تفسير سورة المجادلة

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
وهي مدنية. حكى بعضهم إنها مدنية إلا قوله تعالى :﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة.... ﴾ [ المجادلة : ٧ ] فإنها مكية ١
وفيها من الأحكام والنسخ مواضع٢.
١ وهو قول الكلبي، وقيل غير ذلك. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٢٦٩..
٢ أوصلها ابن الفرس إلى ثمان آيات..

- قوله تعالى :-ayah text-primary">﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ﴾ إلى قوله :-ayah text-primary">﴿ إن الذين يحادون الله ﴾ :
اختلف في اسم المظاهر منها، وهي المجادلة التي ذكر الله تعالى في هذه السورة. فقيل : خولة بنت دليج ١ وقيل خولة بنت حكيم ٢، قاله عمر بن الخطاب. وقيل خويلة بنت ثعلبة، قاله قتادة. وقيل خولة بنت دليج، قاله أبو العالية وغيره. وقيل جليلة، قالته عائشة. وقيل خولة بنت الصامت. وقيل خولة بنت خويلد، قاله ابن عباس. وقيل خولة بنت ثعلبة، قاله محمد بن كعب القرظي وغيره. واختلف أيضا في اسم زوجها. فقيل أوس بن الصامت الأنصاري ٣، وعليه الجمهور. وقيل سلمة بن صخر البياضي ٤. واختلف أيضا في سبب الآية. فمن قال إن المظاهر كان سلمة قال إنه كان ظاهر منها في شهر رمضان فواقعها ليلة. فسأل قومه أن يسألوا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا وهابوا ذلك وأعظموا ٥ جريرته. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وسأله واسترشده فنزلت الآية وقال له عليه الصلاة والسلام : " أتعتق رقبة ؟ " فقال : والله ما أملك غير رقبتي. فقال : " أتصومن شهرين متتابعين ؟ " فقال : يا رسول الله، وهل أتيت إلا من الصيام، قال : " أتطعم ستين مسكينا ؟ " قال لا أجد. فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه يكفر بها. فرجع سلمة إلى قومه فقال لهم : إني وجدت عندكم الشدة ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة. وقال : أعطاني صدقاتكم٦. ومن قال إن المظاهر أوس، قال : إن أوسا ظاهر من امرأته، وكان الظهار عندهم في الجاهلية فراقا مؤبدا، فلما فعل ذلك أوس جاءت زوجته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أوسا أكل شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أراك إلا حرمت عليه ". فقالت يا رسول الله : لا تفعل، فإني وحيدة ليس لي أهل سواه. فراجعها رسول الله بمثل مقالته، فراجعته، فهو جدالها. وكانت في خلال مجادلتها تقول : اللهم إليك أشكو حالي وانفرادي وفقري إليك. وفي بعض الحديث لها كانت تقول : اللهم إن لي منه صبية صغارا لئن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا. فهذا هو اشتكاؤها. فنزل الوحي عند ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات وكانت عائشة حاضرة لهذا كله. فكانت تقول : سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى علي، وسمع الله تعالى جدالها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوس فقال : " أتعتق رقبة " فقال : والله ما أملكها. فقال : " أتصوم شهريين متتابعين ؟ " فقال : والله ما أقدر أن أصبر إلا على ثلاث أكلات في النهار، ومتى لم أفعل ذلك غشيني بصري. فقال له : " أتطعم ؟ " قال : لا أجد إلا أن تعينني يا رسول الله بمعونة وصلاة – يريد الدعاء – فأعانه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا ودعا له. وقيل بثلاثين صاعا. فكفر بالطعام وأمسك أهله. وألفاظ الحديث في الروايات مضطربة ٧.
١ خولة بنت دليج: هي خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، ويقال بنت دليج زوجة أوس بن الصامت بن قيس. انظر الإصابة ٤/ ٢٨١..
٢ خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية. امرأة عثمان بن مظعون. يقال كنيتها أم شريك. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٢٨٢ وطبقات ابن سعد ٣/ ٣٩٣..
٣ أوس بن الصامت الأنصاري: هو أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر، أخو عبادة بن الصامت. انظر طبقات ابن سعد ٨/ ٣٧٨..
٤ سلمة بن صخر البياضي: هو سلمة بن صخر بن سلمان بن حارثة ين زيد الأنصاري الخزرجي المدني. ويقال سلمان بن صخر البياضي. انظر تهذيب التهذيب ٤/ ١٤٧..
٥ في (أ)، (ز): "وعظموا"..
٦ راجع الترمذي كتاب الطلاق ٣/ ٥٠٢، ٥٠٣..
٧ راجع لباب النقول ص ٧٤٦، وأسباب النزول للواحدي ص ٣٠٤، ٣٠٥، وأحكام القرآن للجصاص ٥/ ٣٠١ – ٣٠٣، والتفسير الكبير ٢٩/ ٢٤٩، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٤٠٣، وأحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٣٤ – ١٧٣٦، والجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٢٦٩- ٢٧١..
– وقوله تعالى :﴿ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ﴾ :
حقيقة الظهار الذي ذكره الله تعالى هو أن يشبه الرجل امرأته بأمه في التحريم. وكانت العرب تكني عن ذلك بالظهر، فيقول : امرأته عليه كظهر أمه، ولذلك سمي الظهار لأنه مأخوذ من الظهر. وإنما خص الظهر دون البطن والفرج ونحو ذلك من الأعضاء لأنه موضع الركوب في الحيوان، والمرأة عند الغشيان مركوبة. فإذا قال أحد لامرأته ذلك اللفظ فإنما أراد أن ركوبها للغشيان عليه محرم كركوب أمه فكنى بالركوب عن النكاح، وهو استعارة بديعة. وكان الظهار في الجاهلية طلاقا مؤبدا وكذلك في أول الإسلام إلى أن نزلت هذه الآية. ولهذا جعلها بعضهم ناسخة، أي ناسخة لما كان قد تقرر في أول الإسلام، ولا معنى لقول من يقول إنها ناسخة لما كان في الجاهلية لأن ذلك ليس بنسخ لأنه لم يكن شرعا، وهو مذكور عن ابن عباس، ذكره عنه مكي ١.
قوله تعالى :﴿ ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ﴾ :
رد الله تعالى بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة، وأخبر أن تصيير الزوجة أما باطل وأن الأم هي الوالدة، وأما الزوجة فلا تكون أما ولا يكون حكمها حكمها.
قوله تعالى :﴿ وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ﴾ :
أخبر تعالى أن لفظ الظهار الذي كانوا يطلقونه منكرا وزورا. والمنكر من القول هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور الكذب. وسماه كذبا لأنهم صيروا نساءهم كأمهاتهم وهن لا يصرن كذلك أبدا. والظهار حرام لا يحل إيقاعه أبدا٢ ودل على تحريمه ثلاثة أشياء :
أحدها : تكذيب الله تعالى لمن فعل ذلك. والثاني : أنه سماه منكرا وزورا – والزور الكذب – وهو محرم بإجماع. والثالث : إخباره تعالى أنه معفو عنه ويغفر، ولا يعفى ويغفر إلا على المذنبين لأنه إذا وقع لزم لكن على غير الحكم الذي كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من تأبيد التحريم لأنه تعالى أخرجه من ذلك الحكم إلى باب الكفارة.
ثم أعلمنا كيف يكون الحكم فيه إذا وقع فقال :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ الآية. ولا خلاف أن من ظاهر امرأته بأمه لزمه الظهار لأنه خص الآية. واختلف في سائر ذوات المحارم من النسب، فروي عن الشافعي أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. وروي عنه أنه لا يكون إلا بالأمهات والجدات. وروي عنه أنه يكون بجميع ذوات المحارم من النسب، وهو قول مالك وسائر أصحابه. فمن اقتصر على الأم وحدها راعى لفظ الآية ولم يقس. ومن زاد على ذلك قاس على ما جاء في الآية، وهو أظهر. واختلف أيضا في الظهار بذوات المحارم من الرضاع والصهر، فألزمه ٣ مالك كالنسب، ولم يلزمه الشافعي. والحجة لهما في ذلك مثل ما تقدم. واختلف أيضا في الظهار بالأجنبية، فذهب ابن الماجشون إلى أنه لا يكون مظاهرا سمى الظهر أو لم يسمه، أراد به الظهار أو لم يرده وتكون امرأته طالقا إلا أن تكون له نية. وقال أشهب في رواية أبي زيد عنه إنه يكون مظاهرا سمى أو لم يسم ٤. وقال ابن القاسم : إنه إن سمى الظهر فهو مظاهر إلا أن يريد الطلاق، وإن لم يسمه فهو طلاق ولا يصدق. وقول أشهب أصح في القياس على ظاهر الآية. والقولان الآخران أغرق في القياس وأبعد مذهبا. واختلف أيضا في الظهار بالرجال لمن ظاهر امرأته بظهر أبيه أو ابنه أو غلامه هل يلزم أم لا على قولين :
أحدهما : أنه يلزم، وهو قول ابن القاسم. والآخر أنه لا يلزم ولا حكم له، وهو قول مطرف. والأظهر منهما أنه لا يلزم على ظاهر الآية لأنها إنما جاءت في النساء، وإلحاق الرجل بها بعيد. وهذا إذا سمى الظهر، فإن لم يسم الظهر فهو طلاق على وجه التحريم. واختلف أيضا فيمن ظاهر بغير شخص معين ٥، فقيل هو ظهار، وقيل هو طلاق على التحريم، والأول أظهر على لفظ الآية. واختلف هل الظهار بسائر الأعضاء كالظهار بالظهر أم لا ؟ ففي المذهب أنه سواء مع الطلاق في ذلك، وذهب الشافعي أنه لا يلزم إلا بالظهر خاصة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يلزم في كل عضو محرم النظر إليه. فالشافعي يراعي لفظ الآية واقتصر على ما جاءت فيه من ٦ الظهر ولم يقس. وغيره قاس على ما جاء في الآية. واختلف فيمن شبه امرأته بأمه فقال : أنت علي كأمي أو مثل أمي، ولم يذكر الظهر. ففي المذهب أنه ظهار، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه ليس بظهار إلا أن ينويه. فمالك ومن تابعه راعى مفهوم الآية وأن المراد من التسمية بالظهر إنما هو في التحريم. ومن أسقط فكذلك ٧ ذكر الظهر أو لم يذكره. وأبو حنيفة والشافعي راعيا الظهر للاقتصار عليه في الآية ولم يراعيا المعنى المقصود من ذلك. واختلف في الظهار هل يلزم في ملك ٨ اليمين أم لا ؟ ففي المذهب أنه يلزم. وقال أبو حنيفة والشافعي إنه لا يلزم. فحمل مالك قوله تعالى :﴿ من نسائهم ﴾ على الزوجات والإماء، وحمله غيره على الزوجات خاصة. وقول مالك أظهر لأن لفظ النساء يعم الحرائر والإماء. واختلف في ظهار الزوجة من زوجها، ففي المذهب وغيره أنه لا حكم له. وقال الحسن والنخعي أنه ظهار. والدليل قول الجمهور ظاهر الآية لأنه تعالى إنما ذكر أن ٩ الظهار إنما هو في الرجل وفيه جعل الحكم ولم يجعل للمرأة ظهارا فكيف يكون له حكم.
واختلف في الظهار قبل النكاح كالذي يقول : إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي. ففي المذهب أنه يلزم. وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يلزم. ودليل ما في المذهب عموم الآية ولم يخصص قبل النكاح أو بعده. واختلف إذا كرر الظهار من زوجته. فقال أبو حنيفة عليه لكل ظهار كفارة. وقال الشافعي في أحد قوليه ليس عليه إلا كفارة واحدة. وفرق مالك رحمه الله تعالى فقال : إن نوى بكل كلمة استئناف ظهار كان عليه لكل كلمة كفارة، وإن لم ينو فكفارة واحدة. وحجة مالك على الشافعي قوله تعالى :﴿ يظاهرون من نسائهم ﴾. والظهار هو القول المقصود به المظاهرة، فإذا وجد تعلق عليه الحكم. واختلف أيضا إذا تظاهر من أربع نسوة في كلمة، ففي المذهب أنها كفارة واحدة تلزمه. وقال الشافعي في أحد قوليه : لكل واحدة كفارة. ودليل ما في المذهب قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم... ﴾ الآية فعم كل مظاهر بنسائه بأن عليه رقبة واحدة. واختلف في ظهار العبيد هل يصح كظهار الحر أم لا ؟ ففي المذهب وغيره أنه يصح، وعند بعضهم أنه لا يصح، والحجة عليهم١٠ ظاهر الآية لأنه تعالى قال :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ﴾ فعم الأحرار والعبيد. واختلف في ظهار الكافر، ففي المذهب أنه لا يصح، وقال الشافعي أنه يصح ظهاره فإن أمكنه أن يطلقها فلم يفعل وجبت عليه الكفارة، فإن كان واجدا للعتق أعتق وإن لم يقدر عليه لم يمكنه أن يصوم ولكن يطعم ستين مسكينا. والدليل عليه قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ﴾، ولا معنى لهذه الإضافة إلا أن تكون تخصيصا للمسلمين. وقد اختلف في هذه الآية هل هي على نظمها أم فيها تقديم وتأخير ؟ فالمشهور أنه لا تقديم فيها ولا تأخير، وهو الصحيح. وذهب بعضهم إلى أن فيها تقديما وتأخيرا ١١، وذكر عن الأخفش ١٢ قالوا وترتيبها : والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. ثم يعودون لما قالوا. وهذا قول ضعيف يفسد به نظم الآية. والكفارة لا تجب بمجرد لفظ الظهار حتى تنضاف إليه العودة في قول جمهور العلماء. وذهب مجاهد إلى أن الكفارة ١٣ واجبة على المظاهر بمجرد الظهار، وليس ذلك بصحيح لقوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ فيشرط مع الظهار إرادة العودة. والذي يأتي على قول مجاهد في الآية قولان :
أحدهما : قول الأخفش المتقدم، يأتي في الآية تقديما وتأخيرا. والثاني : قول ابن قتيبة إنه لا تقديم في الآية ولا تأخير ولكن المعنى بقوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ أنه العودة في الإسلام إلى نفس القول بالظهار الذي كانوا يظاهرون به في الجاهلية ويعدونه طلاقا ١٤. وحكي أيضا عن ابن بكير بن الأشج ١٥. وهذان القولان أضعف ما قيل في الآية مع أنهما قد يمكن أن يتأول على مذهب الجمهور في اشتراط العودة مع الظهار. وأما على قول ١٦ الجمهور من اشتراط العودة مع الظهار على لفظ الآية فاختلف في العودة ما المراد بها على خمسة أقوال : أحدها : أنه العزم على الوطء. والثاني : أنه العزم على الوطء واستدامة العصمة. والثالث : أنه الوطء نفسه، وهذه الأقوال الثلاثة مذكورة عن مالك في الموطأ ١٧. والقول الثاني منها أصحها وأجراها على القياس وأتبعها لظاهر القرآن لأنه إذا أراد الوطء وجب عليه تقديم الكفارة قبله لقوله تعالى :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾. والرابع : قول الشافعي ومن تابعه أن العودة استدامة العصمة خاصة وأنه متى ظاهر من زوجته ثم لم يطلقها طلاقا متصلا بالظهار فقد وجبت عليه الكفارة. وهو قول يفسده ظاهر القرآن لأن الله تعالى قال :﴿ ثم يعودون ﴾. و ﴿ ثم ﴾ توجب التراخي، والعصمة لم تتصل بالظهار فكيف يصح أن يقال ثم يكون كذا لما لم يزل كائنا ؟ هذا محال. وأيضا فإنه إنما أوجب الكفارة بترك الطلاق فيكون معنى قوله تعالى على مذهبه :﴿ ثم يعودون ﴾ بمعنى لم يطلقوا ١٨. قوله تعالى :﴿ ثم يعودون ﴾ إيجاب، ولم يطلقوا نفي، ولو صح هذا لكان الإيجاب نفيا والنفي إيجابا، وهذا فاسد أيضا. فإن قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ يوجب أن يحدث منه شيء لم يكن قبل، والمظاهر لم يطلق في حال الظهار ولا قبله، فإذا ظاهر ثم لم يطلق بعد الظهار فهو كما كان ١٩ قبل لم يحدث منه شيء بعد فيستحيل معنى قوله :﴿ ثم يعودون ﴾ لأنه إنما يعود الإنسان لشيء قد كان فارقه، والمظاهر لم يفارق زوجته بالظهار وإنما فارق به المسيس فهو المعنى المقصود بالعودة. واحتج بعض الشافعية في أن العودة : بقاؤها زوجة لقوله تعالى :﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ﴾ [ السجدة : ٢٠ ] فسمى الله تعالى بقاءهم في النار إعادة ٢٠.
فيحتمل٢١ أن يكون هؤلاء تحاملوا للخروج فردوا إلى الحالة الأولى. ولو صح٢٢ أن يكون البقاء إعادة لما كان في ذلك حجة لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة بالعودة لما كان ممنوعا منه بالظهار وهو الوطء. وأما العصمة فلم يكن ممنوعا منها بالظهار ولا منفصلا عنها. والخامس : أن العودة : أن يعودوا فيتكلم بالظهار ثانية، وهو مذهب أهل الظاهر، وروي نحوه عن ابن بكير بن الأشج، وهو أضعف الأقاويل لأنهم لا يرون الظهار يوجب من أول مرة حكما وإنما يرونه موجبا حكما على تأويلهم في مرة أخرى. وهذا فاسد لأنه إذا لم يوجبه أولا فلم يوجبه ثانيا، وأي فرق بين الأولى والثانية. وأيضا فإن سبب الآية لم يأت فيمن ظاهر مرة ثانية ولا ذكر ذلك أحد من الرواة، وإنما معنى قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ أي في تحريم ما حرموا على أنفسهم وهو الوطء فيفعلونه أو يعزمون على فعله. واختلف في معنى اللام في قوله :﴿ لما قالوا ﴾ ٢٣ فيحتمل أن يكون بمعنى : في أي فيما قالوا. وقيل المعنى : من أجل ما قالوا. وقال الفراء معناه : عن ما قالوا. قال : والمعنى ثم يرجعون عن ما قالوا ويريدون الوطء. وقيل هي على بابها والمعنى : ثم يعودون لقولهم. والقول بمعنى المقول، فالمعنى ثم يعودون لوطء للمقول فيها الظهار ٢٤.
١ راجع الإيضاح ٣٦٧..
٢ "أبدا" كلمة ساقطة في غير (أ)، (ز)..
ثم أعلمنا كيف يكون الحكم فيه إذا وقع فقال :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ الآية. ولا خلاف أن من ظاهر امرأته بأمه لزمه الظهار لأنه خص الآية. واختلف في سائر ذوات المحارم من النسب، فروي عن الشافعي أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. وروي عنه أنه لا يكون إلا بالأمهات والجدات. وروي عنه أنه يكون بجميع ذوات المحارم من النسب، وهو قول مالك وسائر أصحابه. فمن اقتصر على الأم وحدها راعى لفظ الآية ولم يقس. ومن زاد على ذلك قاس على ما جاء في الآية، وهو أظهر. واختلف أيضا في الظهار بذوات المحارم من الرضاع والصهر، فألزمه ٣ مالك كالنسب، ولم يلزمه الشافعي. والحجة لهما في ذلك مثل ما تقدم. واختلف أيضا في الظهار بالأجنبية، فذهب ابن الماجشون إلى أنه لا يكون مظاهرا سمى الظهر أو لم يسمه، أراد به الظهار أو لم يرده وتكون امرأته طالقا إلا أن تكون له نية. وقال أشهب في رواية أبي زيد عنه إنه يكون مظاهرا سمى أو لم يسم ٤. وقال ابن القاسم : إنه إن سمى الظهر فهو مظاهر إلا أن يريد الطلاق، وإن لم يسمه فهو طلاق ولا يصدق. وقول أشهب أصح في القياس على ظاهر الآية. والقولان الآخران أغرق في القياس وأبعد مذهبا. واختلف أيضا في الظهار بالرجال لمن ظاهر امرأته بظهر أبيه أو ابنه أو غلامه هل يلزم أم لا على قولين :
أحدهما : أنه يلزم، وهو قول ابن القاسم. والآخر أنه لا يلزم ولا حكم له، وهو قول مطرف. والأظهر منهما أنه لا يلزم على ظاهر الآية لأنها إنما جاءت في النساء، وإلحاق الرجل بها بعيد. وهذا إذا سمى الظهر، فإن لم يسم الظهر فهو طلاق على وجه التحريم. واختلف أيضا فيمن ظاهر بغير شخص معين ٥، فقيل هو ظهار، وقيل هو طلاق على التحريم، والأول أظهر على لفظ الآية. واختلف هل الظهار بسائر الأعضاء كالظهار بالظهر أم لا ؟ ففي المذهب أنه سواء مع الطلاق في ذلك، وذهب الشافعي أنه لا يلزم إلا بالظهر خاصة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يلزم في كل عضو محرم النظر إليه. فالشافعي يراعي لفظ الآية واقتصر على ما جاءت فيه من ٦ الظهر ولم يقس. وغيره قاس على ما جاء في الآية. واختلف فيمن شبه امرأته بأمه فقال : أنت علي كأمي أو مثل أمي، ولم يذكر الظهر. ففي المذهب أنه ظهار، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه ليس بظهار إلا أن ينويه. فمالك ومن تابعه راعى مفهوم الآية وأن المراد من التسمية بالظهر إنما هو في التحريم. ومن أسقط فكذلك ٧ ذكر الظهر أو لم يذكره. وأبو حنيفة والشافعي راعيا الظهر للاقتصار عليه في الآية ولم يراعيا المعنى المقصود من ذلك. واختلف في الظهار هل يلزم في ملك ٨ اليمين أم لا ؟ ففي المذهب أنه يلزم. وقال أبو حنيفة والشافعي إنه لا يلزم. فحمل مالك قوله تعالى :﴿ من نسائهم ﴾ على الزوجات والإماء، وحمله غيره على الزوجات خاصة. وقول مالك أظهر لأن لفظ النساء يعم الحرائر والإماء. واختلف في ظهار الزوجة من زوجها، ففي المذهب وغيره أنه لا حكم له. وقال الحسن والنخعي أنه ظهار. والدليل قول الجمهور ظاهر الآية لأنه تعالى إنما ذكر أن ٩ الظهار إنما هو في الرجل وفيه جعل الحكم ولم يجعل للمرأة ظهارا فكيف يكون له حكم.
واختلف في الظهار قبل النكاح كالذي يقول : إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي. ففي المذهب أنه يلزم. وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يلزم. ودليل ما في المذهب عموم الآية ولم يخصص قبل النكاح أو بعده. واختلف إذا كرر الظهار من زوجته. فقال أبو حنيفة عليه لكل ظهار كفارة. وقال الشافعي في أحد قوليه ليس عليه إلا كفارة واحدة. وفرق مالك رحمه الله تعالى فقال : إن نوى بكل كلمة استئناف ظهار كان عليه لكل كلمة كفارة، وإن لم ينو فكفارة واحدة. وحجة مالك على الشافعي قوله تعالى :﴿ يظاهرون من نسائهم ﴾. والظهار هو القول المقصود به المظاهرة، فإذا وجد تعلق عليه الحكم. واختلف أيضا إذا تظاهر من أربع نسوة في كلمة، ففي المذهب أنها كفارة واحدة تلزمه. وقال الشافعي في أحد قوليه : لكل واحدة كفارة. ودليل ما في المذهب قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم... ﴾ الآية فعم كل مظاهر بنسائه بأن عليه رقبة واحدة. واختلف في ظهار العبيد هل يصح كظهار الحر أم لا ؟ ففي المذهب وغيره أنه يصح، وعند بعضهم أنه لا يصح، والحجة عليهم١٠ ظاهر الآية لأنه تعالى قال :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ﴾ فعم الأحرار والعبيد. واختلف في ظهار الكافر، ففي المذهب أنه لا يصح، وقال الشافعي أنه يصح ظهاره فإن أمكنه أن يطلقها فلم يفعل وجبت عليه الكفارة، فإن كان واجدا للعتق أعتق وإن لم يقدر عليه لم يمكنه أن يصوم ولكن يطعم ستين مسكينا. والدليل عليه قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ﴾، ولا معنى لهذه الإضافة إلا أن تكون تخصيصا للمسلمين. وقد اختلف في هذه الآية هل هي على نظمها أم فيها تقديم وتأخير ؟ فالمشهور أنه لا تقديم فيها ولا تأخير، وهو الصحيح. وذهب بعضهم إلى أن فيها تقديما وتأخيرا ١١، وذكر عن الأخفش ١٢ قالوا وترتيبها : والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. ثم يعودون لما قالوا. وهذا قول ضعيف يفسد به نظم الآية. والكفارة لا تجب بمجرد لفظ الظهار حتى تنضاف إليه العودة في قول جمهور العلماء. وذهب مجاهد إلى أن الكفارة ١٣ واجبة على المظاهر بمجرد الظهار، وليس ذلك بصحيح لقوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ فيشرط مع الظهار إرادة العودة. والذي يأتي على قول مجاهد في الآية قولان :
أحدهما : قول الأخفش المتقدم، يأتي في الآية تقديما وتأخيرا. والثاني : قول ابن قتيبة إنه لا تقديم في الآية ولا تأخير ولكن المعنى بقوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ أنه العودة في الإسلام إلى نفس القول بالظهار الذي كانوا يظاهرون به في الجاهلية ويعدونه طلاقا ١٤. وحكي أيضا عن ابن بكير بن الأشج ١٥. وهذان القولان أضعف ما قيل في الآية مع أنهما قد يمكن أن يتأول على مذهب الجمهور في اشتراط العودة مع الظهار. وأما على قول ١٦ الجمهور من اشتراط العودة مع الظهار على لفظ الآية فاختلف في العودة ما المراد بها على خمسة أقوال : أحدها : أنه العزم على الوطء. والثاني : أنه العزم على الوطء واستدامة العصمة. والثالث : أنه الوطء نفسه، وهذه الأقوال الثلاثة مذكورة عن مالك في الموطأ ١٧. والقول الثاني منها أصحها وأجراها على القياس وأتبعها لظاهر القرآن لأنه إذا أراد الوطء وجب عليه تقديم الكفارة قبله لقوله تعالى :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾. والرابع : قول الشافعي ومن تابعه أن العودة استدامة العصمة خاصة وأنه متى ظاهر من زوجته ثم لم يطلقها طلاقا متصلا بالظهار فقد وجبت عليه الكفارة. وهو قول يفسده ظاهر القرآن لأن الله تعالى قال :﴿ ثم يعودون ﴾. و ﴿ ثم ﴾ توجب التراخي، والعصمة لم تتصل بالظهار فكيف يصح أن يقال ثم يكون كذا لما لم يزل كائنا ؟ هذا محال. وأيضا فإنه إنما أوجب الكفارة بترك الطلاق فيكون معنى قوله تعالى على مذهبه :﴿ ثم يعودون ﴾ بمعنى لم يطلقوا ١٨. قوله تعالى :﴿ ثم يعودون ﴾ إيجاب، ولم يطلقوا نفي، ولو صح هذا لكان الإيجاب نفيا والنفي إيجابا، وهذا فاسد أيضا. فإن قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ يوجب أن يحدث منه شيء لم يكن قبل، والمظاهر لم يطلق في حال الظهار ولا قبله، فإذا ظاهر ثم لم يطلق بعد الظهار فهو كما كان ١٩ قبل لم يحدث منه شيء بعد فيستحيل معنى قوله :﴿ ثم يعودون ﴾ لأنه إنما يعود الإنسان لشيء قد كان فارقه، والمظاهر لم يفارق زوجته بالظهار وإنما فارق به المسيس فهو المعنى المقصود بالعودة. واحتج بعض الشافعية في أن العودة : بقاؤها زوجة لقوله تعالى :﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ﴾ [ السجدة : ٢٠ ] فسمى الله تعالى بقاءهم في النار إعادة ٢٠.
فيحتمل٢١ أن يكون هؤلاء تحاملوا للخروج فردوا إلى الحالة الأولى. ولو صح٢٢ أن يكون البقاء إعادة لما كان في ذلك حجة لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة بالعودة لما كان ممنوعا منه بالظهار وهو الوطء. وأما العصمة فلم يكن ممنوعا منها بالظهار ولا منفصلا عنها. والخامس : أن العودة : أن يعودوا فيتكلم بالظهار ثانية، وهو مذهب أهل الظاهر، وروي نحوه عن ابن بكير بن الأشج، وهو أضعف الأقاويل لأنهم لا يرون الظهار يوجب من أول مرة حكما وإنما يرونه موجبا حكما على تأويلهم في مرة أخرى. وهذا فاسد لأنه إذا لم يوجبه أولا فلم يوجبه ثانيا، وأي فرق بين الأولى والثانية. وأيضا فإن سبب الآية لم يأت فيمن ظاهر مرة ثانية ولا ذكر ذلك أحد من الرواة، وإنما معنى قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ أي في تحريم ما حرموا على أنفسهم وهو الوطء فيفعلونه أو يعزمون على فعله. واختلف في معنى اللام في قوله :﴿ لما قالوا ﴾ ٢٣ فيحتمل أن يكون بمعنى : في أي فيما قالوا. وقيل المعنى : من أجل ما قالوا. وقال الفراء معناه : عن ما قالوا. قال : والمعنى ثم يرجعون عن ما قالوا ويريدون الوطء. وقيل هي على بابها والمعنى : ثم يعودون لقولهم. والقول بمعنى المقول، فالمعنى ثم يعودون لوطء للمقول فيها الظهار ٢٤.
– وقوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة ﴾ :
أثبت تعالى أن الكفارة تجب بالعودة وجعلها ثلاثة أنواع لا ينتقل عن نوع منها حتى يعدم الآخر. فأولها عتق، ثم صيام، ثم إطعام. فقال أولا :﴿ فتحرير رقبة ﴾، ثم قال :﴿ فمن لم يجد فصيام شهرين ﴾، ثم قال :﴿ فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ﴾. وكذلك في حديث أوس وسلمة هي على الترتيب، ولا خلاف في ذلك. والرقبة المعتقة المذكورة في هذه الآية مطلقة لم تقيد ١ بمؤمنة، وهي في كفارة قتل الخطأ مقيدة بمؤمنة. فحمل مالك ومن تابعه المطلق منها على المقيد ورأى أن الرقبة في الظهار لا تكون إلا بمؤمنة ٢ خلافا لأبي حنيفة وغيره. وقد مر الكلام على هذا عند الكلام على كفارة اليمين فلا معنى إعادته.
قوله تعالى :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ :
اختلف في المسيس هذا ما هو ؟ فحمله أكثر العلماء في عمومه من الوطء والقبل والمباشرة وغيرها، فقالوا : لا يقبل المظاهر ولا يباشر ولا يحبس حتى يكفر، وهو مذهب مالك وأكثر أصحابه. وذهب الحسن والثوري والزهري وغيرهم إلى أنه ليس على عمومه وأن المراد به الوطء خاصة، فللمظاهر أن يقبل ويباشر ويطأ في غير الفرج، وإنما نهي عن الجماع. واختلف الذين حملوا الآية على عمومها إن قبل أو باشر في خلال الكفارة قبل أن يتمها، فقال أصبغ وسحنون : يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه، وقال مطرف يبتدئ الكفارة. فالامتناع بما عدا الوطء على مذهب مطرف واجب كالامتناع من الوطء، وعلى مذهب أصبغ وسحنون مستحب بخلاف الوطء، وعلى مذهب الحسن ومن قال بقوله مباح بخلاف الوطء. وأما الوطء فلا خلاف في وجوب الامتناع منه على مذهب من لا يرى العودة الوطء نفسه لأنه تعالى قد نص على أن الكفارة تكون قبل أن يتماسا فلا يحل أن يطأ قبل أن يمس. فإن وطئ لزمته الكفارة مات أو عاش، طلقها أو لم يطلقها. وأما على المذهب من يرى العودة الوطء نفسه فلا تجب عليه الكفارة لأول وطء وله أن يطأ مرة. فإذا وطئ لم يكن له أن يطأ ثانية حتى يكفر. وهذا القول روي عن مالك ونسبه أصبغ لأهل المشرق ولمن يرتضي من أهل المدينة. وروي عن مجاهد أنه إذا وطئ قبل الشروع في الكفارة لزمته كفارة أخرى إذ من مذهبه أن المظاهر تلزمه الكفارة بمجرد الظهار وإن ماتت المرأة أو طلقها. وقد روي عن غير مجاهد أن المظاهر إذا وطئ قبل الكفارة سقطت عنه الكفارة ٣ لأنه قد فات موضعها لقول الله عز وجل :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ فيأتي في الوطء قبل الكفارة يجوز أم لا قولان. وإذا قلنا لا يجوز أن يطأ قبل أن يكفر فثلاثة أقوال : أحدها : أنه لا يجب عليه شيء وتسقط عنه الكفارة. والثاني : أنه يلزمه كفارتان. والثالث : أن كفارة واحدة هي التي تجب عليه وترتب في ذمته. واختلف في المظاهرة من الرتقاء وفي مظاهرة الشيخ الفاني الذي لا يقدر على الجماع، والعنين والخصي والمقطوع الذكر ونحوه. فمن ذهب إلى أن الظهار يتعلق بالوطء وما دونه ألزم الظهار. ومن ذهب إلى أنه إنما يتعلق بالوطء خاصة لم يلزمه الظهار، وهذا على اختلافهم في تأويل قوله تعالى :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾ ٤.
قوله تعالى :﴿ ذلكم توعظون به ﴾ : إشارة إلى التحريم، أي أن فعله عظة لكم لتنتهوا به عن الظهار.
١ في (أ)، (ز) زيادة: "في الظهار لا تكون"..
٢ "وهي في كفارة القتل... إلى: إلا مؤمنة" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٣ "بمجرد الظهار... إلى: الكفارة" كلام ساقط في (أ).
.

٤ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٣٠٥ – ٣١٢، وفي أحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٤٥، ١٧٤٦، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ١٨٢ – ٢٨٨..
– قوله تعالى :﴿ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ﴾ :
اشترط تعالى التتابع في صيام الظهار، واجتمع أهل العلم على ذلك. فإن أفسد الصائم التتابع باختياره فلا خلاف في أنه يعيد ليأتي به على الشرط الذي ذكره الله تعالى، واختلف إذا أفسده بعذر من مرض أو نسيان، فقال أصحاب الرأي وغيرهم يبتدئ، وحملوا الآية على ظاهرها إذ لم يفرق فيها بين عذر وغير عذر. وقال مالك ومن تابعه يبني وعذره بالعذر. وللشافعي القولان. وأجمعوا أيضا على أن الحائض تبني، واختلف إذا ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر بما أوجب ذلك، فعند مالك أنه يبتدئ الصيام، وكذلك عند الشافعي وأبي حنيفة. ويبني في قول الحسن البصري، والقول الأول أظهر لعدم التتابع المشترط في الآية وليس له عذر بين.
ثم قال :﴿ فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ﴾ :
فاختلف العلماء في الإطعام المذكور في الآية ما تحديده، فالمشهور عن مالك أنه لكل مسكين مد هشامي. واختلف في قدر المد الهشامي، فقيل : مدان إلا ثلثا، وهو المشهور وهو مذهب مالك. وقيل مد وثلث. وقيل مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حنيفة. فهذا يعضد ذلك. فهذه ثلاثة أقوال في المد الهشامي. وقيل إنه يطعم كل مسكين مدا واحدا، فمد النبي صلى الله عليه وسلم في الظهار، وهو قول ابن القصار والشافعي وغيرهما. واختلف إذا أطعم مسكينا واحدا ستين يوما، ففي المذهب وعند الشافعي وغيره أنه لا يجزئه وقال أبو حنيفة وأصحابه يجزئه، ودليل القول الأول ظاهر الآية لأنه تعالى اشترط عدد المساكين فلا بد منه، وقال تعالى هنا :﴿ فإطعام ستين مسكينا ﴾ ولم يشترط قبل التماس. فاختلف أهل العلم في ذلك، فحمله مالك على ما قبله فجعله مثل العتق والصوم ورأى أنه لا يكون إلا قبل التماس. وقال أبو حنيفة وكثير من أهل العلم : لم ينص الله تعالى على شرط هنا ١ فنحن لا نلتزمه. فجائز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة ويستمتع. واختلف في الذي لا يجد الرقبة فيبتدئ بالصوم ثم يجد الرقبة، فالمشهور في المذهب أنه بالخيار بين أن يتم الصوم أو يرجع فيعتق، ويستحب له الرجوع وهو قول الشافعي، وعند ابن عبد الحكم أنه يرجع فيعتق، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. والحجة للقول الأول ظاهر الآية لأنه تعالى قال :﴿ فمن لم يجد فصيام شهرين ﴾ وهذا لم يجد فقد أخذ بصوم شهرين على ما أوجب الله تعالى، ثم إذا وجد بعد ذلك لم يبطل عليه واجبا لأنه إنما دخل فيه بإيجاب الله تعالى ذلك عليه، فعلى هذا القول يكون معنى الآية : فمن لم يجد في حين نظره في التكفير، وعلى القول الآخر يكون معناه : فمن لم يجد في شيء من مدة التكفير. واختلف إذا كان في ملك المظاهر رقبة إلا أنه محتاج إليها لخدمة وهو لا يملك غيرها، ففي المذهب أنه يلزمه إعتاقها ولا يجزئه الصيام. وقال الشافعي يجزئه الصيام ٢. واحتج بعضهم للمذهب بقوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة فمن لم يجد فصيام... ﴾ الخ، قالوا وهذا واجد فلا يجوز العدول إلى الصوم. واختلف أيضا إذا لم يكن في ملكه رقبة وكان معه ثمنها خاصة وهو محتاج إليه، ففي المذهب أنه يلزمه شراؤها ولا يجزئه الصوم. وقال أبو حنيفة والشافعي يجزئه الصوم. واحتج بعضهم أيضا للقول الأول بالآية وقال إنه واحد فلم يجز له العدول٣.
١ "فحمله مالك على ما قبله.... إلى: هنا" كلام ساقط في (أ)..
٢ "وقال الشافعي يجزئه الصيام" كلام ساقط في (أ)..
٣ راجع أحكام القرآن للجصاص ١٧/ ٢٨٢- ٢٨٨، وأحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٤٥، ١٧٤٦..
- قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس... ﴾ إلى قوله تعلى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول... ﴾ :
اختلف في سبب الآية والمقصود بها، فقال ابن عباس ومجاهد والحسن نزلت في مقاعد الحرب والقتال. وقال قتادة وابن أسلم ١ وابن زيد نزلت بسبب ازدحام الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنافسهم في القرب منه وسماع كلامه، فيأتي الرجل الذي له السن والقدم في الإسلام فلا يجد موضعا، فلذلك نزلت الآية. وقال مقاتل : أقام النبي صلى الله عليه وسلم قوما ليجلس في موضعه أشياخا من أهل بدر ونحو ذلك فنزلت الآية٢. واختلف في الآية هل هي مقصورة على سببها أم هي عامة في جميع المجالس ؟ فذهب جماعة إلى أنها مخصوصة بمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك القراءة بإفراد المجلس، ومن قرأ في المجالس ٣ فذلك مراده أيضا لأن لكل واحد مجلسا من بيت النبي صلى الله عليه وسلم وموضعه مجتمع لذلك، وذهب قوم إلى أنها في مجلس القتال خاصة، وذهب الجمهور إلى أنها عامة غير مقصورة على سببها فيكون لمجلس النبي صلى الله عليه وسلم ومجلس العرب ومجلس العلم وسائر مجالس الطاعات، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " أحبكم إلى الله ألينكم مناكب في الصلاة وركبا في المجالس٤ " وهو قول مالك رحمه الله تعالى، فعلى هذا ينبغي التفسح في المجالس وأن لا يضيق أحد على أحد أما أن يقام أحد لأحد فلا، والآية لا تقتضيه إنما تقتضي الآية التوسع في المجالس وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام ما يؤيد ذلك. روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس الرجل فيه ولكن تفسحوا يفسح الله لكم " ٥. وإذا كان المراد في الآية للتفسح في المجالس التوسيع فيه خاصة، فمن دليل خطاب الآية يظهر ما جاء في الحديث من النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه ٦. وقد اختلف العلماء فيما يحمل عنه نهي النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر. فتأوله قوم على الندب ورآه من باب الأدب، قالوا لأنه قد يجب على العالم أن يليه أولو الفهم والنهى ويوسع لهم في الحلقة حتى يجلسوا بين يديه. فعلى هذا يكون للعالم أن يقيم من بالمجلس إلى جنبه أو بين يديه ويجلس فيه غيره إذا كان له وجه. وتأوله قوم على الوجوب وقالوا لا ينبغي لمن سبق إلى مجلس مباح للجلوس فيه أن يقام منه واحتجوا أيضا بما روى أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به بعد رجوعه " ٧ قالوا فإذا كان أحق به بعد رجوعه كان أولى أن يكون أحق به ما دام فيه. قالوا : وقد كان ابن عمر يقوم له الرجل من عند نفسه فما يجلس في مجلسه، وهو راوي الحديث، والله تعالى أعلم بتأويله.
– وقوله تعالى :﴿ وإذا قيل انشزوا فانشزوا ﴾ :
اختلف في النشز المأمور به في الآية ما هو، قال الضحاك وقتادة والحسن معناه : إذا دعوا إلى قتال أو صلاة ونحو ذلك من الطاعات. وقال قوم معناه إذا دعوا إلى القيام عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان أحيانا يحب الانفراد في أمر الإسلام فربما جلس ناس وأراد كل واحد منهم أن يكون أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية آمرة بالقيام عنه متى فهم ذلك بقول أو فعل، وقال قوم معناه : انشزوا في المجلس بمعنى التفسح فيه، لأن الذي يريد التوسعة لا بد أن يرتفع في الهواء، فإذا فعل ذلك اتسع الموضع فيأتي قوله :﴿ انشزوا ﴾ مثل قوله ﴿ تفسحوا ﴾.
- قوله تعالى :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾ :
اختلف في تأويله، فقال قوم المعنى : يرفع الله المؤمنين العلماء منكم درجات، فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم، ويجيء على هذا قوله تعالى :﴿ والذين أوتوا العلم ﴾ بمنزلة قولك : جاءني العاقل والكريم، وأنت تريد إنسانا واحدا. وقال قوم يرفع الله الطائفتين المؤمنين والعلماء الصنفين جميعا درجات لكنا نعلم تفاضلهم في تلك الدرجات من موضع آخر، ولذلك جاء الأمر بالتفسح عاما للعلماء وغيرهم. وقال قوم – منهم عبد الله بن مسعود – المعنى : يرفع الله الذين آمنوا منكم وتم الكلام ثم ابتدأ بتخصيص العلماء بالدرجات ونصب العلماء على إضمار فعل. فالذي يتحصل للمؤمنين على هذا القول الرفع، وللعلماء الدرجات، ولهذا قال مطرف : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع٨.
١ ابن أسلم: هو شجاع بن أسلم بن محمد بن شجاع، أبو كامل. توفي سنة ٣٤٠ هـ/ ٩٥١م. انظر لسان الميزان لابن حجر ٣/ ١٣٧..
٢ وقيل غير ذلك. فراجعه في أسباب النزول للواحدي ص ٣٠٨، وفي تنوير المقباس ص ٤٦١..
٣ "فذهب جماعة إلى أنها مخصوصة.... إلى: المجالس" كلام ساقط في (أ)..
٤ الحديث أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٤٨٣..
٥ الحديث رواه أحمد في مسنده ٢/ ١٧ و٣/ ٣٤٢. والدارمي، كتاب الاستئذان، باب: لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ص ٦٧٧..
٦ راجع أحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٤٧ – ١٧٤٩، والتفسير الكبير ٢٩/ ٢٦٨، ٢٦٩، والجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٢٩٦- ٣٠٠..
٧ الحديث أخرجه الترمذي في سننه عن وهب بن حذيفة، كتاب الأدب، باب: ما جاء إذا قام الرجل من مجلسه ٥/ ٨٩..
٨ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٣٤٣ و ١٧/ ٣٠٠، والتفسير الكبير في تفسير الفخر الرازي لقوله تعالى: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾..
– قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ :
اختلف في سبب الآية. فقيل نزلت في الأغنياء لأنهم غلبوا الفقراء على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مجلسه، قاله مقاتل ١. وقيل إن طائفة من شباب المؤمنين وأغفالهم كانت مناجاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحا لا يرد أحدا فنزلت الآية مشددة عليهم أمر المناجاة، قاله ابن عباس وغيره. وقيل نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون إنه أذن فيسمع كل ما يقال له، وكان لا يمنع أحدا من مناجاته فكان ذلك شق على المسلمين لأن الشيطان كان يلقي في نفوسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله فأنزل الله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ﴾ [ المجادلة : ٩ ]، فلم ينتهوا فأنزل الله تعالى هذه الآية، فانتهى أهل الباطل عن النجوى لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة٢. وهذه الآية منسوخة باتفاق من المفسرين نسخها قوله تعالى بعد هذه الآية :﴿ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة... ﴾ الآية [ المجادلة : ١٣ ]. وقيل نسختها آية الزكاة ٣. والقول الأول هو الصحيح فأباح الله تعالى لهم المناجاة دون تقديم صدقة بعد أن كان منع من ذلك. إلا أنه اختلف هل كان هذا النسخ بعد أن عمل بالآية أم لا ؟ فقالت طائفة : نسخت هذه الآية قبل أن يعمل بها، وهذه من نسخ الأمر قبل التمكن من امتثاله. وفيه اختلاف بين أهل السنة والقدرية كمسألة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه. وقالت طائفة لم تنسخ حتى عمل بها وصححوا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : ما عمل بها أحد غيري وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف على المسلمين وذلك أني أردت مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ضروري فصرفت دينارا بعشرة دراهم ثم ناجيته عشر مرار في كل مرة درهما، وروي عنه أنه تصدق في كل مرة بدينار، قال : ففهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه العبادة قد شقت على الناس فقال : " يا علي كم ترى أن يكون حد هذه الصدقة ؟ أتراه دينارا " قلت : لا، قال : " فنصف دينار " قلت : لا يطيقونه، قال : " فكم ؟ " قلت حبة من شعير، قال : " إنك لزهيد "، فأنزل الله تعالى الرخصة ٤ يريد للواجدين. وأما من لم يكن يجد فالرخصة لم تزل ثابتة له لقوله تعالى :﴿ فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ﴾ ٥. وقد اختلف في تعزية المسلم بابنه الكافر، فحرمها مالك في الجنائز من العتبية واحتج بقوله تعالى :﴿ ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ] وضعف غيره هذا الاستدلال، كذا قال.... ٦ وقال لو احتج بقوله تعالى :﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ﴾ [ التوبة : ٧١ ] وبقوله :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله.... ﴾ [ المجادلة : ٢٢ ]، لكان أظهر وإن لم يكن دليلا قاطعا. قال وقد روي عن مالك إجازة تعزية الكافر بابنه الكافر لتمام جوار فيقول له : إذا مر به : بلغني ما كان من مصابك بابنك، الله يكتبه من خيار ذوي ملته. قال : والمسلم بالتعزية أولى. اختلف في مدة بقاء هذا الحكم، فقيل عشرة أيام، وقيل ساعة من نهار.
١ ذكره الواحدي في أسباب النزول ص ٣٠٨، راجع أيضا ذلك في تنوير المقباس ص ٤٦٢.
.

٢ راجع التفسير الكبير ٢٩/ ٢٧١، وأحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٧٤٩، ١٧٥٠، والجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٣٠١..
٣ راجع الإيضاح ص ٣٦٨، ٣٦٩..
٤ راجع قول علي كرم الله وجهه في لباب النقول ص ٧٥٠..
٥ راجع الإيضاح ص ٣٦٨..
٦ بياض في جميع النسخ.
.

– قوله تعالى :﴿ فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ : اختلف في هذه الزكاة، فقيل هي المفروضة، وهو أحسن ما قيل في الآية، وقيل هي غير المفروضة وهي منسوخة بآية الزكاة، وذكر ذلك ابن عباس، وهو قول ضعيف وقد تقدم الكلام على هذه المسألة وسببها مستوعبا. والله تعالى أعلم ١.
١ "والله تعالى أعلم" كلام ساقط في غير (ح)..
– قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾ : قال بعضهم إنه نسخها قوله تعالى :﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم.... ﴾ الآية [ الممتحنة : ٨ ]، والصحيح أنه لا نسخ في ذلك وأن قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾ نزلت في أهل الحرب، وأن قوله تعالى :﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ﴾ نزلت في أهل الذمة والأسارى. فمن سالم من الكفار فلا بأس ببره وإكرامه لظاهر حاله. وقالت أسماء : يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة مشركة أفأصلها ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " صلي أمك " ١. وقد سئل مالك عن النصراني يصنع صنيعا يختن ابنا له فيدعو في دعوته مسلمين أو مسلما أترى أن يجيب. قال : إن شاء ليس عليه في ذلك ضيق أن جاءه فلا بأس به. وقال بعض المتأخرين : الأحسن أن لا يفعل لما فيه من التودد إلى الكفار وقد قال تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ﴾.
١ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة، باب: الهدية للمشركين ٣/ ١٤٢..
Icon