قال ابن مسعود : هي المانعة من عذاب القبر.
ﰡ
وهي مكيّة كلّها بإجماعهم (١٤٧٨) قال ابن مسعود: هي المانعة من عذاب القبر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١ الى ١١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)
وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١)
قوله عزّ وجلّ: تَبارَكَ قد شرحناه في الأعراف «١».
قوله عزّ وجلّ: الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ قال ابن عباس: يعني: السّلطان يعزّ ويذلّ.
قوله عزّ وجلّ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ قال الحسن: خلق الموت المزيل للحياة، والحياة التي
وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٥٥٩ و ٢٥٦٠ بتخريجنا.
__________
(١) الأعراف: ٥٤.
خلق الحياة ليختبركم فيها. وخلق الموت ليبعثَكم ويجازيَكم. وقال غيره: اللام في «ليبلوَكم» متعلق بخلق الحياة دون خلق الموت، لأن الابتلاء بالحياة. قوله: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً أي: خلقهنَّ مطابقات، أي: بعضها فوق بعض ما تَرى يا ابن آدم فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ قرأ حمزة والكسائي: «من تفوُّت» بتشديد الواو من غير ألف. وقرأ الباقون بألف. قال الفراء: وهما بمنزلة واحدة، كما تقول: تعاهدت الشيء وتعهَّدته والتفاوت: الاختلاف. وقال ابن قتيبة: التفاوت:
الاضطراب والاختلاف وأصله من الفوت وهو أن يفوت شيء شيئاً، فيقع الخلل، ولكنه متصل بعضه ببعض.
قوله عزّ وجلّ: فَارْجِعِ الْبَصَرَ كرِّر البصر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ وقرأ أبو عمرو، وحمزة والكسائي «هل ترى» بإدغام اللام في التاء، أي: هل ترى فيها فروجا وصدوعا.
قوله عزّ وجلّ: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أي: مرَّةً بعد مرَّة يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً قال ابن قتيبة:
أي: مبعداً، من قولك: خسأتُ الكلب: إذا باعدتَه وَهُوَ حَسِيرٌ أي: كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه. وقال الزجاج: قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا.
قوله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ قد شرحناه في حم السّجدة «٤». قوله: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ أي: يرجم بها مسترقو السّمع. وقد سبق بيان هذا المعنى «٥» وَأَعْتَدْنا لَهُمْ: في الآخرة عَذابَ السَّعِيرِ وهذا وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله: سَمِعُوا لَها شَهِيقاً أي: صوتاً مثل صوت الحمار. وقد بينا معنى الشهيق في هود «٦» وَهِيَ تَفُورُ أي: تغلي بهم كغلي المِرْجَل تَكادُ تَمَيَّزُ أي: تتقطَّع من تَغَيُّظها عليهم كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ أي: جماعة منهم سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ وهذا سؤال توبيخ.
قوله عزّ وجلّ: إِنْ أَنْتُمْ أي: قلنا للرسل: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ أي: في ذهاب عن الحق بعيد. قال الزجاج: ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أي: سماع من يعي ويفكّر أَوْ نَعْقِلُ
الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار، والحياة عكس ذلك. قلت: وفي التنزيل قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ السجدة: ١١ وقال: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ [الأنفال: ٥٠] وقال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر: ٤٢] فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم. وهو سبحانه المميت على الحقيقة.
(٢) هود: ٧.
(٣) الكهف: ١٢.
(٤) فصلت: ١٢.
(٥) الحجر: ١٨.
(٦) هود: ١٠٦.
سحق.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٢ الى ١٥]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)
قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ قد شرحناه في سورة الأنبياء «١» لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وهو: الجنة. ثم عاد إلى خطاب الكفّار، فقال عزّ وجلّ: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فيخبره جبريل بما قالوا، فيقول بعضهم: أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمّد «٢».
قوله عزّ وجلّ: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ أي: ألا يعلم ما في الصدور خالقها؟! واللَّطِيفُ مشروح في الأنعام «٣» والْخَبِيرُ في سورة البقرة «٤».
قوله عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا أي: مُذَلَّلةً سَهْلَةَ لم يجعلها ممتنعة بالحُزُونَة والغِلَظ.
قوله عزّ وجلّ: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها فيه ثلاثة أقوال: أحدها: طرقاتها، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثاني: جبالها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، واختاره الزجاج، قال: لأن المعنى: سهل لكم السلوك فيها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ في التذليل. والثالث: في جوانبها، قاله مقاتل، والفراء، وأبو عبيدة، واختاره ابن قتيبة، قال: ومنكبا الرّجل: جانباه.
قوله عزّ وجلّ: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أي: إليه تُبْعَثُون من قبوركم.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)
ثم خوف الكفار فقال: أَأَمِنْتُمْ قرأ ابن كثير: «وإليه النشور أأمنتم» وقرأ نافع، وأبو عمرو:
(٢) عزاه المصنف لابن عباس، وكذا الواحدي في «الأسباب» ٨٣٥. ساقه بدون إسناد، وهو باطل، فإن سباق الآيات وسياقها يدل على أن المراد بالآية المؤمنون. [.....]
(٣) الأنعام: ١٠٣.
(٤) البقرة: ٢٣٤.
قال مقاتل: والمعنى: تدور بكم إلى الأرض السّفلى.
قوله عزّ وجلّ: أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً وهي: الحجارة، كما أرسل على قوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ أي: كيف كانت عاقبة إِنذاري لكم في الدنيا إذا نزل بكم العذاب وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: كفار الأمم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي: إنكاري عليهم بالعذاب.
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ أي: تصفُّ أجنحتها في الهواء، وتقبض أجنحتها بعد البسط، وهذا معنى الطيران، وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ما يُمْسِكُهُنَّ أن يقعن إِلَّا الرَّحْمنُ.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٧]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)
قوله عزّ وجلّ: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ هذا استفهام إنكار. ولفظ «الجُنْدِ» مُوحَّد، فلذلك قال عزّ وجلّ: «هذا الذي هو» والمعنى: لا جُنْدَ لكم يَنْصُرُكُمْ أي: يمنعكم من عذاب الله إن أراده بكم، إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ وذلك أن الشيطان يغرُّهم، فيقول: إن العذاب لا ينزل بكم، أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ المطر وغيرَه إِنْ أَمْسَكَ الله ذلك عنكم بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ أي: تمادٍ في كفر وَنُفُورٍ عن الإيمان.
ثم ضرب مثلاً، فقال عزّ وجلّ: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ قال ابن قتيبة: أي لا يبصر يميناً، ولا شمالاً ولا من بين يديه. يقال: أكبّ الله فلانا على وجهه، بالألف، وكبَّه الله لوجهه، وأراد:
الأعمى. قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، والكافر، و «السويُّ» : المعتدل، أي: الذي يبصر الطريق.
وقال قتادة: هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مُكِبّاً على وجهه، والمؤمن يمشي سوياً.
قوله عزّ وجلّ: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ فيه قولان: أحدهما: أنهم لا يشكرون، قاله مقاتل: والثاني:
أنهم يشكرون قليلا، قاله أبو عبيدة.
قوله عزّ وجلّ: ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي: خلقكم وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يعنون الوعد: بالعذاب فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً أي: رأوا العذاب قريباً منهم سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا قال الزجاج: أي: تبين فيها السُّوءُ. وقال غيره: قُبِّحْت بالسواد وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ فيه قولان: أحدهما: أنَّ «تدَّعون» بالتشديد، بمعنى تدعون بالتخفيف، وهو «تفتعلون» من الدعاء. يقال: دعوت، وادَّعيت، كما يقال:
خَبَرْتُ وَاخْتَبَرْتُ، ومثله: يدّكرون، ويذكرون، هذا قول الفراء، وابن قتيبة. والثاني: أن المعنى: هذا الذي كنتم من أجله تَدَّعون الأباطيلَ والأكاذيبَ، تَدَّعون أنكم إِذا مُتُّم لا تُبْعَثُون؟! وهذا اختيار الزجاج.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠)
قوله عزّ وجلّ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ بعذاب وَمَنْ مَعِيَ من المؤمنين «١». قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «معيَ» بفتح الياء. وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي: «معي» بالإسكان أَوْ رَحِمَنا فلم يعذِّبْنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ أي يمنعهم ويؤمِّنُهم مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ومعنى الآية: إنا مع إيماننا، بين الخوف والرّجاء: فمن يجيرُكم مع كفركم من العذاب؟! أي: لأنه لا رجاء لكم كرجاء المؤمنين قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ الذي نعبُدُ فَسَتَعْلَمُونَ وقرأ الكسائي:
«فسيعلمون» بالياء عند معاينة العذاب مَن الضالُّ نحن أم أنتم.
قوله عزّ وجلّ: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً قد بيَّنَّاه في الكهف «٢» فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ أي: بماءٍ ظاهر تراه العيون، وتناله الأرشية.
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا كما قال: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ثم قال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً أي: ذاهبا في الأرض إلى أسفل، فلا ينال بالفؤوس الحداد، ولا السواعد الشداد، والغائر عكس النابع. ولهذا قال: فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ أي: نابع وسائح جار على وجه الأرض، أي: لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل. فمن فضله وكرمه أنبع لكم المياه وأجراها في سائر أقطار الأرض، بحسب ما يحتاج العباد إليه، من القلة والكثرة، فله الحمد والمنّة.
(٢) الكهف: ٤١.