تفسير سورة النّور

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة النور من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٣٢٧- قال الشافعي : وحدت أحكام الله عز وجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة، قال الله تبارك وتعالى :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ وقال :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾١. ( الأم : ٤/٢٩٣. )
ـــــــــــــــــــــــــــ
٣٢٨- قال الشافعي : وكان الله قد فرق في حد الزنا بين المماليك والأحرار، فقال :
﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ وقال في الإماء :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى اَلْمُحْصَنَاتِ مِنَ اَلْعَذَابِ ﴾٢ وقال في الشهادات :
﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾٣ فلم يختلف من لقيت أنها على الأحرار دون العبيد. وذَكَرَ المواريث، فلم يختلف أحد لقيته في أن المواريث للأحرار دون العبيد. ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب الحر الزاني٤. ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب. ( الأم : ٥/٢١٦. ون الرسالة ص : ٦٧. )
ـــــــ
٣٢٩- قال الشافعي : أقل ما يحضر حدَّ الزاني في الجلد والرجم أربعة، لقول الله عز وجل :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ اَلْمُومِنِينَ ﴾. ( الأم : ٦/١٥٥. ون مناقب الإمام الشافعي ص : ٢٣٩. )
٣٣٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ اَلزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً اَوْ مُشْرِكَةً ﴾٥ إلى :﴿ اَلْمُومِنِينَ ﴾٦، قال الشافعي : اختلف في تفسير هذه الآية فقيل : نزلت في بغايا كانت لهم رايات وكن غير محصنات، فأراد بعض المسلمين نكاحهم، فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلن به، أو مشركا. وقيل : كن زواني مشركات، فنزلت : لا ينكحن إلا زان مثلهن مشرك، أو مشرك وإن لم يكن زانيا :﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى اَلْمُومِنِينَ ﴾٧. وقيل : غير هذا. وقيل هي عامة، ولكنها نسخت.
أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب في قوله :﴿ اَلزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً اَوْ مُشْرِكَةً ﴾٨ قال : هي منسوخة نسختها :﴿ وَأَنكِحُوا اَلاَيَامى مِنكُمْ ﴾٩ فهي من أيامى المسلمين١٠.
قال الشافعي : فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان، ولا حرَّم واحدا منهما على زوجه ؛ فقد أتاه ماعز بن مالك وأقر عنده بالزنا مرارا لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت، ولا زوجته أن تجتنبه١١.
ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له : إن كانت زوجة حرمت عليك، أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح، ولم نعلمه أمره بذلك، ولا أن لا ينكح، ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية.
وقد ذكر له رجل أن امرأة زنت وزوجها حاضر، فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما علمنا ـ زوجها باجتنابها، وأمر أنيسا أن يغدو عليها، فإن اعترفت رجمها١٢.
وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة وغربه عاما١٣، ولم ينهه علمنا أن ينكح، ولا أحدا أن ينكحه إلا زانية.
وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أَمْرَ امرأته وقذفها برجل، وانتفى١٤ من حملها، فلم يأمره باجتنابها حتى لاعن بينهما١٥.
وقد روي عنه أن رجلا شكا إليه أن امرأته لا تدفع يَدَ لاَمِسٍ فأمره أن يفارقها، فقال له : إني أحبها، فأمره أن يستمتع بها. أخبرنا سفيان بن عيينة، عن هارون بن رياب١٦، عن عبد الله ابن عبيد بن عمير١٧ قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يَدَ لامسٍ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« طلقها » قال : إني أحبها، قال :« فأمسكها إذا »١٨. ( الأم : ٥/١١-١٢. ون الأم : ٥/١٤٨. ومناقب الشافعي : ١/٢٩٣-٢٩٤. )
١ - المائدة: ٣٨..
٢ - النساء: ٢٥..
٣ - الطلاق: ٢..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - النور: ٣. وروى هذه الأقوال البيهقي في كتاب النكاح باب: نكاح المحدثين ٧/١٥٣-١٥٤..
٦ - النور: ٣. وروى هذه الأقوال البيهقي في كتاب النكاح باب: نكاح المحدثين ٧/١٥٣-١٥٤..
٧ - النور: ٣. وروى هذه الأقوال البيهقي في كتاب النكاح باب: نكاح المحدثين ٧/١٥٣-١٥٤..
٨ - النور: ٣. وروى هذه الأقوال البيهقي في كتاب النكاح باب: نكاح المحدثين ٧/١٥٣-١٥٤..
٩ - النور: ٣٢..
١٠ - رواه البيهقي في الباب السابق ٧/١٥٤.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٥٢)..

١١ - أخرج مسلم في الحدود (٢٩) باب: من اعترف على نفسه بالزنا (٥)(ر١٦٩٣) عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: « أحق ما بلغني عنك ؟» قال: وما بلغك عني؟ قال: «بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان». قال: نعم. قال: فشهد أربع شهادات. ثم أُمِرَ به فَرُجِمَ.
ورواه أبو داود في الحدود (٣٢) باب: رجم ماعز بن مالك (٢٤)(ر٤٤٢٥).
ورواه الترمذي في الحدود (١٤) باب: ما جاء في التلقين في الحد (٤)(ر١٤٢٧)..

١٢ - سبق تخريجه..
١٣ - سبق تخريجه..
١٤ - انتفى: أي تبرأ..
١٥ - سيأتي عند تفسير الآي: ٦-٧-٨-٩..
١٦ - هارون بن رياب الأسيدي البصري العابد. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: الأوزاعي، وشعبة. ثقة. الكاشف: ٣/٢٠٠. ون التهذيب: ٩/٥. وقال في التقريب: ثقة عابد..
١٧ - عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، أبو هاشم. عن: عائشة، وابن عباس، وعدة. وعنه: ابن جريج، والأوزاعي. وثقه أبو حاتم. ت سنة: ١١٣. الكاشف: ٢/١٠٢. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٨ - رواه البيهقي في كتاب النكاح باب: ما يستدل به على قصْر الآية على ما نزلت فيه أو نسخها ٧/١٥٤، وقال: حديث مرسل.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٤٩)..

٣٣١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات :﴿ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ فكانت الآية عامة على رامي المحصنة. فكان سواء قال الرامي لها : رأيتها تزني، أو رماها ولم يقل : رأيتها تزني، فإنه يلزمه اسم الرامي. ( الأم : ٥/١٣١. ون مختصر المزني ص : ٢١٤. )
ــــــــــــ
٣٣٢- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ فكان بينا أن المأمور بجلد ثمانين هو : من قَصَدَ قَصْدَ محصنة بقذف، لا من وقع قذفه على محصنة بحال١. ( الأم : ٦/٢٤١-٢٤٢. )
ـــــــــــ
٣٣٣- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ الآية. قال الشافعي : ثم لم أعلم مخالفا في أن ذلك إذا طلبت ذلك المقذوفة الحرة ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه الله تعالى لأحد وجب على الإمام أخذه له إن طلبه، أخذه له بكل حال. ( الأم : ٥/٢٨٥. ون أحكام الشافعي : ١/٢٣٧-٢٣٨. )
ـــــــــــــــــــ
٣٣٤- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا وَأُوْلَئِاكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ ﴾٢
قال الشافعي : فالمحصنات ههنا البوالغ الحرائر. وهذا يدل على أن الإحصان اسم جامع لمعاني مختلفة. وقال :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء اِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ اَلْكَاذِبِينَ وَيَدْرَؤُا عَنْهَا اَلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنْ غَضِبَ اَللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ اَلصَّادِقِينَ ﴾٣.
فلما فرق الله بين حكم الزوج والقاذف سِوَاهُ، فحدَّ القاذف سواه، إلا أن يأتي بأربعة شهداء على ما قال، وأخرج الزوج باللعان من الحدّ : دلّ ذلك على أن قَذَفَة المحصنات الذين أريدوا بالجلد : قَذَفَةُ الحرائر البوالغ غير الأزواج. وفي هذا الدليل على ما وصفت، من أن القرآن عربي، يكون منه ظاهره عاما، وهو يراد به الخاص، لا أن واحدةً من الآيتين نسخت الأخرى، ولكن كل واحدة منهما على ما حَكَمَ الله به، فيفرقُ بينهما حيث فَرَقَ الله، ويجمعان حيث جمع الله : فإذا التعن الزوج خرج من الحدّ، كما يخرج الأجنبيون بالشهود، وإذا لم يلتعن وزوجته حرة بالغة، حدّ. ( الرسالة : ١٨٧-١٤٨. ون أحكام الشافعي : ١/٣١١. والأم : ٥/١٢٤ و ٧/٩٥. )
ــــــــــــ
٣٣٥- قال الشافعي : وقال الله عز وجل في قذفة المحصنات :﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا وَأُوْلَئِاكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ إِلا اَلذِينَ تَابُوا ﴾٤ وقلنا : إذا تاب القاذف قبلت شهادته، وذلك بين في كتاب الله عز وجل.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة قال : سمعت الزهري يقول : زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز، لأشهد أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة٥ : تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك.
قال : وسمعت سفيان يحدث به هكذا مرارا، ثم سمعته يقول : شككت فيه قال سفيان : أشهد لأخبرني ثم سمى رجلا فذهب عليَّ حفظ اسمه، فسألت فقال لي عمر ابن قيس٦ هو سعيد بن المسيب وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وغيره يرويه عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، قال سفيان : أخبرني الزهري، فلما قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر المجلس معي هو سعيد بن المسيب قلت لسفيان : أشككت حين أخبرك أنه سعيد ؟ قال : لا، هو كما قال، غير أنه قد كان دخلني الشك٧.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وأخبرنا من أثق به من أهل المدينة عن ابن شهاب، عن ابن المسيب : أن عمر لما جلد الثلاثة استتابهم، فرجع اثنان، فقبل شهادتهما، وأَبَى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته٨.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وأخبرنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب تقبل شهادته فقال : وكلنا نقوله عطاء وطاوس ومجاهد٩.
وقال بعض الناس : لا تجوز شهادة المحدود في القذف أبداً ؟ ! قلتُ ؟ : أفرأيت القاذف إذا لم يحد حدا تاما أتجوز شهادته إذا تاب ؟ قال : نعم. قلتُ له : ولا أعلمك إلا دخل عليك خلاف القرآن من موضعين : أحدهما : أن الله عز وجل أمر بجلده وأن لا تقبل شهادته، فزعمت أنه إذا لم يجلد قبلت شهادته. قال : فإنه عندي إنما ترد شهادته إذا جلد، قلتُ : أفتجد ذلك في ظاهر القرآن، أم في خبر ثابت ؟ قال : أما في خبر فلا، وأما في ظاهر القرآن فإن الله عز وجل يقول :﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا ﴾١٠ قلتُ : أفبالقذف قال الله عز وجل :﴿ وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا ﴾١١ أم بالجلد ؟ قال : بالجلد، قال : بالجلد عندي. قلتُ : وكيف كان ذلك عندك، والجلد إنما وجب بالقذف ؟ وكذلك ينبغي أن تقول في ردِّ الشهادة. ( الأم : ٧/٢٦. ون الأم : ٧/٨٩. وأحكام الشافعي : ٢/١٣٥. ومناقب الإمام الشافعي ص : ١٨٥. )
١ - معناه: بدون تعيين أو تشخيص، هكذا بإطلاق، والله أعلم.
٢ - النور: ٤..
٣ - النور: ٦-٩..
٤ - النور: ٤-٥. وقال ابن كثير في التفسير ٣/٢٦٤-٢٦٥: «هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة. فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا. وليس فيه نزاع بين العلماء، فإن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله درا عنه الحدّ، ولهذا قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا وَأُوْلَئِاكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ﴾. فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام، أحدها: أن يجلد ثمانين جلدة، الثاني: أن ترد شهادته أبدا، الثالث: أن يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس. ثم قال تعالى: ﴿ إِلا اَلذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. واختلف العلماء في هذا الاستثناء، هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فترفع التوبة الفسق فقط، ويبقى مردود الشهادة دائما وإن تاب؟ أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة؟ وأما الجلد فقد ذهب وانقضى سواء تاب أو أصرَّ، وإلا حكم له بعد ذلك بلا خلاف. فذهب الإمام مالك، وأحمد، والشافعي إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته وارتفع عنه حكم الفسق، ونص عليه سعيد ابن المسيب سيد التابعين، وجماعة من السلف أيضا. وقال الإمام أبو حنيفة: إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط. فير تفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة أبدا، وممن ذهب إليه من السلف القاضي شريح، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومكحول، وعبد الرحمن بن زيد بن جابر. وقال الشعبي والضحاك: لا تقبل شهادته وإن تاب، إلا أن يعترف على نفسه أنه قد قال البهتان، فحينئذ تقبل شهادته والله أعلم»..
٥ - نفيع بن الحارث بن كلدة، أبو بكرة الثقفي. وقيل: اسمه مسروح، كناه النبي صلى الله عليه وسلم لتدليه ببكرة من الطائف. عنه: أولاده، والحسن، وعدة. ت سنة: ٥١. الكاشف: ٣/١٩٤. ون الإصابة: ٦/٤٦٧. والتهذيب: ٨/٥٣٧..
٦ - عمر بن قيس الماصر. عن: شريح، وزيد بن وهب. وعنه: مسعر، وزائدة. ثقة مرجئ. الكاشف: ٢/٣٠٩. ون التهذيب: ٦/٩٥. وقال في التقريب: صدوق ربما وهم ورمي بالإرجاء. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٨٢ فقال: بل ثقة، ومن عجب أن يقول فيه المصنف « صدوق ربما وهم » فهذا ما قاله أحد، ولا عرف عنه، فقد وثقه الأئمة: ابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان، وأحمد بن صالح المصري، وذكره ابن حبان وابن شاهين في «الثقات»، ولا نعلم أحدا قال فيه: «صدوق»!.
٧ - رواه الشافعي في المسند بنحوه (ر١٦٥٥ و ١٦٥٦).
ورواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: شهادة القاذف: ١٠/١٥٢..

٨ - سبق تخريجه في النص رقم: ١٢٣..
٩ - رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: شهادة القاذف: ١٠/١٥٣..
١٠ - النور: ٤..
١١ - النور: ٤..
٣٣٦- قال الشافعي : وقال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء اِلا أَنفُسُهُمْ ﴾ وقال عز وجل :﴿ وَيَدْرَؤُا عَنْهَا اَلْعَذَابَ ﴾ الآية، فحكم بالأيمان بينهما إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الأجنبيون، ودرا عنه وعنها بها على أن أحدهما كاذب. وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يُحَدَّ إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال١.
ولاَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها، وقذفها بشريك بن السحماء٢، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« انظروها فإن جاءت به ـ يعني الولد ـ أسْحَمَ٣، أدْعَجَ٤، عظيمَ الإلْيتين٥، فلا أراه إلا صدق » وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها، وزعم أن حبلها منه،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« وإن جاءت به أُحَيْمر٦ كأنه وَحَرَةٌ٧ فلا أراه إلا كذب عليها » وكانت تلك الصفة صفة زوجها، فجاءت به يشبه شريك بن السحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن أمره لبين لولا ما حكم الله »٨ أي لكان لي فيه قضاء غيره، يعني ـ والله أعلم ـ لبيان الدلالة بصدق زوجها. ( الأم : ٧/٣٠٤. )
ـــــــــــــــــ
٣٣٧- قٌرِئَ على الشافعي :﴿ أَن لَّعْنَتُ اَللَّهِ ﴾٩ فقال : ليس هكذا، اقْرَا إِقْرَاء :﴿ أَنَّ لَعْنَتَ اَللَّهِ ﴾ و ﴿ أَنَّ غَضَبَ اَللَّهِ ﴾١٠. ( مناقب الشافعي : ١/٢٧٨. )
ــــــــــــ
٣٣٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء اِلا أَنفُسُهُمْ ﴾١١ إلى قوله :﴿ أَنْ غَضِبَ اَللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ اَلصَّادِقِينَ ﴾١٢ قال الشافعي رحمه الله تعالى : فبين ـ والله أعلم ـ في كتاب الله عز وجل أن كل زوج يلاعن زوجته، لأن الله عز وجل ذكر الزوجين مطلقين لم يخص أحدا من الأزواج دون غيره، ولم تدل سنة ولا أثر ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض١٣.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : إن التعن الزوج ولم تلتعن المرأة حُدَّتْ إذا أبت أن تلتعن لقول الله عز وجل :﴿ وَيَدْرَؤُا عَنْهَا اَلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ ﴾١٤ فقد أخبر ـ والله أعلم ـ أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان، وهذا ظاهر حكم الله عز وجل. ( الأم : ٧/٢٥. ون الأم : ٥/٢٩٢. ومختصر المزني : ٢١١-٢١٢. )
ــــــــــــ
٣٣٩- قال الشافعي : وقال الله تعالى :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء اِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ ﴾١٥ إلى قوله :﴿ أَنْ غَضِبَ اَللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ اَلصَّادِقِينَ ﴾١٦ قال الشافعي : فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن الله أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته :﴿ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ اَلْكَاذِبِينَ ﴾١٧. كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا.
وكانت في ذلك دَلالةٌ أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدَّها، وكما ليس على قاذف الأجنبية حدّ حتى تطلب حدَّها.
قال : وكانت في اللعان أحكام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها : الفرقة بين الزوجين ونفي الولد. ( الأم : ٥/٢٨٦. ون الأم : ٥/١٣٥. وأحكام الشافعي : ١/٢٣٨-٢٣٩. ومختصر المزني : ٢٠٧-٢٠٨. )
١ - انظر الآيتين: ٤-٥. السابقتين..
٢ - شريك ابن سحماء وهي أمه، واسم أبيه عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان البلوي حليف الأنصار. ويقال: إنه شهد مع أبيه أحدا. ن الإصابة: ٣/٣٤٤-٣٤٥..
٣ - سَحم: السّحم والسُّحامُ والسُّحمَة: السّواد. وقال الليث: السحمة سواد كلون الغراب الأسحم، وكل أسود أسحم. اللسان: سحم..
٤ - الدّعَجُ والدُّعْجَةُ: السواد في العين وغيرها. وقيل: إن الدعج سواد العين في شدة بياضها. ورجل أدعج وامرأة دعجاء. اللسان: دعج..
٥ - عظيم الإليتين: ضخم العجز، مثنى إلية..
٦ - أحيمر: تصغير أحمر، أي شديد الشقرة. ن اللسان: حمر..
٧ - الوَحَرَةُ: وزغة تكون في الصحاري أصغر من العِظَاءةِ وهي على شكل سام أبرص، وخلقتها خلقة الوزغ إلا أنها بيضاء منقطة بِحُمرة، وهي قذرة عند العرب لا تأكلها. اللسان: وحر..
٨ - أخرجه البخاري في التفسير / النور (٦٨) باب: قوله عز وجل: ﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾(٢٣٩)(ر٤٤٦٨) و
(ر٤٤٦٩). وفي الطلاق (٧١) باب: من أجاز طلاق الثلاث (٣)(ر٤٩٥٩) وباب: اللعان (٢٧)(ر٥٠٠٢ و ٥٠٠٣).
وأخرجه مسلم في أول كتاب اللعان (١٩)(ر١٤٩٢).
وأخرجه أبو داود، وابن ماجة، ومالك كلهم في الطلاق..

٩ - النور: ٧..
١٠ - النور: ٩..
١١ - النور: ٦-٩..
١٢ - النور: ٦-٩..
١٣ - قال الشافعي رحمه الله: ولما ذكر الله عز وجل اللعان على الأزواج مطلقا، كان اللعان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض، وكذلك على كل زوجة لزمها الفرض، وسواء كان الزوجان حرين مسلمين، أو كان أحدهما حرا والأخر مملوكا، أو كانا مملوكين معا، أو كان الزوج مسلما والزوجة ذمية، أو كانا ذميين تحاكما إلينا، لأن كلا زوج وزوجة يجب عليه الفرض في نفسه دون صاحبه، وفي نفسه لصاحبه، ولعانهم كلهم سواء. ن الأم: ٥/٢٨٦..
١٤ - النور: ٨..
١٥ - النور: ٦-٩..
١٦ - النور: ٦-٩..
١٧ - النور: ٦-٧..
٣٤٠- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في القذفة :﴿ لَّوْلا جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِاكَ عِندَ اَللَّهِ هُمُ اَلْكَاذِبُونَ ﴾.
قال الشافعي رحمه الله : فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة بحكم الله عز وجل ثم بحكم رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا لم يكملوا أربعة فهم قذفة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب فجلدهم جلد القذفة١. ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافا فيما وصفت من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة، وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حدُّوا حَدَّ القذف، وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة : أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« نعم »٢.
قال الشافعي رحمه الله : ففي هذا ما يبين أن شهود الزنا أربعة، وأن ليس لأحدٍ دون الإمام أن يقتل ولا يعاقب بما رأى.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب : أن رجلا بالشام وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها، فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري بأن يسأل له عن ذلك عليا رضي الله عنه، فسأله فقال علي : إن هذا لشيء ما هو بأرض العراق عزمت عليك لتخبرني فأخبره، فقال علي رضي الله عنه : أنا أبو الحسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط٣ برمته٤٥.
قال الشافعي رحمه الله : وبهذا كله نأخذ، ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم فيه مخالفا. ( الأم : ٦/١٣٧. ون الأم : ٧/٨٢ و ٧/٨٥. ومختصر المزني ص : ٣٠٣ )
ــــــــــــ
٣٤١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لَّوْلا جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئاكَ عِندَ اَللَّهِ هُمُ اَلْكَاذِبُونَ ﴾٦ وقال :﴿ وَالَّتاى يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ﴾٧ وقال الله عز وجل :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾٨. أخبرنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة : أن سعدا قال : يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« نعم »٩.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة، والكتاب يدل على أنه لا يجوز شهادة غير عَدْلٍ.
قال : والإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حرٍّ بالغ عاقل لما يشهد عليه.
قال : وسواء أي زِنا ما كان : زنا حُرّين أو عبدين أو مشركين لأن كله زنا.
ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا أو على رجل أو عليهما معا، لم ينبغ للحاكم أن يقبل الشهادة، لأن اسم الزنا قد يقع على ما دون الجماع، حتى يصف الشهود الأربعة الزنا، فإذا قالوا : رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرْوَدِ في المكحلة، فأثبتوه حتى تغيب الحشفة، فقد وجب الحدّ، ما كان الحد رجما أو جَلْدًا، وإن قالوا : رأينا فرجه على فرجها ولم يثبت أنه دخل فيه فلا حَدَّ ؛ ويُعَزَّرُ، فإن شهدوا على أن ذلك دخل في دبرها فقد وجب الحد كوجوبه في القبل. ( الأم : ٧/٤٤. )
١ - روى البيهقي في كتاب الحدود باب: شهود الزنا إذا لم يكملوا أربعة ٨/٢٣٤ عن الحسن بن سفيان، عن أبي بكر، عن أبي أسامة، عن عوف، عن قسامة بن زهير قال: « لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان ـ وذكر الحديث ـ قال: فدعا الشهود فَشَهِدَ أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة: شق على عمر شأنه، فلما قام زياد قال: أن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله أكبر، حدوهم، فجلدوهم. قال: فقال أبو بكرة بعدما ضربه: أشهد أنه زان، فَهَمَّ عمر أن يعيد عليه الجلد، فنهاه علي وقال: إن جلدته فارجم صاحبك، فتركه ولم يجلده »..
٢ - سبق تخريجه في النص رقم: ١٢٣..
٣ - فليُعْط: أي فليُسلَّم إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا..
٤ - برمته: قطعة من حبل، لأنهم كانوا يقودون القاتل إلى ولي المقتول بحبل، ولذا قيل: القود..
٥ - سبق تخريجه في النص رقم: ١٢٣..
٦ - النور: ١٣..
٧ - النساء: ١٥..
٨ - النور: ٤..
٩ - سبق تخريجه في النص رقم: ١٢٣..
٣٤٢- قال الشافعي : وفرض على العينين أن لا ينظر بهما إلى ما حرم الله، وأن يغضيهما عما نهاه عنه، فقال تبارك وتعالى في ذلك :﴿ قُل لِّلْمُومِنِينَ يَغُضُّوا مِنَ اَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ الآيتين : أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه.
وقال : كل شيء من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر. فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر، وهو عملهما، وهو من الإيمان. ( مناقب الشافعي : ١/٣٩٠-٣٩١. )
ــــــــــــ
٣٤٣- قال الشافعي : وإذا أراد١ أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة، وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية، بإذنها وبغير إذنها، قال الله تعالى :﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ قال : الوجه والكفان. ( مختصر المزني ص : ١٦٣. )
١ - أي الخاطب..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:٣٤٢- قال الشافعي : وفرض على العينين أن لا ينظر بهما إلى ما حرم الله، وأن يغضيهما عما نهاه عنه، فقال تبارك وتعالى في ذلك :﴿ قُل لِّلْمُومِنِينَ يَغُضُّوا مِنَ اَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ الآيتين : أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه.
وقال : كل شيء من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر. فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر، وهو عملهما، وهو من الإيمان. ( مناقب الشافعي : ١/٣٩٠-٣٩١. )
ــــــــــــ

٣٤٣-
قال الشافعي : وإذا أراد١ أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة، وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية، بإذنها وبغير إذنها، قال الله تعالى :﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ قال : الوجه والكفان. ( مختصر المزني ص : ١٦٣. )
١ - أي الخاطب..

٣٤٤- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَأَنكِحُوا اَلاَيَامى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمُ ﴾.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فدلت أحكام الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ملك للأولياء آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم، وأياماهم : الثيبات. قال الله تعالى ذكره :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَّنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾١ وقال في المعتدات :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ ﴾٢ الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها »٣ مع ما سوى ذلك.
ودل الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم، وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا، ولم أعلم دليلا على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والإماء، كما وجدت الدلالة على إنكاح الحر إلا مطلقا.
فأحب إلي أن ينكح من بلغ من العبيد والإماء، ثم صالحوهم خاصة، ولا يتبين لي أن يجبر أحد عليه، لأن الآية محتملة أن يكون أريد به الدلالة لا الإيجاب. ( الأم : ٥/٤١. ون أحكام الشافعي : ١/١٧٥-١٧٦. )
ــــــــــــ
٣٤٥- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَأَنكِحُوا اَلاَيَامى مِنكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ يُغْنِهِمُ اَللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾٤.
قال الشافعي رحمه الله : والأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني : أحدها : أن يكون الله عز وجل حرم شيئا ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم كقول الله عز وجل :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ ﴾٥ وكقوله :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ اِلصَّلَواةُ فَانتَشِرُوا فِى اِلاَرْضِ ﴾٦ الآية.
قال الشافعي رحمه الله : وذلك أنه حرم الصيد على المحرم، ونهى عن البيع عند النداء، ثم أباحها في وقت غير الذي حرمها فيه، كقوله :﴿ وَءَاتُوا اَلنِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ إلى :
﴿ مَّرِيئًا ﴾٧ وقوله :﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ﴾٨.
قال الشافعي : وأشباه لهذا كثير في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلقوا، ولا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا، ويأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا، ولا يأكل من بدنته إذا نحرها.
قال : ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عز وجل :﴿ إِنْ يَّكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اَللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾٩ يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف، كقول النبي صلى الله عليه وسلم :« سافروا تصحوا وترزقوا »١٠ فإنما هذا دلالة لا حَتْمٌ أن يسافر لطلب صحة ورزق.
قال الشافعي : ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتما، وفي كل الحتم من الله الرشد فيجمع الحتم والرشد. وقال بعض أهل العلم : الأمر كله على الإباحة والرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أنه إنما أريد بالأمر : الحتم، فيكون فرضا لا يحل تركه، كقول الله عز وجل :﴿ وَأَقِيمُوا اَلصَّلَواةَ وَءَاتُوا اَلزَّكَواةَ ﴾١١ فدل على أنهما حتم، وكقوله :﴿ خُذْ مِنَ اَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾١٢ وقوله :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾١٣ وقوله :﴿ وَلِلهِ عَلَى اَلنَّاسِ حَجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾١٤ فذكر الحج والعمرة معا في الأمر، وأفرد الحج في الفرض، فلم يقل أكثر أهل العلم : العمرة على الحتم، وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم. وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير.
قال الشافعي : وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهي عنه على غير التحريم، وأنه إنما أريد به الإرشاد أو تنزها أو أدبا للمنهي عنه، وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا.
قال الشافعي رحمه الله : ومن قال : الأمر على غير الحتم حتى تأتي دلالة على أنه حتم، انبغى أن تكون الدلالة على ما وصفت من الفرق بين الأمر والنهي وما وصفنا في مبتدا كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه اكتفاء بما ذكرنا عما لم نذكر.
أخبرنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا »١٥.
أخبرنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه١٦.
قال الشافعي رحمه الله : وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا بدلالة أنهما غير لازمين ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم « فائتوا منه ما استطعتم » أن يقول : عليهم إتيان الأمر فيما استطعتم لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شيء لأنه شيء متكلف وأما النهي فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لأنه ليس بتكلف شيء يحدث إنما هو شيء يكف عنه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا. ( الأم : ٥/١٤٢-١٤٣. ون مناقب الشافعي : ١/٣٨١-٣٨٢. )
١ - البقرة: ٢٣٢..
٢ - البقرة: ٢٣٤..
٣ - رواه مسلم عن ابن عباس في النكاح (١٦) باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (٩)(ر١٤٢١).
ورواه أصحاب السنن في النكاح.
ورواه أحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٠٣٦)..

٤ - النور: ٣٢..
٥ - المائدة: ٢..
٦ - الجمعة: ١٠..
٧ - النساء: ٤..
٨ - الحج: ٣٦..
٩ - النور: ٣٢..
١٠ - لم أقف عليه بهذا اللفظ. ورواه أحمد في مسند أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا » قال شاكر: إسناده حسن.
ورواه البيهقي في كتاب النكاح باب: قول الله تعالى ﴿ وَأَنكِحُوا اَلاَيَامى مِنكُمْ ﴾. ٧/١٠٢ عن ابن عمر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سافروا تصحوا وتغنموا »..

١١ - البقرة: ٤٣..
١٢ - التوبة: ١٠٣..
١٣ - البقرة: ١٩٦..
١٤ - آل عمران: ٩٧..
١٥ - رواه مسلم في الحج (١٥) باب: فرض الحج مرة في العمر (٧٣)(ر١٣٣٧).
ورواه أحمد في مسند أبي هريرة. ورواه الشافعي في المسند (ر٢٤٢٥).
ورواه البيهقي في كتاب النكاح باب: قول الله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا اَلاَيَامى مِنكُمْ ﴾ ٧/١٠٣..

١٦ - رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢)(ر٦٨٥٨) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « دعوني ما تركتم... » الحديث..
٣٤٦- قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : قال الله عز وجل :﴿ وَالذِينَ يَبْتَغُونَ اَلْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمُ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اِللَّهِ اِلذِى ءَاتاكُمْ ﴾ أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك بن جريج أنه قال لعطاء : ما الخيرُ ؟ المال أو الصلاح أو كل ذلك ؟ قال : ما نراه إلا المال. قلت : فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق ؟ قال : ما أحسب خيرا إلا ذلك المال١. قال مجاهد :﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ : المال كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت٢.
قال الشافعي : والخير كلمة يعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها، قال الله عز وجل :﴿ إِنَّ اَلذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ أُوْلَئِاكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيئَةِ ﴾٣ فعقلنا أنهم خير البرية بالإيمان، وعمل الصالحات لا بالمال. وقال الله عز وجل :{ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اِللَّهِ لَكُمْ فِيهَا
خَيْرٌ }٤ فعقلنا أن الخير المنفعة بالأجر، لا أن لهم في البدن مالا. وقال الله عز وجل :﴿ إَذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ﴾٥ فعقلنا أنه إن ترك مالا، لأن المال المتروك، وبقوله : ﴿ اِلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ ﴾٦.
فلما قال الله عز وجل :﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾٧ كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب : قوة على اكتساب المال وأمانة، لأنه قد يكون قويا فيكسب فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة، وأمينا فلا يكون قويا على الكسب فلا فيؤدي.
قال : ولا يجوز عندي ـ والله تعالى أعلم ـ في قوله :﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾٨ إلا هذا وليس الظاهر أن القول : إن علمت في عبدك مالا بمعنيين : أحدهما، أن المال لا يكون فيه، إنما يكون عنده لا فيه، ولكن يكون فيه الاكتساب الذي يفيد المال. والثاني : أن المال الذي في يده لسيده، فكيف يكون أن يكاتبه بماله ؟ إنما يكاتبه بما يفيد العبد بعد الكتابة، لأنه حينئذ يمنع ما أفاد العبد لأداء الكتابة.
قال : ولعل من ذهب إلى أن الخير المال أنه أفاد بكسبه مالا للسيد، فيستدل على أنه كم يقدر مالا يعتق به كما أفاد أولاً.
والعبد والأمة البالغان في هذا سواء، كانا ذوي صنعة، أو غير ذوي صنعة، إذا كانا فيهما قوة على الاكتساب والأمانة. ( الأم : ٨/٣١. ون الأم : ٨/٣٢. ون أحكام الشافعي : ٢/١٦٧-١٧٠. ومختصر المزني ص : ٣٢٣. )
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
٣٤٧- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى اَلْبِغَاء انَ اَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾٩ الآية، فزعم بعض أهل العلم بالتفسير : أنها نزلت في رجل قد سماه، له إماء يكرههن على الزنا١٠ ليأتينه بالأولاد فيتخولهن١١.
وقد قيل : نزلت قبل حد الزنا والله أعلم. فإن كانت نزلت قبل حد الزنا ثم جاء حد الزنا فما قبل المحدود منسوخ بالحدود، وهذا موضوع في كتاب الحدود. وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل : إن قول الله عز وجل :﴿ فَإِنَّ اَللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾١٢ نزلت في الإماء المكرهات أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه، وقيل : غفور أي : هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه، وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد عنهن إذا أكرهن على الزنا، وقد أبطل الله تعالى عمن أكره على الكفرِ الكُفْرَ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وضع الله عن أمته :« . . . وما استكرهوا عليه »١٣. ( الأم : ٥/١٧٤. )
١ - رواه البيهقي عن الشافعي في كتاب المكاتب باب: ما جاء في نفسير قوله تعالى: ﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ ١٠/٣١٨..
٢ - رواه البيهقي في نفس الكتاب والباب.
ورواه ابن جرير في التفسير: ٩/٣١٤..

٣ - البينة: ٧..
٤ - الحج: ٣٦..
٥ - البقرة: ١٨٠..
٦ - البقرة: ١٨٠..
٧ - النور: ٣٣..
٨ - النور: ٣٣..
٩ - النور: ٣٣..
١٠ - أخرج مسلم في التفسير (٥٤) باب: في قول الله تعالى: ﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى اَلْبِغَاء ﴾(٣)(ر٣٠٢٩) عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابْغينا شيئا. فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى اَلْبِغَاء انَ اَرَدْنَ تَحَصُّنا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ اَلْحَيَواةِ اِلدُّنْيا وَمَنْ يُّكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اَللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. وأخرج من هذا الطريق عن جابر: أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها مُسَيْكَة، وأخرى يقال لها: أُمَيْمَةَ. فكان يكرههما على الزنى؛ فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: ﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى اَلْبِغَاء ﴾ إلى قوله: ﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. ن كذلك لباب النقول ص: ٢٢٦.
وأخرجه أبو داود في الطلاق (٧) باب: في تعظيم الزنا (٥٠)(ر٢٣١١). وابن جرير ٩/٣١٨..

١١ - يتخولهن من التَّخَوُّل: التَّعَهُّدُ. وتخول الرّجُلَ: تعهَّدَهُ. وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة أي يتعهدنا بها مخافة السَّآمة علينا. اللسان: خول..
١٢ - النور: ٣٣..
١٣ -وروى ابن ماجة في الطلاق (١٠) باب: طلاق المكره والناسي (١٦)(ر٢٠٤٣) عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله تجاوز عن أمتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه».
ورواه الهندي في كنز العمال (ر١٠٣٠٧) بلفظ: « رفع عن أمتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه »..

٣٤٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين من الرجال، والفرائض على البوالغ من النساء من المسلمين في الكتاب والسنة من موضعين : فأما الكتاب فقول الله تعالى :﴿ وَإِذَا بَلَغَ اَلاَطْفَالُ مِنكُمُ اَلْحُلُمَ فَلْيَسْتَاذِنُوا كَمَا اَسْتَاذَنَ اَلذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضا كما كان على من قبلهم من البالغين، وقوله عز وجل :﴿ وَابْتَلُوا اَلْيَتَامى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا اَلنِّكَاحَ فَإِنَ ـانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا ﴾١ وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقَل ؛ فمن بلغ النكاح استكمل خمس عشرة أو قبلها ثبت عليه الفرض كله والحدود، ومن أبطا عنه بلوغ النكاح فالسن التي يلزمه بها الفرائض من الحدود وغيرها استكمال خمس عشرة.
والأصل فيه من السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَدَّ عبد الله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة، وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة٢. وعبد الله وأبو عبد الله طالبان لأن يكون عبد الله مجاهدا في الحالين، فأجازه إذا بلغ أن تجب عليه الفرائض وردَّه إذا لم يبلغها، وفعل ذلك مع بضعة عشرة رجلا منهم : زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وغيرهم.
فمن لم يستكمل خمس عشرة ولم يحتلم قبلها فلا جهاد ولا حدَّ عليه في شيء من الحدود، وسواء كان جسيما شديدا مقاربا لخمس عشرة وليس بينه وبين استكمالها إلا يوما، أو ضعيفا موديا بينه وبين استكمالها سنة أو سنتان، لأنه لا يحد على الخلق إلا كتاب أو سنة، فأما إدخال الغفلة معهما فالغفلة مردودة إذا لم تكن خلافهما، فكيف إذا كانت بخلافهما ؟ ( الأم : ٤/٢٦٠-٢٦١. ون الأم : ١/٦٩ و ٥/٢٥٣. وأحكام الشافعي : ١/٨٥. )
١ - النساء: ٦..
٢ - سبق تخريجه..
Icon