تفسير سورة القيامة

الماوردي
تفسير سورة سورة القيامة من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ لا أُقسِم بيومِ القيامةِ ﴾ اختلفوا في « لا » المبتدأ بها في أول الكلام على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها صلة دخلت مجازاً ومعنى الكلام أقسم بيوم القيامة، قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة، ومثله قول الشاعر :
تَذكّرْت ليلى فاعْتَرْتني صَبابةٌ وكاد ضمير القلْبِ لا يتَقطّع.
الثاني : أنها دخلت توكيداً للكلام كقوله : لا والله، وكقول امرىء القيس :
فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ لا يدّعي القوم أني أَفِرْ.
قاله أبو بكر بن عياش.
الثالث : أنها رد لكلام مضى من كلام المشركين في إنكار البعث، ثم ابتدأ القسم فقال : أقسم بيوم القيامة، فرقاً بين اليمين المستأنفة وبين اليمين تكون مجدداً، قاله الفراء.
وقرأ الحسن : لأقْسِمُ بيوم القيامة، فجعلها لاماً دخلت على ما أُقسم إثباتاً للقسم، وهي قراءة ابن كثير.
﴿ ولا أُقْسِم بالنّفْسِ اللوّامةِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه تعالى أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكونان قَسَمَيْن، قاله قتادة.
الثاني : أنه أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، قاله الحسن، ويكون تقدير الكلام : أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة. وفي وصفها باللوامة قولان :
أحدهما : أنها صفة مدح، وهو قول من جعلها قسماً :
الثاني : أنها صفة ذم، وهو قول من نفى أن يكون قسماً.
فمن جعلها صفة مدح فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها التي تلوم على ما فات وتندم، قاله مجاهد، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير أن لم تستكثر منه.
الثاني : أنها ذات اللوم، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أنها التي تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها.
فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى اللائمة.
ومن جعلها صفة ذم فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها المذمومة، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها التي تلام على سوء ما فعلت.
الثالث : أنها التي لا صبر لها على محن الدنيا وشدائدها، فهي كثيرة اللوم فيها، فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى الملومة.
﴿ أيَحْسَب الإنسان ﴾ يعني الكافر.
﴿ أنْ لن نَجْمَعَ عِظامَه ﴾ فنعيدها خلقاً جديداً بعد أن صارت رفاتاً.
﴿ بلى قادِرينَ على أنْ نُسوّيَ بَنانه ﴾ في قوله « بلى » وجهان :
أحدهما : أنه تمام قوله « أن لن نجمع عظامه » أي بلى نجمعها، قاله الأخفش.
الثاني : أنها استئناف بعد تمام الأول بالتعجب بلى قادرين، الآية وفيه وجهان :
أحدهما : بلى قادرين على أن نسوي مفاصله ونعيدها للبعث خلقاً جديداً، قاله جرير بن عبد العزيز.
الثاني : بلى قادرين على أن نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير، فلا يأكل إلا بفيه، ولا يعمل بيده شيئاً، قاله ابن عباس وقتادة.
354
﴿ بل يريد الإنسان ليَفْجُرَ أمامَه ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه أن يقدم الذنب ويؤخر التوبة، قاله القاسم بن الوليد.
الثاني : يمضي أمامه قدُماً لا ينزع عن فجور، قاله الحسن.
الثالث : بل يريد أن يرتكب الآثام في الدنيا لقوة أمله، ولا يذكر الموت، قاله الضحاك.
الرابع : بل يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار، وهو معنى قول ابن زيد.
ويحتمل وجهاً خامساً : بل يريد أن يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا، ثم وجدت ابن قتيبة قد ذكره وقال إن الفجور التكذيب واستشهد بأن أعرابياً قصد عمر بن الخطاب وشكا إليه نقب إبله ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها، فلم يحمله، فقال الأعرابي :
أقسم بالله أبو حفصٍ عُمَرْ ما مسّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ
فاغفر له اللهم إنْ كان فجَرْ يعني إن كان كذبني بما ذكرت.
﴿ فإذا بَرِقَ البصرُ ﴾ فيه قراءتان :
إحداهما : بفتح الراء، وقرأ بها أبان عن عاصم، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : يعني خفت وانكسر عند الموت، قاله عبد الله بن أبي إسحاق.
الثاني : شخص وفتح عينه عند معاينة ملك الموت فزعاً، وأنشد الفراء :
فنْفسَكَ فَانْعَ ولا تْنعَني وداوِ الكُلومَ ولا تَبْرَقِ.
أي ولا تفزع من هول الجراح.
الثانية : بكسر الراء وقرأ بها الباقون، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : عشى عينيه البرق يوم القيامة، قاله أشهب العقيلي، قال الأعشى :
وكنتُ أرى في وجه مَيّةَ لمحةً فأبرِق مَغْشيّاً عليّ مكانيا.
الثاني : شق البصر، قاله أبو عبيدة وأنشد قول الكلابي :
لما أتاني ابن عمير راغباً أعطيتُه عيساً صِهاباً فبرق.
﴿ وخَسَفَ القمرُ ﴾ أي ذهب ضوؤه، حتى كأنّ نوره ذهب في خسفٍ من الأرض.
﴿ وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه جمع بينهما في طلوعهما من المغرب [ أسودين مكورين ] مظلمين مقرنين.
الثاني : جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف لتكامل إظلام الأرض على أهلها، حكاه ابن شجرة.
الثالث : جمع بينهما في البحر حتى صارا نار الله الكبرى.
﴿ يقولُ الإنسانُ يومئذٍ أين المفرُّ ﴾ أي أين المهرب، قال الشاعر :
أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ.
ويحتمل وجهين :
أحدهما :« أين المفر » من الله استحياء منه.
الثاني :« أين المفر » من جهنم حذراً منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين :
أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة من عرصة القيامة دون المؤمن، ثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوه منها.
355
ويحتمل هذا القول وجهين :
أحدهما : من قول الله للإنسان إذا قاله « أين المفر » قال الله له « كلاّ لا وَزَرَ » الثاني : من قول الإنسان إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه « كلا لا وَزَرَ » ﴿ كلاّ لا وَزَرَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أي لا ملجأ من النار، قاله ابن عباس.
الثاني : لا حصن، قاله ابن مسعود.
الثالث : لا جبل، [ قاله الحسن ].
الرابع : لا محيص، قاله ابن جبير.
﴿ إلى ربِّك يومئذٍ المُسْتَقَرُّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المستقر المنتهى، قاله قتادة.
الثاني : أنه استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، قاله ابن زيد.
﴿ يُنَبّأ الإنسان يوميئذٍ بما قدَّمَ وأَخّرَ ﴾ يعني يوم القيامة وفي « بما قدم وأخر » خمسة تأويلات :
أحدها : ما قدم قبل موته من خير أو شر يعلم به بعد موته، قاله ابن عباس وابن مسعود.
الثاني : ما قدم من معصية، وأخر من طاعة، قاله قتادة.
الثالث : بأول عمله وآخره، قاله مجاهد.
الرابع : بما قدم من الشر وأخر من الخير، قال عكرمة.
الخامس : بما قدم من فرض وأخر من فرض، قاله الضحاك.
ويحتمل سادساً : ما قدم لدنياه، وما أخر لعقباه.
﴿ بل الإنسانُ على نَفْسِه بَصيرةٌ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه شاهد على نفسه بما تقدم به الحجة عليه، كما قال تعالى :﴿ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ﴾.
الثاني : أن جوارحه شاهدة عليه بعمله، قاله ابن عباس، كما قال تعالى :﴿ اليوم نَخْتِمُ على أفواههم وتُكَلِّمنا أيْديهم وتشْهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكْسِبون ﴾.
الثالث : معناه بصير بعيوب الناس غافل عن عيب نفسه فيما يستحقه لها وعليها من ثواب وعقاب.
والهاء في « بصيرة » للمبالغة.
﴿ ولو أَلْقَى معاذيرَه ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه لو اعتذر يومئذ لم يقبل منه، قاله قتادة.
الثاني : يعني لو ألقى معاذيره أي لو تجرد من ثيابه، قاله ابن عباس.
الثالث : لو أظهر حجته، قاله السدي وقال النابغة :
لدىّ إذا ألقى البخيلُ معاذِرَه.... الرابع : معناه ولو أرخى ستوره، والستر بلغة اليمن معذار، قاله الضحاك، قال الشاعر :
ولكنّها ضَنّتْ بمنزلِ ساعةٍ علينا وأطّت فوقها بالمعاذرِ
ويحتمل خامساً : أنه لو ترك الاعتذار واستسلم لم يُترك.
356
﴿ لا تُحرِّكْ به لسانَكَ لِتعْجَلَ به ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن النبي ﷺ كان إذا نزل عليه القرآن حرك به لسان يستذكره. مخافة أن ينساه، وكان ناله منه شدة، فنهاه الله تعالى عن ذلك وقال :﴿ إنّ علينا جَمْعَه وقرآنه ﴾، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حبه له وحلاوته في لسانه، فنهي عن ذلك حتى يجتمع، لأن بعضه مرتبط ببعض، قاله عامر الشعبي.
﴿ إنّ علينا جَمْعَهُ وقُرْآنَه ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إن علينا جمعه في قلبك لتقرأه بلسانك، قاله ابن عباس.
الثاني : عيلنا حفظه وتأليفه، قاله قتادة.
الثالث : عيلنا أن نجمعه لك حتى تثبته في قلبك، قاله الضحاك.
﴿ فإذا قرأناه فاتّبعْ قُرْآنَه ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فإذا بيّناه فاعمل بما فيه، قاله ابن عباس.
الثاني : فإذا أنزلناه فاستمع قرآنه، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : فإذا تلي عليك فاتبع شرائعه وأحكامه، قاله قتادة.
﴿ ثم إنْ علينا بَيانَه ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : بيان ما فيه من أحكام وحلال وحرام، قاله قتادة.
الثاني : علينا بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل حتى تقرأه كما أقرأك، قاله ابن عباس.
الثالث : علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد أو وعيد، قاله الحسن.
﴿ كلاّ بل تُحِبُّونَ العاجلةَ * وتذَرُونَ الآخِرَة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تحبون ثواب الدنيا وتذرون ثواب الآخرة، قاله مقاتل.
الثاني : تحبون عمل الدنيا وتذرون عمل الآخرة.
﴿ وُجوهٌ يومئذٍ ناضِرةٌ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني حسنة، قاله الحسن.
الثاني : مستبشرة، قاله مجاهد.
الثالث : ناعمة، قاله ابن عباس.
الرابع : مسرورة، قاله عكرمة.
﴿ إلى رَبِّها ناظرةٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : تنظر إلى ربها في القيامة، قاله الحسن وعطية العوفي.
الثاني : إلى ثواب ربها، قاله ابن عمر ومجاهد.
الثالث : تنتظر أمر ربها، قاله عكرمة.
﴿ ووجوهُ يومئذٍ باسرةٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كالحة، قاله قتادة.
الثاني : متغيرة، قاله السدي.
﴿ تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بها فاقِرةٌ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الفاقرة الداهية، قاله مجاهد.
الثاني : الشر، قاله قتادة.
الثالث : الهلاك، قاله السدي.
الرابع : دخول النار، قاله ابن زيد.
﴿ كلا إذا بَلَغَتِ التّراقِيَ ﴾ يعني بلوغ الروح عند موته إلى التراقي، وهي أعلى الصدر، واحدها ترقوه.
﴿ وقيلَ مَنْ راقٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قال أَهْله : من راقٍ يرقيه بالرُّقى وأسماء الله الحسنى، قاله ابن عباس.
الثاني : مَنْ طبيبٌ شافٍ، قاله أبو قلابة، قال الشاعر :
هل للفتى مِن بنات الدهرِ من واقى أم هل له من حمامِ الموتِ من راقي
الثالث : قال الملائكة : مَن راقٍ يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
﴿ وظَنَّ أنّه الفِراق ﴾ أي تيقن أنه مفارق الدنيا.
﴿ والْتَفّتِ الساقُ بالساقِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : اتصال الدنيا بالآخرة، قاله ابن عباس.
الثاني : الشدة بالشدة والبلاء بالبلاءِ، وهو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع، قاله عكرمة ومجاهد، ومنه قول حذيفة بن أنس الهذلي :
أخو الحرب إن عضّت به الحربُ عضّها وإن شمّرتْ عن ساقها الحرب شمّرا.
الثالث : التفّت ساقاه عند الموت، وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين أن التفاف الساق بالساق عند الميثاق، قال الحسن :
ماتت رجلاه فلم تحملاه وقد كان عليهما جوّالاً.
الرابع : أنه اجتمع أمران شديدان عليه : الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، قاله ابن زيد.
﴿ إلى ربِّك يومئذٍ المساقُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : المنطلق، قاله خارجة.
الثاني : المستقر، قاله مقاتل.
﴿ فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى ﴾ هذا في أبي جهل، وفيه وجهان :
أحدهما : فلا صدّق بكتاب الله ولا صلّى للَّه، قاله قتادة.
الثاني : فلا صدّق بالرسالة ولا آمن بالمرسل، وهو معنى قول الكلبي.
ويحتمل ثالثاً : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه.
﴿ ولكن كَذَّبَ وتَوَلَّى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كذب الرسول وتولى عن المرسل.
الثاني : كذب بالقرآن وتولى عن الطاعة.
﴿ ثم ذَهَبَ إلى أَهْلِه يَتَمَطَّى ﴾ يعني أبا جهل، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يختال في نفسه، قاله ابن عباس.
الثاني : يتبختر في مشيته، قال زيد بن أسلم وهي مشية بني مخزوم.
الثالث : أن يلوي مطاه، والمطا : الظهر، وجاء النهي عن مشية المطيطاء وذلك أن الرجل يلقي يديه مع الكفين في مشيه.
﴿ أوْلَى لك فأوْلَى * ثم أوْلَى لك فأوْلَى ﴾ حكى الكلبي ومقاتل : أن النبي ﷺ لقي أبا جهل ببطحاء مكة وهو يتبختر في مشيته، فدفع في صدره وهمزه بيده وقال :
« أوْلى لك فأولى » فقال أبو جهل :
إليك عني أوعدني يا ابن أبي كبشة ما تستطيع أنت ولا ربك الذي أرسلك شيئاً، فنزلت هذه الآية.
وفيه وجهان :
أحدهما : وليك الشر، قال قتادة، وهذا وعيد على وعيد.
358
الثاني : ويل لك، قالت الخنساء :
هَممْتُ بنفسي بعض الهموم فأوْلى لنَفْسيَ أوْلَى لها.
سأحْمِلُ نَفْسي على آلةٍ فإمّا عليها وإمّا لها.
الآلة : الحالة، والآلة : السرير أيضاً الذي يحمل عليه الموتى.
﴿ أيَحْسَبُ الإنسانُ أنْ يُتْرَك سُدىً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : فهل لا يفترض عليه عمل، قاله ابن زيد.
الثاني : يظن ألا يبعث، قاله السدي.
الثالث : ملغى لا يؤمر ولا ينهى، قاله مجاهد.
الرابع : عبث لا يحاسب ولا يعاقب، قال الشاعر :
فأُقسِم باللَّه جهدَ اليمين ما ترك اللَّه شيئاً سُدى
﴿ ألمْ يكُ نُطْفةً مِنْ مَنيٍّ يُمْنَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن معنى يُمنى يراق، ولذلك سميت منى لإراقة الدماء فيها.
الثاني : بمعنى ينشأ ويخلق، ومنه قول يزيد بن عامر :
فاسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ حتى تلاقيَ ما يُمني لك الماني.
الثالث : أنه بمعنى يشترك أي اشتراك ماء الرجل بماء المرأة.
﴿ ثم كان عَلَقَةً ﴾ يعني أنه كان بعد النطفة علقة.
﴿ فخَلَقَ فسوَّى ﴾ يحتمل وجهين.
أحدهما : خلق من الأرحام قبل الولادة وسوي بعدها عند استكمال القوة وتمام الحركة.
الثاني : خلق الأجسام وسواها للأفعال، فجعل لكل جارحة عملاً، والله أعلم.
359
Icon