ﰡ
وقوله تعالى :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾ أي إن حرصا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك أن تصاحبهما في الدنيا ﴿ مَعْرُوفاً ﴾ أي محسناً إليهما، ﴿ واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ يعني المؤمنين، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، روى الطبراني عن داود بن أبي هند أن سعد بن مالك قال : أنزلت فيّ هذه الآية :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾ الآية، قال : كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت قالت : يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتعيّر بي، فيقال : يا قاتل أمه، فقلت : لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء؛ فمكثت يوماً وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت فمكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نَفْساً نَفْساً ما تركت ديني هذا لشيء؛ فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم، ولكن أَلِنْ جانبك وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث :« ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط »، قال ابن عباس يقول : لا تتكبر فتحتقر عباد الله وعرض عنهم بوجهك إذا كلموك، وقال زيد بن أسلم ﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ : لا تتكلم وأنت معرض، وقال إبراهيم النخعي : يعني بذلك التشدق في الكلام، والصواب القول الأول، قال الشاعر :
دوكنا إذا الجبار صعَّر خده | أقمنا له من ميله فتقوما |
وإنك لو رأيت أبا عمير | ملأت يديك من غدر وختر |
وعن مجاهد قال : جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد؟ وبلادنا مجدبة، فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ﴾ إلى قوله :﴿ عَلَيمٌ خَبِيرٌ ﴾ قال مجاهد وهي مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى :﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، وروى مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : من حدثك أنه يعلم ما في غد، فقد كذب، ثم قرأت ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾. وقوله تعالى :﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ قال قتادة : أشياء استأثر الله بهن فلن يطلع عليهن ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ﴿ إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ﴾ فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة أو في أي شهر أو ليل أو نهار، ﴿ وَيُنَزِّلُ الغيث ﴾ فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلاً أو نهاراً، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام ﴾ فلا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود وما هو، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾ أخير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت لعلك الميت غداً لعلك المصاب غداً ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ أي ليس أحد من الناس يدري أي مضجعه من الأرض، أفي بحر أم بر، أو سهل أو جبل. وقد جاء في الحديث :» إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة « وروي مثله عن ابن مسعود، وبمعناه عن أسامة.