تفسير سورة النّور

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة النور من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾ الآية، هذه السورة مدنية بلا خلاف ولما ذكر تعالى في مشركي قريش ولهم أعمال من دون ذلك أي أعمال سيئة هم لها عاملون واستطرد بعد ذلك إلى أحوالهم واتخاذهم الولد والشريك وإلى مآلهم في النار كان من أعمالهم السيئة أنه كان لهم جوار بغايا يستحسنون عليهن ويأكلون من كسبهن من الزنا فأنزل الله تعالى هذه السورة تغليظاً في أمر الزنا وكان فيما ذكر ناس من المسلمين هموا بنكاحهن.﴿ سُورَةٌ ﴾ مرفوع بالابتداء أو خبر مبتدأ محذوف تقديره فيما أنزلنا سورة أو هذه سورة وقرىء: سورة " انتهى " جعله بالنصب على الاشتغال أي أنزلنا سورة أنزلنا ما قال الزمخشري: أو على دونك سورة " انتهى " جعله منصوباً على الأعراء ولا يجوز حذف أداة الإِغراء * وكان الابتداء بقوله: سورة وإن كان نكرة لتقدير صفة محذوفة تسوغ الابتداء بالنكرة كأنه قيل سورة معظمة أنزلناها وقرىء:﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ بالتخفيف والتشديد.﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ ﴾ أي: أمثالاً ومواعظ وأحكاماً ليس فيها مشكل يحتاج إلى تأويل.﴿ ٱلزَّانِيَةُ ﴾ مبتدأ والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني وقوله: فاجلدوا بيان لذلك الحكم هذا مذهب سيبويه وقدمت الزانية على الزاني لأن داعيتها أقوى لقوة شهوتها ونقصان عقلها ولكون زناها أفحش وأكثر عاراً وللعلوق بولد الزنا وحال النساء الحجبة والصيانة وأل في الزانية والزاني للعموم في جميع الزناة والجلد إصابة الجلد بالضرب كما تقول رأسه وبطنه وظهره أي ضرب رأسه وبطنه وظهره والمأمور بالجلد أئمة المسلمين دنوا بهم.﴿ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ﴾ الظاهر إندراج الكافر والعبد والمحصن في هذا العموم وهو لا يندرج فيه لا الصبي ولا المجنون والظاهر الاقتصار على الجلد أحصنا أو لم يحصنا وهو مذهب الخوارج واتفق فقهاء الأمصار على أن المحصن يرجم ولا يجلد وجلد علي رضي الله عنه شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله.﴿ تَأْخُذْكُمْ ﴾ بالتاء والياء رأفة بسكون الهمزة وفتحها.﴿ رَأْفَةٌ ﴾ أي لين وهوادة في استيفاء حدود الله وقرىء:﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ﴾ تثبيت وحض وتهييج للغضب لله ولدينه وأمره تعالى بحضور جلدهما طائفة إغلاظاً على الزناة وتوبيخاً لهم بحضرة الناس وسمي الجلد عذاباً إذ فيه إيلام وافتضاح وهو عقوبة على ذلك الفعل والطائفة المأمور بشهودها ذلك أقل ما يتصور فيه ذلك ثلاثة وهي صفة غالبة لأنها الجماعة.﴿ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره ومعنى لا ينكح لا يطأ وزاد المشركة في التقسيم فالمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلا زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة والنكاح بمعنى الجماع.﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾ القذف الرمي بالزنا وغيره واستعير الرمي للشتم لأنه إذاية بالقول كما قال وجرح اللسان كجرح اليد. و ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ الظاهر أن المراد النساء العفائف وخص النساء بذلك وإن كان الرجال يشاركوهن في الحكم لأن القذف فيهن أشنع وأنكى للنفوس ومن حيث هنّ هوى للرجال ففيه إيذاء لهن ولأزواجهن وقراباتهن وقيل المعنى الفروج المحصنات كما قال:﴿ وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾[الأنبياء: ٩١] ويكون اللفظ شاملاً للنساء والرجال * ولما كانت معصية الزنا كبيرة من أمهات الكبائر وكان متعاطيها كثيراً ما يتستر بها وقلما يطلع عليها أحد شدّد الله على القاذف حيث شرط فيها أربعة شهداء رحمة للعباد وستراً والمعنى ثم لم يأتوا الحكام والجمهور على إضافة أربعة إلى شهداء وقرأ أبو زرعة وعبد الله بن مسلم بأربعة بالتنوين وهي قراءة فصيحة لأنه إذا اجتمع اسم العدد والصفة كان الاتباع أجود من الإِضافة قال ابن عطية وسيبويه: يرى أن تنوين العدد وترك إضافته إنما يجوز في الشعر " انتهى ". ليس كما ذكر إنما يرى ذلك سيبويه في العدد الذي بعده اسم نحو ثلاثة رجال وأما في الصفة فلا بل الصحيح التفضيل الذي ذكرنا وإذا نونت أربعة فشهداء بدل إذ هو وصف جرى مجرى الأسماء أو صفة لأنه صفة حقيقة ويضعف قول من قال انه حال أو تمييز.﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ﴾ الأمر للإِمام ونوابه بالجلد والظاهر وجوب الجلد وان لم يطالب المقذوف وبه قال ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي لا يجلد إلا بمطالبته قال مالك: إلا أن يكون الإِمام سمعه يقذفه فيحده إذا كان مع الإِمام شهود عدول وان لم يطالب المقذوف والظاهر أن العبد القاذف الحر إذا لم يأت بأربعة شهداء جلد ثمانين لاندراجه في عموم والذين وبه قال عبد الله بن مسعود والأوزاعي وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري وعثمان البتي والشافعي يجلد أربعين.﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ الظاهر أن لا تقبل شهادته أبداً وإن أكذب نفسه وتاب وهو نهي جاء بعد أمر وكما أن حكمه الجلد كذلك حكم رد شهادته.﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ الظاهر أنه كلام مستأنف غير راحل في خبر والذين يرمون كأنه اخبار بحال الرامين بعد انقضاء الموصول المتضمن معنى الشرط وما ترتب في خبره من الجلد وعدم قبول الشهادة أبداً.﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ الآية هذا الاستثناء تعقب جملاً ثلاثة جملة الأمر بالجلد وهو لو تاب وأكذب نفسه لم يسقط عنه حد القذف وجملة النهي عن قبول شهادتهم أبداً وقد وقع الخلاف في قبول شهادتهم إذا تابوا بناء على أن هذا الاستثناء راجع إلى جملة النهي وجملة الحكم بالفسق أو هو راجع إلى الجملة الأخيرة وهي الثالثة وهي الحكم بفسقهم والذي يقتضيه النظر أن الاستثناء إذا تعقب جملاً يصلح أن يتخصص كل واحد منها بالاستثناء أي يجعل تخصيصاً في الجملة الأخيرة وهذه المسئلة تكلم عليها في أصول الفقه وفيها خلاف وتفصيل ولم أر من تكلم عليها من النحاة غير المهابادي وابن مالك واختار ابن مالك أن يعود إلى الجمل كلها كالشرط واختار المهابادي أن يعود إلى الجملة الأخيرة وهو الذي نختاره وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح التسهيل * ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك من سحماء فنزلت:﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ والمعنى بالزنا.﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ ﴾ ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات والمعنى: شهداء على صدق قولهم وأزواجهم يعم سائر الأزواج من المؤمنات والكافرات والاماء فكلهن يلاعن الزوج للانتفاء من الحمل وقرىء: أربع شهادات بالنصب على المصدر وارتفع فشهادة خبراً على إضمار مبتدأ أي صالحكم أو الواجب أو مبتدأ على إضمار الخبر متقدماً أي فعليه أن يشهد أو مؤخراً أي كافية أو واجبة وقرىء:﴿ وَٱلْخَامِسَةُ ﴾ بالرفع فيهما وهو مبتدأ وقرىء:﴿ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ ﴾ وأن لعنة مخففة من الثقيلة وينسبك من القراءتين مصدر وهو خبر عن قوله: والخامسة كينونة لعنة الله عليه وقرىء:﴿ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ ﴾ بالتشديد والتخفيف.﴿ وَيَدْرَؤُاْ ﴾ أي يدفع * والعذاب قال الجمهور: الحد، وقال أصحاب الرأي: لا حدّ عليها إن لم تلاعن ولا يوجبه عليها قول الزوج والظاهر الاكتفاء في اللعان بهذه الكيفية المذكورة في الآية.﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾ جواب لو محذوف تقديره لهلكتم.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ ﴾ الآية، سبب نزول هذه الآيات مذكور في حديث عائشة في الصحيح والإِفك الكذب والافتراء * والعصبة الجماعة وتقدم الكلام عليها في يوسف.﴿ مِّنْكُمْ ﴾ أي من أهل ملتكم في موضع الصفة. و ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ ﴾ مستأنف والضمير في لا تحسبوه الظاهر أنه عائد على الإِفك بل هو خير لكم لبراءة الساحة وثواب الصبر على ذلك الأذى وانكشاف كذب القاذفين.﴿ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ ﴾ أي جزاء ما اكتسب وذلك بقدر ما خاض فيه لأن بعضهم ضحك وبعضهم سكت وبعضهم تكلم واكتسب مستعمل في المآثم ونحوها لأنها تدل على اعتمال وقصد فهو أبلغ في التكذيب وكسب مستعمل في الخير لأن حصوله مغن عن الدلالة على اعتمال فيه وقد تستعمل كسب في الوجهين.﴿ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ ﴾ المشهور أنه عبد الله بن أبي ابن سلول * والعذاب العظيم هو عذاب يوم القيامة وقيل هو ما أصاب حسان من ذهاب بصره وشل يده، وقرىء: كبره بكسر الكاف وضمها والعذاب الأليم عماه وحدّه وضرب صفوان له بالسيف على رأسه وقال: توق ذباب السيوف عني فإِنني غلام إذا هو جيت لست بشاعر. ولكنني أحمي حماي وأتقى من الباهت الرامي البريء الظواهر وأنشد حسان أبياتاً يثني فيها على أم المؤمنين ويهر براءته مما نسب إليه وهي هذه: حصان رزان ما تزن بريبة   وتصبح غرثى من لحوم الغوافلخليلة خير الناس ديناً ومنصباً   نبي الهدى والمكرمات الفواضلعقيلة جى من لؤي بن غالب   كرام المساعي مجدها غير زائلمهذبة قد طيب الله خيمها   وطهرها من كل شين وباطلفإِن كان ما بلغت عني قلته   فلا رفعت سوطي إلى أنامليوكيف وودي ما حييت ونصرتي   لآل رسول الله زين المحافلله رتب عال على الناس فضلها   تقاصر عنها سورة المتطاول﴿ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ لولا حرف تحضيض بمعنى هلا وفيه تحريض على ظن الخبر وزجر وأدب والظاهر أن الخطاب للمؤمنين حاشا من تولى كبره قيل ويحتمل دخولهم في الخطاب وفيه عتاب أي كان الإِنكار واجباً عليهم وعدل بعد الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ولم يجيء التركيب ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريقة الإِلتفات وليصرح بلفظ الإِيمان دلالة على أن الإِشتراك فيه مقتض أن لا يصدق مؤمن على أخيه قول عائب ولا طاعن وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع مقالة في أخيه أن يبني الأمر فيه على ظن الخير وان يقول بناء على ظنه هذا إفك مبين هكذا باللفظ الصريح ببراءة أخيه.﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية، أي في الدنيا بالنعم التي منها الإِمهال للتوبة.﴿ وَرَحْمَتُهُ ﴾ عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة.﴿ لَمَسَّكُمْ ﴾ العذاب فيما خضتم فيه من حديث الإِفك يقال: أخاض في الحديث واندفع وهضب وخاض.﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ﴾ العامل في إذ لمسكم تلقونه أي يأخذه بعضكم من بعض يقال تلقى القول وتلقنه والأصل وتلقنه تتلقونه ومعنى بأفواهكم أي تلوكونه وتديرونه فيها من غير علم لأن الشىء المعلوم يكون في القلب ثم يعبر عنه باللسان وهذا الإِفك ليس محله إلا الأفواه كما قال يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ﴾ أي ذنباً صغيراً.﴿ وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ من الكبائر وعلق من العذاب بثلاثة آثام تلقى الإِفك والتكلم به واستصغاره ثم أخذ يوبخهم على التكلم به وكان الواجب عليهم إذا سمعوه أن لا يفوهوا به.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ ﴾ قال مجاهد هذه الإِشارة إلى عبد الله ابن أبي ومن أشبهه.﴿ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لعداوتهم لهم والعذاب الأليم في الدنيا الحد وفي الآخرة النار والظاهر في الذين يحبون العموم في كل قاذف منافقاً كان أو مؤمناً وتعليق الوعيد على محبة الشياع دليل على أن إرادة الفسق فسق والله يعلم أي البريء من المذنب وسرائر الأمور ووجه الحكمة في ستركم والتغليظ في الوعيد.﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ﴾ كذبهم.﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ لأنه غيب وجواب لولا محذوف أي لعاقبكم.﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ ﴾ بالبرية.﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بقبول توبة من تاب من قذف قال ابن عباس: والخطاب لحسان ومسطح وحمنة والظاهر العموم.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ ﴾ الآية تقدم الكلام على خطوات الشيطان في فإِنه عائد على من الشرطية أي فإِن متبع خطوات الشيطان.﴿ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾ وهو ما أفرط قبحه.﴿ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾ وهو ما تنكره العقول السليمة أي يصر رأساً في الضلال بحيث يكون أمراً تطيعه أصحابه.﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ بالتوبة الممحصة ما طهر أحد منكم ما زكى يزكى من يشاء ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبقها أو من يشاء بقبول التوبة النصوح.﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لأقوالكم عليكم بضمائركم.﴿ وَلاَ يَأْتَلِ ﴾ هو مضارع ائتلى افتعل من الألية وهي الحلف وقيل معناه يقصر بني افتعل من ألوت بمعنى قصرت ومنه لا يألونكم خبالاً وقال الشاعر: وما المرء ما دامت حشاشة نفسه   بمدرك أطراف الخطوب ولا آلوسبب نزولها المشهور أنه حلف أبي بكر على مسطح أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة وقال ابن عباس والضحاك: قطع جماعة من المؤمنين منافعهم عمن قال في الإِفك وقالوا لا نصل من تكلم به فنزلت في جميعهم، والآية تتناول من هو بهذا الوصف.﴿ ٱلْغَافِلاَتِ ﴾ أي السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولا يفطنّ لما يفطن له المجربات.﴿ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾ جاء في قذف المحصنات قبل هذا الاستثناء بالتوبة وفي هذه الآية لم يجيء استثناء ويناسب أن تكون هذه الآية كما قيل نزلت في مشركي مكة كانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها وقالوا: خرجت لتفجر قاله أبو حمزة اليماني ويؤيده قوله:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ﴾ والناصب ليوم تشهد ما تعلق به الجار والمجرور وهو ولهم.﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ﴾ يوم بدل من يوم والتنوين في إذ للعوض من الجملة المحذوفة والتقدير يوم إذ تشهد عليهم والذين هنا هو الجزاء أي جزاء أعمالهم الخبيث من يكتم في قلبه إذاية الناس حتى يمكر بهم.﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ إشارة للطيبين والطيبات والضمير في يقولون عائد على ذوي الخبث.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ ﴾ الآية، جاءت إمرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أحداً يراني عليها فلا يزال حتى يدخل علي رجل من أهلي فنزلت فقال أبو بكر بعد نزولها يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن فنزل ليس عليكم جناح الآية * ومناسبتها لما قبلها هو أن أهل الإِفك إنما وجدوا السبيل إلى بهتانهم من حيث اتفقت الخلوة فصارت كأنها طريقة للتهمة فأوجب الله أن لا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام لأن في الدخول على غير هذا الوجه وقوع التهمة وفي ذلك من المضرة ما لا يخفي والظاهر أنه يجوز للإِنسان أن يدخل بيت نفسه بغير استئذان ولا سلام لقوله: غير بيوتكم، ويروى:" أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمي قال: نعم، قال: ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا، قال: فاستأذن وعيا النهي عن الدخول بالاستئناس والسلام على أهل تلك البيوت "والظاهر أن الاستئناس خلاف الاستيحاش.
﴿ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ هي الفنادق التي في طرق المسافرين وقيل الخرب التي تدخل للتبرز وقيل الربط وقيل حوانيت البياعين والمتاع المنفعة كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرحال والشراء والبيع وغير ذلك.﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ ﴾ الآية تقدّم مثل هذا التركيب في قوله تعالى:﴿ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ﴾[إبراهيم: ٣١] ومن لابتداء الغاية.﴿ ذٰلِكَ ﴾ أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر لهم.﴿ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ من إحالة النظر وانكشاف العورات فيجازي على ذلك والمؤمنات عام في الزوجات المملوكات.﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ وهو الكحل والخضاب والخاتم.﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ﴾ الخمر جمع خمار وهو المقنعة التي تلقى المرأة على رأسها وهو جمع كثرة مقيس ويجمع في القلة على أخمرة وهو مقيس فيه أيضاً، قال: وقرىء: الشجر افي ريقه * كرؤوس قطعت فيها الخمر وكان النساء يغطين رؤوسهن بالأخمرة ويسدلنها من وراء الظهر فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر عليهن وضمن وليضربن معنى وليضعن وليلقين فلذلك عداه بعلى وبدأ تعالى بالأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من الزينة ثم ثني بالمحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ولكن تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر فالأب والأخ ليسا كابن الزوج فقد تبدى للأب ما لا تبدى لابن الزوج ولم يذكر تعالى هنا العم ولا الخال وقال الحسن: هما كسائر المحارم في جواز النظر.﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ مخصوص بمن كان دينهن قال ابن عباس: ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لقوله تعالى:﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن أمنع نساء أهل الذمة من دخول الحمام مع المؤمنات والظاهر العموم في قوله: أو ما ملكت أيمانهن فيشمل الذكور والإِناث فيجوز للعبد أن ينظر من سيدته ما ينظر أولئك المستثنون وهو مذهب عائشة وأم سلمة وقال سعيد من المسيب: لا تغرنكم آية النور فإِنما المراد بها الإِماء * قال الزمخشري: وهذا هو الصحيح لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصيا كان أو فحلاً وعن ميسون بنت بحدل الكلابية أن معاوية دخل عليها ومعها خصي فتقنعت منه فقال: هو خصي، فقالت: يا معاوية أترى المثلة تحلل ما حرم الله هو عن أبي حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم ولم ينقل عن أحد من السلف إمساكهم. و ﴿ ٱلإِرْبَةِ ﴾ الحاجة إلى الوطء لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمر النساء ويدخل في هذه الصفة المجنون والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمن الموقوذ بزمانته وقسم التابعين غير أولي الحاجة إلى الوطء قسمين رجال وأطفال والمفرد المحلى بأل يكون للجنس فيعم ولذلك وصف بالجمع في قوله:﴿ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ ﴾ ومن ذلك قول العرب أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض يريد الدنانير والدراهم فكأنه قال: والأطفال والطفل ما لم يراهق الحلم.﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال وزعم حضرمي أن امرأة اتخذت خلخالاً من فضة واتخذت جزعاً فجعلته في ساقها فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت هذه الآية.﴿ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ لما سبقت منه تعالى أوامر ومناه وكان الإِنسان لا يكاد يقدر على مراعاتها دائماً وان ضبط نفسه واجتهد فلا بد من تقصير أمر بالتوبة وترجي الفلاح إذا تابوا وعن ابن عباس: توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة وقرىء:﴿ أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ وأيه الساحر وأيه الثقلان أصل ها للتنبيه ضمت لضم الياء قبلها اتباعاً وضمها لغة لبني مالك رهط شقيق بن سلمة.﴿ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ ﴾ لما تقدمت أوامر ونواه في غض البصر وحفظ الفرج وإخفاء الزينة وغير ذلك قال بعده: وانكحوا والظاهر أن الأمر في وانكحوا للوجوب وبه قال أهل الظاهر: وأكثر العلماء على أنها للندب وتقدّم في المفردات أن الايم من لا زوج له من ذكر وأنثى ووزنه فعيل يقال منه آم يئيم وقال: كل امرىء ستئيم منه   العرس أو منها يئم﴿ وَإِمائِكُمْ ﴾ جمع أمة أصله أموه حذفت منه لام الكلمة وهي الواو.﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ ﴾ أي ليجتهد في العفة وصون النفس وهو استفعل بمعنى طلب العفة من نفسه وحملها عليها وجاء الفك في لغة الحجاز.﴿ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ قيل النكاح هنا اسم لما يمهر به وينفق في الزواج كاللحاف واللباس لما يلتحف به ويلبس أمر أو لا بما يعصم عن الفتنة ويبعد عن مواقعة العصيان وهو غض البصر ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء وعزفها عن الطموح إلى الشهوات عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة ولما بعث السيد على تزويج الصالحين من العبيد والإِماء رغبهم في أن يكاتبوهم إذا طلبوا ذلك ليصيروا أحراراً فيتصرفون في أنفسهم.﴿ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ ﴾ أي المكاتبة كالعتاب والمعاتبة.﴿ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يعم المماليك الذكور والإِناث والذين يحتمل أن يكون مبتدأ خبره الجملة والفاء دخلت في الخبر لما تضمن الموصول من معنى اسم الشرط * والخير المال قاله ابن عباس:﴿ وَآتُوهُمْ ﴾ أمر للمكاتبين.﴿ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ﴾ لا يدل على مقدار معين من المال.﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ ﴾ في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن عبد الله بن أبي كان له ست جوار * معاذة * ومسيكة * وأميمة * وعمرة * وأروى * وقتيلة جاءت إحداهن ذات يوم بدينار وأخرى ببرد فقال لهما: ارجعا فازينا فقالت: والله لا نفعل ذلك قد جاءنا الله بالإِسلام وحرم الزنا فأتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكتا له ذلك فنزلت * والفتاة المملوكة وهذا خطاب للجميع ويؤكد أن يكون وآتوهم خطاباً للجميع والنهي عن الإِكراه على الزنا مشروط بإِرادة التعفف منهن لأنه لا يمكن الإِكراه إلا مع إرادة التحصن أما إذا كانت مريدة للزنا فإِنه لا يتصور الإِكراه..﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ جواب للشرط والصحيح أن التقدير غفور رحيم لهم ليكون جواب الشرط فيه ضمير يعود على من الذي هو اسم الشرط ويكون ذلك مشروطاً بالتوبة ولما غفل الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء عن هذا الحكم وقدروا فإِن الله غفور رحيم لهن أي المكرهات فعريت جملة الشرط من ضمير يعود على اسم الشرط * ومثلاً أي قصة غريبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم في براءتهما وقال الضحاك المثل ما في التوراة والإِنجيل من إقامة الحدود وأنزل في القرآن مثله.﴿ وَمَوْعِظَةً ﴾ أي: ما وعظ به في الآيات والمثل من نحو قوله ولا تأخذكم بها رأفة لولا إذ سمعتموه يعظكم الله أن تعود والمثلة وحض المتقين لأنهم المنتفعون بالموعظة.﴿ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ الآية النور الضوء المدرك بالبصر واسناده إلى الله مجاز كما تقول زيد كرم وإسناده على اعتبارين إما على أنه إسم فاعل أي منور السماوات والأرض وإما على حذف مضاف أي ذو نور ويؤيده قوله: مثل نوره وأضاف النور للسماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وفشو إضاءته حتى تضيء له السماوات والأرض * المشكاة الكوّة غير النافذة، قال الكلبي: وهو حبشي معرب وهو على حذف مضاف أي صفة نوره كنور مشكاة.﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ المصباح آلة يستصبح بها كالمفتاح آلة للفتح وقال أبو موسى: المشكاة الحديدة والرصاصة التي يكون فيها الفتيلة في جوف الزجاجة والزجاجة ظرف للمصباح لقوله: المصباح في زجاجة.﴿ كَأَنَّهَا ﴾ أي كأن الزجاجة لصفاء جوهرها وذاتها وهي أبلغ في الإِنارة أو لما احتوت عليه من نور المصباح كأنها:﴿ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ قرىء: دري بضم الدال وتشديد الياء نسبة إلى الدر لصفائه وقرىء: درىء بهمزة على وزن مريق وقرىء: درىء بكسر الدال والهمز وهما مشتقان من درأ أي دفع كأنهما يدفعان الظلمة، وقرىء: يوفد أي المصباح وتوقد بالتاء أي الزجاجة ونسب الاتقاد إليها لتوقد المصباح.﴿ مِن شَجَرَةٍ ﴾ أي من زيت شجرة.﴿ مُّبَارَكَةٍ ﴾ قيل بارك فيها سبعون نبياً منهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم * والزيتون من أعظم الشجر ثمراً ونماءً.﴿ زَيْتُونَةٍ ﴾ بدل من شجرة وأجاز الكوفيون والفارسي أن يكون عطف بيان ولا يجيز البصريون ذلك لأنهم شرطوا في عطف البيان أن يكون معرفة لمعرفة.﴿ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ﴾ هي من شجر الشام فليست من شرق الأرض ولا من غربها لأن شجر الشام من أفضل الشجر.﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ ﴾ مبالغة في صفاء الزيت وأنه لإِشراقه وجودته يكاد يضيء من غير نار والجملة من قوله:﴿ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ حالية معطوفة على حال محذوفة أي يكاد زيتها يضيء في كل حال ولو في هذه الحال التي تقتضي أنه لا يضيء لانتفاء مس النار له.﴿ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ﴾ أي متضاعف تعاون عليه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت فلم يبق مما يقوي النور ويزيده إشراقاً شىء لأن المصباح إذا كان في مكان ضيق كان أجمع لنوره بخلاف المكان الواسع فإِنه ينشر النور والقنديل أعون شىء على زيادة النور وكذلك الزيت وصفاءه وهنا تم المثال وما أحسن ما جاء في التركيب في قوله تعالى: ﴿ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ حيث ذكر الإِصباح مرتين نكرة ومعرفة وكذلك قوله: الزجاجة ذكرها نكرة ومعرفة فدل ذلك على تفخيم هذا التركيب وحسنه ولو كان في غير القرآن لاكتفى بقوله: كمصباح في مشكاة في زجاجة، وهذا التشبيه كله إنما جاء باعتبار ما يتخيله الناس من انتشار هذا النور وإلا فالنور المنسوب إلى الله أعظم من كل نور يتخيل ولقد أحسن أبو تمام في قوله: وقد مدح ملكاً فشبهه بعمر وفي إقدامه وحاتم في كرمه وأحنف في حلمه وإياس في ذكائه، فقال: اقدام عمر وفي سماحة حاتم   في حلم أحنف في ذكاء إياسفقيل له: شبهت ذلك الملك باجلاف من العرب فقال مرتجلاً: لا تنكروا ضربي له من دونه   مثلاً شردوا في الندى والياسفالله قد ضرب الأقل لنوره   مثلاً من المشكاة والنبراسوالنبراس المصباح ثم قال:﴿ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ ﴾ أي يهدي من يشاء هدايته ويصطفيه لها ثم ذكر تعالى أنه يضرب الأمثال ليقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإِيمان.﴿ فِي بُيُوتٍ ﴾ الظاهر أن يتعلق في بيوت بقوله: يسبح وان ارتباط هذه بما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر أنه يهدي لنوره من يشاء ذكر حال من حصلت له الهداية لذلك النور وهم المؤمنون ثم ذكر أشرف عباداتهم القلبية وهو تنزيههم الله تعالى عن النقائص وإظهار ذلك بالتلفظ به في مساجد الجماعات ثم ذكر سائر أوصافهم من التزام ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وخوفهم ما يكون في البعث ولذلك جاء مقابل المؤمنين وهم الكفار في قوله: والذين كفروا وكأنه لما ذكرت الهداية للنور جاء التقسيم لقابل الهداية وعدم قابلها فبدىء بالمؤمن وما تأثر به من أنواع الهدى ثم ذكر الكافرين وقرىء: يسبح بكسر الباء ورجال فاعل، وقرىء: بفتح الباء ورجال فاعل بفعل محذوف ولما قال: يسبح له، قيل: من يسبحه فقيل: رجال وحذف لدلالة يسبح عليه وفيها بدل من قوله: في بيوت ثم ذكر تعالى وصف المسبحين بأنهم لمراقبتهم أمر الله تعالى وطلبهم رضاه لا يشتغلون عن ذكر الله * واحتمل قوله لا تلهيهم وجهين أحدهما أنهم لا تجارة لهم تلهيهم عن ذكر الله كقوله: على لا حب لا يهتدي بمناره أي لا منار له فيهتدي به والثاني أنهم ذوو تجارة وبيع ولكن لا يشغلهم ذلك عن ذكر الله وعما فرض عليهم * واللام في ليجزيهم متعلقة بمحذوف تقديره فعلوا ذلك ليجزيهم * أحسن هو على حذف مضاف أي ثواب أحسن ما عملوا وما في ما عملوا يحتمل أن تكون موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره عملوه واحتمل أن تكون مصدرية أي أحسن عملهم.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ ﴾ الآية لما ذكر تعالى حال المؤمنين ذكر حال الكافرين فمثل لهم ولأعمالهم مثلين أحدهما بطلان أعمالهم في الآخرة وأنهم لا ينتفعون بها والثاني يقتضي حالها في الدنيا من ارتباكها في الضلال والظلمة شبه أعمالهم أولاً في اضمحلالها وفقدان ثمرتها بسراب في مكان منخفض ظنه العطشان ماء فقصده وأتعب نفسه في الوصول إليه.﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ ﴾ أي جاء موضعه الذي تخيله فيه.﴿ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾ أي فقده لأنه مع الدنو لا يرى شيئاً كذلك الكافر يظن أن عمله في الدنيا نافعه حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم ينفعه عمله بل صار وبالاً عليه * والقيعة المكان المنخفض من الأرض وجمعها قيعان * والظمآن العطشان * والسراب الضباب المنعقد كأنه سحاب وهو لا حقيقة له والظاهر أنه تعالى شبه أعمالهم في عدم انتفاعهم بها بسراب صفة كذا وأن الضمائر فيما بعد الظمآن له والمعنى في:﴿ وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ ﴾ أي ووجد مقدور الله عليه في هلاكه بالظمأ عنده أي عند موضع السراب.﴿ فَوَفَّاهُ ﴾ ما كتب له من ذلك وهو المحسوب له والله تعالى معجل حسابه لا يؤخره عنه فيكون الكلام متناسقاً آخذاً بعضه بعنق بعض وذلك باتصال الضمائر لشىء واحد ويكون هذا التشبيه مطابقاً لأعمالهم من حيث أنهم اعتقدوها نافعة فلم ينفعه وحصل لهم الهلاك باثر ما حوسبوا.﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ ﴾ هذا التشبيه الثاني لأعمالهم والأول فيما تؤول إليه أعمالهم في الآخرة وهذا الثاني فيما هم عليه في حال الدنيا وبدأ بالتشبيه الأول لأنه آكد في الاخبار لما فيه من ذكر ما يؤول إليه أمرهم من العقاب الدائم والعذاب السرمد أتبعه بهذا التمثيل الذي نبههم على ما هي أعمالهم.﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إلى الإِيمان ويتفكرون في نور الله تعالى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقرىء:﴿ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ ﴾ على الإِضافة وسحاب منوناً ظلمات مجرور بدلاً من ظلمات المتقدمة ويكون بعضها فوق بعض مبتدأ وخبر في موضع الصفة بظلمات وقرىء: سحاب منوناً ظلمات منوناً بدل من قوله سحاب * والضمير في يده عائد على محذوف يدل عليه المعنى تقديره إذا أخرج من استقر في الظلمات يده لم يكد يراها أي: لم يقارب رؤيتها لتكاثف الظلمة وإذا انتفت المقاربة انتفت الرؤية.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ ﴾ الآية لما ذكر تعالى المؤمن والكافر وان الإِيمان والضلال أمرهما راجع إليه أعقب بذكر الدلائل على قدرته وتوحيده والظاهر حمل التسبيح على حقيقته وتخصيص من في قوله: ومن في الأرض بالمطيع لله من الثقيلين وقيل من عام لكل موجود وغلب من يعقل على ما لا يعقل فادرج ما لا يعقل فيه ولما ذكر انقياد من في السماوات والأرض والطير إليه وذكر ملكه لهذا العالم وصيرورتهم إليه أكد ذلك بشىء عجيب من أفعاله مشعراً بانتقال من حال إلى حال وكان عقب قوله: وإليه المصير، فاعلم بانتقال إلى معاد فعطف عليه ما يدل على تصرفه في نقل الأشياء من حال إلى حال * ومعنى يزجي يسوق قليلاً قليلاً ويستعمل في سوق الثقيل برفق كالسحاب والإِبل والسحاب اسم جنس واحده سحابة والمعنى يسوق سحابة إلى سحابة * ثم يؤلف بينه أي بين أجزائه لأنه سحابة تلحق بسحابة فيجعل ذلك ملتئماً بتأليف بعضه إلى بعض * فيجعله ركاماً أي متكاثفاً يجعل بعضه على بعض.
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﰿ
﴿ فَتَرَى ٱلْوَدْقَ ﴾ أي المطر لتراكم السحاب بعضه على بعض وانعصاره بذلك.﴿ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ أي من فتوقه ومخارجه التي حدثت بالتراكم والانعصار * والخلال قيل مفرد وقيل جمع خلل كجبال وجبل والظاهر أن في السماء جبالاً من برد قاله مجاهد والكلبي وأكثر المفسرين خلقها الله تعالى كما خلق في الأرض جبالاً من حجارة وجبال على معنى الكثرة وقرىء: سنا مقصوراً * برقه منفرداً، وقرىء: سناء ممدوداً برقه بضم الباء وفتح الراء جمع برقة كاللقمة وهي المقدار من البرق.﴿ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ ﴾ الباء للتعدية تقديره يذهب الأبصار.﴿ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾ والظاهر أن من ماء متعلق بخلق ومن لابتداء الغاية أي ابتدأ خلقها من الماء واندرج في كل دابة المميزة وغيره فسهل التفصيل بمن التي لمن يعقل وما لا يعقل إذ كان مندرجاً في العام فحكم له بحكمه كان الدواب كلهم مميزون والماشي على بطنه الحيات والحوت ونحوه من الدود وغيره. و ﴿ عَلَىٰ رِجْلَيْنِ ﴾ الإِنسان والطير. و ﴿ عَلَىٰ أَرْبَعٍ ﴾ لسائر الحيوان الأرضي من البهائم وغيرها فإِن وجد من له أكثر من أربع فقيل: اعتماده إنما هو على الأربع ولا يفتقر في مشيه إلى جميعها وقدم ما هو أغرب في القدرة وأعجب وهو الماشي بغير آلة مشي من أرجل وقوائم ثم الماشي على رجلين ثم على أربع.﴿ وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ﴾ الآية إلى قوله: إلا البلاغ المبين نزلت في المنافقين بسبب منافق اسمه بشر دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا هو إلى كعب بن الأشرف فنزلت * ولما ذكر تعالى دلائل التوحيد أتبع ذلك بذم قوم آمنوا بألسنتهم دون عقائديهم.﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ﴾ عن الإِيمان بعد ذلك أي بعد قولهم آمنا.﴿ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ إشارة إلى القائلين فينتفي عن جميعهم الإِيمان أو إلى الفريق المولى فيكون ما سبق لهم من الإِيمان ليس إيماناً إنما كان ادعاء باللسان من غير مواطأة بالقلب وأفرد الضمير في ليحكم وقد تقدم قوله إلى الله ورسوله لأن حكم الرسول عن الله تعالى وقسم تعالى جهات توليهم عن حكومته فقال:﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ أي نفاق وعدم إخلاص.﴿ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ ﴾ أي عرضت لهم الريبة والشك في نبوته بعد أن كانوا مخلصين.﴿ أَمْ يَخَافُونَ ﴾ أي يعرض لهم الخوف من الحين في حكومته فيكون ذلك ظلماً لهم ثم استدرك ببل أنهم هم الظالمون.﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ ﴾ لما بلغ المنافقين ما أنزل الله فيهم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأقسموا إلى آخره أي ليخرجن عن ديارهم ونسائهم وأموالهم أو لئن أمرتهم بالجهاد ليخرجن * وتقدم الكلام في مهد أيمانهم في الانعام ونهاهم تعالى عن قسمهم لعلمه تعالى أنه ليس حقاً * وطاعة مبتدأ ومعروفة صفة والخبر محذوف أي أمثل وأولى أو خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا والمطلوب طاعة معروفة.﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ﴾ أي على الرسول.﴿ مَا حُمِّلَ ﴾ وهو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة واعمال الجهاد في إنذارهم.﴿ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ وهو السمع والطاعة واتباع الحق ثم علق هدايتهم على طاعته فلا تقع إلا بطاعته.﴿ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ﴾ تقدّم الكلام على مثل هذه الجملة في المائدة * والخطاب في منكم للرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه ومن للبيان أي الذين هم أنتم.﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ﴾ أن ينصر الإِسلام على الكافرين ويورثهم الأرض ويجعلهم خلفاء.﴿ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي بني إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بعد هلاك الجبابرة * واللام في ليستخلفنهم جواب قسم محذوف أي وأقسم ليستخلفنهم أو أجرى وعد الله لتحققه مجرى القسم فجووب بما يجاب به القسم وعلى تقدير حذف القسم يكون معمول وعد محذوفاً تقديره استخلافكم وتمكين دينكم ودل عليه جواب القسم المحذوف.﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾ أي يثبته ويوطده بإِظهاره وإعزاز أهله وإذلال الشرك وأهله. و ﴿ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ ﴾ لهم صفة مدح جليلة وقد بلغت هذه الأمة في تمكين هذا الدين الغاية القصوى بما أظهره الله على أيديهم من الفتوح والعلوم التي فاقوا فيها جميع العالم من لدن آدم صلى الله عليه وسلم إلى زمان هذه الملة المحمدية.﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ ﴾ قال صاحب النظم: لا يحتمل أن يكون ومأواهم متصلاً بقوله: لا تحسبن ذلك نهي وهذا إيجاب فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله تقديره لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض بل هم مقهورون.﴿ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ ﴾ " انتهى " واستبعد العطف من حيث أن لا تحسبن نهي ومأواهم جملة خبرية فلم تناسب عنده أن تعطف الجملة الخبرية على جملة النهي لتباينهما وهذا مذهب قوم ولما أحس الزمخشري بهذا قال: كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله فتأول جملة النهي بجملة خبرية حتى تقع المناسبة والصحيح أن ذلك لا يشترط بل يجوز عطف الجمل على اختلافها بعضها على بعض وان لم تتحد في النوعية وهو مذهب سيبويه، قال الزمخشري: يكون الأصل لا تحسبنهم الذين كفروا معجزين ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت كالشىء الواحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث " انتهى " قد رددنا هذا التخريج في آخر آل عمران في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا في قراءة من قرأ بياء الغيبة وجعل الفاعل الذين يفرحون وملخصه أنه ليس هذا من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يتقدّر لا تحسبنهم إذ لا يجوز ظنه زيد قائماً على تقدير رفع زيد بظنه.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ﴾ الآية روي أن عمر بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج وكان نائماً فدق عليه الباب ودخل فاستيقظ وجلس فانكشف منه شىء فقال عمر وددت أن الله تعالى نهى أبناءنا ونساءنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإِذن ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد نزلت فخر ساجداً لله * وليستأذنكم أمر والظاهر حمله على الوجوب وقيل على الندب والظاهر عموم الذين ملكت أيمانكم في العبيد والإِماء * والظاهر من قوله: ثلاث مرات ثلاث استئذانات ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:" الاستئذان ثلاث ".﴿ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ ﴾ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة وقد ينكشف النائم.﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ ﴾ لأنه وقت وضع الثياب للقائلة لأن النهار إذ ذاك يشتد حره في ذلك الوقت.﴿ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ﴾ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والإِلتحاف بثياب النوم.﴿ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾ سمي كل واحدة منها عورة لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها والعورة الخلل ومنه أعور الفارس وأعور المكان والأعور المختل العين وقرىء: ثلاث بالرفع أي تلك وقرىء: بالنصب وقرأ الأعمش عورات بفتح الواو وهي لغة تميم وهذيل بن مدركة.﴿ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يمضون ويجيئون وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم طوافون أي المماليك والصغار طوافون عليكم يدخلون عليكم في المنازل غدوة وعشية بغير إذن إلا في تلك الأوقات.﴿ كَذَلِكَ ﴾ الإِشارة إلى ما تقدم ذكره من استئذان المماليك وغير البلغ * ولما أمر تعالى النساء بالتحفظ من الرجال والأطفال غير البلغ في الأوقات التي هي مظنة كشف عورتهن استثنى القواعد من النساء اللاتي كبرن وقعدن عن الميل إليهن والافتتان بهن فقال: والقواعد وهو جمع قاعد من صفات الإِناث وقال ابن السكيت: امرأة قاعد قعدت عن الحيض وقال ابن قتيبة: سمين بذلك لأنهن بعد الكبر يكثرن القعود.﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ ﴾ عن ابن عباس: لما نزلت لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، تحرج المسلمون عن مواكلة الأعمى لأنه لا يبصر موضع الطعام الطيب والأعرج لأنه لا يستطيع المزاحمة على الطعام والمريض لأنه لا يستطيع استيفاء الطعام فأنزل الله تعالى هذه الآية، قيل: وتحرجوا عن أكل طعام القرابات فنزلت مبيحة جميع هذه المطاعم ومبينة أن تلك في التعدي والقمار وما يأكله المؤمن من مال من يكره أهله.﴿ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ ﴾ قيل ألزمني ملكوا التصرف في البيوت التي سلمت إليهم مفاتيحها وقيل ولي اليتيم يتناول من ماله بقدر ما قال تعالى ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ومفاتحه بيده.﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ قرن الله تعالى الصديق آكد من القرابة ألا ترى استغاثة الجهنميين فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ولم يستغيثوا بالآباء والأمهات * وانتصب جميعاً وأشتاتاً على الحال أي مجتمعين أو متفرقين.﴿ فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ قال ابن عباس: المساجد فسلموا على من فيها فإِن لم يكن فيها أحد قال السلام على رسول الله وقيل يقول السلام عليكم يعني الملائكة ثم يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقيل: إذا دخلتم بيوتاً من هذه البيوت لتأكلوا فيها فابدؤا بالسلام على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة.﴿ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾ أي ثابتة بأمره مشروعة من لدنه * وانتصب تحية لقوله: فسلموا لأن معناه فحيوا كقولك: قعدت جلوساً.﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية، لما افتتح السورة بقوله: سورة أنزلناها وذكر أنواعاً من الأوامر والحدود مما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم اختتمها بما يجب له صلى الله عليه وسلم على أمته من التابع والتشايع على ما فيه مصلحة الإِسلام ومن طلب استئذانه أن عرض لأحد منهم عارض ومن توقيره في دعائهم إياه والمؤمنون مبتدأ والموصول خبره وهو قوله: الذين آمنوا، ومعنى على أمرها مع نحو مقاتلة عدو وتشاور في أمر مهم أو نضام لإِرهاب مخالف يحتاج فيه إلى اجتماع ذوي الآراء فإذا ذاك لا يحل ذهاب أحد ممن يحتاج إليه إلا بعد استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك غيا الذهاب بقوله حتى يستأذنوه ثم أكد الاستئذان بقوله: إن الذين يستأذنوك بلفظ ان وبالإِشارة في قوله أولئك وبالخبر بعده * ثم أمره تعالى بأن يأذن لمن يستأذن لبعض شأنه وأمره باستغفار الله له على طاعته باستئذانه.﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ ﴾ خطاب لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان التداعي بالأسماء على عادة البداوة أمروا بتوقير الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يدعوه بأحسن ما يدعى به نحو يا رسول الله يا نبي الله ألا ترى إلى بعض جفاة من أسلم كان يقول يا محمد وفي قوله: كدعاء بعضكم بعضاً إشارة إلى جواز ذلك مع بعضهم لبعض إذ لم يؤمر بالتوقير والتعظيم في دعائه صلى الله عليه وسلم إلا من دعاه لا من دعا غيره وكانوا يقولون يا أبا القاسم يا محمد فنهوا عن ذلك ومعنى:﴿ يَتَسَلَّلُونَ ﴾ ينصرفون قليلاً قليلاً عن الجماعة في خفيه. و ﴿ لِوَاذاً ﴾ يلوذ بعضهم ببعض هذا بذاك بحيث يدور معه حيث دار استتارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو إذا صحت الواو فيه وان كان قبلها كسرة لصحتها في الفعل في قولهم لاوذ بخلاف قام قياماً فإِنها اعتلت في الفعل فاعتلت في مصدره وقيل في حفر الخندق ينصرف المنافقون بغير إذن ويستأذن المؤمنون إذا عرضت لهم حاجة وخالف يتعدى بنفسه يقول: خالفت أمر زيد وبإِلى تقول خالفت إلى كذا فقوله: عن أمر ضمن خالف معنى صدّ وأعرض فعداه بعن والضمير في أمره عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر الأمر الوجوب ولذلك جعل في المخالفة إصابة الفتنة أو إصابة العذاب.﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي من مخالفة أمر الله وأمر رسوله وفيه تهديد ووعيد وأتى بالمضارع وهو يعلم كناية عن المجازاة والظاهر أن الخطاب في أنتم للمنافقين ولغيرهم وما عامة في الأعمال التي يعملها المكلفون.﴿ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ ﴾ ويوم معطوف على ما أي علم الذين أنتم عليه.﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ فتعلق علمه بالأمرين حالاً وهو ما أنتم عليه ومآلاً وهو يوم يرجعون إليه والتفت من ضمير الخطاب في أنتم إلى ضمير الغيبة في يرجعون.
Icon