تفسير سورة المجادلة

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مدنية وهي عشرون آية.

﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾ نزلت في سبب خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصَّامت ظاهر منها وكان ذلك أوَّل ظهارٍ في الإِسلام وكان الظِّهار من طلاق الجاهليَّة فأتت رسول الله ﷺ وذكرت أنَّ زوجها ظاهر منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَرُمْتِ عليه فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي وصبيةً صغاراً وجعلت تُراجع رسول الله ﷺ فإذا قال لها: حَرُمْتِ عليه هتفت وشكت إلى الله وقوله: ﴿والله يسمع تحاوركما﴾ أَيْ: تخاطبكما ومراجعتكما الكلام ثمَّ ذمَّ الظَّهار فقال:
﴿الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أمهاتهم﴾ أَيْ: ما اللواتي يجعلن من الزَّوجات كالأمهات بأمهاتٍ ﴿إن أمهاتهم إلاَّ اللائي ولدنهم﴾ ما أُمهاتهم إلاَّ الوالدات ﴿وإنهم ليقولون﴾ بلفظ الظِّهار ﴿منكراً من القول﴾ لا تُعرف صحَّته ﴿وزوراً﴾ وكذباً فإنَّ المرأة لا تكون كالأمِّ ﴿وإنَّ الله لعفو غفور﴾ عفا وغفر للمُظاهِر بجعل الكفَّارة عليه ثمَّ ذكر حكم الظِّهار فقال:
﴿والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا﴾ في الآية تقديمٌ وتأخيرٌ تقديرها: والذين يُظاهرون من نسائهم فتحرر رقبةٍ لما قالوا ثمَّ يعودون أي: عل المُظاهر عتق رقبةٍ لقوله لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أُمِّي ثمَّ يعود إلى استباحة الوطء ولا تحلُّ له قبل الكفَّارة وهو قوله: ﴿من قبل أن يتماسا﴾ أي: يَجَّامعا ﴿ذلكم توعظون به﴾ أي: ذلك التَّغليظ في الكفَّارة وعظٌ لكم كي تنزجروا به عن الظِّهار فلا تُظاهروا
﴿فمن لم يجد﴾ الرَّقبة لفقره ﴿فصيام شهرين متتابعين﴾ لو أفطر فيما بين ذلك ابطل التَّتابع ويجب عليه الاستئناف ﴿فمن لم يستطع﴾ ذلك لمرضٍ أو لخوفِ مشقَّةٍ عظيمةٍ ﴿فإطعام ستين مسكيناً﴾ لكلِّ مسكينٍ مدٌّ من غالب القوت ﴿ذلك﴾ أي: الفرض الذين وصفنا ﴿لتؤمنوا بالله ورسوله﴾ لتصدقوا ما أتى به الرَّسول عليه السَّلام وتُصدِّقوا أنَّ الله تعالى به أمر ﴿وتلك حدود الله﴾ يعني: ما وصف في الظِّهار والكفَّارة ﴿وللكافرين﴾ لمن لم يُصدِّق به ﴿عذاب أليم﴾
﴿إنَّ الذين يحادون الله﴾ يُخالفون الله ﴿ورسوله كُبِتوا﴾ أُذِلُّوا وأُخزوا ﴿كما كُبِتَ الذين من قبلهم﴾ ممَّن خالف الله ورسوله ﴿وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين﴾ بها ﴿عذاب مهين﴾
﴿يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا﴾ يخبرهم بذلك ليعلموا وجوب الحجَّة عليهم ﴿أحصاه الله﴾ علمه الله وأحاط بعدده ﴿ونسوه﴾ هم وقوله:
﴿ما يكون من نجوى ثلاثة﴾ أَيْ: مناجاة ثلاثةٍ وإن شئت قلتَ: من متناجين ثلاثة ﴿إلاَّ هو رابعهم﴾ بالعلم يسمع نجواهم
﴿ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى﴾ نزلت في المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ليُواقعوا في قلوبهم ريبةً وتهمةً ويظنُّون أنَّ ذلك لشيءٍ بلغهم ممَّا يهمُّهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فنهاهم عن ذلك فعادوا لما نُهوا عنه فأنزل الله: ﴿ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما﴾ أَي: إلى ﴿ما نُهوا عنه ويتناجون بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول﴾ أي: يعصي بعضهم بعضاً سرَّاً بالظُّلم والإِثم وترك طاعة الرَّسول عليه السَّلام ﴿وإذا جاؤوك حيوك بما لم يُحَيِّكَ به الله﴾ يعني: قولهم: السَّام عليك ﴿ويقولون في أنفسهم: لولا يعذِّبنا الله بما نقول﴾ وذلك أنَّهم قالوا: لو كان نبيَّاً لعذَّبنا بهذا قال الله: ﴿حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير﴾ ثمَّ نهى المؤمنين عن مثل ذلك فقال:
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول﴾
﴿إنما النجوى من الشيطان﴾ أَيْ: النَّجوى بالإِثم والعدوان ما يزيِّن الشَّيطان لهم ﴿ليحزن الذين آمنوا وليس بضارِّهم﴾ وليس الشَّيطان بضارِّهم ﴿شيئاً إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: وإِليه فَلْيَكِلُوا أمورهم
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس﴾ توسَّعوا في مجلس رسول الله ﷺ ﴿فافسحوا﴾ أوسعوا المجلس ﴿يفسح الله لكم﴾ يُوسِّعه عليكم نزلت في قومٍ كانوا يبكون إلى مجلس رسول الله ﷺ ويأخذون مجالسهم بالقرب منه فإذا دخل غيرهم ضنُّوا بمجالسهم وكان رسول الله ﷺ يحبُّ أن يُكرم أهل بدرٍ فدخلوا يوماً فقاموا بين يديه ولم يجدوا عنده مجلساً ولم يقم لهم أحدٌ من هؤلاء الذين أخذوا مجالسهم فكره النبيُّ عليه السَّلام ذلك فنزلت هذه الآية وأمرهم أن يُوسِّعوا في المجلس لمن أراد النبي ﷺ ﴿وإذا قيل انشزوا فانشزوا﴾ وإذا قيل لكم: قوموا إلى صلاةٍ أو جهادٍ أو عمل خيرٍ فانهضوا ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم﴾ بطاعة الله ﴿والذين أوتوا العلم درجات﴾ في الجنَّة
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم﴾ أمام مناجاتكم ﴿صدقة﴾ نزلت حين غلب أهلُ الجدة الفقراءَ على مجالسة رسول الله ﷺ ومناجاته فكره الرَّسول ذلك فأمرهم الله بالصَّدقة عند المناجاة ووضع ذلك عن الفقراء فقال: ﴿فإن لم تجدوا فإنَّ الله غفور رحيم﴾ ثمَّ نسخ الله ذلك فقال:
﴿أأشفقتم﴾ بخلتم وخفتم بالصَّدقة الفقر ﴿فإذْ لم تفعلوا وتاب الله عليكم﴾ عاد عليكم بالتَّخفيف ﴿فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ المفروضة
﴿ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم﴾ أَي: المنافقين تولَّوا اليهود وناصحوهم ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين ﴿ما هم منكم﴾ أيُّها المؤمنون ﴿ولا منهم﴾ من اليهود ﴿ويحلفون﴾ أنَّهم لا يخونون المؤمنين ﴿وهم يعلمون﴾ أنَّهم كاذبون في حلفهم
﴿أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون﴾
﴿اتخذوا أيمانهم﴾ الكاذبة ﴿جنة﴾ يستجنُّون بها من القتل
﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾
﴿يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له﴾ كاذبين ما كانوا مشركين ﴿كما يحلفون لكم﴾ كاذبين ﴿ويحسبون أنهم على شيء﴾ من نفاقهم يأتونكم بوجهٍ ويأتون الكفَّار بوجهٍ ويظنُّون أنَّهم يسلمون فيما بينكم وبينهم ﴿ألا إنهم هم الكاذبون﴾
﴿استحوذ عليهم الشيطان﴾ أي: استولى عليهم
﴿إنَّ الذين يحادون الله ورسوله﴾ يخالفونهما ﴿أولئك في الأذلين﴾ المغلوبين
﴿كتب الله﴾ قضى الله ﴿لأغلبنَّ أنا ورسلي﴾ إمَّا بالظفَّر والقهر وإمَّا بظهور الحجَّة
﴿لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله﴾ الآية أخبر الله في هذه الآية أنَّ المؤمن لا يوالي الكافر وإنْ كان أباه أو أخاه أو قريبه وذلك أنَّ المؤمنين عادوا آباءَهم الكفَّار وعشائرهم وأقاربهم فمدحهم الله على ذلك فقال: ﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان﴾ أي: أثبته ﴿وأيدهم بروحٍ منه﴾ أيْ: بنور الإِيمان وقيل: بالقرآن ثمَّ وعدهم الإِدخال في الجنَّة فقال: ﴿ويدخلهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله أَلاَ إنَّ حزب الله هم المفلحون﴾
Icon