تفسير سورة المجادلة

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
أهداف سورة المجادلة
( سورة المجادلة مدنية، وآياتها ٢٢ آية، نزلت بعد سورة المنافقون )
تربية إلهية
سورة المجادلة حافلة بآداب التربية وتهذيب السلوك، وتحذير المسلمين من مكايد المنافقين.
لقد نزلت هذه السورة بعد سورة المنافقون، وكانت الجماعة الإسلامية في المدينة لا تزال في طور الإعداد والتكوين، وكان المسلمون يتألفون من المهاجرين والأنصار، وقد انضم إليهم من لم يتلق من التربية الإسلامية القدر الكافي، ومن لم يتنفس في الجو الإسلامي فترة طويلة، كما دخل في الإسلام جماعة من المنافقين، حرصوا على الاستفادة المادية وأخذوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويعرضون ولاءهم على المعسكرات المناوئة للمسلمين، وهي معسكرات المشركين واليهود.
وقد اقتضت تربية النفوس وإعدادها للدور الكبير المقدر لها في الأرض جهودا ضخمة وصبرا طويلا، وعلاجا بطيئا في صغار الأمور وكبارها.
ونحن نشهد في هذه السورة – وفي هذا الجزء كله – طرفا من تلك الجهود الضخمة، وطرفا من الأسلوب القرآني كذلك في بناء تلك النفوس، وفي علاج الأحداث والعادات والنزوات، كما نشهد جانبا من الصراع الطويل بين الإسلام وخصومه المختلفين من مشركين ويهود ومنافقين.
" ونشهد في سورة المجادلة بصفة خاصة صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة، وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه، ويشعرها برعايته، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده سبحانه معها في أخص خصائصها، وأصغر شئونها، وأخفى طواياها، وحراسته لها من كيد أعدائها خفيه وظاهره، وأخذها في حماه وكنفه، وضمها إلى لوائه وظله، وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله، وتنتسب إليه، وترفع لواءه في الأرض " i
قصة المجادلة
سميت سورة المجادلة بهذا الاسم لاشتمالها على قصة المرأة المجادلة، وقد افتتح الله بها السورة حيث قال سبحانه :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. ( المجادلة : ١ ).
وقد روى الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في كتاب الطلاق من السنن، عن خولة بنت ثعلبة قالت : فيّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت عليّ كظهر أمي.
وكان الرجل في الجاهلية إذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه، وكان ذلك أول ظهار في الإسلام، فندم أوس لساعته، ثم دعاها لنفسه – أي : طلب ملامستها – فأبت وقالت : والذي نفسي بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا تزوجني وأنا شابة غنية ذات أهل ومال، حتى إذا أكل مالي، وأفنى شبابي، وتفرق أهلي، وكبرت سني، ظاهر مني، وقد ندم، فهل من شيء تجمعني به وإياه تفتيني به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " حرمت عليه، أو ما أراك إلا قد حرمت عليه ".
فأعادت الكرّة والرسول صلى الله عليه وسلم يعيد عليها نفس الجواب، حتى قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، قد طالت له صحبتي، ونثرت له بطني، وإن له صبية صغارا، إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا، فجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتستغيث وتتضرع، وتشكو إلى الله، فنزلت الآيات الأربع من صدر سورة المجادلة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا "، ثم تلا عليها الآيات، وقل لها : " مريه فليعتق رقبة "، قالت : يا رسول الله، ليس عنده ما يعتق، قال : " فليصم شهرين متتابعين "، قالت : والله إنه لشيخ ما له من صيام، قال : " فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنا سنعينه بعِرق من تمر "، قالت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال الرسول : " قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا "، قالت : ففعلت.
تلك قصة الظهار، وهي تشير إلى رعاية السماء لهذه الجماعة المؤمنة، ونزول الوحي يجيب على أسئلتها ويحل مشاكلها، ويربي نفوسها ويهذب أخلاقها، ويأخذ بيدها إلى الصراط القويم.
وقد تضمنت الآيات إحاطة السميع البصير بكل صغيرة وكبيرة، واطلاعه على جميع الأعمال، وبينت أن المسارعة إلى ألفاظ الظهار والطلاق منكر وزور، وأن الزوجة غير الأم، فالأم حملت وأرضعت وقد حرم الله على الإنسان الزواج بأمه، والزوجة أحل الله زواجها.
ثم رسم القرآن طريق الحل لمن بدرت منه بادرة بالظهار فقال لامرأته، أنت علي كظهر أمي، ثم أراد أن يرجع عن ذلك وأن يراجع زوجته، فعليه أن يكفر عن هذا الذنب بتحرير رقبة، فإن لم يجد فإنه يصوم ستين يوما، فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكينا، وفي ذلك نوع من التهذيب والتأديب حتى يضبط الناس أعصابهم، ويحفظوا ألسنتهم في ساعة الغضب والتهور.
أهداف السورة
تبدأ السورة بهذه البداية الكريمة، وهي سماع الله العلي القدير لشكوى امرأة فقيرة مغمورة، وقد استمع إليها الله من فوق سبع سماوات، وكان صوتها ضعيفا لا يكاد يُسمع من يجلس بجوارها.
وفي البخاري، والنسائي، عن عائشة رضي الله قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾ ( المجادلة : ١ ). إلى آخر الآيات الأربع من صدر السورة.
وفي الآيتين ( ٥-٦ ) تأكيد على أن الذين يحادون الله ورسوله – وهم أعداء الجماعة المسلمة التي تعيش في كنف الله – مكتوب عليهم الكبت والقهر في الأرض، ولعذب المهين في الآخرة، مأخوذون بم عملوا، أحصاه الله عليهم، ونسوه هم، وهم فاعلوه، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾. ( المجادلة : ٦ ).
والآية ٧ من سورة المجادلة تؤكد سعة علم الله وإحاطته بما في السماوات والأرض، واطلاعه على السر والنجوى، ورقابته لكل صغير وكبير، ثم محاسبة الجميع بما قدموا يوم القيامة، والآية تخرج هذه المعاني في صورة عميقة التأثير، تترك القلوب وجلة ترتعش مرة وتأنس مرة، وهي مأخوذة بمحضر الله الجليل :﴿ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. ( المجادلة : ٧ ).
وفي الآيات ( ٨-١٠ ) يشهّر القرآن بموقف المنافقين الذين يبيتون الكيد والدس للمؤمنين، ويهددهم بأن أمرهم مكشوف، وأن عين الله مطلّعة عليهم، ونجواهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول مسجلة، وسيحاسبون عليها ويلقون جزاءهم في جهنم وبئس المصير.
ثم تستطرد الآيات إلى تربية المسلمين وتهذيب نفوسهم بهذا الخصوص، فتنهاهم عن الحديث الخافت المحتوي على الإثم والعدوان ومعصية الرسول. وذلك يؤكد أنه كان بين جماعة المسلمين قوم لم يترسخ الإيمان في قلوبهم، وكانوا يقلدون المنافقين في التناجي بالهمز واللمز والإثم والمعصية، وكان القرآن يواكب هؤلاء جميعا، فيكشف المنافقين، ويرشد المسلمين، وينزل الهدى والرحمة للناس أجمعين. والآيات ( ١١-١٣ )، استطراد في تربية المسلمين، وتعليمهم أدب السماحة والطاعة في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومجالس العلم والذكر، وهو أدب رفيع قدمه القرآن من عشرات القرون ليحث الناس على التعاون والتكافل والسلوك المهذب :﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا... ﴾( المجادلة : ١١ ). كما تحث الآيات على توفير العلم، وترسم أدب السؤال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحث على الجد والتوقير في هذا الأمر.
ويبدأ الربع الثاني في السورة بالآية ١٤، وقد تحدثت مع ما بعدها عن المنافقين الذين يتولون اليهود ويتآمرون معهم، ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين.
وهم في الآخرة كذلك حلافون كذابون، يتقون بالحلف والكذب ما يواجههم من عذاب الله، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا ما يواجههم من غضب رسول الله والمؤمنين، مع توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله كتب الله عليهم أنهم في الأذلين، وأنهم هم الأخسرون، وأن الله ورسله هم الغالبون.
وفي ختام السورة نجد سورة كريمة للمؤمن يستعلي بإيمانه، ويجعل الإيمان هو النسب وهو الحياة، وهو العقيدة الغالية التي تصله بالمؤمنين والمسلمين، وتحجب مودته عن أعداء الله، ولو كانوا أقرب الناس إليه.
وكذلك كان المهاجرون والأنصار الذين ضحوا بكل شيء في سبيل العقيدة، فكتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، وجعلهم مثلا أعلى لكل فئة مخلصة ولكل مسلم مخلص، فمودة المسلم وحبه وإخلاصه وتعاونه لا تكون إلا للمسلمين الصادقين، ثم هو في نفس الوقت يحجب مودته عن الخائنين وإن كانوا أقاربه أو أصهاره أو عشيرته.
ومن سمات هذا الدين أن تحب لله وأن تكره لله : أن تحب المتقين، وتصل المؤمنين، وتتعاون مع الهداة الصالحين، وأن تحجب مودتك عن الفاسقين لأنك بهذا تنفذ أمر الله وتهجر من عصى الله. ( ومن أحب من أحب الله، فكأنما يحب الله ).
المقصد الإجمالي للسورة
قال الفيروزبادي :
معظم مقصود سورة المجادلة هو : " بيان حكم الظهار، وذكر النجوى والسرار، والأمر بالتوسع في المجالس، وبيان فضل أهل العلم، والشكاية من المنافقين، والفرق بين حزب الرحمن وحزب الشيطان " ii.
والحكم على الأول بالفلاح، وعلى الثاني بالخسران.
قال تعالى :﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾. ( المجادلة :( ٢٢ ).

أحكام الظهار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( ١ ) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( ٢ ) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٣ ) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤ ) ﴾
تمهيد :
هذا الجزء في معظمه توجيهات إلهية للأمة المسلمة، وهذه السورة مشتملة على هذه التوجيهات، مبينة لرقابة الله العلي القدير، وسمعه ومشاهدته ومحاسبته، وتلبيته لدعاء امرأة من عوام الناس كانت تشكو إلى الله تعالى حالها، بعد أن ظاهر زوجها منها، وحرمها على نفسه، كما حرمت عليه أمه، وقد لامه القرآن على هذا العمل، وبين أنه منكر وزور، فالزوجة أحل الله لزوجها جماعها والاستمتاع بها كزوجة، والأم حرم الله زواجها.
ثم ترسم الآيات طريق الحل الذي وقع في هذا المنكر، ويتمثل فيما يأتي على الترتيب :

١-
عتق رقبة، أي إعتاق عبد أو أمة.

٢-
صيام ستين يوما متتابعة، قبل أن يخالط زوجته مخالطة الأزواج.

٣-
إطعام ستين مسكينا.
وهذه الأمور الثلاثة على الترتيب، فإذا كان لا يستطيع إعتاق عبد لعدم وجود الرق، فإنه مكلف بصيام ستين يوما متتابعة، فإذا كان لا يستطيع ذلك، فإن عليه أن يطعم ستين مسكينا. وهذه العقوبة ليرتدع الناس عن الحلف بالظهار، ويتوبوا عن إيقاع الظهار على زوجاتهم، ويلتزموا بهدى الله وتنفيذ ما أمر به.
سبب النزول
جاء في مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد على الصابوني، ما يأتي :
روى الإمام أحمد، عن خولة بنت ثعلبة، قالت : في والله وفي أوس بن الصامت أنزل صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت علي كظهر أمي، قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل علي، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت : قلت : كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت : فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا خولة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه "، قالت : فو الله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُري عنه فقال لي :" يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ". ثم قرأ علي :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مريه فليعتق رقبة "، قالت : فقلت : يا رسول الله، ما عنده ما يعتق، قال :" فليصم شهرين متتابعين "، قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال :" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإنا سنعينه بعرق من تمر "، قالت : فقلت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال :" قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا ". قالت : ففعلتiii

هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة :

قال ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته ( أوس بن الصامت ) أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أتقدر على رقبة تعتقها " ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها، قال : فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهلهiv.
المفردات :
سمع : أجاب وقبل، كما يقال : سمع الله لمن حمده.
التي تجادلك في زوجها : هي خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية.
تجادلك : تراجعك الكلام في أمره، وفيما صدر منه في شأنها.
وتشتكي إلى الله : تبث إليه ما انطوت عليه نفسها من غم وهم، وتضرع إليه أن يزيل كربها. وزوجها : هو أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت.
السمع : صفة تدرك بها الأصوات، أثبتها الله تعالى لنفسه.
تحاوركما : تراجعكما في الكلام، من حار إذا رجع.
التفسير :
١- ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾.
بهذه البداية الرائعة تبدأ سورة المجادلة، وتسمى المجادلة بفتح الدال، والمجادلة بكسرها، وكلاهما جائز.
والمجادلة بكسر الدال هي خولة بنت ثعلبة، وزوجها هو أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت الصحابي الجليل.
وكان أوس بن الصامت قد كبرت سنه وساءت خلقه، فدخل على زوجته يوما فراجعته في شيء، فغضب، وقال لها : أنت علي كظهر أمي، وكان هذا أول ظهار في الإسلام، وكان الرجل في الجاهلية إذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه، فندم أوس من ساعته، وجاءت زوجته خولة بنت ثعلبة للنبي صلى الله عليه وسلم تشكو حالها وتقول : يا رسول الله، إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ، لي مال وجمال وعشيرة، فانتظر حتى ذهب مالي، وولّى جمالي، وتفرق أهلي فظاهر مني، وقال لي : أنت علي كظهر أمي، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله، تجمعني بها وإياه فحدثني بها، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن، ما أُراك إلا قد حرمت عليه ".
قالت : يا رسول الله، إني أنجبت منه أولادا، كان بطني لهم وعاء، وكان ثديي لهم سقاء، وكان حجري لهم كفاء، وإن ضممتهم إلى جاعوا، وإن ضمهم إليه جاعوا.
وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك خراب بيتي وتشرد أولادي وضياع زوجي، اللهم فأنزل على لسان نبيك، وما برحت حتى ظُلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن فيها، فقال صلى الله عليه وسلم : " يا خولة، أبشري "، قالت : خيرا، فقرأ عليها هذه الآيات الأربع من أول سورة المجادلة.
ونلحظ استجابة السماء، واستجابة الله العلي القدير، مالك الملك والملكوت، ذي العزة والجبروت، لامرأة من عوام الناس، ونزول القرآن بشأنها، واستماع الله لشكواها، وحوارها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الآية :
لقد استجاب الله أو سمع قول المجادلة خولة بنت ثعلبة التي جاءت إليك تجادلك في شأن زوجها الذي ظاهر منها، وقال لها، حرمت علي كما حرمت علي أمي، وجعلت تجادلك، وترد عليك، وتقول إن زوجها لن يذكر طلاقا، وإنما ذكر الظهار فقط، ثم اتجهت بشكواها إلى الله وهو سبحانه يسمع تحاورها معك أيها الرسول، وترديدها للشكوى، إن الله سَمِيعٌ. لكل شيء مهما كان خفيا أو هامسا، بَصِيرٌ. بكل شيء مهما كان دقيقا، فسبحانه وتعالى من سميع بصير. أخرج البخاري والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل :
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾.
والآية بعد ذلك وقبله، رسالة موجهة إلى كل قلب : ما أقرب الله إليك وأنت لا تشعر قربه، وما أحبك إليه وأنت لا تشعر حبه، إنه يسمعك ويراك، ويعلم متقلبك ومثواك، ألا تستحيي منه حق الحياء، بأن تحفظ السمع وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى.
والآية موجهة إلى كل زوج وزوجة : حافظوا على بيوتكم، وعلى أولادكم، وعلى استقراركم، وعلى عش الزوجية هادئا هانئا بالمودة والرحمة، والألفة والتضحية، والصبر والوفاء، فبهذه الصفات تربى الأسر، وتنشأ الذرية في كنف العطف والرعاية، ونجد شبابا صالحا وفتيات صالحات، يساهمون جميعا في مجتمع سليم وأمة كريمة، لتكون بحق : خير أمة أخرجت للناس... ( آل عمران : ١١٠ ).
تمهيد :
هذا الجزء في معظمه توجيهات إلهية للأمة المسلمة، وهذه السورة مشتملة على هذه التوجيهات، مبينة لرقابة الله العلي القدير، وسمعه ومشاهدته ومحاسبته، وتلبيته لدعاء امرأة من عوام الناس كانت تشكو إلى الله تعالى حالها، بعد أن ظاهر زوجها منها، وحرمها على نفسه، كما حرمت عليه أمه، وقد لامه القرآن على هذا العمل، وبين أنه منكر وزور، فالزوجة أحل الله لزوجها جماعها والاستمتاع بها كزوجة، والأم حرم الله زواجها.
ثم ترسم الآيات طريق الحل الذي وقع في هذا المنكر، ويتمثل فيما يأتي على الترتيب :

١-
عتق رقبة، أي إعتاق عبد أو أمة.

٢-
صيام ستين يوما متتابعة، قبل أن يخالط زوجته مخالطة الأزواج.

٣-
إطعام ستين مسكينا.
وهذه الأمور الثلاثة على الترتيب، فإذا كان لا يستطيع إعتاق عبد لعدم وجود الرق، فإنه مكلف بصيام ستين يوما متتابعة، فإذا كان لا يستطيع ذلك، فإن عليه أن يطعم ستين مسكينا. وهذه العقوبة ليرتدع الناس عن الحلف بالظهار، ويتوبوا عن إيقاع الظهار على زوجاتهم، ويلتزموا بهدى الله وتنفيذ ما أمر به.
سبب النزول
جاء في مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد على الصابوني، ما يأتي :
روى الإمام أحمد، عن خولة بنت ثعلبة، قالت : في والله وفي أوس بن الصامت أنزل صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت علي كظهر أمي، قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل علي، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت : قلت : كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت : فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا خولة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه "، قالت : فو الله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُري عنه فقال لي :" يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ". ثم قرأ علي :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مريه فليعتق رقبة "، قالت : فقلت : يا رسول الله، ما عنده ما يعتق، قال :" فليصم شهرين متتابعين "، قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال :" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإنا سنعينه بعرق من تمر "، قالت : فقلت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال :" قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا ". قالت : ففعلتiii

هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة :

قال ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته ( أوس بن الصامت ) أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أتقدر على رقبة تعتقها " ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها، قال : فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهلهiv.
المفردات :
الظهار : هو أن يقول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي، أي محرمة، وقد كان هذا أشد طلاق في الجاهلية.
إن أمهاتكم : ما أمهاتكم.
منكرا : المنكر ما ينكره العقل والشرع والطبع.
زورا : كذبا منحرفا عن الحق.
٢- التفسير :
﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾.
تبين هذه الآية حكم الظهار، وأنه حرام وعدوان، بل قال بعضهم إنه من الكبائر، لأنه إقدام على تبديل حكم لله بغير إذنه، ولهذا أوجب فيه الكفارة العظمى تأديبا للمسلم، وتحذيرا لغيره من هذا السلوك.
والمعنى :
الذين يحرمون زوجاتهم على أنفسهم، ويقول الواحد منهم لزوجته : أنت علي كظهر أمي، هم خاطئون مزورون، قائلون للمنكر والكذب، فالزوجة ليست أما، ولا تأخذ حكم الأم.
الأم هي التي ولدتك وأرضعتك، وأوجب الله لها الخضوع والطاعة، وحسن المعاملة والتلطف، والبر وعدم العقوق، والزوجة أحل الله لك الاستمتاع بها، وأمرك بحسن عشرتها، وعند نشوزها أمرك بوعظها وهجرها، وضربها ضربا غير مبرح، رغبة في استدامة العشرة، وأوجب عليك الصبر عليها، والنفقة والمودة والرحمة.
أما أن تقول لها : أنت علي كظهر أمي، فهذا منكر ينكره الشرع والطبع، وهو زور وكذب وباطل، فأقلعوا عنه، وتوبوا إلى الله منه، فإن الله عظيم العفو عن التائبين، وهو واسع المغفرة وعظيم الرحمة لكل تواب مهتد، نادم على ذنبه، رجاع إلى ربه.
تمهيد :
هذا الجزء في معظمه توجيهات إلهية للأمة المسلمة، وهذه السورة مشتملة على هذه التوجيهات، مبينة لرقابة الله العلي القدير، وسمعه ومشاهدته ومحاسبته، وتلبيته لدعاء امرأة من عوام الناس كانت تشكو إلى الله تعالى حالها، بعد أن ظاهر زوجها منها، وحرمها على نفسه، كما حرمت عليه أمه، وقد لامه القرآن على هذا العمل، وبين أنه منكر وزور، فالزوجة أحل الله لزوجها جماعها والاستمتاع بها كزوجة، والأم حرم الله زواجها.
ثم ترسم الآيات طريق الحل الذي وقع في هذا المنكر، ويتمثل فيما يأتي على الترتيب :

١-
عتق رقبة، أي إعتاق عبد أو أمة.

٢-
صيام ستين يوما متتابعة، قبل أن يخالط زوجته مخالطة الأزواج.

٣-
إطعام ستين مسكينا.
وهذه الأمور الثلاثة على الترتيب، فإذا كان لا يستطيع إعتاق عبد لعدم وجود الرق، فإنه مكلف بصيام ستين يوما متتابعة، فإذا كان لا يستطيع ذلك، فإن عليه أن يطعم ستين مسكينا. وهذه العقوبة ليرتدع الناس عن الحلف بالظهار، ويتوبوا عن إيقاع الظهار على زوجاتهم، ويلتزموا بهدى الله وتنفيذ ما أمر به.
سبب النزول
جاء في مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد على الصابوني، ما يأتي :
روى الإمام أحمد، عن خولة بنت ثعلبة، قالت : في والله وفي أوس بن الصامت أنزل صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت علي كظهر أمي، قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل علي، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت : قلت : كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت : فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا خولة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه "، قالت : فو الله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُري عنه فقال لي :" يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ". ثم قرأ علي :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مريه فليعتق رقبة "، قالت : فقلت : يا رسول الله، ما عنده ما يعتق، قال :" فليصم شهرين متتابعين "، قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال :" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإنا سنعينه بعرق من تمر "، قالت : فقلت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال :" قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا ". قالت : ففعلتiii

هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة :

قال ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته ( أوس بن الصامت ) أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أتقدر على رقبة تعتقها " ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها، قال : فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهلهiv.
المفردات :
يعودون لما قالوا : يرجعون عما قالوا، ويريدون وطء نسائهم، بعد أن حرموه على أنفسهم.
فتحرير رقبة : فعليه إعتاق عبد أو جارية.
من قبل أن يتماسا : من قبل أن يجامعها، وهذا من كنايات القرآن عن المخالطة الخاصة بين الزوج وزوجته.
التفسير :
٣- ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
الذين يظاهرون من نسائهم ويحرمون زوجاتهم عليهم كما حرمت أمهاتهم، ثم يعدلون عن رغبتهم في التحريم، ويرجعون عن قولهم : أنت علي كظهر أمي، أو يرغبون في جماع زوجاتهم ومعاشرتهن، والعدول عن التحريم والعودة مرة أخرى إلى الحياة الزوجية، هؤلاء يلزمهم تحرير رقبة. أي : عتق عبد أو أمة من قبل أن يجامع زوجته.
هذا وعظ وتأديب وتربية من الله تعالى لهؤلاء المظاهرين، والله مطلع على أعمالكم، خبير بكل ما تفعلونه، فراقبوه سبحانه حتى يطلع منكم على قلب سليم وسلوك مستقيم.
تمهيد :
هذا الجزء في معظمه توجيهات إلهية للأمة المسلمة، وهذه السورة مشتملة على هذه التوجيهات، مبينة لرقابة الله العلي القدير، وسمعه ومشاهدته ومحاسبته، وتلبيته لدعاء امرأة من عوام الناس كانت تشكو إلى الله تعالى حالها، بعد أن ظاهر زوجها منها، وحرمها على نفسه، كما حرمت عليه أمه، وقد لامه القرآن على هذا العمل، وبين أنه منكر وزور، فالزوجة أحل الله لزوجها جماعها والاستمتاع بها كزوجة، والأم حرم الله زواجها.
ثم ترسم الآيات طريق الحل الذي وقع في هذا المنكر، ويتمثل فيما يأتي على الترتيب :

١-
عتق رقبة، أي إعتاق عبد أو أمة.

٢-
صيام ستين يوما متتابعة، قبل أن يخالط زوجته مخالطة الأزواج.

٣-
إطعام ستين مسكينا.
وهذه الأمور الثلاثة على الترتيب، فإذا كان لا يستطيع إعتاق عبد لعدم وجود الرق، فإنه مكلف بصيام ستين يوما متتابعة، فإذا كان لا يستطيع ذلك، فإن عليه أن يطعم ستين مسكينا. وهذه العقوبة ليرتدع الناس عن الحلف بالظهار، ويتوبوا عن إيقاع الظهار على زوجاتهم، ويلتزموا بهدى الله وتنفيذ ما أمر به.
سبب النزول
جاء في مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد على الصابوني، ما يأتي :
روى الإمام أحمد، عن خولة بنت ثعلبة، قالت : في والله وفي أوس بن الصامت أنزل صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت علي كظهر أمي، قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل علي، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت : قلت : كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت : فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا خولة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه "، قالت : فو الله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُري عنه فقال لي :" يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ". ثم قرأ علي :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مريه فليعتق رقبة "، قالت : فقلت : يا رسول الله، ما عنده ما يعتق، قال :" فليصم شهرين متتابعين "، قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال :" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإنا سنعينه بعرق من تمر "، قالت : فقلت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال :" قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا ". قالت : ففعلتiii

هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة :

قال ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته ( أوس بن الصامت ) أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أتقدر على رقبة تعتقها " ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها، قال : فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهلهiv.
المفردات :
ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله : ذلك التغليظ في الكفارة لكي تعلموا بشرائع الله التي شرعها، فلا تعودوا إلى الظهار الذي هو من شرائع الجاهلية.
حدود الله : أحكام شريعته التي لا يحل تركها.
للكافرين : الذين يتعدون الأحكام ولا يعملون بها.
التفسير
٤- ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
تفيد الآيات ما يأتي :
من قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي، ثم ندم ورغب في الرجوع إلى الحياة الزوجية مع زوجته، فعليه كفارة بفعل واحدة من ثلاث على الترتيب :
أولا : عتق رقبة، فإن عجز عن ذلك – كما في هذه الأيام لعدم وجود أرقاء أصلا – انتقل إلى الكفارات الأخرى.
ثانيا : صيام ستين يوما متتابعة من قبل أن يجامع زوجته.
ثالثا : إذا عجز عن الصيام، فإنه يطعم ستين مسكينا طعاما مشبعا كافيا.
وهذه الأمور على الترتيب، فلا يلجأ إلى الصيام إلا عند العجز عن عتق رقبة، ولا يلجأ إلى الإطعام إلا عند العجز عن صيام ستين يوما متتابعة، فإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينا إطعاما مشبعا.
وذهب الشافعي وغيره إلى أنه يكفيه إعطاء مد واحد لكل مسكين، ورأى أبو حنيفة جواز إعطاء مد واحد لكل مسكين، ورأى أبو حنيفة جوز إعطاء القيمة، بل هي أفضل إذا كانت أنفع للفقير.
ويمكن تقدير قيمة إطعام الفقراء التي قدرها العلماء بخمسة جنيهات عن كل فرد في شهر رمضان سنة ١٤٢١ ه، فنقول : يعطي لستين مسكينا، كل مسكين منهم خمسة جنيهات، أو ما يعادلها، فمن تطوع خيرا فهو خير له، بأن يضاعف القيمة إذا كان من أهل اليسر، فيعطي لكل مسكين ١٠ جنيهات*٦٠=٦٠٠ جنيه ( ستمائة جنيه )، مقدار الكفارة للمظاهر من زوجته.
﴿ ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
لقد شددنا العقوبة حتى يرتدع المتلاعبون بحرمات الله، وتكون هذه العقوبة رادعا للمعتدين، ليعودوا إلى طريق الإيمان بالله ورسوله، واحترام أوامر الشرع، والالتزام بآداب الدين، وهذه حدود الله وأحكامه الفاصلة بين الحق والباطل، فالزموها وقفوا عندها، ومن استهان بحدود الله، وصد عن شرائعه، وكفر بهديه، فله عذاب أليم موجع في الآخرة.
وإطلاق لفظ الكافرين على المتعدي على حدود الله للزجر والردع.
كما قال سبحانه وتعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين. ( آل عمران : ٩٧ ).
في أعقاب الآيات
في هذه الآيات الكريمة تكريم المرأة، ورفع لغبن الجاهلية عنها، حيث نهى القرآن عن الظهار واعتبره منكرا وزورا، ثم سجل عقوبة كبيرة على قائله، ليرده إلى حظيرة الإيمان، ولم تكن الآيات أحكاما شرعية فحسب، وإنما ضمت إلى ذلك تكريم المرأة وإنصافها، واستجابة السماء لها، ولا عجب إذ رأينا الخلفاء يكرمون المرأة، ويستمعون لشئونها ويلبون طلبها، ويكرمون خولة بنت ثعلبة، ويقولون : قد سمع الله تعالى لها.
من التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وتفسير ابن كثير :
روى ابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات : أن خولة بنت ثعلبة رأت عمر رضي الله عنه وهو يسير مع الناس، فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها ووضع يده على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين، حبست رجال قريش على هذه العجوز، قال : ويحك، أتدري من هذه ؟ قال : لا، قال : هذه امرأة سمع الله لشكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف حتى أتى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها. v
وفي رواية أخرى : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والناس معه على حمار، فاستوقفته طويلا ووعظته، وقالت : يا عمر، قد كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك : عمر، ثم قيل لك : يا أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب – وهو واقف يسمع كلامها – فقيل له : يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لازلت إلى الصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ vi
الرقابة الإلهية
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ٥ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ٦ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ٧ ) ﴾
*
تمهيد :
تحدثت آيات سابقة عن رعاية الله للمؤمنين، واستجابته لشكوى المجادلة، وهنا يتهدد المخالفين الذين يعادون حدود الله وأحكامه، ويفرون من أوامره وشرائعه، بأن الله سيذلهم كما أذل من كفر بالرسل بالغرق وألوان الهلاك، أو كما أذل قتلى بدر وأذل قريشا ومن شايعها، ثم يلفت نظرهم إلى يوم القيامة، حيث يخبرهم بأعمالهم كاملة، ويجازيهم عليها جزاء وفاقا.
وتصور الآيات علمه تعالى الشامل، وإحاطته بكل ما في السماوات والأرض، فهو يعلم السر والنجوى، لا يتناجى ثلاثة إلا كان رابعهم، ولا يتناجى خمسة إلا كان سادسهم، ولا يتناجى أقل من ذك ولا أكثر إلا كان معهم بعلمه وإحاطته، ثم يخبرهم بما عملوه يوم القيامة، إنه سبحانه بكل شيء عليم، إن هذه الرقابة الإلهية هي التي أيقظت الضمائر والقلوب، وجعلت الإنسان مراقبا لله، خائفا من معصيته، راغبا في طاعته.
*م/
المفردات :
يحادون : يشاقون ويعادون، وأصل المحادّة : الممانعة، ومنه قيل للبواب : حداد.
كُبتوا : خُذلوا، وقال المبرد : كبت الله فلانا، ، إذا أذله، والمردود بالذل مكبوت.
مهين : يلحق بهم الهوان والذل.
التفسير :
٥- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
المحادة : المعاداة والمخالفة في الحد، أي : الذين يختارون لأنفسهم حدودا غير ما حده الله ورسوله، فهم ينفرون من حدود الله وأحكامه، ويرتضون أحكاما تخالفها وتضادها، هؤلاء أخزاهم الله وأذلهم كما أذل أعداء الرسل، من عهد نوح ومن بعده من المرسلين.
لقد شرع الله الشرائع، وفصل الآيات، وحدد الحدود، ونظم المواريث والآداب، وأمر بغض البصر وحفظ الفروج، والبعد عن الزنا والربا، وأمر بصلة الأرحام وبر الوالدين وإكرام الجار، ورعاية اليتامى والمساكين، والضعفاء والفقر والفقراء، ونهى عن الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، وأكمل الله دينه.
قال سبحانه وتعالى :﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾... ( المائدة : ٣ )
فهناك وعيد عظيم لمن وضعوا أمورا خلاف ما حدده الشرع، وسموها قانونا.
قال الآلوسي والمراغي في تفسير الآية :
نعم لا بأس بالقوانين السياسية، إذا وقعت باتفاق ذوي الآراء من أهل الحل والعقد، على وجه يكون به انتظام شمل الجماعات، إذا كانت لا تخالف في أحكامها روح التشريع الديني، كتعيين مراتب التأديب للزجر على المعاصي والجنايات التي لم ينص عليها الشارع فيها على حد معين، بل فوض الأمر فيها للإمام، وليس في ذلك محادة لله ورسوله، بل فيها استيفاء لحق الله على الوجه الأكمل.
وفي كتاب ( الخراج ) للإمام أبي يوسف إشارة إلى ذلك، ويرشد إلى هذا عدم النكير على أحد من المجتهدين إذا قال بشيء لم يكن منصوصا عليه بخصوصه، ومن ذلك ما ثبت بالقياس بأقسامهvii.
ودليل الاجتهاد فيما لم تنص عليه الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي إلى اليمن قاضيا ومفقها وأميرا وجامعا للزكاة، قال له : " كيف تصنع إذا عرض لك قضاء " ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله، قال : " فإن لم يكن في كتاب الله " ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : " فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله علليه وسلم " ؟ قال : أجتهد ريي لا آلو – أي لا أقصر – قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله " viii. ( رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة ).
أهداف سورة المجادلة
( سورة المجادلة مدنية، وآياتها ٢٢ آية، نزلت بعد سورة المنافقون )
تربية إلهية
سورة المجادلة حافلة بآداب التربية وتهذيب السلوك، وتحذير المسلمين من مكايد المنافقين.
لقد نزلت هذه السورة بعد سورة المنافقون، وكانت الجماعة الإسلامية في المدينة لا تزال في طور الإعداد والتكوين، وكان المسلمون يتألفون من المهاجرين والأنصار، وقد انضم إليهم من لم يتلق من التربية الإسلامية القدر الكافي، ومن لم يتنفس في الجو الإسلامي فترة طويلة، كما دخل في الإسلام جماعة من المنافقين، حرصوا على الاستفادة المادية وأخذوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويعرضون ولاءهم على المعسكرات المناوئة للمسلمين، وهي معسكرات المشركين واليهود.
وقد اقتضت تربية النفوس وإعدادها للدور الكبير المقدر لها في الأرض جهودا ضخمة وصبرا طويلا، وعلاجا بطيئا في صغار الأمور وكبارها.
ونحن نشهد في هذه السورة – وفي هذا الجزء كله – طرفا من تلك الجهود الضخمة، وطرفا من الأسلوب القرآني كذلك في بناء تلك النفوس، وفي علاج الأحداث والعادات والنزوات، كما نشهد جانبا من الصراع الطويل بين الإسلام وخصومه المختلفين من مشركين ويهود ومنافقين.
" ونشهد في سورة المجادلة بصفة خاصة صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة، وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه، ويشعرها برعايته، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده سبحانه معها في أخص خصائصها، وأصغر شئونها، وأخفى طواياها، وحراسته لها من كيد أعدائها خفيه وظاهره، وأخذها في حماه وكنفه، وضمها إلى لوائه وظله، وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله، وتنتسب إليه، وترفع لواءه في الأرض " i
قصة المجادلة
سميت سورة المجادلة بهذا الاسم لاشتمالها على قصة المرأة المجادلة، وقد افتتح الله بها السورة حيث قال سبحانه :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. ( المجادلة : ١ ).
وقد روى الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في كتاب الطلاق من السنن، عن خولة بنت ثعلبة قالت : فيّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت عليّ كظهر أمي.
وكان الرجل في الجاهلية إذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه، وكان ذلك أول ظهار في الإسلام، فندم أوس لساعته، ثم دعاها لنفسه – أي : طلب ملامستها – فأبت وقالت : والذي نفسي بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا تزوجني وأنا شابة غنية ذات أهل ومال، حتى إذا أكل مالي، وأفنى شبابي، وتفرق أهلي، وكبرت سني، ظاهر مني، وقد ندم، فهل من شيء تجمعني به وإياه تفتيني به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :" حرمت عليه، أو ما أراك إلا قد حرمت عليه ".
فأعادت الكرّة والرسول صلى الله عليه وسلم يعيد عليها نفس الجواب، حتى قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، قد طالت له صحبتي، ونثرت له بطني، وإن له صبية صغارا، إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا، فجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتستغيث وتتضرع، وتشكو إلى الله، فنزلت الآيات الأربع من صدر سورة المجادلة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا "، ثم تلا عليها الآيات، وقل لها :" مريه فليعتق رقبة "، قالت : يا رسول الله، ليس عنده ما يعتق، قال :" فليصم شهرين متتابعين "، قالت : والله إنه لشيخ ما له من صيام، قال :" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإنا سنعينه بعِرق من تمر "، قالت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال الرسول :" قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا "، قالت : ففعلت.
تلك قصة الظهار، وهي تشير إلى رعاية السماء لهذه الجماعة المؤمنة، ونزول الوحي يجيب على أسئلتها ويحل مشاكلها، ويربي نفوسها ويهذب أخلاقها، ويأخذ بيدها إلى الصراط القويم.
وقد تضمنت الآيات إحاطة السميع البصير بكل صغيرة وكبيرة، واطلاعه على جميع الأعمال، وبينت أن المسارعة إلى ألفاظ الظهار والطلاق منكر وزور، وأن الزوجة غير الأم، فالأم حملت وأرضعت وقد حرم الله على الإنسان الزواج بأمه، والزوجة أحل الله زواجها.
ثم رسم القرآن طريق الحل لمن بدرت منه بادرة بالظهار فقال لامرأته، أنت علي كظهر أمي، ثم أراد أن يرجع عن ذلك وأن يراجع زوجته، فعليه أن يكفر عن هذا الذنب بتحرير رقبة، فإن لم يجد فإنه يصوم ستين يوما، فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكينا، وفي ذلك نوع من التهذيب والتأديب حتى يضبط الناس أعصابهم، ويحفظوا ألسنتهم في ساعة الغضب والتهور.
أهداف السورة
تبدأ السورة بهذه البداية الكريمة، وهي سماع الله العلي القدير لشكوى امرأة فقيرة مغمورة، وقد استمع إليها الله من فوق سبع سماوات، وكان صوتها ضعيفا لا يكاد يُسمع من يجلس بجوارها.
وفي البخاري، والنسائي، عن عائشة رضي الله قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾ ( المجادلة : ١ ). إلى آخر الآيات الأربع من صدر السورة.
وفي الآيتين ( ٥-٦ ) تأكيد على أن الذين يحادون الله ورسوله – وهم أعداء الجماعة المسلمة التي تعيش في كنف الله – مكتوب عليهم الكبت والقهر في الأرض، ولعذب المهين في الآخرة، مأخوذون بم عملوا، أحصاه الله عليهم، ونسوه هم، وهم فاعلوه، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾. ( المجادلة : ٦ ).
والآية ٧ من سورة المجادلة تؤكد سعة علم الله وإحاطته بما في السماوات والأرض، واطلاعه على السر والنجوى، ورقابته لكل صغير وكبير، ثم محاسبة الجميع بما قدموا يوم القيامة، والآية تخرج هذه المعاني في صورة عميقة التأثير، تترك القلوب وجلة ترتعش مرة وتأنس مرة، وهي مأخوذة بمحضر الله الجليل :﴿ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. ( المجادلة : ٧ ).
وفي الآيات ( ٨-١٠ ) يشهّر القرآن بموقف المنافقين الذين يبيتون الكيد والدس للمؤمنين، ويهددهم بأن أمرهم مكشوف، وأن عين الله مطلّعة عليهم، ونجواهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول مسجلة، وسيحاسبون عليها ويلقون جزاءهم في جهنم وبئس المصير.
ثم تستطرد الآيات إلى تربية المسلمين وتهذيب نفوسهم بهذا الخصوص، فتنهاهم عن الحديث الخافت المحتوي على الإثم والعدوان ومعصية الرسول. وذلك يؤكد أنه كان بين جماعة المسلمين قوم لم يترسخ الإيمان في قلوبهم، وكانوا يقلدون المنافقين في التناجي بالهمز واللمز والإثم والمعصية، وكان القرآن يواكب هؤلاء جميعا، فيكشف المنافقين، ويرشد المسلمين، وينزل الهدى والرحمة للناس أجمعين. والآيات ( ١١-١٣ )، استطراد في تربية المسلمين، وتعليمهم أدب السماحة والطاعة في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومجالس العلم والذكر، وهو أدب رفيع قدمه القرآن من عشرات القرون ليحث الناس على التعاون والتكافل والسلوك المهذب :﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا... ﴾( المجادلة : ١١ ). كما تحث الآيات على توفير العلم، وترسم أدب السؤال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحث على الجد والتوقير في هذا الأمر.
ويبدأ الربع الثاني في السورة بالآية ١٤، وقد تحدثت مع ما بعدها عن المنافقين الذين يتولون اليهود ويتآمرون معهم، ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين.
وهم في الآخرة كذلك حلافون كذابون، يتقون بالحلف والكذب ما يواجههم من عذاب الله، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا ما يواجههم من غضب رسول الله والمؤمنين، مع توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله كتب الله عليهم أنهم في الأذلين، وأنهم هم الأخسرون، وأن الله ورسله هم الغالبون.
وفي ختام السورة نجد سورة كريمة للمؤمن يستعلي بإيمانه، ويجعل الإيمان هو النسب وهو الحياة، وهو العقيدة الغالية التي تصله بالمؤمنين والمسلمين، وتحجب مودته عن أعداء الله، ولو كانوا أقرب الناس إليه.
وكذلك كان المهاجرون والأنصار الذين ضحوا بكل شيء في سبيل العقيدة، فكتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، وجعلهم مثلا أعلى لكل فئة مخلصة ولكل مسلم مخلص، فمودة المسلم وحبه وإخلاصه وتعاونه لا تكون إلا للمسلمين الصادقين، ثم هو في نفس الوقت يحجب مودته عن الخائنين وإن كانوا أقاربه أو أصهاره أو عشيرته.
ومن سمات هذا الدين أن تحب لله وأن تكره لله : أن تحب المتقين، وتصل المؤمنين، وتتعاون مع الهداة الصالحين، وأن تحجب مودتك عن الفاسقين لأنك بهذا تنفذ أمر الله وتهجر من عصى الله. ( ومن أحب من أحب الله، فكأنما يحب الله ).
المقصد الإجمالي للسورة

قال الفيروزبادي :

معظم مقصود سورة المجادلة هو :" بيان حكم الظهار، وذكر النجوى والسرار، والأمر بالتوسع في المجالس، وبيان فضل أهل العلم، والشكاية من المنافقين، والفرق بين حزب الرحمن وحزب الشيطان " ii.
والحكم على الأول بالفلاح، وعلى الثاني بالخسران.
قال تعالى :﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾. ( المجادلة :( ٢٢ ).
المفردات :
فينبئهم بما عملوا : يخبرهم بأعمالهم توبيخا وتقريعا لهم.
أحصاه الله : أحاط به عدا، ولم يغب عنه شيء منه.
شهيد : مشاهد لا يخفى عليه شيء.
التفسير :
٦- ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾.
في الآية السابقة ذكر سبحانه هؤلاء المحادين لله ورسوله بالخزي والهوان في الدنيا، وبالعذاب الشديد في الآخرة.
وهنا يقول : اذكر لهم أيها الرسول الأمين يوم يبعثهم الله جميعا للحساب والجزاء، فيخبرهم بأعمالهم، وبما كسبت أيديهم من ظلم وعسف، لقد أحصاه الله وضبطه وحفظه، وهم قد نسوه وأهملوه ولم يتذكروه، وظنوا أنهم لن يحاسبوا عليه.
﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾.
هو مطلع وشاهد، وعالم وناظر لا تخفى عليه خافية، وهو سبحانه بكل شيء عليم، فيا ويح من بارزه بالمعاصي، ويا هلاك من استهان بحدود الله، وزينت له نفسه أن تشريع البشر أحسن أو أحكم من تشريع الله، وهو سبحانه الخالق الرزاق العليم يما يصلح عباده.
تمهيد :
هذا الجزء في معظمه توجيهات إلهية للأمة المسلمة، وهذه السورة مشتملة على هذه التوجيهات، مبينة لرقابة الله العلي القدير، وسمعه ومشاهدته ومحاسبته، وتلبيته لدعاء امرأة من عوام الناس كانت تشكو إلى الله تعالى حالها، بعد أن ظاهر زوجها منها، وحرمها على نفسه، كما حرمت عليه أمه، وقد لامه القرآن على هذا العمل، وبين أنه منكر وزور، فالزوجة أحل الله لزوجها جماعها والاستمتاع بها كزوجة، والأم حرم الله زواجها.
ثم ترسم الآيات طريق الحل الذي وقع في هذا المنكر، ويتمثل فيما يأتي على الترتيب :

١-
عتق رقبة، أي إعتاق عبد أو أمة.

٢-
صيام ستين يوما متتابعة، قبل أن يخالط زوجته مخالطة الأزواج.

٣-
إطعام ستين مسكينا.
وهذه الأمور الثلاثة على الترتيب، فإذا كان لا يستطيع إعتاق عبد لعدم وجود الرق، فإنه مكلف بصيام ستين يوما متتابعة، فإذا كان لا يستطيع ذلك، فإن عليه أن يطعم ستين مسكينا. وهذه العقوبة ليرتدع الناس عن الحلف بالظهار، ويتوبوا عن إيقاع الظهار على زوجاتهم، ويلتزموا بهدى الله وتنفيذ ما أمر به.
سبب النزول
جاء في مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد على الصابوني، ما يأتي :
روى الإمام أحمد، عن خولة بنت ثعلبة، قالت : في والله وفي أوس بن الصامت أنزل صدر سورة المجادلة، قالت : كنت عنده، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب، فقال : أنت علي كظهر أمي، قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل علي، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت : قلت : كلا والذي نفس خولة بيده لا تخلص إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت : فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا خولة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه "، قالت : فو الله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُري عنه فقال لي :" يا خولة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ". ثم قرأ علي :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مريه فليعتق رقبة "، قالت : فقلت : يا رسول الله، ما عنده ما يعتق، قال :" فليصم شهرين متتابعين "، قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال :" فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر "، قالت : فقلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإنا سنعينه بعرق من تمر "، قالت : فقلت : يا رسول الله، وأنا سأعينه بعرق آخر، قال :" قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا ". قالت : ففعلتiii

هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة :

قال ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته ( أوس بن الصامت ) أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن أوسا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل الله تعالى :﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾إلى قوله تعالى :﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" أتقدر على رقبة تعتقها " ؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها، قال : فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهلهiv.
المفردات :
ألم تر : ألم تعلم.
ما يكون : ما يوجد.
النجوى : التناجي والمسارة، وقد تستعمل في المتناجين، كما قال تعالى :﴿ وإذ هم نجوى ﴾.. ( الإسراء : ٤٧ ). أي : أصحاب نجوى
التفسير :
٧- ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
تشير الآية إلى علم الله الواسع، ورقابته وشهادته وحضوره بالرؤية والمعية المعنوية، فهو سبحانه منزه عن الكم والكيف، ومنزه عن أن يكون جسما أو حالا في جسم، فمعية الله للبشر معية رقابة ومشاهدة، وعلم واطلاع، وهو سبحانه لا يحل في مكان، ولا يمر عليه زمان، وكل من المكان والزمان من خلقه تعالى، فلا يجتمع ثلاثة إلا كان رابعهم، ولا خمسة إلا كان سادسهم، ولا أقل من ذلك العدد ولا أكثر منه، إلا هو معهم بعلمه وشهادته، ثم يخبرهم بأعمالهم التي عملوها يوم القيامة، فهو سبحانه محيط بكل كلام، عليم بكل شيء.
أما لماذا خص العدد بذكر ثلاثة أو خمسة أو أقل أو أكثر، فهو مجرد مثال، والعدد غير مقصود، لأنه تعالى يعلم ما فوق ذلك وما دون ذلك، لكنه على طريقة القرآن في إبراز المعنى المجرد ماثلا في صور ملموسة محسوسة، صورة أشخاص يتناجون، اثنان كل منهما يقاوم الآخر، وثالث يكون بمنزلة الحكم، فالله تعالى مطلع ومشاهد لهذه المجموعة، أو لمجموعة أكثر منها أو أقل منها، إنه محيط بالأفراد والجماعات، وبالعائلات والأسر والبلاد، وهو سبحانه بكل شيء عليم، وبهذا العلم المحيط يحاسب عباده يوم القيامة.
قال تعالى :﴿ ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ﴾. ( التوبة : ٧٨ ).
ولعلنا نلمح من الآية أن المنافقين واليهود كانوا يتناجون في جماعات قليلة العدد، ثلاثة أو خمسة، فكشف الله سترهم، وأخبرهم أنه عليم بهم، مطلع على مناجاتهم، وسيحاسبهم ويجازيهم على ذلك يوم القيامة.
قال تعالى :﴿ أم يحسبون أنّا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ﴾. ( الزخرف : ٨٠ ).
من تفسير ابن كثير
حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بقوله تعالى :﴿ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ... ﴾معية علمه تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم، وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه مطلع على خلقه، لا يغيب عنه من أمورهم شيء، ثم قال تعالى :﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
قال الإمام أحمد : افتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم.
النجوى
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ٨ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( ٩ ) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ١٠ ) ﴾
تمهيد :
كان اليهود والمنافقون يبيتون السوء للمسلمين، ويتهامسون ويتخافتون في أقوالهم، فإذا مر بهم أحد المسلمين أوهموه أن شرا قد أصاب أقاربه، فاشتكى المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى اليهود عن ذلك، ونصح المنافقين بالابتعاد عما يسيء إلى مسلم، لكنهم عادوا إلى الإثم والعدوان، فنزلت الآيات تفضحهم وتكشف سوء أدبهم، فقد كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم :( السام عليكم ) وهو الموت، ثم يقولون في أنفسهم : لو كان رسولا لعذبنا الله للاستخفاف به، فتوعدهم الله بعذاب جهنم، وفيه كفاية وجزاء لأعمالهم.
ثم نصح الله المؤمنين بأن يكون تناجيهم بالبر والتقوى، والصالح العام، ولا يكون بالإثم والعدوان كما يفعل اليهود والمنافقون، ثم بين القرآن أن التناجي بالإثم والعدوان من الشيطان ووسوسته لليهود والمنافقين، حتى يحزن المؤمنون بهذه النجوى، مع أن المؤمنين في حرز من الشيطان بالإيمان بالله وقدره، والتوكل عليه.
المفردات :
الذين نهوا عن النجوى : هم اليهود والمنافقون.
الإثم : المعصية والذنب.
العدوان : الاعتداء على غيرهم، كمعصية الرسول ومخالفته.
لولا يعذبنا الله : هلا يعذبنا بسبب ذلك.
حسبهم جهنم : عذاب جهنم كاف لهم في الآخرة.
يصلونها : يقاسون حرها.
التفسير :
٨-﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
تفيد هذه الآيات أن فريقا من اليهود والمنافقين كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين، ويتناجون بما يسوء بعض المسلمين، وقد اشتكى المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى اليهود عن ذلك، ونصح المنافقين بالبعد عنه، لكنهم عاودوا هذه المناجاة فيما بينهم.
قال القرطبي :
نزلت في اليهود والمنافقين، كانوا يتناجون فيما بينهم، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا ؛ فنزلت.
وفي الآية تعجيب من حالهم، أي : ألم تشاهد يا كل من يتأتى منه المشاهدة، اللذين نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجوى بالإثم والكيد، ثم هم يعودون لما نهوا عنه، ويكررون العودة إليه، لأن الفعل المضارع يفيد الحال والاستقبال والتجدد، فقد كان اليهود والمنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يتناجون في صوت خافت بالكيد والدس والفتنة والأذى للمسلمين، ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن سوء أدبهم أنهم كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له :( السام عليكم )، وهي كلمة عبرية معناها : الموت عليكم، مع أن الله حيا رسوله في التشهد بقوله : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ".
وقال سبحانه وتعالى :﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾. ( الأحزاب : ٥٦ ).
وقال تعالى :﴿ وسلام على المرسلين ﴾. ( الصافات : ١٨١ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ وسلام على عباده الذين اصطفى... ﴾( النمل : ٥٩ ).
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة رضي الله عنها، أن أناسا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم، فقال صلى الله عليه وسلم : " وعليكم ". قالت عائشة : قلت : عليكم السام، ولعنكم الله وغضب عليكم. وفي رواية : عليكم السام والذام واللعنة.
فقال صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة، إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش "، فقلت : ألا تسمعهم يقولون : السام، فقال : " يا عائشة، أو ما سمعت أقول وعليكم " ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وإذا جاءوك... ﴾الآيةix.
وهذا يدل على الدور السيئ لليهود، وإيذائهم للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُول... ﴾
ويقولون فيما بينهم : هلا يعذبنا الله بهذا القول لو كان محمد نبيا، فلو كان نبيا حقا لعذبه الله على هذا الكلام.
قال في ظلال القرآن :
وظاهر من سياق السورة، من مطلعها، أن الله قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولونه في أنفسهم، وبمجالسهم ومؤامراتهم ١ه.
﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
إن الله مطلع وشاهد على مؤامراتهم ونجواهم، واجتماعاتهم المشتملة على الكيد والدسّ وتبييت السوء للمسلمين، وقد كشف أمرهم في الدنيا، وأجل العقوبة إلى الآخرة، حيث يصطلون بنار جهنم، ويقاسون حرها ولهيبها، والهوان والخزي والذل في عذابها.
قال ابن العربي :
كانوا يقولون : لو كان محمدا نبيا لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به، وجهلوا أن الباري حليم لا يعاجل بالعقوبة.
وقد ثبت في الصحيح : " لا أحد أصبر على الأذى من الله، يدعون له الصاحبة والولد، وهو يعافيهم ويرزقهم "، فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم، وفضحا لبواطنهم، وتكريما لرسول لله صلى الله عليه وسلم. x
تمهيد :
كان اليهود والمنافقون يبيتون السوء للمسلمين، ويتهامسون ويتخافتون في أقوالهم، فإذا مر بهم أحد المسلمين أوهموه أن شرا قد أصاب أقاربه، فاشتكى المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى اليهود عن ذلك، ونصح المنافقين بالابتعاد عما يسيء إلى مسلم، لكنهم عادوا إلى الإثم والعدوان، فنزلت الآيات تفضحهم وتكشف سوء أدبهم، فقد كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم :( السام عليكم ) وهو الموت، ثم يقولون في أنفسهم : لو كان رسولا لعذبنا الله للاستخفاف به، فتوعدهم الله بعذاب جهنم، وفيه كفاية وجزاء لأعمالهم.
ثم نصح الله المؤمنين بأن يكون تناجيهم بالبر والتقوى، والصالح العام، ولا يكون بالإثم والعدوان كما يفعل اليهود والمنافقون، ثم بين القرآن أن التناجي بالإثم والعدوان من الشيطان ووسوسته لليهود والمنافقين، حتى يحزن المؤمنون بهذه النجوى، مع أن المؤمنين في حرز من الشيطان بالإيمان بالله وقدره، والتوكل عليه.
التفسير :
٩- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.
يؤدب الله المسلمين بذلك الأدب الإلهي الذي يجعل المسلم مراقبا لله في السر والنجوى، فينادي الله المؤمنين بأن يكون تناجيهم الخافت وحديثهم الخاص مخالفا لمناجاة اليهود والمنافقين.
﴿ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ... ﴾
وفيه تربية وتعريض باليهود والمنافقين.
﴿ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى... ﴾
أي : لا تتناجوا بالشر والعدوان على الغير، أو السوء والكيد، أو مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بل عليكم بالتناجي بالخير والعفاف، والطاعة والتقوى، والبعد عما نهى الله عنه.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.
وراقبوا الله الذي يراكم، ويطلع على مناجاتكم، ولا تخفى عليه خافية من شئونكم، ثم يحاسبكم عند الحشر والجزاء يوم تحشرون وترجعون إليه.
تمهيد :
كان اليهود والمنافقون يبيتون السوء للمسلمين، ويتهامسون ويتخافتون في أقوالهم، فإذا مر بهم أحد المسلمين أوهموه أن شرا قد أصاب أقاربه، فاشتكى المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى اليهود عن ذلك، ونصح المنافقين بالابتعاد عما يسيء إلى مسلم، لكنهم عادوا إلى الإثم والعدوان، فنزلت الآيات تفضحهم وتكشف سوء أدبهم، فقد كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم :( السام عليكم ) وهو الموت، ثم يقولون في أنفسهم : لو كان رسولا لعذبنا الله للاستخفاف به، فتوعدهم الله بعذاب جهنم، وفيه كفاية وجزاء لأعمالهم.
ثم نصح الله المؤمنين بأن يكون تناجيهم بالبر والتقوى، والصالح العام، ولا يكون بالإثم والعدوان كما يفعل اليهود والمنافقون، ثم بين القرآن أن التناجي بالإثم والعدوان من الشيطان ووسوسته لليهود والمنافقين، حتى يحزن المؤمنون بهذه النجوى، مع أن المؤمنين في حرز من الشيطان بالإيمان بالله وقدره، والتوكل عليه.
١٠- ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
أي : إن الشيطان هو الذي يحرض المنافقين واليهود على التناجي بالسوء والعدوان، وإيذاء المسلمين وإيهامهم أن سوءا قد أصاب أقاربهم، هذه حيل الشيطان في تحريض أتباعه، ليفعلوا أشياء تصيب أحد المسلمين بالحزن، أو الرعب أو الخوف، مع أن عقيدتنا في القضاء والقدر تفيد أن أحدا لا يضر أو ينفع إلا بإذن الله ومشيئته وإرادته، وعلى الله وحده فليتوكل وليعتمد وليثق المؤمنون، ولا يبالوا بنجوى المنافقين، فإن الله يعصمهم من شرهم وكيدهم.
أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإذ ذلك يحزنه " xi
النجوى يوم القيامة
أخرج البخاري، ومسلم، وأحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أن قد هلك، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين " xii.
أدب المجالس
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ١١ ) ﴾
المفردات :
تفسحوا في المجالس : توسعوا في أماكن الجلوس.
فافسحوا : فتوسعوا.
انشزوا : انهضوا للتوسعة على المقبلين.
فانشزوا : فانهضوا ولا تتباطئوا.
يرفع الله الذين آمنوا : يرفع منزلتهم يوم القيامة.
والذين أوتوا العلم درجات : ويرفع العالمين منهم خاصة، درجات في الكرامة وعلو في المنزلة.
تمهيد :
حذر القرآن من أسباب البغض والفرقة فيما سبق، حيث نهى عن التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وهنا يحث على أسباب المحبة والمودة والصفاء، وذلك بالتوسعة في مجالس العلم والذكر والقتال وسائر المجالس، وإذا طلب القائد من شخص ترك مكانه لآخر فينبغي أن يستجيب، فإن في ذلك سببا لرفعة شأنه، وعلو أجره، والله تعالى مطلع على القلوب والنفوس، وخبير بما فيها.
سبب النزول :
أخرج ابن جرير الطبري، عن قتادة قال : كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا، ضنوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل أنها نزلت يوم جمعة، وقد جاء ناس من أهل بدر، وفي المكان ضيق، فلم يفسح لهم، فقاموا على أرجلهم، فأقام صلى الله عليه وسلم نفرا بعدتهم وأجلسهم مكانهم، فكره أولئك النفر ذلك فنزلت.
التفسير :
١١- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير ﴾
تضع هذه الآية نظاما جميلا عند اجتماع المسلمين في الجمعة والأعياد، والعزاء والأفراح، وأماكن القتال وسائر أنواع الاجتماع، فترشدهم إلى عدم الالتصاق بالمكان، وترشدهم إلى عدم التضييق على القادمين، بل ينبغي أن يتفسحوا ويوسعوا للقادمين، ويتعاونوا معهم، وهو أدب ينبغي اتباعه في كل مناحي الحياة، ومبدأ يجب أن يطبق في الرغبة في مساعدة الآخرين، وتسهيل أمورهم، لمن يملك ذلك، فإن الله تعالى يعاون من فعل ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه " xiii.
﴿ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير ﴾.
إذا طلب منكم التضحية بمجلسكم القريب من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من ولي الأمر، أو صاحب السلطان، أو صاحب المنزل، فاسمعوا وأطيعوا، ولا تظنوا أن في ذلك غبنا لكم، أو نقصا لمنزلتكم، فقد وعد الله سبحانه وتعالى برفع درجة المؤمنين جزاء صدقهم في إيمانهم.
كما وعد الله برفع منزلة العلماء والفقهاء درجات أعلى، وفي ذلك بيان لفضل العلم، وحث على التعلم والتعليم، ودعوة إلى معرفة كتاب الله وسنة رسوله، وآراء الفقهاء والعلماء، فإن ذلك من أسباب العز في الدنيا، والارتقاء في درجات الجنة في الآخرة.
كما تحث الآية على الإخلاص، ونظافة القلب، والتعاون مع أفراد الأمة، والتواضع، والاستجابة لما يطلب من المسلم في سبيل الصالح العام.
وفي الحديث الشريف : " ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال من صدقة، وما تواضع أحد لله إلا رفعه، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، فاعفوا يعزكم الله " xiv.
وقد ختم الله الآية بقوله : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير. فهو سبحانه مطلع على أعمالكم ومجازيكم عليها، ومنها أعمال القلوب التي لا تجد غضاضة ولا كراهية عند التوسعة لإنسان قادم، ولا تكره أن تقوم من المجلس إذا طلب منها ذلك من أجل المصلحة.
في أعقاب التفسير
١- أخرج الشيخان، وأحمد، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقوم الرجل من مجلس فيجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا ". xv
٢- قال ابن كثير في تفسيره :
اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال :
فمنهم من رخص في ذلك محتجا بحديث : " قوموا إلى سيدكم "، ومنهم من منع ذلك محتجا بحديث : " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " xvi.
ومنهم من فصل فقال : يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في محل ولايته، كما دلت عليه قصة سعد بن معاذ، فإنه لما استقدمه النبي صلى الله عليه وسلم حاكما في بني قريظة فرآه مقبلا، قال للمسلمين : " قوموا إلى سيدكم " xvii. وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، والله أعلم، فأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم، وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا جاء لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك.
وفي الحديث المروي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس، فكان الصحابة رضي الله عنهم يجلسون من على مراتبهم، فالصديق رضي الله عنه يجلسه عن يمينه، وعمر عن يساره، وبين يديه غالبا عثمان وعلي لأنهما كانا ممن يكتب الوحي، وكان يأمرهما بذلك، كما روى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " ليليني منكم أولو ألأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " xviii.
٣- قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره :
وقوله تعالى :﴿ يفسح الله لكم ﴾. مطلق في كل ما يطلب الناس الفسحة فيه، في المكان، والرزق، والصدر، والقبر، والجنة، واعلم أن الآية دلت على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة، وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة، وفي الحديث : " لا يزال الله في عون العبد مازال العبد في عون أخيه " xix.
٤- قال ابن مسعود :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ... ﴾
مدح الله العلماء في هذه الآية، ثم قال ابن مسعود : يا أيها الناس افهموا هذه الآية، ولترغبكم في العلم، فإن الله يرفع المؤمن العالم فوق المؤمن الذي ليس بعالم درجات.
٥- قال القرطبي في تفسيره :
بين في هذه الآية أن الرفعة عند الله بالعلم بالإيمان، لا بالسبق إلى صدور المجالس، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء ". فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٦- جاء في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ما يأتي :
روى مسلم، وأحمد، عن أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة، فقال له عمر : من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال : استخلفت عليهم ابن أبزى، رجلا من موالينا، فقال عمر، استخلفت عليهم مولى ؟ فقال : يا أمير المؤمنين، إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، قاض، فقال عمر رضي الله عنه : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين " xx. ( حديث حسن رواه ابن ماجة، عن عثمان رضي الله عنه ).
ثم قال ابن كثير : وقد ذكرت فضل العلم وأهله وما ورد في ذلك من الأحاديث مستقصاة في " شرح كتاب العلم " من صحيح البخاري، ولله الحمد والمنة " xxi
وعن ابن عباس : خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك، فاختار العلم : فأعطي المال والملك معه.
الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ١٢ ) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ١٣ ) ﴾
تمهيد :
كان بعض الناس يكثرون السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير حاجة شديدة لذلك، والرسول بشر له حاجات خاصة، ويحتاج إلى وقت لمناجاة ربه، ووقت لتبليغ الرسالة، ووقت لتنظيم أمور الدعوة، وكان بعض الأغنياء يقضي وقتا أطول في مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم : فأنزل الله تعالى آية تأمر بتقديم صدقة للفقراء بين يدي أسئلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يستمر العمل بهذه الآية إلا وقتا قليلا، ثم أنزل الله تعالى الآية التالية لها، التي ترفع هذا التكليف، وتطلب عوضا عنه المحافظة على الصلاة، وإخراج الزكاة، وطاعة الله ورسوله.

سبب النزول :


١-
أخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال : إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فأنزل :﴿ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... ﴾فلما نزلت صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعد ذلك :﴿ ءأشفقتم.. ﴾. الآية.

٢-
وأخرج الترمذي وحسنه، وغيره عن علي قال : لما نزلت :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... ﴾قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :" ما ترى، دينار " ؟ قلت : لا يطيقونه، قال :" فنصف دينار " ؟ قلت : لا يطيقونه، قال :" فكم " ؟ قلت : شعيرة، قال : إنك لزهيد، فنزلت :﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ... ﴾الآية، فبي خفف الله عن هذه الأمة. xxii.

٣-
وقال مقاتل بن حيان : نزلت الآية في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته، ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، من طول جلوسهم ومناجاتهم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، وأمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا، وأما أهل الميسرة فبخلوا، واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الرخصة.
المفردات :
ناجيتم الرسول : أردتم مناجاته والتحدث معه.
فقدموا بين يدي نجواكم صدقة : قدموا قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم صدقة تضعونها بين يديه ليدفعها الفقراء، وفي ذلك نفع للفقراء، وتعظيم لقدر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحث على عدم الإفراط في الأسئلة، وفيه تمييز بين المنافقين والمؤمنين، فالمنافق محب للدنيا ضنين بالمال، وبإخراج صدقة.
خير لكم وأطهر : أزكى للنفوس، وأبعد عن الريبة وحب المال.
التفسير :
١٢- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
يا أيها الذين آمنوا، إذا رغبتم في مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلوة به للإجابة على أسئلتكم، فقدموا صدقة قبل المناجاة، يأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم ويتصدق بها على الفقراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا صدقة ".
وكان من صفاته صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، وتقديم الصدقة بين يدي المناجاة فيه منفعة للفقراء، وتعويد للأغنياء على الصدقة، وتطهير للنفس من الشح، وفيه استجماع قوى السائل، فإذا كان السائل فقيرا لا يجد صدقة يقدمها فقد أسقط الله عنه ذلك التكليف، وغفر له ورحمه، وأباح له المناجاة بدون تقديم صدقة، لقوله تعالى :﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
وظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجبا، لأن الأمر للوجوب، ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية :﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
فإن ذلك لا يقال إلا لترك الوجوب، وقال بعضهم : إن الأمر هنا للندب والاستحباب.
والأول أظهر، حيث نسخ الله وجوب تقديم صدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالآية التي تليها.
وأنكر أبو مسلم الأصفهاني وقوع النسخ، وقرر أن الأمر بتقديم الصدقة على النجوى لتمييز المؤمن المخلص من المنافق، فلما تحقق الغرض انتهى الحكم، أي أن ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة فوجب انتهاؤه بانتهاء تلك الغاية، فلا يكون هذا نسخا.
قال الإمام فخر الدين الرازي : وهذا الكلام حسن ما به بأس. ١ه.
أي أنه كان أمرا مرحليا مؤقتا، مقصودا منه تخفيف الضغط على الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الأسئلة والمناجاة، ومعرفة المؤمن الذي يهون عليه المال في سبيل المناجاة من المنافق الذي يعظم المال، فلما تحقق ذلك أسقط الله ذلك التكليف.
والمشهور عند الجمهور أن الأمر بتقديم الصدقة قبل المناجاة منسوخ بقوله تعالى :﴿ أأشفقتم... ﴾الآية.
تمهيد :
كان بعض الناس يكثرون السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير حاجة شديدة لذلك، والرسول بشر له حاجات خاصة، ويحتاج إلى وقت لمناجاة ربه، ووقت لتبليغ الرسالة، ووقت لتنظيم أمور الدعوة، وكان بعض الأغنياء يقضي وقتا أطول في مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم : فأنزل الله تعالى آية تأمر بتقديم صدقة للفقراء بين يدي أسئلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يستمر العمل بهذه الآية إلا وقتا قليلا، ثم أنزل الله تعالى الآية التالية لها، التي ترفع هذا التكليف، وتطلب عوضا عنه المحافظة على الصلاة، وإخراج الزكاة، وطاعة الله ورسوله.

سبب النزول :


١-
أخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال : إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فأنزل :﴿ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... ﴾فلما نزلت صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعد ذلك :﴿ ءأشفقتم.. ﴾. الآية.

٢-
وأخرج الترمذي وحسنه، وغيره عن علي قال : لما نزلت :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... ﴾قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :" ما ترى، دينار " ؟ قلت : لا يطيقونه، قال :" فنصف دينار " ؟ قلت : لا يطيقونه، قال :" فكم " ؟ قلت : شعيرة، قال : إنك لزهيد، فنزلت :﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ... ﴾الآية، فبي خفف الله عن هذه الأمة. xxii.

٣-
وقال مقاتل بن حيان : نزلت الآية في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته، ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، من طول جلوسهم ومناجاتهم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، وأمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا، وأما أهل الميسرة فبخلوا، واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الرخصة.
المفردات :
أأشفقتم : أخفتم، أو شق عليكم.
تاب الله عليكم : قبل توبتكم، أو رخص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة.
التفسير :
١٣- ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
أي : أبخلتم وخفتم الفقر خشية أن تقدموا عددا من الصدقات، كلما أردتم مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وفي هذا الاستفهام عتاب رفيق رقيق، وتوجيه للمسلمين إلى أهمية المحافظة على وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان قيمة الوقت الذي يقضيه السائل في مناجاته وحده، وخلوته به وحده، والنبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه شئون أمة بأسرها.
قيل : كان العمل بالآية السابقة عشرة أيام، وقيل : كان يوما واحدا.
لقد كان الحق سبحانه وتعالى يربي هذه الأمة ويهذبها، ويرشدها إلى الأمثل والأفضل، ويطهرها ويزكيها بآداب الوحي الإلهي، وما إن تحقق المراد حتى خفف الله عن الأمة وجوب تقديم الصدقة قبل المناجاة.
﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
فحين لم تقوموا بتقديم الصدقات قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عذركم الله وقبل توبتكم، أو تاب عليكم بمعنى غفر لكم وخفف عنكم، فافعلوا ما فرض عليكم من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله في جميع ما تؤمرون به.
﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
فهو محيط بنواياكم وأعمالكم، ومجازيكم بما قدمتم لأنفسكم من خير وشر.
قال تعالى في هذا المعنى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ( الزلزلة : ٧-٨ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى*وأن سعيه سوف يرى*ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾. ( النجم : ٣٩-٤١ ).
وجاء في التفسير المنير للأستاذ وهبة الزحيلي :
وليس في الآية إشارة إلى وقوع تقصير من الصحابة في تقديم الصدقة، فقد يكون عدم الفعل لأنهم لم يناجوا، ولا يدل أيضا قوله :﴿ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾. على أنهم قصروا، لأن المعنى : أنه تاب عليهم برفع التكليف عنهم تخفيفا، ومثل هذا يجوز أن يعبر عنه بالتوبةxxiii
حال المنافقين الذين يولون غير المؤمنين
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ١٤ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٥ ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ١٦ ) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ١٧ ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ١٨ ) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ١٩ ) ﴾
تمهيد :
كان المنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يوالون اليهود ويمدونهم بالمعلومات عن المسلمين، والقرآن هنا يتعجب من حالهم، فهم يتولون اليهود بالمودة والمؤازرة، واليهود قوم غضب الله عليهم، ولعنهم وجعل منهم القردة، والمنافقون كالشاة الحائرة بين قطيعين من الغنم، فهي مترددة في اتباع أيهما، فهم يوالون اليهود ويتظاهرون بالإسلام أمام المسلمين، فليسوا من المسلمين حقا، وليسوا يهودا.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾... ( النساء : ١٤٣ ).
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم وكذبهم وحلفهم بالله كذبا، مع علمهم بأنها يمين غموس، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.

من أسباب النزول :

أخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل يتقلص، فقال :" إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه "، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه :" علام تشمتني أنت وأصحابك " ؟ فقال : ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم، فخلفوا ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له، كما يحلفون لكم... ﴾( المجادلة : ١٨ ).
المفردات :
ألم تر : تنظر، أو أخبرني، وهو أسلوب يراد به التعجيب للمخاطب من حال هؤلاء المنافقين.
الذين تولوا : والوا ووادوا وأحبوا، وهم المنافقون.
قوما غضب الله عليهم : هم اليهود.
ويحلفون على الكذب : وهو قولهم : والله إنا لمسلمون.
التفسير :
١٤- ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
ألم تنظر يا محمد إلى هؤلاء المنافقين، يتظاهرون بالإسلام، ثم يقدمون العون والدعم والمودة والمؤازرة لليهود الذين غضب عليهم وجعل منهم القردة.
والمنافقون مذبذبون مترددون حائرون، كالشاة الحائرة بين قطعتين من الغنم، تتردد في الانحياز إلى أي القطيعين، وكذلك المنافقون ليسوا من المسلمين، فهم يدعون الإسلام كذبا، وليسوا من اليهود بل من عملائهم.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فل تجد له سبيلا ﴾.
( النساء : ١٤٣ )
وإذا انكشف أمرهم وواجههم النبي صلى الله عليه وسلم بسوء طويتهم، أقسموا أنهم مسلمون، أو أنهم لا يضمرون للنبي صلى الله عليه وسلم أيّ سوء، وهم يعلمون أنها يمين غموس فاجرة كاذبة، فهم يقسمون كاذبين مع علمهم أنهم كاذبون.
قال تعالى :
﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾.
( المنافقون : ١ ).
تمهيد :
كان المنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يوالون اليهود ويمدونهم بالمعلومات عن المسلمين، والقرآن هنا يتعجب من حالهم، فهم يتولون اليهود بالمودة والمؤازرة، واليهود قوم غضب الله عليهم، ولعنهم وجعل منهم القردة، والمنافقون كالشاة الحائرة بين قطيعين من الغنم، فهي مترددة في اتباع أيهما، فهم يوالون اليهود ويتظاهرون بالإسلام أمام المسلمين، فليسوا من المسلمين حقا، وليسوا يهودا.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾... ( النساء : ١٤٣ ).
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم وكذبهم وحلفهم بالله كذبا، مع علمهم بأنها يمين غموس، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.

من أسباب النزول :

أخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل يتقلص، فقال :" إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه "، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه :" علام تشمتني أنت وأصحابك " ؟ فقال : ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم، فخلفوا ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له، كما يحلفون لكم... ﴾( المجادلة : ١٨ ).
التفسير :
١٥- ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
هيأ الله لهم يوم القيامة عذابا أليما، حيث قال تعالى :﴿ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ﴾. ( النساء : ١٤٥ ).
وذلك بسبب سوء فعالهم وغشهم للمسلمين ومعاداتهم، ونصحهم للكافرين وموالاتهم، ألا ساء ما فعلوا من الأعمال القبيحة، والتلون والخداع والكذب، وإن ذا الوجهين لا يكون وجيها عند الله.
تمهيد :
كان المنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يوالون اليهود ويمدونهم بالمعلومات عن المسلمين، والقرآن هنا يتعجب من حالهم، فهم يتولون اليهود بالمودة والمؤازرة، واليهود قوم غضب الله عليهم، ولعنهم وجعل منهم القردة، والمنافقون كالشاة الحائرة بين قطيعين من الغنم، فهي مترددة في اتباع أيهما، فهم يوالون اليهود ويتظاهرون بالإسلام أمام المسلمين، فليسوا من المسلمين حقا، وليسوا يهودا.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾... ( النساء : ١٤٣ ).
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم وكذبهم وحلفهم بالله كذبا، مع علمهم بأنها يمين غموس، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.

من أسباب النزول :

أخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل يتقلص، فقال :" إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه "، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه :" علام تشمتني أنت وأصحابك " ؟ فقال : ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم، فخلفوا ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له، كما يحلفون لكم... ﴾( المجادلة : ١٨ ).
المفردات :
اتخذوا أيمانهم جنة : أعدوها سترا ووقاية ليخلصوا من المؤاخذة.
فصدوا عن سبيل الله : صدوا بأيمانهم الناس عن دين الله، بالتحريش والتثبيط.
التفسير :
١٦- ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
جعلوا من أيمانهم الكاذبة وقاية وسترا لحفظ دمائهم، وتستروا تحت إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وبذلك ثبطوا الناس عن الدخول في الإسلام، وبثوا الفتن بين ضعاف الإيمان، فصدوهم عن سبيل الله ودينه.
لذلك أعد الله لهم عذابا مؤلما، يلازمه الذل والهوان في نار جهنم، فهو عذاب شديد مؤلم، وهو في نفس الوقت مشتمل على الذل والمهانة لهم، جزاء خداعهم وكذبهم.
تمهيد :
كان المنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يوالون اليهود ويمدونهم بالمعلومات عن المسلمين، والقرآن هنا يتعجب من حالهم، فهم يتولون اليهود بالمودة والمؤازرة، واليهود قوم غضب الله عليهم، ولعنهم وجعل منهم القردة، والمنافقون كالشاة الحائرة بين قطيعين من الغنم، فهي مترددة في اتباع أيهما، فهم يوالون اليهود ويتظاهرون بالإسلام أمام المسلمين، فليسوا من المسلمين حقا، وليسوا يهودا.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾... ( النساء : ١٤٣ ).
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم وكذبهم وحلفهم بالله كذبا، مع علمهم بأنها يمين غموس، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.

من أسباب النزول :

أخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل يتقلص، فقال :" إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه "، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه :" علام تشمتني أنت وأصحابك " ؟ فقال : ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم، فخلفوا ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له، كما يحلفون لكم... ﴾( المجادلة : ١٨ ).
المفردات :
من الله شيئا : من عذاب الله شيئا، من الإغناء.
التفسير :
١٧- ﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
كان المنافقون يحرصون على جمع المال، ويرون الأولاد عدة لهم في تنفيذ مهامهم، وادعوا أنهم سينتصرون يوم القيامة بأنفسهم وأموالهم وأولادهم : فنزلت الآية.
وتفيد الآية أنه لن ينفعهم أي شيء يوم القيامة، وإنما ذكر المال والولد لعناية المنافقين بهما.
قال تعالى :﴿ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ﴾. ( التوبة : ٥٥ ).
لقد حرموا نعيم الجنة، واستبدلوا ذلك بالإقامة الدائمة في جهنم، حتى كأنهم أهلها المخلدون فيها.
قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٣٦ ) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾. ( المائدة : ٣٦-٣٧ ).
تمهيد :
كان المنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يوالون اليهود ويمدونهم بالمعلومات عن المسلمين، والقرآن هنا يتعجب من حالهم، فهم يتولون اليهود بالمودة والمؤازرة، واليهود قوم غضب الله عليهم، ولعنهم وجعل منهم القردة، والمنافقون كالشاة الحائرة بين قطيعين من الغنم، فهي مترددة في اتباع أيهما، فهم يوالون اليهود ويتظاهرون بالإسلام أمام المسلمين، فليسوا من المسلمين حقا، وليسوا يهودا.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾... ( النساء : ١٤٣ ).
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم وكذبهم وحلفهم بالله كذبا، مع علمهم بأنها يمين غموس، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.

من أسباب النزول :

أخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل يتقلص، فقال :" إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه "، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه :" علام تشمتني أنت وأصحابك " ؟ فقال : ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم، فخلفوا ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له، كما يحلفون لكم... ﴾( المجادلة : ١٨ ).
المفردات :
يوم يبعثهم : اذكر لهم ذلك اليوم.
فيحلفون له : أنهم مؤمنون.
التفسير :
١٨- ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾
أي : حين يبعثهم الله جميعا من قبورهم، ويساقون للوقوف بين يدي علام الغيوب، فيحلفون بالله ويقولون :﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾. ( الأنعام : ٢٣ ).
فإن من شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فهؤلاء تعودوا على اليمين الغموس، حتى بين يدي علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية، يحلفون أمامه في الآخرة كما كانوا يفعلون في الدنيا، ظانين أن هذه اليمين ستجعلهم يفلتون من عذاب الله في الآخرة.
قال أبو حيان :
والعجب منهم كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على علام الغيوب، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم ؟ والمقصود : أنهم تعودوا الكذب حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا. ١ه.
﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾.
إنهم حقا أهل كذب ونفاق وخداع، لذلك أكد الله كذبهم بأداة الاستفتاح، وبحرف ( إن )، وبإسمية الجملة.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين*انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾. ( الأنعام : ٢٣-٢٤ ).
تمهيد :
كان المنافقون شوكة في جنب المسلمين، وكانوا يوالون اليهود ويمدونهم بالمعلومات عن المسلمين، والقرآن هنا يتعجب من حالهم، فهم يتولون اليهود بالمودة والمؤازرة، واليهود قوم غضب الله عليهم، ولعنهم وجعل منهم القردة، والمنافقون كالشاة الحائرة بين قطيعين من الغنم، فهي مترددة في اتباع أيهما، فهم يوالون اليهود ويتظاهرون بالإسلام أمام المسلمين، فليسوا من المسلمين حقا، وليسوا يهودا.
قال تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾... ( النساء : ١٤٣ ).
وقد أنذرهم الله بالعذاب، وأبان بواعث أفعالهم وكذبهم وحلفهم بالله كذبا، مع علمهم بأنها يمين غموس، فهم أتباع الشيطان وأنصاره.

من أسباب النزول :

أخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل يتقلص، فقال :" إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم لا تكلموه "، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له حين رآه :" علام تشمتني أنت وأصحابك " ؟ فقال : ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم، فخلفوا ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له، كما يحلفون لكم... ﴾( المجادلة : ١٨ ).
المفردات :
استحوذ : استولى عليهم، وأحاط بهم، وغلب على عقولهم.
حزب الشيطان : أعوانه وأتباعه وأنصاره.
التفسير :
١٩- ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
لقد استولى الشيطان على عقولهم وأفكارهم، فأنساهم ذكر الله وطاعته، فذكروا الدنيا وأموالها وأولادها ومغانمها، ونسوا ذكر الله، أولئك المنافقون هم حزب الشيطان وأتباعه، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، فقد باعوا آخرتهم، واشتروا دنياهم، وباعوا جنة عرضها السماوات والأرض، واشتروا الدرك الأسفل من النار.
قال الكرماني :
علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره، من المآكل والمشارب والملابس، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه، والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان، ويُشغل عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعهاxxiv.
ولاء المؤمنين لله وحده
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ( ٢٠ ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( ٢١ ) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ٢٢ ) ﴾
تمهيد :
في ختام سورة المجادلة يذكر القرآن خسارة المنافقين، وسبب خسارتهم وهو مشاقة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أمرهما، ثم أخبر سبحانه وتعالى عن قضائه المبرم بنصر الرسل وهزيمة أعدائهم، ثم ذكر أن الإيمان لا يجتمع في القلب مع مودّة أعداء الله، لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب مع ذلك عدوّه.
المفردات :
يحادون : يعادون ويشاقّون ويخالفون، فهم في حدّ، والشرع والهدى في حد.
الأذلين : المغلوبين، أذلّ خلق الله.
التفسير :
٢٠- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾
إن الذين يعادون الله ورسوله، فيكرهون دين الله، ويعادون رسول الله، ويبغضون شرع الله، هؤلاء الكفار الملحدون، أو المنافقون المارقون، أو اليهود المعاندون، أو كل قوة تشتمل على بغض دين الله ومعاداة هذا الدين، هؤلاء يذلهم الله في الدنيا أشد الذل، ويكتب عليهم القهر والمهانة والخيبة والهوان، فإن أصابوا خيرا في الدنيا أو علوّا في الأرض، فلن يفلتوا من عذاب الآخرة ومهانتها، ليتحقق وعد الله بأنهم في الأذلين، أي مجموعة من هو أشذّ ذلاّ وأكثر مهانة وهوانا.
وقد جاءت هذه الآية في أعقاب الحديث عن المنافقين وموالاتهم لليهود، يبتغون الأمان والرفعة وحسن المستقبل، فبين الله أن هناك حزبين أو طريقين : حزب الله أو طريق الله، ومآله النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، وحزب الشيطان أو طريق الشيطان، وهو حزب أعداء الإسلام، أو أتباع الشيطان، وكيد هؤلاء ضعيف، ومآلهم الذلّ والهوان.
تمهيد :
في ختام سورة المجادلة يذكر القرآن خسارة المنافقين، وسبب خسارتهم وهو مشاقة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أمرهما، ثم أخبر سبحانه وتعالى عن قضائه المبرم بنصر الرسل وهزيمة أعدائهم، ثم ذكر أن الإيمان لا يجتمع في القلب مع مودّة أعداء الله، لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب مع ذلك عدوّه.
المفردات :
كتب الله : قضى وحكم.
لأغلبن : بالحجة والقوة.
التفسير :
٢١- ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾.
قضى الله وأثبت ذلك، وأيده وأكده، وهو أن تكون الغلبة والنصر لرسل الله وأوليائه وأحبابه، وأتباع دينه وشرعه ورسله، فالله غالب على أمره وهو سبحانه، قوي. لا يغلبه غالب، عزيز. لا يغلبه على مراده كائن مهما كان، وقد حدث ذلك في تاريخ البشرية، حيث نصر الله المرسلين وهزم المكذبين، فقد نصر الله نوحا وأغرق الكافرين به، وكذلك نصر هودا وصالحا وشعيبا وموسى، وأهلك المكذبين بهم.
قال تعالى :﴿ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ﴾. ( الإسراء : ١٧ ).
وقيل : إن المراد بغلبة الله ورسله، الغلبة بالحجة لاطرادها، وهو خلاف الظاهر، فالعاملون المخلصون ينصرهم الله في النهاية، وقد يتأخر النصر لحكمة إلهية، هي امتحان المؤمنين واستشارة إخلاصهم واستعدادهم ورغبتهم.
قال تعالى :﴿ حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا... ﴾( يوسف : ١١٠ ).
وقال تعالى :﴿ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾. ( محمد : ٤ ).
وفي هذا المعنى قال تعالى :﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين*إنهم لهم المنصورون*وإنّ جندنا لهم الغالبون ﴾. ( الصافات : ١٧١-١٧٣ ).
وقال مقاتل في سبب نزول هذه الآية :
لما فتح الله تعالى مكة والطائف وخيبر وما حولها للمؤمنين، قالوا : نرجو أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم، فقال عبد الله بن أُبيّ : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظهروا عليهم، فنزلت الآية :﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾.
تمهيد :
في ختام سورة المجادلة يذكر القرآن خسارة المنافقين، وسبب خسارتهم وهو مشاقة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أمرهما، ثم أخبر سبحانه وتعالى عن قضائه المبرم بنصر الرسل وهزيمة أعدائهم، ثم ذكر أن الإيمان لا يجتمع في القلب مع مودّة أعداء الله، لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب مع ذلك عدوّه.
المفردات :
يوادون من حاد الله : يصادقون.
ولو كانوا آباءهم : ولو كان المحادون أقرب الناس إليهم.
أو عشيرتهم : العشيرة هي القبيلة، والجمع عشيرات وعشائر.
كتب في قلوبهم الإيمان : أثبت الإيمان في قلوبهم.
أيدهم : قوّاهم.
بروح منه : بنور من عند الله يقذفه في القلوب، فتطمئن وتسكن.
حزب الله : جنده وأنصار دينه، يتبعون أمره ويجتنبون نهيه.
هم المفلحون : الفائزون بخير الدّارين.
أسباب نزول الآية ٢٢
﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا... ﴾
أخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس عن عبد الله بن شوذب، قال : نزلت هذه الآية في عبيدة بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، فنزل قوله تعالى :
﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ... ﴾ الآية.
وقال الرازي : إن الأكثرين اتفقوا على أن قوله تعالى :﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا ﴾... نزل في حاطب بن أبي بلتعة، وإخباره أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لما أراد فتح مكة.
التفسير :
٢٢- ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
لا ينبغي ولا يجوز لمن آمن بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، أن يجمع في قلبه بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وبين حب الكافرين الفاسقين، لأن من أحب الله ورسوله كره عدوهما من الكفار والفسّاق والمنافقين، ولو كان هذا الكافر أقرب الناس إليه، كالأب والابن والأخ والقريب من العشيرة، هؤلاء هم المؤمنون الصادقون الذين أخلصوا إيمانهم لله، واستعلوا بإيمانهم على موالاة أعداء الله مهما كانت قرابتهم.
أولئك ثبَّت الله الإيمان في قلوبهم، كما يثبت القول والعهد بكتابته، ومنحهم الرضا والتوفيق، والهدى والروح الطاهرة المتصلة بالله، وأعد لهم في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار، فيها نعيم مقيم، وخلود أبدي سرمدي، مع قربهم من الله تعالى ورضوانه عنهم، فقد فقدوا مودة آبائهم وأقاربهم من أجل مرضاة الله، فعوضهم الله رضوانه عليهم، فلا يسخط عليهم أبدا، ومنحهم الرضا بالجنة ونعميها، والرضا لقربهم من ربهم ومحبته، فيا لها من نعمة، نعمة الرضا المتبادل بينهم وبين ربهم وخالقهم، الرضا بين العبد الفاني والإله الباقي، الرضا بين المخلوق الضعيف والخالق القوي المتين، الرضا بين مؤمن أرضى ربه في الدنيا فأرضاه الله في الآخرة.
﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
هؤلاء أحباب الله وأولياؤه، وأهل رضاه ومحبته، ومن كان في طريق الله ومرضاته فإنه أهل للفلاح والنجاح، والفوز في الدنيا، والسعادة في الآخرة.
في أعقاب تفسر الآية
قال ابن كثير في تفسيره :
نزلت هذه الآية في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر، وفي أبي بكر الصديق همَّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ، وفي عمر بن الخطاب قتل قريبا له يومئذ، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ. ١ه.
أي أن منهم من قتل أباه، ومنهم من قتل ابنه، ومنهم من قتل أخاه، ومنهم من قتل قريبا له، ومنهم من قتل بعض أفراد عشيرته وأسرته ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... ﴾
ومعنى هذا أن الله أنزل هذه الآية فيهم، أي أنها مما ينطبق معناها عليهم، ومما يشرح بعض مدلول الآية، فقد قال علماء علوم القرآن :( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب )، أي أن الآية عامة في كل مؤمن يجعل مودَّته وطاعته وإخلاصه لله، ولا يوالي أي قريب أو حبيب إذا كان من أعداء الله، والآية مع ذلك تنطبق على أفراد من الصحابة قتلوا بعض أقاربهم مرضاة لله تعالى في غزوة بدر، أو في غيرها من المواقع.
من تفسير القاسمي بتصرف
تنبيهات
الأول :
من أشباه هذه الآية قوله تعالى :﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ... ﴾( آل عمران : ٢٨ ).
وقوله تعالى :﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾. ( التوبة : ٢٤ ).
قال ابن كثير :
ومن هذا القبيل حيث استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يُفادوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم، وقال عمر : لا أرى يا رسول الله، هل تمكنني من فلان – قريب لعمر – فأقتله، وتمكن عليا من عقيل، وتمكن فلانا من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين ؟.
الثاني :
قال ابن كثير : في قوله تعالى :﴿ رضي الله عنهم ورضوا عنه... ﴾سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى، عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم.
الثالث :
يفهم من قوله تعالى :﴿ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... ﴾وقوله في آية أخرى :﴿ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء... ﴾( الممتحنة : ١ ). أن المراد بهم المحاربون لله ولرسوله، الصادون عن سبيله، المجاهرون بالعداوة والبغضاء، وهم الذين أخبر عنهم قبل بأنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، فتشمل الآية المشركين وأهل الكتاب المحاربين المحادين لنا، أي الذين على حد منا ومجانبة لشئوننا، تحقيقا لمخالفتنا، وترصدا للإيقاع بنا. وأما أهل الذمة الذين بين أظهرنا، ممن رضي بأداء الجزية لنا وسالمنا، واستكان لأحكامنا وقضائنا، فأولئك لا تشملهم الآية، لأنهم ليسوا بمحادّين لنا بالمعنى الذي ذكرناه، ولذا كان لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وجاز التزوج منهم، ومشاركتهم، والاتجار معهم، وعيادة مرضاهم، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم يهوديّا، وعرض عليه الإسلام فأسلم – كما رواه البخاري. xxv
وعلى الإمام حفظهم والمنع من أذاهم، واستنقاذ أسراهم، لأنه جرت عليهم أحكام الإسلام، وتأبد عهدهم، فلزمه ذلك كما لزم المسلمين – كما في ( الإقناع ) و( شرحه ).
وقال ابن القيّم في ( إغاثة اللهفان ) في الرد على المتنطعين الذين لا تطيب نفوسهم بكثير من الرخص المشروعة : ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب من دعاه فيأكل طعامه، وأضافه يهودي بخبز شعير وإهالة سنخة، وكان المسلمون يأكلون من أطعمة أهل الكتاب، وشرط عمر رضي الله عنه ضيافة من مرّ بهم من المسلمين وقال : أطعموهم مما تأكلون. وقد أحل الله عز وجل ذاك في كتابه، ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام صنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه فقال : أين هو ؟ قالوا : في الكنيسة، فكره دخولها، وقال لعليّ رضي الله عنه : اذهب بالناس. فذهب علي بالمسلمين، فدخلوا وأكلوا، وجعل عليّ رضي الله عنه ينظر إلى الصورة وقال : ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل. انتهى.
والأصل في هذا قوله تعالى :﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( ٨ ) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾. ( الممتحنة : ٨-٩ ).
قال السيد ابن المرتضى اليمانيّ في ( إيثار الحق ) : عن الإمام المهديّ محمد بن المطهّر أن الموالاة المحرمة بالإجماع هي أن تحب الكافر لكفره، والعاصي لمعصيته، لا لسبب آخر، من جلب نفع أو دفع ضرر، أو خصلة خير فيه. وسيأتي في أول سورة الممتحنة زيادة على هذا إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيقxxvi.
i في ظلال القرآن، بقلم سيد قطب ٢٨/٨.
ii بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ١/٤٥٦
iii أخرجه أحمد وأبو داود.
iv رواه ابن جرير، قال ابن كثير : وإلى ما ذكرناه ذهب ابن عباس والأكثرون. وانظر مختصر تفسير ابن كثير تحقيق محمد علي الصابوني المجلد الثالث ص ٤٥٩.
v حكاه الآلوسي.
vi حكاه القرطبي.
vii انظر تفسير المراغي والآلوسي، والتفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية.
viii الحمد لله الذي وفق :
رواه أبو داود في الأقضية ( ٣٥٩٢ ) والترمذي في الأحكام ( ١٣٧٢ ) والدارمي في المقدمة ( ١٦٨ ) وأحمد في مسنده ( ٢١٥٠٢-٢١٥٥٦-٢١٥٩٥ ) عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال : " كييف تقضي إذا عرض لك قضاء " ؟ قال : " أقضي بكتاب الله، قال : " فإن لم تجد في كتاب الله " ؟ قال : فبسنة رسول الله، قال : " فإن لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله " ؟ قال : أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ". قال أبو عيسى : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل. وقال الزيلعي في نصب الراية : وأخرجاه أيضا عن أناس من أصحاب معاذ أن رسول الله... مرسلا، قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بمتصل، انتهى. وقال البخاري في " تاريخه الكبير " : الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي عن أصحاب معاذ عن معاذ، روى عنه أبو عون، ولا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل، انتهى. وفيه كتاب. ورواه النسائي في آداب القضاء ( ٥٣٩٩ ) والدارمي في المقدمة ( ١٦٧ ) عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله فكتب إليه أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولم يقض به الصالحون فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر، ولا أرى لتأخر إلا خيرا لك، والسلام عليكم.
ix مهلا يا عائشة إن لله يحب الرفق :
رواه البخاري في الأدب ( ٦٠٢٤ ) ومسلم في السلام ( ٢١٦٥ ) من حديث عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج
Icon