يا رسول الله لا تفعل إني وحيدة، ليس لي أهل سواه، فراجعها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بمثل مقالته فراجعته، فهذا هو جدالها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ كانت تقول اللهم: إني أشكو إليك حالي وانفرادي وفقري، وروي أنها كانت تقول: اللهم إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما المحاورة هي المراجعة في الكلام قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى علي وسمع الله كلامها، ونزل القرآن في ذلك فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى زوجها وقال له: أتعتق رقبة؟، فقال: والله ما أملكها. فقال:
أتصوم شهرين متتابعين؟، فقال والله، ما أقدر، فقال له: أتطعم ستين مسكينا؟ فقال لا أجد إلا أن يعينني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعونة وصلاة، يريد الدعاء فأعانه رسول الله ﷺ بخمسة عشر صاعا. وقيل: بثلاثين صاعا ودعا له، فكفّر بالإطعام وأمسك زوجته.
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ قرئ يظاهرون «١» بألف بعد الظاء وبحذفها
(١). قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويظّهّرون بتشديد الظاء وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: يظّاهرون. وقرأ عاصم يظاهرون.
﴿ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ﴾ قرئ يظاهرون بألف بعد الظاء وبحذفها وبالتشديد والتخفيف والمعنى واحد وهو إيقاع الظهار، والظهار المجمع عليه هو أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ويجري مجرى ذلك عند مالك تشبيه الزوجة بكل امرأة محرمة على التأبيد كالبنت والأخت وسائر المحرمات بالنسب والمحرمات بالرضاع والمصاهرة سواء ذكر لفظ الظهر أو لم يذكره كقوله : أنت علي كأمي أو كبطن أمي أو يدها أو رجلها خلافا للشافعي فإن ذلك كله عنده ليس بظهار لأنه وقف عند لفظ الآية، وقاس مالك عليها لأنه رأى أن المقصد تشبيه بحرام.
﴿ ما هن أمهاتهم ﴾ رد الله بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة وأخبر تعالى أن تصير الزوجة أما باطل فإن الأم في الحقيقة إنما هي الوالدة.
﴿ وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ﴾ أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة والزور هو الكذب وإنما جعله كذبا لأن المظاهر يصير امرأته كأمه وهي لا تصير كذلك أبدا والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء :
أحدها : قوله تعالى :﴿ ما هن أمهاتهم ﴾ فإن ذلك تكذيب للمظاهر.
والثاني : أنه سماه منكرا.
والثالث : أنه سماه زورا.
والرابع : قوله :﴿ وإن الله لعفو غفور ﴾ فإن العفو والمغفرة لا تقع إلا عن ذنب وهو مع ذلك لازم للمظاهر حتى يرفعه بالكفارة.
﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ اختلف الناس في معنى قوله :﴿ ثم يعودون ﴾ لما قالوا على ستة أقوال :
الأول : أنه إيقاع الظهار في الإسلام فالمعنى : أنهم كانوا يظاهرون في الجاهلية فإذا فعلوه في الإسلام فذلك عود إليه هذا قول ابن قتيبة فتجب الكفارة عنده بنفس الظهار بخلاف أقوال غيره فإن الكفارة لا تجب إلا بالظهار والعود معا.
الثاني : أن العود هو وطأ الزوجة روي : ذلك عن مالك فلا تجب الكفارة على هذا حتى يطأ فإذا وطئ وجبت عليه الكفارة سواء أمسك المرأة أو طلقها أو ماتت.
الثالث : أن العود هو العزم على الوطء، وروي : هذا أيضا عن مالك فإذا عزم على الوطء وجبت الكفارة سواء أمسك المرأة أو طلقها أو ماتت.
الرابع : أن العود هو العزم على الوطء وعلى إمساك الزوجة وهذا أصح الروايات عن مالك. الخامس : أنه العزم على الإمساك خاصة، وهذا مذهب الشافعي فإذا ظاهر ولم يطلقها بعد الظهار وجبت الكفارة.
السادس : أنه تكرار الظهار مرة أخرى وهذا مذهب الظاهرية وهو ضعيف لأنهم لا يرون الظهار يوجب حكما في أول مرة وإنما يوجب في الثانية، وإنما نزلت الآية فيمن ظاهر أول مرة فذلك يرد عليهم ويختلف معنى لما قالوا باختلاف هذه الأقوال فأما على قول ابن قتيبة والظاهرية فما مصدرية، والمعنى يعودون لقولهم وأما على سائر الأقوال ف﴿ ما ﴾ بمعنى الذي، والمعنى يعودون للوطء الذي حرموه أو للعزم عليه أو للإمساك الذي تركوه أو للعزم عليه.
﴿ فتحرير رقبة ﴾ جعل الله الكفارة في الظهار على ثلاثة أنواع مرتبة لا ينتقل إلى الثاني حتى يعجز عن الأول ولا ينتقل إلى الثالث حتى يعجز عن الثاني.
فالأول : تحرير رقبة.
والثاني : صيام شهرين متتابعين.
والثالث : إطعام ستين مسكينا، فأما الرقبة فاشترط مالك أن تكون مؤمنة لأن مذهبه حمل المطلق على المقيد، وجاءت هنا مطلقة وجاءت في كفارة القتل مقيدة بالإيمان وأما صيام الشهرين فاشترط فيه التتابع، فإن أفسد الصائم التتابع باختياره ابتدأه من أوله باتفاق وإن أفسده بعذر كالمرض والنسيان فقال مالك يبني على ما كان فيه وقال أبو حنيفة : يبتدئ، وروي : القولان عن الشافعي، وأما الإطعام فمشهور مذهب مالك أنه مد لكل مسكين بمد هشام واختلف في مد هشام فقيل : إنه مدان غير ثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل : إنه مد وثلث، وقيل : إنه مدان، وقال الشافعي وابن القصار : يطعم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين ولا يجزيه إلا كمال عدد الستين فإن أطعم مسكينا واحدا ستين يوما لم يجزه عند مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة وكذلك إن أطعم ثلاثين مرتين والطعام يكون من غالب قوت البلد.
﴿ فتحرير رقبة ﴾ جعل الله الكفارة في الظهار على ثلاثة أنواع مرتبة لا ينتقل إلى الثاني حتى يعجز عن الأول ولا ينتقل إلى الثالث حتى يعجز عن الثاني.
فالأول : تحرير رقبة.
والثاني : صيام شهرين متتابعين.
والثالث : إطعام ستين مسكينا، فأما الرقبة فاشترط مالك أن تكون مؤمنة لأن مذهبه حمل المطلق على المقيد، وجاءت هنا مطلقة وجاءت في كفارة القتل مقيدة بالإيمان وأما صيام الشهرين فاشترط فيه التتابع، فإن أفسد الصائم التتابع باختياره ابتدأه من أوله باتفاق وإن أفسده بعذر كالمرض والنسيان فقال مالك يبني على ما كان فيه وقال أبو حنيفة : يبتدئ، وروي : القولان عن الشافعي، وأما الإطعام فمشهور مذهب مالك أنه مد لكل مسكين بمد هشام واختلف في مد هشام فقيل : إنه مدان غير ثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل : إنه مد وثلث، وقيل : إنه مدان، وقال الشافعي وابن القصار : يطعم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين ولا يجزيه إلا كمال عدد الستين فإن أطعم مسكينا واحدا ستين يوما لم يجزه عند مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة وكذلك إن أطعم ثلاثين مرتين والطعام يكون من غالب قوت البلد.
﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ مذهب مالك والجمهور أن المسيس هنا يراد به الوطء وما دونه من اللمس والتقبيل، فلا يجوز للمظاهر أن يفعل شيئا من ذلك حتى يكفر، وقال الحسن والثوري : أراد الوطء خاصة فأباح ما دونه قبل الكفارة وذكر الله قوله من قبل ﴿ أن يتماسا ﴾ في التحريم والصوم ولم يذكره في الإطعام فاختلف العلماء في ذلك فحمل مالك الإطعام على ما قبله، ورأى أنه لا يكون إلا قبل المسيس، وجعل ذلك من المطلق الذي يحمل على المقيد، وقال أبو حنيفة : يجوز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة لأن الله لم ينص في الإطعام أنه قبل المسيس.
﴿ ذلك لتؤمنوا ﴾ قال ابن عطية : الإشارة إلى الرخصة في النقل من التحرير إلى الصوم وقال الزمخشري : المعنى ذلك البيان والتعليم لتؤمنوا، وهذا أظهر لأنه أعم.
﴿ إن الذين يحادون الله ﴾ أي : يخالفون ويعادون.
﴿ كبتوا ﴾ أي : هلكوا، وقيل : لعنوا، وقيل : كبت الرجل إذا بقي خزيانا ونزلت الآية في المنافقين واليهود.
وبالتشديد والتخفيف والمعنى واحد وهو إيقاع الظهار، والظهار المجمع عليه هو أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ويجري مجرى ذلك عند مالك تشبيه الزوجة بكل امرأة محرّمة على التأبيد، كالبنت والأخت وسائر المحرمات بالنسب، والمحرمات بالرضاع والمصاهرة، سواء ذكر لفظ الظهر أو لم يذكره كقوله: أنت علي كأمي أو كبطن أمي أو يدها أو رجلها خلافا للشافعي فإن ذلك كله عنده ليس بظهار. لأنه وقف عند لفظ الآية وقاس مالك عليها لأنه رأى أن المقصد تشبيه حلال بحرام ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ردّ الله بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة، وأخبر تعالى: أن تصير الزوجة أمّا باطل، فإن الأم في الحقيقة إنما هي الوالدة وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور هو الكذب. وإنما جعله كذبا لأن المظاهر يصيّر امرأته كأمه. وهي لا تصير كذلك أبدا. والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء أحدها قوله تعالى: ما هن أمهاتهم فإن ذلك تكذيب للمظاهر والثاني أنه سماه منكرا والثالث أنه سماه زورا والرابع قوله: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ فإن العفو والمغفرة لا تقع إلا عن ذنب وهو مع ذلك لازم للمظاهر حتى يرفعه بالكفارة وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ جعل الله الكفارة في الظهار «١» على ثلاثة أنواع مرتبة لا ينتقل إلى الثاني حتى يعجز عن الأول ولا ينتقل إلى الثالث حتى يعجز عن الثاني فالأول تحرير رقبة والثاني صيام شهرين متتابعين والثالث إطعام ستين مسكينا والطعام يكون من غالب قوت البلد مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا مذهب مالك والجمهور أن المسيس هنا يراد به الوطء وما دونه من اللمس والتقبيل فلا يجوز للمظاهر أن يفعل شيئا من ذلك حتى يكفر، ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا قال ابن عطية: الإشارة إلى الرخصة في النقل من التحرير إلى الصوم وقال الزمخشري: المعنى: ذلك البيان والتعليم لتؤمنوا، وهذا أظهر لأنه أعم.
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ أي يخالفون ويعادون كُبِتُوا أي هلكوا وقيل: لعنوا وقيل: كبت الرجل إذا بقي خزيان ونزلت الآية في المنافقين واليهود
ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ يحتمل أن يكون النجوى هنا بمعنى الكلام الخفي، فيكون ثلاثة مضاف إليه بمعنى
(١). الظهار من الأمور التي أصبحت من الماضي ولا حاجة إلى كل ما ذكره المصنف ولذلك رأيت الاختصار أولى.
﴿ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ﴾ نزلت في قوم من اليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون على المؤمنين فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعادوا، وقيل : نزلت في المنافقين، والأول أرجح لقوله :﴿ وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ لأن هذا من فعل اليهود، والأحسن أن المراد والمنافقين معا لقوله :﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾ [ المجادلة : ١٤ ] فنزلت الآية في الطائفتين.
﴿ وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ كانت اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون السام عليك يا محمد بدلا من السلام عليكم، والسام الموت، وهو ما أرادوه بقولهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم وعليكم فسمعتهم عائشة يوما فقالت بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا عائشة إن الله يكره الفحش والتفحش ) فقالت : أما سمعت ما قالوا قال : أما سمعت ما قلت لهم إني قلت وعليكم ويريد بقوله :﴿ بما لم يحيك به الله ﴾ قوله تعالى :﴿ قل الحمد الله وسلام على عباده الذين اصطفى ﴾ [ النمل : ٥٩ ].
﴿ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) كانوا يقولون لو كان نبيا لعذبنا الله بإذايته فقال الله :{ حسبهم جهنم ﴾ أي : يكفيهم ذلك عذابا.
﴿ إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ﴾ قيل : يعني النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وحذف وصفها بذلك لدلالة الأول عليه، وقيل : أراد نجوى اليهود والمنافقين ويؤيد هذا قوله :﴿ ليجزي الذين آمنوا ﴾ [ يونس : ٤ ].
الجماعة من الناس فيكون ثلاثة بدل أو صفة، والأول أحسن إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ يعني بعلمه وإحاطته، وكذلك سادسهم، وهو معهم أينما كانوا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى نزل في قوم من اليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون على المؤمنين فنهاهم رسول الله ﷺ عن ذلك فعادوا، وقيل: نزلت في المنافقين، والأول أرجح لقوله: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ لأن هذا من فعل اليهود والأحسن أن المراد اليهود والمنافقين معا لقوله: ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم فنزلت الآية في الطائفتين وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ كانت اليهود يأتون رسول الله ﷺ فيقولون: السام عليك يا محمد بدلا من السلام: عليكم.
والسام: الموت. وهو ما أرادوه بقولهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهم: وعليكم. فسمعتهم عائشة يوما فقالت: بل عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة إن الله يكره الفحش والتفحش فقالت: أما سمعت ما قالوا؟ قال أما سمعت ما قلت لهم إني قلت: وعليكم. ويريد بقوله ما لم يحيك به الله قوله تعالى: قل الحمد الله وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل: ٥٩] وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ كانوا يقولون: لو كان نبيا لعذبنا الله بإذايته فقال الله حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ أي يكفيهم ذلك عذابا إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا قيل: يعني النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وحذف وصفها بذلك لدلالة الأول عليه وقيل: أراد نجوى اليهود والمنافقين ويؤيد هذا قوله: ليحزن الذين آمنوا.
إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا اختلف في سبب نزول الآية فقيل:
نزلت في مقاعد الحرب والقتال، وقيل: نزلت بسبب ازدحام الناس، في مجلس رسول الله ﷺ وحرصهم على القرب منه، وقيل: أقام النبي ﷺ قوما ليجلس أشياخا من أهل بدر في مواضعهم، فنزلت الآية. ثم اختلفوا هل هي مقصورة على مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو هي عامة في جميع المجالس؟ فقال قوم إنها مخصوصة ويدل على ذلك قراءة المجلس بالإفراد «١»، وذهب الجمهور إلى أنها عامة ويدل على ذلك قراءة المجالس بالجمع، وهذا هو الأصح ويكون المجلس بالإفراد على هذا للجنس، والتفسيح المأمور به
(١). قرأ المجالس بالجمع عاصم وقرأ الباقون: المجلس بالإفراد..
﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾، قال ابن عباس : سببها أن قوما من شبان المسلمين كثرت مناجاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في غير حاجة، لتظهر منزلتهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحا لا يرد أحدا، فنزلت الآية مشددة في أمر المناجاة، وقيل : سببها أن الأغنياء غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآية منسوخة باتفاق نسخها قوله بعدها.
هو التوسع دون القيام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس الرجل فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا «١» وقد اختلف في هذا النهي عن القيام من المجلس لأحد هل هو على التحريم أو الكراهة يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ أي يوسع لكم في جنته ورحمته وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا «٢» أي إذا قيل لكم: ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك، واختلف في هذا النشوز المأمور به فقيل: إذا دعوا إلى قتال أو صلاة أو فعل طاعة، وقيل: إذا أمروا بالقيام من مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه كان يحب الانفراد أحيانا، وربما جلس قوم حتى يؤمروا بالقيام، وقيل: المراد القيام في المجلس للتوسع.
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ فيها قولان أحدهما: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فقوله: والذين أوتوا العلم درجات صفة للذين آمنوا كقوله:
جاءني العاقل الكريم وأنت تريد رجلا واحدا، والثاني: يرفع الله المؤمنين والعلماء الصنفين جميعا درجات، فالدرجات على الأول للمؤمنين بشرط أن يكونوا علماء، وعلى الثاني للمؤمنين الذين ليسوا علماء، وللعلماء أيضا ولكن بين درجات العلماء وغيرهم تفاوت يوجد في موضع آخر كقوله ﷺ «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» «٣»، وقوله عليه الصلاة والسلام «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم «٤» رجلا» وقوله عليه السلام: «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» «٥» فإذا كان لهم فضل على العابدين والشهداء، فما ظنك بفضلهم على سائر المؤمنين إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال ابن عباس: سببها أن قوما من شبان المسلمين كثرت مناجاتهم للنبي ﷺ في غير حاجة، لتظهر منزلتهم، وكان النبي ﷺ سمحا لا يرد أحدا، فنزلت الآية مشددة في أمر المناجاة، وقيل: سببها أن الأغنياء غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية منسوخة باتفاق نسخها قوله بعدها
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية: فأباح الله لهم المناجاة دون تقديم صدقة، بعد أن كان أوجب تقديم
(١). ورد الحديث في مسند أحمد عن ابن عمر ج ٢ ص ٢٢ ونصه: لا يقيم الرجل الرجل عند مقعده ثم يقعد فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا.
(٢). قرأ نافع وحفص وابن عامر: فانشزوا بضم الشين وقرأ الباقون فانشزوا بكسرها. وهما لغتان.
(٣). حديث فضل العالم على العابد رواه أحمد عن أبي الدرداء ج ٥ ص ١٩٦.
(٤). وحديث فضل العالم.. كفضلي على أدناكم: في الإحياء عزاه للترمذي عن أبي أمامة.
(٥). حديث يشفع يوم القيامة.. قال في الإحياء: رواه ابن ماجة عن عثمان بإسناد ضعيف.
﴿ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ﴾ نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوما من اليهود وهم الذين غضب الله عليهم.
﴿ ما هم منكم ولا منهم ﴾ يعني : أن المنافقين ليسوا من المسلمين ولا من اليهود فهو كقوله فيهم :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾ [ النساء : ٤٣ ].
﴿ ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ﴾ يعني : أن المنافقين كانوا إذا عوتبوا على سوء أقوالهم وأفعالهم حلفوا أنهم ما قالوا ولا فعلوا، وقد صدر ذلك منهم مرارا كثيرة هي مذكورة في السير وغيرها.
﴿ اتخذوا أيمانهم جنة ﴾ أصل الجنة ما يستتر به ويتقي به المحذور كالترس، ثم استعمل هنا استعارة لأنهم كانوا يظهرون الإسلام لتعصم دماؤهم وأموالهم، وقرئ اتخذوا بكسر الهمزة.
﴿ استحوذ عليهم الشيطان ﴾ أي : غلب عليهم وتملك نفوسهم.
﴿ في الأذلين ﴾ أي : في جملة الأذلين أي : معهم.
﴿ كتب الله ﴾ أي : قضى وقدر.
الصدقة قبل مناجاته عليه السلام، واختلف هل كان هذا النسخ بعد أن عمل بالآية أم لا؟
فقال قوم: لم يعمل بها أحد وقال قوم: عمل بها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه روي أنه كان له دينار فصرفه بعشرة دراهم وناجاه عشر مرات، تصدق في كل مرة منها بدرهم.
وقيل: تصدق في كل مرة بدينار، ثم أنزل الله الرخصة لمن كان قادرا على الصدقة، وأما من لم يجد فالرخصة لم تزل ثابتة له بقوله: فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ التوبة هنا يراد بها عفو الله عنهم في تركهم للصدقة التي أمروا بها، أو تخفيفها بعد وجوبها فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أي دوموا على هذه الأعمال التي هي قواعد شرعكم، دون ما كنتم قد كلفتم من الصدقة عند المناجاة.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوما من اليهود، وهم الذين غضب الله عليهم ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ يعني أن المنافقين ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود فهو كقوله فيهم مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ يعني أن المنافقين كانوا إذا عوتبوا على سوء أقوالهم وأفعالهم حلفوا أنهم ما قالوا، ولا فعلوا وقد صدر ذلك منهم مرارا كثيرة وهي مذكورة في السير وغيرها اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً أصل الجنة ما يستتر به ويتقى به المحذور كالترس، ثم استعمل هنا استعارة لأنهم كانوا يظهرون الإسلام لتعصم دماؤهم وأموالهم، وقرئ اتخذوا بكسر الهمزة اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ أي غلب عليهم وتملك نفوسهم فِي الْأَذَلِّينَ أي في جملة الأذلين: أي معهم كَتَبَ اللَّهُ أي قضى وقدر.
لا تَجِدُ قَوْماً الآية: معناها لا تجد مؤمنا يحب كافرا ولو كان أقرب الناس إليه، وهذه حال المؤمن الصادق الإيمان، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يقاتلون آباءهم وأبناءهم وإخوانهم إذا كانوا كفارا، فقد قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه يوم أحد، وقتل مصعب بن عمير أخاه عزيزا بن عمير يوم أحد، ودعا أبو بكر الصديق ابنه يوم بدر للبراز فأمره النبي ﷺ أن يقعد، وقيل: إن الآية نزلت في حاطب حين كتب إلى المشركين يخبرهم بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحسن أنها على العموم، وقيل: نزلت فيمن يصحب
355
السلطان وذلك بعيد يُوادُّونَ هذه مفاعلة من المودّة فتقتضي أن المودّة من الجهتين مَنْ حَادَّ اللَّهَ أي عاداه وخالفه كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أي أثبته فيها كأنه مكتوب وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أي بلطف وهدى وتوفيق وقيل بالقرآن، وقيل بجبريل أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ هذه في مقابلة قوله: أولئك حزب الشيطان، والحزب هم الجماعة المتحزبون لمن أضيفوا إليه.
356
Icon