تفسير سورة سورة الملك من كتاب أوضح التفاسير
المعروف بـأوضح التفاسير
.
لمؤلفه
محمد عبد اللطيف الخطيب
.
المتوفي سنة 1402 هـ
ﰡ
﴿تَبَارَكَ﴾ تعالى وتقدس عن صفات المخلوقين ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ أي تحت تصرفه، وطوع إرادته، ورهن مشيئته ﴿الْمُلْكُ﴾ السلطان والقدرة
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ﴾ في الدنيا ﴿وَالْحَيَاةَ﴾ في الآخرة؛ أو خلقهما في الدنيا؛ لأن إيجاد الحياة في النطفة: إحياء لما يتخلق منها ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ ليختبركم ويمتحنكم ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فيجزيه في الدنيا، ويحييه فيها حياة طيبة، ويكرمه في الأخرى وينعمه ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ القادر على الإكرام، وعلى الانتقام ﴿الْغَفُورُ﴾ لمن تاب وأناب
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾ مطابقة؛ بعضها فوق بعض ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ﴾ أي في مخلوقاته: صغيرها وكبيرها، حقيرها وجليلها، نفيسها وخسيسها ﴿مِن تَفَاوُتِ﴾ التفاوت: عدم التناسب والتناسق ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ﴾ أي رده إلى مصنوعات الله تعالى ﴿هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ﴾ أي هل ترى من عيب أو خلل. والفطر: الشق
﴿ثُمَّ ارجِعِ﴾ عادوه ﴿كَرَّتَيْنِ﴾ مرة بعد مرة، وكرة بعد كرة ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ أي يرجع إليك بصرك ذليلاً حسيراً. والمعنى: أن بصرك لن يرى عيباً ولا خللاً؛ مهما بحث ونقب عن عيب أو خلل
﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا﴾ السماء الأولى، القريبة من الأرض ﴿بِمَصَابِيحَ﴾ بكواكب؛ هي منها بمثابة المصابيح المضيئة؛ وهي النجوم ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ أي جعلنا هذه النجوم - فضلاً عن كونها مصابيح تضيء لكم - ﴿رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ﴾ بأن ينفصل شهاب من النجم - كالقبس من النار - فيمحق الشيطان الصاعد لاستراق السمع ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ أي أعددنا للشياطين
﴿سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ﴾ أي سمعوا لها صوتاً منكراً، وهي تغلي بهم
﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ﴾ جعلت كالمغتاظة؛ استعارة لشدة غليانها بهم، وإيلامها لهم ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ﴾ جماعة ﴿سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ﴾ الملائكة الموكلون بها ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ رسول ينذركم ما أنتم عليه الآن من العذاب
﴿فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ فبعداً لهم عن رحمة الله
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ﴾ يخافونه قبل معاينة العذاب، ويؤمنون به من غير أن يرونه
﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بخفايا القلوب؛ لأنها من خلقته تعالى، ويعلم ما تهجس به
﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ بعباده ﴿الْخَبِيرُ﴾ بخلقه
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً﴾ لينة، سهلة، مذللة ﴿فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا﴾ في جوانبها ونواحيها؛ طلباً للرزق ﴿وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ﴾ الذي يرزقكم به ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ مرجعكم بعد بعثكم إن عصيتم
﴿مَّن فِي السَّمَآءِ﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ بعد أن جعلها لكم ذلولاً، تمشون في مناكبها، وتأكلون من رزقه: يخسفها بكم - لكفرانكم بتلك النعم - كما خسفها بقارون ﴿فَإِذَا هِيَ﴾ بعد استقرارها ﴿تَمُورُ﴾ تضطرب وتتحرك، ثم تنقلب بكم؛ فتدفنكم في جوفها
﴿حَاصِباً﴾ حجارة من السماء، أو ريحاً ترمي بالحصباء؛ وهي الحصى ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ وقتذاك ﴿كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أي كيف كان إنذاري لهم بالعذاب، وكيف تحقق ذلك الآن
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم السابقة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ﴾ أي كيف إنكاري لهم على هذا التكذيب؛ بإنزال العذاب بهم، وإهلاكهم
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ من دلائل قدرتي ووحدانيتي ﴿إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ﴾ في جو السماء ﴿صَافَّاتٍ﴾ باسطات أجنحتهن ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ يضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ حال طيرانهن في الهواء ﴿إِلاَّ الرَّحْمَنُ﴾ لأنه تعالى مسخر الهواء؛ ولو شاء لأمسكه؛ فلا يجدي الطائر طيرانه، ولم تفده أجنحته؛ مهما قبضها أو بسطها؛ وكيف لا يمسك الطير حال طيرانه؛ من يمسك الفلك حال دورانه، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه
﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ﴾ يعني إذا علمتم أنه تعالى قادر على أن يخسف بكم الأرض فيهلككم، وأن يرسل عليكم حاصباً فيفنيكم؛ فمن هذا الذي هو جند لكم: تلجأون إليه، وتحتمون به؟
﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ﴾ الله تعالى عنكم ﴿رِزْقَهُ﴾ الجواب: لا أحد. ولكن الكافرين لا يسمعون، ولا يعقلون ﴿بَل لَّجُّواْ﴾ تمادوا ﴿فِي عُتُوٍّ﴾ عناد واستكبار ﴿وَنُفُورٍ﴾ من الإيمان، واتباع الطريق السوي
﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ﴾ ساقطاً على وجهه؛ يتعثر في كل خطوة؛ لما هو فيه من الظلام. وهو مثل ضربه الله تعالى للكافر. أي أهذا الذي يمشي مكباً على وجهه؛ يتعثر في ظلمات الكفر والجهل ﴿أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً﴾ مستوياً معتدلاً؛ يرى بنور الله، ونور الإيمان ﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾ طريق ﴿مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو الإسلام. وهو مثل ضربه الله تعالى للمؤمن. فالكافر «يمشي مكباً على وجهه» والمؤمن «يمشي سوياً على صراط مستقيم»
﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ﴾ من لا شيء، ومن غير مثال سبق ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾
خص الله تعالى بالذكر هذه الحواس: لأنها مناط العلم، وأداة الفهم
﴿ذَرَأَكُمْ﴾ خلقكم ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ يوم القيامة؛ للحساب والجزاء
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ أي متى يكون الحشر والجزاء الذي تعدنا به؟
﴿قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ ﴿وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ﴾ أي منذر بوقوعها، وما يحدث فيها ﴿مُّبِينٌ﴾ بيّن الإنذار، واضحه ﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أي الحساب والعقاب يوم القيامة ﴿زُلْفَةً﴾ قريباً. والزلفة والزلفى: القربى والمنزلة ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي ساءها رؤية العذاب؛ فاسودت وعلتها الكآبة، وغشيتها القترة ﴿وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ﴾ أي تذكرون ربكم وتطلبون منه أن يعجله لكم. وقريء «تدعون» من الدعاء؛ أي تطلبون. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ قرن تعالى التوكل عليه؛ بالإيمان به. والتوكل على الله تعالى: من موجبات رحمته، وعزائم مغفرته (انظر آية ٨١ من سورة النساء)
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً﴾ أي غائراً، ذاهباً في الأرض
﴿فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ﴾ جار، تراه العين؛ يصل إليه من أراده.
701
سورة القلم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
701