تفسير سورة الملك

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الملك من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الملك مكية
وهي ثلاثون آية وفيها ركوعان.

﴿ تبارك ﴾ : تعظم، ﴿ الذي بيده الملك ﴾ : التصرف في الأمور كلها، ﴿ وهو على كل شيء قدير ﴾.
﴿ الذي خلق الموت١ والحياة ﴾، اختلف العلماء هل الموت صفة وجودية مضادة للحياة كما دلت عليه الآية أو هو عدم الحياة، فمن قال بالثاني ذكر في تفسيرها قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها، وعن بعض المراد أوجد الخلق من العدم، فسمى العدم موتا كما قال تعالى :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ﴾ ( البقرة : ٢٨ ) ﴿ ليبلوكم ﴾ : ليعاملكم معاملة المختبر، ﴿ أيكم أحسن عملا ﴾ : أخلصه وأصوبه، والجملة واقعة موقع ثاني مفعولي البلوى المتضمن معنى العلم، ﴿ وهو العزيز الغفور ﴾ك
١ هذه الآية مستدل من قال: إن الموت صفة وجودية مضادة لصفة أخرى وجودية، وصرح صاحب الفوائد إن عدمية الموت كانت منسوبة إلى القدرية، ثم شاعت وعندهم أن خلق بمعنى قدر، وهذا أجدر من تفسيرهم بأوجد الحياة وأزالها /١٢ وجيز..
﴿ الذي خلق سبع سماوات طباقا١ : مطابقة بعضها فوق بعض، فهو إما مفعول ثان، أو صفة السماوات، ﴿ ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت ﴾ : اختلاف وعدم تناسب، والجملة إما صفة، أو حال أي : ما ترى فيها، فوضع الظاهر موضع المضمر تعظيما لخلقهن، ﴿ فارجع البصر هل ترى من فطور ﴾ : في معنى التسبيب أي : قد نظرت إليها مرة فانظر إليها أخرى نظر تأمل هل ترى فيها من خلل ؟ والفطور الشقوق،
١ مطابقة بعضها فوق بعض، ونصبه على أنه وصف لسبع، وصف بالمصدر للمبالغة، وكأنه لم يذكر العرش والكرسي لأنهما ليسا من جنس السماوات، وطورها خلاف ما عند أهل الهيئة/١٢ وجيز..
﴿ ثم ارجع البصر كرتين ﴾ : رجعتين أخريين، وهو كلبّيك في أن المراد منه التكثير والتكرير، وفعل مثل هذا المفعول المطلق واجب الحذف١ إذا كان المصدر مضافا نحو : سعديك ولبيك، ﴿ ينقلب إليك البصر خاسئا ﴾ : بعيدا عن إصابة ما يهوى، ﴿ وهو حسير ﴾ : كليل لطول التردد، وكثرة المراجعة،
١ فلا يجب حذف هنالك، لأنه غير مضاف، وعبارة ابن الحاجب في الكافية مخلة إلا أن يقال أنه اكتفى بالمثال/١٢ منه..
﴿ ولقد١ زينا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ أي : زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها بمصابيح، بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم، ﴿ وجعلناها رجوما٢ للشياطين ﴾ : ولها فائدة أخرى، وهي رجم الشياطين المسترقة للسمع، وكونها مراجم، أن الشهب منقضة من نار الكواكب، ﴿ وأعتدنا لهم عذاب السعير ﴾ : في الآخرة.
١ قال المقبلى في حاشية الكشاف إن قوله ﴿ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح﴾ يكذب المنجمين، والزاعمين علم الفلك في قولهم إن بعض النجوم في السماوات كقولهم: إن زحل في السابعة، والمشتري في السادسة، والمريخ في الخامسة، والشمس في الرابعة، والزهرة في الثالثة، والعطارد في الثانية، والقمر في الدنيا، وهذا من واضحات علمهم بزعمهم، فغيره أكذب منه، وكان البيضاوي يتعاطى هذه الحرفة البائرة؛ لأنه قال: هنا لا ينافي ذلك كون بعض النجوم مركوزا في سماوات فوق هذه، وتقدم له في البقرة أنه إذا ضم العرش إلى السبع السماوات وافق كلام الأوائل إن الأفلاك ثمانية، انتهى هذا ما نقل في منهية الفتح/١٢..
٢ والنجوم قارة فيها لا تنفصل، والشهاب كقبس ينفصل من المصابيح يرجم بها، وبهذا صرح علي بن أبي طالب، وابن عباس- رضي الله عنهم/١٢ وجيز.
قال قتادة: خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر، فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم، وتعدى وظلم، ذكره البخاري تعليقا/١٢..

﴿ وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير ﴾ : جهنم،
﴿ إذا ألقوا فيها ﴾ : طرحوا في جهنم، ﴿ سمعوا لها ﴾ : لجهنم ولأهلها لقوله :﴿ لهم فيها زفير ﴾ ( الأنبياء : ١٠٠ ) ﴿ شهيقا ﴾، هو أول نهيق الحمار، وهو أقبح الأصوات، ﴿ وهي تفور ﴾ : تغلي،
﴿ تكاد تميز ﴾ : تنقطع، ﴿ من الغيظ١ : على الكفار، ﴿ كلما ألقي فيها فوج ﴾ : جماعة، ﴿ سألهم خزنتها ﴾ : سؤال توبيخ، ﴿ ألم يأتكم نذير ﴾ : ينذركم من عذاب الله ؟
١ وهل تستعبد من قدرة الله أن يجعل للنار غيظا؟! فإن استعبدت فاجعل ذلك تمثيلا اشتعالها لهم، أو المراد غيظ الزبانية/١٢ وجيز..
﴿ قالوا بلى قد جاءنا ندير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ﴾ أي : كذبنا وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال رأسا، ﴿ إن أنتم إلا في ضلال كبير ﴾ : من تتمة كلامهم للرسل، على أن المعنى، قال الأفواج : قد جاء إلى كل فوج منا رسول فكذبناهم، وقلنا : ما أنتم إلا في ضلال عظيم١، أو الخطاب له، ولأمثاله على التغليب،
١ إشارة إلى جواب ما يقال أن الظاهر ﴿إن أنتم إلا في ضلال كبير﴾/١٢ منه..
﴿ وقالوا لو كنا نسمع ﴾ : كلام الرسل، ﴿ أو نعقل ﴾ : الدلائل، ﴿ ما كنا في أصحاب السعير ﴾ : في عدادهم،
﴿ فاعترفوا بذنبهم ﴾ : حين لا ينفعهم، ﴿ فسحقا لأصحاب السعير ﴾١ أي : فبعدا لهم مفعول مطلق وجب حذف فعله،
١ وعلى هذا ظاهر الآية أن لو كان جمعا عاشوا في بعد عن الإسلام بحيث ما لم يطرق سمعهم كلام نبي، وما تقوهوا قط على تكذيب نبي، فهم غير داخلين في "كلما ألقي" فإن أثبتوا ما يقتضيه العقل من وجود صانع عالم قادر لئلا يندرجوا في "لو كنا نعقل" فلا بعد أن يعفوا الله عنهم عفوا فإنه هو المتبادر من تلك الآية مع الآيات الأخر، وبعض الأحاديث يؤيد ذلك/١٢ وجيز..
﴿ إن الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ : غائبين عن أعين الناس أو عن الله أو يخشون عذابه غائبا عنهم، ﴿ لهم مغفرة وأجر كبير ﴾.
﴿ وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ﴾ : يستوي عنده السر والجهر لأنه عليم بضمائر الصدور قبل التكلم، فكيف لا يعلم ما تكلم به ؟ !
﴿ ألا يعلم ﴾ : قول السر، والجهر، ﴿ من خلق ﴾ : الأشياء، ﴿ وهو اللطيف الخبير ﴾ : المتوصل علمه إلى ما ظهر وما بطن، أو لا يعلم الله مخلوقه ؟ فإن كل شيء من خلق الله.
﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ﴾ : لينة لكي تسيروا فيها، وتزرعوا، ﴿ فامشو ا في مناكبها ﴾ : جوانبها، أو جبالها، ﴿ وكلوا من رزقه ﴾ : من رزق الله الذي فيها من الحبوب والثمار، أو وطرقها، معناه : فسافروا فيها حيث شئتم، واطلبوا من نعم الله بالتجارة وغيرها، ﴿ وإليه النشور ﴾ : المرجع، فكونوا على حذر في العمل،
﴿ أأمنتم من١ في السماء ﴾ : ملكوته وسلطانه، ﴿ أن يخسف بكم الأرض ﴾ :
فيغيبكم فيها كما فعل بقارون، بدل اشتمال من ( من )، والباء للتعدية ؛ لأن الخسوف لازم. ﴿ فإذا هي تمور ﴾ : تضطرب، أي : يحركها عند الخسف حتى يلقيهم إلى أسفل، والأرض تعلو عليهم.
١ أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله:﴿أأمنتم من في السماء﴾ قال: الله./١٢ در منثور، وذكر صاحب الفتح أقوالا إلى أن قال: وقيل: هو الله سبحانه، وهو الحق، لأن ظاهر النظم القرآني يقتضي أن الباري تعالى فوق السماء، وفي بمعنى على، والمعنى من ثبت واستقر في السماء أي: علا العالي، وهو العرش، وقال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام في الحموية: إن الله يوصف بالعلو، والفوقية الحقيقية، ولا يوصف بالسفول، ولا بالتحتية قط لا حقيقة، ولا مجاز ثم من توهم أن كون الله تعالى في السماء أن السماء تحيط به وتحويه، فهو كاذب إن نقله عن غيره، وضال إن اعتقده في رب، وما سمعنا أحدا يفهمه من اللفظ، ولا رأينا أحدا ينقله من أحد، ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قوله الله تعالى، ورسوله أن الله في السماء أن السماء تحويه؟ لبادر كل واحد منهم أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا، وإذا كان الأمر هكذا فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئا محالا لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأول؛ بل عند المسلمين أن الله تعالى في السماء وأنه على العرش واحد إذ السماء إنما يراد به العلو، فالمعنى أن الله في العلو، لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه تعالى وسع السماوات، والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقاته لا نسبة له إلى قدرة الله تعالى وعظمته، فكيف يتوهم أن خلقا يحصره ويحويه؟! وقد قال سبحانه ﴿ولأصلبنكم في جذوع النخل﴾[طه: ٧١] وقال:﴿فسيروا في الأرض﴾[النخل: ٣٦] بمعنى على، ونحو ذلك وهو كلام عربي حقيقة لا مجازا وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا مشتركة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله تعالى قبل وجهه فلا يبصق قبل وجهه" الحديث حق على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قبل وجه المصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات أيضا فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو أنه يناجي الشمس، والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت أيضا قبل وجهه، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم- المثل بذلك، ولله المثل الأعلى، ولكن المقصود بالتمثيل بيان جواز هذا أو إمكانه لا تشبيه الخالق بالمخلوق، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"ما منكم من أحد إلا سيرى ربه مخليا به" فقال له أبو رزين العقيلي، كيف يا رسول الله، وهو واحد، ونحن جميع؟ فقال النبي –صلى الله عليه وسلم:" سآتيك بمثل ذلك في آلاء الله تعالى، هذا القمر كلكم يراه مخليا به، وهو آية من آيات الله تعالى" وقال:"إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر" فشبه الرؤية بالرؤية وإن لم يكن المرئي مشابها للمرئي، فالمؤمنون إذا رأوه يوم القيامة، وناجوه كل يراه فوقه قبل وجهه كما يرى الشمس والقمر، ولا منافاة أصلا، ومن كان له نصيب في المعرفة بالله، والرسوخ في العلم بالله يكون إقراره بالكتاب، والسنة على ما هما عليه أوكد انتهى.
وقال ابن القيم في النونية فصل:
هذا وتاسعها النصوص بأنه *** فوق السماء وذا بلا حسبان
فاستحضر الوحيين وانظر *** ذالك تلقاه مبينا واضح التبيان
ولسوف تنظر بعض ذلك عن قري ***ب كي تقوم شواهد الإيمان
وإذا أتتك فلا تكن مستوحشا *** منها ولا تك عندها بجبان
ليست تدل على انحصار إلهنا *** عقلا ولا عرفا ولا بلسان
إذا أجمع السلف الكرام بأن *** معناها كمعنى فوق البرهان
أو أن لفظ سمائه يعني به *** نفس العلو المطلق الحقان
والرب فيه وليس يحصره *** من المخلوق شيء عز ذو السلطان
كل الجهات بأسرها عدمية *** في حقه هو فوقها ببيان
قد بان عنها كلها فهو المحيط *** ولا يحاط بخالق الأكوان
ما ذاك ينقم بعد ذو التعطيل *** من وصف العلو لربنا الرحمن
أيرد ذو عقل سليم قط ذا *** بعد التصور يا أولي الأذهان
والله ما رد امرئ هذا بغير *** الجهل أو بحمية الشيطان
انتهى. وقال في موضع آخر:
ظن الحمير بأن في للظرف والر *** حمن محوى بظرف مكان
والله لم يسمع بذا من فرقة *** قالته في زمن من الأزمان
لا تبهتوا أهل الحديث به *** فماذا قولهم تبا لذى البهتان.
بل قولهم إن السماوات العلا *** في كف خالق هذه الأكوان
حقا كخردلة ترى في كف ممسكها *** تعالى الله ذو السلطان
أترونه المحصور بعد أم السماء *** يا قومنا ارتدعوا عن العدوان
كم ذا مشبهة، وكم حشوية *** فالبهت لا يخفى على الرحمن
انتهى. .

﴿ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ﴾ : ريحا ذات حجارة١ ﴿ فستعلمون ﴾ : عند معاينة العذاب، ﴿ كيف نذير ﴾ : كيف إنذاري، ولا ينفعكم العلم،
١ كما فعل بآل لوط/١٢ وجيز..
﴿ ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ﴾ : إنكاري عليهم بالعذاب،
﴿ أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ﴾ : باسطات أجنحتهن، وفوقهم ظرف لصافات، أو حال، وصافات حال من ضميره، ﴿ ويقبضن ﴾ : أجنحتها بعد البسط، وقتا بعد وقت، وعدل إلى صيغة الفعل، ليعلم أن القبض طارئ غير أصيل، ﴿ ما يمسكهن ﴾ : في الجو أن يسقطن، ﴿ إلا الرحمان ﴾ : برحمته الواسعة، ﴿ إنه بكل شيء بصير ﴾ : فمن أراد حفظه يحفظه.
﴿ أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ﴾، أم متصلة لئلا يلزم استفهامين، معادلة للقرائن التي قبلها، أي : أمنتم من عذاب الله ؟ ألم تعلموا أن الحافظ هو الله ؟ أم لكم جند ينصركم من دون الله ؟ إن أراد بكم خسفا وإرسال حاصب، أم لكم رازق يرزقكم إن أمسك الله رزقه عنكم، وجاء بصورة الاستفهام، إشعارا بأنهم اعتقدوا أن لهم ناصرا ورازقا غير الله، فيسأل عن تعيينه، فهذا خبر من، والذي مع صلته صفته أو بدله، وينصركم صفة جند، وإتيان اسم الإشارة للحقارة، ﴿ بل لجو ﴾ : تمادوا، ﴿ في عتو ﴾ : عناد، ﴿ ونفور ﴾ : تباعد عن الحق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ﴾، أم متصلة لئلا يلزم استفهامين، معادلة للقرائن التي قبلها، أي : أمنتم من عذاب الله ؟ ألم تعلموا أن الحافظ هو الله ؟ أم لكم جند ينصركم من دون الله ؟ إن أراد بكم خسفا وإرسال حاصب، أم لكم رازق يرزقكم إن أمسك الله رزقه عنكم، وجاء بصورة الاستفهام، إشعارا بأنهم اعتقدوا أن لهم ناصرا ورازقا غير الله، فيسأل عن تعيينه، فهذا خبر من، والذي مع صلته صفته أو بدله، وينصركم صفة جند، وإتيان اسم الإشارة للحقارة، ﴿ بل لجو ﴾ : تمادوا، ﴿ في عتو ﴾ : عناد، ﴿ ونفور ﴾ : تباعد عن الحق.
﴿ أفمن يمشي مكبا على وجهه ﴾ : يقال : كببته، فأكب، أي : صار ذا كب نحو : قشع الله السحاب، فأقشع أي : صار ذا قشع، أي : يعثر كل ساعة، ويخر لعدم علمه بالطريق الوعر، ﴿ أهدى أمن يمشي سويا ﴾ : قائما لا عثور له، ﴿ على صراط مستقيم ﴾ مستو غير منحرف، وهذا تمثيل الكافر والمؤمن بالسالكين، مع أنهم في الآخرة كذلك، فالمؤمن يمشي على الصراط قائما إلى الجنة، والكافر يمشي على وجهه إلى نار جهنم، وقد صح أنه قيل : يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ ! قال :" الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " ١،
١ البخاري في "الرقائق" (٦٥٢٣)..
﴿ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ﴾ : تشكرون قليلا١ لهذه النعم.
١ فقليلا صفة لمصدر محذوف، وما زائدة، والجملة مستأنفة أو حال/١٢ وجيز..
﴿ قل هو الذي ذرأكم ﴾ : بثكم، ونشركم، ﴿ في الأرض وإليه تحشرون ﴾ : للجزاء.
﴿ ويقولون متى١ هذا الوعد ﴾ أي : الحشر، ﴿ إن كنتم ﴾ : أيها النبي، والمؤمنون، ﴿ صادقين ﴾.
١ استفهام سخرية/١٢..
﴿ قل إنما العلم ﴾ : علم وقت الحشر، ﴿ عند الله ﴾ : لا يعلمه إلا هو، ﴿ وإنما أنا نذير ﴾ : منذر﴿ مبين ﴾ : ولا يحتاج الإنذار إلى تعيين وقت البلاء.
﴿ فلما رأوه ﴾ أي : الوعد، فإنه بمعنى المعود، ﴿ زلفة ﴾ : أي : ذا زلفة، يعني لما قامت القيامة ورأوا أنها كانت قريبة، ﴿ سيئت ﴾ : قبحت، ﴿ وجوه الذين كفروا ﴾ : بأن علتها الكآبة، ﴿ وقيل ﴾ : لهم تقريعا، ﴿ هذا الذي كنتم به تدعون ﴾ : من الدعاء أي : تطلبون وتستعجلون به،
﴿ قل ﴾ : يا محمد، ﴿ أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي ﴾ : من المؤمنين، ﴿ أو رحمنا ﴾ : فأخر آجالنا، ﴿ فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ﴾ : فإنه واقع بهم لا محالة متنا أو بقينا، وهذا كأنه جواب لقولهم : نتربص به ريب المنون. أو معناه أخبروني : إنا مع إيماننا نخاف عذابه ونرجو رحمته، فأنتم ما تصنعون مع كفركم ؟ !
﴿ قل هو الرحمان آمنا به وعليه توكلنا ﴾ لعلمنا بأن غيره لا يأتي منه النفع والضر، ﴿ فستعلمون من هو في ضلال مبين ﴾ منا ومنكم.
﴿ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ﴾ : غائرا في قعر الأرض، ﴿ فمن يأتيكم بماء معين١ : ظاهر تناله الأيدي، والدلاء٢ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن سورة في القرآن ثلاثين آية لصاحبها حتى غفر له، تبارك الذي بيده الملك ) وعنه عليه الصلاة والسلام :( لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي )٣.
والحمد لله الذي هدانا لهذا.
١ ويستحب أن يقول القارئ- عقب معين: الله رب العالمين، كما ورد في الحديث وتليت هذه الآية عند بعض المتجبرين فقال تأتي به الفئوس والمعاول، فذهب ماء عينه وعمي نعوذ بالله من الجرأة على الله وآياته/١٢ جلالين..
٢ هذا الحديث رواه أهل السنن الأربعة، وقال الترمذي: حديث حسن [وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" (٢٣١٥)]/١٢ منه..
٣ رواه الطبراني، وقال: هذا حديث غريب [أخرجه الطبراني من طريق: محمد بن الحسن بن عجلان الأصبهاني عن سلمة بن شبيب عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس... فذكره. كما قال ابن كثير(٤/٣٩٥) وقال: هذا حديث غريب وإبراهيم ضعيف]/١٢ منه..
Icon