ﰡ
الكلام في ﴿ هَلْ ﴾ هنا، كالكلام في ﴿ هَلْ ﴾ التي في أول سورة الإنسان، أنها استفهامية أو أنها بمعنى قد ؟
ورجّح أبو السعود وغيره أنها استفهامية للفت النظر وشدة التعجب والتنويه، بشأن هذا الحديث، وهو مروي عن ابن عباس قال : رضي الله عنه : " لم يكن أتاه فأخبره به " وحديث الغاشية هو خبرها الذي يتحدث عنها.
والغاشية قال أبو حيان : أصلها في اللغة : الداهية تغشى الناس، واختلف في المراد بها هنا، فقيل : يوم القيامة.
وقيل : النار. واستدل كل قائل بنصوص. فمن الأول قوله :﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ ﴾.
قال الفخر الرازي. وإنما سميت القيامة بهذا الاسم، لأن ما أحاط بالشيء من جميع جهاته فهو غاش له، والقيامة كذلك من وجوه. الأول، أنها ترد على الخلق بغتة، وهو كقوله :﴿ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾.
والثاني : أنها تغشى الناس جميعاً من الأولين والآخرين.
والثالث : أنها تغشى الناس بالأهوال والشدائد.
ومن استدلالهم على أنها النار، قوله تعالى :﴿ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ﴾.
وقيل الغاشية : أهل النار يغشونها أي يدخلونها، فالغاشية كالدافة في حديث الأضاحي.
وقال الطبري : والراجح عندي أن الله تعالى أطلق ليعم، فيجب أن تطلق ليعم أيضاً.
والذي يظهر رجحانه واللَّه تعالى أعلم : أنها في عموم القيامة وليس في خصوص النار، فالنار من أهوال ودواهي القيامة، وهو ما يشهد له القرآن في هذا السياق من عدة وجوه، ومنها : أنه جاء بعدها قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ﴾، ويوم أنسب للقيامة منه للنار.
ومنها : التصريح بعد ذلك، بأن من كانت تلك صفاتهم تصلى ناراً حامية، مما يدل على أن الغاشية شيء آخر سوى النار الحامية.
ومنها : أن التعميم ليوم القيامة يشمل جميع الخلائق، وهو الأنسب بالموقف، ثم ينجي الله الذين اتقوا.
وقد بين تعالى قسيم هذا الصنف، مما يدل على أن الحديث المراد إلغاؤه، إنما هو عن حالة عموم الموقف.
اتفقوا على أن يومئذٍ، يعني يوم القيامة.
وقال أبو حيان : والتنوين فيه تنوين عوض. وهو تنوين عوض عن جملة، ولم تتقدم جملة تصلح أن يكون التنوين عوضاً عنها، ولكن لما تقدم لفظ الغاشية.
وأل موصولة باسم الفاعل، فتنحل للتي غشيت أي للداهية التي غشيت، فالتنوين عوض من هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها، وإلى الموصول الذي هو التي، وهذا مما يرجح ويؤيد ما قدمناه، من أن الغاشية هي القيامة وجوه يومئذٍ خاشعة، بمعنى ذليلة.
قال أبو السعود : هذا وما بعده وقع جواباً عن سؤال، نشأ من الاستفهام التشويقي المتقدم، كأنه قيل من جانبه صلى الله عليه وسلم " ما أتاني حديثها، فأخبره الله تعالى. فقال : وجوه " إلخ.
قال : ولا بأس بتنكيرها لأنها في موقع التنويع، أي سوغ الابتداء بالنكرة كونها في موقع التنويع : وجوه كذا، ووجوه كذا.
وخاشعة : خبر المبتدأ، أي وما بعده من صفاتهم.
ومنهم من قال : عمل ونصب والتذ، فيما لا يرضى اللَّه، فعامله الله بنقيض قصده في الآخرة، ولكن هذا الوجه ضعفه ظاهر، لأن من هذه حالهم لا يعدون في عمل ونصب بل في متعة ولذة.
والذين قالوا : سيقع منهم بالفعل يوم القيامة، اتفقوا على أنه عمل ونصب في النار من جر السلاسل، عياذاً بالله. وصعودهم وهبوطهم الوهاد والوديان، أي كما في قوله :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾، وقوله :﴿ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾.
وقد ذكر الفخر الرازي تقسيماً ثلاثياً، فقال : إما أن يكون ذلك كله في الدنيا أو كله في الآخرة، أو بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة، ولم يرجح قسماً منها إلا أن وجه القول بأنها في الدنيا وهي في القسيسين، ونحوهم. فقال : لما نصبوا في عبادة إله وصفوه بما ليس متصفاً به، وإنما تخيلوه تخيلاً أي بقولهم ﴿ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾ وقولهم :﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾، فكانت عبادتهم لتلك الذات المتخيلة لا لحقيقة الإله سبحانه.
ولا يبعد أن يقال على هذا الوجه : إن من كان ممن لا ينطق بالشهادتين ويعمل على جهالة فيما لا يعذر بجهله أن يخشى عليه من هذه الآية، كما يخشى على من يعمل على علم، ولكن في بدعة وضلالة.
ومما يشهد للأول حديث المسيء صلاته. ولأثر حذيفة " رأى رجلاً يصلي فطفق فقال له : منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟ قال منذ أربعين سنة. قال له : ما صليت منذ أربعين سنة ولو مت على ذلك، مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم ".
والأحاديث الواردة في ذلك على سبيل العمومات مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمري فهو رد " أي مردود.
وحديث الحوض " فيذاد أقوام عن حوضي، فأقول : أمتي أمتي، فيقال : إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك إنهم غيَّروا وبدَّلوا ".
ونحو ذلك مما يوجب الانتباه إلى صحة العمل وموافقته لما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك القسم الثاني كما في قوله :﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ١٠٣ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ ﴾.
أما الراجح من القولين في زمن ﴿ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ أهو في الدنيا أم في الآخرة ؟ فإنه القول بيوم القيامة، وهو مروي عن ابن عباس وجماعة، والأدلة على ذلك من نفس السياق.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام جيد جداً في هذا الترجيح، ولم أقف على قول لغيره أقوى منه، نسوق مجمله للفائدة :
قال في المجموع في تفسير هذه السورة بعد حكاية القولين : الحق هو الثاني لوجوه، وساق سبعة وجوه :
الأول : أنه على القول الثاني يتعلق الظرف بما يليه، أي وجوه يوم الغاشية، خاشعة عاملة ناصبة صالية.
أما على القول الأول فلا يتعلق إلاَّ بقوله : تصلى. ويكون قوله : خاشعة صفة للوجوه، قد فصل بينها وبين الموصوف بأجنبي متعلق بصفة أخرى. والتقدير : وجوه خاشعة عاملة ناصبة يومئذٍ تصلى ناراً حامية، والتقديم والتأخير على خلاف الأصل، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه لا تغيير ترتيبه، والتقديم والتأخير، إنما يكون مع قرينة.
والثاني : أن الله ذكر وجوه الأشقياء ووجوه السعداء في السورة بعد ذلك ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾، أي في ذلك اليوم، وهو يوم الآخرة : فالواجب تناظر القسمين أي في الظرف.
الثالث : أن نظير هذين القسمين ما ذكر في موضع آخر في قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾، وفي موضع آخر في قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾، وهذا كله وصف للوجوه في الآخرة.
الرابع : أن المراد بالوجوه أصحابها لأن الغالب في القرآن وصف الوجوه بالعلامة كقوله :﴿ سِيمَاهُمْ في وُجُوهِهِمْ ﴾، وقوله :﴿ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾، وهذا الوجه لم تتضح دلالته على المقصود.
الخامس : أن قوله : خاشعة عاملة ناصبة، لو جعل صفة لهم في الدنيا لم يكن في هذا اللفظ ذم، فإن هذا إلى المدح أقرب، وغايته أنه وصف مشترك بين عباده المؤمنين وعباده الكافرين، والذم لا يكون بالوصف المشترك ولو أريد المختص، لقيل : خاشعة للأوثان مثلاً، عاملة لغير اللَّه، ناصبة في طاعة الشيطان، وليس في القرآن ذم لهذا الوصف مطلقاً ولا وعيد عليه، فحمله على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف في القرآن، وهذا الوجه من أقواها في المعنى وأوضحها دلالة.
وقد يشهد له أن هؤلاء قد يكون منهم العوام المغرورون بغيرهم، ويندمون غاية الندم يوم القيامة على اتباعهم إياهم، كما في قوله تعالى :﴿ وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ﴾.
السادس : وهو مهم أيضاً، أنه لو جعل لهم في الدنيا لكان خاصاً ببعض الكفار دون بعض، وكان مختصاً بالعباد منهم، مع أن غير العباد منهم يكونون أسوأ عملاً ويستوجبون أشد عقوبة.
السابع : أن هذا الخطاب لو جعل لهم في الدنيا لكان مثله ينفر من أصل العبادة والتنسك ابتداء، أي وقد جاءت السنة بترك أصحاب الصوامع والمتنسكين دون التعرض لهم بقتل ولا قتال، كما أنها أقرت أصحاب الديانات على دياناتهم، مما يشعر باحترام أصل التعبد لعموم الجنس، كما أشار رحمة الله تعالى عليه.
وقد أوردنا مجمل كلامه رحمه اللَّه، لئلا تتخذ الآية على غير ما هو الراجح فيها، أو يحمل السياق على غير ما سيق له، وقد ختم كلامه بتوجيه لطيف بقوله : ثم إذا قيد ذلك بعبادة الكفار والمبتدعة، وليس في الخطاب تقييد، كان هذا سعياً في إصلاح الخطاب بما لم يذكر فيه ا ه.
ومن الذي يعطي نفسه حق إصلاح الخطاب في كلام رب العالمين، إنها لفتة إلى ضرورة ومدى أهمية تفسير القرآن بالقرآن، الذي نهجه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن.
وقد بدا لي وجه آخر، وهو لو جعل هذا العمل الكفار والمبتدعة، لكان منطوقه أن العذاب وقع عليهم مجازاة على عملهم ونصبهم في عبادتهم تلك، والحال أن عذاب الكفار عموماً إنما هو على ترك العمل لله وحده، وعقاب المبتدعة فيما ابتدعوه من ضلال، فإذا كان ما ابتدعوه لا علاقة له بأركان الإسلام ولا بالعقيدة، وإنما هو في فروع من العبادات ابتدعوها لم تكن في السنة، فإنهم وإن عملوا ونصبوا فلا أجر لهم فيها، ولا يقال : إنهم يعذبون عليها بطل ذلك المذكور مع سلامة العقيدة في التوحيد، والقيام بالواجب في أركان الإسلام، إذ العذاب المذكور ليس مقابلاً بالعمل والنصيب المذكور، واللَّه تعالى أعلم.
قيل : حاضرة، وقيل : شديدة الحرارة، وهذا الأخير هو ما يشهد له القرآن في قوله تعالى :﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾، ومعلوم أن الحميم شديد الحرارة، كما أن حملها على معنى حاضرة لم يكن فيه بيان معنى ما في تلك العين من أنواع الشراب المعد والمحضر لهم، وفي المعجم حميم آن : قد انتهى حره، والفعل : أنى الماء المسخن يأتي بكسر النون. قال عباس :
علانية والخيل يغشى متونها | حميم وآن من دم الجوف ناقع |
تكلم الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الجمع بينه وبين قوله تعالى :﴿ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ٣٥ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ﴾، وبين الصحيح من معنى الضريع ما هو، وأنه نبت معروف للعرب، وهو على الحقيقة لا المجاز.
وقد أورد الفخر الرازي سؤالاً والجواب عليه، وهو كيف ينبت الضريع في النار ؟ فأجاب بالإحالة على تصور كيف يبقى جسم الكفار حياً في النار، وكذلك الحيات والعقارب في النار.
وهذا وإن كان وجيهًا من حيث منطق القدرة، ولكن القرآن قد صرح بأن النار فيها شجرة الزقوم، وأنها فتنة للظالمين في قوله :﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ٦٢ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ٦٣ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الْجَحِيمِ ٦٤ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ٦٥ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾، فأثبت شجرة تخرج في أصل الجحيم، وأثبت لها لازمها وهو طلعها في تلك الصورة البشعة، وأثبت لازم اللازم وهو أكلهم منها حتى ملء البطون.
والحق أن هذا السؤال وجوابه قد أثاره المبطلون، ولكن غاية ما في الأمر سلب خاصية الإحراق في النار عن النبات، وليس هذا ببعيد على قدرة من خلق النار وجعل لها الخاصية.
وقد وجد نظيره في الدنيا فتلك نار النمروذ، كانت تحرق الطير في الجو إذا اقترب منها، وعجزوا عن الدنو إليها ليلقوا فيها إبراهيم ووضعوه في المنجنيق ورموه من بعيد، ومع ذلك حفظه الله منها بقوله تعالى لها :﴿ كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء.
وهذا هو قسيم القسم الأول في بيان حال أهل الجنة، ولم يعطف بالواو إيذاناً بكمال تباين مضمونيهما. ويومئذٍ : هو يوم الغاشية المتقدم، وهذا يقتضي أن الغاشية عامة في الفريقين. وإن اختلفت أحوالها مع مختلف الناس، وعليه فمنهم من تغشاه بهولها، ومنهم من تغشاه بنعيمها. وهي بالنسبة لكل منهما متناهية فيما تغشاهم به، وهي صادقة على الفريقين.
ومعلوم أن الغاشية تطلق على الخير كما تطلق على الشر، بمعنى الشمول والإحاطة التامة. ومن إطلاقها على الخير ما جاء في الحديث : " ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله تعالى فيه إلاَّ حفَّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده " أخرجه مسلم.
وبيان ذلك وتحقيقه في حق كلا القسمين كالآتي :
أما الأول منهما : وهو الغاشية في حق أهل النار فقد غشيهم العذاب حساً ومعنى ظاهراً وباطناً أو لا خشوع في ذلة، وهي ناحية نفسية، وهي أثقل أحياناً من الناحية المادية، فقد يختار بعض الناس الموت عنها، ثم مع الذلة العمل والنصب حساً وبدناً، ومع النصب الشديد تصلى ناراً حامية، وكان يكفي تصلى ناراً. ولكن إتباعها بوصفها حامية فهو زيادة في إبراز عذابهم وزيادة في غشيان العذاب لهم، ثم يسقون من عين آنية متناهية في الحرارة فيكونون بين نار حامية من الخارج وحميم من الداخل تصهر منه البطون، فهو أتم في الشمول للغاشية لهم من جميع الوجوه، وفي حق القسم المقابل تعميم كامل وسرور شامل كالآتي، وجوه ناعمة مكتملة النعمة، تعرف في وجوههم نضرة النعيم.
وهذا في شموله من الناحية المعنوية كمقابلة في القسم الأول بدلاً من خاشعة في ذلة ناعمة في نضرة لسعيها راضية الذي سعته في الدنيا، والذي تسعى لتحصيله أو ثوابه في جنة عالية بدلاً من عمل ونصب.
فيكون بذلك قد غشيتهم النعمة، كما غشيت أولئك النقمة وتكون الغاشية بمعنى الشاملة، وعلى عمومها للفريقين، وهي صالحة لغة وشرعًا للمعذبين بالعذاب، وللمنعمين بالنعيم. وباللَّه تعالى التوفيق.
تنبيه
مجيء ﴿ فِيهَا ﴾ مرتين :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾. للدلالة على قسمي نعيم الجنة. الأول : عيون ونزهة. والثاني : سرر وسكن.
فيكون بذلك قد غشيتهم النعمة، كما غشيت أولئك النقمة وتكون الغاشية بمعنى الشاملة، وعلى عمومها للفريقين، وهي صالحة لغة وشرعًا للمعذبين بالعذاب، وللمنعمين بالنعيم. وباللَّه تعالى التوفيق.
تنبيه
مجيء ﴿ فِيهَا ﴾ مرتين :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾. للدلالة على قسمي نعيم الجنة. الأول : عيون ونزهة. والثاني : سرر وسكن.
فيكون بذلك قد غشيتهم النعمة، كما غشيت أولئك النقمة وتكون الغاشية بمعنى الشاملة، وعلى عمومها للفريقين، وهي صالحة لغة وشرعًا للمعذبين بالعذاب، وللمنعمين بالنعيم. وباللَّه تعالى التوفيق.
تنبيه
مجيء ﴿ فِيهَا ﴾ مرتين :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾. للدلالة على قسمي نعيم الجنة. الأول : عيون ونزهة. والثاني : سرر وسكن.
فيكون بذلك قد غشيتهم النعمة، كما غشيت أولئك النقمة وتكون الغاشية بمعنى الشاملة، وعلى عمومها للفريقين، وهي صالحة لغة وشرعًا للمعذبين بالعذاب، وللمنعمين بالنعيم. وباللَّه تعالى التوفيق.
تنبيه
مجيء ﴿ فِيهَا ﴾ مرتين :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾. للدلالة على قسمي نعيم الجنة. الأول : عيون ونزهة. والثاني : سرر وسكن.
فيكون بذلك قد غشيتهم النعمة، كما غشيت أولئك النقمة وتكون الغاشية بمعنى الشاملة، وعلى عمومها للفريقين، وهي صالحة لغة وشرعًا للمعذبين بالعذاب، وللمنعمين بالنعيم. وباللَّه تعالى التوفيق.
تنبيه
مجيء ﴿ فِيهَا ﴾ مرتين :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾. للدلالة على قسمي نعيم الجنة. الأول : عيون ونزهة. والثاني : سرر وسكن.
توجيه الأنظار إلى تلك المذكورات الأربعة، لما فيها من عظيم الدلائل على القدرة وعلى البعث وثم الإقرار لله تعالى بالوحدانية والألوهية، نتيجة لإثبات ربوبيته تعالى لجميع خلقه.
أما الإبل فلعلها أقرب المعلومات للعرب وألصقها بحياتهم في مطعمهم من لحمها ومشربهم من ألبانها، وملبسهم من أوبارها وجلودها، وفي حلهم وترحالهم بالحمل عليها مما لا يوجد في غيرها في العالم كله لا في الخيل ولا في الفيلة، ولا في أي حيوان آخر، وقد وجه الأنظار إليها مع غيرها في معرض امتنانه تعالى عليهم في قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
وكذلك في خصوصها في قوله :﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
إنها نعم متعددة ومنافع بالغة لم توجد في سواها البتة، وكل منها دليل على القدرة بذاته. أما الجبال فهي مما يملأ عيونهم في كل وقت ويشغل تفكيرهم في كل حين، لقربها من حياتهم في الأمطار والمرعى في سهولها، والمقيل في كهوفها وظلها، والرهبة والعظمة في تطاولها وثباتها في مكانها. وقد وجه الأنظار إليها أيضاً في موطن آخر في قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾، ثوابت، كما بين تعالى أنها، رواسي للأرض أن تميد بكم ﴿ والجبال أرساها ٣٢ متاعاً لكم ولأنعامكم ﴾، فهي مرتبطة بحياتهم وحياة أنعامهم كما أسلفنا.
أما السماء ورفعها أي ورفعتها في خلقها وبدون عمد ترونها وبدون قطور أو تشقق على تطاول زمنها، فهي أيضاً محط أنظارهم، وملتقى طلباتهم في سقيا أنعامهم.
ومعلوم أن خلق السماء والأرض من آيات الله الدالة على البعث، كما تقدم مراراً.
وتقدم للشيخ عند قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ الآية. بيان كونها آية. أما الأرض وكيف سطحت، فإن الآية فيها مع عمومها كما في قوله :﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾.
وقوله :﴿ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ آية ثابتة، لأن جرمها مع إجماع المفسرين على تكويرها، فإنها ترى مسطحة أي من النقطة التي هي في امتداد البصر، وذلك يدل على سعتها وكبر حجمها، لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر والضخامة حدًا بعيداً يكاد سطحه يرى مسطحاً من نقطة النظر إليه، وفي كل ذلك آيات متعددات للدلالة على قدرته تعالى على بعث الخلائق، وعلى إيقاع ما يغشاهم على مختلف أحوالهم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه التنبيه على هذا المعنى، عند الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾. من سورة يونس.
تنبيه
التوجيه هنا بالنظر إلى الكيفية في خلق الإبل ونصب الجبال، ورفع السماء، وتسطيح الأرض، مع أن الكيف للحالة، واللَّه تعالى لم يشهد أحداً على شيء من ذلك كله ﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾.
فكيف يوجه السؤال إليهم للنظر إلى الكيفية وهي شيء لم يشهدوه.
والجواب واللَّه تعالى أعلم : هو أنه بالتأمل في نتائج خلق الإبل، ونصب الجبال إلخ. وإن لم يعلموا الكيف، بل ويعجزون عن كنهه وتحقيقه، فهو أبلغ في إقامة الدليل عليهم، كمن يقف أمام صنعة بديعة يجهل سر صنعتها، فيتساءل كيف تم صنعها ؟ وقد وقع مثل ذلك وهو الإحالة على الأثر بدلاً من كشف الكنه والكيف، وذلك في سؤال الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه، أن يريه كيف يحيي الموتى. فكان الجواب : أن أراه الطيور تطير، بعد أن ذبحها بيده وقطعها، وجعل على كل جبل منها جزءاً. فلم يشاهد كيفية وكنه، وحقيقة الإحياء، وهو دبيب الروح فيها وعودة الحياة إليها. لأن ذلك ليس في استطاعته، ولكن شاهد الآثار المترتبة على ذلك، وهي تحركها وطيرانها وعودتها إلى ما كانت عليه قبل ذبحها. مع أنه كان للعزير موقف مماثل وإن كان أوضح في البيان حيث شاهد العظام وهو سبحانه ينشرها، ثم يكسوها لحماً. واللَّه تعالى أعلم.
توجيه الأنظار إلى تلك المذكورات الأربعة، لما فيها من عظيم الدلائل على القدرة وعلى البعث وثم الإقرار لله تعالى بالوحدانية والألوهية، نتيجة لإثبات ربوبيته تعالى لجميع خلقه.
أما الإبل فلعلها أقرب المعلومات للعرب وألصقها بحياتهم في مطعمهم من لحمها ومشربهم من ألبانها، وملبسهم من أوبارها وجلودها، وفي حلهم وترحالهم بالحمل عليها مما لا يوجد في غيرها في العالم كله لا في الخيل ولا في الفيلة، ولا في أي حيوان آخر، وقد وجه الأنظار إليها مع غيرها في معرض امتنانه تعالى عليهم في قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
وكذلك في خصوصها في قوله :﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
إنها نعم متعددة ومنافع بالغة لم توجد في سواها البتة، وكل منها دليل على القدرة بذاته. أما الجبال فهي مما يملأ عيونهم في كل وقت ويشغل تفكيرهم في كل حين، لقربها من حياتهم في الأمطار والمرعى في سهولها، والمقيل في كهوفها وظلها، والرهبة والعظمة في تطاولها وثباتها في مكانها. وقد وجه الأنظار إليها أيضاً في موطن آخر في قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾، ثوابت، كما بين تعالى أنها، رواسي للأرض أن تميد بكم ﴿ والجبال أرساها ٣٢ متاعاً لكم ولأنعامكم ﴾، فهي مرتبطة بحياتهم وحياة أنعامهم كما أسلفنا.
أما السماء ورفعها أي ورفعتها في خلقها وبدون عمد ترونها وبدون قطور أو تشقق على تطاول زمنها، فهي أيضاً محط أنظارهم، وملتقى طلباتهم في سقيا أنعامهم.
ومعلوم أن خلق السماء والأرض من آيات الله الدالة على البعث، كما تقدم مراراً.
وتقدم للشيخ عند قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ الآية. بيان كونها آية. أما الأرض وكيف سطحت، فإن الآية فيها مع عمومها كما في قوله :﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾.
وقوله :﴿ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ آية ثابتة، لأن جرمها مع إجماع المفسرين على تكويرها، فإنها ترى مسطحة أي من النقطة التي هي في امتداد البصر، وذلك يدل على سعتها وكبر حجمها، لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر والضخامة حدًا بعيداً يكاد سطحه يرى مسطحاً من نقطة النظر إليه، وفي كل ذلك آيات متعددات للدلالة على قدرته تعالى على بعث الخلائق، وعلى إيقاع ما يغشاهم على مختلف أحوالهم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه التنبيه على هذا المعنى، عند الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾. من سورة يونس.
تنبيه
التوجيه هنا بالنظر إلى الكيفية في خلق الإبل ونصب الجبال، ورفع السماء، وتسطيح الأرض، مع أن الكيف للحالة، واللَّه تعالى لم يشهد أحداً على شيء من ذلك كله ﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾.
فكيف يوجه السؤال إليهم للنظر إلى الكيفية وهي شيء لم يشهدوه.
والجواب واللَّه تعالى أعلم : هو أنه بالتأمل في نتائج خلق الإبل، ونصب الجبال إلخ. وإن لم يعلموا الكيف، بل ويعجزون عن كنهه وتحقيقه، فهو أبلغ في إقامة الدليل عليهم، كمن يقف أمام صنعة بديعة يجهل سر صنعتها، فيتساءل كيف تم صنعها ؟ وقد وقع مثل ذلك وهو الإحالة على الأثر بدلاً من كشف الكنه والكيف، وذلك في سؤال الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه، أن يريه كيف يحيي الموتى. فكان الجواب : أن أراه الطيور تطير، بعد أن ذبحها بيده وقطعها، وجعل على كل جبل منها جزءاً. فلم يشاهد كيفية وكنه، وحقيقة الإحياء، وهو دبيب الروح فيها وعودة الحياة إليها. لأن ذلك ليس في استطاعته، ولكن شاهد الآثار المترتبة على ذلك، وهي تحركها وطيرانها وعودتها إلى ما كانت عليه قبل ذبحها. مع أنه كان للعزير موقف مماثل وإن كان أوضح في البيان حيث شاهد العظام وهو سبحانه ينشرها، ثم يكسوها لحماً. واللَّه تعالى أعلم.
توجيه الأنظار إلى تلك المذكورات الأربعة، لما فيها من عظيم الدلائل على القدرة وعلى البعث وثم الإقرار لله تعالى بالوحدانية والألوهية، نتيجة لإثبات ربوبيته تعالى لجميع خلقه.
أما الإبل فلعلها أقرب المعلومات للعرب وألصقها بحياتهم في مطعمهم من لحمها ومشربهم من ألبانها، وملبسهم من أوبارها وجلودها، وفي حلهم وترحالهم بالحمل عليها مما لا يوجد في غيرها في العالم كله لا في الخيل ولا في الفيلة، ولا في أي حيوان آخر، وقد وجه الأنظار إليها مع غيرها في معرض امتنانه تعالى عليهم في قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
وكذلك في خصوصها في قوله :﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
إنها نعم متعددة ومنافع بالغة لم توجد في سواها البتة، وكل منها دليل على القدرة بذاته. أما الجبال فهي مما يملأ عيونهم في كل وقت ويشغل تفكيرهم في كل حين، لقربها من حياتهم في الأمطار والمرعى في سهولها، والمقيل في كهوفها وظلها، والرهبة والعظمة في تطاولها وثباتها في مكانها. وقد وجه الأنظار إليها أيضاً في موطن آخر في قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾، ثوابت، كما بين تعالى أنها، رواسي للأرض أن تميد بكم ﴿ والجبال أرساها ٣٢ متاعاً لكم ولأنعامكم ﴾، فهي مرتبطة بحياتهم وحياة أنعامهم كما أسلفنا.
أما السماء ورفعها أي ورفعتها في خلقها وبدون عمد ترونها وبدون قطور أو تشقق على تطاول زمنها، فهي أيضاً محط أنظارهم، وملتقى طلباتهم في سقيا أنعامهم.
ومعلوم أن خلق السماء والأرض من آيات الله الدالة على البعث، كما تقدم مراراً.
وتقدم للشيخ عند قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ الآية. بيان كونها آية. أما الأرض وكيف سطحت، فإن الآية فيها مع عمومها كما في قوله :﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾.
وقوله :﴿ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ آية ثابتة، لأن جرمها مع إجماع المفسرين على تكويرها، فإنها ترى مسطحة أي من النقطة التي هي في امتداد البصر، وذلك يدل على سعتها وكبر حجمها، لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر والضخامة حدًا بعيداً يكاد سطحه يرى مسطحاً من نقطة النظر إليه، وفي كل ذلك آيات متعددات للدلالة على قدرته تعالى على بعث الخلائق، وعلى إيقاع ما يغشاهم على مختلف أحوالهم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه التنبيه على هذا المعنى، عند الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾. من سورة يونس.
تنبيه
التوجيه هنا بالنظر إلى الكيفية في خلق الإبل ونصب الجبال، ورفع السماء، وتسطيح الأرض، مع أن الكيف للحالة، واللَّه تعالى لم يشهد أحداً على شيء من ذلك كله ﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾.
فكيف يوجه السؤال إليهم للنظر إلى الكيفية وهي شيء لم يشهدوه.
والجواب واللَّه تعالى أعلم : هو أنه بالتأمل في نتائج خلق الإبل، ونصب الجبال إلخ. وإن لم يعلموا الكيف، بل ويعجزون عن كنهه وتحقيقه، فهو أبلغ في إقامة الدليل عليهم، كمن يقف أمام صنعة بديعة يجهل سر صنعتها، فيتساءل كيف تم صنعها ؟ وقد وقع مثل ذلك وهو الإحالة على الأثر بدلاً من كشف الكنه والكيف، وذلك في سؤال الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه، أن يريه كيف يحيي الموتى. فكان الجواب : أن أراه الطيور تطير، بعد أن ذبحها بيده وقطعها، وجعل على كل جبل منها جزءاً. فلم يشاهد كيفية وكنه، وحقيقة الإحياء، وهو دبيب الروح فيها وعودة الحياة إليها. لأن ذلك ليس في استطاعته، ولكن شاهد الآثار المترتبة على ذلك، وهي تحركها وطيرانها وعودتها إلى ما كانت عليه قبل ذبحها. مع أنه كان للعزير موقف مماثل وإن كان أوضح في البيان حيث شاهد العظام وهو سبحانه ينشرها، ثم يكسوها لحماً. واللَّه تعالى أعلم.
توجيه الأنظار إلى تلك المذكورات الأربعة، لما فيها من عظيم الدلائل على القدرة وعلى البعث وثم الإقرار لله تعالى بالوحدانية والألوهية، نتيجة لإثبات ربوبيته تعالى لجميع خلقه.
أما الإبل فلعلها أقرب المعلومات للعرب وألصقها بحياتهم في مطعمهم من لحمها ومشربهم من ألبانها، وملبسهم من أوبارها وجلودها، وفي حلهم وترحالهم بالحمل عليها مما لا يوجد في غيرها في العالم كله لا في الخيل ولا في الفيلة، ولا في أي حيوان آخر، وقد وجه الأنظار إليها مع غيرها في معرض امتنانه تعالى عليهم في قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾.
وكذلك في خصوصها في قوله :﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
إنها نعم متعددة ومنافع بالغة لم توجد في سواها البتة، وكل منها دليل على القدرة بذاته. أما الجبال فهي مما يملأ عيونهم في كل وقت ويشغل تفكيرهم في كل حين، لقربها من حياتهم في الأمطار والمرعى في سهولها، والمقيل في كهوفها وظلها، والرهبة والعظمة في تطاولها وثباتها في مكانها. وقد وجه الأنظار إليها أيضاً في موطن آخر في قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾، ثوابت، كما بين تعالى أنها، رواسي للأرض أن تميد بكم ﴿ والجبال أرساها ٣٢ متاعاً لكم ولأنعامكم ﴾، فهي مرتبطة بحياتهم وحياة أنعامهم كما أسلفنا.
أما السماء ورفعها أي ورفعتها في خلقها وبدون عمد ترونها وبدون قطور أو تشقق على تطاول زمنها، فهي أيضاً محط أنظارهم، وملتقى طلباتهم في سقيا أنعامهم.
ومعلوم أن خلق السماء والأرض من آيات الله الدالة على البعث، كما تقدم مراراً.
وتقدم للشيخ عند قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ الآية. بيان كونها آية. أما الأرض وكيف سطحت، فإن الآية فيها مع عمومها كما في قوله :﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾.
وقوله :﴿ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ آية ثابتة، لأن جرمها مع إجماع المفسرين على تكويرها، فإنها ترى مسطحة أي من النقطة التي هي في امتداد البصر، وذلك يدل على سعتها وكبر حجمها، لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر والضخامة حدًا بعيداً يكاد سطحه يرى مسطحاً من نقطة النظر إليه، وفي كل ذلك آيات متعددات للدلالة على قدرته تعالى على بعث الخلائق، وعلى إيقاع ما يغشاهم على مختلف أحوالهم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه التنبيه على هذا المعنى، عند الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾. من سورة يونس.
تنبيه
التوجيه هنا بالنظر إلى الكيفية في خلق الإبل ونصب الجبال، ورفع السماء، وتسطيح الأرض، مع أن الكيف للحالة، واللَّه تعالى لم يشهد أحداً على شيء من ذلك كله ﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾.
فكيف يوجه السؤال إليهم للنظر إلى الكيفية وهي شيء لم يشهدوه.
والجواب واللَّه تعالى أعلم : هو أنه بالتأمل في نتائج خلق الإبل، ونصب الجبال إلخ. وإن لم يعلموا الكيف، بل ويعجزون عن كنهه وتحقيقه، فهو أبلغ في إقامة الدليل عليهم، كمن يقف أمام صنعة بديعة يجهل سر صنعتها، فيتساءل كيف تم صنعها ؟ وقد وقع مثل ذلك وهو الإحالة على الأثر بدلاً من كشف الكنه والكيف، وذلك في سؤال الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه، أن يريه كيف يحيي الموتى. فكان الجواب : أن أراه الطيور تطير، بعد أن ذبحها بيده وقطعها، وجعل على كل جبل منها جزءاً. فلم يشاهد كيفية وكنه، وحقيقة الإحياء، وهو دبيب الروح فيها وعودة الحياة إليها. لأن ذلك ليس في استطاعته، ولكن شاهد الآثار المترتبة على ذلك، وهي تحركها وطيرانها وعودتها إلى ما كانت عليه قبل ذبحها. مع أنه كان للعزير موقف مماثل وإن كان أوضح في البيان حيث شاهد العظام وهو سبحانه ينشرها، ثم يكسوها لحماً. واللَّه تعالى أعلم.
وكقول زيد بن عمرو بن نفيل، مؤمن الجاهلية المعروف :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما استوت شدها *** سواء وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة *** أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الريح تصرف حالاً فحالا
فكان على هؤلاء العقلاء أن ينظروا بدقة وتأمل، فيما يحيط بهم عامة. وفي تلك الآيات الكبار خاصة، فيجدون فيها ما يكفيهم.
كما قيل :
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فإذا لم يهدهم تفكيرهم ولم تتجه أنظارهم. فذكرهم إنما أنت مذكر. وهذا عام، أي سواء بالدلالة على القدرة من تلك المصنوعات أو بالتلاوة من آيات الوحي. والعلم عند الله تعالى.
فيه الدلالة على أن الإياب هو المرجع.
قال عبيد :
وكل ذي غيبة يؤوب *** وغائب الموت لا يؤوب
كما في قوله :﴿ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾، وهو على الحقيقة كما في صريح منطوق قوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ الآية. وقوله :﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾.
وقوله :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا ﴾، بتقدم حرف التأكيد، وإسناد ذلك للَّه تعالى، وبحرف على مما يؤكد ذلك لا محالة، وأنه بأدق ما يكون، وعلى الصغيرة والكبيرة كما في قوله :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ﴾.
ومن الواضح مجيء ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ٢٥ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾، بعد قوله تعالى :﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ٢١ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ ٢٢ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ ٢٣ فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ ﴾ تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وتخويف لأولئك الذين تولوا وأعرضوا، ثم إن الحساب في اليوم الآخر ليس خاصاً بهؤلاء، بل هو عام بجميع الخلائق. ولكن إسناده لله تعالى مما يدل على المعاني المتقدمة.
نسأل الله العفو والسلامة.