ﰡ
[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)اللغة:
(أَحَدٌ) تقدم القول فيه ونضيف إليه ما أورده ابن خالويه وهو كلام لطيف قال: «والأصل في أحد وحد أي واحد فانقلبت الواو ألفا وليس في كلام العرب واو قلبت همزة وهي مفتوحة إلا حرفان أحد وقولهم امرأة أناة أي رزان لأن الواو إنما تستثقل عليها الكسرة والضمة فأما الفتحة فلا تستثقل وهذان الحرفان شاذّان وزاد ابن دريد ثالثا: إن المال إذا زكّي ذهبت أبلته أي وبلته» قلت: قال أبو عبيدة أراد وبلته أي فساده وثقله من قولهم كلأ وبيل أي لا يمرىء الراعية ثم قال: «وزاد محمد بن القاسم رابعا: واحد آلاء الله ألى والأصل ولى من أولاه الله معروفا فإن جمعت بين واوين قلبتها همزة وإن كان مفتوحة مثل قولك في فوعل من وعد أوعد وكان الأصل ووعد فقلبوا الأولى همزة كراهية لاجتماع واوين».
«والصمد بالتحريك السيد لأنه يقصد والدائم» وعبارة ابن خالويه «واختلف الناس في تفسير الصمد فأجود ما قيل في الصمد: السيد الذي قد انتهى سؤدده ويصمد إليه الناس في حوائجهم فهو قصد الناس والخلائق مفتقرون إلى رحمته وأنشد:
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصّمد
وقال آخرون: الصمد الذي لا يطعم والصمد الذي لا يخرج منه شيء:
من كان ذا خوف يخاف من الردى... فإن خوفي صمد مصمت
والصمد الباقي بعد فناء خلقه» وفي البخاري: «باب قوله «الله الصمد» والعرب تسمّي أشرافها الصمد قال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده» وفي العيني: أشار بهذا إلى أن المعنى الصمد عند العرب الشرف ولهذا يسمّون رؤساءهم الأشراف بالصمد، وعن ابن عباس: هو السيد الذي قد تكمل بأنواع الشرف والسؤدد وقيل هو السيد المقصود في الحوائج.
(كُفُواً) وكفيئا على وزن فعيل وكفاء بالكسر على وزن فعال بمعنى واحد والكفء المثل والنظير وقال أبو حيان: بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء وبضم الكاف مع ضم الفاء وقرأ حمزة وحفص بضم الكاف وهمز حمزة وأبدلها حفص واوا وباقي السبعة بضمها والهمز، وسهّل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع وفي رواية عن نافع كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد.
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت يا محمد وهو فيه وجهان: ١- أنه ضمير الشأن لأنه موضع تعظيم كأنه قيل الشأن هو وهو أن الله واحد لا ثاني له والجملة بعده خبر مفسّرة له ٢- أنه ضمير عائد على ما يفهم من السياق لأنه يروى في الأسباب التي دعت إلى نزولها أنهم قالوا صف لنا ربك وانسبه وقيل قالوا له أمن نحاس هو أم من حديد فنزلت وحينئذ يجوز أن يكون الله مبتدأ وأحد خبره والجملة خبر الأول ويجوز أن يكون أحد خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد، وعبارة الزمخشري «هو ضمير الشأن كقولك هو زيد منطلق كأنه قيل: الشأن هذا وهو أن الله واحد لا ثاني له فإن قلت ما محل هو؟ قلت الرفع على الابتداء والخبر الجملة فإن قلت فالجملة الواقعة خبرا لا بدّ فيها من راجع إلى المبتدأ فأين الراجع قلت: حكم هذه الجملة حكم المفرد في قولك زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى وذلك أن قوله الله أحد هو الشأن الذي هو عبارة عنه وليس كذلك زيد أبوه منطلق فإن زيدا والجملة يدلّان على معنيين مختلفين فلا بدّ مما يصل إليهما» وأحد بدل من قوله الله أو على هو أحد أو خبر ثان (اللَّهُ الصَّمَدُ) مبتدأ وخبر (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ارتبطت هذه الجمل الثلاث بالواو دون الثلاث الأولى لأن قوله الله الصمد محقق ومقرر لما قبله وكذلك ترك العطف في قوله لم يلد لأنه مؤكد للصمدية لأن الغنى عن كل شيء المحتاج إليه كل ما سواه لا يكون والدا ولا مولودا، وقد أشار صاحب الجوهر المكنون إلى مواضع الفصل بقوله:
الفصل ترك عطف جملة أتت... من بعد أخرى عكس وصل قد ثبت
فافصل لدى التوكيد والإبدال... لنكتة ونيّة السؤال
وعدم التشريك في حكم جرى... أو اختلاف طلبا وخبرا
وفقد جامع ومع إيهام | عطف سوى المقصود في الكلام |
وصل لدى التشريك في الإعراب | وقصد رفع اللّبس في الجواب |
وفي اتفاق مع الاتصال | في عقل أو في وهم أو خيال |
وأبرز ما تتميز به سورة الإخلاص هو الإيجاز وقد تقدمت أمثلة منه وسنحاول الآن جلاء الأغراض الكامنة في إيجازها وحصر متنها وتقارب طرفيها، وسنحاول أن نبسط ذلك بسطا يوضّح المقصود ويدرك به الهدف المنشود:
١- اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال وهما الأحد والصمد لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع صفات الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى.
٢- تضمنت توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة وما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص.
٣- نفي الولد والوالد المقرر لكمال المعنى.
٤- نفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والنظير.
٥- قالوا: سورة الإخلاص ثلث القرآن لأن القرآن خبر وإنشاء والإنشاء أمر ونهي وإباحة والخبر خبر عن الخالق وخبر عن خلقه فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عن الله وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي.
٦- كثرت أسماؤها وزيادة الأسماء تدل على شرف المسمى وهذا
١- الإخلاص: وقد تقدم معناه وأنها أخلصت الخبر عن الله وخلصت قارئها من الشرك.
٢- التنزيل: لأنها أدّت أكمل الأغراض بتنزيلها.
٣- التجريد: لأنها تجرد قارئها من الشرك وبواعثه ومن تعلق بها تجرد عن الانحياز.
٤- التوحيد: لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده، وعلم التوحيد من الله بمكان وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم يشرف بشرفه ويتضع بضعته، ومعلوم هذا العلم هو الله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وناهيك بشرف منزلته وجلالة محله وإنافته على كل علم واستيلائه على قصب السبق.
٥- النجاة: لأنها تنجي قائلها من النار.
٦- الولاية: لأن من تعلق بها أعطاه الله الولاية.
٧- الجمال: لدلالتها على جمال الله تعالى أي اتصافه بالكمالات وتنزيهه عن النقائص.
٨- المعرفة: لأن من فهمها وسبر أغوارها عرف الله تعالى حق المعرفة.
٩- المقشقشة: من قشقشه من الجرب أو الجدري أبرأه فبرىء وسمّيت بذلك لأنها تبرئ قارئها من الأوضار ومن جميع دواعي الشرك والنفاق.
١٠- المعوذة: لأنها تحصن قارئها من فتن الدنيا والآخرة.
١١- الصمد: وقد تقدم القول فيه مطولا.
١٢- النسبة: لقول المشركين انسب لنا ربك.
١٣- الأساس: لأنها أصل الدين وعماده.
١٤- المانعة: لأنها تمنع فتنة القبر وعذاب النار.
١٥- المحتضر: لأن الملائكة تحضر لاستماعها.
١٧- البراءة: لأنها براءة من الشرك.
١٨- المذكرة: لأنها تذكر العبد خالص التوجيه.
١٩- النور: لأنها تنوّر القلب.
٢٠- الإنسان: لأنه لا غنى للإنسان عنها.