ﰡ
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)اللغة:
(طِباقاً) جمع طبقة كرحبة ورحاب أو جمع طبق كجمل وجمال وجبل وجبال، وفي المصباح «وأصل الطبق الشيء على مقدار الشيء مطبقا له من جميع جوانبه».
(فُطُورٍ) صدوع وشقوق وفي المختار: «والفطر الشق يقال فطره فانفطر وتفطر الشيء تشقّق وبابه نصر».
(حَسِيرٌ) في المختار: «حسر بصره انقطع نظره من طول مدى وما
الإعراب:
(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تبارك فعل ماض أي تنزّه عن صفات المحدّثين والذي فاعل وبيده خبر مقدّم والملك مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها صلة الموصول وهو مبتدأ وعلى كل شيء متعلقان بقدير وقدير خبر هو وهذه الجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضمونها (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الذي بدل من اسم الموصول الأول وجملة خلق الموت والحياة لا محل لها لأنها صلة، وليبلوكم اللام للتعليل ويبلو فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والفاعل هو والكاف مفعول به وأيّكم مبتدأ وأحسن خبر وعملا تمييز والجملة الاسمية في محل نصب مفعول ثان ليبلوكم ولام التعليل ومجرورها متعلقان بخلق من حيث تعلقه بالحياة إذ هي محل الاختبار والتكليف وأما الموت فلا شيء من ذلك فيه. وفي الكلام استعارة تمثيلية تبعية على تشبيه حالهم في تكليفه تعالى لهم بتكاليفه، وخلق الموت والحياة لهم وإثابته لهم وعقوبته بحال المختبر مع من جرّبه واختبره لينظر مدى طاعته أو عصيانه فيكرمه أو يهينه (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) مبتدأ وخبراه (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) الذي بدل ثان من اسم الموصول وقيل من العزيز الغفور وقيل نعت لهما أو أنه في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف أو منصوب على المدح وجملة خلق صلة وسبع سموات مفعول به وطباقا صفة لسبع سموات أو منصوب بفعل مقدّر أي طبقت طباقا فيكون مصدر طابق مطابقة وطباقا (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)
«وهذه الجملة المنفية صفة لقوله طباقا وأصلها ما ترى فيهنّ فوضع مكان الضمير خلق الرحمن تعظيما لخلقهنّ وتنبيها على سبب سلامتهنّ وهو خلق الرحمن» وفي هذا من التعسّف ما فيه لانفلات الكلام بعضه من بعض.
فارجع: الفاء تعليلية لأن قوله فارجع البصر متسبّب عن قوله ما ترى، وارجع البصر فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وهل حرف استفهام وترى فعل مضارع مرفوع ومن حرف جر زائد وفطور مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به والجملة الاستفهامية في موضع نصب بفعل محذوف وهذا الفعل معلق بالاستفهام أي هل ترى (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وارجع البصر فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وكرتين نصب على المصدر كمرتين وهو وإن كان مثنى لا يقصد به التثنية بل المقصود به التكثير، وينقلب فعل مضارع مجزوم لأنه وقع جوابا للطلب وإليك متعلقان بينقلب والبصر فاعل وخاسئا حال والواو حالية وهو مبتدأ وحسير خبر والجملة حال إما من صاحب الأولى وإما من الضمير المستكن في الحال قبلها فتكون حالا متداخلة.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٥ الى ١١]
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١)
اللغة:
(رُجُوماً) الرجوم جمع رجم وهو مصدر سمّي به المفعول أي ما يرجم به ويجوز أن يكون باقيا على مصدريته ويقدّر مضاف أي ذات رجوم وإنما جمع المصدر باعتبار أنواعه.
الإعراب:
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) كلام مستأنف مسوق للشروع في ذكر دلائل أخرى على تمام قدرته تعالى واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وزينّا فعل وفاعل والسماء مفعول به والدنيا نعت أي القربى إلى الأرض وبمصابيح متعلقان بزينّا، وجعلناها فعل وفاعل ومفعول به ورجوما مفعول به ثان وللشياطين متعلقان برجوما أو نعت له (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ)
الفاء حرف عطف وكذبنا فعل وفاعل وقلنا عطف على كذبنا وما نافية ونزل فعل ماض والله فاعل ومن حرف جر زائد وشيء مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به والجملة مقول القول (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) إن نافية وأنتم مبتدأ وإلا أداة حصر وفي ضلال خبر أنتم وكبير نعت (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) الواو عاطفة وقالوا فعل ماض وفاعل ولو شرطية وكان واسمها وجملة نسمع خبرها وأو حرف عطف ونعقل عطف على نسمع وما نافية وكان واسمها وفي أصحاب السعير خبرها والجملة لا محل لها وجملة الشرط وجوابه مقول القول (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) الفاء عاطفة واعترفوا فعل وفاعل وبذنبهم متعلقان باعترفوا والفاء عاطفة وسحقا منصوب على المصدر تقديره سحقهم الله سحقا فناب المصدر عن عامله في الدعاء نحو جدعا له وعقرا فلا يجوز إظهاره وقيل هو مفعول به لفعل محذوف أي ألزمهم الله سحقا وفي المختار:
«والسحق البعد يقال سحقا له والسحق بضمتين مثله وقد سحق الشيء بالضم سحقا بوزن بعد فهو سحيق أي بعيد وأسحقه الله أي أبعده» وكان القياس إسحاقا فجاء بالمصدر على المحذوف، واللام في لأصحاب السعير للبيان كما في هيت لك.
البلاغة:
١- في قوله «ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح» استعارة تصريحية، شبّه الكواكب والنجوم بمصابيح وحذف المشبه وأبقى المشبه به على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية لأن الناس يزيّنون مساجدهم ودورهم بإثقاب المصابيح ولكنها مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٢ الى ١٧]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)
اللغة:
(ذَلُولًا) فعوّل بمعنى مفعول أي مذللة مسخرة منقادة لما تريدون منها.
(مَناكِبِها) المناكب جمع منكب وهو مجتمع رأس الكتف والعضد يقال: تشابهت منهم المناكب والرءوس أي ليس فيهم مفضل، ويقال:
(تَمُورُ) تتحرك بكم وفي المختار: «مار من باب قال تحرّك وجاء وذهب ومنه: يوم تمور السماء مورا، قال الضحّاك: تموج موجا».
الإعراب:
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) إن واسمها وجملة يخشون صلة الذين وربهم مفعول به وبالغيب حال من الواو في يخشون والباء بمعنى في ولهم خبر مقدم ومغفرة مبتدأ مؤخر وأجر عطف على مغفرة وكبير نعت لأجر والجملة الاسمية خبر إن (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) الواو استئنافية وأسرّوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وقولكم مفعول به وأو حرف عطف واجهروا فعل أمر وفاعل وبه متعلقان باجهروا وإن واسمها وعليم خبرها وبذات الصدور متعلقان بعليم وجملة إن وما في حيّزها تعليل للأمر
عن الله تعالى وفي السماء متعلقان بمحذوف صلة الموصول وأن يخسف المصدر المؤول في محل نصب بدل اشتمال من «من» وبكم متعلقان بيخسف والأرض مفعول به والفاء عاطفة وإذا الفجائية وقد تقدم القول فيها وهي مبتدأ وجملة تمور خبر (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أم عاطفة بمعنى بل كأنه أضرب عن التهديد الأول لينتقل إلى تهديد آخر وأمنتم فعل وفاعل ومن مفعول به وفي السماء صلة وأن وما في حيّزها بدل اشتمال من «من» وحاصبا مفعول به
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٨ الى ٢٢]
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)
اللغة:
(الطَّيْرِ) في المصباح: «جمع الطائر طير مثل صاحب وصحب وراكب وركب وجمع الطير طيور وأطيار وقال أبو عبيدة وقطرب: ويقع الطير على الواحد والجمع وقال ابن الأنباري: الطير جماعة وتأنيثها أكثر من تذكيرها ولا يقال للواحد طير بل طائر وقلّما يقال للأنثى طائرة» وفي القاموس واللسان وغيرهما ما خلاصته: الطير مصدر وجمع طائر وقد يقع على الواحد والاسم من التطيّر ومنه قولهم: لا طير إلا طير الله وطير الله لا طيرك كما يقال: صباح الله لا صباحك ويقال أيضا: كأنّ على رءوسهم الطير أي هم ساكنون هيبة وأصله أن الغراب يقع على رأس
(صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهنّ في الجو عند طيرانها.
(وَيقبضنها) ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهنّ، وسيأتي المزيد في باب البلاغة.
(لَجُّوا) تمادوا.
(مُكِبًّا) اسم فاعل من أكب اللازم المطاوع لكبه يقال كبّه الله على وجهه في النار فأكبّ أي سقط وهذا على خلاف القاعدة في أن الهمزة إذا دخلت على اللازم تصيّره متعديا، وهنا قد دخلت على اللازم فصيّرته لازما، هذا ما ذكره اللغويون وأنكره الزمخشري قال: «يجعلون أكبّ مطاوع كبّه يقال: كببته فأكبّ من الغرائب والشواذ ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع وما هو كذلك ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا ولا يتقن هذا إلا حملة كتاب سيبويه وإنما أكبّ من باب أنغض وألأم ومعناه دخل في الكب وصار ذا كب وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع ومطاوع كب وقشع انكبّ وانقشع» وفي الصحاح ما يؤيد قول الزمخشري قال: «أنغض القوم هلكت أموالهم وانفضّوا أيضا مثل أرملوا فني زادهم» وفيه أيضا: «ألأم الرجل إذا صنع ما يدعوه الناس عليه لئيما».
وقال أبو حيان: «ومكبّا حال من أكبّ وهو لا يتعدى وكب متعد قال تعالى: فكبت وجوههم في النار، والهمزة فيه للدخول في الشيء أو للصيرورة ومطاوع كب: انكب تقول كببته فانكب».
وفي القاموس: «كبه قلبه وصرعه كأكبّه وكبكبه فأكبّ وهو لازم ومتعدّ».
يكبّون العشار لمن أتاهم | إذا لم تسكت المائة الوليدا |
إن يصبني بعض الهنات فلا وا | ن ضعيف ولا أكبّ عثور |
جنوح الهالكي على يديه | مكبّا يجتلي نقب النصال |
الإعراب:
(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) الواو استئنافية واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وكذب فعل ماض والذين فاعل ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الموصول والفاء حرف عطف وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان مقدّم وكان فعل ماض ناقص ونكير اسمها وحذفت الياء اتّباعا لرسم المصحف أي إنكاري عليهم (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو عاطفة على مقدّر أي أغفلوا ولم حرف نفي وقلب وجزم ويروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل وإلى الطير متعلقان بيروا وفوقهم ظرف متعلق بصافّات وصافّات حال، ويقبضن الواو عاطفة ويقبضن فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ونون النسوة فاعل،
١- في قوله «أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقبضن» عطف الفعل على الاسم والسياق يقتضي أن يقول قابضات وذلك لسرّ لطيف، فإن أصل الطيران هو رصف الأجنحة لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرّك فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهنّ صافّات ويكون منهنّ القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح، وخلاصة القول أن الغالب هو البسط فكأنه هو الثابت فعبّر عنه بالاسم والقبض متجدّد فعبّر عنه بالفعل.
٢- وفي قوله «أفمن يمشي مكبّا على وجهه أهدى أم من يمشي سويّا على صراط مستقيم» استعارة تمثيلية وهو مثل للمؤمن والكافر، فالكافر أعمى لا يهتدي إلى الطريق بل يمشي متعسفا فلا يزال يتعثر وينكب على وجهه والمؤمن صحيح البصر يمشي في طريق واضحة مستقيمة سالما من العثور والخرور على وجهه. وهكذا تتجلى طريقة القرآن في التجسيد.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٢٣ الى ٣٠]
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠)
(زُلْفَةً) الزلفة: القرب.
الإعراب:
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ) هو مبتدأ والذي خبر وجملة أنشأكم صلة والجملة الاسمية مقول القول وجعل عطف على أنشأكم ولكم متعلقان بجعل أو في محل نصب مفعول به لجعلنا، وقد تقدم الفرق بين الجعل بمعنى الخلق والجعل بمعنى التصيير، والسمع مفعول به والأبصار عطف على السمع والأفئدة عطف أيضا وقليلا صفة مصدر مقدّم وما زائدة لتأكيد التقليل وتشكرون فعل مضارع مرفوع ويجوز إعراب قليلا ظرف متعلق بتشكرون والجملة في محل نصب حال مقدّرة (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) هو مبتدأ والذي خبره وجملة ذرأكم صلة والجملة مقول القول وفي الأرض متعلقان بذرأكم وإليه متعلقان بتحشرون وتحشرون فعل مضارع مرفوع والواو نائب فاعل (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الواو عاطفة ويقولون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل ومتى اسم استفهام في محل نصب ظرف زمان والظرف متعلق بمحذوف في محل رفع خبر مقدم وهذا
الفاء تعليلية ومن اسم استفهام معناه النفي، أي لا أحد، في محل رفع فاعل وجملة يجير خبر والكافرين مفعول ومن عذاب أليم متعلقان بيجير (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) هو مبتدأ والرحمن خبر وجملة آمنّا به خبر ثان وبه متعلقان بآمنّا وعليه متعلقان بتوكلنا والجملة عطف على آمنّا به (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الفاء الفصيحة والسين حرف استقبال وتعلمون فعل وفاعل ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وهو ضمير فصل وفي ضلال مبين خبر من والجملة الاستفهامية سادّة مسدّ مفعولي تعلمون المعلقة بالاستفهام (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) أرأيتم تقدم قريبا إعرابها فجدّد به عهدا، والجملة الشرطية سدّ مسدّ مفعوليها وماؤكم اسم أصبح وغورا خبر أي غائرا ذاهبا في مسارب الأرض لا تناله الدلاء والأرشية والفاء رابطة ومن اسم استفهام مبتدأ وجملة يأتيكم خبر والجملة في محل جزم جواب الشرط
، وبما متعلقان بيأتيكم ومعين صفة لماء أي ظاهر تتراءاه العيون وأصله معيون بوزن مفعول كمبيع أصله مبيوع فنقلت ضمة الياء إلى العين قبلها فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الواو ثم كسرت العين لتصح الياء، وقيل هو من معن الماء أي كثر فهو على هذا الاعتبار فعيل لا مفعول والميم أصلية أما على الأول فالميم زائدة لأن الفعل عين.
البلاغة:
في قوله: «آمنّا به وعليه توكلنا» التقديم والتأخير فقد قدّم المفعول في قوله وعليه توكلنا وأخّره في قوله آمنّا به، وقال الزمخشري بصدده:
«فإن قلت لم أخّر مفعول آمنّا وقدّم مفعول توكلنا؟ قلت لوقوع آمنّا تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم كأنه قيل آمنّا ولم نكفر كما كفرتم ثم قال وعليه توكلنا خصوصا لم نتوكل على ما أنتم متوكلون عليه من رجالكم وأموالكم».